بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٣

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة9%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 617

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤
  • البداية
  • السابق
  • 617 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 194165 / تحميل: 7310
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٣

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

عيني و نفسي ثم مسح يده و قال الحمد للّه حنطة الأهواز و تمر الفرات و زيت الشام ثم أخذ نعليه و ارتدى ثم انطلق معي و أتى المسجد الجامع فصلّى ركعتين ثم احتبى فما رأته حلقة إلاّ تقوضت إليه فاجتمع الطالبون و المطلوبون فأكثروا الكلام فقال إلى ما ذا صار أمرهم قالوا إلى كذا و كذا من ابل قال هي عليّ ثم قام » ( فيه ) « مدح شاعر الحسن بن سهل فقال له احتكم و ظن ان همّته قصيرة فقال ألف ناقة فوجم و لم يمكنه و كره ان يفتضع و قال يا هذا ان بلادنا ليست بلاد ابل و لكن ما قال امرؤ القيس :

إذا لم يكن ابل فمعزى

كان قرون جلتها العصى

قد أمرت لك بألف شاة فالق يحيى بن خاقان فأعطاه بكلّ شاة دينارا ( فيه ) كان عبد اللّه بن جدعان التيمي حين كبر أخذ بنو تيم على يده أن يعطي شيئا من ماله فكان الرجل إذا أتاه يطلب منه قال ادن مني فاذا دنا منه لطمه ثم قال له اذهب بلطمتك أو ترضى فترضيه بنو تيم من ماله فقال ابن قيس الرقيات :

و الذي ان أشار نحوك

لطما تبع اللطم نائل

( فيه ) كان سعيد بن العاص إذا أتاه سائل فلم يكن عنده ما سأل قال اكتب على سجلا إلى أيام يسري .

« و بالسيرة العادلة يقهر المناوي » أي : المعادي و لمّا قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لليهود في مقاسمة الأشجار أما تأخذوا الخرص و أما آخذه قالوا بالعدل قامت السماوات و الأرض .

« و بالحلم عن السفيه تكثر الأنصار عليه » في ( الاستيعاب ) قدم قيس بن عاصم في و فد تميم على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في سنة تسع فلما رآه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال هذا سيد أهل الوبر و قيل للأحنف ممّن تعلمت الحلم قال من قيس بن عاصم رأيته

٢٨١

يوما قاعدا بفناء داره محتبيا بحمائل سيفه يحدث قومه إذ أتى برجل مكتوف و آخر مقتول فقيل له « هذا ابن أخيك قتل ابنك » فو اللّه ما حل حبوته و لا قطع كلامه فلما أتمه التفت إلى ابن أخيه فقال يا ابن اخ بئس ما فعلت أثمت بربك و قطعت رحمك و قتلت ابن عمك و رميت نفسك بسهمك » ثم قال لابن له آخر قم يا بني فوار أخاك و حل كتاف ابن عمك و سق إلى امك مائة ناقة دية ابنها فانها غريبة .

٢١ الحكمة ( ٢٠٧ ) و قالعليه‌السلام :

إِنْ لَمْ تَكُنْ حَلِيماً فَتَحَلَّمْ فَإِنَّهُ قَلَّ مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ إِلاَّ أَوْشَكَ أَنْ يَكُونَ مِنْهُمْ قال ابن أبي الحديد « التكلف للخلق كالطبع له ألا ترى ان الأعرابي الجلف الجافي إذا دخل المدن و القرى و خالط أهلها و طال مكثه فيهم انتقل عن خلق الاعراب الذيى نشأ عليه و تلطف طبعه و صار شبيها بساكني المدن بل قد شاهدناه من الحيوانات حتى الأسد الذي أبعدها انسا ، ذكر ابن الصابي ان عضد الدولة كانت له اسود يصطاد بها الصيد كالفهود فتمسكه عليه حتى يدركه فيذكيه » قلت و قالوا كسرى ابرويز ربّى فيلا فكان يسجد له إذا رآه .

٢٢ الحكمة ( ٢٢٣ ) و قالعليه‌السلام :

مَنْ كَسَاهُ اَلْحَيَاءُ ثَوْبَهُ لَمْ يَرَ اَلنَّاسُ عَيْبَهُ في توحيد المفضل « قال الصادقعليه‌السلام له « انظر إلى ما خص به الانسان

٢٨٢

دون جميع الحيوان من هذا الخلق الجليل قدره العظيم شأنه أعني الحياء فلو لاه لم يقرّ ضيف و لم يوف بعدة و لم تقض الحوائج و لم يتحر الجميل و لم يتنكب القبيح في شي‏ء من الأشياء حتى ان كثيرا من الامور المفترضة أيضا انما تفعل للحياء فان من الناس من لو لا الحياء لم يرع حق والديه و لم يصل ذا رحم و لم يؤد امانة و لم يعف عن فاحشة أفلا ترى كيف و في الانسان جميع الخلال التي فيها صلاحه و تمام أمره » و في الخبر الحياء و الايمان مقرونان في قرن فاذا ذهب أحدهما تبعه صاحبه » .

٢٣ الحكمة ( ٢٢٩ ) و قالعليه‌السلام :

كَفَى بِالْقَنَاعَةِ مُلْكاً وَ بِحُسْنِ اَلْخُلُقِ نَعِيماً أما الأول ففي ( الكافي ) كان أمير المؤمنينعليه‌السلام يقول : « يا ابن آدم ان كنت تريد من الدنيا ما يكفيك فان أيسر ما فيها يكفيك و ان كنت تريد ما لا يكفيك فان كلّ ما فيها لا يكفيك » و مر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله براعي ابل فبعث إليه يستسقيه فقال اما ما في ضروعها فصبوح الحي و اما ما في آنيتنا فغبوقهم فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله اللّهم اكثر ماله و ولده .

ثم مر براعي غنم فبعث إليه يستسقيه فحلب له ما في ضروعها و اكفا ما في أنائه في أناء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله و بعث إليهصلى‌الله‌عليه‌وآله بشاة فقال هذا ما عندنا و ان أحببت ان نزيدك زدناك فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله « اللّهم ارزقه الكفاف » فقال له بعض أصحابه « دعوت للذي ردّك بدعاء ، عامتنا نحبه ، و دعوت للذي أسعفك بحاجتك بدعاء كلّنا نكرهه » فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله « ما قل و كفى خير ممّا كثر و ألهى اللّهم ارزق محمّدا و آل محمّد الكفاف » .

٢٨٣

و أما الثاني ففي ( الكافي ) عن الصادقعليه‌السلام « هلك رجل على عهد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فأتى الحفارين فاذا بهم لم يحفروا شيئا و شكوا ذلك إليه قالوا ما يعمل حديدنا في الأرض فكانما يضرب به في الصفاء فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله و لم ان كان صاحبكم حسن الخلق ائتوني بقدح من ماء فأتوه به فأدخل يده فيه ثم رشّه على الأرض رشا ثم قال احفروا فحفروا ، فكانما كان رملا ينهال عليهم » ( و عنهعليه‌السلام ) « ما يقدم المؤمن على اللّه تعالى بعمل بعد الفرائض أحبّ إلى اللّه تعالى من ان يسمع الناس بخلقه » .

( و عنهعليه‌السلام ) « البر و حسن الخلق يعمران الديار و يزيدان في الأعمار » .

( و عنهعليه‌السلام ) « الخلق الحسن يميت الخطيئة كما يميت الشمس الجليد » .

و عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله « أكثر ما يلج به امتي الجنّة تقوى اللّه و حسن الخلق » .

( و عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله ) « ان صاحب الخلق الحسن له مثل أجر الصائم القائم » .

( و عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله ) لبني عبد المطلب انّكم لن تسعوا الناس بأموالكم فسعوهم بأخلاقكم » .

( و عنهعليه‌السلام ) نزل على الروح الأمين من عند رب العالمين و قال عليك يا محمد بحسن الخلق فانّه ذهب بخير الدنيا و الآخرة .

و قالصلى‌الله‌عليه‌وآله أشبهكم بي أحسنكم خلقا « و في الخبر عجبت من يشتري العبيد بماله كيف لا يشتري الأحرار بحسن خلقه » .

٢٤ الحكمة ( ٣٩٦ ) و قالعليه‌السلام :

اَلْمَنِيَّةُ وَ لاَ اَلدَّنِيَّةُ وَ اَلتَّقَلُّلُ وَ لاَ اَلتَّوَسُّلُ وَ مَنْ لَمْ يُعْطَ قَاعِداً لَمْ يُعْطَ قَائِماً وَ اَلدَّهْرُ يَوْمَانِ يَوْمٌ لَكَ وَ يَوْمٌ عَلَيْكَ فَإِذَا كَانَ لَكَ فَلاَ تَبْطَرْ

٢٨٤

وَ إِذَا كَانَ عَلَيْكَ فَاصْبِرْ « المنية و لا الدنية » في كنايات الجرجاني لمّا تواترت النكبات على قيس ابن زهير خرج هو و صاحب له من بني أسد يسيحان و عليهما المسوح يتقوتان بما تنبته الأرض إلاّ ان دفعا في ليلة قرة إلى أخبية فوجدا رائحة القتار و هما جائعان فسعيا يريدانه فلما قاربناه أدركت قيسا شهامة النفس و عزّة الانفة فرجع و هو يقول :

أعشبت في الأرض حتى كاد يطردني

إلى الصغار شجاع النفس بالعنف

ثم قال :

« ان كان في ترك الأغذية التلف فان في النزاهة الخلف » .

فانفتل عن صاحبه و قال له « دونك و ما تريد فان لي لبثا على هذه الأجارع أرقب داهية القرون الماضية » فمضى صاحبه و رجع من الغد فوجده قد لجأ إلى شجرة الوادي فنال من ثمرها شيئا ثم مات ففي ذلك يقول الحطيئة :

ان قيسا كان ميتته

أسفا و الحر منطلق

شام نارا بالحشا فسعى

و شجاع النفس يختنق

جاء حتى كاد ثم نمى

اسفل الوادي له ورق

فجشا في فمه حشوقه

ثم أغضى و هو مطرق

في دريس ما تعيبه

رب حر ثوبه خلق١

و في ( البحار ) عن المناقب و كذا ( تحف العقول ) و ( اللهوف ) و ( الاحتجاج ) ان الحسينعليه‌السلام قال يوم الطف في خطبته « الا ان الدعيّ ابن الدعيّ قد ركز بين اثنتين القتلة و الذلة و هيهات ماخذ الدنية أبي اللّه ذلك و رسوله و جدود طابت

____________________

( ١ ) المنتخب من كنايات الأدباء للجرجاني : ١١٥ ، مطبعة السعادة ، مصر ١٩٠٨ م .

٢٨٥

و حجور طهرت و أنوف حمية و نفوس أبية لا نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام الا قد أعذرت و أنذرت ألا اني زاحف بهذه الأسرة على قلّة العتاد و خلة الأصحاب ثم أنشأ يقول :

« فان نهزم فهزامون قدما

و ان نهزم فغير مهزمينا

و ما ان طبنا جين و لكن

منايانا و دولة آخرينا

الا ثم لا تلبثون بعدها إلاّ كريث ما يركب الفرس حتى تدور بكم دور الرحا »١ الخ و في ( الطبري ) في كتاب عمر بن سعد إلى عبيد اللّه « ان الحسين أعطاني ان يرجع » فقال له شمر لينزل على حكمك فكتب إليه « اعرض على الحسين و أصحابه النزول على حكمي فان فعلوا ابعث إليهم سلما و ان أبوا فقاتلهم » .

فلما جاء ابن سعد كتابه قال « لا يستسلم الحسين و اللّه ان نفسا أبيه لبين جنبيه » الخ و لمّا عرض على مصعب الأمان أبى و قال :

« و ان الاولى بالطف من آل هاشم

تأسوا فسنوا للكرام التأسيا »

« و التقلل و لا التوسل » في المعجم « وجه سليمان بن علي و إلي الأهواز إلى الخليل لتأديب ولده فأخرج الخليل لرسول سليمان خبزا يابسا و قال ما دمت أجده فلا حاجة بي إلى سليمان و قال :

أبلغ سليمان اني عنه في سعة

و في غنى غير اني لست ذا مال٢

و كان النضر بن سليمان يقول :

أكلت الدنيا بعلم الخليل

و هو في خص لا يشعر به

____________________

( ١ ) نقله المجلسي في « بحار الأنوار » عن « المناقب » لابن شهر آشوب في ٤٥ ٨ ( تاريخ الحسين بن عليعليه‌السلام ) لكن لا وجود لهذا النص في المناقب ، انظر الجزء ٤ في ( امامة أبي عبد اللّه . ) : ٤٦ .

( ٢ ) معجم الادباء للحموي ٦ : ٧٦ ، ط ٣ ، دار الفكر ، بيروت .

٢٨٦

و في ( ابن أبي الحديد ) قال الشاعر :

اقسم باللّه لمص النوى

و شرب ماء القلب المالحة

أحسن بالإنسان من ذلّة

و من سؤال الأوجه الكالحة

فاستغن باللّه تكن ذا غنى

مغتبطا بالصفقة الرابحة

فالزهد عز و التقى سؤدد

و ذلّة النفس لها فاضحة »

( أيضا )

لمص الثماد و خرط القتاد

و شرب الاجاج او ان الظماء

على المرء أهون من أن يرى

ذليلا لخلق إذا أعدما

و خير لعينيك من منظر

إلى ما بأيدي اللئام

قلت : فهلا قال « ما بأيدي الكرام » .

« و من لم يعط قاعدا لم يعط قائما » في ( الكافي ) عن الصادقعليه‌السلام من أصبح و أمسى و الدنيا أكبر همه جعل الفقر بين عينيه و شئت أمره و لم ينل من الدنيا إلا ما قسم له و من أصبح و أمسى و الآخرة أكبر همّه جعل الغنى في قلبه و جمع له أمره » .

« و الدهر يومان يوم لك و يوم عليك » في ( المروج ) كان بزرجمهر وزير ابرويز و الغالب عليه إلى ثلاث عشرة سنة من ملكه ثم اتهمه بالميل إلى بعض الزنادقة من الثنوية فأمر بحبسه و كتب إليه « كان من ثمرة علمك و عقلك ان صرت أهلا للقتل » فأجابه « اما ان كان معي الجد كنت انتفع بثمرة عقلي فالآن إذ لا جد معي انتفع بثمرة الصبر و ان فقد كثير الخير فقد استرحت من كثير من الشر » فدعا ابرويز به و أمر بكسر فمه فقال « فمي أهل لمّا هو شرّ » قال لم قال « لأني كنت أصفك للناس بما ليس فيك لا تقتلني بالشك مع اليقين الذي قد علمته مني فمن الذي يثق بك بعد » فغضب و أمر بضرب عنقه .

٢٨٧

« فاذا كان لك فلا تبطر ، و إذا كان عليك فاصبر » زاد التحف بعد الفقرتين « و بكليهما ستختبر » قيل في كامل « إذا سر لم يبطر و ليس لنكبة المت به بالخاشع المتضائل » هذا ابن أبي الحديد جعل العنوان ثلاثة عناوين فجعل من لم يعط قاعدا لم يعط قائما » عنوانا ثانيا و الباقي ثالثا و اما ابن ميثم فكما هنا جعل الكل واحدا .

٢٥ الحكمة ( ٤١٠ ) و قالعليه‌السلام :

اَلتُّقَى رَئِيسُ اَلْأَخْلاَقِ لان التقوى لا تصدق الا بعد اجتماع جميع مكارم الاخلاق و هو في مقابل حب الدنيا الذي هو رأس كل خطيئة .

٢٦ الحكمة ( ٤٦٠ ) و قالعليه‌السلام :

اَلْحِلْمُ وَ اَلْأَنَاةُ تَوْأَمَانِ يُنْتِجُهُمَا عُلُوُّ اَلْهِمَّةِ أقول : نسبه إليهعليه‌السلام ابن المعتز في بديعه و روي انّهعليه‌السلام قال ذلك لمّا اخبر عن انو شروان بأنّه كان فيه الحلم و الاناة و في ( طبقات كاتب الواقدي ) في عنوان و فد عبد القيس في عام الفتح ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لرأسهم عبد اللّه بن عوف الأشج « فيك خصلتان يحبهما اللّه الحلم و الاناة » و يقال انّه لم يغضب قط .

و في ( كامل المبرد ) حدث ابن عايشة عن أبيه ان رجلا من أهل الشام دخل المدينة فقال رأيت رجلا على بغلة لم أر أحسن وجها و لا أحسن لباسا

٢٨٨

و لا أفره مركبا منه فسألت عنه فقيل لي الحسن بن علي بن أبي طالب فامتلأت له بغضا فصرت إليه فقلت ءانت ابن أبي طالب فقال أنا ابن ابنه فقلت له بك و بأبيك أسبهما فقال احسبك غريبا قلت أجل فقال « ان لنا منزلا واسعا و معونة على الحاجة و ما لا نواسي به » فانطلقت و ما على وجه الأرض أحبّ إليّ منه .

و قال رجل لرجل من آل الزبير كلاما أقذع له فيه فأعرض الزبيري عنه ،

ثم دار كلام فسبّ الزبيري علي بن الحسينعليهما‌السلام فأعرض عنه فقال الزبيري ما يمنعك من جوابي فقالعليه‌السلام « ما منعك من جواب الرجل » و قال رجل لرجل و كان سبّه و لم يك التفت إليه « اياك أعني » فقال له الرجل و عنك اعرض .

و في ( الطرائف ) الموضوع لمدح الأشياء و ذمّها ، أما مدح الاناة فقال تعالىيا أيها الذين آمنوا ان جاءكم فاسق بنبأ فتبيّنوا أن تصيبوا قوما بجهالة ١ و قال حكيم ينبغي للوالي ان يتثبت في ما أنهى إليه و يأخذ بأدب سليمانعليه‌السلام حيث قالقال سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين ٢ و قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله « من تأنى أصاب أو كاد و من تعجّل أخطأ أو كاد »٣ و اما ذمّة فقيل لأبي العيناء لا تعجل فان العجلة من الشيطان فقال لو كانت من الشيطان لمّا قال كليم اللّه .و عجلت إليك ربّ لترضى ٤ و قال محمد بن بشير :

كم من مضيع فرصة قد أمكنت لغد

و ليس غد له بموات

حتى إذا فاتت و فات طلابها

ذهبت عليها نفسه حسرات

قلت : ما نقله في ذم الاناة تخليط و مغالطة فان ما نقله أولا من الاستباق

____________________

( ١ ) الحجرات : ٦ .

( ٢ ) النمل : ٢٧ .

( ٣ ) الطرائف و اللطائف للمقدسي : ٦٤ ، طبع حجري كتابة الخوانساري ١٢٨٦ ه .

( ٤ ) طه : ٨٤ .

٢٨٩

إلى الخيرات و ما نقله ثانيا من تضييع الفرصة و ليس واحد منهما من الاناة في شي‏ء فان الاناة و تركها في أمر لم يعلم عاقبته كعقوبة من لم يعلم جنايته و لعلّه يكشف بعد ترك الاناة فيه و عقوبته برائته فيكون قتل نفسا بغير حق و كما قالعليه‌السلام ( الحلم و الاناة نتيجة علو الهمة ) قالعليه‌السلام ( فان الفقر نتيجة الكسل و العجز روى ( الكافي ) في كراهة كسل معيشته عنهعليه‌السلام ان الأشياء لمّا ازدوجت ازدوج الكسل و العجز فنتجا بينهما الفقر )١ .

٢٧ الخطبة ( ٢٣٦ ) و من كلام لهعليه‌السلام يحثّ فيه أصحابه على الجهاد :

وَ اَللَّهُ مُسْتَأْدِيكُمْ شُكْرَهُ وَ مُوَرِّثُكُمْ أَمْرَهُ وَ مُمْهِلُكُمْ فِي مِضْمَارٍ مَحْدُودٍ لِتَتَنَازَعُوا سَبَقَهُ فَشُدُّوا عُقَدَ اَلْمَآزِرِ وَ اِطْوُوا فُضُولَ اَلْخَوَاصِرِ وَ لاَ تَجْتَمِعُ عَزِيمَةٌ وَ وَلِيمَةٌ مَا أَنْقَضَ اَلنَّوْمَ لِعَزَائِمِ اَلْيَوْمِ وَ أَمْحَى اَلظُّلَمَ لِتَذَاكِيرِ اَلْهِمَمِ وَ صَلَّى اَللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ اَلنَّبِيِّ اَلْأُمِيِّ ، وَ عَلَى آلِهِ مَصَابِيحِ اَلدُّجَى وَ اَلْعُرْوَةِ اَلْوُثْقَى ، وَ سَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا أقول : من الغريب عدم ذكر العنوان في ( ابن أبي الحديد ) هنا بل بعد ( ٢١٥ ) .

« و اللّه مستاديكم شكره » في ( الكافي ) عن الصادقعليه‌السلام مكتوب في التوراة « اشكر من أنعم عليك و انعم على من شكرك فانّه لا زوال للنعماء إذا شكرت و لا بقاء لها إذا كفرت و الشكر زيادة في النعم و امان من الغير » و قال

____________________

( ١ ) المصدر السابق : ٦٥ .

٢٩٠

تعالىو أما بنعمة ربك فحدّث ١ .

« و مورثكم أمره »وعد اللّه الذين آمنوا و عملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم و ليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم و ليبدلنهم من بعد خوفهم امنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا .٢ .

« و ممهلكم في مضار محدود » هكذا في ( المصرية ) و الصواب ( و ممهلكم في مضمار ممدود ) كما في ( ابن ميثم و الخطّية ) .

« لتتنازعوا سبقه » .فاستبقوا الخيرات إلى اللّه مرجعكم جميعاً . سابقوا إلى مغفرة من ربكم و جنّة عرضها كعرض السماء و الأرض . .٣ هذا و في كامل الجزري لمّا ولّى المعتز يعقوب الصفار و علي بن شبل كرمان ليغلب احدهما الآخر أقبل يعقوب و طوّق بن المفلس من قبل علي بن شبل إليها و لم يقاتلا و ارتحل يعقوب بعد شهرين و أظهر الارتحال إلى سجستان فقعد طوق للأكل و الشرب و الملاهي و إذا هو بيعقوب قد قطع مرحلتين في يوم ففر أصحاب طوق و أسر هو فنزع خفه فتساقط منه كسر خبز يابسة فقال يا طوق هذا خفي لم أنزعه منذ شهرين من رجلي و خبزي فيه آكل منه و أنت جالس في الشراب .

« فشدوا عقد المآزر » « قوم إذا حاربوا شدّوا مآزرهم دون النساء و لو بانت باطهار » في ( الطبري ) لمّا كشف أمر إبراهيم بن عبد اللّه بن الحسن اهديت إلى المنصور امرأتان من المدينة احديهما فاطمة بنت محمد بن عيسى بن طلحة بن عبيد اللّه و الاخرى ام الكريم بنت عبد اللّه من ولد خالد بن أسيد بن أبي

____________________

( ١ ) الضحى : ١١ .

( ٢ ) النور : ٥٥ .

( ٣ ) الحديد : ٢١ .

٢٩١

العيص فلم ينظر إليهما فاتته ريسانة فقالت ان هاتين المرأتين قد خبثت أنفسهما و ساعت ظنونهما لمّا ظهر من جفائك لهما فنهرها و قال ليست هذه الأيام من أيام النساء لا سبيل لي إليهما حتى أعلم ارأس إبراهيم لي أم رأسي لإبراهيم١ .

« و اطووا فضول الخواصر » الخصر وسط الانسان وطي فضل الخواصر كناية عن ترك الافراط في الأكل في الكامل مات يعقوب بن الليث الصفار بجنديسابور من القولنج سنة ( ٢٦٥ ) كان الأطباء أمروه بالاحتقان فاختار الموت و كان المعتمد انفذ إليه رسولا يستميله و يقلده أعمال فارس فجعل عنده سيفا و رغيفا من الخبز الخشكار و بصلا و قال للرسول قل للمعتمد اني عليل فان مت استرحت أنا منك و أنت مني و ان عوفيت ليس بيني و بينك إلاّ هذا السيف أما آخذ ثأري و أما ارجع إلى هذا الخبز و البصل .

« و لا تجتمع عزيمة و وليمة » هكذا في ( المصرية ) و الصواب ( لا تجتمع عزيمة و وليمة ) كما في ( ابن ميثم ) فليس المقام مقام الوصل لأنّه كالتعليل لشدّ عقد المآزر و طي فضول الخواصر و في الجمهرة الوليمة طعام العرس و الوضيمة طعام المأتم و في الخبر إذا دعيتم إلى جنازة و وليمة أجيبوا الجنازة لأنها تذكّر الآخرة دون الوليمة فانها تذكر الدنيا .

« ما أنقض النوم لعزائم اليوم » كرره المصنف سهوا في ( ٤٣٠ ) هو و سابقه و لاحقه كالامثال .

« و أمحى الظلم لتذاكير الهمم » و قالوا في عكسه « كلام الليل يمحوه النهار » .

« و صلّى اللّه على سيّدنا محمّد النبي الامي و على آله مصابيح الدجى

____________________

( ١ ) تاريخ الامم و الملوك للطبري ٤ : ٤٧٢ ، دار الكتب العلمية ط ٢ ، ١٩٨٨ ، بيروت .

٢٩٢

و العروة الوثقى و سلم تسليما كثيرا » هكذا في ( المصرية ) و لكن في ( الخطّية ) بدله « و الحمد للّه كثيرا » و في ( ابن ميثم ) « و هذا آخر الخطب و الأوامر و يتلوه المختار من الكتب و الرسائل انشاء اللّه تعالى بمعونته و عصمته و توفيقه و هدايته » و الظاهر صحته حيث انّه المناسب و ان نسخته بخط مصنفه لكن ابن أبي الحديد لم ينقل عن المصنف شيئا أصلا فختم الخطب بعنوان ( هم عيش العلم ) ( ٢٣٤ ) .

٢٩٣

الفصل الرابع و الاربعون في ذمائم الصفات

٢٩٤

١ الحكمة ( ٢ ) و قالعليه‌السلام :

أَزْرَى بِنَفْسِهِ مَنِ اِسْتَشْعَرَ اَلطَّمَعَ وَ رَضِيَ بِالذُّلِّ مَنْ كَشَفَ عَنْ ضُرِّهِ وَ هَانَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ مَنْ أَمَّرَ عَلَيْهَا لِسَانَهُ أقول : قالعليه‌السلام هذا الكلام مع زيادات ، للأشتر ففي ( تحف العقول لابن أبي شعبة الحلبي ) قالعليه‌السلام للأشتر : يا مالك احفظ عنّي هذا الكلام و عه ، يا مالك بخس مروّته من ضعف يقينه ، و أزرى بنفسه من استشعر الطّمع .

و رضي الذّلّ من كشف ضرّه ، و هانت عليه نفسه من اطلع على سرّه ، و أهلكها من أمّر عليه لسانه١ .

« أزرى بنفسه » أي : تهاون بها .

« من استشعر الطمع » أي : جعله شعارا له .

____________________

( ١ ) تحف العقول لابن أبي شعبة : ٢٠١ ٢٠٢ .

٢٩٥

في ( الكافي ) عن أبي جعفرعليه‌السلام : بئس العبد عبد له طمع يقوده ، و بئس العبد عبد له رغبة تذله١ .

و عن السجادعليه‌السلام : رأيت الخير كلّه قد اجتمع في قطع الطمع عمّا في أيدي النّاس٢ .

و في ( الأغاني ) : لمّا ولي خالد بن عتاب الرياحي إصبهان خرج إليه أعشى همدان و كان صديقه بالكوفة فلم يجد عنده ما يحبّ ، فقال يهجوه :

و ما كنت ممّن ألجأته خصاصة

إليك و لا ممّن تغر المواعد

و لكنّها الأطماع و هي مذلّة

دنت بي و أنت النازح المتباعد٣

في ( الحلية ) : مر فتح الموصلي بصبيين مع أحدهما كسرة عليها عسل و مع الآخر كسرة عليها كامخ ، فقال للذي على خبزه العسل : أطعمني من خبزك قال : إن كنت كلبا لي قال : نعم فأطعمه و جعل في فمه خيطا و جعل يقوده ، فقال فتح : لو رضيت بخبزك ما كنت كلبا٤ لهذا قال الشاعر :

كلفني حبي للدراهم

و قلّة البقوى على المغارم

خدمة من لست له بخادم

و لبعضهم :

إنّ الجديدين في طول اختلافهما

لا يفسدان و لكن يفسد الناس

لا يطمعا طمعا يدني إلى طبع

إنّ المطامع فقر و الغنى الياس

للناس مال و لي مالان مالهما

إذا تحارس أهل المال حراس

مالي الرضا بالذي أصبحت أملكه

و مالي اليأس ممّا يملك الناس

____________________

( ١ ) الكافي للكليني ٣ : ٣٢٠ .

( ٢ ) الكافي ٢ : ١٤٨ ح ٣ .

( ٣ ) الأغاني ٦ : ٤٥ .

( ٤ ) حلية الأولياء ٨ : ٢٩٣ .

٢٩٦

« و رضي بالذل من كشف عن ضرّه » قال ابن أبي الحديد : سمع الأحنف رجلا يقول : لم أنم الليلة من وجع ضرسي و جعل يكثر فقال : يا هذا لم تكثر ؟

فو اللّه لقد ذهبت عيني منذ ثلاثين سنة فما شكوت ذلك إلى أحد و لا أعلمت بها أحدا١ .

« و هانت عليه نفسه من أمر عليها لسانه » في ( الأغاني ) : مر مروان بن أبي حفصة برجل من تيم اللات بن ثعلبة يعرف بالجني ، فقال له مروان : زعموا أنّك تقول الشعر فقال له : إن شئت عرفتك ذلك فقال له مروان : ما أنت و الشعر ؟ ما أرى من طريقك و لا مذهبك و لا تقوله فقال له الجني : اجلس و اسمع فجلس ، فقال له الجني يهجوه :

ثوى اللؤم في العجلان يوما و ليلة

و في دار مروان ثوى آخر الدهر

غدا اللؤم يبغي مطرحا لرحاله

فنقب في بر البلاد و في البحر

فلما أتى مروان خيم عنده

و قال رضينا بالمقام إلى الحشر

و ليس لمروان على العرس غيرة

و لكن مروانا يغار على القدر

فقال له مروان : ناشدتك اللّه إلاّ كففت ، فأنت أشعر الناس فحلف الجني بالطلاق ثلاثا انّه لا يكفّ حتى يصير إليه بنفر من رؤساء أهل اليمامة ثم يقول بحضرتهم : « قاق في استي بيضة » ، فجلبهم إليه مروان و فعل ذلك بحضرتهم ،

فانصرفوا و هم يضحكون من فعله و قال بعضهم : اللّسان أجرح جوارح الإنسان٢ .

____________________

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٨٤ .

( ٢ ) الأغاني ١٠ : ٩٢ ٩٣ .

٢٩٧

٢ الكتاب ( ٧٩ ) و من كتاب لهعليه‌السلام لمّا استخلف إلى أمراء الأجناد :

أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ مَنَعُوا اَلنَّاسَ اَلْحَقَّ فَاشْتَرَوْهُ وَ أَخَذُوهُمْ بِالْبَاطِلِ فَاقْتَدَوْهُ كتبعليه‌السلام ذلك إليهم لأن أمراء الأجناد كانوا أيام عثمان مقتدرين على منع حق الناس و أخذهم بالباطل .

« أمّا بعد فانّما اهلك من كان قبلكم انّهم منعوا الناس الحق فاشتروه » يعني إن كنتم كذلك ، تهلكون كما هلك من كان قبلكم بذلك و المراد أنّ النّاس صاروا مضطرين إلى شراء حقوقهم منهم .

« و اخذوهم بالباطل فاقتدوه » هكذا « فاقتدوه » بالقاف في النسخ ، و قال ابن أبي الحديد : المراد أنّ الخلف اقتدوا بآبائهم الذين أخذوا بالباطل في ارتكاب الباطل ظنّا انّه حق لما نشؤوا عليه١ .

قلت : اللفظ لا يفيد ما قال و المعنى لا يجيزه ، لأنّهعليه‌السلام في مقام ذم الامراء دون الرعايا ، و الصواب : أن يقال : « اقتدوه » محرّف « افتدوه » بالفاء ، أي : أعطوا الفدية لئلا يؤخذ بالباطل و منه يظهر أيضا ما في قول ابن أبي الحديد و روي « فاستروه » بالسين أي : اختاروه و الفاعل الظلمة٢ .

أي : منعوا النّاس حقّهم من المال و اختاروه لأنفسهم ، فإنّ ما قاله كالمثلة للكلام و المرام .

هذا ، و في ( اليعقوبي ) : قال الزهري : كنت يوما عند عمر بن عبد العزيز إذ أتاه كتاب من عامل له كتب أنّ مدينته تحتاج إلى مرمة ، فقلت له : إنّ بعض

____________________

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٧٧ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٧٧ .

٢٩٨

عمّال عليّعليه‌السلام كتب إليه بمثل هذا ، فكتبعليه‌السلام في جوابه : « أمّا بعد فحصّنها بالعدل و نقّ طرقها من الجور » فكتب عمر بن عبد العزيز أيضا ذلك في جواب عامله١ .

٣ الحكمة ( ٣ ) و قالعليه‌السلام :

اَلْبُخْلُ عَارٌ وَ اَلْجُبْنُ مَنْقَصَةٌ وَ اَلْفَقْرُ يُخْرِسُ اَلْفَطِنَ عَنْ حُجَّتِهِ وَ اَلْمُقِلُّ غَرِيبٌ فِي بَلْدَتِهِ وَ اَلْعَجْزُ آفَةٌ وَ اَلصَّبْرُ شَجَاعَةٌ وَ اَلزُّهْدُ ثَرْوَةٌ وَ اَلْوَرَعُ جُنَّةٌ أقول : نقله ( التحف ) كالأول جزء وصيته للأشتر مع زيادات ، و فيه بدل قوله « و الزهد ثروة » : « و الشكر ثروة »٢ .

ثم ان ابن أبي الحديد جعل هذا عنوانين ، الأول إلى قوله « في بلدته » و بالعكس جعل ابن ميثم ستة من عناوين المتن من الثاني إلى السابع عنوانا واحدا ، و هو الأصح حيث إنّ نسخة ابن ميثم بخط المصنّف ، و لأنّ الجميع وصيتهعليه‌السلام للأشتر كما يفهم من ( التحف )٣ .

« البخل عار » قال الرضاعليه‌السلام : البخيل بعيد من اللّه بعيد من الجنّة قريب من النار٤ .

كان محمد بن يحيى البرمكي بخيلا بخلاف باقي بيته ، و قال أبوه لأحد خواصّه سوءة له : أنت خاص به و ثوبك مخرق ؟ قال : و اللّه ما أقدر على إبرة

____________________

( ١ ) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٣٠٦ .

( ٢ ) التحف : ١٣٨ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٨٧ الحكمة ( ٣ ) ، و ابن ميثم ٥ : ٢٣٨ ( جزء من الحكمة ٢ ) .

( ٤ ) بحار الأنوار للمجلسي ٧١ : ٣٥٢ ، ح ٧ .

٢٩٩

أخيطه بها ، و لو ملك محمد بيتا من بغداد إلى النوبة مملوا إبرا ثم جاءه جبرئيل و ميكائيل و معهما يعقوب النبي يضمنان له عنه إبرة و يسألانه إعارته إيّاها ليخيط بها قميص يوسف الذي قدّ من دبره ، ما فعل قال : فصف مائدته قال :

هي فتر في فتر ، و صحافه منقورة من حب الخشخاش و بين نديمه و بين الرغيف نقدة جوزة قال : فمن يحضره ؟ قال : الكرام الكاتبون قال : فمن يأكل معه ؟ قال : الذباب .

و في ( العيون ) : كان عمر بن يزيد الأسدي على شرطة الحجاج فأصابه قولنج فحقنه الطبيب بدهن كثير فانحل بطنه في الطست ، فقال الغلام : ما تصنع به ؟ قال : أصبه قال : لا ، و لكن ميّز منه الدهن ، و استصبح به١ .

و قيل : لو لم يكن في ذمّة إلاّ قوله تعالى :و لا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم اللّه من فضله هو خيرا لهم بل هو شرّ لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة . .٢ لكفى .

و قالوا : أبخل الناس بماله أجودهم بعرضه .

و قال عبد الملك لمصعب : لا يسود أخوك لثلاث : لبخله و عجبه و استبداده٣ .

و قال الشاعر :

لا يسود امرؤ بخيل و لو

مس بيافوخه عنان السماء٤

و في ( بخلاء الجاحظ ) بعد ذكر حبّ الناس للجواد و مدحهم له و إفراطهم فيه : ثم وجدنا هؤلاء بأنعاتهم للبخيل على ضدّ هذه الصفة و على خلاف هذا

____________________

( ١ ) لا وجود له في عيون الأخبار ، بل هو موجود في البخلاء للجاحظ : ٣١٥ .

( ٢ ) آل عمران : ١٨٠ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ٢٠ : ٣٢٨ .

( ٤ ) الظرئف و اللطائف للثعلبي : ٧٢ .

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500
٥٠١

الباب الرابع

خلاصة وخاتمة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الفصل الأول 507 شخصية الحسنعليه‌السلام بين الافتراء والواقع

الفصل الثاني 517 القراءة السائدة للصلح والمشكلات التي امامها

الفصل الثالث 520 صلح الامام الحسنعليه‌السلام قراءة جديدة

الفصل الرابع 571 مسار ثقافة الامة المسلمة

الفصل الخامس 579 خلاصة في المقارنة بين مراحل سير مشروعين

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

٥٠٢
٥٠٣

الباب الرابع / الفصل الاول

شخصية الحسن عليه‌السلام بين الافتراء والواقع

اجمع الباحثون المستشرقون على وصف الحسنعليه‌السلام بانه كان شخصية متخاذلة ليس جديرا ان يكون ابنا لعليعليه‌السلام ، ولا رجل الساعة المطلوب سلم الحكم لقاء منحة سنوية يقدمها له معاوية ثم انصرف الى ملذاته وشهواته ثم مات بسبب اسرافه فيها ، وكانت مصادرهم في ذلك روايات مبثوثة هنا وهناك في مصادر التاريخ الاسلامي الاولى ، وضعها العباسيون لمواجهة خصومهم الحسنيين الثائرين لتجريدهم منسلاح الشعبية التي كانوا يتمتعون بها في الكوفة لمكانة ابائهم الحسن المثنى(1) والحسن السبط وامير المؤمنين عليعليه‌السلام وقد اقاما تجربتي حكم رائدتين اتسمتا بتقديم مصلحة الرسالة والامة على المصالح الشخصية.

وفيما يلي خلاصة كلماتهم فيه ، وبعض الروايات التاريخية الطاعنة في الحسن التي

__________________

(1) ذكر المؤرخون وأصحاب السير والحديث والانساب وغيرهم أن الحسن المثنى بن الحسن السبط حضر مع عمه الحسينعليه‌السلام يوم الطف وشهد المعركة ، وواسى عمه في الصبر على السيوف والرماح حتى أثخن بالجراح ووقع على الارض بين القتلى ، وكان به رمق. فأخذه اخواله من فزارة واستوهبوه من ابن زياد وعولج فبرئ (عمدة الطالب ص 100) واتفقوا على أنه برئ ولحق بالمدينة وتوفي سنة 97 هـ الذهبي ، تاريخ الاسلام ج 6 ص 330.

أقول : وقد تبنى ابو مخنف رواية خالف فيها الثابت من سيرة الحسن المثنى فقال (واستصغر الحسن بن الحسن بن علي وأمه خولة ابنة منظور بن زيان بن يسار الفزاري فترك فلم يقتل) (تاريخ الطبري 4 / 359). وهو شاهد على ان ابا مخنف كان قد الف كتابه مقتل الحسين رعاية للإعلام العباسي في بني الحسن والكوفة.

٥٠٤

وضعها الاعلام العباسي مع بعض كلمات الخليفة العباسي في الحسن وابيه عليعليه‌السلام ، ثم شواهد تاريخيه على عظمة شخصية الامام الحسنعليه‌السلام في العبادة والسلوك والمكانة الدينية والاجتماعية.

شخصية الامام الحسن عليه‌السلام عند المستشرقين

قال الدكتور فيليب حتي : «ولكن الحسن الذي كان يميل الى الترف والبذخ لا الى الحكم والارادة لم يكن رجل الموقف فانزوى عن الخلافة مكتفيا بهبة سنوية منحه اياها معاوية».(1)

وقال الراهب اليسوعي لامنس (البلجيكي) المتخصص بالتاريخ الاسلامي(2) : «الحسن اكبر ابناء علي من فاطمة بنت رسول الله ويلوح ان الصفات الجوهرية التي كان يتصف بها الحسن هي الميل الى الشهوات والافتقار الى النشاط والذكاء. ولم يكن الحسن على وفاق مع ابيه واخوته عندما ماتت فاطمة ولما تجاوز الشباب. وتوفي الحسن في المدينة بذات الرئة ولعل افراطه في الملذات هو الذي عجل بمنيته.(3)

وقال جرهارد كونسلمان : لقد باع (الحسن) المنصب الذي تركه محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله لنسله من اجل المال ويقال انه مات بالسل والهزال.(4)

وقال سايكس : في كتابه () ان الحسن غير جدير بان يكون ابنا لعلي لانه شغل بملذاته بين نسائه واكتفى بارسال اثني عشر الف جندي كطليعة لجيشه بينما احتفظ بقلب الجيش في المدائن حيث ظل يتنزه في الحدائق وخاف ان يجرب حظه في ميدان القتال.(5)

__________________

(1) حتى ، فليب ، العرب تاريخ موجز ، ص 78.

(2) قال عبد الرحمن بدوي في موسوعته عن المستشرقين ، لامنس : مستشرق بلجيكي ، وراهب يسوعي شديد التعصب ضد لا إسلام ، يفتقر إفتقاراً إلى النزاهة في البحث والأمانة في نقل النصوص وفهمها. ويعد نموذجاً سيئاً جداً للباحثين في الإسلام من بين المستشرقين.

(3)الموسوعة الاسلامية (Encyclopedia Of Islam) ج 7 / 401 4002. أشرف على تأليفها فنسنك وآخرون وكتبت باللغة الانكليزية وترجمت الى الفرنسية والالمانية ثم ترجمت الى اللغة العربية ونحن ننقل من النسخة العربية.

(4) جرهارد كونسلمان ،سطوع نجم الشيعة .

(5) الدكتور الخربوطلي ،العراق في ظل الحكم الاموي ، ص 74.

٥٠٥

وقال الكاتب العراقي هادي العلوي (1) : «ان هذا الرجل (يقصد الحسنعليه‌السلام ) يتعذر عليه ان يخوض صراعا سياسيا او عسكريا وكان من المنتظر والطبيعي ان ينسحب بمجرد ان يؤول اليه الامر ، وانه لم يمارس بعد الصلح أي نشاط معارض وقد تفرغ الحسن لحياته الشخصية وعاش كما قال عنه ابوه بين جَفنة وخِوان كأي فتى من فتيان قريش المنعمين.

ثم يستطرد العلوي قائلا : ان الدفاع عن صلح الحسن من نتائج الايديولوجيا(2)

ثم يقول : ومعاوية الذي تراجع الحسن امامه كان زعيما عظيما وقد دخل التاريخ كواحد من الاباطرة العظام بجميع لمقاييس وفي شتى العصور(3)

مصادر المستشرقين روايات الإعلام العباسي

استند الباحثون المستشرقون في تكوين الرؤية السلبية الانفة الذكر عن الحسنعليه‌السلام الى رويات اوردتها مصادر تاريخية اسلامية امثال الطبقات الكبرى لابن سعد ت 230 هـ واغاني ابي الفرج الاصبهاني ، وتاريخ محمد بن طاهر المقدسي ت 507 هـ.

روى ابن سعد عن وهب بن جرير بن حازم ت 175 هـ عن ابيه قال اخبرنا شعبة عن ابي اسحاق عن معدي كرب ان عليا مر على قوم مجتمعين ورجل يحدثهم فقال من هذا قالوا الحسن فقال طحن ابل لم تعوَّد طحنا. ان لكل قوم صداد وان صدادنا الحسن.(4)

وروى عن علي بن محمد عن سحيم بن حفص الأنصاري (ت 170 هـ). عن عيسى

__________________

(1) ادرجناه ضمن المستشرقين على الرغم من كونه ينتسب الى الاسلام والتشيع ولكنه تبنى الفكر الماركسي في الايديلولوجيا ومنهج المستشرقين في البحث.

(2) الدكتور الخربوطلي ،العراق في ظل الحكم الاموي ، ص 74.

(3) الثقافة الجديدة تسلسل 223 سنة 1990 تموز السنة 37 العدد 9. من الغريب ان العلوي هذا عرفه اصدقاؤه بالتقشف والزهد والبساطة في العيش يعتقد بمعاوية هذا المعتقد ، ولا بد انه قد قرأ عنه سفكه لدم حجر بن عدي واصحابه وتشريده العراقيين وسجنهم وقطع ايديهم لا لشيء الا لتوليهم عليا ، فهل ان زعامة تقوم على مبدأ كهذا جديرة بالاحترام!.

(4) ابن سعد ، الطبقات الكبرى القسم الناقص ج 1 ص 277 ـ 278 ورواه أيضا ابن معين عن ذر عن شعبة عن أبي اسحق عن معدي كرب (ابن معين تاريخ ابن معين ج 2 / 419).

٥٠٦

بن أبي هارون المزني. قال : تزوج الحسن بن علي حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر. وكان المنذر بن الزبير هويها. فأبلغ الحسن عنها شيئا فطلقها الحسن. فخطبها المنذر فأبت أن تزوجه وقالت : شهرني. فخطبها عاصم بن عمر بن الخطاب فتزوجها فرقي إليه المنذر أيضا شيئا ، فطلقها. ثم خطبها المنذر. فقيل لها : تزوجيه فيعلم الناس أنه كان يَعْضَهُكِ (أي بيهتك) فتزوجته فعلم الناس أنه كذب عليها. فقال الحسن لعاصم بن عمر : انطلق بنا حتى نستأذن المنذر فندخل على حفصة فستأذناه. فشاور أخاه عبد الله بن الزبير فقال دعهما يدخلان عليها. فدخلا فكانت إلى عاصم أكثر نظرا منها إلى الحسن وكانت إليه أبسط في الحديث. فقال الحسن للمنذر خذ بيدها فأخذ بيدها. وقام الحسن وعاصم فخرجا وكان الحسن يهواها وإنما طلقها لما رقا إليه المنذر. فقال الحسن يوما لابن أبي عتيق وهو عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن وحفصة عمته هل لك في العقيق؟ قال : نعم. فخرجا فمرا على منزل حفصة. فدخل إليها الحسن فتحدثا طويلا ثم خرج. ثم قال أيضا بعد ذلك بأيام لابن أبي عتيق : هل لك في العقيق؟ قال : نعم. فخرجا فمرا بمنزل حفصة. فدخل الحسن فتحدثا طويلا. ثم خرج ثم قال الحسن مرة أخرى لابن أبي عتيق : هل لك في العقيق؟ فقال : يا ابن أم ألا تقول هل لك في حفصة؟.(1)

وروى عن يحيى بن حماد قال اخبرنا أبو عوانة (176 هـ)(2) عن سليمان عن حبيب بن ابي ثابت عن ابي ادريس عن المسيب بن نجبة قال سمعت عليا يقول الا احدثكم عني وعن أهل بيتي؟ اما عبد الله بن جعفر فصاحب لهو ، واما الحسن بن علي فصاحب جفنة وخوان فتى من فتيان قريش لوقد التقتا حلقتا البطان لم يغن في الحرب عنكم شيئا ، واما انا وحسين فنحن منكم وانتم منا.(3)

__________________

(1) ابن سعد ، الطبقات الكبرى ، ج 1 ص 307 ، سحيم بن حفص الأنصاري كنيته أبو اليقظان واسمه عامر بن حفص وسحيم لقب له. ذكره ابن النديم في الفهرست ص 106.أقول : هو من شيوخ علي بن محمد المدائني.

(2) ابن سعد ،الطبقات الكبرى ، ج 7 ص 287 أبو عوانة واسمه الوضاح مولى يزيد بن عطاء كان أصله من أهل واسط ثم انتقل إلى البصرة فنزلها حتى مات بها.

(3) ابن سعد ،الطبقات الكبرى ، القسم الناقص ج 1 ص 297 ، وابن أبي الحديد ، شرح نهج البلاغة ج 16 ص 11.

٥٠٧

وروى عن محمد بن عبد الله الاسدي (203 هـ) قال حدثنا اسرائيل (160 هـ)(1) عن ابي اسحاق عن هبيرة بن يريم قال قيل لعلي هذا الحسن بن علي في المسجد يحدث الناس فقال طحن ابل لم تعوَّد طحنا ، وما طحن ابل يومئذ.(2)

وروى ابو الفرج الاسفهاني عن احمد عن عمر بن شبة عن المدائني عن قيس بن الربيع (168 هـ)(3) عن الاجلح عن الشعبي عن جندب : ان الحسن قال لابيه حين طلب ان يجلد الوليد بن عقبة : مالك ولهذا؟(4)

وروى عن عمر بن شبة وسعيد بن محمد المخزومي كلاهما عن محمد بن حاتم عن اسماعيل بن ابراهيم علية البصري (193 هـ) عن سعيد بن عروبة البصري عن عبد الله بن الداناج عن حضين بن المنذر ابي سلسان قال : لما جيء بالوليد بن عقبة الى عثمان بن عفان وقد شهدوا عليه بشرب الخمرقال لعلي دونك ابن عمك فاقم عليهالحد فأوعز علي إلى ابنه الحسن أنْ يقوم بجلد الوليد ، فرفض الحسن وقال له : مالك ولهذا؟ فقال له علي : بل ضعفت ووهنت وعجزت.(5)

وقال المقدسي في البدء والتاريخ : «أنَّهعليه‌السلام كان أرخى ستره على مأتي حرة».(6)

__________________

(1) ابن سعد ،الطبقات الكبرى ، ج 6 ص 374 قال ابن حجر في تهذيب التهذيب : قال عثمان بن أبي شيبة عن عبد الرحمن بن مهدي إسرائيل لص يسرق الحديث.

(2) ابن سعد ،الطبقات الكبرى ، القسم المفقود ، من ذخائر تراثنا ترجمة الحسن من ابن سعد غير المطبوع ص 58.

(3) العقيلي ،الضعفاء الكبير (ضعفاء العقيلي) ، ج 3 ص 469 قيس بن الربيع عن محمد بن عبيد قال كان قيس بن الربيع استعمله أبو جعفر على المدائن فكان يعلق النساء بثديهن ويرسل عليهن الزنابير قال ابن حبان : كان شعبة يروى عنه وكان معروفا بالحديث صدوقا ويقال إن ابنه أفسد عليه كتبه بأخرة فترك الناس حديثه. وفي تذكرة الحفاظ للذهبي ج 1 ص 226 قيس بن الربيع الحافظ أبو محمد الأسدي الكوفي كان من أوعية العلم وارى الأئمة تكلموا فيه لظلمه.

(4) ابو الفرج الاصفهاني ،الاغاني ، ج 5 ص 144.

(5) ابو الفرج الاصفهاني ،الاغاني ، ج 5 ص 145.

(6) المقدسي ، البدء والتاريخ / ج 5 ص 4.

٥٠٨

الروايات الطاعنة في شخصية الحسن عليه‌السلام

من وضع الامويين والعباسيين

الروايات الانفة الذكر مما وضعه الاعلام العباسي بأمر الخليفة العباسي ابي جعفر الدوانيقي لمواجهة الحسنيين الثائرين ضد العباسيين لتجريدهم من سلاح قوي بيدهم وهو التاريخ المشرق لأبيهم الحسنعليه‌السلام وجدِّهم عليعليه‌السلام انهم يقاتلون ليس لأجل السلطة بل لأجل المحرومين ، قال محمد بن عبد الله بن الحسن في رسالته الى ابي جعفر الوانيقي (وإنما ادعيتم هذا الامر بنا وخرجتم له بشيعتنا وحظيتم بفضلنا وإن أبانا عليا كان الوصي وكان الامام فكيف ورثتم ولايته وولده أحياء ثم قد علمت أنه لم يطلب هذا الامر أحد له مثل نسبنا وشرفنا وحالنا وشرف آبائنا).(1)

قال عليعليه‌السلام «اللّهم إِنّك تعلم أنّه لم يكن الذي كان منّا منافسة في سلطان ، ولا التماس شيء من فضول الحطام ، ولكن لنردّ المعالم من دينك ونظهر الإصلاح في بلادك فيأمن المظلومون من عبادك وتقام المعطّلة من حدودك.».(2)

وقد سلم الحسينعليه‌السلام ملك العراق بهدف الاصلاح وامان الناس لما عرض عليه معاوية ان يبقى عليه ويبقى هو على الشام. ولما اطلع معاوية على الشروط وقف عند شرط امان الناس وذكر قيس بن سعد انه لا بد ان يقتله وموقف الحسن كان واضحا ان الشروط ومنها الامان صفقة كاملة اما ان يقبلها معاوية كلها او يرفضها معاوية كلها.

ومن اهم الشواهد على انها تبينت من قبل العباسيين قول المنصور بعد ان سجن عبد الله بن الحسن واخوته :

(فقام فيها علي بن أبي طالبعليه‌السلام فما أفلح ، وحكَّم الحكمين ، فاختلفت عليه الأمّة وافترقت الكلمة ، ثمَّ وثب عليه شيعته وأنصاره وثقاته فقتلوه.

ثمَّ قام بعدَهُ الحسن بن عليعليه‌السلام ، فوالله ما كان برجل ، عرضت عليه الأموال فقبلها ، ودسَّ إليه معايوة إنِّي أجعلك ولي عهدي ، فخلع نفسه وانسلخ له ممَّا كان

__________________

(1) الطبري ،تاريخ الطبري ، ج 6 ص 196.

(2) نهج البلاغة ، فيض / 406 ؛ عبده 2 / 19.

٥٠٩

فيه ، وسلَّمه إليه وأقبل على النساء يتزوج اليوم واحدة ويطلق غداً أخرى ، فلم يزل كذلك حتّى مات على فراشه).(1)

وكذلك شعر مروان بن ابي حفصة ت 182 هـ : كان يتقرب الى الخليفة هارون بهجاء العلويين. انشد قصيدة يمدح بها الرشيد ويذكر فيها ولد فاطمةعليها‌السلام وينحى عليهم ويذمهم وقد بالغ حين ذم علياًعليه‌السلام ونال منه وأولها :

عليٌّ أبوكم كان أفضلَ منكم اباه(2)

ذوو الشورى كانوا ذوي الفضل

ساء رسولَ الله إذْ ساء بنتَه

بخطبته بنتَ اللعين أبي جهل

فذمَّ رسول الله صهرَ أبيكمُ

على منبر بالمنطق الصادق الفضل

وحكَّمَ فيها حاكمين أبوكمُ

هما خلعاه خلع ذي النعل للنعل

وخلَّيتموها وهي في غير أهلها

فقد أُبطلت دعواكمُ الرثة الحبلِ

وقد باعها من بعده الحسن ابنه

وطالبتموها حين صارت إلى أهل(3)

شخصية الامام الحسن عليه‌السلام في

الروايات الصحيحة

روى الشيخ الصدوق عن المفضل بن عمر قال قال الامام الصادقعليه‌السلام (ت 148 هـ) حدثني أبي عن أبيهعليهما‌السلام أن الحسن بن علي بن أبي طالبعليه‌السلام :

كان أعبد الناس في زمانه ، وأزهدهم وأفضلهم ،

وكان إذا حج حج ماشيا ، وربما مشى حافيا ،

وكان إذا ذكر الموت بكى ، وإذا ذكر القبر بكى ، وإذا ذكر البعث والنشور بكى ، وإذا ذكر الممر على الصراط بكى ، وإذا ذكر العرض على الله تعالى ذكره شهق شهقة يغشى عليه منها.

__________________

(1) المسعودي ،مروج الذهبي ج 3 ص 301.

(2) أي رفضه أهل الشورى في قصة بيعة عثمان.

(3) ابن ابي الحديد ،شرح نهج البلاغة ج 4 ص 63 ـ 64. وانظرالاغاني لابي الفرج الاصفهاني ج 23 ص 214 ـ 215. وابن خلكان ، وفيات الاعيان ج 5 ص 189 ـ 193. والدينوري ، ابن قتيبة ، الشعروالشعراء ، ج 2 ص 649.

٥١٠

وكان إذا قام في صلاته ترتعد فرائصه بين يدي ربه عز وجل ،

وكان إذا ذكر الجنة والنار اضطرب اضطراب السليم ، ويسأل الله تعالى الجنة ، ويعوذ به من النار ،

وكان لا يقرأ من كتاب الله عز وجل : (يا أيها الذين آمنوا) إلا قال : لبيك اللهم لبيك ، ولم ير في شيء من أحواله إذا ذاكرا لله سبحانه ،

وكان أصدق الناس لهجة ، وأفصحهم منطقا.(1)

وقال ابن عساكر عن عبد الله بن العباس قال : ما ندمت على شيء فاتني في شبابي إلا أني لم أحج ماشيا ، ولقد حج الحسن بن علي خمسة وعشرين حجة ماشيا وإن النجائب لتقاد معه.(2)

قال واصل بن عطاء : كان الحسن بن علي عليه سيماء الانبياء وبهاء الملوك.(3)

عن ابن عون عن عمير بن إسحاق قال ما تكلم عندي أحد كان احب الي إذا تكلم أن لا يسكت من الحسن بن علي وما سمعت منه كلمة فحش قط إلا مرة فإنه تكلم بين حسين بن علي وعمرو بن عثمان بن عفان خصومة في ارض فعرض حسين امرا لهم لم يرضه عمرو فقال الحسن فليس له عندنا إلا ما رغم انفه قال فهذا اشد كلمة فحش سمعتها منه قط.(4)

قال الواقدي : عن ثعلبة بن ابي مالك : شهدت الحسن يوم مات ودفن بالبقيع فلقد رأيت البقيع ولو طرحت فيه ابرة ما وقعت الال على راس انسان.(5)

وروى ابن عساكر ايضا قال : بكى على الحسن بن علي بمكة والمدينة سبعا النساء والصبيان والرجال.(6)

__________________

(1) الشيخ الصدوق ،الأمالي ، ص 140.

(2) ابنعساكر ،تاريخ مدينة دمشق ، ج 14 ص 72. والذهبي ،سير اعلام النبلاء ، ج 4 ص 387.

(3) المجلسي ،بحار الانوار ج 43 ص 251.

(4) ابن عساكر ،تاريخ مدينة دمشق ، ج 14 ص 80. وابن سعد ، الطبقات الكبرى القسم الناقص ج 1 ص 279. والمزي ،تهذيب الكمال ج 2 ص 591.

(5) ابن حجر ،الاصابة ج 1 ص 495. والحاكم ،المستدرك ، ج 3 ص 190. وابن سعد ، الطبقات الكبرى القسم المتمم ج 1 ص 351.

(6) ابن عساكر ،تاريخ مدينة دمشق ج 14 ص 118. وابن كثير ،البداية والنهاية ، ج 8 ص 43.

٥١١

وفي الطبقات الكبرى : عن أبي جعفر قال : مكث الناس يبكون على حسن بن علي سبعا ما تقوم الاسواق.(1)

وعن عبد الله بن عروة بن الزبير قال : رأيت عبد الله بن الزبير قعد إلى الحسن بن علي في غداة من الشتاء باردة ، قال : فوالله ما قام حتى تفسخ جبينه عرقا!. قال : فغاظني ذلك فقمت إليه فقلت : يا عم. قال : ما تشاء؟ قلت : رأيتك قعدت إلى الحسن بن علي فما قمت من عنده حتى تفسخ جبينك عرقا! قال : يا ابن أخي انه ابن فاطمة لا والله ما قامت النساء عن مثله.(2)

وفيه يقول النجاشي الشاعر وكان من شيعة علي ، يرثيه عند وفاته :

لم يُسْبِلِ السترُ على مثله

في الأرض من حافٍ ومن ناعل(3)

وقيل للحسن : فيك عظمة ، فقالعليه‌السلام : بل فيَّ عزة قال الله : «ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين».(4)

قال محمد بن اسحاق : ما بلغ احد من الشرف بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ما بلغ الحسن بن علي. كان يبسط له على باب داره فاذا خرج وجلس انقطع الطريق فما يمر احد من خلق الله الا جلس اجلالا له فاذ اعلم قام ودخل بيته فيمر الناس. ونزل عن راحلته في طريق مكة فمشى فما من خلق الله احد الا نزل ومشى حتى سعد بن ابي وقاص فقد نزل ومشى الى جنبه.(5)

وقال معاوية لعبد الله بن الزبير سنة 44 حين زار المدينة الا ترى الحسن زارني مرة واحدة قال ان مع الحسن ماة الف سيف لو شاء ضربك بها.

قال محمد بن سعد : أخبرنا علي بن محمد ، عن محمد بن عمر العبدي ، عن أبي سعيد : إن معاوية قال لرجل من أهل المدينة من قريش : أخبرني عن الحسن بن علي. قال : يا أمير المؤمنين ، إذا صلى الغداة جلس في مصلاه حتى تطلع الشمس ، ثم يساند

__________________

(1) ابن سعد ،الطبقات الكبرى ، القسم الناقص 1 ص 352. والحاكم ،المستدرك ، ج 3 ص 189.

(2) المزي ،تهذيب الكمال : ج 6 ص 233. وابن عساكر ،تاريخ مدينة دمشق ج 14 ص 69 70.

(3) المسعودي ،مروج الذهب ، ج 2 ص 428.

(4) المجلسي ،بحار الانوار ، ج 43 ص 251.

(5) المجلسي ،بحار الانوار ، ج 43 ص 254 نقل عن المناقب.

٥١٢

ظهره فلا يبقى في مسجد رسول الله ـصلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ رجل له شرف إلا أتاه فيتحدثون. حتى إذا ارتفع النهرا صلى ركعتين ، ثم نهض فيأتي أمهات المؤمنين فيسلم عليهن فربما أتحفنه. ثم ينصرف إلى منزله ثم يروح فيصنع مثل ذلك. فقال : ما نحن معه في شيء.(1)

أقول :

يتضح من هذه الروايات أي جناية جناها فنسنك وزملائه مؤلفو (ECYCLOPEDIA OF ISLAM) (الموسوعة الاسلامية) التي صدرت باللغة الانكليزية والفرنسية والالمانية حين قدموا الامام الحسنعليه‌السلام الى العالم انه رجل شهوات وملذات في قبال ما تعرضه الروايات الصحيحة انه شخصية رائدة عبادةً وسلوكاً ومكانةً في الدين وانه بلغ في الشرف ما لم يبلغه احد بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

__________________

(1) ترجمة الامام الحسنعليه‌السلام منطبقات ابن سعد ج 1 ص 297. وابن عساكر ، تاريخ مدينة دمشق ج 14 ص 71. والبلاذري ،انساب الاشراف ، ج 3 ص 274.

٥١٣

الباب الرابع / الفصل الثاني

القراءة السائدة للصلح والمشكلات امامها

يكاد يجمع الباحثون الشيعة في تعليلهم لصلح الامام الحسن وتسليمه الامر لمعاوية انه انطلق من واقع منهار للكوفيين وعدم قدرتهم على الاحتفاظ بالدولة التي انشاها في قبال معاوية بل عدم القدرة على توفير الامان للحسن نفسه اذ تعرض لمحاولة اغتيال جرح فيها جرحا بليغا ونهبمتاعه. ومن ثم كاتب معاوية في الصلح ليحقق الامان له ولشيعته وليفضح معاوية.

الروايات التي استندوا إليها

وقد اعتمدوا في هذا التحليل على روايات في مصادر التاريخ منها رواية ابن سعد عن يونس بن ابي اسحاق ت 159 هـ فشد الناس على حجرة الحسن فانتهبوها حتى انتهبت بسطه وجواريه وأخذوا رداءه من ظهره وطعنه رجل من بني أسد يقال له بن اقيصر بخنجر مسموم في أليته فتحول من مكانه الذي انتهب فيه متاعه ونزل الأبيض قصر كسرى. وقال عليكم لعنة من أهل قرية فقد علمت أن لا خير فيكم قتلتم أبي بالأمس واليوم تفعلون بي هذا. ثم دعا عمرو بن سلمة الارحبي فأرسله وكتب معه إلى معاوية بن أبي سفيان يسأله الصلح ويسلم له الأمر ...).(1)

__________________

(1) المزي ،تهذيب الكمال ، ج 6 ص 245 ، وفي تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر ترجمة الحسن قال محمد بن سعد قال ابو عبيد عن مجالد ، عن الشعبي.

٥١٤

ومنها رواية زياد بن عبد الله ، عن عوانة بن الحكم : بايع أهل العراق الحسن بن علي فسار حتى نزل المدائن ، وبعث قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري على المقدمات ، وهم اثنا عشر ألفا ، وكانوا يسمون شرطة الخميس ، قال : فبينا الحسن بالمدائن ، إذ نادى مناد في عسكر الحسن : ألا إن قيس بن سعد بن عبادة قد قتل ، فانتهب الناس سرادق الحسن حتى نازعوه بساطا تحته ، ووثب على الحسن رجل من الخوارج من بني أسد ، فطعنه بالخنجر ، ووثب الناس على الأسدي فقتلوه ، ثم خرج الحسن حتى نزل القصر الأبيض بالمدائن ، وكتب إلى معاوية في الصلح. قال : ثم قام الحسن ـ فيما بلغني ـ الناس ، فقال : يا أهل العراق إنه سخى بنفسي عنكم ثلاث : في قتلكم أبي ، وطعنكم إياي ، وانتهابكم متاعي.(1)

ومنها رواية ابن الاثير قال : قيل للحسنعليه‌السلام ما حملك على ما فعلت؟ فقال : كرهتُ الدنيا ، ورأيت اهل الكوفة قوما لا يثق بهم احد ابدا الا غُلِب ، ليس احد منهم يوافق اخر في رأي ولا هوى ، مختلفين لا نية لهم في خير ولا شر.(2) (3)

ومنها رواية احمد بن علي الطبرسي نسبت الى الحسن قوله : أرى والله ان معاوية خير لي من هؤلاء. يزعمون أنهم لي شيعة ابتغوا قتلي وانتهبوا ثقلي وأخذوا مالي ، والله لان آخذ من معاوية عهدا أحقن به دمي وآمن به في أهلي خيرا من أن يقتلوني فيضيع أهل بيتي واهلي والله لو قاتلت معاوية لأخذوا بعنقي حتى يدفعوني اليه سلما والله لأن أسالمه وأنا عزيز خير من أن يقتلني وأنا أسير أو يمن علي فتكون سبة على بني هاشم الى آخر الدهر ، ولمعاوية لا يزال يمن بها وعقبه على الحي منا والميت.(4)

__________________

(1) المزي ،تهذيب الكمال ، ج 6 ص 245.

(2) ابن الأثير ،الكامل في التاريخ ، ج 3 ص 407.

(3) قال صاحبارشاد الساري في شرح صحيح البخاري ج 4 ص 411 قال الكرماني : وقد كان الحسن يومئذ احق الناس بهذا الامر فدعاه ورعه الى ترك الملك رغبة فيما عند الله ولم يكن ذلك لعلة ولا لذلة ولا لقلة فقه بايعه على الموت اربعين الفا. انظر ايضاعمدة القاري في شرح صحيح البخاري المعيني ج 16 ص 239.

(4) المجلسي ، بحار الانوار ، ج 44 ص 21 عن الاحتجاج للطبرسي. والفضل بن الحسن الطبرسي ،إعلام الورى بأعلام الهدى ، ترجمة الحسنعليه‌السلام ص 213

٥١٥

رواية ابي الفرج في مقاتل الطالبيين :

كما اجمعوا على ان معاوية اعلن عن نقضه للشروط لما دخل الكوفة سنة 41 هـ واخذ البيعة من اهلها والحسن بينهم. قال العلامة المصلح السيد عبد الحسين شرف الدين اعلى الله مقامه : فلما تمت البيعة لمعاوية في الكوفة خطب فذكر عليا قنال منه ، ونال من الحسن ، فقام الحسين ليرد عليه ، فقال له الحسن : على رسلك يا أخي. ثم قامعليه‌السلام فقال : أيها الذاكر عليا! أنا الحسن وأبي علي ، وأنت معاوية وأبوك صخر ، وأمي فاطمة وأمك هند ، وجدي رسول الله وجدك عتبة ، وجدتي خديجة وجدتك فتيلة ، فلعن الله أخملنا ذكرا ، وألأمنا حسبا ، وشرنا قديما ، وأقدمنا كفرا ونفاقا! فقالت طوائف من أهل المسجد : آمين. ثم تتابعت سياسة معاوية ، تتفجر بكل ما يخالف الكتاب والسنة من كل منكر في الاسلام ، قتلا للأبرار ، وهتكا للإعراض ، وسلبا للأموال ، وسجنا للأحرار ، وتشريدا للمصلحين).

رواية المدايني :

ورواية أبي الحسن علي بن محمد بن أبي سيف المدايني في كتابه (الاحداث) : قال : كتب معاوية نسخة واحدة إلى عماله بعد عام الجماعة أن برئت الذمة ممن روى شيئا من فضل أبي تراب وأهل بيته فقامت الخطباء في كل كورة وعلى كل منبر يلعنون عليا ويبرؤون منه ويقعون فيه وفي أهل بيته وكان أشد الناس بلاء حينئذ أهل الكوفة لكثرة من بها من شيعة عليعليه‌السلام فاستعمل عليهم زياد بن سمية وضم إليه البصرة فكان يتتبع الشيعة وهو بهم عارف لأنه كان منهم أيام عليعليه‌السلام فقتلهم تحت كل حجر ومدر وأخافهم وقطع الأيدي والأرجل وسمل العيون وصلبهم على جذوع النخل وطرفهم وشردهم عن العراق فلم يبق بها معروف منهم فلم يزل الامر كذلك حتى مات الحسن بن عليعليه‌السلام فازداد البلاء والفتنة فلم يبق أحد من هذا القبيل الا وهو خائف على دمه أو طريق في الأرض. ثم تفاقم الامر بعد قتل الحسينعليه‌السلام وولى عبد الملك بن مروان فاشتد على الشيعة وولى عليهم الحجاج بن يوسف).(1)

__________________

(1) ابن ابي الحديد ،شرح نهج البلاغة ، ج 11 ص 46.

٥١٦

تحليل المرجع الراحل الشهيد محمد باقر الصدر

ومنذ عهد العلامة المحقق الشيخ راضي ال ياسين في كتابه صلح الامام الحسن ، والعلامة المصلح السيد عبد الحسين شرف الدين في تقديمه له سادت فكرة تحليلية حول الصلح مفادها : ان الامام الحسنعليه‌السلام بصلحه وشروطه / مع علمه ان معاوية سوف لا يفي بواحدة منها / استهدف فضحه امام المسلمين والحفاظ على الثلة الطيبة من شيعة علي ، وقد اخذت صيغتها التامة على يد المرجع الراحل الشهيد محمد باقر الصدررحمه‌الله قال (أصيب المجتمع الإسلامي إبان إمامة الحسنعليه‌السلام بمرض (الشك في القيادة) وهذا الداء ظهر في أواخر حياة أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام . حيث واجه أيام خلافته عدة حروب ذهب ضحيتها عشرات الآلاف من أبناء الأمة ، فأخذ الناس يشكون هل أن المعارك التي تخاض معارك رسالية أم أنها معارك قبلية أو شخصية؟ وقد عبر أمير المؤمنينعليه‌السلام عن ظهور هذا الداء الاجتماعي في عدة مرات منها في خطبته المعروفة بخطبة الجهاد التي ألقاها على جنوده المنهزمين في مدينة الأنبار حيث قال لهم والألم يعصر قلبه : (ألا وأني قد دعوتكم إلى قتال هؤلاء القوم ليلا ونهارا ، وسرا وعلانا ، وقلت لكم أغزوهم قبل أن يغزوكم ، فوالله ما غزي قوم في عقر دارهم إلا ذلوا ، فتواكلتم وتخاذلتم حتى شنت الغارات عليكم ، وملكت عليكم الأوطان). واستفحل (الداء) واشتد في حياة الإمام الحسنعليه‌السلام ، فلم يكن باستطاعته في مثل هذه الظروف والمجتمع المصاب بهذا الداء أن يخوض معركة مصيرية تنتهي بالنصر على خصمه المتربص به ، فإذا أضفنا إلى هذا شخصية الخصم معاوية الذيكان بإمكانه أن يبدو أمام الناس بمظهر الحاكم الملتزم بالدين وكذلك تعدد انتماءات المقاتلين مع الإمام الحسنعليه‌السلام حتى أبدى بعضهم استعداده لمعاوية أن يسلم له لا إمامعليه‌السلام حيا ، وطعنه بعضهم طعنة غادرة ، إذا جمعنا هذا وغيره من الظروف عرفنا لماذا صالح الإمام الحسنعليه‌السلام معاوية).(1)

__________________

(1) العاملي ،الانتصار ج 8 ص 137 ـ 139.

٥١٧

المشكلات امام القراءة السائدة

يرد على القراءة السائدة للصلح ان الروايات اليت اعتمدت عليها معارضة بروايات اخرى ولكن الباحثين اغفلوها عند التحليل ،

ففي قبال ما رواه ابن الاثير واعتمده الباحثون في التحليل ان الحسن قال : رأيت اهل الكوفة قوما لا يثق بهم احد ابدا الا غُلِب ، مختلفين لا نية لهم في خير ولا شر) ونظيراتها. توجد روايات تعطي رؤية اخرى عن اهل الكوفة

منها : ما رواه هشام بن محمد بن السائب الكلبي قال : أخبرني أبي وعوانة بن الحكم والشرقي بن القطامي قالوا : لما قدم معاوية المدينة أتاه وجوه الناس ، ودخل عليه عبد الله بن الزبير ، فقال له معاوية : ألا تعجب للحسن بن علي ، أنه لم يدخل علي (وفي رواية : ألا تعجب من الحسن وتثاقله عنّي :) منذ قدمت المدينة ، وأنا بها منذ ثلاث ، قال : يا أمير المؤمنين! دع عنك حسنا فإن مثلك ومثله كما قال «الشماخ» :

أجامل أقواما حياء وقد أرى

صدورهم تغلي علي مراضها

والله لو شاء الحسن أن يضربك بمئة ألف سيف لفعل ، ولأهل العراق أبر (وفي رواية ارأف وفي اخرى ارأم) به من أم الحُوار بحُوارها. قال معاوية : أردت أن تغريني به ، والله لأصلنّ رحمه ولأقبلنّ عليه.(1)

وفي رواية المدائني قال ، قال معاوية لابن الزبير : ألا تعجب من الحسن وتثاقله عنّي؟ فقال ابن الزبير : مثلك ومثل الحسن كما قال الشاعر :

أجامل أقواما حياء وقد أرى

قلوبهم تأرى عليّ مِراضها(2)

__________________

(1) ابو الفرج الاصفهاني ،الأغاني ج 9 ص 173 (قال ابو الفرج نسخت من كتاب يحيى بن حازم حدّثنا عليّ بن صالح صاحب المصلَّى قال حدّثنا ابن دأب) ، أيضا ابن حمدون ت 562 هـالتذكرة الحمدونية ج 5 ص 192. والحُوار : ولد الناقة من وقت ولادته الى ان يفطم ويفصل. وقول معاوية والله لأصلن رحمه ولأقبلن عليه : هي المجاملة حياء التي استشهد ببيت الشهر لأجلها ، هي مجاملة لأجل ان يعبر مرحلة فرضها عليه الحسن لمعالجة الانشقاق وفتح الشام لأخبار عليعليه‌السلام وقد انتقم معاوية بعد ذلك من الحسن بدس السم له. ومن شيعته بتشريدهم وقتلهم.

(2) : وفي رواية تغلي. و (مِراض) جمع مريض ، ومرض القلب او الصدرهو الشك والعداوة ، وهو هنا العداوة ، والمعنى أجامل اقواما حياء ولكني ارى قلوبهم او صدورهم تغلي عليَّ حقدا وعداواة. وفي

٥١٨

فقال معاوية : والله ما جامل ولقد أعلن ، قال : بلى والله لقد جامل ، ولو شاء أن يطلق عليك عقال حرب زبون لفعل ،(1)

فقال : أراك يا ابن الزبير تجول في ضلالتك.(2)

أقول : وقول ابن الزبير (ولأهل العراق أبر (وفي رواية ارأف وفي اخرى ارأم) بهمن أم الحوار بحوارها).

يشهد له قول الحسن حين خرج من الكوفة الى المدينة إذ تمثل بقول الشاعر :

وما عن قِلى فارقتُ دارَ معاشري

هم المانعون حوزتي وذماري

__________________

لسان العرب أَتأَر إِليه النَّظَرَ : أَحَدَّه. وأَتأَره بصره : أَتْبَعَه إِياه ، وقد اراد معاوية باستشهاده بالبيت ان يُفهم ابن الزبيران الحسنعليه‌السلام يجامله مجاملة قد اضطر اليها لحل ازمة الانشقاقفي امة جده ، والا فان قلب الحسن يغلي علي لانه لا ينسى قتلى شيعة ابيه في صفين واعلامه الكاذب فيه. وقد روى المجلسي في بحار الانوار ج 44 ص 57 ان الحسنعليه‌السلام أنشأ.

أجامل أقواما حياء وقد أرى

قلوبهم تغلي علي مراضها

قال البهبودي في / خامش 57 : أظن الصحيح هكذا :

أجامل أقواما حياء ، وقد أرى

قدورهم تغلى على مراضها

يقال : غلت القدر تغلى غليانا : جاشت وثارت بقوة الحرارة ، ومراض القدر أسفلها إذا غطى من الماء ، يقول : انهم يثورون ثورة ظاهرية كالقدر التي ثارتأعلاه ولم تغلِ

أسفلها ، فهم منافقون يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم.

أقول : لم اجد في لسان العرب ولا في تاج العروس ، ان مِراض القدر اسفلها ، ومهما يكن فان استشهاد الامام الحسن بالبيت ان صحت القصة فهوعليه‌السلام يريد انه جامل معاوية وهش في وجهه بما تقتضيه مصلحة الرسالة والامة وهو يعلم ان قلب معاوية يغلي عليه عداوة لقتلاه في بدر. اما المعنى الذي ذهب اليه البهبودي فهو بعيد.

والبيت سواء استشهد به معاوية او الامام الحسنعليه‌السلام فمعناه واحد ، مع ملاحظة ان معاوية حين استشهد به اراد بن ان الحسنعليه‌السلام حين جامله فان قلبه يغلي عليه بما قتل من شيعة ابيه في صفين وبما عرضه من اعلامه الكاذب فيه ، وان الحسن حين استشهد به لو صحت الرواية اراد انه اجبر معاوية على مجاملته مع ان قلبه يغلي عليه حقدا لقتلاه في بدر ، ولم يأخذ بثأرهم لان ثأرهم في تصوره لا يكون الا حين يقتل من بني هاشم علياءهم الامر الذي حققه ولده يزيد بعده بوصية منه. ومن هنا فان حلم معاوية ليس حلما وايضا بل هو تكتيك بلغة العصر كما كشف ذلك لعائشة بنت عثمان حين قال لها : فأظهرنا لهم حلما تحته غضب).

(1) أي حرب صعبة [زبن] : الزَّبْنُ ، كالضَّرْبِ : الدَّفْعُ ، كما في الصِّحاح. وفي المُحْكَم : دَفْعُ الشيء عن الشيء ، كالناقَةِ تَزْبِنُ ولَدَها عن ضرْعِها برِجْلِها وتَزْبِنُ الحالِبَ. زَبَنَ الشيء يَزْبِنُه زَبْناً وزَبَنَ به : دَفَعَه (تاج العروس).

(2) البلاذري ،انساب الاشراف ، ج 5 ص 38.

٥١٩

ويشهد لهايضا قول معاوية للزرقاء بنت عدي وقد استضافها وحاورها (والله لوفاؤكم له بعد موته أعجب من حبكم له في حياته!).(1)

وفي قبال الجزءالاخرمن رواية ابن الاثير وهو قوله (مختلفين لا نية لهم في خير ولا شر) :

ما رواه البلاذري عن عوانة : أن علياعليه‌السلام كتب إلى قيس ابن سعد بن عبادة وهو عامله على آذربيجان : «أما بعد فاستعمل على عملك عبيد الله بن شبيل الأحمسي وأقبل فإنه قد اجتمع ملأ المسلمين وحسنت طاعتهم ، وانقادت لي جماعتهم ولا يكن لك عرجة ولا لبث ، فإنا جادّون معدّون ، ونحن شاخصون إلى المحلين ، ولم أؤخر المسير إلا انتظارا لقدومك علينا إن شاء الله والسلام.

وعن قال عوانة : قال عمرو بن العاص ـ حين بلغه ما عليه عليّ من الشخوص إلى الشام وأن أهل الكوفة قد انقادوا له :

لا تحسبني يا عليّ غافلا

لأوردن الكوفة القبائلا

ستين ألفا فارسا وراجلا

فقال : عليّ :

لأبلغن العاصي بن العاصي

ستين ألفا عاقدي النواصي

مستحقبين حلق الدلاص.(2)

ويشهد له ايضا : ما رواه سليم قال : (ولم يبق أحد من القراء ممن كان يشك في الماضين ويكف عنهم ويدع البراءة منهم ورعا وتأثما إلا استيقن واستبصر وحسن رأيه وترك الشك يومئذ والوقوف وكثرت الشيعة(3) بعد ذلك المجلس من ذلكاليوم وتكلموا ، وقد كانوا أقل أهل عسكره وسائر الناس يقاتلون معه على غير علم بمكانه

__________________

(1) ان بكار الضبي ،اخبار الوافدات من النساء ، ص 63 ، ابن عبد ربه ،العقد الفريد ج 1 ص 220. ابن طيفور ،بلاغات النساء ص 49 ، التستري ،قاموس الرجال ج 12 ص 259 ـ 260.

(2) البلاذري ، انساب الاشراف ج 2 ص 481. والدلاص الدروع اللينة. والاحْتِقابُ شَدُّ الحَقِيبةِ من خَلْفٍ ، وكذلك ما حُمِلَ مِن شيء من خَلْف.

(3) أي الموالين له المعادين لعدوه المتبرئين منهم ..

٥٢٠

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617