بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٣

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة9%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 617

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤
  • البداية
  • السابق
  • 617 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 194186 / تحميل: 7310
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٣

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

النوادر قرأته انا وأحمد بن الحسينرحمه‌الله على أبيه »(1) . كما يظهر ذلك أيضاً في ترجمة علي بن الحسن بن فضال حيث قال : « قرأ أحمد بن الحسين كتاب الصلاة والزكاة ومناسك الحج والصيام والطلاق و على أحمد بن عبد الواحد في مدّة ، سمعتها معه »(2) . ويظهر ذلك في ترجمة عبدالله بن ابي عبدالله محمد بن خالد بن عمر بن الطيالسي قال : « ولعبد الله كتاب نوادر ـ الى ان قال : ونسخة اخرى نوادر صغيرة رواه أبو الحسين النصيبي ، اخبرناها بقراءة أحمد بن الحسين »(3) .

نعم يظهر من ترجمة علي بن محمد بن شيران أنه من أساتذة النجاشي حيث قال : « كنا نجتمع معه عند أحمد بن الحسين »(4) . والاجتماع عند العالم لا يكون الا للاستفادة منه.

والعجب أن النجاشي مع كمال صلته به ومخالطته معه لم يعنونه في فهرسه مستقلاً ، ولم يذكر ما قاله الشيخ في حقه من أنه كان له كتابان الخ ، نعم نقل عنه في موارد وأشار في ترجمة أحمد بن محمد بن خالد البرقي إلى كتاب تاريخه ويحتمل انه غير رجاله ، كما يحتمل ان يكون نفسه ، لشيوع اطلاق لفظ التاريخ على كتاب الرجال كتاريخ البخاري وهو كتاب رجاله المعروف ، وتاريخ بغداد وهو نوع رجال ، ويكفي في وثاقة الرجل اعتماد مثل النجاشي عليه والتعبير عنه بما يشعر بالتكريم ، وقد نقل المحقق الكلباسي كلمات العلماء في حقه فلاحظ(5) .

__________________

1 ـ رجال النجاشي : الرقم 200.

2 ـ رجال النجاشي : الرقم 676.

3 ـ رجال النجاشي : الرقم 572.

4 ـ رجال النجاشي : الرقم 705.

5 ـ لاحظ سماء المقال : 1 / 7 ـ 15.

٨١

ج ـ كيفية وقوف العلماء على كتاب الضعفاء

ان اول من وجده هو السيد جمال الدين أبو الفضائل أحمد بن طاووس الحسني الحلي ( المتوفّى سنة 673 هـ ) فأدرجه ـ موزعاً له ـ في كتابه « حل الاشكال في معرفة الرجال » الذي ألفه عام 644 هـ ، وجمع فيه عبارات الكتب الخمسة الرجالية وهي رجال الطوسي وفهرسه واختيار الكشي وفهرس النجاشي وكتاب الضعفاء المنسوب الى ابن الغضائري. قال السيد في اول كتابه بعد ذكر الكتب بهذا الترتيب : « ولي بالجميع روايات متصلة سوى كتاب ابن الغضائري » فيظهر منه أنه لم يروه عن أحد وأنما وجده منسوباً اليه ، ولم يجد السيد كتاباً اخر للممدوحين منسوباً الى ابن الغضائري والا أدرجه أيضاً ولم يقتصر بالضعفاء.

ثم تبع السيد تلميذاه العلاّمة الحلي ( المتوفّى عام 726 هـ ) في الخلاصة وابن داود في رجاله ( المؤلف في 707 هـ ) فأدرجا في كتابيهما عين ما أدرجه استاذهما السيد ابن طاووس في « حل الاشكال » وصرح ابن داود عند ترجمة استاذه المذكور بأن اكثر فوائد هذا الكتاب ونكته من اشارات هذا الاستاذ وتحقيقاته.

ثم ان المتأخرين عن العلاّمة وابن داود كلهم ينقلون عنهما لان نسخة الضعفاء التي وجدها السيد ابن طاووس قد انقطع خبرها عن المتأخرين عنه ، ولم يبق من الكتاب المنسوب الى ابن الغضائري الا ما وضعه السيد ابن طاووس في كتابه « حل الاشكال » ، ولولاه لما بقي منه أثر ولم يكن ادراجه فيه من السيد لاجل اعتباره عنده ، بل ليكون الناظر في كتابه على بصيرة ، ويطلع على جميع ما قيل أو يقال في حق الرجل حقاً أو باطلاً ، ليصير ملزماً بالتتبع عن حقيقة الامر.

وأما كتاب « حل الاشكال » فقد كان موجوداً بخط مؤلفه عند الشهيد

٨٢

الثاني ، كما ذكره في اجازته للشيخ حسين بن عبد الصمد ، وبعده انتقل الى ولده صاحب المعالم ، فاستخرج منه كتابه الموسوم بـ « التحرير الطاووسي » ثم حصلت تلك النسخة بعينها عند المولى عبدالله بن الحسين التستري ( المتوفّى سنة 1021 هـ ) شيخ الرجاليين في عصره ، وكانت مخرقة مشرفة على التلف ، فاستخرج منها خصوص عبارات كتاب الضعفاء المنسوب الى ابن الغضائري ، مرتباً على الحروف وذكر في أوله سبب استخراجه فقط. ثم وزع تلميذه المولى عناية الله القهبائي ، تمام ما استخرجه المولى عبدالله المذكور ، في كتابه « مجمع الرجال » المجموع فيه الكتب الخمسة الرجالية حتى ان خطبها بيعنها ذكرت في أول هذا المجمع(1) .

واليك نص ما ذكره المولى عبدالله التستري حسب ما نقله عنه تلميذه القهبائي في مقدمة كتابه « مجمع الرجال » : اعلم ـ أيّدك الله وإيانا ـ أي لمّا وقفت على كتاب السيد المعظم السيد جمال الدين أحمد بن طاووس في الرجال ، فرأيته مشتملاً على نقل ما في كتب السلف ، وقد كنت رزقت بحمد الله النافع من تلك الكتب ، الا كتاب ابن الغضائري ، فاني كنت ما سمعت له وجوداً في زماننا وكان كتاب السيد هذا بخطه الشريف مشتملاً عليه فحداني التبرك به مع ظن الانتفاع بكتاب ابن الغضائري ان اجعله منفرداً عنه راجياً من الله الجواد ، الوصول الى سبيل الرشاد »(2) . وعلى ذلك فالطريق الى ما ذكره ابن الغضائري عبارة عما أدرجه العلاّمة وابن داود في رجاليهما وأخيراً ما أدرجه القهبائي مما جرده استاذه التستري عن كتاب « حل الاشكال » وجعله كتاباً مستقلاً ، واما طريق السيد الى الكتاب فغير معلوم او غير موجود.

هذا هو حال كتاب ابن الغضائري وكيفية الوقوف عليه ووصوله الينا.

__________________

1 ـ راجع الذريعة إلى تصانيف الشيعة : 4 / 288 ـ 289 ، وج 10 / 88 ـ 89.

2 ـ مجمع الرجال : 1 / 10.

٨٣

د ـ الكتاب تأليف نفس الغضائري أو تأليف ابنه

هاهنا قولان : أما الاول ؛ فقد ذهب الشهيد الثاني إلى انه تأليف نفس الغضائري « الحسين بن عبيد اللَّه » لا تأليف ابنه ، اي « أحمد بن الحسين » ، مستدلاً بما جاء في الخلاصة في ترجمة سهل بن زياد الآدمي حيث قال : « وقد كاتب أبا محمد العسكريعليه‌السلام على يد محمد بن عبد الحميد العطار في المنتصف من شهر ربيع الآخر سنة خمس وخمسين ومائتين. ذكر ذلك أحمد بن علي بن نوح وأحمد بن الحسين ـ رحمهما الله ـ. وقال ابن الغضائري : انه كان ضعيفاً(1) قال الشهيد : « إن عطف ابن الغضائري على أحمد بن الحسين يدل على انه غيره »(2) .

ولا يخفى عدم دلالته على ما ذكره ، لان ما ذكره العلاّمة ( ذكر ذلك أحمد بن علي بن نوح وأحمد بن الحسين ) من تتمة كلام النجاشي الذي نقله العلاّمة عنه في كتابه ، فان النجاشي يعرف « السهل » بقوله : « كان ضعيفاً في الحديث غير معتمد فيه. وكان أحمد بن محمد بن عيسى يشهد عليه بالغلو والكذب واخرجه من قم إلى الريّ ، وكان يسكنها وقد كاتب ابا محمد ـ إلى قوله : رحمهما الله »(3) .

وبالاسترحام ( رحمهما الله ) تم كلام النجاشي ، ثم ان العلاّمة بعدما نقل عن النجاشي كلام ابن نوح وأحمد بن الحسين في حق الرجل ، أراد أن يأتي بنص كلام ابن الغضائري أيضاً في كتاب الضعفاء ، ولاجل ذلك عاد وقال : « قال ابن الغضائري : انه كان ضعيفا جدّاً فاسد الرواية والمذهب وكان أحمد بن محمد بن عيسى الاشعري أخرجه عن قم وأظهر البراءة منه ونهى الناس عن

__________________

1 ـ رجال العلامة : 228 ـ 229.

2 ـ قاموس الرجال : 1 / 22.

3 ـ رجال النجاشي : الرقم 490.

٨٤

السماع منه والرواية عنه ويروي المراسيل ويعتمد المجاهيل »(1) .

وعلى هذا فعطف جملة « وقال ابن الغضائري » على « أحمد بن الحسين » لا يدل على المغايرة بعد الوقوف على ما ذكرناه(2) .

ويظهر هذا القول من غيره ، فقد نقل المحقق الكلباسي ، انه يظهر من نظام الدين محمد بن الحسين الساوجي في كتابه المسمى بـ « نظام الاقوال » أنه من تأليف الأب حيث قال فيه : « ولقد صنف اسلافنا ومشايخنا ـ قدس الله تعالى أرواحهم ـ فيه كتباً كثيرة ككتاب الكشي ، وفهرس الشيخ الطوسي ، والرجال له ايضا ، وكتاب الحسين بن عبيدالله الغضائري ـ إلى ان قال : وأكتفي في هذا الكتاب عن أحمد بن علي النجاشي بقولي « النجاشي » ـ إلى أن قال : وعن الحسين بن عبيدالله الغضائري بـ « ابن الغضائري »(3) . وعلى ما ذكره كلما اطلق ابن الغضائري فالمراد هو الوالد ، واما الولد فيكون نجل الغضائري لا ابنه.

ويظهر التردّد من المحقّق الجليل مؤلف معجم الرجال ـ دام ظله ـ حيث استدل على عدم ثبوت نسبة الكتاب بقوله : « فان النجاشي لم يتعرض له مع أنهقدس‌سره بصدد بيان الكتب التي صنَّفها الامامية ، حتى انه يذكر ما لم يره من الكتب وانما سمعه من غيره أو رآه في كتابه ، فكيف لا يذكر كتاب شيخه الحسين بن عبيدالله او ابنه أحمد؟ وقد تعرضقدس‌سره لترجمة الحسين بن عبيدالله وذكر كتبه ولم يذكر فيها كتاب الرجال ، كما انه حكى عن أحمد بن

__________________

1 ـ رجال العلامة : 228 ـ 229.

2 ـ لاحظ سماء المقال : 1 / 7 ، وقاموس الرجال : 1 / 32.

3 ـ سماء المقال : 1 / 5 في الهامش. وكان نظام الدين الساوجي نزيل الري وتلميذ الشيخ البهائي ، توفي بعد 1038 هـ بقليل ، وفرغ من تأليف نظام الاقوال في سنة 1022 هـ ، وهو بعد مخطوط لم يطبع.

٨٥

الحسين في عدَّة موارد ولم يذكر أن له كتاب الرجال »(1) .

ولكن النجاشي نقل عن ابن الغضائري كثيرا وكلما قال : « قال أحمد بن الحسين » أو « ذكره أحمد بن الحسين » فهو المراد ، وصرح في ترجمة البرقي بأن له كتاب التاريخ ومن القريب ان مراده منه هو كتاب رجاله ، لشيوع تسمية « الرجال » بالتاريخ كما سيوافيك.

وأما الثاني ، فهو أن الكتاب على فرض ثبوت النسبة ، من تآليف ابن الغضائري ( أحمد ) لا نفسه ـ أعني الحسين ـ ويدل عليه وجوه :

الاول : ان الشيخ كما عرفت ذكر لاحمد بن الحسين كتابين : أحدهما في الاصول والاخر في المصنفات ، ولم يذكر للوالد اي كتاب في الرجال ، وان وصفه الشيخ والنجاشي بكونه كثير السماع ، عارفاً بالرجال ، غير ان المعرفة بالرجال لا تستلزم التأليف فيه ، ومن المحتمل ان هذا الكتاب هو احد هذين او هو كتاب ثالث وضع لذكر خصوص الضعفاء والمذمومين ، كما احتمله صاحب مجمع الرجال ، ويحتمل ان يكون له كتاب آخر في الثقات والممدوحين وان لم يصل الينا منه خبر ولا اثر ، كما ذكره الفاضل الخاجوئي ، محتملا ان يكون كتاب الممدوحين ، احد الكتابين اللذين صرح بهما الشيخ في اول الفهرس على ما نقله صاحب سماء المقال(2) ولكن الظاهر خلافه ، وسيوافيك حق القول في ذلك فانتظر.

الثاني : ان اول من وقف على هذا الكتاب هو السيد الجليل ابن طاووس الحلي ، فقد نسبه إلى الابن في مقدمة كتاب على ما نقله عنه في التحرير الطاووسي ، حيث قال : « إني قد عزمت على ان اجمع في كتابي هذا اسماء

__________________

1 ـ معجم رجال الحديث : 1 / 113 ـ 114 من المقدمة ، طبعة النجف ، والصفحة 101 ـ 103 من طبعة لبنان.

2 ـ سماء المقال : ج 1 الصفحة 2.

٨٦

الرجال المصنّفين وغيرهم من كتب خمسة إلى ان قال : وكتاب ابي الحسين أحمد بن الحسين بن عبيدالله الغضائري في ذكر الضعفاء خاصة »(1) .

الثالث : ان المتتبع لكتاب « الخلاصة » للعلامة الحلي ، يرى انه يعتقد بأنه من تآليف ابن الغضائري ، فلاحظ ترجمة عمر بن ثابت ، وسليمان النخعي ، يقول في الاول : « انه ضعيف ، قاله ابن الغضائري » وقال في الثاني : « قال ابن الغضائري : يقال انه كذاب النخع ضعيف جدّاً ».

وبما انه يحتمل ان يكون ابن الغضائري كنية للوالد ، ويكون الجدّ منسوبا إلى « الغضائر » الذي هو بمعنى الطين اللازب الحر ، قال العلاّمة في اسماعيل بن مهران : « قال الشيخ ابو الحسين أحمد بن الحسين بن عبيدالله الغضائريرحمه‌الله : انه يكنّى ابا محمد ، ليس حديثه بالنقي » وعلى ذلك فكلما اطلق ابن الغضائري يريد به أحمد بن الحسين ، لا غيره.

ومما يؤيد ان الكتاب من تأليف ابن الغضائري ، أن بعض ما ينقله النجاشي في فهرسه عن أحمد بن الحسين موجود في هذا الكتاب ، وأما الاختلاف من حيث العبارة فسيوافيك وجهه.

وهناك قرائن اُخر جمعها المتتبّع الخبير الكلباسي في كتابه سماء المقال فلاحظ(2) .

هـ ـ كتاب الضعفاء رابع كتبه

الظاهر أن ابن الغضائري ألف كتبا اربعة وان كتاب الضعفاء رابع كتبه. الاول والثاني ما اشار اليهما الشيخ في مقدمة الفهرس « فانه ( أبا الحسين ) عمل كتابين : احدهما ذكر فيه المصنَّفات والآخر ذكر فيه الاصول واستوفاهما على مبلغ ما وجده وقدر عليه ، غير أن هذين الكتابين لم ينسخهما احد من اصحابنا

__________________

1 ـ سماء المقال : 1 / 5 ـ 6.

2 ـ سماء المقال : 1 / 6 ـ 7.

٨٧

واخترم هورحمه‌الله وعمد بعض ورثته إلى إهلاك هذين الكتابين وغيرهما من الكتب على ما حكى بعضهم عنه »(1) .

والثالث هو كتاب الممدوحين ولم يصل الينا ابداً ، لكن ينقل عنه العلاّمة في الخلاصة ، والرابع هو كتاب الضعفاء الذي وصل الينا على النَّحو الذي وقفت عليه ، والظاهر أن النجاشي لأجل مخالطته ومعاشرته معه قد وقف على مسوداته ومذكراته فنقل ما نقل عنها.

ومن البعيد جدّاً أن يكون كتاب الضعفاء نفس الكتابين اللذين ذكرهما الشيخ في مقدمة الفهرس ، وما عمل من كتابين كان مقصورا في بيان المصنفات والاُصول ، كفهرس الشيخ من دون تعرض لوثاقة شخص او ضعفه ، فعلى ذلك يجب ان يكون للرجل وراءهما كتاب رجال لبيان الضعفاء والممدوحين ، كما أن من البعيد أن يؤلف كتابا في الضعفاء فقط ، دون ان يؤلّف كتابا في الثقات أو الممدوحين ، والدليل على تأليفه كتابا في الممدوحين وجود التوثيقات منه في حقّ عدَّة من الرواة ، ونقلها النجاشي عنه. اضف إلى ذلك ان العلاّمة يصرح بتعدد كتابه ويقول في ترجمة : سليمان النخعي : « قال ابن الغضائري سليمان بن هارون النخعي ابو داود يقال له : كذاب النخع ، روى عن ابي عبد الله ضعيف جداً » وقال في كتابه الاخر : « سليمان بن عمر ابو داود النخعي الخ »(2) وقال في ترجمة عمر بن ثابت : « ضعيف جدّاً قاله ابن الغضائري وقال في كتابه الاخر عمر بن ابي المقدام »(3) وقال في ترجمة محمد بن مصادف : « اختلف قول ابن الغضائري فيه ففي احد الكتابين انه ضعيف وفي الآخر إنه ثقة »(4) . وهذه النصوص تعطي أن للرجل كتابين ،

__________________

1 ـ ديباجة فهرست الشيخ : « الطبعة الاولى » الصفحة 1 ـ 2 وفي « الطبعة الثانية » الصفحة 4.

2 ـ رجال العلامة : 225.

3 ـ نفس المصدر : 241.

4 ـ نفس المصدر : 251.

٨٨

أحدهما للضعفاء والمذمومين ، والآخر للممدوحين والموثَّقين ، وقد عرفت أن ما ذكره الشيخ في أول الفهرس لا صلة لهما بهذين الكتابين. فقد مات الرجل وترك ثروة علمية مفيدة.

و ـ كتاب الضعفاء وقيمته العلمية عند العلماء

لقد اختلف نظرية العلماء حول الكتاب اختلافا عميقاً ، فمن ذاهب الى انه مختلق لبعض معاندي الشيعة اراد به الوقيعة فيهم ، إلى قائل بثبوت الكتاب ثبوتاً قطعياً وانه حجة ما لم يعارض توثيق الشيخ والنجاشي ، إلى ثالث بأن الكتاب له وانه نقّاد هذا العلم ولا يقدم توثيق الشيخ والنجاشي عليه ، الى رابع بأن الكتاب له ، غير أن جرحه وتضعيفه غير معتبر ، لأنه لم يكن في الجرح والتضعيف مستندا إلى الشهادة ولا إلى القرائن المفيدة للاطمئنان بل إلى اجتهاده في متن الحديث ، فلو كان الحديث مشتملاً على الغلوّ والارتفاع في حقّ الائمة حسب نظره ، وصف الراوي بالوضع وضعّفه ، وإليك هذه الاقوال :

النظرية الأولى

إن شيخنا المتتبّع الطهراني بعدما سرد وضع الكتاب وأوضح كيفية الاطلاع عليه ، حكم بعدم ثبوت نسبة الكتاب إلى ابن الغضائري ، وان المؤلف له كان من المعاندين لأكابر الشيعة ، وكان يريد الوقيعة فيهم بكل حيلة ، ولأجل ذلك ألَّف هذا الكتاب وأدرج فيه بعض مقالات ابن الغضائري تمويهاً ليقبل عنه جميع ما اراد إثباته من الوقائع والقبائح(1) ويمكن تأييده في بادئ النظر بوجوه :

1 ـ إنه كانت بين النجاشي وابن الغضائري خلطة وصداقة في أيام الدراسة والتحصيل ، وكانا يدرسان عند والد ابن الغضائري ، كما كانا يدرسان عند غيره ، على ما مرَّ في ترجمتهما ، فلو كان الكتاب من تآليف ابن الغضائري ،

__________________

1 ـ الذريعة : 4 / 288 ـ 289 ، وج 10 / 89.

٨٩

اقتضى طبع الحال وقوف النجاشي عليه ، وقوف الصديق على أسرار صديقه ، وإكثار النقل منه ، مع انه لا ينقل عنه إلا في موارد لا تتجاوز بضعة وعشرين مورداً ، وهو يقول في كثير من هذه الموارد « قال أحمد بن الحسين » أو « قاله أحمد بن الحسين » مشعراً بأخذه منه مشافهة لا نقلاً عن كتابه.

نعم ، يقول في بعض الموارد : « وذكر أحمد بن الحسين » الظّاهر في أنه أخذه من كتابه.

2 ـ إن الظاهر من الشيخ الطوسي أن ما ألفه ابن الغضائري اُهلك قبل أن يستنسخ حيث يقول : « واخترم هو ( ابن الغضائري ) وعمد بعض ورثته الى إهلاك هذين الكتابين وغيرهما من الكتب على ما حكى بعضهم عنه »(1) .

3 ـ إن لفظ « اخترم » الذي أطلقه الشيخ عليه ، يكشف عن أن الرجل مات بالموت الاخترامي ، وهو موت من لم يتجاوز الاربعين وبما أن النجاشي الذي هو زميله ولد عام 372 هـ ، يمكن أن يقال انه أيضاً من مواليد ذلك العام او ما قبله بقليل ، وبما ان موته كان موتاً اخترامياً ، يمكن التنبّؤ بأنه مات بعد أبيه بقليل ، فتكون وفاته حوالي 412 هـ ، وعلى ذلك فمن البعيد أن يصل الكتاب إلى يد النجاشي ولا يصل إلى يد الشّيخ ، مع أن بيئة بغداد كانت تجمع بين العَلَمين ( النجاشي والشيخ ) كلَّ يوم وليلة ، وقد توفّي الشيخ سنة 460 هـ ، وتوفّي النجاشي على المشهور عام 450 ، فهل يمكن بعد هذا وقوف النجاشي على الكتاب وعدم وقوف الشيخ عليه؟

وأقصى ما يمكن أن يقال : إن ابن الغضائري ترك أوراقاً مسودة في علم الرجال ، ووقف عليها النجاشي ، ونقل عنها ما نقل ، ثمَّ زاد عليه بعض المعاندين ما تقشعّر منه الجلود وترتعد منه الفرائص من جرح المشايخ ورميهم بالدسّ والوضع ، وهو كما قال السيد الداماد في رواشحه « قلّ أن يسلم أحد من

__________________

1 ـ مقدمة فهرس الشيخ : « الطبعة الاولى » الصفحة 2 ، و « الطبعة الثانية » الصفحة 24.

٩٠

جرحه أو ينجو ثقة من قدحه ».

تحليل هذه النظرية

هذه النظرية في غاية التَّفريط ، في مقابل النظرية الثالثة التي هي في غاية الإفراط ولا يخفى وهن هذه النظرية الاُمور :

أما الاول : فيكفي في صحة نسبة الكتاب الى ابن الغضائري تطابق ما نقله النجاشي في موارد كثير مع الموجود منه وعدم استيعابه بنقل كل ما فيه ، لاجل عدم ثبوته عنده ، ولذلك ضرب عنه صفحاً الا في موارد خاصة لاختلاف مشربهما في نقد الرجال وتمييز الثقات عن غيرهم.

وأما الثاني : فلما عرفت من أن كتاب الضعفاء ، غير ما ألفه حول الاصول والمصنفات ، وهو غير كتاب الممدوحين ، الذي ربما ينقل عنه العلاّمة كما عرفت ، وتعمد الورثة على اهلاك الاولين لا يكون دليلا على اهلاك الآخرين(1) .

وأما الثالث : فيكفي في الاعتذار من عدم اطلاع الشيخ على بقية كتب ابن الغضائري ، ان الشيخ كان رجلاً عالمياً مشاركاً في أكثر العلوم الاسلامية ومتخصصاً في بعض النواحي منها ، زعيما للشيعة في العراق. والغفلة من مثل هذا الشخص المتبحر في العلوم ، والمتحمل للمسؤوليات الدينية والاجتماعية ، أمر غير بعيد.

وهذا غير النجاشي الذي كان زميلاً ومشاركاً له في دروس أبيه وغيره ، متخصصاً في علم الرجال والانساب ، والغفلة من مثله أمر على خلاف العادة.

وما ذكره صاحب معجم رجال الحديث ـ دام ظله ـ من قصور المقتضي

__________________

1ـ نعم الظاهر من مقدمة الفهرس للشيخ تعمد الورثة لاهلاك جميع آثاره بشهادة لفظة « وغيرهما ».

٩١

وعدم ثبوت نسبة هذا الكتاب الى مؤلفه(1) غير تام ، لان هذه القرائن تكفي في ثبوت النسبة ولولا الاعتماد عليها للزم رد كثير من الكتب غير الواصلة إلينا من طرق الرواية والاجازة.

وعلى الجملة لا يصحّ رد الكتاب بهذه الوجوه الموهونة.

النظرية الثانية

الظاهر من العلاّمة في الخلاصة ثبوت نسبة الكتاب الى ابن الغضائري ثبوتاً قطعياً ، ولأجل ذلك توقّف في كثير من الرواة لأجل تضعيف ابن الغضائري ، وإنما خالف في موارد ، لتوثيق النجاشي والشيخ ، وترجيح توثيقهما على جرحه.

النظرية الثالثة

إن هذا الكتاب وإن اشتهر من عصر المجلسي بأنه لا عبرة به ، لأنه يتسرع إلى جرح الأجلة ، الا أنه كلام قشري وأنه لم ير مثله في دقّة النّظر ، ويكفيه اعتماد مثل النجاشي الذي هو أضبط أهل الرجال عليه ، وقد عرفت من الشيخ انه أول من ألف فهرساً كاملاً في مصنَّفات الشيعة واُصولهم ، والرجل نقّاد هذا العلم ، ولم يكن متسرّعاً في الجرح بل كان متأملاً متثبّتاً في التضعيف ، قد قوّى من ضعفه القميون جميعاً كأحمد بن الحسين بن سعيد ، والحسين بن آذويه وزيد الزرّاد وزيد النرسي ومحمد بن أورمة بأنه رأى كتبهم ، وأحاديثهم صحيحة.

نعم إن المتأخرين شهّروا بابن الغضائري بأنه يتسرَّع إلى الجرح فلا عبرة بطعونه ، مع أن الذي وجدناه بالسبر في الذين وقفنا على كتبهم ممَّن طعن

__________________

1 ـ معجم رجال الحديث : 1 / 114 من المقدمة ( طبعة النجف ) ، والصفحة 102 طبعة لبنان.

٩٢

فيهم ، ككتاب الاستغاثة لعليّ بن أحمد الكوفي ، وكتاب تفسير محمد بن القاسم الاسترآبادي ، وكتاب الحسين بن عباس ابن الجريش أن الامر كما ذكر(1) .

ولا يخفى أن تلك النظرية في جانب الافراط ، ولو كان الكتاب بتلك المنزلة لماذا لم يستند اليه النجاشي في عامة الموارد ، بل لم يستند اليه إلا في بضعة وعشرين مورداً؟ مع أنه ضعّف كثيرا من المشايخ التي وثاقتهم عندنا كالشمس في رائعة النهار.

إنّ عدم العبرة بطعونه ليس لاجل تسرّعه إلى الجرح وأنه كان جرّاحاً للرواة خارجاً عن الحدّ المتعارف ، بل لأجل أنه لم يستند في جرحه بل وتعديله إلى الطرق الحسية ، بل استند إلى استنباطات واجتهادات شخصية كما سيوافيك بيانه في النظرية الرابعة.

النظرية الرابعة

إنَّ كتاب الضعفاء هو لابن الغضائري ، غير أن تضعيفه وجرحه للرواة والمشايخ لم يكن مستنداً إلى الشهادة والسماع ، بل كان اجتهاداً منه عند النظر إلى روايات الافراد ، فان رآها مشتملة على الغلوّ والارتفاع حسب نظره ، وصفه بالضعف ووضع الحديث ، وقد عرفت أنه صحَّح روايات عدَّة من القمّيين بأنه رأى كتبهم ، وأحاديثهم صحيحة ( أي بملاحظة مطابقتها لمعتقده ).

ويرشد إلى ذلك ما ذكره المحقّق الوحيد البهبهائي في بعض المقامات حيث قال : « اعلم أن الظاهر أن كثيراً من القدماء سيَّما القمّيين منهم والغضائري كانوا يعتقدون للائمةعليهم‌السلام منزلة خاصة من الرفعة والجلالة ، ومرتبة معينة من العصمة والكمال بحسب اجتهادهم ورأيهم ، وما

__________________

1 ـ قاموس الرجال : 1 / 41 ـ 51.

٩٣

كانوا يجوزون التعدّي عنها ، وكانوا يعدّون التعدي ارتفاعا وغلوّاً حسب معتقدهم ، حتى انهم جعلوا مثل نفي السهو عنهم غلوّاً ، بل ربما جعلوا مطلق التفويض اليهم أو التفويض الذي اختلف فيه ـ كما سنذكر ـ او المبالغة في معجزاتهم ونقل العجائب من خوارق العادات عنهم ، أو الاغراق في شأنهم وإجلالهم وتنزيههم عن كثير من النقائص ، واظهار كثير قدرة لهم ، وذكر علمهم بمكنونات السماء والارض ( جعلوا كل ذلك ) ارتفاعاً او مورثاً للتّهمة به ، سيَّما بجهة أن الغلاة كانوا مختفين في الشيعة مخلوطين بهم مدلِّسين.

وبالجملة ، الظاهر أن القدماء كانوا مختلفين في المسائل الاصولية أيضاً فربما كان شيء عند بعضهم فاسداً او كفراً أو غلوّاً أو تفويضاً او جبراً او تشبيهاً أو غير ذلك ، وكان عند آخر ممّا يجب اعتقاده ، أو لا هذا ولا ذاك. وربما كان منشأ جرحهم بالأمور المذكورة وجدان الرواية الظاهرة فيها منهم ـ كما أشرنا آنفاً ـ او ادّعاء أرباب المذاهب كونه منهم او روايتهم عنه وربّما كان المنشأ روايتهم المناكير عنه ، إلى غير ذلك ، فعلى هذا ربَّما يحصل التأمل في جرحهم بأمثال الامور المذكورة إلى أن قال :

ثمَّ اعلم أنه ( أحمد بن محمد بن عيسى ) والغضائري ربما ينسبان الراوي إلى الكذب ووضع الحديث أيضاً بعد ما نسباه إلى الغلوّ وكأنه لروايته ما يدل عليه »(1) .

اجابة المحقق التستري عن هذه النظرية

إن المحقّق التستري أجاب عن هذه النظرية بقوله : « كثيراً ما يردّ المتأخرون طعن القدماء في رجل بالغلوّ ، بأنهم رموه به لنقله معجزاتهم وهو غير صحيح ، فان كونهمعليهم‌السلام ذوي معجزات من ضروريات مذهب

__________________

1 ـ الفوائد الرجالية للوحيد البهبهاني : 38 ـ 39 المطبوعة في آخر رجال الخاقاني ، والصفحة 8 من المطبوعة في مقدمة منهج المقال.

٩٤

الامامية ، وهل معجزاتهم وصلت إلينا الا بنقلهم؟ وإنما مرادهم بالغلوّ ترك العبادة اعتماداً على ولايتهمعليهم‌السلام . فروى أحمد بن الحسين الغضائري ، عن الحسن بن محمد بن بندار القمّي ، قال : سمعت مشايخي يقولون : إنَّ محمد بن أورمة لما طعن عليه بالغلوّ بعث اليه الأشاعرة ليقتلوه ، فوجدوه يصلّي الليل من أوله الى آخره ، ليالي عدَّة فتوقَّفوا عن اعتقادهم.

وعن فلاح السّائل(1) لعلي بن طاووس عن الحسين بن أحمد المالكي قال : قلت لأحمد بن مليك الكرخّي(2) عمّا يقال في محمد بن سنان من أمر الغلوّ ، فقال : معاذ الله ، وهو والله علَّمني الطهور.

وعنون الكشّي(3) جمعاً ، منهم علي بن عبدالله بن مروان وقال إنَّه سأل العيّاشي عنهم فقال : وأما علي بن عبد الله بن مروان فان القوم ( يعني الغلاة ) تمتحن في أوقات الصلوات ولم أحضره وقت صلاة. وعنون الكشي(4) أيضاً الغلاة في وقت الإمام الهاديعليه‌السلام وروى عن أحمد بن محمد بن عيسى انه كتب اليهعليه‌السلام في قوم يتكلَّمون ويقرؤون أحاديث ينسبونها

__________________

1 ـ فلاح السائل : 13 وفيه أحمد بن هليل الكرخي.

2 ـ كذا وفي رجال السيد بحر العلوم « أحمد بن هليك » وفي تنقيح المقال « أحمد بن مليك » والظاهر وقوع تصحيف فيه ، والصحيح هو أحمد بن هلال الكرخي العبرتائي ، للشواهد التالية :

الاول : كون الحسين بن أحمد المالكي في سند الخبر الذي هو راو عن أحمد بن هلال الكرخي ( راجع روضة الكافي : الحديث 371 ).

الثاني : كون محمد بن سنان فيه ، الذي يروي عنه أحمد بن هلال الكرخي ( راجع أيضاً روضة الكافي : الحديث 371 ).

الثالث : ان أبا علي بن همام ينقل بعض القضايا المرتبطة بأحمد بن هلال الكرخي كما في غيبة الشيخ ( الصفحة 245 ) وهو أيضاً يذكر تاريخ وفاة أحمد هذا كما نقل عنه السيد بن طاووس. اضف إلى ذلك أنا لم نعثر على ترجمة لاحمد بن هليل ، او هليك او مليك في كتب الرجال المعروفة.

3 ـ رجال الكشي : 530.

4 ـ رجال الكشي : 516 ـ 517.

٩٥

اليك والى آبائك ـ إلى أن قال : ومن أقاويلهم أنهم يقولون : ان قوله تعالى( إنَّ الصَّلوة تنهى عن الفحشاء والمنكر ) معناها رجل ، لا سجود ولا ركوع ، وكذلك الزكاة معناها ذلك الرجل لا عدد دراهم ولا إخراج مال ، واشياء من الفرائض والسنن والمعاصي تأوَّلوها وصيروها على هذا الحدّ الذي ذكرت »(1) .

أقول : ما ذكره ـ دام ظله ـ من أن الغلاة كانوا يمتحنون في أوقات الصلاة صحيح في الجملة ، ويدل عليه مضافا الى ما ذكره ، بعض الروايات. قال الصادقعليه‌السلام : احذروا على شبابكم الغلاة لا يفسدوهم ، فان الغلاة شرّ خلق الله إلى أن قال : إلينا يرجع الغالي فلا نقبله ، وبنا يلحق المقصّر فنقبله ، فقيل له : كيف ذلك يا ابن رسول اللَّه؟ قال : الغالي قد اعتاد ترك الصلاة والزَّكاة والصَّيام والحجِّ ، فلا يقدر على ترك عادته وعلى الرجوع إلى طاعة الله عزّ وجل أبداً وان المقصّر إذا عرف عمل وأطاع(2) .

وكتب بعض اصحابنا إلى أبي الحسن العسكريعليه‌السلام : أن علي بن حسكة يدَّعي أنه من أوليائك وأنك أنت الاول القديم وانه بابك ونبيك أمرته أن يدعو الى ذلك ويزعم أن الصلاة والزكاة والحج والصوم كل ذلك معرفتك ـ الى آخره(3) .

ونقل الكشي عن يحيى بن عبد الحميد الحمّاني ، في كتابه المؤلف في إثبات إمامة أمير المؤمنينعليه‌السلام عن الغلاة : أن معرفة الامام تكفي من الصوم والصلاة(4) .

__________________

1 ـ قاموس الرجال : 1 / 50 ـ 51.

2 ـ بحار الانوار : 25 / 265 ـ 266 ، الحديث 6 نقلا عن أمالي الطوسي ، طبعة النجف ، الصفحة 264.

3 ـ بحار الانوار : 25 / 316 ، الحديث 82 نقلا عن رجال الكشي : 518.

4 ـ بحار الانوار : 25 / 302 ، الحديث 67 نقلا عن رجال الكشي : 324.

٩٦

ومع هذا الاعتراف ان هذه الروايات لا تثبت ما رامه وهو أن الغلوّ كان له معنى واحد في جميع الأزمنة ، ولازمه ترك الفرائض ، وأن ذلك المعنى كان مقبولاً عند الكلّ من عصر الإمام الصادقعليه‌السلام الى عصر الغضائري اذ فيه :

أما أولاً : فانه يظهر عما نقله الكشي عن عثمان بن عيسى الكلابي أن محمد بن بشير احد رؤساء الغلاة في عصره ، وأتباعه كانوا يأخذون بعض الفرائض وينكرون البعض الآخر ، حيث زعموا أن الفرائض عليهم من الله تعالى إقامة الصلاة والخمس وصوم شهر رمضان ، وفي الوقت نفسه ، أنكروا الزكاة والحجّ وسائر الفرائض(1) . وعلى ذلك فما ذكره من امتحان الغلاة في أوقات الصلاة راجع إلى صنف خاص من الغلاة دون كلهم.

وثانياً : أن الظاهر من كلمات القدماء أنهم لم يتفقوا في معنى الغلوّ بشكل خاصّ على ما حكى شيخنا المفيد عن محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد أنه قال : أول درجة في الغلو ، نفي السهو عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والإمام ، ثمَّ قال الشيخ : فان صحت هذه الحكاية عنه فهو مقصر ، مع انه من علماء القميين ومشيختهم ، وقد وجدنا جماعة وردت الينا من قم يقصِّرون تقصيراً ظاهراً في الدين ، ينزلون الائمةعليهم‌السلام عن مراتبهم ، ويزعمون أنهم كانوا لا يعرفون كثيرا من الاحكام الدينية ، حتى ينكت في قلوبهم ، ورأينا من يقول إنهم كانوا يلجأون في حكم الشريعة إلى الرّأي والظّنون ويدَّعون مع ذلك أنهم من العلماء(2) .

فاذا كانت المشايخ من القمّيين وغيرهم يعتقدون في حق الائمة ما نقله

__________________

1 ـ بحار الانوار : 25 / 309 ، الحديث 76 نقلا عن رجال الكشي : 478 ـ 479.

2 ـ بحار الانوار : 25 / 345 ـ 346 ، نقلاً عن تصحيح الاعتقاد ، باب معنى الغلو والتفويض : 65 ـ 66.

٩٧

الشيخ المفيد ، فانّهم إذا وجدوا رواية على خلاف معتقدهم وصفوها بحسب الطبع بالضعف وراويها بالجعل والدسّ.

قال العلاّمة المجلسيرحمه‌الله بعدما فسَّر الغلوّ في النبي والائمةعليهم‌السلام : « ولكن افرط بعض المتكلمين والمحدّثين في الغلوّ لقصورهم عن معرفة الأئمةعليهم‌السلام ، وعجزهم عن إدراك غرائب احوالهم وعجائب شؤونهم ، فقدحوا في كثير من الرواة الثقات لنقلهم بعض غرائب المعجزات حتى قال بعضهم : من الغلوّ نفي السهو عنهم ، أو القول بأنهم يعلمون ما كان وما يكون »(1) .

وعلى ذلك ، فليس من البعيد أن الغضائري ونظراءه الذين ينسبون كثيراً من الرواة إلى الضعف والجعل ، كانوا يعتقدون في حقّ النبي والائمةعليهم‌السلام عقيدة أولئك المشايخ ، فاذا وجدوا أن الرواية لا توافق معتقدهم اتَّهموه بالكذب ووضع الحديث.

والآفة كلّ الآفة هو أن يكون ملاك تصحيح الرواية عقيدة الشخص وسليقته الخاصة فان ذلك يوجب طرح كثير من الروايات الصحيحة واتهام كثير من المشايخ.

والظاهر أن الغضائري كان له مذاق خاصّ في تصحيح الروايات وتوثيق الرواة ، فقد جعل اتقان الروايات في المضمون ، حسب مذاقه ، دليلا على وثاقة الراوي ، ولأجل ذلك صحَّح روايات عدة من القمّيين ، ممَّن ضعفهم غيره ، لأجل أنه رأى كتبهم ، وأحاديثهم صحيحة.

كما أنه جعل ضعف الرواية في المضمون ، ومخالفته مع معتقده في ما يرجع إلى الائمة ، دليلا على ضعف الرواية ، وكون الراوي جاعلا للحديث ،

__________________

1 ـ بحار الانوار : 25 / 347.

٩٨

أو راوياً ممَّن يضع الحديث. والتوثيق والجرح المبنيان على اتقان المتن ، وموافقته مع العقيدة ، من أخطر الطرق إلى تشخيص صفات الراوي من الوثاقة والضعف.

ويشهد على ما ذكرنا أن الشيخ والنجاشي ضعَّفا محمد بن أورمة ، لانه مطعون عليه بالغلوّ وما تفرَّد به لم يجز العمل به(1) ولكن ابن الغضائري أبرأه عنه ، فنظر في كتبه ورواياته كلّها متأملاً فيها ، فوجدها نقيَّة لا فساد فيها ، إلا في أوراق اُلصقت على الكتاب ، فحمله على أنها موضوعة عليه.

وهذا يشهد أن مصدر قضائه هو التتبّع في كتب الراوي ، وتشخيص أفكاره وعقائده وأعماله من نفس الكتاب.

ثمَّ ان للمحقّق الشيخ أبي الهدى الكلباسي كلاماً حول هذا الكتاب يقرب مما ذكره المحقّق البهبهاني ، ونحن نأتي بملخّصه وهو لا يخلو من فائدة.

قال في سماء المقال : « إن دعوى التسارع غير بعيدة نظراً إلى أمور(2) :

الاول : إن الظاهر من كمال الاستقراء في أرجاء عبائره ، انه كان يرى نقل بعض غرائب الامور من الائمةعليهم‌السلام من الغلو على حسب مذاق القميين ، فكان إذا رأى من أحدهم ذكر شيء غير موافق لاعتقاده ، يجزم بأنه من الغلو ، فيعتقد بكذبه وافترائه ، فيحكم بضعفه وغلوه ، ولذا يكثر حكمه بهما ( بالضعف والكذب ) في غير محلهما.

ويظهر ذلك مما ذكره من أنه كان غالياً كذاباً كما في سليمان الديلمي ، وفي آخر من أنه ضعيف جدّاً لا يلتفت اليه ، أو في مذهبه غلوّ كما في

__________________

1 ـ رجال الشيخ : 512 برقم 112 ، الفهرس : « الطبعة الاولى » الصفحة 143 ، الرقم 610 ، وفي « الطبعة الثانية » : الصفحة 170 الرقم 621 ، ورجال النجاشي : الرقم 891.

2 ـ ذكررحمه‌الله أموراً واخترنا منها أمرين.

٩٩

عبد الرحمن بن أبي حمّاد ، فان الظاهر أن منشأ تضعيفه ما ذكره من غلوّه ، ومثله ما في خلف بن محمد من أنه كان غالياً ، في مذهبه ضعف لا يلتفت اليه ، وما في سهل بن زياد من أنه كان ضعيفاً جداً فاسد الرواية والمذهب ، وكان أحمد بن محمد بن عيسى أخرجه من قم. والظاهر أن منشأ جميعه ما حكاه النجاشي عن أحمد المذكور من أنه كان يشهد عليه بالغلوّ والكذب ، فأخرجه عنه(1) ، وما في حسن بن ميّاح من أنه ضعيف غال ، وفي صالح بن سهل : غال كذّاب وضّاع للحديث ، لا خير فيه ولا في سائر ما رواه » ، وفي صالح بن عقبة « غال كذّاب لا يلتفت اليه » ، وفي عبدالله بن بكر « مرتفع القول ضعيف » ، وفي عبدالله بن حكم « ضعيف مرتفع القول » ، ونحوه في عبدالله بن سالم وعبدالله بن بحر وعبدالله بن عبد الرحمان.

الثاني : إن الظاهر أنه كان غيورا في دينه ، حامياً عنه ، فكان إذا رأى مكروها اشتدَّت عنده بشاعته وكثرت لديه شناعته ، مكثراً على مقترفه من الطَّعن والتشنيع واللعن والتفظيع ، يشهد عليه سياق عبارته ، فأنت ترى أن غيره في مقام التضعيف يقتصر بما فيه بيان الضعف ، بخلافه فانه يرخي عنان القلم في الميدان باتّهامه بالخبث والتهالك واللعان ، فيضعّف مؤكداً واليك نماذج :

قال في المسمعي : « إنه ضعيف مرتفع القول ، له كتاب في الزيارات يدلّ على خبث عظيم ومذهب متهافت وكان من كذابة أهل البصرة ».

وقال حول كتاب عليّ بن العبّاس : « تصنيف يدلّ على خبثه وتهالك مذهبه لا يلتفت اليه ولا يعبأ بما رواه ».

وقال في جعفر بن مالك : « كذّاب متروك الحديث جملة ، وكان في مذهبه ارتفاع ، ويروي عن الضعفاء والمجاهيل ، وكلّ عيوب الضعفاء مجتمعة فيه ».

__________________

1 ـ رجال النجاشي : الرقم 490.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

٧ الحكمة ( ٢٦٨ ) و قالعليه‌السلام :

أَحْبِبْ حَبِيبَكَ هَوْناً مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ بَغِيضَكَ يَوْماً مَا وَ أَبْغِضْ بَغِيضَكَ هَوْناً مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ حَبِيبَكَ يَوْماً مَا أقول : كون هذا كلامهعليه‌السلام رواه أبو هلال العسكري أيضا في ( أمثاله ) جاعلا ذلك مثلا لهعليه‌السلام ١ ، لكن الخطيب في ( تاريخه ) في علي بن زكريا رواه عن أبي هريرة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ٢ ، و أمّا ( أمالي الشيخ ) فرواه فيما رواه عن أبي المفضل عنهعليه‌السلام عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، و رواه فيما رواه عن الغضائري عن زيد بن علي عن أبيه هكذا : قال : قال عليعليه‌السلام : لا يكن حبّك كلفا و لا يغضك تلفا ، أحبب حبيبك هونا ما و ابغض بغيضك هونا ما٣ .

رواه في ( مجلسه ) في ١٣ من شهر رمضان ، فيمكن أن يكون لفظ العنوان للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله و لفظ الأخير لهعليه‌السلام :

و عن الصادقعليه‌السلام : لا تطلع صديقك من سرّك إلاّ على ما لو اطلّع عليه عدوّك ما يضرّك ، فإنّ الصديق قد يكون عدوّا يوما ما٤ .

و في ( ديوان أبي الأسود ) : قال أبو الأسود لابنه و كان له صديق من باهلة يكثر زيارته و غشيانه :

أحبب اذا أحببت حبّا مقاربا

فانّك لا تدري متى أنت نازع

و ابغض اذا أبغضت غير مباعد

فانّك لا تدري متى أنت راجع

____________________

( ١ ) الأمثال ، لأبي هلال العسكري : ١٣٢ .

( ٢ ) التاريخ للخطيب ١١ : ٤٢٨ .

( ٣ ) الأمالي للشيخ : ٧٠٣ ح رقم ( ١٥٠٥ ) .

( ٤ ) بحار الأنوار ٧٤ : ١٧٧ ح ١٥ باب ١١ .

٤٢١

و كن معدنا للحلم و اصفح عن الخنى

فانّك راء ما حييت و سامع١

و قال النمر بن تولب :

و احببت حبيبك حبّا رويدا

فليس يعولك ان تصرما

و ابغض بغيضك بغضا رويدا

إذا أنت حاولت أن تحكما٢

أي : تصير حكيما و في ( صداقة التوحيدي ) : قيل لديوجانس : ما الذي ينبغي للرجل أن يتحفّظ منه ؟ قال : من حسد أصدقائه و مكر أعدائه٣ .

و في ( الأغاني ) : قال أبو عبيدة : ما زال بشّار يهجو حمّاد عجرد و لا يرفث في هجائه حتى قال حماد : من كان مثل أبيك يا أعمى أبوه فلا أبا له ، أنت ابن برد مثل برد في النذالة و الرذالة في أبيات ، فلما بلغت بشّارا أطرق طويلا ثم قال : جزى اللّه ابن نهبى خيرا .

فقيل له : علام تجزيه الخير ؟ فقال : و اللّه لقد كنت أردّ على شيطاني أشياء من هجائه إبقاء على المودة و لقد أطلق من لساني ما كان مقيّدا عنه و اهدفني عورة ممكنة منه ، فلم يزل بعد ذلك يذكر أم حمّاد في هجائه حتى ماتت٤ .

و في الطرائف :

احذر عدوّك مرة

و احذر صديقك ألف مرّة

فلربما انقلب الصديق

فكان أخبر بالمضرّة٥

و قيل :

تحذر من صديقك كلّ يوم

و بالأسرار لا تركن إليه

____________________

( ١ ) ديوان أبي الأسود الدؤلي : ١٣٨ ١٣٩ .

( ٢ ) الأغاني ٢٢ : ٢٨١ .

( ٣ ) الصداقة للتوحيدي : ٧٠ .

( ٤ ) الأغاني ١٤ : ٣٢٧ .

( ٥ ) الظرائف : ٧٨ ، و ذكره ابن ابي الحديد في شرح نهج البلاغة ١٦ : ٣٩ .

٤٢٢

سلمت من العدو فما دهاني

سوى من كان معتمدي عليه١

و في السير ان معاوية لما الحق زيادا به و ولاّه البصرة بعد ان كان و اليها من قبل أمير المؤمنينعليه‌السلام صعد المنبر و قال : قد رحلت عنكم و أنا أعرف صديقي من عدوّي ثم قدمت عليكم و قد صار العدوّ صديقا مناصحا و الصديق عدوّا مكاشحا ، فليشتمل كلّ امرى‏ء على ما في صدره و لا يكونن لسانه شفرة تجري على أوداجه ، و ليعلم أحدكم إذا خلا بنفسه انّي قد حملت سيفي بيدي فان أشهره لم أغمده ثم نزل .

٨ الحكمة ( ٢٩٥ ) أَصْدِقَاؤُكَ ثَلاَثَةٌ وَ أَعْدَاؤُكَ ثَلاَثَةٌ

فَأَصْدِقَاؤُكَ صَدِيقُكَ وَ صَدِيقُ صَدِيقِكَ وَ عَدُوُّ عَدُوِّكَ وَ أَعْدَاؤُكَ عَدُوُّكَ وَ عَدُوُّ صَدِيقِكَ وَ صَدِيقُ عَدُوِّكَ أقول : أمّا كون صديق الصديق صديقا فلأن مناسب المناسب مناسب ،

و أمّا كون عدوّ العدوّ صديقا فلأن ضد الضد مناسب ، و لذا كان الحجاج يعجبه المختار مع اختلاف مذهبهما في حبّ أهل البيتعليهم‌السلام و بغضهم ، و كان مصعب أمر بقطع كفّ المختار و دقها بمسمار على الجدار ، فأمر الحجاج بإنزالها و دفنها ، فكان المختار عدوّ عدوّ الحجاج ابن الزبير مع كونه من طائفته ثقيف .

قال البحتري :

و ان أحقّ الناس مني بخلّة

عدوّ عدوي أو صديق صديقي٢

____________________

( ١ ) الظرائف : ٧٨ .

( ٢ ) البحتري ٢ : ١٢٠ ، يهجو فيه أحمد بن طولون .

٤٢٣

و أمّا كون عدوّ الصديق عدوّا فلأن ضد المناسب غير مناسب ، و أما كون صديق العدوّ عدوّا فلأن مناسب الضدّ غير مناسب .

و في ( العقد الفريد ) : و فد دحية الكلبي على عليعليه‌السلام ، فما زال يذكر معاوية و يطريه في مجلسه ، فقال له عليعليه‌السلام :

صديق عدوّي داخل في عداوتي

و انّي لمن ودّ الصديق و دود

فلا تقربن مني و أنت صديقه

فانّ الذي بين القلوب بعيد١

و في هذا المعنى قول العتابي :

تود عدوي ثم تزعم أنّني

صديقك ان الرأي عنك لعازب٢

هذا ، و في ( الطبري ) : كان عبد الملك و مصعب و هما بالمدينة يتحدّثان إلى حبى ، فقيل لها : قتل مصعب فقالت : تعس قاتله قيل : قتله عبد الملك قالت بأبي القاتل و المقتول٣ .

٩ الحكمة ( ٣٠٨ ) و قالعليه‌السلام : مَوَدَّةُ اَلْآبَاءِ قَرَابَةٌ بَيْنَ اَلْأَبْنَاءِ

و عن الرضاعليه‌السلام : مودة عشرين سنة قرابة ، و العلم أجمع لأهله من الآباء٤ .

و في ( المروج ) : كان من قبل سابور ذي الأكتاف من الساسانية يسكن

____________________

( ١ ) العقد الفريد لابن عبد ربه ٢ : ٦٠٣ .

( ٢ ) هو كلثوم بن عمرو العتابي : لم نعثر على هذا البيت في ترجمته في معجم الادباء ٢٦ : ١٩ ، لكنه ذكر ابياتا من القصيدة .

( ٣ ) تاريخ الطبري ٥ : ١٠ .

( ٤ ) بحار الأنوار : ٧٤ : ١٧٥ ح ٨ الباب ١١ .

٤٢٤

بغربي المدائن ، و سكن سابور الجانب الشرقي منها و بنى هناك الأيوان المعروف بأيوان كسرى ، و قد كان أبرويز أتمّ مواضع من بناء هذا الأيوان .

و كان الرشيد نازلا على دجلة بالقرب من الأيوان ، فسمع بعض الخدم من وراء الستر يقول لآخر : هذا الذي بنى هذا الأيوان أراد أن يصعد عليه إلى السماء .

فأمر الرشيد أن يضرب مائة عصا ، و قال لمن حضره :

ان الملك نسبة ، و الملوك به اخوة ، و ان الغيرة بعثتي على أدبه لصيانة الملك و ما يلحق الملوك للملوك١ .

« و القرابة إلى المودة أحوج » هكذا في الطبعة ( المصرية )٢ و الصواب :

« و القرابة أحوج إلى المودة » كما في ( ابن أبي الحديد٣ و ابن ميثم و النسخة الخطّية ) .

« من المودة إلى القرابة » في ( أدب كاتب الصولي ) : قال ابراهيم بن العباس الصولي :

أميل مع الذمام على ابن عمي

و اقضي للصديق على الشقيق

و إما تلفني حرا مطاعا

فانّك واجدي عبد الصديق٤

و قال ابن أبي الحديد قيل لرجل : أخوك أحبّ إليك أم صديقك ؟ قال : انّما أحب أخي إذا كان صديقا٥ .

و في ( الأغاني ) عن العتابي :

____________________

( ١ ) المروج ١ : ٢٨٤ .

( ٢ ) الطبعة المصرية : ٧٣٠ الحكمة ( ٣١٠ ) .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ١٩ : ٢١٤ الحكمة ( ٣١٤ ) ، كذلك شرح ابن ميثم ٥ : ٣٩٧ الحكمة ( ٢٩٢ ) سقطت العبارة من النسخة الخطية المتوفرة عند المحقق .

( ٤ ) أدب الكتاب للصولي : ١٠٠ .

( ٥ ) شرح ابن أبي الحديد ١٩ : ٢١٤ .

٤٢٥

انّي بلوت الناس في حالاتهم

و خبرت ما و صلوا من الأسباب

فاذا القرابة لا تقرب قاطعا

و اذا المودة أقرب الأنساب١

١٠ الحكمة ( ٤١٥ ) و قالعليه‌السلام :

زُهْدُكَ فِي رَاغِبٍ فِيكَ نُقْصَانُ حَظٍّ وَ رَغْبَتُكَ فِي زَاهِدٍ فِيكَ ذُلُّ نَفْسٍ أقول : كان ابن الزبير راغبا في أهل الشام و كانوا زاهدين فيه ، فقال يوما : وددت ان لي بكلّ عشرة من أهل العراق رجلا من أهل الشام صرف الدينار بالدرهم فقال له أبو حاضر : مثلنا و مثلك كما قال الأعشى :

علقتها عرضا و علقت رجلا

غيري و علق اخرى غيرها الرجل٢

أحبك أهل العراق و أحببت أهل الشام ، و أحب أهل الشام عبد الملك .

و قال الشاعر :

كلانا يا معاذ يحبّ ليلى

بفي و فيك من ليلى التراب

شركتك في هوى من كان حظّي

و حظّك من تذكرها العذاب٣

أيضا :

ان البلية ان تحب

و لا يحبك من تحبه

و يصدّ عنك بوجهه

و تلح أنت فلا تعبه

و قال أبو العيناء كما في ( تاريخ بغداد ) :

لعمرك ما حق امرى‏ء لا يعد لي

على نفسه حقّا عليّ بواجب

____________________

( ١ ) الأغاني ١٣ : ١١٧ .

( ٢ ) ديوان الأعشى : ١٣١ .

( ٣ ) البيان و التبيين ١ : ٣٠١ .

٤٢٦

و ما أنا للنائي عليّ بوده

و صافي خلته بمقارب

و لكنّه ان مال يوما بجانب

من الصدّ و الهجران ملت بجانبي١

و قال له أحمد بن أبي دؤاد كما في ( المعجم ) ما أشد ما أصابك في ذهاب بصرك ؟ قال : ابتداء غيري بالسلام ، و كنت أحبّ أن أكون أنا المبتدى‏ء ،

و ان أحدّث من لا يقبل على حديثي و لا أراه و لو رأيته لا يقبل لما حدثته .

و كان دعبل كما فيه يتعجّب من قول ابراهيم الصولي :

ان أمرأ ضمن بمعروفه

عني لمبذول له عذري

ما أنا بالراغب في خيره

ان كان لا يرغب في شكري٢

و قال المثقب العبدي ، كما في ( الشعراء ) :

فاني لو تخالفني شمالي

بنصر لم تصاحبها يميني

إذن لقطعتها و قلت بيني

كذلك أجتوي من يجتويني٣

و لبعضهم :

و لو ان بعضي رابني لقطعته

و اني بقطع الرائبي لجدير

أيضا :

فلقد تدوم لذي الصفاء مودتي

و اذا لويت بتت ذا الليان

١١ الحكمة ( ٤٧٩ ) و قالعليه‌السلام :

شَرُّ اَلْإِخْوَانِ مَنْ تُكُلِّفَ لَهُ قال الرضي لأن التكليف مستلزم للمشقة

____________________

( ١ ) تاريخ بغداد ٣ : ١٧٧ .

( ٢ ) المعجم : ٢٨٩ ٢٩٠ .

( ٣ ) الشعر و الشعراء لابن قتيبة : ٢٥٠ ، مع وجود اختلاف ، دار الكتب العلمية .

٤٢٧

و هو شر لازم عن الأخ المتكلف له فهو شر الإخوان أقول : هكذا في ( المصرية ) ، و هو تخليط منها ، فان قوله « لأن التكليف . » كان حاشية خلطته بالمتن١ ، فان ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و النسخة الخطية ) لم تنقله٢ ، و لأنّه خارج عن موضوع كتابه ، فان كتابه انّما هو مجرّد نقل كلماتهعليه‌السلام لا شرح كما في مجازاته النبوية ، و انما قد يفسّر بعض غريب لغاته أو يصف بلاغة بعض فقراتهعليه‌السلام الزائدة مع ان أين مثل هذا الكلام المبتذل من كلمات الرضي و تعبيراته ، بل قوله « لأن التكليف » غلط لأنّه لم يرد تكليف بل تكلّف ، و اما قوله « قال الرضي » فزيد بعد الخلط توضيحا بزعمه .

هذا و الأصل في كلامهعليه‌السلام « شرّ الاخوان من تكلّف له » ان بعض أصحابهعليه‌السلام دعاه إلى أن يصير ضيفه ، فأجابه بشرط أن لا يتكلّف له .

قال ابن قتيبة في ( عيونه ) : دعا رجل عليّاعليه‌السلام : إلى طعام فقالعليه‌السلام :

نأتيك على أن لا تتكلّف ما ليس عندك و لا تدّخر عنّا ما عندك و كانعليه‌السلام يقول « شرّ الاخوان من تكلّف له »٣ .

و رواه التوحيدي في ( صداقته ) أيضا مرفوعا عنهعليه‌السلام لكن مع زيادة و هي « و خيرهم من أحدثت لك رؤيته ثقة به و أهدت إليك غيبته طمأنينة إليه »٤ .

و في ( الكافي ) : عن مرازم بن حكيم ان حارثا الأعور أتى أمير المؤمنينعليه‌السلام و قال : أحب أن تكرمني بأن تأكل عندي فقال له : على ألاّ تتكلّف

____________________

( ١ ) الطبعة المصرية : ٧٦٧ الحكمة ( ٤٦٣ ) .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٢٠ : ٢٤٩ الحكمة ( ٤٨٤ ) كذلك ابن ميثم ٥ : ٤٦٧ لا وجود للنص في النسخة الخطية المتوفرة لدى المحقق .

( ٣ ) العيون ، لابن قتيبة ٣ : ٢٣١ .

( ٤ ) الصداقة ، للتوحيدي : ٥٣ .

٤٢٨

لي شيئا و دخل فأتاه الحارث بكسر ، فجعل أمير المؤمنينعليه‌السلام يأكل ، فقال له الحارث : ان معي دراهم و أظهرها فاذا هي في كمه فان أذنت لي اشتريت لك شيئا غيرها فقالعليه‌السلام له : هذه ممّا في بيتك١ ، و رواه الكشي٢ .

و روى ( الكافي ) : عن صفوان بن يحيى قال : جاءني عبد اللّه بن سنان فقال : هل عندك شي‏ء ؟ قلت : نعم ، فبعثت ابني فأعطيته درهما يشتري به لحما و بيضا فقال لي : أين أرسلت ابنك ، فأخبرته فقال : ردّه عندك زيت قلت : نعم .

قال : هاته فانّي سمعت أبا عبد اللّهعليه‌السلام يقول « هلك امرؤ احتقر لأخيه ما يحضره و هلك امرؤ احتقر من أخيه ما قدم إليه »٣ .

و قال أبو الأسود في الحضين العنبري :

شنئت من الأصحاب من لست بارحا

ادامله دمل السقاء المخرق٤

و قال إسحاق الموصلي :

نعم الصديق صديق لا يكلّفني

ذبح الدجاج و لا شي الفراريج٥

و في ( العيون ) : سئل أقرى أهل اليمامة كيف ضبطتم القرى ؟ قال : بأنّا لا نتكلّف ما ليس عندنا٦ هذا ، و في ( الحلية ) : جاء فتح الموصلي إلى صديق له فلم يجده في المنزل ، فقال للخادم : اخرجي إليّ كيس أخي ، فأخرجته فأخذ منه درهمين

____________________

( ١ ) الكافي ٦ : ٢٧٦ ح ٤ .

( ٢ ) الكشي : ٨٩ رواه بشكل آخر .

( ٣ ) الكافي ٦ : ٢٧٦ ح ٣ .

( ٤ ) ديوان أبي الأسود الدؤلي : ١٣٠ ، ذكر البيت هكذا :

سئمت من الصحبان من لست زائلا

اواصله وصل السقاء المخرق

( ٥ ) عيون الأخبار ٣ : ٢٣٣ .

( ٦ ) عيون الأخبار ١ : ٢٣٤ .

٤٢٩

و جاء الصديق فأخبرته الجارية بمجي‏ء فتح و أخذه الدرهمين فقال : ان كنت صادقة فأنت حرّة فنظر فاذا هي صادقة ، فعتقت١ .

١٢ الحكمة ( ٤٨ ) و قالعليه‌السلام :

إِذَا اِحْتَشَمَ اَلْمُؤْمِنُ أَخَاهُ فَقَدْ فَارَقَهُ يقال حشمه و أحشمه إذا أغضبه و قيل أخجله أو احتشمه طلب ذلك له و هو مظنة مفارقته أقول : هو كسابقه ، قوله « يقال حشمه . » حاشية خلطت بالمتن لعدم وجوده في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و النسخة الخطّية )٢ و لخروجه من موضوع النهج كما عرفت في سابقه ، مع أن قوله « و احتشمه : طلب ذلك له » بلا معنى .

هذا ، و قال ابن الأعرابي : الحشمة الاستحياء و الغضب و قال الأصمعي :

الحشمة انّما هو بمعنى الغضب لا الاستحياء نقل ذلك عنهما الجوهري ،

و الصحيح ما قال الأول من مجي‏ء الحشمة بمعنى الاستحياء و الانقباض ايضا كما يدلّ عليه موارد استعماله في الأخبار و الأشعار٣ .

أما الأخبار ففي ( الكافي ) عن الصادقعليه‌السلام : المؤمن لا يحتشم من أخيه ،

و لا أدري أيّهما أعجب الذي يكلّف أخاه اذا دخل ان يتكلّف له أو المتكلّف لأخيه٤ .

____________________

( ١ ) الحلية ٨ : ٢٩٣ .

( ٢ ) شرح نهج البلاغة لبن ابي الحديد ٢٠ : ٢٥١ الحكمة ( ٤٨٥ ) ، ابن ميثم : شرح نهج البلاغة ٦ : ٤٦٨ ، أما النسخة الخطية فقد سقط النص منها .

( ٣ ) الصحاح للجوهري ٤ : ١٩٠٠ مادة ( حشم ) .

( ٤ ) الكافي ٦ : ٢٧٦ ح ٢ .

٤٣٠

و عن عنبسة بن مصعب : أتينا أبا عبد اللّهعليه‌السلام و هو يريد الخروج إلى مكّة ، فأمر بسفرة فوضعت بين أيدينا فقال : كلوا فأكلنا ، فقال : أبيتم أبيتم انّه كان يقال : اعتبر حبّ القوم بأكلهم فأكلنا و ذهبت الحشمة١ .

و عن عبد الرحمن بن الحجاج : أكلنا مع أبي عبد اللّهعليه‌السلام فأتينا بقصعة من أرز فجعلنا نعذر فقالعليه‌السلام : ما صنعتم شيئا ، ان أشدّكم حبّا لنا أحسنكم أكلا عندنا قال : فرفعت كشحة المائدة فقال : نعم الآن و أنشأ يحدّثنا ان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أهدي إليه قصعة أرز من ناحية الأنصار ، فدعا سلمان و المقداد و أبا ذر فجعلوا يعذرون في الأكل فقال : ما صنعتم شيئا أحسنكم حبّا لنا أحسنكم أكلا عندنا فجعلوا يأكلون أكلا جيّدا ثم قال أبو عبد اللّهعليه‌السلام : رحمهم اللّه و رضي عنهم و صلّى عليهم٢ .

و أما الأشعار فقال شاعر في ابن الزبير :

لعمرك ان قرص أبي خبيب

بطي‏ء النضج محشوم الأكيل٣

الأكيل : من يؤاكلك و قال الكميت :

و رأيت الشريف في أعين الناس

وضيعا و قل منه احتشامي٤

و يؤيد ذلك قول نفطويه :

ما استمتع الناس بشي‏ء كما

يستمتع الناس بحسم الحشم

و به صرّح ابن دريد ، قال في ( جمهرته ) : حشم الرجل أتباعه الذين يغضبون بغضبه إلى أن قال و ليس تعرف العرب الحشمة إلاّ الغضب أو

____________________

( ١ ) الكافي للكليني ٦ : ٢٧٩ ح ٥ .

( ٢ ) الكافي للكليني ٦ : ٢٧٨ ح ٢ .

( ٣ ) الصحاح للجوهري ٤ : ١٩٠٠ مادة ( حشم )

( ٤ ) المصدر نفسه ٤ : ١٩٠٠ مادة ( حشم ) .

٤٣١

الانقباض عن الشي‏ء١ .

هذا ، و في ( عيون ابن قتيبة ) : كتب رجل إلى صديق له : وجدت المودة منقطعة ما كانت الحشمة عليها متسلّطة ، و ليس يزيل سلطان الحشمة إلاّ المؤانسة و لا تقع المؤانسة إلاّ بالبر و الملاطفة٢ .

و في ( المعجم ) : عن الشرمقاني : كان أحمد بن أبي خالد الضرير مثريا ممسكا لا يكسر رأس رغيف له ، انّما يأكل عند من يختلف إليهم ، لكنّه كان أديب النفس عاقلا حضر يوما مجلس عبد اللّه بن طاهر فقدّم إليه طبق عليه قصب السكر و قد قشر و قطع كاللقم ، فأمره أن يتناول فقال : ان لهذا لفاظة ترتجع من الأفواه و أنا أكره ذلك في مجلس الأمير فقال له : تناول فليس بصاحبك من احتشمك و احتشمته اما انّه لو قسم عقلك على مائة رجل لصار كلّ رجل منهم عاقلا٣ .

و في ( أدب كاتب الصولي ) : قال هشام : قد مرّت لذّات الدّنيا كلّها على يدي و فعلي فما رأيت ألذّ من محادثة صديق ألقي التحفّظ بيني و بينه٤ .

١٣ الحكمة ( ٤٣٤ ) و قالعليه‌السلام :

اُخْبُرْ تَقْلِهِ قال الرضي : و من الناس من يروى هذا للرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، و ممّا يقوّي أنّه من كلام أمير المؤمنينعليه‌السلام ما حكاه ثعلب عن ابن الأعرابيّ قال

____________________

( ١ ) الجمهرة لابن دريد ١ : ٥٣٨ ٥٣٩ .

( ٢ ) العيون لابن قتيبة ٣ : ٤٣ .

( ٣ ) المعجم ٣ : ٢١ ٢٢ .

( ٤ ) أدب الكاتب : ٢٣٧ .

٤٣٢

المأمون : لو لا أن عليا قال « أخبر تقله » لقلت أقله تخبر أقول : ذكره أبو هلال العسكري في أمثاله و قال : لفظه الأمر و معناه الخبر يعني اذا اختبرتهم قليتهم١ و القلي : البغض قال تعالى : .إنّي لعملكم من القالين ٢ .

و قال زهير :

لعمرك و الامور مغيّرات

و في طول المعاشرة التقالي

لقد باليت مظعن ام أو فى

و لكن أم أو فى لا تبالي٣

و الهاء في « تقله » مثلها في قولهم « يا زيد امشه » ( لبيان الحركة ) و نظم المصنف معنى كلامهعليه‌السلام فقال :

من كشف الناس لم يسلم له أحد

و الناس داء فخل الداء مستورا٤

« اخبر تقله » قال سويد بن الصامت :

ألا رب من يدعى صديقا و لو ترى

مقالته بالغيب ساءك ما يفري

مقالته كالشحم ما دام شاهدا

و بالغيب مأثور على ثغرة النحر

و قال معن بن أوس :

و لقد بدا لي ان قلبك ذاهل

عني و قلبي لو بدا لك أذهل

كلّ يجامل و هو يخفي بغضه

ان الكريم على القلى يتجمّل

و قال أبو بكر الأرجاني قاضي تستر كما في ( كامل الجزري ) :

و لما بلوت الناس أطلب عندهم

أخا ثقة عند اعتراض الشدائد

تطلعت في حالي رخاء و شدّة

و ناديت في الأحياء هل من مساعد

____________________

( ١ ) الأمثال ، لأبي هلال العسكري : ٦٩ الديوان ( الخطوب ) .

( ٢ ) الشعراء : ١٦٨ .

( ٣ ) ديوان زهير : ٥٧ ، ورد لفظ « الامور » في الديوان بلفظ « الخطوب » .

( ٤ ) ديوان الشريف الرضي ١ : ٥٢٥ .

٤٣٣

فلم أر فيما ساءني غير شامت

و لم أر فيما سرّني غير حاسد١

و قال ابن الحريري كما في ( معجم الحموي ) :

لا تغترر ببني الزمان و لا تقل

عند الشدائد لي أخ و نديم

جربتهم فاذا المعاقر عاقر

و الآل آل و الحميم حميم٢

و قيل في الاختبار بسؤال المآل :

إذا شئت ان تلفى أخاك معبّسا

وجداه في الماضين كعب و حاتم

فكشفه عمّا في يديه فانّما

يكشف أخبار الرجال الدراهم

و قيل أيضا :

و لو اني جعلت أمير جيش

لما قاتلت إلاّ بالسؤال

فان الناس ينهزمون منه

و قد ثبتوا لأطراف العوالي

و قال ابن أبي الحديد : قال أبو العلاء :

جربت دهري و أهليه فما تركت

لي التجارب في ود امرى‏ء غرضا٣

و قال آخر :

و كنت أرى ان التجارب عدّة

فخانت ثقات الناس حتى التجارب٤

و قال آخر :

عتبت على سلم فلما فقدته

و جربت أقواما رجعت إلى سلم

ذممتك أوّلا حتى اذا ما

بلوت سواك عاد الذم حمدا

و لم أحمدك من خير و لكن

وجدت سواك شرّا منك جدا

فعدت إليك مضطرا ذليلا

لأني لم أجد من ذاك بدا

____________________

( ١ ) الكامل للجزري ١١ : ١٤٧ .

( ٢ ) المعجم ١٦ : ٢٧١ و هو القاسم بن علي بن محمّد الحريري .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٨١ .

( ٤ ) شرح النهج ١٩ : ٣٢٥ .

٤٣٤

كمجهود تحامى أكل ميت

فلما اضطر عاد إليه شدا١

و قال عبد اللّه بن معاوية بن عبد اللّه بن جعفر :

رأيت فضيلا كان شيئا ملففا

فأبرزه التمحيص حتى بداليا٢

قلت : نقل البيت الأخير من ( كامل المبرد )٣ ، و الصواب في المصراع الأول : « و ان حسينا كان شيئا ملففا » .

روى ( أغاني أبي الفرج ) عن الجوهري عن النوفلي عن ابراهيم بن يزيد الخشاب قال : كان عبد اللّه بن معاوية صديقا للحسين بن عبيد اللّه بن عبد اللّه بن العباس و كانا يرميان بالزندقة فقال الناس : انّما تصافيا على ذلك ثم دخل بينهما شي‏ء فتهاجرا ، فقال له عبد اللّه :

و ان حسينا كان شيئا ملففا

فمحصه التكشيف حتى بداليا

و عين الرضا عن كلّ عيب كليلة

و لكن عين السخط تبدي المساويا

و أنت أخي ما لم تكن لي حاجة

فان عرضت أيقنت ان لا أخاليا٤

و في ( مجالس ثعلب ) : يقال : ان بني فلان مثل بنات أوبر يظنّ ان فيهم خيرا فاذا خبروا لم يكن فيهم خير قال : و الواحد : ابن أوبر٥ .

« قال الرضي » هكذا في ( المصرية )٦ ، و ليس من النهج بدليل خلو النسخة الخطية عنه بل و ( ابن ميثم ) أيضا٧ .

____________________

( ١ ) شرح نهج البلاغة ٢٠ : ٨١ .

( ٢ ) شرح نهج البلاغة : ٢٠ : ٨١ .

( ٣ ) الكامل للمبرّد ١ : ١٨٣ .

( ٤ ) الأغاني لأبي الفرج ١٢ : ٢٣٣ .

( ٥ ) المجالس لثعلب : ٣٠٢ .

( ٦ ) الطبعة المصرية : ٧٥٨ الحكمة ( ٤٢٠ ) .

( ٧ ) الخطية : ٣٢٨ ، لا وجود للعبارة أمّا ابن ميثم ( شرح نهج البلاغة ) ٥ : ٤٥٢ فقد وردت العبارة .

٤٣٥

« و من الناس من يروي هذا للرسول » قلت : و منهم من يرويه لأبي الدرداء كابن قتيبة١ و الجوهري٢ ، قال الثاني : و اما قول أبي الدرداء « وجدت الناس أخبر تقلهم » فيريد انّك اذا أخبرتهم قليتهم و في ( أمثال العسكري ) :

و المثل لأبي الدرداء فيما زعم بعضهم ، و روي عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أيضا٣ .

و الصواب ما حقّقه المصنف ، فان المأمون كان أعرف و تكلّم أبي الدرداء بما نقل عنه ( الصحاح ) لا يدلّ على كونه الأصل في هذا ، فاذا ثبت عنهعليه‌السلام كان هو الأصل و يكون أبو الدرداء كالمتمثل بكلامهعليه‌السلام كما هو شأن المتمثلين بالأمثال .

و روى ( الروضة ) عن الصادقعليه‌السلام قال : خالط الناس تخبرهم ، و متى تخبرهم تقلهم٤ .

هذا ، و في ( ابن أبي الحديد )٥ بدل ما في ( المصرية )٦ للرسول :

« لرسول اللّه » كما ان في ( ابن ميثم ) « للنبي »٧ .

« و مما يقوّي انّه من كلام أمير المؤمنينعليه‌السلام ما حكاه ثعلب » هو أبو العباس أحمد بن يحيى ، قال في ( المعجم ) : و لد سنة مائتين و توفي سنة ( ٢٩١ ) و كان رأى أحد عشر خليفة أوّلهم المأمون و آخرهم المكتفي ، و كان سبب وفاته انّه انصرف من الجامع و بيده دفتر ينظر فيه و قد شغله عمّا سواه ، فصدمته دابة

____________________

( ١ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ٢ : ١ .

( ٢ ) الجوهري الصحاح ٢ : ٦٤٢ مادة ( خبر ) .

( ٣ ) الأمثال للعسكري : ٦٩ .

( ٤ ) الروضة للكافي ٨ : ١٧٦ ح ١٩٦ .

( ٥ ) شرح ابن أبي الحديد ٢٠ : ٨٠ الحكمة ( ٤٤٠ ) .

( ٦ ) الطبعة المصرية : ٧٥٨ الحكمة ( ٤٢٠ ) .

( ٧ ) في شرح ابن ميثم ٦ : ٤٥٢ ( للرسول ) .

٤٣٦

فسقط على رأسه في هوّة من الطريق أخذ ترابها فلم يقدر على القيام فحمل إلى منزله فمات .

قال ثعلب : حفظت كتب الفراء ولي ( ٢٥ ) سنة ، و لما أتقنت النحو أكببت على الشعر و المعاني و الغريب و لزمت ابن الاعرابي بضع عشرة سنة١ .

« عن ابن الاعرابي » هكذا في ( المصرية )٢ و لكن في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم ) قال : حدّثنا ابن الاعرابي و ابن الاعرابي هو محمد بن زياد ، قال ثعلب :

انتهى علم اللغة و الحفظ إليه ، و كان يزعم ان الأصمعي و أبا عبيدة لا يحسنان قليلا و لا كثيرا ، توفي في خلافة الواثق .

« قال المأمون » هكذا في ( المصرية )٣ و لكن في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و النسخة الخطية ) : « قال المأمون »٤ .

في ( الأغاني ) : كان ابراهيم بن المهدي شديد الانحراف عن عليّعليه‌السلام فحدث يوما للمأمون أنّه رأى عليّا في النوم فقال له : من أنت ؟ فأخبره أنّه علي بن أبي طالب فمشينا حتى جئنا قنطرة ، فذهب يتقدّمني لعبورها ، فأمسكته و قلت له : انّما أنت رجل تدّعي هذا الأمر بامرأة ، و نحن أحقّ به منك ، فما رأيت له في الجواب بلاغة كما يوصف عنه فقال له المأمون : و أي شي‏ء قال لك ؟

فقال : ما زادني على ان قال : « سلاما سلاما » فقال له المأمون : قد و اللّه أجابك أبلغ جواب قال : و كيف ؟ قال : عرفك انّك جاهل لا يجاوب مثلك ، قال تعالى

____________________

( ١ ) معجم الادباء ٥ : ١٠٤ ١٠٥ .

( ٢ ) الطبعة المصرية : ٧٥٨ الحكمة ( ٤٢٠ ) .

( ٣ ) الطبعة المصرية : ٧٥٨ الحكمة ( ٤٢٠ ) .

( ٤ ) ابن أبي الحديد ٢٠ : ٨٠ الحكمة ( ٤٤٠ ) ، نسخة ابن ميثم : ٥ ٤٥٢ « قال المأمون » أمّا في الخطية : ٣٢٨ فقد وردت عبارة « قال قال » .

٤٣٧

و اذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما ١ فخجل ابراهيم و قال : ليتني لم أحدّثك بهذا الحديث٢ .

و في ( المروج ) : كان المأمون يظهر التشيع و ابراهيم بن المهدي التسنن ، فقال المأمون :

إذا المرجي سرّك أن تراه

يموت لحينه من قبل موته

فجدّد عنده ذكرى عليّ

و صلّ على النبيّ و آل بيته

فقال ابراهيم :

إذا الشيعي جمجم في مقال

فسرّك أن يبوح بذات نفسه

فصلّ على النبيّ و صاحبيه

وزيريه و جاريه برمسه

و ذكروا ان المأمون أمر بإشخاص سليمان بن محمّد الخطابي من البصرة ، فلما مثل بين يديه قال له : أنت القائل : العراق عين الدّنيا ، و البصرة عين العراق و المربد عين البصرة ، و مسجدي عين المربد ، و أنا عين مسجدي .

و أنت أعور فاذن عين الدّنيا عوراء قال : لم أقل ذلك و ما أظن أحضرتني لذلك .

قال : بلغني أنّك أصبحت فوجدت على سارية من سواري مسجدك « رحم اللّه عليّا انّه كان تقيّا » مرت بمحوه قال : كان « لقد كان نبيّا » فأمرت بإزالته فقال له المأمون : كذبت كانت القاف أصح من عينك الصحيحة ، و اللّه لو لا ان أقيم لك سوقا عند العامة لأحسنت تأديبك٣ .

و في ( غيبة الشيخ ) : عن محمد بن عبد اللّه بن الأفطس قال : كنت عند المأمون فصرف ندماءه و احتبسني ، ثم أخرج جواريه و ضربن و تغنين ، فقال

____________________

( ١ ) الفرقان : ٦٣ .

( ٢ ) الأغاني ١٠ : ١٢٦ .

( ٣ ) المروج ٣ : ٤١٧ .

٤٣٨

لبعضهنّ : لما رثيت من بطوس قطنا فأنشأت تقول :

سقيا لطوس و من أضحى بها قطنا

من عترة المصطفى أبقى لنا حزنا

أعني أبا حسن المأمون ان له

حقّا على كلّ من أضحى بها شجنا

فجعل يبكي حتى أبكاني ، ثم قال : ويلك أيلمزني أهل بيتي و أهل بيتك ان أنصب أبا الحسن علما إلى أن قال قال و اللّه لأحدّثنّك بحديث عجيب فاكتمه :

لمّا حملت زاهرية ببدر أتيته فقلت له : جعلت فداك بلغني ان موسى بن جعفر و جعفر بن محمد و محمد بن علي و علي بن الحسين و الحسين بن عليعليهم‌السلام كانوا يزجرون الطير و لا يخطئون ، و أنت وصيّ القوم و عندك علم ما كان عندهم و زاهرية حظيتي و قد حملت غير مرّة كلّ ذلك تسقط فقالعليه‌السلام : لا تخش من سقطها فستسلم و تلد غلاما صحيحا أشبه الناس بأمّه قد زاد اللّه في يده اليمنى خنصرا و في رجله اليمنى خنصرا إلى أن قال فما شعرت إلاّ بالقيّمة و قد أتتني بالغلام كما وصفه زائد اليد و الرجل كأنّه كوكب دريّ ،

فأردت أن أخرج من الأمر يومئذ و أسلّم ما في يدي إليه ، فلم تطاوعني نفسي لكن دفعت إليه الخاتم فقلت : دبر الأمر فليس عليك مني خلاف١ .

و في ( العقد ) : قال الجاحظ : قال سهل بن هارون : لقد كانت البرامكة مع تهذيب أخلاقهم و كريم أعراقهم و سعة آفاقهم و رونق سياقهم و معسول مذاقهم و بهاء أشراقهم و نقاوة أعراضهم و تهذيب أغراضهم و اكتمال الخير فيهم في جنب محاسن المأمون كالنقطة في البحر و الخردلة في المهمة القفر٢ .

____________________

( ١ ) الغيبة للشيخ : ٧٤ .

( ٢ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ٥ : ٥٨ أورد عبارة « الرشيد » بدلا من المأمون و عبارة « المأمون » وردت في الإمامة و السياسة لابن قتيبة و في بعض الاصول .

٤٣٩

« لو لا أنّ عليّاعليه‌السلام قال : اخبر تقله لقلت أقله تخبر » قال ابن أبي الحديد ليس مراده بقوله « أقله » حقيقة القلى و البغض بل الهجر و القطيعة ، أي : قاطع أخاك محربا له هل يبقى على عهدك١ .

و من كلام عتبة بن أبي سفيان : طيروا الدّم في وجوه الشبّان ، فان حلموا و أحسنوا الجواب فهم هم و إلاّ فلا تطمعوا فيهم أي : اغضبوهم لأن الغضبان يحمر وجهه .

قلت : فعلى ما قاله يكون معنى « أقله » أخبره فيرجع إلى الأول ، فلم عكس فلا بد انّه أراد بقوله « أقله » القلى حقيقة ، و ذلك لأن من لم يكن قاليا لا يرى عيبا حتى يصير مختبرا ، فمر قول عبد اللّه بن معاوية :

و عين الرضا عن كلّ عيب كليلة

و لكن عين السخط تبدي المساويا

و عن مخارق : أنشدت المأمون قول أبي العتاهية :

و اني لمحتاج إلى ظلّ صاحب

يروق و يصفو ان كدرت عليه٢

فقال لي : أعد فأعدت سبع مرّات فقال : يا مخارق خذ مني الخلافة و اعطني هذا الصاحب .

هذا ، و في ( كامل المبرد ) : يروى ان بلال بن أبي بردة بن أبي موسى وفد على عمر بن عبد العزيز بخناصره فسدك بسارية من المسجد فجعل يصلّي إليها و يديم الصلاة ، فقال عمر للعلاء بن المغيرة : ان يكن سرّ هذا كعلانيته فهو رجل أهل العراق غير مدافع فقال العلاء : أنا آتيك بخبره فأتاه و هو يصلّي بين المغرب و العشاء ، فقال : اشفع صلاتك فان لي إليك حاجة ففعل ، فقال له العلاء : قد عرفت حالي من الخليفة ، فان أنا أشرت بك على ولاية العراق فما

____________________

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ٢٠ : ٨٠ الحكمة ( ٤٤٠ ) .

( ٢ ) ديوان أبي العتاهية : ٤٦٤ في الصديق الصادق .

٤٤٠

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617