بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٣

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة12%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 617

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤
  • البداية
  • السابق
  • 617 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 194092 / تحميل: 7306
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٣

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

والشافعي في أحد أقواله(١) - لأنّ سفره لأجل المال ، فكانت نفقته منه ، كأجر الحمّال ، ولأنّه في السفر قد سلّم نفسه وجرّدها لهذا الشغل ، فأشبه الزوجة تستحقّ النفقة إذا سلّمت نفسها ، ولا تستحقّ إذا لم تُسلّمْ.

ولما رواه عليّ بن جعفر عن أخيه موسى الكاظمعليه‌السلام قال في المضاربة : « ما أنفق في سفره فهو من جميع المال ، وإذا قدم بلده فما أنفق فمن نصيبه »(٢) .

وظاهر مذهب الشافعي أنّه لا نفقة للعامل بحالٍ - وبه قال ابن سيرين وحمّاد بن أبي سليمان وأحمد - كما في الحضر ؛ لأنّ نفقته تخصّه ، فكانت عليه ، كما في الحضر وأجر الطبيب وثمن الطيب ، ولأنّه دخل على أنّه يستحقّ من الربح الجزء المسمّى ، فلا يكون له غيره ، ولأنّه لو استحقّ النفقة أفضى إلى أن يختصّ بالربح إذا لم يربح سوى ما أنفقه ، فيخلّ بمقصود العقد(٣) .

____________________

(١) الإشراف على مذاهب أهل العلم ٢ : ٤٧ ، المغني ٥ : ١٥٢ ، الشرح الكبير ٥ : ١٦٤ ، المدوّنة الكبرى ٥ : ٩٧ ، الاستذكار ٢١ : ١٧٠ / ٣٠٩٢٤ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٤٦ / ١١٢٦ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٤٠ ، التفريع ٢ : ١٩٤ ، التلقين : ٤٠٨ ، الذخيرة ٦ : ٥٩ ، عيون المجالس ٤ : ١٧٨٦ / ١٢٥١ ، المعونة ٢ : ١١٢٣ ، تحفة الفقهاء ٣ : ٢٣ ، الاختيار لتعليل المختار ٣ : ٣٤ ، المبسوط - للسرخسي - ٢٢ : ٦٢ - ٦٣ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٤٣ / ١٧١٢ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢١١ ، الحاوي الكبير ٧ : ٣١٨ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٤ ، بحر المذهب ٩ : ١٩٩ و ٢٠٠ ، الوجيز ١ : ٢٢٤ ، الوسيط ٤ : ١٢٠ ، حلية العلماء ٥ : ٣٣٩ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٦ ، البيان ٧ : ١٨٤ و ١٨٥ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٤ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ٦.

(٢) الكافي ٥ : ٢٤١ / ٥ ، التهذيب ٧ : ١٩١ / ٨٤٧.

(٣) الإشراف على مذاهب أهل العلم ٢ : ٤٧ ، المغني ٥ : ١٥٢ ، الشرح الكبير ٥ : =

١٠١

والقول الثالث للشافعي : إنّه يُنفق في السفر من ماله قدر نفقة الحضر ، والزائد من مال القراض ؛ لأنّ الزيادة إنّما حصلت بواسطته ، وهو الأصحّ عندهم ، وهو منقول عن مالك أيضاً(١) .

مسألة ٢٥٩ : ولو شرط له النفقة في الحضر ، لزم الشرط ، ووجب له ما يحتاج فيه إليه من المأكول والمشروب والمركوب والملبوس.

وكذا لو شرطها في السفر على قول مَنْ لا يوجبها على المال إجماعاً ؛ عملاً بالشرط.

وينبغي أن يعيّن قدر النفقة وجنسها ، فلا يجوز له التخطّي.

ولو أطلق ، رجع إلى العادة ، وكان صحيحاً.

وبعض الشافعيّة اشترط تعيين النفقة(٢) .

وليس شيئاً ؛ لأنّ الأسعار قد تختلف وتقلّ وتكثر.

وقال أحمد : لا كسوة له مع الإطلاق إذا شرط له النفقة(٣) .

إذا عرفت هذا ، فإنّ الكسوة يستحقّها للاستمتاع بها على جهة الملك‌

____________________

= ١٦٤ ، الحاوي الكبير ٧ : ٣١٨ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٤ ، بحر المذهب ٩ : ١٩٩ و ٢٠٠ ، الوسيط ٤ : ١٢١ ، حلية العلماء ٥ : ٣٣٩ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٦ ، البيان ٧ : ١٨٤ - ١٨٥ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ٦ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٤ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٤٤ / ١٧١٢ ، الاستذكار ٢١ : ١٧٠ / ٣٠٩٢٧ و ٣٠٩٣٠ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٤٠ ، عيون المجالس ٤ : ١٧٨٦ / ١٢٥١.

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٤ ، بحر المذهب ٩ : ٢٠٠ ، الوسيط ٤ : ١٢١ ، حلية العلماء ٥ : ٣٤٠ ، البيان ٧ : ١٨٥ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٤.

(٢) الحاوي الكبير ٧ : ٣١٩ ، بحر المذهب ٩ : ٢٠٠ ، البيان ٧ : ١٨٥ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٥.

(٣) المغني ٥ : ١٥٢ ، الشرح الكبير ٥ : ١٦٤.

١٠٢

الصريح ، فلو رجع إلى البلد من سفره وعليه كسوة أو دابّة ركوبٍ كانت مردودةً إلى القراض.

وإذا قلنا : له النفقة في السفر ولم يعيّن المالك واختلفا في قدرها ، رجع إلى الإطعام في الكفّارة ، وفي الكسوة إلى أقلّ ملبوسٍ مثله.

وهذا كلّه في السفر المباح ، أمّا لو خالف المالك فسافر إلى غير البلد الذي أمره بالسفر إليه ، فإنّه لا يستحقّ النفقة ، سواء قلّ الربح أو كثر عن البلد المأمور به.

ولو احتاج في السفر إلى خُفٍّ وإداوة وقِرْبة وشبهها ، أخرج من أصل المال ؛ لأنّه من جملة المؤونة ، ثمّ يردّه بعد رجوعه إلى مال القراض.

مسألة ٢٦٠ : لو استردّ المالك ماله وقد نضّ إمّا في الطريق أو في البلد الذي سافر إليه ، فأراد العامل أن يرجع إلى بلده ، لم يستحق نفقة الرجوع ، كما لو مات العامل لم يكن على المالك تكفينه ، وهو أظهر وجهي الشافعيّة ، كما لو خالع زوجته في السفر ، والثاني : إنّ له ذلك ، قاله الشافعي ، ثمّ تردّد فقال : قولان(١) .

ولا فرق بين الذهاب والعود.

وعن أحمد رواية كالثاني ؛ لأنّه بإطلاقه كأنّه قد شرط له نفقة ذهابه وعوده ، وغرّه بتنفيذه إلى الموضع الذي أذن له فيه ، معتقداً أنّه يستحقّ النفقة ذاهباً وراجعاً ، فإذا قطع عنه النفقة تضرّر بذلك(٢) .

والصحيح ما قلناه.

____________________

(١) بحر المذهب ٩ : ٢٠٢ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٧ ، البيان ٧ : ١٨٦ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٤.

(٢) المغني ٥ : ١٥٣ ، الشرح الكبير ٥ : ١٦٥.

١٠٣

وإذا رجع العامل وبقي معه فضل زاد وآلات أعدّها للسفر كالمطهرة والقِرْبة وغير ذلك ، ردّها إلى مال القراض ؛ لأنّها من عينه ، وإنّما ساغ له التصرّف فيها للحاجة ؛ قضاءً للعادة ، وقد زالت الحاجة ، وهو أحد قولَي الشافعيّة.

والثاني : إنّها تكون للعامل(١) .

وليس شيئاً.

مسألة ٢٦١ : لو كان مع العامل مال(٢) لنفسه للتجارة واستصحبه معه في السفر ليعمل فيه وفي مال القراض ، قُسّطت النفقة على قدر المالين ؛ لأنّ السفر إنّما كان لماله ومال القراض ، فالنفقة اللازمة بالسفر تكون مقسومةً على قدر المال(٣) ، وهو قول بعض الشافعيّة(٤) .

ويحتمل النظر إلى مقدار العمل على المالين وتوزيع النفقة على أُجرة مثلهما ، وهو قول بعض الشافعيّة(٥) .

وقال بعضهم : إنّما تُوزّع إذا كان ماله قدراً يقصد السفر له ، فإن كان لا يقصد ، فهو كما لو لم يكن معه مال سوى مال القراض(٦) .

أمّا لو كان معه قراض لغير صاحب الأوّل ، فإنّ النفقة تُقسّط عليهما على قدر رأس المالين ، أو قدر العمل فيهما ، والأخير أقرب.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٤.

(٢) في النُّسَخ الخطّيّة والحجريّة : « مالاً ». وهو خطأ.

(٣) الظاهر : « المالين ».

(٤) الحاوي الكبير ٧ : ٣٢٠ ، الوسيط ٤ : ١٢١ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٧ ، البيان ٧ : ١٨٥ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٤.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٤.

(٦) البيان ٧ : ١٨٥ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٤.

١٠٤

مسألة ٢٦٢ : كلّ موضعٍ يثبت له النفقة فإنّ المالك إن عيّن له قدراً ، لم يجز له التجاوز ولو احتاج إلى أزيد منه ، ولو نهاه عن الإنفاق من مال القراض في السفر ، لم يجز له الإنفاق ، سواء احتاج أو لا ، بل يُنفق من خاصّ ماله.

وإذا أطلق القراض ، كان له الإنفاق في السفر بالمعروف من غير إسرافٍ ولا تقتير ، والقدر المأخوذ في النفقة يُحسب من الربح ، فإن لم يكن هناك ربح فهو خسران لحق المال.

ولو أقام في طريقه فوق مدّة المسافرين في بلدٍ للحاجة ، كجباية المال أو انتظار الرفقة ، أو لغير ذلك من المصالح لمال القراض ، كانت النفقة على مال القراض أيضاً ؛ لأنّه في مصلحة القراض(١) ، أمّا لو أقام للاستراحة أو للتفرّج أو لتحصيل مالٍ له أو لغير مال القراض فإنّه لا يستحقّ عن تلك المدّة شيئاً من مال القراض في النفقة.

مسألة ٢٦٣ : قد بيّنّا أنّ العامل يستحقّ النفقة بالمعروف في السفر وإن لم يشترط ، فلو شرطها في عقد القراض فهو تأكيد وزيادة توثّقٍ ، وبه قال الشافعي على تقدير الوجوب(٢) .

أمّا على تقدير عدم استحقاقه للنفقة فله وجهان :

أحدهما : إنّ القراض يفسد ، كما لو شرط نفقة الحضر.

والثاني : لا يفسد ؛ لأنّه من مصالح العقد من حيث إنّه يدعوه إلى السفر ، وهو مظنّة الربح غالباً(٣) .

____________________

(١) في « ج » : « مال القراض ».

(٢) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٤.

(٣) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٧ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٤ - ٢١٥.

١٠٥

وعلى هذا فهل يشترط تقديره؟ فيه للشافعيّة وجهان(١) .

وهذا القول يشعر بأنّه ليس له أن يشترط النفقة في الحضر.

وليس بجيّدٍ ؛ لأنّه سائغ تدعو الحاجة إليه ، فجاز اشتراطه ولزم ؛ لقولهعليه‌السلام : « المسلمون عند شروطهم »(٢) .

مسألة ٢٦٤ : لو كان معه مال قراضٍ لغير المالك الأوّل ، فقد قلنا : إنّ النفقة تُقسّط إمّا على المالين أو على العملين.

فإن شرط صاحب المال الأوّل النفقةَ من مال القراض مع علمه بالقراض الثاني ، جاز ، وكانت نفقته على الأوّل.

ولو لم يعلم بالقراض الثاني ، بُسطت النفقة وإن كان قد شرطها الأوّل ؛ لأنّه إنّما أطلق له النفقة بناءً على اختصاص عمله به ؛ لأنّه الظاهر.

ولو كان معه مالٌ لنفسه يعمل به أو بضاعة لغيره ، فالحكم كما تقدّم.

ولو شرط الأوّل له النفقةَ ، وشرطها الثاني أيضاً ، لم يحصل له بذلك زيادة الترخّص في الإسراف في النفقة ولا تعدّدها ، بل له نفقة واحدة عليهما على قدر المالين أو العملين.

مسألة ٢٦٥ : لو احتاج في السفر إلى زيادة نفقةٍ ، فهي من مال القراض أيضاً.

ولو مرض فافتقر إلى الدواء ، فإنّه محسوب عليه.

وكذا لو مات كُفّن من ماله خاصّةً ؛ لأنّ النفقة وجبت للقراض ، وقد بطل بموته ، فلا يُكفَّن من مال القراض.

وكذا لو أبطل القراض وفسخه هو أو المالك ، فلا نفقة ، كما لو أخذ‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٥.

(٢) تقدّم تخريجه في ص ٣٥ ، الهامش (٣)

١٠٦

المالك ماله ؛ لأنّه إنّما استحقّ النفقة ما داما في القراض ، وقد زال فزالت النفقة.

ولو قتّر على نفسه في الإنفاق ، لم يكن له أخذ الفاضل ممّا لا يزيد على المعروف ؛ لأنّ هذه النفقة مواساة.

وكذا لو أسرف في النفقة ، حُسب عليه الزائد على قدر المعروف.

البحث الرابع : في وقت ملك الربح.

مسألة ٢٦٦ : العامل يملك حصّته المشروطة له من الربح بظهور الربح قبل القسمة - وبه قال أبو حنيفة والشافعي في أحد القولين ، وأحمد في إحدى الروايتين(١) - لأنّ الشرط صحيح ، فيثبت مقتضاه ، وهو أن يكون له جزء من الربح ، فإذا حصل وجب أن يملكه بحكم الشرط ، كما يملك عامل المساقاة حصّته من الثمرة بظهورها ، وقياساً على كلّ شرطٍ صحيحٍ في عقدٍ.

ولأنّ هذا الربح مملوك ، فلا بدّ له من مالكٍ ، وربّ المال لا يملكه اتّفاقاً ، ولا تثبت أحكام الملك في حقّه ، فيلزم أن يكون للعامل ؛ إذ لا مالك غيرهما إجماعاً.

ولأنّ العامل يملك المطالبة بالقسمة ، فكان مالكاً ، كأحد شريكي العنان ، ولو لم يكن مالكاً لم يكن له مطالبة ربّ المال بالقسمة.

____________________

(١) الوسيط ٤ : ١٢١ - ١٢٢ ، الوجيز ١ : ٢٢٤ ، حلية العلماء ٥ : ٣٤١ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٩ ، البيان ٧ : ١٨٦ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٣١٥ ، المغني ٥ : ١٦٩ ، الشرح الكبير ٥ : ١٦٦ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٤٥ / ١١٢٥.

١٠٧

ولأنّه لو لم يملك بالظهور ، لم يعتق عليه نصيبه من أبيه لو اشتراه ، والتالي باطل ؛ لحديث محمّد بن قيس عن الصادقعليه‌السلام ، قال : قلت له : رجل دفع إلى رجلٍ ألف درهم مضاربةً فاشترى أباه وهو لا يعلم ، قال : « يُقوّم فإن زاد درهماً واحداً أُعتق واستسعى في مال الرجل »(١) والشرطيّة ظاهرة ؛ إذ المقتضي للإعتاق دخوله في ملكه.

وقال مالك : إنّما يملك العامل حصّته من الربح بالقسمة - وهو القول الثاني للشافعي ، والرواية الثانية عن أحمد - لأنّه لو مَلَك بالظهور لكان شريكاً في المال ، ولو كان شريكاً لكان النقصان الحادث بعد ذلك شائعاً في المال ، فلـمّا انحصر في الربح دلّ على عدم الملك.

ولأنّه لو مَلَكه لاختصّ بربحه.

ولأنّه لم يسلّم إلى ربّ المال رأس ماله ، فلا يملك العامل شيئاً من الربح ، كما لو كان رأس المال ألفاً فاشترى به عبدين كلّ عبدٍ يساوي ألفاً ، فإنّ أبا حنيفة قال : لا يملك العامل شيئاً منهما(٢) ، وإذا أعتقهما ربّ المال ، عُتقا ، ولا يضمن للعامل شيئاً ، قال المزني : لو مَلَك العامل حصّته بالظهور ، لكانا شريكين في المال ، وإذا تلف منه شي‌ء ، كان بينهما كالشريكين شركة العنان ، ولأنّ القراض معاملة جائزة ، والعمل فيها غير مضبوطٍ ، فوجب أن لا يستحقّ العوض فيها إلّا بتمام العمل ، كما في الجعالة(٣) .

____________________

(١) الفقيه ٣ : ١٤٤ / ٦٣٣ ، التهذيب ٧ : ١٩٠ / ٨٤١.

(٢) بدائع الصنائع ٦ : ٩٣.

(٣) الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٤٥ / ١١٢٥ ، المغني ٥ : ١٦٩ ، الشرح الكبير ٥ : ١٦٦ ، الوسيط ٤ : ١٢٢ ، الوجيز ١ : ٢٢٤ ، حلية العلماء ٥ : ٣٤١ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٩ ، البيان ٧ : ١٨٦ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٥.

١٠٨

والجواب : لا امتناع في أن يملك العامل ، ويكون ما يملكه وقايةً لرأس المال ، كما أنّ المالك يملك حصّته من الربح ، ومع ذلك فإنّها وقاية لرأس المال أيضاً ، ومن هنا امتنع اختصاصه بربحه ، ولأنّه لو اختصّ بربح نصيبه لاستحقّ من الربح أكثر ممّا شرط له ، ولا يثبت بالشرط ما يخالف مقتضاه ، ومع ظهور الربح يحصل تمام العمل.

وكذا لو أوصى لرجلٍ بألفٍ من ثلث ماله ، ولآخَر بما يبقى من الثلث ومات وله أربعة آلاف ، فقد مَلَك كلّ واحدٍ منهما حصّته ، وإذا تلف من ذلك شي‌ء كان من نصيب الموصى له بالباقي.

مسألة ٢٦٧ : ليس لأحدٍ من العامل ولا المالك استحقاق شي‌ءٍ من الربح استحقاقاً تامّاً حتى يستوفي المالك جميع رأس ماله.

وإن كان في المال خسران وربح ، جُبرت الوضيعة من الربح ، سواء كان الخسران والربح في مرّةٍ واحدة ، أو الخسران في صفقةٍ والربح في أُخرى ، أو الخسران في سفرةٍ والربح في سفرةٍ أُخرى ؛ لأنّ معنى الربح هو الفاضل عن رأس المال ، وإذا لم يفضل شي‌ء فلا ربح ، ولا نعلم في هذا خلافاً.

مسألة ٢٦٨ : ملكُ كلّ واحدٍ من العامل والمالك حصّتَه من الربح بالظهور غير مستقرٍّ ، فليس للعامل أن يتسلّط عليه ، ولا يتصرّف فيه ؛ لأنّ الربح وقاية لرأس المال عن الخسران ما دامت المعاملة باقية ، حتى لو اتّفق خسران كان محسوباً من الربح دون رأس المال ما أمكن ، ولهذا نقول : ليس لأحد المتعاملين قسمة الربح قبل فسخ القراض قسمة إجبارٍ ، بل يتوقّف على رضاهما معاً ، فلا يُجبر أحدهما لو امتنع.

أمّا العامل : فإنّه لا يُجبر لو طلب المالك القسمة ؛ لأنّه لا يأمن أن‌

١٠٩

يخسر المال بعد ذلك ، ويكون قد أخرجه ، فيحتاج إلى غُرْم ما حصل له بالقسمة ، وفي ذلك ضرر عليه ، فلا تلزمه الإجابة إلى ما فيه ضرر عليه.

وأمّا المالك : فلا يُجبر على القسمة لو طلبها العامل ؛ لأنّ الربح وقاية لرأس ماله ، فله أن يقول : لا أدفع إليك شيئاً من الربح حتى تسلّم إلَيَّ رأس المال.

أمّا إذا ارتفع القراض والمال ناضّ واقتسماه ، حصل الاستقرار ، ومَلَك كلّ واحدٍ منهما ما حصل له بالقسمة ملكاً مستقرّاً عليه.

وكذا لو كان قدر رأس المال ناضّاً فأخذه المالك واقتسما الباقي.

وهل يحصل الاستقرار بارتفاع العقد وإنضاض المال من غير قسمةٍ؟

الأقرب عندي ذلك ؛ لأنّ العقد قد ارتفع ، والوثوق بحصول رأس المال قد حصل ، وهو أصحّ وجهي الشافعيّة.

وفي الثاني : لا يستقرّ إلّا بالقسمة ؛ لأنّ القسمة الباقية من تتمّة عمل العامل(١) .

وليس شيئاً.

ولو كان بالمال عروض ، فإن قلنا : إنّ العامل يُجبر على البيع والإنضاض ، فلا استقرار ؛ لأنّ العمل لم يتم ، وهو أظهر وجهي الشافعيّة.

وإن قلنا بعدم الإجبار ، فلهم وجهان ، كما لو كان المال ناضّاً(٢) .

مسألة ٢٦٩ : لو اقتسما الربح بالتراضي قبل فسخ العقد ، لم يحصل الاستقرار ، بل لو حصل خسران بعده ، كان على العامل جَبْره بما أخذ.

ولو قلنا : إنّه لا يملك إلّا بالقسمة ، فإنّ له فيه حقّاً مؤكّداً ، حتى لو‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٥.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٤ - ٣٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٥.

١١٠

مات وهناك ربح ظاهر ، انتقل إلى ورثته ؛ لأنّه وإن لم يثبت له الملك لكن قد ثبت له حقّ التملّك ، ويتقدّم على الغرماء ؛ لتعلّق حقّه بالعين.

وله أن يمتنع عن العمل بعد ظهور الربح ، ويسعى في إنضاض المال ليأخذ حقّه منه.

ولو أتلف المالك المالَ ، غرم حصّة العامل ، وكان الإتلاف بمنزلة ما لو استردّ جميع المال ، فإنّه يغرم حصّة العامل ، فكذا إذا أتلفه.

ولو أتلف الأجنبيّ مالَ القراض ، ضمن بدله ، وبقي القراض في بدله كما كان.

مسألة ٢٧٠ : إذا اشترى العامل جاريةً للقراض ، لم يجز له وطؤها ؛ لأنّها ملكٌ لربّ المال إن لم يكن هناك ربح ، وإن كان هناك ربح فهي مشتركة على أحد القولين ؛ إذ له حقٌّ فيه.

وليس لأحد الشريكين وطؤ الجارية المشتركة.

فإن وطئها العامل ولا ربح فيها وكان عالماً ، حُدّ ، ويؤخذ منه المهر بأسره ، ويجعل في مال القراض ؛ لأنّه ربما وقع خسران فيحتاج إلى الجبر.

ولو كان هناك ربح ( يُحطّ منه بقدر حقّه ، ويؤخذ )(١) بقدر نصيب المالك مع يساره ، وقُوّمت عليه إن حملت منه ، وثبت لها حكم الاستيلاد ، ودفع إلى المالك نصيبه منها ومن الولد.

ولو كان جاهلاً ، فلا حدّ عليه.

هذا إن قلنا : يملك بالظهور ، وإن قلنا : لا يملك إلّا بالقسمة ، لم تصر أُمَّ ولدٍ لو استولدها ، فإن أذن له المالك في وطئها جاز.

____________________

(١) بدل ما بين القوسين في النُّسَخ الخطّيّة : « حُدّ ».

١١١

ولا يجوز للمالك أن يطأها أيضاً ، سواء كان هناك ربح أو لا ؛ لأنّ حقّ العامل قد تعلّق بها ، والوطؤ يُنقّصها إن كانت بكراً ، أو يُعرّضها للخروج من المضاربة والتلف ؛ لأنّه ربما يؤدّي إلى إحبالها.

ولو ظهر فيها ربح ، كانت مشتركةً على أحد القولين ، فليس لأحدهما الوطؤ.

ولو لم يكن فيها ربح ، لم يكن أيضاً للمالك وطؤها ؛ لأنّ انتفاء الربح في المتقوّمات غير معلومٍ ، وإنّما يتيقّن الحال بالتنضيض للمال ، أمّا لو تيقّن عدم الربح ، فالأقرب : إنّه يجوز له الوطؤ.

قال بعض الشافعيّة : إذا تيقّن عدم الربح ، أمكن تخريجه على أنّ العامل لو طلب بيعها وأباه المالك ، فهل له ذلك؟ وفيه خلاف بينهم يأتي ، فإن أجبناه فقد ثبت له علقة فيها ، فيحرم الوطؤ بها(١) .

وإذا قلنا بالتحريم ووطئ ، فالأقرب : إنّه لا يكون فسخاً للقراض ، وهو أظهر وجهي الشافعيّة(٢) .

وعلى كلّ تقديرٍ لا يلزمه الحدّ ، سواء ظهر ربح أو لا.

أمّا مع عدم ظهور الربح : فلأنّها ملك له خاصّةً.

وأمّا مع ظهوره : فلأنّ الشبهة حاصلة ؛ إذ جماعة يقولون بأنّه ليس للعامل فيها شي‌ء إلّا بعد البيع وظهور الربح والقسمة.

ولو وطئها وحملت ، صارت أُمَّ ولدٍ ؛ لأنّه وطئ جاريةً في ملكه فصارت أُمَّ ولده ، والولد حُرٌّ ، وتخرج من المضاربة ، وتُحتسب قيمتها ، ويضاف إليه بقيّة المال ، فإن كان فيه ربح فللعامل أخذ نصيبه منه.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٥.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٥.

١١٢

تذنيب : ليس للمالك ولا للعامل تزويج جارية القراض مستقلّاً عن صاحبه ؛ لأنّ القراض لا يرتفع بالتزويج ، وهو ينقّص قيمتها ، فيتضرّر به كلّ واحدٍ منهما ، فإن اتّفقا عليه جاز ؛ لأنّ الحقّ لهما لا يعدوهما ، وذلك بخلاف أمة المأذون له في التجارة إذا أراد السيّد تزويجها ، فإنّه إن لم يكن عليه دَيْنٌ جاز ؛ لأنّ العبد لا حقّ له مع سيّده ، فإن كان عليه دَيْنٌ لم يجز وإن وافقه العبد ؛ لأنّ حقوق الغرماء تعلّقت بما في يده ، والمضاربة لا حقّ فيها لغيرهما.

ولو أراد السيّد أن يكاتب عبده للقراض ، لم يكن له إلّا برضا العامل.

البحث الخامس : في الزيادة والنقصان.

مسألة ٢٧١ : إذا دفع إلى غيره مالَ قراضٍ ثمّ حصل فيه زيادة متّصلة ، كما لو سمنت دابّة القراض ، فإنّ الزيادة تُعدّ من مال القراض قطعاً.

وأمّا إن كانت منفصلةً ، كثمرة الشجرة المشتراة للقراض ، ونتاج البهيمة ، وكسب العبد والجارية ، وولد الأمة ومهرها إذا وُطئت للشبهة ، فإنّها مال القراض أيضاً ؛ لأنّها من فوائده.

وكذا بدل منافع الدوابّ والأراضي ، سواء وجبت بتعدّي المتعدّي باستعمالها ، أو وجبت بإجارةٍ تصدر من العامل ، فإنّ للعامل الإجارة إذا رأى فيها المصلحة ، وهو المشهور عند الشافعيّة(١) .

وقال بعضهم بالتفصيل ، فإن كان في المال ربح وملّكنا العامل حصّتَه بالظهور ، كان الأمر كما سبق من أنّها من مال القراض ، وإن لم يكن فيها‌

____________________

(١) الوسيط ٤ : ١٢٣ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٦.

١١٣

ربح أو لم نملّكه ، فقد اختلفوا.

فقال بعضهم : إنّها تُعدّ من مال القراض ، كالزيادات المتّصلة.

وأكثرهم قال : إنّها للمالك خاصّةً ؛ لأنّها ليست من فوائد التجارة(١) .

ولا بأس به.

ثمّ اختلفوا ، فقال بعضهم : إنّها محسوبة من الربح(٢) .

وقال بعضهم : إنّها لا تُعدّ من الربح خاصّةً ولا من رأس المال ، بل هي شائعة(٣) .

ولو وطئ المالكُ السيّدُ ، كان مستردّاً مقدار العُقْر حتى يستقرّ نصيب العامل فيه.

ولهم وجهٌ آخَر : إنّه إن كان في المال ربح وقلنا : إنّ العامل يملك نصيبه بالظهور ، وجب نصيب العامل من الربح ، وإلّا لم يجب(٤) .

واستيلاد المالك جارية القراض كإعتاقها.

وإذا أوجبنا المهر بالوطي الخالي عن الإحبال ، فالظاهر الجمع بينه وبين القيمة.

مسألة ٢٧٢ : لو حصل في المال نقصٌ بانخفاض السوق ، فهو خسران مجبور بالربح.

وكذا إن نقص المال بمرضٍ حادث أو بعيبٍ متجدّد.

وأمّا إن حصل نقصٌ في العين بأن يتلف بعضه ، فإن حصل بعد‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٦ - ٣٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٦.

(٢) الوسيط ٤ : ١٢٣ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٦.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٦.

(٤) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٩٠ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٦.

١١٤

التصرّف في المال بالبيع والشراء ، فالأقرب : إنّه كذلك.

وأكثر الشافعيّة [ ذكروا ](١) أنّ الاحتراق وغيره من الآفات السماويّة خسران مجبور بالربح أيضاً(٢) ، وأمّا التلف بالسرقة والغصب ففيه لهم وجهان(٣) .

وفرّقوا بينهما بأنّ في الغصب والسرقة يحصل الضمان على الغاصب والسارق ، وهو يجبر النقص ، فلا حاجة إلى جبره بمال القراض(٤) .

وأكثرهم لم يفرّقوا بينهما ، وسوّوا بين التلف بالآفة السماويّة وغيرها ، فجعلوا الوجهين في النوعين ، أحدهما : المنع ؛ لأنّه نقصان لا تعلّق له بتصرّف العامل وتجارته ، بخلاف النقصان الحاصل بانخفاض السوق ، وليس هو بناشئ من نفس المال الذي اشتراه العامل ، بخلاف المرض والعيب ، فلا يجب على العامل جَبْره(٥) .

وكيفما كان فالأصحّ عندهم : إنّه مجبور بالربح(٦) .

وإن حصل نقص العين بتلف بعضه قبل التصرّف فيه بالبيع والشراء ، كما لو دفع إليه مائةً قراضاً فتلف منها قبل الاشتغال خمسون ، فالأقرب : إنّه من الربح أيضاً يُجبر به التالف ؛ لأنّه تعيّن للقراض بالدفع وقبض العامل له ، فحينئذٍ يكون رأس المال مائةً كما كان ، وهو أحد قولَي الشافعي ، وبه قال المزني(٧) .

____________________

(١) ما بين المعقوفين أثبتناه من « العزيز شرح الوجيز ».

(٢) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٦.

(٣ و ٤) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٩٤ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٦.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧.

(٦) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٦.

(٧) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٧.

١١٥

والأظهر عندهم : إنّه يتلف من رأس المال ، ويكون رأس المال الخمسين الباقية ؛ لأنّ العقد لم يتأكّد بالعمل(١) .

وليس بجيّدٍ ؛ إذ العمل فرع كون المال مالَ القراض.

مسألة ٢٧٣ : لو تلف المال بأسره في يد العامل قبل دورانه في التجارة إمّا بآفةٍ سماويّة أو بإتلاف المالك له ، انفسخت المضاربة ؛ لزوال المال الذي تعلّق العقد به.

فإن اشترى بعد ذلك للمضاربة ، كان لازماً له ، والثمن عليه ، سواء علم بتلف المال قبل نقد الثمن أو جهل ذلك ، إلّا أن يجيز المالك الشراءَ ، فإن أجاز احتُمل أن يكون قراضاً ، كما لو لم يتلف المال ، وعدمه ، كما لو لم يأخذ شيئاً من المال.

أمّا لو أتلفه أجنبيٌّ قبل دورانه في التجارة وقبل تصرّف العامل فيه ، فإنّ العامل يأخذ بدله ، ويكون القراض باقياً فيه ؛ لأنّ القراض كما يتناول عين المال الذي دفعه المالك ، كذا يتناول بدله ، كأثمان السِّلَع التي يبيعها العامل ، والمأخوذ من الأجنبيّ عوضاً بدله.

وكذا لو أتلف بعضه.

ولو تعذّر أخذ البدل من الأجنبيّ ، فالأقرب : إنّه يُجبر بالربح ، وهو أحد قولَي الشافعيّة(٢) .

إذا عرفت هذا ، فإنّ للعامل النزاعَ مع الأجنبيّ والمخاصمة له والمطالبة بالبدل والمحاكمة عليه - وهو أحد وجهي الشافعيّة(٣) - لأنّ حفظ‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٧.

(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٧.

١١٦

المال يقتضي ذلك ، ولا يتمّ إلّا بالخصومة والمطالبة خصوصاً مع غيبة ربّ المال ، فإنّه لو لم يطالبه العامل ، ضاع المال ، وتلف على المالك.

وفي الوجه الثاني : ليس له ذلك ؛ لأنّ المضاربة عقد على التجارة ، فلا يندرج تحته الحكومة(١) .

وليس بجيّدٍ ؛ لأنّه من توابعها.

فعلى هذا لو ترك الخصومة والطلب مع غيبة المالك ضمن ؛ لأنّه فرّط في تحصيله ، وإن كان حاضراً وعلم الحال لم يلزم العامل طلبه ولا يضمنه إذا تركه ؛ لأنّ ربّ المال أولى بذلك من وكيله.

وفصّل بعضهم ، فقال : الخصمُ المالكُ إن لم يكن في المال ربح ، وهُما جميعاً إن كان فيه ربح(٢) .

مسألة ٢٧٤ : لو أتلف العاملُ مالَ القراض قبل التصرّف فيه للتجارة ، احتُمل ارتفاعُ القراض ؛ لأنّه وإن وجب بدله عليه فإنّه لا يدخل في ملك المالك إلّا بقبضٍ منه ، فحينئذٍ يحتاج إلى استئناف القراض ، وبه قال الجويني(٣) ، وبقاءُ القراض في البدل ، كبقائه في أثمان المبيعات ، وفي بدله لو أتلفه الأجنبيّ ، وعلى هذا التقدير يكون حكم البدل في كونه قراضاً حكم البدل المأخوذ من الأجنبيّ الـمُتلف.

ولو كان مال القراض مائتين فاشترى بهما عبدين أو ثوبين بكلّ مائةٍ منهما عبداً أو ثوباً فتلف أحدهما ، فإنّه يُجبر التالف بالربح ، فيحسب المغروم من الربح ؛ لأنّ العامل تصرّف في رأس المال ، وليس له أن يأخذ شيئاً من جهة الربح حتى يردّ ما تصرّف فيه إلى المالك ، وهو أظهر وجهي الشافعيّة.

____________________

(١ - ٣) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٧.

١١٧

والثاني : البناء على تلف بعض العين قبل التصرّف بأن نقول : لو تلفت إحدى المائتين قبل التصرّف جبرناها بالربح ، فهنا أولى ، وإن قلنا بتلف رأس المال فهنا كذلك ؛ لأنّ العبدين بدل المائتين ، ولا عبرة بمجرّد الشراء ، فإنّه تهيئة محلّ التصرّف ، والركن الأعظم في التجارة البيع ؛ لأنّ ظهور الربح منه يحصل(١) .

والمعتمد ما قلناه.

مسألة ٢٧٥ : لو اشترى عبداً للقراض فقتله قاتلٌ ، فإن كان هناك ربح فالمالك والعامل غريمان مشتركان في طلب القصاص أو الدية ، وليس لأحدهما التفرّد بالجميع ، بل الحقّ لهما ، فإن تراضيا على العفو على مالٍ أو على القصاص جاز ، وإن عفا أحدهما على غير شي‌ءٍ سقط حقّه خاصّةً من القصاص والدية ، وكان للآخَر المطالبة بحقّه منهما معاً ، فإن أخذ الدية فذاك ، وإن طلب القصاص دفع الفاضل من المقتصّ منه واقتصّ.

وعند الشافعي يسقط حقّ القصاص بعفو البعض دون الدية(٢) .

وليس بشي‌ءٍ ، وسيأتي.

وهذا بناءً على ما اخترناه من أنّ العامل يملك بالظهور ، وإن لم يكن هناك ربح ، فللمالك القصاص والعفو على غير مالٍ.

وكذا لو أوجبت الجناية المالَ ولا ربح ، كان له العفو عنه مجّاناً ، ويرتفع القراض.

ولو أخذ المال أو صالح عن القصاص على مالٍ ، بقي القراض فيه ؛

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧ - ٣٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٧.

(٢) الحاوي الكبير ٧ : ٣٥١ ، بحر المذهب ٩ : ٢٣٣ ، البيان ٧ : ١٩٤ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٧.

١١٨

لأنّه بدل مال القراض ، فإن كان بقدر رأس المال أو دونه كان لربّ المال ، وإن كان أكثر كان الفضل بينهما.

ولو كان هناك ربح وقلنا : إنّ العامل لا يملك إلّا بالقسمة ، لم يكن للسيّد القصاص بغير رضا العامل ؛ لأنّه وإن لم يكن مالكاً للربح فإنّ حقّه قد تعلّق به ، فإن اتّفقا على القصاص كان لهما.

مسألة ٢٧٦ : إذا اشترى العامل شيئاً للقراض فتلف الثمن قبل دفعه إلى البائع ، فإن كان بتفريطٍ من العامل إمّا في عدم الحفظ أو في التأخير للدفع ، كان ضامناً ، ويكون القراض باقياً ، ويجب عليه الدفع إلى البائع ، فإن تعذّر كان حكمه بالنسبة إلى صاحب المال ما سيأتي في عدم التفريط.

فنقول : إذا تلف المال بغير تفريطٍ من العامل ، فلا يخلو إمّا أن يكون الشراء بالعين أو في الذمّة ، فإن كان قد اشترى بالعين بطل البيع ، ووجب دفع المبيع إلى بائعه ، وارتفع القراض.

وإن كان الشراء في الذمّة للقراض ، فإن كان بغير إذن المالك بطل الشراء إن أضاف إلى المالك أو إلى القراض ؛ لأنّه تصرّفٌ غير مأذونٍ فيه ، ولا يلزم الثمن أحدهما ، بل يردّ المبيع إلى بائعه ، وإن لم يُضف الشراء إلى المالك ولا إلى القراض ، بل أطلق ظاهراً ، حُكم بالشراء للعامل ، وكان الثمن لازماً له.

وإن كان بإذن المالك ، وقع الشراء للقراض ، ووجب على المالك دفع عوض الثمن التالف ، ويكون العقد باقياً.

وهل يكون رأس المال مجموع التالف والمدفوع ثانياً ، أم الثاني خاصّةً؟ الأقوى : إنّ المجموع رأس المال ، وبه قال أبو حنيفة ومحمّد ، وهو أحد قولَي الشافعيّة ، والثاني : إنّ رأس المال هو الثاني خاصّةً ؛ لأنّ‌

١١٩

التالف قد تلف قبل التصرّف فيه ، فلم يكن من رأس المال ، كما لو تلف قبل الشراء(١) .

وقال مالك : إنّ المالك يتخيّر بين أن يدفع ألفاً أُخرى ، ويكون هو رأس المال ، دون الأوّل ، وبين أن لا يدفع ، فيكون الشراء للعامل(٢) .

ويتخرّج هذا القول وجهاً للشافعيّة على ما قالوه في مداينة العبد فيما إذا سلّم إلى عبده ألفاً ليتّجر فيه فاشترى في الذمّة شيئاً ليصرفه إلى الثمن فتلف : إنّه يتخيّر السيّد بين أن يدفع إليه ألفاً أُخرى فيمضي العقد ، أو لا يدفع فيفسخ البائع العقد ، إلّا أنّ الفرق أنّ هنا يمكن صَرف العقد إلى المباشر إذا لم يخرج المعقود له ألفاً أُخرى ، وهناك لا يمكن فيصار إلى الفسخ(٣) .

واعلم أنّ الشافعي قال : لو قارض رجلاً ، فاشترى ثوباً وقبض الثوب ثمّ جاء ليدفع المال فوجد المال قد سُرق ، فليس على صاحب المال شي‌ء ، والسلعة للعامل ، وعليه ثمنها.

واختلف أصحابه هنا على طريقين :

منهم مَنْ قال : إنّما أراد الشافعي إذا كانت الألف تلفت قبل الشراء ، فأمّا إذا تلفت بعد الشراء ، كانت السلعة لربّ المال ، ووجب عليه ثمنها.

والفرق بينهما : إنّها إذا تلفت قبل الشراء فقد انفسخ القراض ، فإذا‌

____________________

(١) بحر المذهب ٩ : ٢٣٠ ، الوسيط ٤ : ١٢٤ - ١٢٥ ، حلية العلماء ٥ : ٣٤٢ - ٣٤٣ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٩٤ ، البيان ٧ : ١٩٣ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٨ ، تحفة الفقهاء ٣ : ٢٤ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢١٤ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٦٣ / ١٧٣٦ ، المغني ٥ : ١٨٣ ، الشرح الكبير ٥ : ١٦٩.

(٢) بحر المذهب ٩ : ٢٣٠ ، حلية العلماء ٥ : ٣٤٣ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٩.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٩.

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

١ الحكمة ( ١١ ) قالعليه‌السلام :

أَعْجَزُ اَلنَّاسِ مَنْ عَجَزَ عَنِ اِكْتِسَابِ اَلْإِخْوَانِ وَ أَعْجَزُ مِنْهُ مَنْ ضَيَّعَ مَنْ ظَفِرَ بِهِ مِنْهُمْ « أعجز الناس من عجز عن اكتساب الاخوان » نظيره ما في ( العلل ) ، قال الأصبغ : كان أمير المؤمنينعليه‌السلام إذا أراد أن يوبّخ الرجل يقول له : « و اللّه لأنت أعجز من تارك الغسل يوم الجمعة ، فإنّه لا يزال في همّ إلى الجمعة الاخرى »١ .

و كذا ما عنهعليه‌السلام : أسوأ الناس حالا من لم يثق بأحد لسوء ظنّه و لم يثق به أحد لسوء فعله٢ .

و في ( الظرائف و اللطائف ) :

____________________

( ١ ) العلل : ٢٨٥ ح ٢ .

( ٢ ) بحار الأنوار ٧٨ : ٩٣ ح ١٠٤ من حديث مفصل الباب ١٦ .

٤٠١

تكثّر من الاخوان ما استطعت انّهم

عماد اذا ما استنجدتهم و ظهير

و ما يكثر ألف خل و صاحب

و ان عدوا واحدا لكثير١

الصديق عمدة الصديق و عدّته ، و نصرته و عقدته ، و ربيعه و زهرته ،

و مشتريه و زهرته ، و لقاء الصديق روح الحياة ، و فراقه اسم الممات ، و الحاجة إلى الأخ المعين كالحاجة إلى الماء المعين٢ .

و قال ابن أبي الحديد قال الشاعر :

أخاك أخاك إنّ من لا أخا له

كساع إلى الهيجا بغير سلاح

و إنّ ابن عم المرء فاعلم جناحه

و هل ينهض البازي بغير جناح

لعمرك ما مال الفتى بذخيرة

و لكن اخوان الصفاء الذخائر٣

و كان أيوب السختياني اذا بلغه موت أخ له يقول : كأنّما سقط عضو منّي .

و قال جعفر بن محمدعليهما‌السلام : لكلّ شي‏ء حلية و حلية الرجل أودّاؤه٤ .

و في الخبر : لما قتل بمؤتة جعفر بكى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله و قال : المرء كثير بأخيه٥ .

« و أعجز منه من ضيّع من ظفر به منهم » نظيره ما في ( تاريخ بغداد ) ان شعيب بن حرب أراد أن يتزوج بأمرأة فقال لها : اني سيّى‏ء الخلق .

قالت : و أسوأ خلقا منك من أحوجك إلى أن تكون سيّى‏ء الخلق فقال : أنت

____________________

( ١ ) الظرائف و اللطائف : ٧٥ .

( ٢ ) الظرائف و اللطائف : ٧٦ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ١١٣ .

( ٤ ) الكافي ٢ : ٦١٥ ح ٩ .

( ٥ ) بحار الأنوار ٢١ : ٥٧ ح ٨ الباب ٢٤ .

٤٠٢

اذن امرأتي١ .

٢ الحكمة ( ٢٣٩ ) و قالعليه‌السلام :

مَنْ أَطَاعَ اَلتَّوَانِيَ ضَيَّعَ اَلْحُقُوقَ وَ مَنْ أَطَاعَ اَلْوَاشِيَ ضَيَّعَ اَلصَّدِيقَ « مَنْ أَطَاعَ اَلتَّوَانِيَ ضَيَّعَ اَلْحُقُوقَ » أبو المعافي :

ان التواني أنكح العجز بنته

و ساق إليها حين زوّجها مهرا

فراشا و طيئا ثم قال لها اتّكي

فقصر كما عندي لأن تلدا الفقرا٢

قيل لمّا قتل الصغد سعيد بن عثمان و كان عبد الرحمن بن ارطان بن سيحان معه في الدار فلم ينصره :

ان المؤاكل لم تصدق مودته

و فرعنه ابن ارطاة بن سيحانا

و قال البحتري في اسماعيل بن شهاب :

ازرى به من غدره بصديقه

و عقوقه لأخيه ما ازرى به

في كلّ يوم وقفة بفنائه

تخزي الشريف وردة عن بابه

اسمع لغضبان تثبت ساعة

فبداك قبل هجائه بعتابه

اللّه يسهر في مديحك ليله

متململا و تنام دون ثوابه

يقظان ينتخب الكلام كأنّه

جيش لديه يريد أن يلقى به

فأتى به كالسيف رقرق صيقل

ما بين قائم سنخه و ذبابه

و حجبته حتى توهّم انّه

هاج اتاك بشتمه و سبابه

____________________

( ١ ) تاريخ بغداد ٩ : ٢٤٠ .

( ٢ ) ربيع الأبرار للزمخشري ٣ : ٦١٠ .

٤٠٣

و اذا الفتى صحب التباعد و اكتسى

كبرا عليّ فلست من أصحابه١

« و من أطاع الواشي ضيّع الحقوق » في ( الأغاني ) : كان الحرث بن مارية الغساني ملك الشام مكرّما لزهير بن جناب الكلبي ينادمه و يحادثه ، فقدم على الملك رجلان من بني نهد بن زيد يقال لهما سهل و حزن ابنا رزاح و كان عندهما حديث من أحاديث العرب ، فاجتباهما الملك و نزلا بالمكان الأثير منه فحسدهما زهير فقال : أيّها الملك و اللّه هما عين لذي القرنين يعني المنذر الأكبر عليك و هما يكتبان إليه بعورتك و خلل ما يريان منك قال : كلا فلم يزل به زهير حتى أوغر صدره ، و كان اذا ركب يبعث إليهما ببعيرين يركبان معه فبعث إليهما بناقة واحدة فعرفا الشّرّ ، فلم يركب أحدهما و توقف فقال له الآخر :

فإلاّ تجللها يعالوك فوقها

و كيف توقى ظهر ما أنت راكبه

فركبها مع أخيه ، و مضى بهما فقتلا ثم بحث عن أمرهما فوجده باطلا ،

فطرد زهيرا و شتمه٢ .

٣ الحكمة ( ٣٨ ) و قالعليه‌السلام لابنه الحسن :

يَا بُنَيَّ اِحْفَظْ عَنِّي أَرْبَعاً وَ أَرْبَعاً لاَ يَضُرُّكَ مَا عَمِلْتَ مَعَهُنَّ أَغْنَى اَلْغِنَى اَلْعَقْلُ وَ أَكْبَرَ اَلْفَقْرِ اَلْحُمْقُ وَ أَوْحَشَ اَلْوَحْشَةِ اَلْعُجْبُ وَ أَكْرَمَ اَلْحَسَبِ حُسْنُ اَلْخُلُقِ يَا بُنَيَّ إِيَّاكَ وَ مُصَادَقَةَ اَلْأَحْمَقِ فَإِنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَنْفَعَكَ فَيَضُرَّكَ وَ إِيَّاكَ وَ مُصَادَقَةَ اَلْبَخِيلِ فَإِنَّهُ يَقْعُدُ عَنْكَ أَحْوَجَ مَا تَكُونُ إِلَيْهِ

____________________

( ١ ) ديوان البحتري ٢ : ١٣٨ .

( ٢ ) الأغاني لأبي الفرج الإصفهاني ٥ : ١١٨ .

٤٠٤

وَ إِيَّاكَ وَ مُصَادَقَةَ اَلْفَاجِرِ فَإِنَّهُ يَبِيعُكَ بِالتَّافِهِ وَ إِيَّاكَ وَ مُصَادَقَةَ اَلْكَذَّابِ فَإِنَّهُ كَالسَّرَابِ يُقَرِّبُ عَلَيْكَ اَلْبَعِيدَ وَ يُبَعِّدُ عَلَيْكَ اَلْقَرِيبَ قول المصنّف : « و قالعليه‌السلام لابنه الحسن » و في ( الكافي ) :١ إنّ السجادعليه‌السلام وصّى ابنه الباقرعليه‌السلام بهذه الأربعة الأخيرة ، و زاد : و إيّاك و مصاحبة القاطع لرحمه ، فإنّي وجدته ملعونا في كتاب اللّه في ثلاثة مواضع ،

قال عز و جل :فهل عسيتم إن تولّتيم أن تفسدوا في الأرض و تقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم اللّه فأصمّهم و أعمى أبصارهم ٢ ، .الذين ينقضون عهد اللّه من بعد ميثاقه و يقطعون ما أمر اللّه به أن يوصل و يفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة و لهم سوء الدار ٣ ،الذين ينقضون عهد اللّه من بعد ميثاقه و يقطعون ما أمر اللّه به أن يوصل و يفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون ٤ .

قولهعليه‌السلام : « احفظ عني أربعا و أربعا » لم يقلعليه‌السلام ثمانيا لأنّ الكلّ ليست من واد واحد بل أربع منها من واد و أربع من واد .

« لا يضرّك ما عملت معهن » هو دليل على أهمية تلك الأربع و تلك الأربع :

« أغنى الغنى العقل » روى ( الكافي ) عن الباقرعليه‌السلام : لما خلق اللّه تعالى العقل استنطقه ثم قال له : أقبل فأقبل ، ثم قال له : أدبر فأدبر ، ثم قال : و عزّتي و جلالي ما خلقت خلقا هو أحبّ إليّ منك و لا أكملتك إلاّ فيمن أحب ، أما إنّي إيّاك آمر و إيّاك أنهى و إيّاك اعاقب و إيّاك اثيب٥ .

____________________

( ١ ) الكافي ٢ : ٣٧٦ ح ٧ .

( ٢ ) محمّد : ٢٢ ٢٣ .

( ٣ ) الرعد : ٢٥ .

( ٤ ) البقرة : ٢٧ .

( ٥ ) الكافي ١ : ١٠ ح ١ .

٤٠٥

« و أكبر الفقر الحمق » روى ( الكافي ) عن الصادقعليه‌السلام : إنّ الثواب على قدر العقل ، ان رجلا من بني إسرائيل كان يعبد اللّه في جزيرة من جزائر البحر خضراء نضرة كثيرة الشجر ظاهرة المياه ، و ان ملكا من الملائكة مر به فقال :

يا ربّ أرني ثواب عبدك هذا فأراه اللّه فاستقلّه ، فأوحى إليه ان اصحبه فأتاه في صورة انسي فقال له : من أنت ؟ رجل عابد بلغني مكانك و عبادتك في هذا المكان فأتيتك لأعبد اللّه معك ، فكان معه يومه ذلك فلما أصبح قال له : ان مكانك لنزه و ما يصلح إلاّ للعبادة فقال العابد : ان لمكاننا هذا عيبا قال :

و ما هو ؟ قال : ليس لربّنا بهيمة ، فلو كان له حمار لرعيناه في هذا الموضع فان هذا الحشيش يضيع فأوحى تعالى إلى الملك : انّما اثيبه على قدر عقله١ .

و عن ( مناقب ابن الجوزي ) : قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : لا يزال العقل و الحمق يتغالبان على الرجل إلى ثمانية عشر سنة ، فاذا بلغها غلب عليه أكثرهما فيه٢ .

و في ( عيون القتيبي ) : قال أعرابي : لو صوّر الحمق لأضاء معه الليل يعني تكون ظلمة الليل بالنسبة إليه مضيئة٣ .

و في كتاب ( كليلة و دمنة ) : الأدب يذهب عن العاقل السكر و يزيد الأحمق سكرا ، كما أن النهار يزيد كلّ ذي بصر بصرا و يزيد الخفافيش سوء بصر٤ .

____________________

( ١ ) الكافي ١ : ١١ ح ٨ .

( ٢ ) ذكره المجلسي في بحار الأنوار ١ : ٩٦ ح ٢٩ ، أما كتاب مناقب الامام علي لابن الجوزي فهو غير موجود ، و يبدو أنه كان موجودا في عهد المجلسي حيث ذكر في ٧٨ : ٦٤٠ : أقول وجدت في مناقب ابن الجوزي مفصلا في كلام أمير المؤمنينعليه‌السلام و أحببت إيراده .

( ٣ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ٣ : ٢٨٠ .

( ٤ ) نقلها في كليلة و دمنة و رفعه ابن قتيبة في عيون الأخبار ٣ : ٢٨١ ، و يبدو أن العلاّمة التستري نقلها من عيون الاخبار .

٤٠٦

و في ( مجالس الشيخ ) مسندا عن الباقرعليه‌السلام قال : أردت سفرا فأوصى اليّ أبي فقال : و إيّاك أن تصاحب الأحمق أو تخالطه ، ان الأحمق هجنة ، غائبا كان أو حاضرا ، ان تكلّم فضحه حمقه و ان سكت قصر به عيه ، و ان عمل أفسد ،

و ان استرعى أضاع ، لا علمه من نفسه يغنيه و لا علم غيره ينفعه ، لا يطيع ناصحه و لا يستريح مقارنه ، تودّ امّه انّها ثكلته و امرأته انّها فقدته ، و يودّ جاره بعد داره ، و جليسه الوحدة من مجالسته ، ان كان أصغر من في المجلس أعيى من فوقه و ان كان أكبرهم أفسد من دونه١ .

هذا ، و قالوا : أرسل عجل بن لجيم فرسا له في حلبة فجاء سابقا ، فقيل له سمّه يعرف به ، فقام ففقأ عينه و قال : قد سمّيته أعور ، فقال شاعر :

رمتني بنو عجل بداء أبيهم

و أيّ عباد اللّه أنوك من عجل

أليس أبوهم عار عين جواده

فأضحت به الأمثال تضرب بالجهل٢

و قالوا : قال أبو كعب القاص في قصصه : إنّ النبيّ قال : في كبد حمزة ما علمتم فادعوا اللّه أن يطعمنا من كبد حمزة و قال مرّة في قصصه : اسم الذئب الذي أكل يوسف كذا و كذا فقيل له : ان يوسف لم يأكله الذئب فقال : فهذا اسم الذئب الذي لم يأكل يوسف٣ .

و قالوا : خرج الخليفة يوم عيد إلى المصلّي و الطبول تضرب بين يديه و الأعلام تخفق على رأسه ، فقال رجل : اللّهم لا طبل إلاّ طبلك فقيل له : لا تقل

____________________

( ١ ) المجالس للشيخ ٢ : ٢٢٦ .

( ٢ ) عيون الأخبار ٢ : ٤٣ .

( ٣ ) عيون الأخبار ٢ : ٤٦ .

٤٠٧

هكذا فليس للّه طبل فبكى و قال : أرأيتم يجي‏ء هو وحده لا يضرب بين يديه طبل و لا ينصب على رأسه علم ، فإذن هو دون الأمير .

« و أوحش الوحشة العجب » روى ( الكافي ) عن الصادقعليه‌السلام : ان عيسىعليه‌السلام كان من شرائعه السيح في البلاد ، فخرج في بعض سيحه و معه رجل من أصحابه قصير و كان كثير اللزوم لعيسى ، فلما انتهى عيسىعليه‌السلام إلى البحر قال : « بسم اللّه » بصحّة يقين منه ، فمشى على ظهر الماء فقال الرجل القصير حين نظر إلى عيسىعليه‌السلام جازه « بسم اللّه » بصحّة يقين منه ، فمشى على ظهر الماء و لحق بعيسى ، فدخله العجب بنفسه فقال : هذا عيسى روح اللّه يمشي على الماء و أنا أمشي على الماء ، فما فضله عليّ فرمس في الماء فاستغاث بعيسىعليه‌السلام فتناوله فأخرجه ثم قال له : ما قلت يا قصير ؟ قال : قلت كذا و دخلني عجب فقالعليه‌السلام له : لقد وضعت نفسك في غير الموضع الذي وضعك اللّه فيه فمقتك فتب إلى اللّه تعالى١ .

« و أكرم الحسب حسن الخلق » روى ( الكافي ) أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لبني عبد المطلب : إنّكم لن تسعوا الناس بأموالكم فالقوهم بطلاقة و حسن البشر٢ .

و عن الصادقعليه‌السلام : هلك رجل على عهد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فأتى الحفارين فاذا بهم لم يحفروا شيئا و شكوا ذلك إلى النبي فقالوا : ما يعمل حديدنا في الأرض فكأنما يضرب به في الصفاء فقال : و لم ، ان كان صاحبكم حسن الخلق إيتوني بقدح من ماء ، فأتوه به فأدخل يده فيه ثم رشّه على الأرض رشّا ثم قال :

احفروا فحفروا فكأنّما كان رملا يتهايل عليهم٣ .

____________________

( ١ ) الكافي ٦ : ٣٠٦ ح ٣ .

( ٢ ) الكافي ٢ : ١٠٣ ح ١ .

( ٣ ) بحار الأنوار ٧١ : ٣٧٦ ح ٨ الباب ٩ .

٤٠٨

و عنهعليه‌السلام : اذا خالطت الناس فان استطعت ألاّ تخالط أحدا من الناس إلا كانت يدك العليا عليه فافعل ، فان العبد يكون فيه بعض التقصير من العباد و يكون له حسن الخلق فيبلغه اللّه بحسن خلقه درجات الصائم القائم١ .

و في خبر : ان قوما لم يكن بأس في أحسابهم سلبوها لسوء خلقهم ،

و ان قوما لم يكونوا ذوي أحساب اعطوا لحسن خلقهم .

« يا بني إيّاك و مصادقة الأحمق فإنّه يريد أن ينفعك فيضرّك » في ( الكامل ) :

كان أبو الحسن بن الفرات يقول : ان المقتدر يقتلني فصحّ قوله فمن ذلك انّه عاد من عنده يوما و هو مفكّر كثير الهمّ ، فقيل له في ذلك فقال : كنت عند المقتدر فما خاطبته في شي‏ء من الأشياء إلاّ قال لي : نعم قلت له الشي‏ء و ضدّه ، في كلّ ذلك يقول : نعم فقيل له : هذا لحسن ظنّه بك و ثقته بما تقول و اعتماده على شفقتك فقال : لا و اللّه و لكنّه أذن لكلّ قائل ، و ما يؤمني أن يقال له مر بقتل الوزير فيقول : نعم و اللّه إنّه قاتلي :

اتّق الأحمق أن تنصحه

انما الأحمق كالثوب الخلق

كلّما رقعت منه جانبا

حرّكته الريح و هنا فانخرق

أو كصدع في زجاج بيّن

أو كفتق و هو يعيى من رتق

و اذا جالسته في مجلس

أفسد المجلس منه بالخرق

و اذا نهنهته كي يرعوي

زاد جهلا و تمادى في الحمق

و قال آخر :

فان النوك للاحساب غول

و أهون دائه داء العياء

و من ترك العواقب مهملات

فأيسر سعيه سعي العناء

فلا تثقن بالنوكي لشي‏ء

و لو كانوا بني ماء السماء

____________________

( ١ ) الكافي ٢ : ١٠١ ح ٢٤ .

٤٠٩

و ليسوا قابلي أدب فدعهم

و كن من ذاك منقطع الرجاء١

و من أمثالهم « أنت شولة الناصحة » قال ابن السكيت : كانت ( شوله ) أمة لعدوان ، رعناء و كانت تنصح لمواليها فتعود نصيحتها و بالا عليها لحمقها٢ و في ( الأغاني ) : كان الوليد بن يزيد يوما جالسا و عنده عمر الوادي و أبو رقية و كان ضعيف العقل ، و كان يمسك المصحف على ام الوليد فقال الوليد لعمر الوادي ، و قد غنّاه صوتا : أحسنت و اللّه أنت جامع لذتي و أبو رقية مضطجع و هم يحسبونه نائما ، فرفع رأسه إلى الوليد فقال له : و انا جامع لذات امّك فغضب الوليد و همّ به فقال له عمر الوادي : ما يعقل أبو رقية و هو صاح فكيف و هو سكران فأمسك عنه٣ .

« و إيّاك و مصادقة البخيل فإنّه يقعد » و نقل الطبعة ( المصرية )٤ « يبعد » غلط .

« عنك أحوج ما تكون إليه » ألّف سهل بن هارون متولي خزانة حكمة المأمون رسالة في مدح البخل و أرسلها إلى الحسن بن سهل ، فوقع الحسن عليها : لقد مدحت ما ذمّ اللّه و حسنت ما قبّح ، و ما يقوم صلاح لفظك بفساد معناك ، و قد جعلنا ثواب عملك سماع قولك فما نعطيك شيئا٥ .

« و إيّاك و مصادقة الفاجر فانّه يبيعك بالتافة » أي : الحقير اليسير .

كان ابراهيم الصولي صديقا لابن الزيات ، فولّى ابن الزيات الوزارة و الصولي على الأهواز ، فقصده ابن الزيات و وجّه إليه بأبي الجهم و أمره

____________________

( ١ ) الكامل للمبرد : ٨ : ١٥٣ ١٥٤ .

( ٢ ) إصلاح المنطق لابن السكّين : ٣٢٢ .

( ٣ ) الأغاني ٧ : ٨٦ .

( ٤ ) الطبعة المصرية : ٦٦٧ الحكمة ( ٣٨ ) .

( ٥ ) ذكرها الجاحظ في أول رسائل البخلاء الجزء الاول .

٤١٠

بكشفه فتحامل عليه تحاملا شديدا ، فكتب إليه يشكو أبا الجهم و يقول : هو كافر لا يبالي ما عمل و كتب إليه :

و كنت أخي بإخاء الزمان

فلما نبا حربت حربا عوانا

و كنت أذم إليك الزمان

فأصبحت فيك أذم الزمانا

و كنت اعدّك للنائبات

فما أنا أطلب منك الأمانا١

ثم وقف الواثق على تحامله عليه ، فرفع يده عنه و أمره أن يقبل منه ما رفعه و يرد إلى الحضرة مصونا ، فلما أحسن بذلك بسط في ابن الزيات و هجاه هجاء كثيرا فقال :

قدرت فلم تضرر عدوا بقدرة

و سمت بها إخوانك الذلّ و الرغما

و كنت مليّا بالتي قد يعافها

من الناس من يأبى الدنية و الذما٢

و قال :

دعوتك في بلوى ألمّت صروفها

فأوقدت من ضغن عليّ سعيرها

و اني إذا أدعوك عند ملمّة

كداعية بين القبور نصيرها

و في ( الأغاني ) : قال بشار :

و ما تحرّك أير فامتلا شبقا

الا تحرك عرق في است

ثم قال : في است من و مر به تسنيم بن الحواري فسلّم عليه فقال « في است تسنيم » فقال له : أي شي‏ء ويلك ؟ فقال : لا تسل فقال : قد سمعت ما أكره فاذكر لي سببه فأنشده البيت فقال : ويلك أي شي‏ء حملك على هذا ؟ قال : سلامك عليّ قال : لا سلّم اللّه عليك و لا عليّ إن سلّمت عليك

____________________

( ١ ) الأغاني ١٠ : ٥٧ .

( ٢ ) الأغاني ١٠ : ٥٧ .

٤١١

بعدها و بشّار يضحك١ .

« و إيّاك و مصادقة الكذّاب ، فإنّه كالسراب يقرّب عليك البعيد و يبعّد عليك القريب » السراب : الذي تراه نصف النهار كأنّه ماء .

في ( المناقب ) : كتب ملك الروم إلى معاوية يسأله عن خصال ، فكان فيما سأله : أخبرني عن لا شي‏ء فتحيّر فقال عمرو بن العاص : وجّه فرسا فارها إلى عسكر علي ليباع ، فاذا قيل للذي معه : بكم ؟ يقول : بلا شي‏ء ، فعسى أن تخرج المسألة فجاء الرجل إلى عسكر أمير المؤمنين فمرعليه‌السلام به و معه قنبر فقال : يا قنبر ساومه فقال : بكم الفرس قال : بلا شي‏ء قال : يا قنبر خذ منه قال : اعطني لا شي‏ء فأخرجه إلى الصحراء و أراه السراب فقال : و كيف ؟ قال : أما سمعت اللّه تعالى يقول . يحسبه الظمآن ماء حتى اذا جاءه لم يجده شيئا .٢ .

٤ الحكمة ( ٦٥ ) و قالعليه‌السلام :

فَقْدُ اَلْأَحِبَّةِ غُرْبَةٌ في ( العيون ) : قال أيوب السختياني : اذا بلغ موت أخ لي فكأنّما سقط عضو مني و في الخبر « المرء كثير بأخيه » و قال :

لعمرك ما مال الفتى بذخيرة

و لكن اخوان الثقات الذخائر٣

و قال ابن أبي الحديد قال الشاعر :

فلا تحسبي ان الغريب الذي نأى

و لكن من تناين عنه غريب

____________________

( ١ ) الأغاني ٤ : ١٤٢ ، بيت الشعر الذي يبدأ ب « و ما تحرك » غير كامل و لفظ ( است ) مضاف ، و بعده عدة نقاط . .

( ٢ ) المناقب ٢ : ٣٨٣ و الآية ( ٣٩ ) من سورة النور .

( ٣ ) العيون ٣ : ١ .

٤١٢

اذا ما مضى القرن الذي كنت فيهم

و خلفت في قرن أنت غريب١

و مثله قولهعليه‌السلام : « الغريب من ليس له حبيب » .

٥ الحكمة ( ١٣٤ ) و قالعليه‌السلام :

لاَ يَكُونُ اَلصَّدِيقُ صَدِيقاً حَتَّى يَحْفَظَ أَخَاهُ فِي ثَلاَثٍ فِي نَكْبَتِهِ وَ غَيْبَتِهِ وَ وَفَاتِهِ أقول : في ( كامل المبرد ) : قال عليعليه‌السلام ثلاثة لا يعرفون إلاّ في ثلاث : لا يعرف الشجاع إلاّ في الحرب ، و لا الحليم إلاّ عند الغضب ، و لا الصديق إلاّ عند الحاجة٢ .

و عن الصادقعليه‌السلام : الصداقة محدودة ، فمن لم تكن فيه تلك الحدود فلا تنسبه إلى كمال الصداقة ، و من لم يكن فيه شي‏ء من تلك الحدود فلا تنسبه إلى شي‏ء من الصداقة ، أوّلها : أن تكون سريرته و علانيته لك واحدة ، و الثانية : أن يرى زينك زينه و شينك شينه ، و الثالثة : لا يغيّره عنك مال و لا ولاية ، و الرابعة : أن لا يمنعك شيئا مما تصل إليه مقدرته ، و الخامسة : لا يسلّمك عند النكبات٣ .

و عنهعليه‌السلام : من غضب عليك ثلاث مرّات فلم يقل فيك شرّا فاتخذه لنفسك صديقا٤ .

و في ( العيون ) : قال علي كرّم اللّه وجهه :

أخوك الذي ان أحوجتك ملمة

من الدهر لم يبرح لها الدهر واجما

____________________

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٢١٠ .

( ٢ ) الكامل في الأدب للمبرد ١ : ١٨٤ .

( ٣ ) الكافي للكليني ٢ : ١٣٩ ح ٦ ، و شروع الحديث : لا تكون الصداقة إلاّ بحدودها . .

( ٤ ) بحار الأنوار ، ٧٤ : ١٧٣ ح ٢ الباب ١١ .

٤١٣

و ليس أخوك الحق من إن تشعبت

عليك أمور ظل يلحاك لائما١

« و لا يكون الصديق صديقا حتى يحفظ أخاه في نكبته » قال الشاعر :

احذر مودة ما ذق

شاب المرارة بالحلاوة

يحصي الذنوب عليك

أيام الصداقة للعداوة٢

و قال آخر :

سعيد بن عثمان بن عفان لا يرى

لصاحبه قرضا عليه و لا فرضا

و في ( نسب قريش ابن بكار ) : قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم بدر بعد ظفره : من لقي أبا البختري و هو ابن هاشم بن الحارث بن أسد بن عبد العزى فلا يقتله .

و كان ممّن قام في الصحيفة و كان يدخل الطعام على بني هاشم في الشعب .

فقال المجذر بن زياد : فلقيته فقلت : ان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أمرنا أن لا نقتلك فقال : أنا و زميلي و معه رجل فقلت : لا فقال :

لا يسلم ابن حرّة زميله

حتى يموت أو يرى سبيله

فقتلهما٣ و في ( صداقة التوحيدي ) : قال الاسكندر لديوجانس : بم يعرف الرجل أصدقاءه ؟ قال : بالشدائد ، لأن كلّ أحد في الرخاء صديق٤ .

و في ( وزراء الجهشياري ) : طلبت دولة العباسية عبد الحميد الكاتب كاتب الاموية و كان صديقا لابن المقفع ففاجأهما الطلب و هما في بيت ،

فقال الذين دخلوا عليهما : أيكما عبد الحميد فقال كلّ واحد منهما : أنا خوفا من أن ينال صاحبه بمكروه و خاف عبد الحميد أن يسرعوا إلى ابن المقفع فقال :

____________________

( ١ ) عيون الأخبار لبن قتيبة ٣ : ٥٠ .

( ٢ ) المصدر نفسه ٣ : ١٠٧ .

( ٣ ) لمصعب بن الزبير نسب قريش : ٢١٣ و قد سها العلاّمة التستري في ذكر اسم المؤلف الأصلي لكتاب نسب قريش .

( ٤ ) الصداقة للتوحيدي : ٧٠ .

٤١٤

ترفقوا فإنّ فيّ علامات و كلوا بنا بعضكم و يمضي بعض يذكر تلك العلامات لمن وجه بكم ففعلوا ذلك ، و أخذوا عبد الحميد١ .

أيضا : كانت بين ابن المقفع و عمارة بن حمزة مؤدّة ، فأنكر أبو جعفر على عمارة في وقت من الأوقات شيئا و نقله إلى الكوفة و كان ابن المقفع اذ ذاك بها فكان يأتيه فيزوره ، فبينا هو ذات يوم عنده إذ ورد على عمارة كتاب و كيله بالبصرة يعلمه أنّ ضيعة مجاورة لضيعته لا تصلح ان ملكها غيره و ان أهلها قد بذلوا له ثلاثين ألف درهم و انّه ان لم يبتاعها فالوجه ان يبيع ضيعته .

فقرأ عمارة الكتاب و قال : ما أعجب هذا ، و كيلنا يشير علينا بالابتياع مع الاضاقة و الإملاق و نحن إلى البيع أحوج و كتب إلى وكيله ببيع ضيعته و الانصراف إليه ، و سمع ابن المقفع الكلام و انصرف إلى منزله و أخذ سفتجة إلى الوكيل بثلاثين الف درهم و كتب إليه على لسان عمارة اني قد كتبت إليك ببيع ضيعتي ، ثم حضرني مال و قد أنفذت إليك سفتجة فابتع الضيعة المجاورة لك و لا تبع ضيعتي و أقم مكانك و أنفذ الكتاب بالابتياع مع رسول قاصد ، فورد على الوكيل و قد باع الضيعة ، ففسخ البيع و ابتاع الضيعة المجاورة ، و كتب إلى عمارة يذكر الأمر و انّه قد صارت لك ضيعة نفيسة فلما قرأ عمارة الكتاب أكثر التعجب و لم يعرف السبب و سأل عمّن حضر عند ورود كتاب الوكيل ، فقيل له : ابن المقفع ، فعلم أنّه من فعله ، فلما صار إليه بعد أيّام و تحدّثا قال عمارة له : بعثت بتلك الثلاثين ألف درهم إلى الوكيل و كنّا إليها ههنا أحوج ، قال : فان عندنا فضلا و بعث إليه بثلاثين ألفا أخرى٢ .

و حكى ان سفيان لمّا أمر بتقطيع ابن المقفع و طرحه في التنور يعني

____________________

( ١ ) الوزراء للجهشياري : ٨٠ .

( ٢ ) الوزراء و الكتّاب للجهشياري : ١٠٩ ١١٠ .

٤١٥

من طرف المنصور قال له : و اللّه لتقتلني و تقتل بقتلي ألف نفس و لو قتل مائة مثلك ما وفوا بواحد ، ثم قال :

اذا ما مات مثلي مات شخص

يموت بموته خلق كثير

و أنت تموت وحدك ليس يدري

بموتك لا الصغير و لا الكبير١

و في ( تاريخ بغداد ) : قال محمد بن عبد الرحمن أبو جعفر الصيرفي :

بعث إليّ الحكم بن موسى أنّه يحتاج إلى نفقة ، و لم يك عندي إلاّ ثلاثة آلاف درهم ، فوجّهت بها إليه ، فلما صارت في قبضته وجّه إليه خلاد بن أسلم أنّه يحتاج إلى نفقة ، فوجّه بها كلّها إليه و احتجت أنا إلى نفقة فوجّهت إلى خلاد أنّي أحتاج إلى نفقة فوجّه بها كلّها إليّ ، فلما رأيتها مصرورة في خرقتها و هي الدراهم بعينها أنكرت ذلك ، فبعثت إلى خلاد : ما قصة هذه الدراهم ؟ فاخبرني ان الحكم بن موسى بعث بها إليه ، فوجّهت إلى الحكم منها بألف و وجهت إلى خلاّد منها بألف و أخذت منها ألفا٢ .

و في ( المروج ) : عن الواقدي قال : كان لي صديقان أحدهما هاشمي و كنّا كنفس واحدة ، فنالتني ضيقة شديدة و حضر العيد ، فقالت امرأتي : أما نحن في أنفسنا فنصبر على البؤس و الشدّة ، و أما صبياننا هؤلاء فقد قطعوا قلبي رحمة لهم ، لأنّهم يرون صبيان الجيران قد تزيّنوا في عيدهم و أصلحوا ثيابهم و هم على هذه الحال من الثياب الرثة ، فلو احتلت بشي‏ء تصرفه في كسوتهم .

فكتبت إلى صديقي الهاشمي أسأله التوسعة عليّ لما حضر العيد ، فوجّه إليّ كيسا مختوما ذكر أن فيه ألف درهم ، فما استقر قراره إذ كتب إليّ الصديق

____________________

( ١ ) الوزراء و الكتّاب : ١١٠ .

( ٢ ) تاريخ بغداد ، لم نعثر عليه في ترجمة محمّد بن عبد الرحمن الصيرفي ٢ : ٣١٢ و ترجمة الحكم ابن موسى القنطري ٨ : ٢٢٦ .

٤١٦

الآخر يشكو مثل ما شكوت إلى صاحبي ، فوجّهت إليه الكيس بحاله و خرجت إلى المسجد ، فأقمت فيه ليلي مستحييا من امرأتي ، فلما دخلت عليها استحسنت ما كان مني و لم تعنفني عليه ، فبينا أنا كذلك إذ وافى صديقي الهاشمي و معه الكيس كهيئته فقال لي : اصدقني عمّا فعلت في ما وجهت إليك .

فعرفته الخبر فقال : إنّك وجهت إليّ و ما أملك على الأرض ، إلاّ ما بعثت به إليك .

و كتبت إلى صديقنا المواساة فوجّه بكيسي بخاتمي فتواسينا الألف أثلاثا ،

و أخرجنا إلى المرأة قبل ذلك مائة درهم ، و نمى الخبر إلى المأمون فدعاني فشرحت له الخبر ، فأمر لنا بسبعة آلاف دينار لكل واحد ألفا دينار و للمرأة ألف دينار١ .

و في ( كامل المبرد ) : لبعضهم :

فتى غير محجوب الغنى عن صديقه

و لا مظهر الشكوى إذا النعل زلّت

رأى خلّتي من حيث يخفى مكانها

فكانت قذى عينيه حتى تجلّت٢

و في ( المعجم ) للصولي :

و لكن عبد اللّه لمّا حوى الغني

و صار له من بين اخوانه مال

رأى خلّة منهم تسدّ بماله

فساهمهم حتى استوت بهم الحال٣

« و غيبته » لا كما في اللسان قال ابن بري : قال بجير بن عنمة الطائي :

و ان مولاي ذو يعاتبني

لا أحنة عنده و لا جرمه

ينصرني منك غير معتذر

يرمي و رائي بأمسّهم و املمه

و قال الآخر :

____________________

( ١ ) المروج : ٣٣ ٣٤ .

( ٢ ) الكامل للمبرّد ١ : ١٨٤ .

( ٣ ) المعجم ١ : ١٦٧ .

٤١٧

أنّى يكون أخا أو ذا محافظة

من كنت في غيبه مستشعرا وجلا

إذا تغيّب لم تبرح تظنّ به

سوءا و تسأل عمّا قال أو فعلا

و قيل :

و ليس أخي من ودّني رأي عينه

و لكن أخي من ودّني و هو غائب

و قيل :

و ليس محبّا من يدوم وداده

مع الوصل لكن من يدوم مع الصدّ

هذا ، و في ( الحلية ) : خرج أبو تراب الرملي سنة من مكّة فقال لأصحابه :

خذوا اسم طريق الجادة حتى آخذ طريق تبوك فقالوا له : الحرّ شديد قال : لا بدّ و لكن إذا دخلتم رملة فانزلوا عند فلان صديق لي فنزلوا عليه فشوى لهم أربع قطع لحم ، فلما وضع بين أيديهم جاءت الحدأة فأخذت قطعة منها فقلنا : لم يكن رزقنا فأكلنا الباقي ، فلما كان بعد يومين خرج أبو تراب من المفازة ، فقلنا :

هل وجدت في الطريق شيئا فقال : لا إلاّ يوم كذا رمى إليّ حدأة بقطعة شواء حار فقلنا له : قد تغذينا منه فانّه من عندنا أخذت الحدأة فقال : كذا كانت الصداقة١ .

في المروج : ذكر للمنصور تدبير هشام في حرب كانت له ، فبعث إلى رجل ينزل رصافة هشام يسأله عن تلك الحرب ، فقدم عليه فقال له : أنت صاحب هشام قال : نعم قال : فأخبرني كيف فعل في حرب دبّرها سنة كذا و كذا قال : فعل رضي اللّه عنه فيها كذا و كذا ، و فعل رحمه اللّه كذا و كذا فأغاظ ذلك المنصور فقال له : قم عليك غضب اللّه تطأ بساطي و تترحّم على عدوّي .

فقام الشيخ و هو يقول : ان لعدوّك قلادة في عنقي لا ينزعها إلاّ غاسلي فأمر برده و قال له : كيف ؟ قال : انّه كفاني الطلب وصان وجهي عن السؤال فلم أقف

____________________

( ١ ) الحلية ١٠ : ١٦٤ ١٦٥ .

٤١٨

على باب عربي و لا عجمي ، أفلا يجب عليّ أن أذكره إلاّ بخير فقال المنصور :

بلى و اللّه ، للّه أمّ نهضت عنك ، أشهد أنّك نهيض حرّة١ .

و قال المدائني : قال المنصور صحبت رجلا ضريرا إلى الشام و كان يريد مروان بن محمد بشعر قال فيه إلى أن قال و حججت في سنة ( ١٤١ ) فنزلت في جبلي زرور في الرمل أمشي لنذر كان عليّ ، فإذا أنا بالضرير ،

فأومأت إلى من كان معي فتأخروا و دنوت منه فأخذت بيده ، فقال : من أنت ؟

قلت : رفيقك إلى الشام في أيام بني امية و أنت متوجه إلى مروان ، فتنفّس و أنشأ يقول :

آمت نساء بني اميّة منهم

و بناتهم بمضيعة أيتام

نامت جدودهم و أسقط نجمهم

و النجم يسقط و الجدود تنام

خلت المنابر و الأسرّة منهم

فعليهم حتى الممات سلام

فقلت له : كم أعطاك مروان ؟ قال : أغناني فلا أسأل بعده أحدا إلى أن قال فقلت : أنا أبو جعفر المنصور فقال : اعذر فإنّ ابن عمّك محمّداصلى‌الله‌عليه‌وآله قال « جبلت النفوس على حبّ من أحسن إليها و بغض من أساء إليها » فهممت به ثم تذكرت الصحبة فأطلقته٢ .

و في ( الأغاني ) : في أبي الأسد : لما مات ابراهيم الموصلي قيل لأبي الأسد و كان صديقه ألا ترثيه فقال :

تولّى الموصلي فقد تولّت

بشاشات المزاهر و القيان

و أي فلاحة بقيت فتبقى

حياة الموصلي على الزمان

ستبكيه المزاهر و الملاهي

و يسعدهن عاتقة الدنان

____________________

( ١ ) المروج ٣ : ٢٨٥ .

( ٢ ) مروج الذهب ٣ : ٢٨٥ .

٤١٩

و تبكيه الغوية اذ تولّى

و لا تبكيه تالية القرآن

فقيل له : ويحك فضحته و قد كان صديقك فقال : هذه فضيحة عند من لا يعقل ، أمّا من يعقل فلا ، و بأي شي‏ء كنت أذكره و أرثيه أ بالفقه أم بالزهد أم بالقراءة ، و هل يرثى إلاّ بهذا و شبهه١ .

٦ الحكمة ( ٢١٨ ) و قالعليه‌السلام :

حَسَدُ اَلصَّدِيقِ مِنْ سُقْمِ اَلْمَوَدَّةِ في ( الطرائف ) : قال بعض الحكماء لا ينفع العلاج في أربعة : العداوة إذا خالطها الحسد و المرض إذا خالطه الهرم ، و الفقر إذا خالطه الكسل ، و الشحّ إذا خالطه الكبر٢ .

و قال ابن أبي الحديد الإنسان لا يحسد نفسه قيل لحكيم : ما الصديق ؟

فقال : انسان هو أنت إلاّ أنّه غيرك٣ .

و من أدعية الحكماء : اللّهم اكفني بوائق الثقات ، و احفظني من كيد الأصدقاء٤ .

و للمثقب العبدي :

فإمّا أن تكون أخي بحقّ

فأعرف منك غثّي من سميني

و إلاّ فاطرحني و اتركني

عدوّا أتّقيك و تتقيني٥

____________________

( ١ ) الأغاني ١٤ : ١٤٠ ١٤١ .

( ٢ ) الظرائف و الطرائف : ٧٨ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ١٩ : ٣٩ .

( ٤ ) المصدر نفسه : ١٩ : ٣٩ .

( ٥ ) المصدر نفسه ١٠ : ١١٠ ، ذكره أيضا ابن قتيبة : ٢٥٠ ، دار الكتب العلمية .

٤٢٠

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617