بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٣

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة0%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 617

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

مؤلف: الشيخ محمد تقي التّستري
تصنيف:

الصفحات: 617
المشاهدات: 171899
تحميل: 5290


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 617 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 171899 / تحميل: 5290
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 13

مؤلف:
العربية

فقال ذلك المقال ، فقال له الملك : ادن مني فدنا و وضع يده على فيه حذرا من أن يشمّ الملك منه رائحة الثوم فقال الملك في نفسه : ما أرى فلانا إلاّ صدق و كان الملك لا يكتب بخطّه إلاّ لجائزة أو صلة فكتب له كتابا بخطه إلى عامل من عمّاله « إذا أتاك حامل كتابي هذا فاذبحه و اسلخه وحش جلده تبنا و ابعث به إلى » ، فأخذ الكتاب و خرج ، فلقيه الرجل الذي سعى به فقال : ما هذا الكتاب ؟

قال : خط الملك بجائزة لي قال : هبه لي فوهبه له و أخذه و مضى إلى العامل ،

فقال العامل : في كتابك أن أذبحك و أسلخك قال : إنّ الكتاب ليس هو لي فاللّه اللّه في أمري حتى تراجع الملك فقال : ليس لكتاب الملك مراجعة ، فذبحه و سلخه وحشّى جلده تبنا و بعث به ثم دعا الرجل كعادته إلى الملك و قال مثل مقالته ،

فتعجب الملك و قال : ما فعلت بالكتاب ؟ فقال : لقيني فلان فاستوهبه مني فوهبته له قال : إنّه ذكر لي أنّك تزعم أنّي أبخر قال : ما قلت ذلك قال : فلم وضعت يدك على فيك ؟ قال : لأنّه أطعمني طعاما فيه ثوم فكرهت أن تشمّه .

قال : صدقت ارجع إلى مكانك فقد كفاك المسي‏ء إساءته١ .

« و لا تباغضو فإنّها الحالقة » أي : الخصلة التي من شأنها أن تحلق الدين كما يحلق الموسى الشعر .

و في قطيعة رحم ( الكافي ) : قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : ألا و إنّ في التباغض الحالقة ،

لا أعني حالقة الشعر و لكن حالقة الدين٢ .

و قال الصادقعليه‌السلام : اتقوا الحالقة فإنّها تميت الرجال قلت : فما الحالقة ؟

قال : قطيعة الرحم٣ .

____________________

( ١ ) شرح الخوئي : ١٦١ ١٦٢ .

( ٢ ) الكافي ٢ : ٣٤٦ ح ١ .

( ٣ ) الكافي ٢ : ٣٤٦ ح ٢ .

٣٦١

« و اعلموا أنّ الأمل يسهي العقل » في ( النهاية ) : السهو في الشي‏ء تركه عن غير علم ، و السهو عنه تركه مع العلم ، و منه قوله تعالى : الذين هم عن صلاتهم ساهون١ .

« و ينسي الذكر » و قال تعالى :فاعرض عمّن تولّى عن ذكرنا و لم يرد إلاّ الحياة الدّنيا ٢ .

« فأكذبوا الأمل فإنّه غرور و صاحبه مغرور » و في المثل : « أغر من ظبي مقمر »٣ لأنّه يخرج في الليلة المقمرة يرى أنّه النهار فتأكله السباع .

٣٠ الحكمة ( ١٨٠ ) و قالعليه‌السلام :

اَلطَّمَعُ رِقٌّ مُؤَبَّدٌ أقول : قال ابن أبي الحديد قال الشاعر :

تعفف و عش حرّا و لا تك طامعا

فما قطع الأعناق إلاّ المطامع٤ . .

و قالوا : العبد حر إذا قنع ، و الحر عبد إذا طمع٥ .

____________________

( ١ ) النهاية لابن الاثير ٢ : ٤٣٠ مادة ( سهى ) و الآية ٥ من سورة الماعون .

( ٢ ) النجم : ٢٩ .

( ٣ ) المنجد في اللغة للويس معلوف : ١٠٣٠ .

( ٤ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٤١٣ .

( ٥ ) شرح ابن أبي الحديد ٢٠ : ٢١٣ .

٣٦٢

٣١ الحكمة ( ٢٢٦ ) و قالعليه‌السلام :

اَلطَّامِعُ فِي وِثَاقِ اَلذُّلِّ أقول : قال الشاعر :

رأيت مخيلة فطمعت فيها

و في الطمع المذلّة للرقاب١

و قال آخر :

طمعت بليلى أن تريع و إنّما

تقطع أعناق الرجال المطامع٢

و قال أعرابي : إنّ الآمال قطعت أعناق الرجال كالسراب غرّ من رآه و أخلف من رجاه .

٣٢ الحكمة ( ٢١٩ ) و قالعليه‌السلام :

أَكْثَرُ مَصَارِعِ اَلْعُقُولِ تَحْتَ بُرُوقِ اَلْمَطَامِعِ أقول : قالوا : ما الخمر صرفها بأذهب لعقول الرجال من الطمع .

و سئلعليه‌السلام : ما ثبات الإيمان ؟ فقال : الورع فقيل له : و ما زواله ؟ قال :

الطمع٣ .

و قال ابن أبي الحديد : قال الشاعر :

إذا حدّثتك النفس أنّك قادر

على ما حوت أيدي الرجال فكذّب

____________________

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٨٥ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١٩ : ٤١ .

( ٣ ) عن الصادقعليه‌السلام عن الحسين بن علي ذكره المجلسي في بحار الأنوار ٧ : ٣٠٥ الرواية ٢٣ .

٣٦٣

و إيّاك و الأطماع إنّ و عودها

رقارق آل أو بوارق خلّب١

هذا ، و قالوا : رأى أشعب الطماع سلاّلا يصنع سلّة فقال : أو سعها قال له :

مالك و ذاك ؟ قال : لعلّ صاحبها يهدي لي فيها شيئا يوما .

٣٣ الحكمة ( ٢٥٥ ) و قالعليه‌السلام :

اَلْحِدَّةُ ضَرْبٌ مِنَ اَلْجُنُونِ لِأَنَّ صَاحِبَهَا يَنْدَمُ فَإِنْ لَمْ يَنْدَمْ فَجُنُونُهُ مُسْتَحْكِمٌ « الحدة » بالكسر من حد يحد بالكسر .

و في الخبر : الغضب جمرة توقد في جوف ابن آدم ، ألم تروا إلى حمرة عينيه و انتفاخ أو داجه٢ .

أيضا : إذا غضب أحدكم ليقعد إن كان قائما و يضطجع إن كان قاعدا٣ .

و قال شاعر :

احذر مغايظ أقوام ذوي أنف

إنّ المغيظ جهول السيف مجنون

هذا ، و في ( العيون ) : كان المنصور ولّى سلمة بن قتيبة البصرة ، و ولّى مولى له كور البصرة و الإبلة ، فورد كتاب مولاه أنّ سلما ضربه بالسياط ،

فاستشاط المنصور و قال : عليّ تجرأ سلم لأجعلنه نكالا ، فقال له ابن عياش و كان جريئا عليه إنّ سلما لم يضرب مولاك بقوّته و لا قوّة أبيه و لكنّك قلّدته سيفك و أصعدته منبرك فأراد مولاك أن يطأطى‏ء منه ما رفعت و يفسد ما

____________________

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١٩ : ٤١ .

( ٢ ) في الكافي ٢ : ٣٠٤ ح ١٢ ، الغضب جمرة من الشيطان و نقل المجلسي ما يماثله عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله انظر ٧٣ : ٢٧٢ ح ٢٣ الباب ١٣٢ .

( ٣ ) ذكره المجلسي عن دعوات الراوندي ٨٠ : ٣١٢ بلفظ آخر .

٣٦٤

صنعت فلم يحتمل ذلك ، إنّ غضب العربي في رأسه فإذا غضب لم يهدأ حتى يخرجه بلسان أو يد ، و إنّ غضب النبطي في استه فإذا غضب و خرئ ذهب غضبه فضحك المنصور و قال : فعل اللّه بك يا منتوف و فعل ، و كف عن سلم .

هذا مثل الحدّة في أعقاب الندامة العجلة ، و كانت العرب تكني العجلة أم الندامة ، قالوا : إنّ صاحب العجلة يقول قبل أن يعلم ، و يجيب قبل أن يفهم و يعزل قبل أن يفكّر ، و يقطع قبل أن يقدر ، و يحمد قبل أن يجرب ، و يذّم قبل أن يختبر ، و من كان معه أحد هذه الخلال يندم البتة فكيف مع الجميع١ .

____________________

( ١ ) العيون ، للقتيبي ١ : ٢٩٠ ٢٩١ .

٣٦٥

الفصل الخامس و الاربعون في آداب المعاشرة

٣٦٦

١ الحكمة ( ٩ ) و قالعليه‌السلام :

خَالِطُوا اَلنَّاسَ مُخَالَطَةً إِنْ مِتُّمْ مَعَهَا بَكَوْا عَلَيْكُمْ وَ إِنْ عِشْتُمْ حَنُّوا إِلَيْكُمْ أقول : في ( تذكرة سبط بن الجوزي ) : قال أبو حمزة الثمالي : حدّثنا إبراهيم بن سعيد عن الشعبي عن ضرار بن ضمرة قال : أوصى أمير المؤمنينعليه‌السلام بنيه فقال : يا بني عاشروا النّاس بالمعروف معاشرة إن عشتم حنّوا إليكم و إن متّم بكوا عليكم ثم قال :

يريد بذاكم أن يهشوا لطاعتي

و أن يكثروا بعدي الدعاء على قبري

و أن يمنحوني في المجالس ودّهم

و ان كنت عنهم غائبا أحسنوا ذكري١

____________________

( ١ ) التذكرة لسبط ابن الجوزي : ١٥٢ .

٣٦٧

و مثله عن ( مناقب ابن الجوزي ) .

و في ( أمالي الشيخ ) عن أبي المفضل مسندا عن الباقرعليه‌السلام : لما احتضر أمير المؤمنينعليه‌السلام جمع بنيه حسنا و حسينا و ابن الحنفية و الأصاغر من ولده ، فوصّاهم و كان في آخر وصيته « عاشروا النّاس عشرة إن غبتم حنّوا إليكم و إن فقدتم بكوا عليكم ، يا بني إنّ القلوب جنود مجنّدة تتلاحظ بالمودة و تتناجى بها و كذلك هي في البغض ، فإذا أحببتم الرجل من غير خير سبق منه إليكم فارجوه ، و إذا أبغضتم الرجل من غير سوء سبق منه إليكم فاحذروه »١ .

« خالطوا النّاس مخالطة » قد عرفت أنّ في رواية اخرى : « عاشروا الناس بالمعروف معاشرة »٢ .

في ( قرب الاسناد ) : عن الصادقعليه‌السلام أنّ عليّاعليه‌السلام صاحب ذمّيا فقال له الذّمي : أين تريد ؟ قالعليه‌السلام : الكوفة فلما عدل الطريق بالذّمي عدل معه عليّعليه‌السلام ، فقال له الذّمي : ألست زعمت أنّك تريد الكوفة فقد تركت الطريق .

فقال له : قد علمت فقال : و لم عدلت معي ؟ قالعليه‌السلام من تمام الصحبة أن يشيّع الرجل صاحبه إذا فارقه ، كذلك أمرنا نبيّنا فقال : لا جرم إنّما تبعه من تبعه لأفعاله الكريمة ، أشهدك أنّي على دينك فرجع الذّمي معهعليه‌السلام ، فلما عرفه أسلم٣ .

و قال بعضهم : إنّما الناس أحاديث ، فإن استطعت أن تكون أحسنهم حديثا فافعل .

« إن متّم معها بكوا عليكم » في ( تاريخ بغداد ) : كان ابن أبي دؤاد مؤلفا لأهل

____________________

( ١ ) الأمالي للشيخ : المجلس السادس و العشرون : ٥٩٥ ح ١٢٣٢ المجلس ( ٢٦ ) .

( ٢ ) بحار الأنوار للمجلسي ٧٨ : ٧٦ ح ٤٧ .

( ٣ ) قرب الاسناد للحميوي القمي : ١٠ .

٣٦٨

الأدب من أي بلد كانوا ، و قد كان ضمّ إليه جماعة يعولهم و يموّنهم ، فلما مات اجتمع ببابه جماعة منهم فقالوا : أيدفن من كان على ساقة الكرم و تاريخ الأدب و لا يتكلّم فيه إنّ هذا لوهن و تقصير فلما طلع سريره قام ثلاثة منهم فقال أحدهم :

اليوم مات نظام الفهم و اللسن

و مات من كان يستدعى على الزمن

و اظلمت سبل الآداب إذ حجبت

شمس المعارف في غيم من الكفن

و تقدّم الثاني فقال :

ترك المنابر و السرير تواضعا

و له منابر لو يشا و سرير

و لغيره يجبى الخراج و إنّما

يجبى إليه محامد و أجور

و قام الثالث فقال :

و ليس نسيم المسك ريح حنوطه

و لكنّه ذاك الثناء المخلف

و ليس صرير النعش ما يسمعونه

و لكنّها أصلاب قوم تقصف١

و في ( الأغاني ) : عن مسرور خادم الرشيد : لما أمرني بقتل جعفر دخلت عليه و عنده أبو زكار الأعمى و هو يغنيه بصوت لم أسمع بمثله :

فلا تبعد فكلّ فتى سيأتي

عليه الموت يطرق أو يغادي

و كلّ ذخيرة لا بدّ يوما

و إن بقيت تصير إلى نفاد

و لو يفدى من الحدثان شي‏ء

فديتك بالطريف و بالتلاد

فقلت له : في هذا و اللّه أتيتك ، فأخذت بيده فأقمته و أمرت بضرب عنقه .

فقال لي أبو زكار : نشدتك اللّه إلاّ ألحقتني به فقلت له : و ما رغبتك في ذلك ؟ قال :

إنّه أغناني عمّن سواه بإحسانه فما أحبّ أن أبقى بعده٢ . .

____________________

( ١ ) تاريخ بغداد ٤ : ١٥٠ .

( ٢ ) الأغاني ٧ : ٢٢٧ .

٣٦٩

و فيه : كان الفضل الرقاشي منقطعا إلى آل برمك مستغنيا بهم عمّن سواهم و كانوا يصولون به على الشعراء و يروون أولادهم شعره و يدونونها القليل منها و الكثير تعصبا له و حفظا لخدمته و تنويها باسمه و تحريكا لنشاطه ، فحفظ ذلك لهم ، فلما نكبوا صار إليهم في حبسهم فأقام معهم مدّة أيّامهم ينشدهم حتى ماتوا ، ثم رثاهم فأكثر من رثائهم١ ، و كان فنى في حبّهم حتى خيف عليه ، فمن قوله في جعفر :

كم هاتف بك من باك و باكية

يا طيّب للضيف إذ تدعى و للجار

إن يعدم القطر كنت المزن بارقة

لمع الدنانير لا ما خيل الساري٢

و منه قوله :

فلا يبعدنك اللّه عني جعفرا

بروحي و لو دارت عليّ الدوائر

فآليت لا أنفك أبكيك ما دعت

على فنن و رقاء أو طار طائر٣

و قال المدائني : لما دارت الدوائر على آل برمك و أمر بقتل جعفر بن يحيى و صلب اجتاز به الرقاشي ، فوقف يبكي أحرّ بكاء ثم أنشأ يقول :

أما و اللّه لو لا خوف واش

و عين للخليفة لا تنام

لطفنا حول جذعك و استلمنا

كما للناس بالحجر استلام

فما أبصرت قبلك يابن يحيى

حساما حتفه السيف الحسام

على اللذات و الدنيا جميعا

و دولة آل برمك السلام

فكتب أصحاب الأخبار بذلك إلى الرشيد فأحضره ، فقال له : ما حملك على ما قلت ؟ فقال : كان إليّ محسنا فلما رأيته على الحال التي هو عليها

____________________

( ١ ) الأغاني ١٦ : ٢٤٥ .

( ٢ ) الأغاني ١١ : ٢٣٥ ، نسبه ( ليلى بنت عبد اللّه ) .

( ٣ ) الأغاني ١٦ : ٢٤٨ .

٣٧٠

حرّكني إحسانه فما ملكت نفسي حتى قلت الذي قلته قال : و كم كان يجري عليك ؟ قال : ألف دينار في كلّ سنة قال : قد أضعفناها لك١ .

و في كتاب ( أخبار بني العباس ) عن خادم المأمون قال : طلبني الخليفة ليلا و قد مضى من الليل ثلثة فقال : بلغني أنّ شيخا يحضر ليلا إلى آثار دور البرامكة و ينشد شعرا و يذكرهم و يندبهم و يبكي عليهم ، فاذهب مسرعا إلى ذاك الموضع و استتر خلف بعض الجدر ، فإذا رأيت الشيخ قد جاء و بكى و ندبه و أنشد أبياتا فائتني به فأتيته فإذا بغلام قد أتى و معه بساط و كرسي حديد و إذا شيخ قد جاء و له جمال و عليه مهابة ، فجلس على الكرسي و جعل يبكي و ينتحب و يقول :

و لمّا رأيت السيف جندل جعفرا

و نادى مناد للخليفة في يحيى

بكيت على الدنيا و زاد تأسفي

عليهم و قلت الآن لا تنفع الدّنيا

مع أبيات فلما فرغ قبضنا عليه و قلنا أجب الخليفة ، ففزع و قال : دعني أوصي فأخذ من بعض الدكاكين ورقة و كتب وصيّته و سلّمها إلى غلامه فأدخلته على الخليفة فقال له : بما استوجب البرامكة معك ما تفعله في خرائب دورهم قال : كنت من أولاد الملوك و كنت في دمشق فزالت الدولة عنّي و ركبني الدين حتى احتجت إلى بيع بيتي ، فأشاروا عليّ بالخروج إلى البرامكة ، فخرجت مع نيف و ثلاثين امرأة و صبيا و صبيّة حتى دخلنا بغداد و نزلنا في بعض المساجد فدعوت ببعض ثياب كنت أعددتها فلبستها و خرجت و تركتهم جياعا ، فاذا أنا بمسجد مزخرف و في جانبه شيخ بأحسن زي و على الباب خادمان و في الجامع جماعة جلوس ، فطمعت في القوم و دخلت و أنا أقدّم رجلا و أؤخر اخرى و العرق يسيل مني ، و إذا بخادم قد أقبل

____________________

( ١ ) الأغاني ١٦ : ٢٤٩ .

٣٧١

و دعاهم فقاموا فدخلوا دار يحيى بن خالد فدخلت معهم و إذا يحيى جالس على دكّة له وسط بستان ، فسلّمنا و هو يعدنا مائة و واحدا و بين يديه عشرة من ولده ، و إذا بأمرد نبت العذار في خديه قد أقبل من بعض المقاصير و بين يديه مائة خادم متمنطقون في وسط كلّ منهم منطقة من ذهب يقرب وزنها من ألف مثقال ، و مع كلّ منهم مجمرة من ذهب في كلّ مجمرة قطعة من العود و العنبر السلطاني ، فوضعوه بين يدي الغلام و جلس إلى جنب يحيى ، فقال يحيى للقاضي : تكلّم و زوّج ابنتي فلانة من ابن أخي هذا فخطب خطبة النكاح و زوّجه و شهد أولئك الجماعة و أقبلوا علينا بالنثار ببنادق المسك و العنبر فالتقطت مل‏ء كمي و نظرت فإذا نحن بين يحيى و ولده و الغلام مائة و اثنا عشر نفرا و إذا بمائة و اثنا عشر خادما قد أقبلوا و مع كلّ خادم صينية من فضّة على كلّ صينية ألف دينار ، فوضعوا بين يدي كلّ رجل منّا صينية ،

فرأيت القاضي و المشائخ يضعون الدنانير في أكمامهم و يجعلون الصواني تحت آباطهم و قاموا و بقيت لا أجسر على أخذ الصينية ، فغمزني الخادم فأخذتها و جعلت أتلفت إلى ورائي مخافة أن أمنع من الذهاب و يحيى يلاحظني فقال : ما لي أراك تتلفت يمينا و شمالا ؟ فقصصت عليه قصتي فقال للخادم :

إيتني بولدي موسى و قال له : يا بني هذا رجل غريب فخذه إليك و احفظه بنعمتك فأخذ يدي و أدخلني داره و أقمت عنده يومي و ليلتي في ألذّ عيش ، فلما أصبح دعا بأخيه العباس و قال له : أمرني الوزير بالعطف على هذا الفتى و قد علمت اشتغالي في بيت الخليفة فاقبضه إليك و أكرمه ففعل ثم تسلمني في الغد أخوه أحمد ، ثم تداولوا بي في عشرة أيام و لا أعرف خبر عيالي و صبياني .

فلما كان اليوم الحادي عشر جاءني خادم و قال : اخرج إلى عيالك

٣٧٢

بسلام فقلت : إنا للّه و إنّا إليه راجعون سلبت الصينية و الدنانير ، فرفع الخادم سترا ثم آخر ثم آخر إلى خمسة ، فلما رفع الأخير رأيت حجرة كالشمس حسنا و نورا و استقبلني منها رائحة العود و نفحات المسك ، و إذا بعيالي و صبياني يتقلبون في الحرير و الديباج ، و حمل إليّ مائة ألف درهم و عشرة آلاف دينار و منشور لضيعتين و تلك الصينية التي كنت أخذتها بما فيها من الدّنانير و البنادق ، و أقمت مع البرامكة في دورهم ثلاث عشرة سنة لا يعلم الناس أنا من البرامكة أم غريب ، فلما جاءتهم البلية أجحفني عمرو بن مسعدة و ألزمني في هاتين الضيعتين من الخراج ما لا يفي دخلهما به ، فلما تحامل عليّ الدهر كنت أقصد في آخر الليل خرابات دورهم فأندبهم و أذكر حسن صنيعهم و أبكي عليهم فقال الخليفة : عليّ بعمرو بن مسعدة ، فأتى به فقال له :

تعرف هذا ؟ قال : بعض صنائع البرامكة قال : كم ألزمته في ضيعته ؟ قال : كذا و كذا فقال له : رد إليه كلّ ما أخذته منه و أفرغهما له ليكونا له و لعقبه من بعده .

فعلا نحيب الرجل ، فلما رأى الخليفة كثرة بكائه قال له : يا هذا قد أحسنّا إليك فما يبكيك ؟ قال : و هذا أيضا من صنيع البرامكة لو لم آت خراباتهم فأبكيهم و أندبهم حتى اتصل خبري بالخليفة من أين كنت أصل إلى الخليفة ،

فدمعت عينا الخليفة و قال : لعمري هذا أيضا من البرامكة فأبكهم و اشكرهم١ .

و في ( العيون ) : كان سعيد بن عمرو مؤاخيا ليزيد بن المهلب ، فلما حبس عمر ابن عبد العزيز ، يزيد و منع من الدخول عليه ، أتاه سعيد فقال له : لي على يزيد خمسون ألف درهم و قد حلت بيني و بينه فإن رأيت أن تأذن لي فأقتضيه .

فاذن لي فدخل عليه فسر به يزيد و قال له : كيف وصلت إليّ فقال : بهذا التدبير .

____________________

( ١ ) لم نعثر على كتاب اخبار بني العباس في المطبوعات و المخطوطات ، و يقول حاجي خليفة عن الكتاب إنّه لأحمد بن يعقوب المصري و لعبد اللّه بن الحسين بن بدر المتوفي سنة ٣٧٢ ، انظر كشف الظنون ١ : ٢٦ .

٣٧٣

فقال يزيد : و اللّه لا تخرج إلاّ و هي معك فامتنع سعيد فحلف يزيد ليقبضها .

فقال ابن الرقاع :

لم أر محبوسا من الناس واحدا

حبا زائرا في السجن غير يزيد

سعيد بن عمرو إذا أتاه أجازه

بخمسين ألف عجلت لسعيد١

« و ان عشتم حنّوا إليكم » من ( حنا ) أي : عطف و مال .

في ( مستجاد التنوخي ) : مرض قيس بن سعد بن عبادة فاستبطأ إخوانه فقيل : إنّهم يستحيون مما لك عليهم من الدين فقال : أخزى اللّه ما لا يمنع الإخوان من الزيارة ثم أمر مناديا فنادى : من كان لقيس عليه حقّ فهو منه في حلّ فكسرت درجته بالعشي لكثرة من عاده٢ .

و في ( الجهشياري ) : ذكر مخلد بن إبان قال : كنت أكتب لمنصور بن زياد ، فشخص منصور مع الرشيد إلى خراسان و كان ابنه محمد بن منصور سخيا سريا و كان الرشيد يسمّيه فتى العسكر فأمرني بحفظ الأموال و المقام معه على السواد بحضرة محمد الأمين ببغداد ، فكنت مع محمد بن منصور و عمل على تزويج ابنه زياد بن محمد بن منصور ، فسأل محمد الأمين أن يزوره في أصحابه و قوّاده و كتّابه من غير أن يقدم في هذا قولا إليّ ،

فأجابه الأمين ثم دعاني فخبّرني الخبر فقلت له : هذا أمر علينا فيه غلظة و نحتاج إلى مال جليل فقال : قد وقع هذا و لا حيلة في إبطاله و كان موضع بابه يضيق عن عشر دواب فقلت له : فإن لم تنظر في المال و النفقة فمن أين لنا رحبة تقوم فيها دواب الناس فقال : لا و اللّه ما أدري و التدبير و الأمر إليك .

ففكرت في إحسانهم إلى جيرانهم ، فخرجت إلى مسجد على بابه فجمعتهم

____________________

( ١ ) عيون الاخبار ١ : ٣٤٤ ، و ذكره ابن قتيبة ايضا في الشعر و الشعراء : ٤١٠ ، طبع دار الكتب العلمية .

( ٢ ) المستجاد في أخبار الأجواد للتنوخي : ١٧٦ .

٣٧٤

و أعلمتهم ما عزم عليه محمد ابن منصور من أمر ابنه و استزارته الأمين و أنّه لا رحبة له ، و سألتهم تفريغ منازلهم و إعارتنا إيّاها جمعة أو عشرة أيام حتى نهدمها ثم نبنيها إذا استغنينا عنها أحسن بناء قلت لهم هذا القول و أنا خائف ألاّ يجيبوني فقالوا جميعا بلسان واحد : نعم كرامة و مسرة ، غدا نفرغها .

فشكرت ذلك لهم و قاموا من حضرتي و أخذوا في تفريغها و كان أكثرها باللبن و الاختصاص فهدمناها و جعلنا مكانها رحبة و أتانا الأمين و أنفقنا أموالا جليلة ، و كانت الغو إلى في تغارات فضة و أكثر الشمع من عنبر في طساس ذهب ، ثم انقضى العرس فبنيت للجيران منازلهم بالجص و الآجر١ .

و في ( كامل المبرد ) : كان القعقاع بن شور إذا جالسه أحد و عرفه بالقصد إليه جعل له نصيبا في ماله و أعانه على عدوّه له في حاجته و غدا إليه بعد المجالسة شاكرا له حتى شهر بذلك ، و فيه يقول القائل :

و كنت جليس قعقاع بن شور

و لا يشقى بقعقاع جليس

ضحوك السن إن أمروا بخير

و عند السوء مطراق عبوس

و جالس رجل قوما من مخزوم ، فأساؤوا عشرته و سعوا به إلى معاوية ، فقال :

شقيت بكم و كنت لكم جليسا

فلست جليس قعقاع بن ثور٢

و من جهل أبو جهل أخوكم

غزا بدرا بمجمرة و تور

و في ( تاريخ بغداد ) عن عون بن محمد الكندي قال : لعهدي بالكرخ ببغداد و ان رجلا لو قال ابن أبي دؤاد مسلم لقتل في مكانه ، ثم وقع الحريق في الكرخ و هو الذي ما كان مثله قط ، كان الرجل يقوم في صينية شارع الكرخ

____________________

( ١ ) الجهشياري : ٢٦٦ ٢٦٧ .

( ٢ ) الكامل للمبرّد ١٠ : ١٥٢ .

٣٧٥

فيرى السفن في دجلة فكلّم ابن أبي دؤاد المعتصم في الناس و قال له : رعيتك في بلد آبائك و دار ملكهم نزل بهم هذا الأمر فاعطف عليهم بشي‏ء يفرّق فيهم يمسك أرماقهم و يبنون به ما انهدم عليهم و يصلحون به أحوالهم فلم يزل ينازله حتى أطلق لهم خمسة آلاف ألف درهم فقال له : إن فرقها عليهم غيري خفت ألا يقسم بينهم بالسوية فائذن لي في تولي أمرها ليكون الأجر أوفر و الثناء أكثر قال : ذلك إليك فقسّمها على مقادير الناس و ما ذهب منهم بنهاية ما يقدر عليه من الاحتياط و احتاج إلى زيادة ، فازدادها من المعتصم و غرم من ماله في ذلك غرما كثيرا فكانت هذه من فضائله التي لم يكن لأحد مثلها .

فلعهدي بالكرخ لو إنّ إنسانا قال « زر ابن أبي دؤاد و سخ » لقتل .

فيه أيضا : اعتلّ ابن أبي دؤاد فعاده المعتصم و قال له : إنّي نذرت إن عافاك اللّه أن أتصدّق بعشرة آلاف دينار فقال له : اجعلها لأهل الحرمين فقد لقوا من غلاء الأسعار عنفا فقال : نويت أن أتصدّق بها ههنا و أنا اطلق لأهل الحرمين مثلها فقيل للمعتصم في ذلك لأنّه عاده و ليس يعود إخوته و أجلاّء أهله فقال : و كيف لا أعود رجلا ما وقعت عيني عليه قط إلاّ ساق إليّ أجرا أو أحب لي شكرا أو أفادني فائدة تنفعني في دنياي و ديني ، و ما سألني حاجة لنفسه قط١ .

و بالعكس من أساء معاشرة الناس يجتنبه الناس في حياته و يشمتون بموته بعد وفاته ، قالوا : لما مات أبو عبيدة معمّر بن المثنى مع كثرة تاليفه في الفنون المختلفة حتى قيل فيه إنّ علم الجاهلية و الاسلام كان عنده لم يحضر جنازته أحد لأنّه لا يسلم منه شريف و لا غيره .

و في ( تاريخ بغداد ) : ولّي معاذ بن معاذ و كان له منزلة من الرشيد

____________________

( ١ ) تاريخ بغداد ٤ : ١٤٩ .

٣٧٦

قضاء البصرة ، فلم يحمدوا أمره و كثر الكارهون له و الرقائع عليه ، فلما صرف عن القضاء أظهر أهل البصرة السرور به و نحروا الجزور و تصدّقوا بلحمها و استتر في بيته خوف الوثوب عليه ثم شخص مختفيا١ .

و قالوا : لما نكب المعتصم الفضل بن مروان شمت به الناس لرداءة أفعاله و أخلاقه ، فقيل فيه :

لتبك على الفضل بن مروان نفسه

فليس له باك من الناس يعرف

لقد صحب الدّنيا منوعا بخيرها

و فارقها و هو الظلوم المعنف

إلى النار فليذهب و من كان مثله

على أي شي‏ء فاتنا منه نأسف٢

و في ( اليعقوبي ) : سخط المتوكل بعد أربعين يوما من خلافته على محمد بن عبد الملك الزيات و استصفى أمواله و عذّبه حتى مات ، كان شديد القسوة قليل الرحمة كثير الاستخفاف بهم لا يعرف له إحسان إلى أحد و لا معروف عنده و كان يقول : الحياء و الرحمة ضعف ، و السخاء حمق فلما نكب لم ير إلاّ شامت به و فرح بنكبته٣ .

و في ( الطبري ) : قيل في الأمين بعد قتله :

لم نبكيك لما ذا للطرب

يا أبا موسى و ترويج اللعب

و لترك الخمس في أوقاتها

حرصا منك على ماء العنب

و شنيف انا لا أبكي له

و على كوثر لا أخشى العطب

لم تكن تعرف ما حدّ الرضا

لا و لا ما حد الغضب٤

و في ( أنساب البلاذري ) : كان عمرو بن الزبير عظيم الكبر شديد العجب ،

____________________

( ١ ) تاريخ بغداد ٤ : ١٤٩ ١٥٠ .

( ٢ ) تاريخ بغداد لليعقوبي ٤ : ١٣٢ .

( ٣ ) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٤٨٤ .

( ٤ ) تاريخ الطبري ٤ : ٩٤ .

٣٧٧

و له يقال : « عمرو لا يكلّم ، من يكلّمه يندم » .

٢ الحكمة ( ٣٦٠ ) و قالعليه‌السلام :

لاَ تَظُنَّنَّ بِكَلِمَةٍ خَرَجَتْ مِنْ أَحَدٍ سُوءاً وَ أَنْتَ تَجِدُ لَهَا فِي اَلْخَيْرِ مُحْتَمَلاً أقول : روى ( الكافي ) عن الصادقعليه‌السلام : إنّ المؤمن إذا اتّهم أخاه المؤمن انماث الإيمان من قلبه كانمياث الملح في الماء١ .

هذا ، و قال ابن أبي الحديد : قال ثمامة : نكب الرشيد علي بن عيسى بن ماهان و ألزمه مائة ألف دينار أدّى منها خمسين ألف دينار و بلج بالباقي ،

فأقسم الرشيد إن لم يؤد اليوم قتله ، و كان ابن ماهان عدوّا للبرامكة مكاشفا ،

فلما علم أنّه مقتول سأل أن يمكّن من الناس يستنجدهم ففسح له في ذلك ،

فمضى و معه وكيل الرشيد إلى باب يحيى و جعفر فأسبلا عليه و صححا من صلب أموالهما خمسين ألف دينار و استخلصاه ، فنقل بعض المنتصحين لهما إليهما أنّ ابن ماهان قال في آخر ذاك اليوم متمثلا :

فما بقيا عليّ تركتماني

و لكن خفتما صرر النبال

فقال يحيى للناقل : إنّ المرعوب ليسبق لسانه إلى ما لم يخطر بقلبه .

و قال جعفر : و من أين لنا أنّه عنانا و لعلّه أراد أمرا آخر في تمثّله٢ . .

قلت : نقله ( الجهشياري ) بطريق آخر كما مر في فصل المكارم ، و الكلام فيما كان المقال محتملا للخير لا في مثله و انّما حمله يحيى عليه تكرّما٣ .

____________________

( ١ ) الكافي ٢ : ٣٦١ ح ١ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٢٠ : ٢٧٧ .

( ٣ ) الجهشياري : ٢٢٨ .

٣٧٨

٣ الحكمة ( ٣٥ ) و قالعليه‌السلام :

مَنْ أَسْرَعَ إِلَى اَلنَّاسِ بِمَا يَكْرَهُونَ قَالُوا فِيهِ بِمَا لاَ يَعْلَمُونَ هكذا في ( المصرية )١ و الصواب : « ما » كما في غيرها لا يعلمون .

أقول : كان المغيرة بن الأسود المعروف بالأقيشر يغضب إذا قيل له أقيشر فمرّ يوما بقوم من بني عبس فقال رجل منهم : يا أقيشر ، فسكت ساعة ثم قال :

أتدعوني الأقيشر ذاك اسمي

و أدعوك ابن مطفئة السراج

تناجي خدنها بالليل سرّا

و ربّ الناس يعلم ما تناجي٢

فسمّى الرجل « ابن مطفئة السراج » و ولده يسبون بذلك إلى اليوم .

و دسّ جرير رجلا إلى الأقيشر و قال قل له : إنّي جئت لأهجو قومك و تهجو قومي ، فصار إليه فقال له ذلك ، فقال له : ممّن أنت ؟ قال : من تميم فقال :

فلا أسدا أسبّ و لا تميما

و كيف يحلّ سب الأكرمينا

و لكن التقارض حل بيني

و بينك يابن مضرطة العجينا

فسمّي الرجل « ابن مضرطة العجين »٣ .

و قالوا : شهد أعرابي عند معاوية بشي‏ء كرهه ، فقال له معاوية : كذبت .

فقال له الأعرابي : الكاذب و اللّه متزمل في ثيابك فقال معاوية : هذا جزاء من عجل .

____________________

( ١ ) الطبعة المصرية : ٦٦٦ ح ٣٥ .

( ٢ ) الأغاني ١١ : ٢٥٣ .

( ٣ ) الشعر و الشعراء : ٤٧٢ طبعة دار الكتب العلمية .

٣٧٩

و قالوا : قل خيرا تسمع خيرا قل خيرا تغنم١ .

و من العجب أنّ ذلك مؤثر حتّى في العشّاق ، فقالوا : كان ذو الرمة المعروف بعشق مية قائلا فيها أشعارا كثيرة ، فمكثت مية زمانا طويلا لا تراه و تسمع شعره ، فجعلت للّه عليها أن تنحر بدنة إن رأته ، فلما رأته رأت رجلا أسود دميما فقالت : و اسوأتاه كأنّها لم ترضه فقال ذو الرمة :

على وجه مي مسحة من ملاحة

و تحت الثياب الشين لو كان باديا

ألم تر أنّ الماء يخبث طعمه

و إن كان لون الماء أبيض صافيا٢

و قالوا : و فد ملاعب الأسنة مع إخوته و معهم لبيد و هو غلام على النعمان ابن المنذر ، فوجدوا عنده الربيع بن زياد العبسي و كان ينادم النعمان و كانوا له أعداء ، فكان إذ خلا الربيع بالنعمان طعن فيهم و ذكر معائبهم ، ففعل ذلك بهم مرارا ، فدخلوا عليه يوما فرأوا منه تغيّرا و جفاء و قد كان يكرمهم قبل ذلك إلى أن قال غدوا بلبيد معهم إلى النعمان فوجدوه يتغدى و معه الربيع و هما يأكلان ليس معه غيره ، فلما فرغ من الغداء دخلوا عليه فذكروا له حاجتهم فاعترض الربيع في كلامهم فقام لبيد يرتجز و يقول :

يا ربّ هيجا هي خير من دعه

أكل يوم هامتي مقزّعه

نحن بنو أم البنين الأربعة

و من خيار عامر بن صعصعه

المطعمون الجفنة المذعذعة

و الضاربون الهام تحت الخيضعه

يا واهب الخير الكثير من سعه

إليك جاوزنا بلادا مسبعه

مخبر عن هذا خبيرا فاسمعه

مهلا أبيت اللعن لا تأكل معه

إنّ استه من برص ملمعه

و إنّه يدخل فيها إصبعه

____________________

( ١ ) نهج البلاغة ١٠ : ١٣٧ .

( ٢ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ٤ : ٣٩ .

٣٨٠