بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٣

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة0%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 617

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

مؤلف: الشيخ محمد تقي التّستري
تصنيف:

الصفحات: 617
المشاهدات: 171893
تحميل: 5290


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 617 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 171893 / تحميل: 5290
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 13

مؤلف:
العربية

يدخلها حتى يوارى أشجعه

كأنّما يطلب شيئا أطعمه١

فالتفت النعمان إلى الربيع شزرا يرمقه فقال : أكذا أنت ؟ قال : لا و اللّه لقد كذب عليّ و انصرف فبعث إليه النعمان بضعف ما كان يحبوه به و أمره بالانصراف إلى أهله فكتب إليه الربيع : إنّي قد تخوفت أن يكون قد و قر في صدرك ما قال لبيد و لست برائم حتى تبعث من يجردني فيعلم من حضرك من الناس أني لست كما قال فأرسل إليه : إنّك لست صانعا بانتفانك مما قال لبيد شيئا و لا قادرا على ما زلّت به الألسن فالحق بأهلك٢ .

٤ الحكمة ( ١٥٨ ) و قالعليه‌السلام :

عَاتِبْ أَخَاكَ بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهِ وَ اُرْدُدْ شَرَّهُ بِالْإِنْعَامِ عَلَيْهِ أقول : في ( المعجم ) عن أبي الفضل بن ثوابه قال : قدم البحتري النيل على أحمد الاسكافي مادحا له فلم يثبه ، فهجاه بقصيدة أوّلها « قصّة النيل فاسمعوها عجاب » و جمع إلى هجائه إيّاه هجاء بني ثوابه ، و بلغ ذلك أبي فبعث إليه بألف درهم و ثيابا و دابة بسرجها و لجامها ، فردّه و قال : قد أسلفتكم إساءة فلا يجوز معه قبول صلتكم فكتب إليه أبي : أما الإساءة فمغفورة و المعذرة مشكورة ، و الحسنات يذهبن السيئات ، و ما يأسو جراحك مثل يدك ، و قد رددت إليك ما رددته عليّ ، و أضعفته فإن تلافيت ما فرط منك أثبنا و شكرنا و إن لم تفعل احتملنا و صبرنا فقبل البحتري : ما بعث به إليه و كتب إلى أبي :

كلامك و اللّه أحسن من شعري ، و قد أسلفتني ما أخجلني ، و حملتني ما أثقلني ،

____________________

( ١ ) الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني ١٥ : ٣٦٣ ٣٦٤ ، ذكر الأبيات في ديوان لبيد : ٩٢ ٩٣ بدل أطمعه « ضيّعه » .

( ٢ ) ذكره الأصفهاني في الأغاني ١٥ : ٣٦٣ ٣٦٤ .

٣٨١

و سيأتيك ثنائي ثم غدا عليه بقصيدة أوّلها « ضلال لها ما ذا أرادت من الصدّ » و قال فيه أيضا ما أوّله « برق أضاء العقيق من صرمه » و ما أوّله « إن دعاه داعي الهوى فأجابه » فلم يزل أبي بعد ذلك يصله و يتابع برّه لديه حتى افترقا١ .

و في ( شعراء القتيبي ) : كان بشر بن أبي حازم الأسدي في أوّل أمره يهجو أوس بن حارثة بن لام الطائي ، فأسرته بنو نبهان من طي فركب إليهم أوس فاستوهبه منهم و أراد إحراقه ، فقالت له سعدى امه : قبّح اللّه رأيك أكرم الرجل و أحسن إليه فانّه لا يمحو ما قال غير لسانه ففعل فجعل بشر مكان كلّ قصيدة هجاء قصيدة مدح٢ .

و في ( كامل المبرد ) : كان النعمان بن المنذر دعا بحلة و عنده و فود العرب من كلّ حي ، فقال : احضروا في غد فإنّي ملبس هذه الحلة أكرمكم .

فحضر القوم جميعا إلاّ أوس بن حارثة ، فقيل له : لم تخلفت ؟ فقال : إن كان المراد غيري فأجمل الأشياء ألاّ أكون حاضرا ، و إن كنت أن المراد فسأطلب و يعرف مكاني فلما جلس النعمان لم ير أوسا ، فقال : اذهبوا إلى أوس فقولوا له : احضر آمنا ممّا خفت فحضر فألبس الحلة ، فحسده قوم من أهله فقالوا للحطيئة : اهجه و لك ثلاثمائة ناقة ، فقال الحطيئة : كيف أهجو رجلا لم يكن في بيتي أثاث و لا مال إلاّ من عنده ثم قال :

كيف الهجاء و ما تنفكّ صالحة

من آل لام بظهر الغيب تأتيني

فقال لهم بشر بن أبي حازم : أنا أهجوه لكم ، فأخذ الإبل و فعل ، فأغار أوس على الإبل فاكتسحها فجعل لا يستجير حيّا إلاّ قال قد أجرتك إلاّ من أوس و كان بشر في هجائه أوسا ذكر امّه فأتى به فدخل أوس على أمّه فقال : قد

____________________

( ١ ) معجم الادباء ٤ : ١٥٥ ١٥٦ .

( ٢ ) الشعراء للقتيبي : ٤٩ .

٣٨٢

أتينا ببشر الهاجي لك ولي فما ترين فيه ؟ فقالت : أو تطيعني فيه ؟ قال : نعم .

قالت : أرى أن تردّ عليه ماله و تعفو عنه و تحبوه و أحبوه فإنّه لا يغسل هجاءه إلاّ مدحه فخرج إليه فقال له : إنّ امي سعدى التي كنت تهجوها قد أمرت فيك بكذا و كذا فقال : لا جرم و اللّه لا مدحت أحدا حتى أموت غيرك ، ففيه يقول :

إلى أوس بن حارثة بن لام

ليقضي حاجتي في من قضاها

و ما وطى‏ء الثرى مثل ابن سعدى

و لا لبس النعال و لا احتذاها١

و قال ابن أبي الحديد الأصل فيه قوله تعالى . ادفع بالتي هي أحسن فاذا الذي بينك و بينه عداوة كأنّه وليّ حميم٢ .

و في ( كامل المبرّد ) : عن ابن عائشة : قال رجل من أهل الشام : دخلت المدينة فرأيت رجلا راكبا على بغلة لم أر أحسن وجها و لا ثوبا و لا مسمنا و لا دابة منه ، فمال قلبي إليه ، فسألت عنه فقيل : هذا الحسن بن علي فامتلأ قلبي له بغضا و حسدت عليّا أن يكون له ابن مثله ، فصرت إليه و قلت له : أنت ابن أبي طالب ؟ فقال : أنا ابن ابنه قلت : فبك و بأبيك أسبّهما فلما انقضى كلامي قال :

أحسبك غريبا ؟ قلت : أجل قال : فمل بنا فإن احتجت إلى منزل أنزلناك أو إلى مال و اسيناك أو إلى حاجة عاونّاك فانصرفت عنه و ما على الأرض أحد أحبّ إليّ منه٣ .

و قال محمود الورّاق :

إنّي شكرت لظالمي ظلمي

و غفرت ذاك له على علم

و رأيته أسدى إليّ يدا

لما أبان بجهله حلمي

____________________

( ١ ) الكامل للمبرّد ١ : ١٩٨ ١٩٩ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٣٧٨ ، و الآية ٣٤ من سورة فصلت .

( ٣ ) الكامل للمبرّد ١ : ٣٥٠ .

٣٨٣

رجعت إساءته عليه و إحساني

فعاد مضاعف الأجر

و غدوت ذا أجر و محمدة

و غدا بكسب الظلم و الإثم

فكأنّما الاحسان كان له

و أنا المسي‏ء إليه في الحكم

مازال يظلمني و أرحمه

حتى بكيت له من الظلم١

اخذ هذا المعنى من قول رجل من قريش ، قال له رجل منهم : إني مررت بآل فلان و هم يشتمونك شتما رحمتك منه قال : أفسمعتني أقول إلاّ خيرا ؟

قال : لا قال : فايّاهم فارحم .

قلت : شعر الوراق و كلام القرشي غير مربوط بالمقام كما لا يخفى٢ .

٥ الحكمة ( ١٧٧ ) و قالعليه‌السلام :

اُزْجُرِ اَلْمُسِي‏ءَ بِثَوَابِ اَلْمُحْسِنِ أقول : في ( كنايات الجرجاني ) : كان المخبل السعدي في سفر ، فأمّ بيتا ضخما في يوم حار ، فلما وقف عليه سلّم فقيل له : أي الشراب أحبّ إليك ؟ أنبيذ أم ماء أم لبن ؟ قال : أيسره و أوجده قالت : اسقوا الرجل ماء تمر ، و أمرت فذبحت له شاة و صنعت فأكل و شرب ، فلما راح قال : جزاك اللّه خيرا من منزل فما رأيت أكرم منك قال : فإذا امرأة ضخمة فقال لها : ما اسمك يرحمك اللّه ؟

قالت : رهوا قال : سبحان اللّه أما وجد أهلك اسما يسمّونك به أحسن من هذا ؟

فقالت : سميتني أنت به قال : إنّا للّه أخليدة أنت ؟ قالت : نعم قال : و اسوأتاه و اللّه لا هجوت بعدك أمرأة أو قال تميمية أبدا و أنشأ يقول :

لقد ضلّ حلمي في خليدة إنّني

سأعتب ربي بعدها و أتوب

____________________

( ١ ) الكامل للمبرد ١ : ٣٤٩ ، و ذكره ابن أبي الحديد في شرحه ١٨ : ٣٧٨ ٣٧٩ .

( ٢ ) الكامل للمبرد ١ : ٣٤٩ ، و ذكره ابن أبي الحديد في شرحه ١٨ : ٣٧٨ ٣٧٩ .

٣٨٤

و اشهد ربّ الناس أن قد ظلمتها

و جرت عليها و الهجاء كذوب

و الأصل فيه أنّ الزبرقان زوّج اخته خليدة هزالا من بني جشم بن عوف بعد أن قتل الهزال جارا للزبرقان ، فقال المخبل :

و أنكحت هزالا خليدة بعد ما

زعمت لعمر اللّه أنّك قاتله

فأنكحته رهوا كأن عجانها

مشيق أهاب أوسع السلح ناجله

يلاعبها فوق الفراش و جاركم

بذي شبرمان تزال مفاصله

و الرهو : الواسع١ .

و في ( تذكرة سبط بن الجوزي ) قال الزهري : خرج علي بن الحسينعليه‌السلام يوما من المسجد فتبعه رجل فسبّه ، فلحقته العبيد و الموالي فهمّوا بالرجل فقال : دعوه ثم قال له : ما ستر اللّه عنك من أمرنا أكثر ، ألك حاجة نعينك عليها ؟ فاستحيى الرجل ، فألقىعليه‌السلام عليه خميصة كانت عليه و أعطاه ألف درهم ، فكان الرجل بعد ذلك إذا رآه يقول : أشهد أنّك من أولاد الرسول٢ .

و قال ابن سعد : كان هشام بن اسماعيل المخزومي و الى المدينة ، و كان يؤذي علي بن الحسينعليه‌السلام و يشتم عليّا على المنبر و ينال منه ، فلما ولي الوليد عزله و أمر به ان يوقف للناس ، فقال هشام « و اللّه ما أخاف إلاّ من علي بن الحسين إنّه رجل صالح يسمع قوله » فأوصى علي بن الحسينعليه‌السلام أصحابه و مواليه و خاصّته ألا يتعرّضوا له ، ثم مرّ عليعليه‌السلام في حاجته عليه فما عرض له فناداه هشام و هو واقف للناس اللّه أعلم حيث يجعل رسالته٣ .

____________________

( ١ ) الكنايات للجرجاني : ٨٣ ٨٤ .

( ٢ ) التذكرة لسبط بن الجوزي : ٢٤٠ .

( ٣ ) تذكرة الخواص : ٣٣٧ ٣٣٨ .

٣٨٥

٦ الحكمة ( ١٧٨ ) و قالعليه‌السلام :

اُحْصُدِ اَلشَّرَّ مِنْ صَدْرِ غَيْرِكَ بِقَلْعِهِ مِنْ صَدْرِكَ أقول : قال ابن أبي الحديد هذا يفسر على وجهين : أحدهما يعني « لا تضمر لأخيك سوءا فإنّك إلاّ تضمر ذاك لا يضمر هو لك سوءا لأنّ القلوب يشعر بعضها ببعض » و الثاني يعني « لا تعظ الناس و لا تنههم عن منكر إلاّ و أنت مقلع عنه فإنّ الواعظ الذي ليس يزكى لا ينجع وعظه و لا يؤثر نهيه »١ .

قلت : المعنى الثاني الذي قاله بمراحل عن المقام ، و أما الأوّل و إن كان قريبا إلاّ أنّه قاصر عن أداء المراد ، فمجرد عدم إضمار الشّرّ لغيرك لا يكفي في قلعه من صدر غيرك إذا كان مضمرا لشرّ لك ، بل بإظهار آثاره له .

و مما يناسبه ما في ( الأغاني ) : حضر حمّاد عجرد و مطيع بن أياس مجلس محمد بن خالد أمير الكوفة ، فتمازحا فقال حمّاد :

يا مطيع يا مطيع

أنت إنسان رفيع

و عن الخير بطي‏ء

و إلى الشرّ سريع

فقال مطيع :

إن حمّادا لئيم

الأصل عديم

لا ترى الدهر إلا

بهن العير يهيم

فقال حمّاد : و يلك أترميني بدائك و اللّه لو لا كراهتي لتمادي الشرّ و لجاج الهجاء لقلت لك قولا يبقى و لكن لا افسد مودّتك و لا اكافئك إلاّ بالمديح فقال :

كلّ شي‏ء لي فداء

لمطيع بن أياس

____________________

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٤١١ .

٣٨٦

رجل مستملح

في لين و شماس

عدل روحي بين جنبي

و عيني برأسي

غرس اللّه له في

كبدي أحلى غراس١

٧ الحكمة ( ٣١٤ ) و قالعليه‌السلام :

رُدُّوا اَلْحَجَرَ مِنْ حَيْثُ جَاءَ فَإِنَّ اَلشَّرَّ لاَ يَدْفَعُهُ إِلاَّ اَلشَّرُّ أقول : أمّا قولهعليه‌السلام « ردوا الحجر من حيث جاء » فذكره الكرماني في ( أمثاله )٢ و قال : « يعني لا تقبل الضيم و ارم من رماك » إلاّ أنّ كونه مثلا لغيرهعليه‌السلام غير معلوم أوّلا ، و إنّما المثل قولهم « رمى فلان بحجره » ذكره العسكري في ( أمثاله )٣ و قال : أي رمى بقرنه .

قال الأحنف لعليعليه‌السلام حين بعث معاوية عمرا حكما : إنّك قد رميت بحجر الأرض و من كاد الإسلام و أهله عصرا و هو سن قريش و داهية العرب و قد رضيت بأبي موسى و هو رجل يمان و ما تدرى نصيحته ضم به رجلا من قريش و اجعلني ثانيا فليس صاحب عمرو إلاّ من دنا حتى يظنّ أنّه قد بالغه و هو منه بمنزلة النجم فقالعليه‌السلام : و اللّه ما أردت التحكيم و لا رضيت به و قد أبى الناس إلاّ أبا موسى و غلبوني٤ .

و كون معناه ما ذكره غير معلوم ثانيا ، بل الظاهر أنّ المعنى « ادفع الشر بشر من جنسه » .

____________________

( ١ ) الأغاني ١٤ : ٣٥٧ ٣٥٨ .

( ٢ ) ذكره الميداني « ردّ الحجر » ١ : ٣١٨ .

( ٣ ) جمهرة الأمثال للعسكري : ٣١٢ .

( ٤ ) تاريخ الخلفاء ١ : ١٣١ ، ما تفق معه .

٣٨٧

و في ( تاريخ بغداد ) في محمد بن جعفر الادمي العماري عن ابن الاكفاني قال : قال أبي : حججت في بعض السنين و حجّ في تلك السنة البغوي و الادمي القاري فلما صرنا بالمدينة جاءني البغوي فقال : ههنا رجل ضرير قد جمع حلقة في مسجد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله و قعد يقصّ و يروى الأخبار المفتعلة ، فإن رأيت أن نمضي إليه لننكر عليه و نمنعه فقلت له : أنّ كلامنا لا يؤثر مع هذا الجمع الكثير و لسنا ببغداد فيعرف موضعنا ، و لكن ههنا أمر آخر و هو الصواب و أقبلت على الادمي و كان أحسن الناس صوتا بالقرآن و أجهرهم بالقراءة فما هو إلاّ ان ابتدأ بالقراءة حتى انفلت الحلقة و انفصلوا عنه و أحاطوا بنا يسمعون قراءة الادمي و تركوا الضرير وحده ، فسمعته يقول لقائدة : خذ بيدي فهكذا تزول النعم١ .

هذا ، و من لطائف الصاحب أنّ ابن فارس لما أرسل إليه من همدان كتابه المترجم بالحجر قال : « ردوا الحجر من حيث جاء » .

و أمّا قولهعليه‌السلام : « فإنّ الشر لا يدفعه إلاّ الشّرّ » فالمراد به واضح ، و يوضح المراد من الأول و نذكر له أمثلة .

الأول : في ( كامل الجزري ) : كان الحسن بن مخلد ، و موسى بن عبد الملك قد انقطعا إلى عبيد اللّه بن يحيى بن خاقان وزير المتوكل و كان الحسن على ديوان الضياع و موسى على ديوان الخراج ، فكتب نجاح بن سلمة الكاتب رقعة إلى المتوكلّ أنّهما خانا و أنّه يستخرج منهما أربعين ألف ألف ،

فقال له المتوكل : بكّر عليّ غدا حتى أدفعهما إليك فغدا و قد رتب أصحابه لأخذهما ، فلقيه عبيد اللّه و قال له : أنا أشير عليك بمصالحتهما و تكتب رقعة أنّك كنت شاربا و تكلّمت ناسيا و أنا أصلح بينكما و أصلح الحال عند المتوكل و لم

____________________

( ١ ) تاريخ بغداد ٢ : ١٤٧ .

٣٨٨

يزل يخدعه حتى كتب خطّه بذلك ، فصرفه و أحضر الحسن و موسى و عرفهما الحال و أمرهما أن يكتبا في نجاح و أصحابه بألفي ألف دينار ، ففعلا فأخذ عبيد اللّه الرقعتين و أدخلهما على المتوكل و قال : قد رجع نجاح عمّا قال و هذه رقعة موسى و الحسن يتقبلان بما كتبا ، فخذ ما ضمنا عليه ثم تعطف عليهما فتأخذ منهما قريبا منه فأمر المتوكل بدفع نجاح إلى موسى و الحسن ، فأخذاه و أولاده فأقروا بنحو مائة و أربعين ألف دينار سوى الغلاّت و الغرس و الضياع ، فقبض ذلك أجمع و ضرب ثم عصرت خصيتاه حتى مات١ .

الثاني : فيه أيضا : بعث عثمان ابن الزبير لمدد عبد اللّه بن أبي سرح ، فلما دخل العسكر لم ير في القتال ابن أبي سرح فقيل إنّه سمع منادي جرجير خصمه يقول « من قتل عبد اللّه فله مائة ألف دينار و ازوّجه ابنتي » فيخاف الحضور ، فذهب ابن الزبير عنده و قال له : تأمر مناديا ينادي « من أتاني برأس جرجير نفلته ماله و زوّجته ابنته و استعملته على بلاده » ففعل ذلك و صار جرجير يخاف أشدّ من ابن أبي سرح٢ .

الثالث : في ( وزراء الجهشياري ) : شخص عمر بن هبيرة إلى هشام بن عبد الملك ، فتكلّم بكلام استحسنه هشام ، فأقبل على سعيد بن الوليد الكلبي و قال : ما مات من خلف مثل هذا فقال له سعيد : ليس هناك أما تراه يرشح جبينه يضيق صدره فقال ابن هبيرة : ما لذلك رشحت يا سعيد و لكن لجلوسك و لست بأهلي٣ .

الرابع : أيضا : كان سعيد الكلبي يحبّ أن يفسد حال ابن هبيرة عند

____________________

( ١ ) الكامل ٧ : ٨٨ ٨٩ .

( ٢ ) المصدر نفسه ٣ : ٨٩ ٩٠ .

( ٣ ) الوزراء للجهشياري : ٥٩ .

٣٨٩

هشام و كان يسير إذا ركب هشام بالبعد منه و كان هشام معجبا بالخيل فاتخذ سعيد عدّة خيل جياد و أضمرها و أمر المجرين لها أن يعارضوا هشاما إذا ركب ، فان سألهم قالوا : إنّها لابن هبيرة فركب هشام يوما فعورض بالخيل فنظر إلى قطعة من الخيل حسنة فقال : لمن هذه ؟ فقالوا : لابن هبيرة .

فاستشاط غضبا و قال : و اعجباه اختان ما اختان ثم هو يباريني في الخيل ،

عليّ به فدعي به من جانب الموكب ، فجاء مسرعا فقال : ما هذه و لمن هي ؟

و رأى الغضب في وجهه ، فعلم أنّه قد كيد فقال : خيل لك علمت عجبك بها و انا عالم بجيادها فاخترتها و طلبتها من مظانّها فمر بقبضها فأمر بقبضها ، و كان ذلك سبب إقباله عليه و لم يتهيأ لسعيد أن يتكلّم و إنّما ظنّ أنّ هشاما يغضب و لا يسأل فتتم الحيلة على صاحبه فانعكست الحيلة عليه حيلة له١ .

الخامس : في ( المروج ) : ذكر رجل من الكتّاب أنّ إسحاق بن ابراهيم أخا زيد بن ابراهيم حدّثه أنّه كان يتقلّد الصيمرة و السيروان و أنّ إبراهيم بن العباس اجتاز به يريد خراسان و المأمون بها و قد بايع بالعهد لعلي بن موسى الرضاعليه‌السلام و قد امتدحه بشعر يذكر فيه فضل آل عليعليهم‌السلام و أنّهم أحقّ بالخلافة من غيرهم ، فاستحسنت القصيدة و سألته أن ينسخها لي ففعل و وهبت له ألف درهم و حملته على دابة ، و ضرب الدهر من ضربه إلى أن ولّي ابراهيم ديوان الضياع مكان موسى بن عبد الملك و كنت أحد عمّال موسى و كان يحب أن يكشف أسباب موسى ، فعزلني و أمرني أن تعمل مؤامرة فعملت و كثر عليّ فيها فحضرت للمناظرة عنها فجعلت أحتجّ بما لا يدفع فلا يقبله و يحكم لي الكتاب فلا يلتفت إلى حكمهم و يسمعني في خلال ذلك بدعا من الكلام ، إلى أن أوجب عليّ الكتّاب اليمين على باب من الأبواب فحلفت عليه

____________________

( ١ ) الوزراء و الكتاب للجهشياري : ٢٩ .

٣٩٠

فقال : ليست يمين السلطان عندك يمينا لأنّك رافضي فقلت له : تأذن في الدنو منك فاذن لي ، فقلت : ليس مع تعريضك بمهجتي للقتل صبر و هاهو المتوكل ان كتبت إليه بما أسمع منك لم آمنه على نفسي ، و قد احتملت كلّ ما جرى سوى الرفض ، و الرافضي من زعم أنّ عليّاعليه‌السلام أفضل من العباس و أنّ ولدهعليهم‌السلام أحقّ بالخلافة من ولد العباس قال : و من ذلك ؟ قلت : أنت و خطك عندي به و أخبرته بالشعر فو اللّه ما هو إلاّ أن قلت ذلك له حتى سقط في يده ،

ثم قال : أحضر الدفتر الذي بخطي فقلت له : هيهات ، لا و اللّه أو توثق لي بما أسكن إليه أنّك ، لا تطالبني بشي‏ء ممّا جرى على يدي و تخرق هذه المؤامرة و لا تنظر لي في حساب فحلف لي على ذلك ، و خرق العمل المعمول و أحضرته الدفتر فوضعه في خفّه و انصرفت و قد زالت عني المطالبة١ .

السادس : في ( تاريخ بغداد ) : لمّا عزل شريك عن القضاء تعلّق به رجل ببغداد فقال : لي عليك ثلاثمائة درهم فأعطنيها قال : و من أنا ؟ قال : شريك القاضي قال : و من أين هي لك ؟ قال : ثمن هذا البغل الذي تحتك قال : نعم تعال .

فجاء يمشي معه حتى بلغ الجسر قال : من ههنا فقام إليه الشرط فقال : خذوا هذا فاحبسوه لئن اطلقتموه لأخبرنّ أبا العباس فقالوا : إنّ هذا الرجل يتعلّق بالقاضي إذا عزل فيدعي عليه فيفتدى منه ، و قد تعلّق بسلمة الأحمر حين عزل عن واسط فأخذ منه أربعمائة درهم فقال : هكذا قالوا : نعم فكلّم فيه ، فأبى أن يطلقه فقال له أبو العباس : إلى كم تحبس هذا الرجل ؟ قال : حتى يرد على سلمة الأحمر أربعمائة درهم فردّ على سلمة أربعمائة ، فجاء سلمة إلى شريك فشكر له فقال له : يا ضعيف كلّ من سألك مالك أعطيته إيّاه٢ .

____________________

( ١ ) المروج ٤ : ٢٣ .

( ٢ ) تاريخ بغداد ، لم نعثر عليه في ترجمة شريك بن عبد اللّه القاضي ٩ : ٢٧٩ و ما بعده .

٣٩١

السابع : في ( نسب قريش مصعب الزبيري ) : كان عبد الملك غضب غضبة فكتب إلى هشام بن اسماعيل بن هشام بن الوليد بن المغيرة عامله على المدينة و أبو أمّ ابنه هشام أن أقم آل علي يشتمونه و آل ابن الزبير يشتمون ابن الزبير فأبى الجميع و كتبوا وصاياهم فركبت أخت له إليه و قالت : فان كان لابد من أمر فمر آل علي يشتمون آل الزبير و مر آل الزبير يشتمون آل علي قال : هذه أفعلها فاستبشر الناس بذلك إلى أن قال بعد إباء الحسن بن الحسن لشتم آل الزبير و قبول أبي هاشم بن محمد بن الحنفية لذلك و عدم حضور عامر بن عبد اللّه بن الزبير لذلك حتى قيل لهشام إنّه لا يفعل أتقتله ؟ و قال عامر : إنّ بني أمية يغرون بشتم علي و ما يريد اللّه بذلك إلاّ رفعته ،

فإن اللّه لم يرفع شيئا فاستطاع أحد خفضه فقدم ثابت بن عبد اللّه بن الزبير و كان غائبا و هو ابن خالة الحسن بن الحسن على هشام و قال له : كنت غائبا فاجمع لي الناس آخذ بنصيبي فقال له هشام : و ما تريد فلود من حضر أنّه لم يحضر قال : لتفعلن أو لأكتبن إلى عبد الملك ، فجمع له الناس فقام فقال :لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود و عيسى بن مريم ذلك بما عصوا و كانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون ١ إلى أن قال لعن اللّه الأشدق لطيم الشيطان المتمني ما ليس له هو أقصر ذراعا و أضيق باعا ، ألا لعن اللّه الأحول الأثعل المترادف الأسنان المتوثب في الفتنة و ثوب الحمار المقيد محمد بن أبي حذيفة رامي أمير المؤمنين برؤوس الافانين ، ألا لعن اللّه عبيد اللّه الأعور بن عبد الرحمن بن سمرة شرّ العصاة اسما و ألأمها مرعا و أقصرها فرعا لعنه اللّه و لعن التي تحته يعرض بأمّ هشام بن اسماعيل و كان عبيد اللّه خلف عليها بعد اسماعيل

____________________

( ١ ) المائدة : ٧٨ ٧٩ .

٣٩٢

فلما بلغ ثابت هذا القول أمر به هشام إلى الحبس و قال : ما أراك تشتم إلاّ رحم .

الخليفة فقال له ثابت : إنّهم عصاة مخالفون فدعني حتى أشفي الخليفة منهم ،

فلم يزل ثابت في السجن حتى بلغ خبره عبد الملك فكتب أن اطلقوه فإنّه إنّما شتم أهل الخلاف١ .

قلت : إنّ ثابتا لعن محمد بن أبي حذيفة لكونه من بني عبد شمس ،

و مراده بوثوبه في الفتنة إنكاره على عثمان بدعه و إعلانه شنائعه ، كان من الآمرين بالمعروف و الناهين عن المنكر حقّا حتى قتلوه على ذلك فكان ثابت أولى باللعن منه .

٨ الحكمة ( ١٥٩ ) و قالعليه‌السلام :

مَنْ وَضَعَ نَفْسَهُ مَوَاضِعَ اَلتُّهَمَةِ فَلاَ يَلُومَنَّ مَنْ أَسَاءَ بِهِ اَلظَّنَّ أقول : رواه ( الكافي ) عن السكوني عن الصادقعليه‌السلام عنهعليه‌السلام ٢ ، و رواه أمالي الصدوق٣ عن أبي الجارود عن أبي جعفر عن أبيه عنهعليهم‌السلام ، و روى ( الاختصاص ) عن أبي الجارود قال : قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : « من أوقف نفسه موقف التهمة فلا يلو من من أساء به الظنّ ، و من كتم سرّه كانت الخيرة بيده »٤ .

و روى ( أمالي ابن الشيخ ) عن العقيلي أنّهعليه‌السلام قال لابنه الحسن « و إيّاك و مواطن التهمة و المجلس المظنون به السوء ، فإنّ قرين السوء

____________________

( ١ ) نسب قريش : ٤٧ ٤٩ بتصرف .

( ٢ ) الكافي للكليني ٨ : ٥٢ ح ١٣٧ .

( ٣ ) الأمالي للصدوق : ١٨٢ ، رواه مسندة .

( ٤ ) الاختصاص : ٢٢٦ .

٣٩٣

يغرّ جليسه »١ .

و في ( المستطرفات ) عن جامع البزنطي عن الصادقعليه‌السلام : اتقوا مواقف الريبة ، و لا يقفن أحدكم مع أمه في الطريق فإنّه ليس كلّ أحد يعرفها٢ .

و قال ابن أبي الحديد : رأى بعض الصحابة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله واقفا في درب من دروب المدينة و معه امرأة فسلّم عليه فرد عليه ، فلما جاوزه ناداه فقال : هذه زوجتي فلانة فقال : أو فيك يظن ؟ فقال : إنّ الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم٣ .

قلت : إنّما روى ( سنن أبي داود ) في باب ( المعتكف يدخل البيت ) عن صفية أتيت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أزوره ليلا و كان معتكفا فحدّثته ثم قمت فانقلبت فقام معي ليقلبني فمر رجلان من الأنصار فلما رأيا النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أسرعا فقال :

على رسلكما إنّها صفية بنت حي قالا : سبحان اللّه يا رسول اللّه قال : إنّ الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم فخشيت أن يقذف في قلوبكما شيئا٤ .

٩ الحكمة ( ٤٠١ ) و قالعليه‌السلام :

مُقَارَبَةُ اَلنَّاسِ فِي أَخْلاَقِهِمْ أَمْنٌ مِنْ غَوَائِلِهِمْ أقول : و عنهعليه‌السلام : إنّ أحسن ما يألف به الناس قلوب أودّائهم و نفوا به الضغن عن قلوب أعدائهم ، حسن البشر عند لقائهم و التفقد عنهم في غيبتهم

____________________

( ١ ) الأمالي للمفيد : ٣٣٥ .

( ٢ ) المستطرفات لابن إدريس : ٦٢ ورد بلفظ « الريب » و ليس « الريبة » ، عنه في البحار ٧٥ : ٩١ ، و الوسائل ٨ : ٤٢٣ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٣٨٠ .

( ٤ ) السنن لأبي داود ٢ : ٣٣٣ ح ٢٤٧٠ .

٣٩٤

و البشاشة عند حضورهم١ .

قلت : و كأن « و البشاشة . » كان نسخة بدلية من « حسن البشر . » مع التقديم و التأخير .

و في ( المعجم ) : كان الواثق يجري على المازني كلّ شهر مائة دينار لأنّه أجاب في قوله تعالى .و ما كانت أمّك بغيّا ٢ لم لم يقل « بغيّة » جوابا صحيحا قال المازني : و لما مات الواثق ذكرت للمتوكل فأشخصني فلما دخلت إليه رأيت من العدّة و السلاح و الأتراك ما راعني و الفتح بن خاقان بين يديه ، و خشيت إن سئلت عن مسألة ألا أجيب فيها ، فلما مثلت بين يديه و سلّمت قلت : أقول كما قال الاعرابي :

لا تقولواها و أدلواها دلوا

إنّ مع اليوم أخاه غدوا

فلم يفهم عني ما أردت و استبردت فأخرجت و القلو رفع السير و الدلو إدناؤه ثم دعاني بعد ذلك فقال : انشدني أحسن مرثية قالت العرب فأنشدته قول أبي ذؤيب « أمن المنون و ريبها تتوجّع » و قصيدة متمم « لعمري و ما دهري بتأبين هالك » و قول كعب الغنوي « تقول سليمى ما لجسمك شاحبا » و قصيدة محمد بن مناذر « كل حيّ لاقى الحمام يودى » فكان كلّما أنشدته قصيدة يقول ليست بشي‏ء ثم قال : من شاعركم اليوم بالبصرة ؟ قلت : عبد الصمد بن المعذل قال : فأنشدني له فأنشدته أبياتا قالها في قاضينا ابن رباح :

أيا قاضية البصرة

قومي فارقصي قطرة

و مري بروشنك فما ذا

البرد و الفترة

اراك قد تثيرين

عجاج القصف يا حرّة

____________________

( ١ ) بحار الأنوار ٧٨ : ٥٧ ح ١٢٤ الباب ( ١٦ ) .

( ٢ ) مريم : ٢٨ .

٣٩٥

بتجذيفك خديك

و تجعيدك للطرة

فاستحسنها و استطار لها و أمر لي بجائزة ، فجعلت أتعمل له أن احفظ أمثالها فأنشده إذا وصلت إليه فيقبلني١ .

و في ( تاريخ بغداد ) : شهد أبو دلامة عند ابن أبي ليلى لامرأة على حمار هو و رجل آخر من أصحاب القاضي ، فعدل الرجل و لم يعدل أبا دلامة و قال للمرأة زيديني شاهدا ، فأتت أبا دلامة فأخبرته ، فأتى ابن أبي ليلى فأنشده :

إن الناس غطوني تغطيت عنهم

و إن بحثوا عني ففيهم مباحث

و إن حفروا بئري حفرت بئارهم

ليعلم قومي كيف تلك النبائث

فقال ابن أبي ليلى : أجزنا شهادتك يا أبا دلامة و بعث إلى المرأة و قال لها : كم ثمن حمارك ؟ قالت : أربعمائة فأعطاه أربعمائة٢ .

و أيضا : قدم مؤمل بن إهاب الرملة فاجتمع عليه أصحاب الحديث و كان ذعرا ممتنعا فألحّوا عليه فامتنع أن يحدّثهم ، فمضوا بأجمعهم و ألفّوا منهم فئتين فتقدّموا إلى السلطان فقالوا له : إنّ لنا عبدا خلاسيا له علينا حق صحبة و تربية و قد كان أدّبنا و أحسن لنا التأدّب و آلت بنا الحال إلى الإضافة بحمل المجرة و طلب الحديث ، و إنا أردنا بيعه فامتنع علينا فقال لهم السلطان :

و كيف أعلم صحّة ما ذكرتم ؟ قالوا : إنّ معنا بالباب جماعة من حملة الآثار و طلاّب العلوم و ثقات الناس يكتفي بالنظر إليهم دون المسألة عنهم و هم يعلمون ذلك ، فتأذن بوصولهم إليك لتسمع منهم فأدخلهم السلطان و سمع مقالتهم و وجّه خلف ( مؤمل ) بالشرط و الأعوان يدعونه إلى السلطان ، فتعذّر فجذبوه و جرروه و قالوا : أخبرنا أنّك قد استطعمت الإباق فصار معهم إلى

____________________

( ١ ) المعجم ٧ : ١٢٠ .

( ٢ ) تاريخ بغداد ٨ : ٤٩٠ .

٣٩٦

السلطان ، فلما دخل عليه قال له : ما يكفيك ما أنت فيه من الاباق حتى تتعزز على سلطانك ؟ امضوا به إلى الحبس فحبس ، و كان مؤمل من هيئته أنّه أصفر طوال خفيف اللحية يشبه عبيد أهل الحجاز ، فلم يزل في حبسه أيّاما حتى علم بذلك جماعة من اخوانه فصاروا إلى السلطان و قالوا : هذا في حبسك مظلوم .

فقال لهم : و من ظلمه ؟ قالوا : أنت قال : ما أعرف من هذا شيئا قالوا : الشيخ الذي اجتمع عليه جماعة فقال : ذاك العبد الآبق فقالوا : ما هو بآبق بل هو إمام من أئمة المسلمين في الحديث فأمر بإخراجه و سأله عن حاله فأخبره كما أخبره الذين جاؤوا يذكرون له حاله ، فصرفه و سأله أن يحلّه ، فلم ير مؤمل بعد ذلك ممتنعا امتناعه الأول١ .

أيضا : قدم شريك القاضي البصرة فأبى أن يحدّثهم ، فاتبعوه حين خرج و جعلوا يرمونه بالحجارة .

في ( الجهشياري ) : كان يحيى البرمكي إذا رأى من الرشيد شيئا ينكره لم يستقبله بالإنكار و ضرب له الأمثال و حكى له عن الملوك و الخلفاء ما يوجب مفارقة ما أنكره و يقول « في النهي إغراء و هو من الخلفاء أحرى ، فإنّك و إن لم تقصد إغراءه إذا نهيته أغريته »٢ .

و في ( المروج ) : إنّ الأمين لما حلف للرشيد بما حلف له به أي فيما عهد إليه أبوه في أخيه و أراد الخروج من الكعبة ردّه جعفر البرمكي و قال له : فان غدرت بأخيك خذلك اللّه حتى فعل ذلك ثلاثا فاضطغنت بذلك أم الأمين على جعفر ، فكانت أحد من حرّض الرّشيد عليه و على ما نزل به .

____________________

( ١ ) تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ١٣ : ١٨٢ .

( ٢ ) الجهشياري : ٢٠٣ .

٣٩٧

و من لا يصانع في امور كثيرة

يضرس بأنياب و يوطأ بمنسم١

و في ( بيان الجاحظ ) : قال الشاعر :

تحامق مع الحمقى إذا ما لقيتهم

و لا تلقهم بالعقل إن كنت ذا عقل

فإنّي رأيت المرء يشقى بعقله

كما كان قبل اليوم يسعد بالعقل٢

و قال آخر :

و أنزلني طول النوى دار غربة

إذا شئت لا قيت امرأ لا أشاكله

فحامقته حتى يقال سجيّة

و لو كان ذا عقل لكنت اعاقله٣

و أنشدني آخر :

و للدهر أيام فكن في لباسه

كلبسته يوما أجدّ و أخلقا

و كن أكيس الناس إذا كنت فيهم

و إن كنت في الحمقى فكن أنت أحمقا٤

و قال شاعر :

إن تلقك الغربة في معشر

قد أجمعوا فيك على بغضهم

فدارهم ما دمت في دارهم

و أرضهم ما دمت في أرضهم

و قال حمد الخطابي :

ما دمت حيّا فدار الناس كلهم

فانّما أنت في دار المداراة

____________________

( ١ ) مروج الذهب للمسعودي ٣ : ٣٥٤ .

( ٢ ) بيان الجاحظ ١ : ٢٤٥ مع تغيير .

( ٣ ) المصدر نفسه ٤ : ٢١ .

( ٤ ) بيان الجاحظ ٤ : ٢١ .

٣٩٨

إنّ من يدر دارى و من لم يدر سوف يرى

عمّا قليل نديما للندامات١

١٠ الحكمة ( ٣٦٢ ) و قالعليه‌السلام :

مَنْ ضَنَّ بِعِرْضِهِ فَلْيَدَعِ اَلْمِرَاءَ أقول : في ( الكافي ) : عن الصادقعليه‌السلام : قال جبرئيل للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : إيّاك و ملاحاة الرجال٢ .

و عن أمير المؤمنينعليه‌السلام : إيّاكم و المراء و الخصومة ، فانّهما يمرضان القلوب على الاخوان و ينبت عليها النفاق٣ .

و عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ثلاث من لقى اللّه تعالى بهنّ دخل الجنّة من أي باب شاء : من حسن خلقه ، و خشى اللّه في المغيب و المحضر ، و ترك المراء و إن كان محقّا٤ .

هذا ، و في ( كتاب سيبويه ) : « إيّاك الأسد » لا يجوز بدون واو بينهما و عن ابن أبي إسحاق جوازه في الشعر لقوله :

إيّاك إياك المراء فإنّه

إلى الشرّ دعّاء و للشّرّ جالب٥

____________________

( ١ ) معجم الادباء ١٠ : ٢٧٢ .

( ٢ ) الكافي ٢ : ٣٠١ ح ٦ .

( ٣ ) الكافي ٢ : ٣٠٠ ح ١ .

( ٤ ) الكافي ٢ : ٣٠٠ ح ٢ .

( ٥ ) الكتاب ، لسيبويه ١ : ٢٧٩ .

٣٩٩

الفصل السادس و الاربعون في الاصدقاء

٤٠٠