بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٣

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة6%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 617

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤
  • البداية
  • السابق
  • 617 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 194101 / تحميل: 7308
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٣

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

تجعل لى ؟ قال عمالتي سنة و العمالة بالضم أجرة العامل و كان مبلغها عشرين ألف ألف درهم قال : فاكتب لي بذلك فأسرع إلى منزله و كتب له بذلك .

فأتى عمر بالكتاب ، فلما رآه كتب إلى و الي الكوفة : ان بلالا غرّنا باللّه فكدنا نغتر ، فسبكناه فوجدناه خبثا كلّه ، و لا تستعن على عملك بأحد من آل أبي موسى١ .

١٤ الحكمة ( ٣٩٣ ) و قالعليه‌السلام :

لاَ تَصْحَبِ اَلْمَائِقَ فَإِنَّهُ يُزَيِّنُ لَكَ فِعْلَهُ وَ يَوَدُّ أَنْ تَكُونَ مِثْلَهُ أقول : في ( الكافي ) عنهعليه‌السلام إذا صعد المنبر قال : ينبغي للمسلم ان يجتنب مواخاة الثلاثة : الماجن و الأحمق و الكذّاب ، فأما الماجن فيزيّن لك فعله و يحبّ أن تكون مثله و لا يعينك على أمر دينك و معادك ، و مدخله و مخرجه عليك عار ، و أمّا الأحمق فانّه لا يشير عليك بخير و لا يرجى لصرف السوء عنك ، و لو أجهد نفسه ، و ربما أراد منفعتك فضرّك ، فموته خير من حياته ،

و سكوته خير من نطقه ، و بعده خير من قربه ، و امّا الكذّاب فانّه لا يهنيك معه عيش ، ينقل إليك الحديث و ينقل حديثك حتى انّه يحدّث بالصدق فلا يصدّق و يغري بين الناس بالعداوة .٢ .

و في خبر آخر عنهعليه‌السلام : لا عليك أن تصحب ذا العقل و ان لم تحمد كرمه ، و لكن انتفع بعقله و احترس من سيئى أخلاقه ، و لا تدعن صحبة الكريم فان لم تنتفع بعقله ، و لكن انتفع بكرمه بعقلك و افرر الفرار كلّه

____________________

( ١ ) الكامل للمبرّد ١ : ٣٩٠ .

( ٢ ) الكافي ٢ : ٣٧٦ ح ٦ .

٤٤١

من اللئيم الأحمق١ .

هذا ، و نقل الكراجكي في ( كنزه ) عنهعليه‌السلام في الأصدقاء غير ما نقله المصنف فقرات منها : الناس اخوان ، فمن كانت اخوته في غير ذات اللّه فهي عداوة ، و ذلك قوله عز و جل :الأخلاء يومئذ بعضهم لبعضٍ عدوّ إلاّ المتّقين ٢ ، ابذل لصديقك كلّ المودة و لا تبذل له كلّ الطمأنينة ، و اعطه كلّ المواساة و لا تفض إليه بكلّ الأسرار ، توفي الحكمة حقّها و الصديق واجبه ،

احتمل زلّة وليّك لوقت و ثبة عدوّك ، من وعط أخاه سرّا فقد زانه و من وعظه علانية فقد شانه ، من كرم المرء بكاؤه على ما مضى من زمانه و حنينه إلى أوطانه و حفظه قديم اخوانه اذا كان للمخالطة موضعا لا تكثرن العتاب فانّه يورث الضغينة و يجر إلى البغيضة٣ .

و عن ( التحف ) عنهعليه‌السلام : ابذل لأخيك مالك و دمك ، و لعدوّك عدلك و إنصافك ، و للعامّة بشرك و احسانك ، تسلم على الناس و يسلموا عليك٤ .

هذا ، و قال عبد اللّه بن طاهر :

أميل مع الذمام على ابن عمي

و آخذ للصديق من الشفيق

و ان الفيتني ملكا مطاعا

فانّك واجدي عبد الصديق٥

____________________

( ١ ) الكافي ٢ : ٣٧٥ ح ٥ .

( ٢ ) الزخرف : ٦٧ .

( ٣ ) الكنز ، للكراجكي : ٩٣ ٩٤ .

( ٤ ) التحف : ٢١٢ .

( ٥ ) الأغاني ١٢ : ١١٠ .

٤٤٢

الفصل السابع و الاربعون في التعازي و التهاني

٤٤٣

١ الحكمة ( ٢٩١ ) و قالعليه‌السلام و قد عزّى الأشعث عن ابن له :

يَا ؟ أَشْعَثُ ؟ إِنْ تَحْزَنْ عَلَى اِبْنِكَ فَقَدِ اِسْتَحَقَّتْ مِنْكَ ذَلِكَ اَلرَّحِمُ وَ إِنْ تَصْبِرْ فَفِي اَللَّهِ مِنْ كُلِّ مُصِيبَةٍ خَلَفٌ يَا ؟ أَشْعَثُ ؟ إِنْ صَبَرْتَ جَرَى عَلَيْكَ اَلْقَدَرُ وَ أَنْتَ مَأْجُورٌ وَ إِنْ جَزِعْتَ جَرَى عَلَيْكَ اَلْقَدَرُ وَ أَنْتَ مَأْزُورٌ يَا ؟ أَشْعَثُ ؟ اِبْنُكَ سَرَّكَ وَ هُوَ بَلاَءٌ وَ فِتْنَةٌ وَ حَزَنَكَ وَ هُوَ ثَوَابٌ وَ رَحْمَةٌ أقول : قول المصنف : « و قد عزّى الأشعث عن ابن له » انّما روى الكليني١ و ابن أبي شعبة أنّهعليه‌السلام عزّاه عن أخ له بهذا الكلام بدون فقرة « سرك . » ، و بدون كلمة « على ابنك » ، ففي ( الكافي ) : علي بن محمد عن صالح بن أبي حمّاد رفعه قال : جاء أمير المؤمنينعليه‌السلام إلى الأشعث يعزّيه بأخ له يقال له عبد الرحمن ، فقال له : ان جزعت فحقّ الرحم أتيت ، و ان صبرت فحقّ اللّه

____________________

( ١ ) الكافي ٣ : ٢٦١ ح ٤٠ و التحف لابن أبي شعبة الحراني : ١٤٥ .

٤٤٤

أديت ، على انّك ان صبرت جرى عليك القضاء و أنت محمود و ان جزعت جرى عليك القضاء و أنت مذموم فقال له الأشعث : انّا للّه و إنّا إليه راجعون فقالعليه‌السلام له : أتدري ما تأويلها ؟ قال : لا ، أنت غاية العلم و منتهاه فقالعليه‌السلام : اما قولك١ « إنّا للّه » فإقرار منك بالملك ، و اما قولك « إنّا للّه و إنّا إليه راجعون » فإقرار منك بالهلك .

و مثله الثاني في ( تحفه )٢ ، و رواه المبرد في ( كامله ) من قوله « ان صبرت إلى و أنت مأزور »٣ .

و كيف كان ، فالتعزية مندوب إليها ، ففي الخبر : قال داودعليه‌السلام : إلهي ما جزاء من يعزّي الحزين و المصاب ابتغاء مرضاتك ؟ قال : أن أكسوه رداء من أردية الايمان أستره به من النار و أدخله به الجنّة٤ .

و في الخبر : قال موسىعليه‌السلام : يا ربّ ما لمن عزّى الثكلى ؟ قال : أظلّه في ظلّي يوم لا ظلّ إلاّ ظلّي٥ .

أيضا قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : من عزّى مصابا كان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجر المصاب شي‏ء٦ .

هذا ، و روى الخطيب في محمد بن بشر البغدادي ان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عزّى معاذ بن جبل و هو وال باليمن عن ابن له ، فكتب إليه : أعظم اللّه لك الأجر و ألهمك الصبر و رزقك الصبر عند البلاء و الشكر عند الرخاء ، أنفسنا و أموالنا

____________________

( ١ ) الكافي ٣ : ٢٦١ ح ٢٠ .

( ٢ ) التحف : ١٤٥ .

( ٣ ) الكامل للمبرّد ٣ : ١١٧٤ .

( ٤ ) بحار الأنوار ٨٣ : ٩٥ ح ٤٦ الباب ١٦ .

( ٥ ) بحار الأنوار ٨٢ : ١١٣ ، ح ٥٧ الباب ١٦ .

( ٦ ) الكافي ٣ : ٢٠٥ ح ٢ .

٤٤٥

و أهلونا من مواهب اللّه الهنيّة و عواريه المستودعة ، يمتّعنا بها إلى أجل معدود و يقضيها لوقت معلوم ، و حقّه علينا هناك اذا أبلانا الصبر ، فعليك بتقوى اللّه و حسن العزاء ، فان الحزن لا يردّ ميتا و لا يؤخّر أجلا ، و ان الأسف لا يرد ما هو نازل بالعباد١ .

« يا أشعث إن تحزن على ابنك فقد استحقت منك ذلك » هكذا في ( المصرية )٢ و الصواب : « ذلك منك » كما في ( ابن أبي الحديد٣ و ابن ميثم و النسخة الخطية ) .

« الرحم » لشاعر :

و سميته يحيى ليحيا و لم يكن

إلى رد أمر اللّه فيه سبيل

تيمنت فيه الفال حين رزقته

و لم أدر ان الفال فيه يفيل٤

في ( الجزري ) في وقائع سنة ( ٦١٢ ) : توفي ولد الخليفة و كان يلقّب الملك المعظّم و حزن عليه الخليفة حزنا لم يسمع بمثله حتى انّه أرسل إلى أطراف الأصحاب ينهاهم عن إنفاذ رسول إليه يعزّيه بولده ، و لم يقرأ كتابا و لا سمع رسالة و انقطع و خلا بهمومه و أحزانه ، و رؤي عليه من الحزن و الجزع ما لم يسمع بمثله ، و مشى جميع الناس بين يدي التابوت إلى تربة جدّته عند قبر معروف الكرخي ، و لما أدخل التابوت اغلقت الأبواب و سمع الصراخ العظيم من داخل التربة ، فقيل ان ذلك صوت الخليفة ، و اما العامة ببغداد فانّهم وجدوا عليه وجدا شديدا ، و دامت المناجاة عليه في أقطار بغداد ليلا و نهارا ، و لم يبق

____________________

( ١ ) الخطيب ٢ : ٨٩ .

( ٢ ) في الطبعة المصححة « ذلك منك » : ٧٢٧ الحكمة ( ٢٩٣ ) .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ١٩ : ١٩٢ ، وردت عبارة « منك ذلك » في شرح ابن ميثم ٥ : ٣٩١ ح ٢٧٥ أمّا النسخة الخطية فقد سقط النص منها .

( ٤ ) شرح ابن أبي الحديد ١٩ : ١٩٤ .

٤٤٦

ببغداد محلّة إلاّ و فيها النوح ، و لم تبق المرأة إلاّ و أظهرت الحزن١ .

و عن الزبير بن بكار : ان ابن الزبير خطب بعد قتل المصعب أخيه : أتانا من العراق خبر أحزننا و أفرحنا ، فأما الذي أحزننا فإن لفراق الحميم لذعة يجدها حميمه عند المصيبة٢ .

« و ان تصبر ففي اللّه » أي : في ثوابه « من كلّ مصيبة خلف » .

قال الجاحظ : كان عليّعليه‌السلام اذا عزّى قوما قال : ان تجزعوا فأهل ذلك الرحم ، و ان تصبروا ففي ثواب اللّه عوض من كلّ فائت ، و ان أعظم مصيبة أصيب بها المسلمون محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله .

و قال سهل بن هارون : التهنئة بآجل الثواب أولى من التعزية على عاجل المصيبة .

« يا أشعث ان صبرت جرى عليك القدر و أنت مأجور » .

خطوب المنايا صرحت عن مواهب

مواهب أجر من نتاج المصائب

روي ان داودعليه‌السلام مات له ولد فحزن عليه ، فأوحى إليه : ما كان يعدل هذا الولد عندك ؟ قال : مل‏ء الأرض ذهبا قال تعالى فلك عندي مل‏ء الأرض ثوابا٣ .

« و ان جزعت جرى عليك القضاء و أنت مأزور » ماضي مأزور « وزر » من باب علم و حسب و شرف ، و أصله موزور ، و انّما قيل مأزور في قبال مأجور و لو أفرد عنه يقال موزور .

____________________

( ١ ) الكامل للجزري ١٢ : ٣٠٨ .

( ٢ ) الموفقيات : ٥٤٠ .

( ٣ ) بحار الأنوار ٨٢ : ١٢١ ح ١٤ ب ١٧ .

٤٤٧

و في ( المعجم ) : عن الصولي قال : لما مات غلام أبي الجهم من عمّال ابن الزيّات خاطب ملك الموت و قال :

و قد ملأوا الأرض عرضا و طولا

و أقبلت تسعى إلى واحدي ضرارا

كأنّي قتلت الرسولا

فسوف ادين بترك الصلاة

و اصطبح الخمر صرفا شمولا١

و قالوا : كان رجل من عاد مسمّى بحمار ، فمات أولاد له بصاعقة فكفر كفرا عظيما ، فلا يمرّ بأرضه أحد إلاّ دعاه إلى الكفر ، فان أجابه و إلاّ قتله ، و به يضرب المثل في قولهم « أكفر من حمار » .

و قيل : المصيبة واحدة إن صبرت ، و إلاّ فمصيبتان ، و المصيبة بالأجر أعظم من المعصية بالاخر .

ان يكن ما أصبت به جليلا

فذهاب العزاء فيه أجلّ

كل آت لا شك آت و ذو ال

جهل معنى و الهم و الحزن فضل

و لما مات ابنا الفرزدق قال :

فما ابناك إلاّ من بني الناس فاصبري

فلن يرجع الموتى حنين المآتم

و في ( الجزري ) : مات ابن للسلطان ملك شاه في سنة ( ٤٧٤ ) فجزع عليه جزعا شديدا و حزن عليه حزنا عظيما و منع من أخذه و غسله حتى تغيّرت رائحته و أراد قتل نفسه مرّات٢ .

« يا أشعث ابنك » هكذا في ( المصرية )٣ و لكن كلمة « ابنك » زائدة قطعا لعدم وجودها في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية ) ، و أما « يا أشعث » فإنّما

____________________

( ١ ) المعجم ١ : ١٦٩ .

( ٢ ) الكامل في التاريخ لبن الاثير ١٠ : ١٢٢ .

( ٣ ) الطبعة المصححة لا وجود لها : ٧٢٧ .

٤٤٨

هي في الأول١ .

« سرّك و هو بلاء و فتنة »إنّما أموالكم و أولادكم فتنة .٢ .

« و حزنك و هو ثواب و رحمة » عزّى رجل الهادي بن المهدي العباسي عن ابن له فقال :

كان لك من زينة الحياة الدّنيا

و هو اليوم من الباقيات الصالحات

و قال الطائي :

عليك بثوب الصبر إذ فيه ملبس

فإن ابنك المحمود بعد ابنك الصبر

و في ( الطبري ) : قدم المهدي البصرة فمر في سكة قريش و كانوا يتشأمون بها و صاحب شرطته أمامه و ابنته البانوقة بينه و بين صاحب الشرطة في هيئة الفتيان عليها قباء أسود و منطقة و شاشة متقلّدة السيف و كان ثدياها قد رفعا القباء ، ثم ماتت ببغداد فأظهر عليها المهدي جزعا لم يسمع بمثله ، فجلس للناس يعزونه ، فأكثر الناس و أجمعوا على أنّهم لم يسمعوا تعزية أو جز و أبلغ من تعزية شبيب ابن شيبة ، فقال له : اللّه خير لها منك ، و ثواب اللّه خير لك منها ، و أنا أسأل ألا يحزنك و لا يفتنك٣ .

و روى ( الاستيعاب ) عن ابراهيم بن الأشتر عن أبيه عن أم ذر زوجة أبي ذر قالت : بكيت فقال أبو ذر : ما يبكيك ؟ فقلت : ما لي لا أبكي و أنت تموت بفلاة إلى أن قال فقال : فابشري و لا تبكي ، فانّي سمعت النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : لا يموت بين امرئين مسلمين ولدان أو ثلاثة فيصبران و يحتسبان فيريان النار أبدا ،

و قد مات لنا ثلاثة من الولد .٤ .

____________________

( ١ ) شرح نهج البلغة لابن ميثم ٥ : ٣٩١ ح ٧٥ .

( ٢ ) التغابن : ١٥ .

( ٣ ) تاريخ الطبري ٦ : ١٦٩ .

( ٤ ) الاستيعاب ١ : ٢٥٣ ٢٥٤ .

٤٤٩

و في ( كامل المبرد ) : قالت الخنساء ترثي أخاها معاوية بن عمرو من أبيها و أمّها :

أريقي من دموعك و استفيقي

و صبرا ان أطقت و لن تطيقي

إلى أن قالت :

فلا و اللّه لا تسلاك نفسي

لفاحشة أتيت و لا عقوق

و لكنّي رأيت الصبر خيرا

من النعلين و الرأس الحليق

و قال في معنى البيت الأخير : ان المرأة اذا كانت أصيبت بحميم جعلت في يديها نعلين تصفق بهما صدرها و وجهها١ .

و نظرت أعرابية إلى امرأة حولها عشرة من بنيها كأنّهم الصقور ،

فقالت : لقد ولدت لكم حزنا طويلا .

و قيل لاعرابية مات ابنها : ما أحسن عزاءك فقالت : ان فقدي إيّاه آمنني من المصيبة بعده٢ .

هذا ، و قيل لأعرابي : كيف حزنك اليوم على ولدك ؟ فقال : ما ترك حب الغداء و العشاء لي حزنا .

٢ الحكمة ( ٤١٣ ) و قالعليه‌السلام :

مَنْ صَبَرَ صَبْرَ اَلْأَحْرَارِ وَ إِلاَّ سَلاَ سُلُوَّ اَلْأَغْمَارِ وَ فِي خَبَرٍ آخَرَ أَنَّهُ ع قَالَ ؟ لِلْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ ؟ مُعَزِّياً إِنْ صَبَرْتَ صَبْرَ اَلْأَكَارِمِ وَ إِلاَّ سَلَوْتَ سُلُوَّ اَلْبَهَائِمِ

____________________

( ١ ) الكامل للمبرّد ٣ : ١٢١٧ .

( ٢ ) نهاية الارب ٥ : ١٦٤ .

٤٥٠

« من صبر صبر الأحرار و إلاّ سلا سلّو الأغمار » .

الأصل في سلا « سلا سلوا » مثل قعد قعودا ، و أما « سلى سليا » فلغة قال أبو زيد : السلو : طيب نفس الألف عن ألفه ، كما أنّ الأصل في الغمر الصبي الذي لا عقل له ، و يقال لكلّ من لا خير فيه و لا غناء عنده .

و في ( المروج ) : اعتلّت حبابة مغنية يزيد بن عبد الملك و كانت ذات يوم غنّته فطرب طربا ثم قال : أريد أن أطير .

فقالت : فعلى من تدع الامة ؟ قال : إليك و أقام أياما لا يظهر للناس ، ثمّ ماتت فأقام أياما لا يدفنها جزعا عليها حتى جيفت ، فقيل : ان الناس يتحدّثون بجزعك و ان الخلافة تجلّ عن ذلك ، فدفنها و أقام على قبرها فقال :

فان تسل عنك النفس أو تدع الهوى

فباليأس تسلو النفس لا بالتجلّد

و قالوا أيضا : لمّا توفيت أكبّ عليها يتشممها أياما حتى أنتنت إلى أن قال و طعن في جنازتها فدفنوه إلى سبعة عشر يوما١ .

« و في خبر آخر أنّه قال للأشعث بن قيس معزّيا : إن صبرت صبر الأكارم و إلاّ سلوت سلوّ البهائم »٢ .

قال ابن أبي الحديد : حكاه أبو تمام فقال :

و قال علي في التعازي لأشعث

و خاف عليه بعض تلك المآثم

أتصبر للبلوى عزاء و حسبة

فتوجر أم تسلو سلو البهائم٣

قلت : و قد أخذه آخر فقال :

إذا أنت لم تسل اصطبارا و حسبة

سلوت على الأيام مثل البهائم

____________________

( ١ ) المروج ٣ : ١٩٨ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٢٠ : ٥٠ .

( ٣ ) المصدر نفسه ٢٠ : ٥٠ .

٤٥١

و في خبر آخر رواه المبرّد في ( كامله ) : كان عليعليه‌السلام يقول عند التعزية :

« عليكم بالصبر فإنّ به يأخذ الحازم و إليه يعود الجازع »١ و في خبر آخر رواه ابن أبي شعبة في ( تحفه ) أنّهعليه‌السلام عزّى ابن عباس عن مولود صغير له مات فقال : لمصيبة في غيرك لك أجرها أحبّ إليّ من مصيبة فيك لغيرك ثوابها ،

فكان لك الأجر لا بك و حسن لك العزاء لا عنك و عوّضك اللّه عنه مثل الذي عوّضه منك٢ .

و في ( تنبيه القالي ) عن حذيفة : ما خلق اللّه تعالى شيئا إلاّ صغيرا ثم يكبر إلاّ المصيبة فانّه خلقها كبيرة ثم تصغر٣ .

و في ( الأغاني ) : كثر بكاء غيلان بن سلمة الثقفي على ابنه نافع لما قتل مع خالد بن الوليد بدومة الجندل ، فعوتب في ذلك فقال : و اللّه لا تسمح عيني بمائها فأضنّ به على نافع ، فلما تطاول العهد انقطع ذلك فقال : بلى نافع و بلى الجزع و فنيت الدموع و اللحاق به قريب٤ .

هذا ، و في ( كامل المبرد ) : قال ابن عياش : نزلت بي مصيبة أو جعتني فذكرت قول ذي الرمة :

لعل انحدار الدمع يعقب راحة

من الوجد أو يشفي نجي البلابل

فخلوت فبكيت فسلوت٥ .

____________________

( ١ ) الكامل لأبي العباس المبرد ٣ : ١١٧٤ .

( ٢ ) تحف العقول لأبي شعبة : ١٤٥ .

( ٣ ) ذكره في النوادر و ليس في التنبيه : ١٩٦ .

( ٤ ) الأغاني ١٣ : ٢٠٨ .

( ٥ ) الكامل في الأدب ١ : ٨٠ .

٤٥٢

٣ الحكمة ( ٤٤٨ ) و قالعليه‌السلام :

مَنْ عَظَّمَ صِغَارَ اَلْمَصَائِبِ اِبْتَلاَهُ اَللَّهُ بِكِبَارِهَا أقول : في ( كامل المبرد ) : قال علي بن الحسينعليه‌السلام حين مات ابنه فلم ير منه جزع ، فسئل عن ذلك فقال : أمر كنّا نتوقعه فلما وقع لم ننكره١ .

و قيل : ان حارث بن عبد اللّه الباهلي كان له بنون سبعة حلب لهم في علبة فمج فيها أفعى فبعث بها إليهم فشربوها فماتوا جميعا ، و هلكت لجار له شاة فجعل يعلن بالبكاء عليها ، فقال قائل :

يا أيها الباكي على شاته

يبكي جهارا غير اسرار

ان الرزيئات و أمثالها

ما لقي الحارث في الدار٢

و قالوا : دخل كعب البقر الهاشمي على محمد بن عبد اللّه بن طاهر يعزّيه بأخيه فقال : أعظم اللّه مصيبة الأمير فقال : أما فيك فقد فعل٣ .

٤ الحكمة ( ١٨٩ ) و قالعليه‌السلام :

مَنْ لَمْ يُنْجِهِ اَلصَّبْرُ أَهْلَكَهُ اَلْجَزَعُ أقول : كما في يزيد بن عبد الملك في جاريته حبابة أهلكه الجزع لما لم يصبر فمات بعدها بأيام٤ .

____________________

( ١ ) الكامل للمبرّد ٣ : ١٢٠٤ .

( ٢ ) الكامل للمبرّد ٣ : ١٢٠٤ .

( ٣ ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١٨ : ١٦١ .

( ٤ ) مروج الذهب للمسعودي ٣ : ٢٠٩ .

٤٥٣

و روى ( الكافي ) عن الصادقعليه‌السلام قال : ان الصبر و البلاء يستبقان إلى المؤمن فيأتيه البلاء و هو صبور ، و ان الجزع و البلاء يستبقان إلى الكافر فيأتيه البلاء و هو جزوع١ .

و عنهعليه‌السلام قال : لا تعدّن مصيبة أعطيت عليها الصبر و استوجبت من اللّه تعالى عليها الثواب ، انّما المصيبة التي يحرم صاحبها أجرها و ثوابها اذا لم يصبر عند نزولها٢ .

هذا ، و في ( الحلية ) مات للشبلي ابن كان اسمه غالبا فجزت امه شعرها عليه ، و كان للشبلي لحية كبيرة فأمر بحلق الجميع ، فقيل له : يا استاذ ما حملك على هذا ؟ فقال : جزّت هذه شعرها على مفقود فكيف لا أحلق لحيتي أنا على موجود٣ .

قلت : و من العجب ، هذا أحد معروفي مشائخ الصوفية و هذه أعماله ، مع انّه نقل عن خير النساج قال : جاءنا الشبلي و هو سكران فنظرنا و لم يكلّمنا ،

فانهجم على الجنيد في بيته و هو جالس مع امرأته مكشوفة الرأس فهمّت أن تغطي رأسها فقال لها الجنيد : لا عليك ليس هو هناك قال فصفق على رأس الجنيد و أنشأ يقول :

« عودوني الوصال و الوصال عذب . »٤ .

و قال : قال رجل : نراك جسيما بدينا و المحبة تضمني فأنشأ :

أحب قلبي و ما درى بدني

و لو درى ما أقام في السمن٥

و نقل ان أبا بكر بن مجاهد قال له : أخبرت انّك تحرق الثياب و الخبز

____________________

( ١ ) الكافي ٣ : ٢٢٣ ح ٣ .

( ٢ ) الكافي ٣ : ٢٢٤ ح ٧ .

( ٣ ) الحلية ١٠ : ٣٧٠ .

( ٤ ) الحلية ١٠ : ٣٦٧ .

( ٥ ) الحليّة ١٠ : ٣٧١ .

٤٥٤

و الأطعمة و ما ينتفع به الناس من منافعهم و مصالحهم ، أين هذا من العلم و الشرع ؟ فقال له :قول اللّه فطفق مسحا بالسوق و الأعناق ١ أين هذا من العلم ؟ فسكت ابن مجاهد و قال : كأنّي لم أقرأها قط٢ .

قلت : و كفاهما خزيا استدلالا و اقتناعا .

٥ الحكمة ( ٣٥٧ ) وَ عَزَّى قَوْماً عَنْ مَيِّتٍ مَاتَ لَهُمْ فَقَالَ :

إِنَّ هَذَا اَلْأَمْرَ لَيْسَ لَكُمْ بَدَأَ وَ لاَ إِلَيْكُمُ اِنْتَهَى وَ قَدْ كَانَ صَاحِبُكُمْ هَذَا يُسَافِرُ فَعُدُّوهُ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ فَإِنْ قَدِمَ عَلَيْكُمْ وَ إِلاَّ قَدِمْتُمْ عَلَيْهِ « إنّ هذا الأمر » أي : الموت الذي نزل بصاحبهم .

« ليس لكم بدأ » هكذا في النسخ ، و لكن الظاهر ان الأصل « ليس بكم بدأ » .

« و لا إليكم انتهى » أخذ المعنى الفرزدق فقال لمّا مات ابناه مخاطبا لامرأته :

و قد رزى‏ء الأقوام قبلي بابنهم

و اخوانهم فاقني حياء الكرائم

و مات أبي و المنذران كلاهما

و عمرو بن كلثوم شهاب الأراقم

و قد كان مات الأقرعان و حاجب

و عمرو أبو عمرو و قيس بن عاصم

و قد مات بسطام بن قيس بن خالد

و مات أبو غسان شيخ اللهازم

و قد مات خيراهم فلم يهلكاهم

عشية بانا رهط كعب و حاتم

فما ابناك إلاّ من بني الناس فاصبري

فلن يرجع الموتى حنين المآتم٣

____________________

( ١ ) ص ٣٣ .

( ٢ ) الحلية ١٠ : ٣٧٤ .

( ٣ ) ديوان الفرزدق ٢ : ٢٠٦ .

٤٥٥

و عزّى رجل آخر فقال : و العجب كيف يعزّي ميت ميتا عن ميت .

و في ( عيون الصدوق ) : نعي إلى الصادقعليه‌السلام اسماعيل بن جعفر و هو أكبر أولاده و هو يريد أن يأكل و قد اجتمع ندماؤه فتبسّم ثم دعا بطعامه و قعد معهم و جعل يأكل أحسن من أكله سائر الأيام و يحثّهم على الأكل و يضع بين أيديهم و يعجبون منه ألا يرون للحزن أثرا ، فلما فرغوا قالوا : يابن رسول اللّه لقد رأينا عجبا ، أصبت بمثل هذا الابن و أنت كما ترى قال : و مالي لا أكون كما ترون و قد جاءني خبر أصدق الصادقين أنّي ميّت و إيّاكم ، ان قوما عرفوا الموت فجعلوه نصب أعينهم لم ينكروا من يخطفه الموت منهم و سلموا لأمر خالقهم عزّ و جل١ .

« و قد كان صاحبكم هذا يسافر فعدوه في بعض أسفاره » هكذا في ( المصرية )٢ و الصواب : « سفراته » كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية )٣ .

« فإن قدم عليكم و إلاّ فأنتم قدمتم عليه » أخذ كلامهعليه‌السلام هذا الحجاج ، فكتب إلى الوليد في جواب تعزيته له بأخيه محمّد : ما التقيت أنا و محمد منذ كذا و كذا سنة إلاّ عاما واحدا ، و ما غاب عنّي غيبة ، أنا لقرب اللقاء فيها أرجى من غيبته هذه في دار لا يفترق فيها .

و قال البحتري للذفافي في أخيه :

نودي كما أودي و نشرب كأسه

الملأى و نسلك نهجه المسلوكا٤

و قال أخو لبيد :

____________________

( ١ ) العيون للصدوق ٢ : ٢ ، و نقله المجلسي في بحار الأنوار ٤٧ : ١٨ ح ٧ .

( ٢ ) الطبعة المصرية المصححة : ٧٤٠ الحكمة ( ٣٥٧ ) .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ١٩ : ٢٧٤ .

( ٤ ) ديوان البحتري ٢ : ٩٠ .

٤٥٦

و انا و اخوان لنا قد تتابعوا

لكالمغتدي و الرائح و المتهجر

و في ( أمالي القالي ) : قال رجل من محارب يعزّي ابن عم له على ولده :

و ان أخاك الكاره الورد وارد

و انّك مرأى من أخيك و مسمع

و انّك لا تدري بأيّة بلدة

صداك و لا عن أي جنبيك تصرع

أتجزع ان نفس أتاها حمامها

فهلا التي عن بين جنبيك تدفع١

و قالوا : مات ابن لسليمان بن علي فجزع عليه جزعا شديدا حتى امتنع من الطعام و الشراب و جعل الناس يعزّونه فلا يحفل بذلك ، فدخل عليه يحيى بن منصور فقال : عليكم نزل كتاب اللّه فأنتم أعلم بفرائضه ، و منكم كان رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله فأنتم أعلم بسنّته ، و لست ممّن يعلم من جهل و لا يقوّم من عوج ، و لكن اعزّيك ببيت شعر قال : هاته قال :

و هون ما ألقى من الوجد أنّني

اساكنه في داره اليوم أو غد٢

قال : أعد فأعاد فقال : يا غلام الغداء .

و قال ابن أبي الحديد قال ابراهيم بن المهدي في ولد له :

يؤوب إلى أو طانه كلّ غائب

و أحمد في الغياب ليس يؤوب

تبدل دارا غير داري و جيرة

سواي و أحداث الزمان تنوب

أقام بها مستوطنا غير انّه

على طول أيام المقام غريب

و اني و ان قدّمت قبلي عالم

بأني و إن أبطأت عنك قريب

و ان صباحا نلتقي في مسائه

صباح إلى قلبي الغداة حبيب٣

و قال وضّاح اليمن في رثاء أبيه و أخيه لما أتاه نعيهما :

____________________

( ١ ) الأمالي للقالي : ١٠٥ ، ذيل الأمالي .

( ٢ ) البيان و التبيين للجاحظ ٣ : ٩٧ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ١٩ : ٢٧٤ .

٤٥٧

سأصبر للقضاء فكلّ حي

سيلقى سكرة الموت المذوق

فما الدّنيا بقائمة و فيها

من الأحياء ذو عين رموق

و للأحياء أيام تقضى

يلف ختامها سوقا بسوق

كذلك يبعثون و هم فرادى

ليوم فيه توفية الحقوق١

هذا و في ( كامل المبرّد ) : قال رجل من أصحابنا : شهدت رجلا في طريق مكّة معتكفا على قبر و هو يردّد شيئا و دموعه تكفّ من لحيته ، فدنوت لأسمع ما يقول ، فجعلت العبرة تحول بينه و بين الإبانة ، فقلت له : يا هذا فرفع رأسه إليّ و كأنّما هب من رقدة فقال : ما تشاء فقلت : أعلى أبيك تبكي ؟ قال : لا قلت .

فعلى ابنك ؟ قال : لا ، و لا على نسيب و لا صديق و لكن على من هو أخصّ منهم .

قلت : أو يكون أحد أخص ممّن ذكرت ؟ قال : نعم من أخبرك عنه ، ان هذا المدفون كان عدوّا لي من كلّ باب ، يسعى عليّ في نفسي و في مالي و في ولدي ، فخرج إلى الصيد أيأس ما كنت من عطبه و أكمل ما كان من صحته ، فرمى ظبيا فأفصده فذهب ليأخذه فإذا هو قد أنفذه حتى نجم سهمه من صفحة الظبي ، فعثر فتلقى بفؤاده ظبة السهم فلحقه أولياؤه فانتزعوا السهم و هو و الظبي ميتان ، فنمى إليّ خبره فأسرعت إلى قبره مغتبطا بفقده ، فانّي لضاحك السن إذ وقعت عيني على صخرة فرأيت عليها كتابا فهلم فاقرأه و أو مأ إلى الصخرة فاذا عليها :

و ما نحن إلاّ مثلهم غير اننا

أقمنا قليلا بعدهم و تقدّموا

قلت : اشهد انّك تبكي على من بكاؤك عليه أحقّ من النسيب٢ .

قلت : لأنّه بكاء على نفسه و لا أعزّ من نفسه .

____________________

( ١ ) الأغاني ٦ : ٢٢٩ .

( ٢ ) الكامل للمبرّد ٣ : ١٢٥٥ .

٤٥٨

هذا ، و قالوا : مات ابن لصالح بن عبد القدوس المرمي بالزندقة ، فجزع عليه فقال له أبو الهذيل : لا أعرف لحزنك وجها اذا كان الناس عندك كالزرع .

قال : انّما أتوجع عليه لأنّه لم يقرأ كتاب الشكوك قال : ما هو ؟ قال : كتاب وضعته من قرأه يشكّ فيما كان حتى يتوهّم انّه لم يكن ، و فيما لم يكن حتى يتوهم انّه قد كان فقال له أبو الهذيل : فشك أنت في موت ابنك و اعمل على انّه لم يمت و ان كان قد مات ، و شك أيضا في انّه قد قرأ كتاب الشكوك و ان كان لم يقرأه .

هذا ، و لهعليه‌السلام كلام آخر لم ينقله المصنّف ذكره المبرّد في ( كامله ) فقال في باب اختصار الخطب : كان علي بن أبي طالبعليه‌السلام يقول عند التعزية :

« عليكم بالصبر فانّ به يأخذ الحازم و إليه يعود الجازع »١ .

٦ الحكمة ( ٣٥٤ )

وَ هَنَّأَ بِحَضْرَتِهِ رَجُلٌ رَجُلاً بِغُلاَمٍ وُلِدَ لَهُ فَقَالَ لَهُ لِيَهْنِئْكَ اَلْفَارِسُ فَقَالَ ع لاَ تَقُلْ ذَلِكَ وَ لَكِنْ قُلْ شَكَرْتَ اَلْوَاهِبَ وَ بُورِكَ لَكَ فِي اَلْمَوْهُوبِ وَ بَلَغَ أَشُدَّهُ وَ رُزِقْتَ بِرَّهُ قول المصنّف : « و هنّأ بحضرته رجل رجلا فقال ليهنئك الفارس » في ( عيون القتيبي ) : قال الناجي : كنت عند الحسن البصري فقال رجل : ليهنئك الفارس فقال الحسن : لعلّه يكون بغالا٢ .

« فقالعليه‌السلام لا تقل ذلك » و كما نهى عن « ليهنئك الفارس » في الولادة نهى

____________________

( ١ ) الكامل للمبرّد ٣ : ١١٧٤ ، مرّ في صفحة ١٢١ .

( ٢ ) العيون للقتيبي ٣ : ٦٨ .

٤٥٩

عن « بالرفاء و البنين » في التزويج ، ففي ( تاريخ بغداد ) : قدم عقيل البصرة فتزوج امرأة فقالوا : بالرفاء و البنين فقال : لا تقولوا ذلك ، فانّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله نهانا عن ذلك و أمرنا أن نقول : « بارك اللّه لك و بارك عليك »١ .

هذا و في ( فتوح البلاذري ) : دمون الذي تزوج أبو موسى الأشعري ابنته فولدت له أبا بردة خطة بالبصرة و فيه قالوا : الرفاء و البنون و خبز و كمون في بيت الدمون٢ .

و قالوا : فارق شقيق بن مسليل امرأة و قال لها :

فامّا نكحت فلا بالرفا

اذا ما فعلت و لا بالبنينا

اذا حملت إلى داره

اعد لظهرك سوطا متينا

و كذلك نهى عن قول « استأثر اللّه بفلان » في التكنية عن موته ، ففي ( صفين نصر ) : لما قدم عليعليه‌السلام الكوفة نزل على باب المسجد ، فدخل و صلّى ثم تحوّل و جلس إليه الناس ، فسأل عن رجل من أصحابه كان ينزل الكوفة فقال قائل « استأثر اللّه به » فقالعليه‌السلام : ان اللّه لا يستأثر بأحد من خلقه ، انما أراد اللّه بالموت اعزاز نفسه و إذلال خلقه٣ و قرأ .وَ كُنْتُم أَمْوَاتا فأحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُم ثُمَّ يُحْيِيكُمْ .٤ .

و كذلك نهى عن قولهم « طاب استحمامك » .

ففي ( الكافي ) : قال أبو مريم الأنصاري : ان الحسن بن عليعليه‌السلام خرج من الحمام فلقيه انسان فقال : طاب استحمامك فقال يا لكع و ما تصنع بالاست ههنا ، فقال : « طاب حميك » فقال : أما تعلم ان الحميم العرق قال « طاب

____________________

( ١ ) تاريخ بغداد ١١ : ٤٢ .

( ٢ ) الفتوح للبلاذري : ٤٩٢ .

( ٣ ) وقعة صفين لنصر بن مزاحم : ٥ .

( ٤ ) البقرة : ٢٨ .

٤٦٠

حمامك » قال : فاذا طاب حمامي فأي شي‏ء لي ؟ قال : طهر ما طاب منك و طاب ما طهر منك١ .

هذا ، و في ( الصحاح ) : كانت العرب تقول في الجاهلية اذا ولد لأحدهم بنت : « هنيئا لك النافجة » أي المعظمة لمالك لأنّك تأخذ مهرها فتضمّه إلى مالك فينفج٢ .

و قال ابن أبي الحديد كانت تحية الجاهلية : « أبيت اللعن » فنهى عنها و جعل عوضها « سلام عليكم »٣ .

قلت : انما كان « أبيت اللعن » عندهم تحية الملوك ، و السلام تحية لجميع الناس فكيف يكون بدلا عنه ؟

« و لكن قل شكرت الواهب و بورك لك في الموهوب و بلغ أشدّه و رزقت بره » في حديث الأربعمائة ، عنهعليه‌السلام في أمر الدين و الدّنيا : اذا هنّأتم الرجل عن مولود ذكر فقولوا : بارك اللّه لك في هبته و بلغ أشده و رزقت بره٤ .

و في ( كامل المبرّد ) : يروى عن عليعليه‌السلام أنّه افتقد عبد اللّه بن عباس فقال :

ما باله لم يحضر ؟ فقالوا : ولد له مولود فأتاه فهنأه فقال : « شكرت الواهب و بورك لك في الموهوب » ما سمّيته ؟ قال : أو يجوز أن أسميه حتى تسميه ؟

فأمر به فأخرج إليه فأخذه و حنكه و دعا له ثم ردّه إليه و قال له : « خذ إليك أبا الأملاك ، قد سمّيته عليّا و كنيته أبا الحسن » فلما قام معاوية قال لابن عباس ليس لكم اسمه و كنيته قد كنيته أبا محمد فجرت عليه٥ هذا ، و في ( اليتيمة ) :

____________________

( ١ ) الكافي ٦ : ٥٠٠ ح ٢١ .

( ٢ ) الصحاح ١ : ٣٤٥ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ١٩ : ٢٧٠ .

( ٤ ) حديث الأربعمائة :

( ٥ ) الكامل ، للمبرّد ٢ : ٥٧٢ ٥٧٣ .

٤٦١

كتب بعض العلوية إلى الصاحب : رزقت مولودا فسمّه و كنّه فوقع في رقعته « أسعدك اللّه بالفارس الجديد و الطالع السعيد ، فقد و اللّه ملأ العين قرّة و النفس مسرة و الاسم علي ليعلي اللّه ذكره و الكنية أبو الحسن ليحسن اللّه أمره ، فانّي ارجو له فضل جدّه و سعادة جدّه ، و قد بعثت لتعويذه دينارا من مائة مثقال قصدت به مقصد الفال رجاء أن يعيش مائة عام و يخلص خلاص الذهب الأبزر من نوب الأيام ، و السلام »١ .

و قيل لأعرابي و لد له ولد : جعله اللّه برّا تقيّا فقال : لا بل جبّارا عصيّا يخافه أعداؤه و يؤمله أصدقاؤه .

____________________

( ١ ) يتيمة الدهر ٣ : ٢٣١ .

٤٦٢

الفصل الثامن و الاربعون في آداب الحرب

٤٦٣

١ الخطبة ( ١١ ) و من كلام له ع لابنه ؟

محمد بن الحنفية ؟ لما أعطاه الراية ؟ يوم الجمل ؟ تَزُولُ اَلْجِبَالُ وَ لاَ تَزُلْ عَضَّ عَلَى نَاجِذِكَ أَعِرِ اَللَّهَ جُمْجُمَتَكَ تِدْ فِي اَلْأَرْضِ قَدَمَكَ اِرْمِ بِبَصَرِكَ أَقْصَى اَلْقَوْمِ وَ غُضَّ بَصَرَكَ وَ اِعْلَمْ أَنَّ اَلنَّصْرَ مِنْ عِنْدِ اَللَّهِ سُبْحَانَهُ قول المصنّف : « و من كلام لهعليه‌السلام » و في نسخة ( ابن ميثم ) « و من كلامهعليه‌السلام »١ .

« لابنه محمد بن الحنفية » اشتهر بالنسبة إلى امّه خولة الحنفية قال ابن أبي الحديد هي بنت جعفر بن قيس بن مسلمة بن عبيد بن ثعلبة بن يربوع بن ثعلبة بن الدؤل بن حنيفة قال قوم : إنّها من سبايا الردة في أيام أبي بكر على

____________________

( ١ ) في شرح نهج البلاغة لبن ميثم ١ : ٢٨٦ ، « و من كلام له » .

٤٦٤

يد خالد بن الوليد في ارتداد بني حنيفة و ادّعاء مسيلمة النبوّة١ .

و قال المدائني : إنّها من سبابا اليمن في أيام النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في ارتداد زبيد مع عمرو بن معديكرب ، و كانت زبيد سبتها من بني حنيفة فصارت في سهم عليعليه‌السلام ، فقال له النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : إن ولدت منك غلاما فسمّه باسمي و كنّه بكنيتي٢ .

و قال البلاذري في ( تاريخ أشرافه ) : ان بني أسد أغارت على بني حنيفة في أيام أبي بكر فسبوها و قدموا بها المدينة فباعوها من عليعليه‌السلام ، و بلغ قومها خبرها فقدموا على علي و أخبروه بموضعها منهم فأعتقها و تزوجها٣ .

قلت : و في ( المروج ) : عن كتاب أخبار النوفلي : قال الوليد بن هشام المخزومي : خطب ابن الزبير فنال من عليعليه‌السلام ، فبلغ ذلك ابنه محمّد بن الحنفية فجاء و وضع له كرسي قدامه فعلاه و قال : يا معشر قريش شاهت الوجوه أينتقص عليّعليه‌السلام و أنتم حضور ، ان عليّا كان سهما صائبا أحد مرامي اللّه على أعدائه ، يقتلهم لكفرهم و يهوعهم مآكلهم ، فثقل عليهم فرموه بصرفة الأباطيل فان تكن لنا في الأيام دولة ننثر عظامهم و نحسر عن أجسادهم و الأبدان يومئذ بالية ، . و سيعلم الذين ظلموا أي منقلبٍ ينقلبون فعاد ابن الزبير إلى خطبته و قال : عذرت بني الفواطم يتكلّمون ، فما بال ابن الحنيفة ؟ فقال محمد : يا ابن ام رومان و ما لي لا أتكلّم ، أليست فاطمة بنت محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله حليلة أبي و ام اخوتي ، أو ليست فاطمة بنت أسد بن هاشم

____________________

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ٢٤٤ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ٢٤٤ .

( ٣ ) تاريخ الاشراف ، للبلاذري ٢ : ٢٠١ .

٤٦٥

جدّتي ، أو ليست فاطمة بنت عمرو بن عائذ جدّة أبي ، أما و اللّه لو لا خديجة بنت خويلد ما تركت في بني أسد عظما إلاّ هشّمته١ « لما أعطاه الراية يوم الجمل » قال ابن أبي الحديد لما تقاعس محمد يوم الجمل عن الحملة و حمل عليعليه‌السلام بالراية فضعضع أركان عسكر الجمل ، دفع إليه الراية و قال له : امح الاولى بالاخرى و هذه الأنصار معك و ضمّ إليه خزيمة بن ثابت ذا الشهادتين في جمع منهم من أهل بدر ، فحمل حملات كثيرة أزال بها القوم عن مواقفهم و أبلى بلاء حسنا ، فقال خزيمة لعليّعليه‌السلام : أما إنّه لو كان غير محمد اليوم لا فتضح ، و لئن كنت خفت عليه الجبن و هو بينك و بين حمزة و جعفر لما خفناه عليه ، و ان كنت أردت أن تعلمه الطعان فطالما علّمته الرجال .

و قالت الأنصار : يا أمير المؤمنين لو لا ما جعل اللّه تعالى للحسن و الحسينعليهما‌السلام لما قدمنا على محمّد أحدا من العرب فقال عليعليه‌السلام : أين النجم من الشمس و القمر ، أما إنّه قد أغنى و أبلى و له فضله و لا ينقصه فضل صاحبيه عليه ، و حسب صاحبكم ما انتهت به نعمة اللّه تعالى إليه فقالوا : إنّا و اللّه ما نجعلها كالحسن و الحسينعليهما‌السلام و لا نظلمهما له و لا نظلمه لفضلهما عليه حقه فقال عليعليه‌السلام : اين يقع ابني من ابني النبي ؟ فقال خزيمة :

محمّد ما في عودك اليوم و صمة

و لا كنت في الحرب الضروس معردا

أبوك الذي لم يركب الخيل مثله

علي و سمّاك النبيّ محمّدا

فلو كان حقّا من أبيك خليفة

لكنت و لكن ذاك ما لا يرى بدا

____________________

( ١ ) المروج ٣ : ٨٩ دار المعرفة و الآية ( ٢٢٧ ) من سورة الشعراء .

٤٦٦

و أنت بحمد اللّه أطول غالب

لسانا و انداها بما ملكت يدا

و أقربها من كلّ خير تريده

قريش و أوفاها بما قال موعدا

و أطعنهم صدر الكمي برمحه

و أكساهم للهام عضبا مهندا

سوى أخويك السيدين كلاهما

امام الورى و الداعيان إلى الهدى

أبى اللّه أن يعطي عدوّك مقعدا

من الأرض أو في اللوح مرقى و مصعدا١

 قلت : و في ( المروج ) : جاء ذو الشهادتين إلى عليعليه‌السلام فقال له : لا تنكس اليوم رأس محمّد واردد إليه رأيته فدعا به و ردّ عليه الراية و قال :

اطعنهم طعن أبيك تحمد

لا خير في الحرب اذا لم توقد

بالمشرفي و القنا المشرد٢ قولهعليه‌السلام « تزول الجبال و لا تزل » الأصل في كلامهعليه‌السلام قوله تعالى :إنّ اللّهَ يُحِبُّ الّذينَ يُقاتِلُونَ في سَبيلِهِ صَفّاً كأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مرصوص ٣ .

قال ابن أبي الحديد في أخبار صفين : ان بني عك و كانوا مع أهل الشام حملوا في يوم حجرا و عقلوا أنفسهم بعمائمهم و تحالفوا أنّا لا نفرّ حتى يفرّ هذا الحكر أي الحجر تبدل عك الجيم كافا٤ .

____________________

( ١ ) نهج ١ : ٢٤٥ .

( ٢ ) المروج ٢ : ٣٦٧ .

( ٣ ) الصف : ٤ .

( ٤ ) شرح ابن أبي الحديد ٥ : ١٨٤ ، و كذلك وقعة صفين : ٣٢٩ ، لنصر بن مزاحم .

٤٦٧

قلت : و في ( الأغاني ) : كان عوف بن مالك عمّ المرقش الأكبر من فرسان بكر ابن وائل و هو القائل يوم قصة : يا لبكر بن وائل أ في كلّ يوم فرارا ،

محلوفي لا يمرّ بي رجل من بكر منهزما إلاّ ضربته بسيفي و برك يقاتل فسمي يومئذ المبرك .

« عض على ناجذك » في ( الصحاح ) : الناجذ : آخر الأضراس ، و للإنسان أربعة نواجذ في أقصى الأسنان بعد الارحاء ، و يسمّى ضرس الحلم لأنّه ينبت بعد البلوغ و كمال العقل ، يقال « ضحك حتى بدت نواجذه » : اذا استغرب فيه١ .

و في ( الأساس ) : أبدى ناجذه اذا بالغ في ضحكه أو غضبه قال بشر :

اذا ما الحرب أبدت ناجذيها

غداة الروع و التقت الجموع٢

و بينعليه‌السلام وجه أمره بالعض على الناجذ في موضع آخر بكونه أنبى للسيوف عن الهام قالوا : لأن عظام الرأس تصلب حينئذ .

« أعر اللّه جمجمتك » في ( الصحاح ) : الجمجمة عظم الرأس المشتمل على الدماغ٣ .

قال ابن أبي الحديد يمكن أن يكون في كلامهعليه‌السلام اشعار انّه لا يقتل في تلك الحرب ، لأن العارية مردودة ، و لو قال له « بع اللّه جمجمتك » لكان ذلك اشعارا له بالشهادة٤ .

قلت : بل أعلمه ببقاء أجله ، ففي المروج بعثعليه‌السلام إلى ابنه محمد و كان صاحب رايته احمل على القوم ، فأبطأ كان بإزائه قوم من الرماة ينتظر نفاد سهامهم ، فأتاهعليه‌السلام فقال له : هلاّ حملت ؟ فقال : لا أجد متقدّما إلاّ على سهم أو

____________________

( ١ ) الصحاح للجوهري ٢ : ٥٧١ ، مادة ( نجذ ) .

( ٢ ) الأغاني ، راجع ترجمة هاشم الفند الزماني ٢٤ : ٩٣ ٩٥ .

( ٣ ) الصحاح للجوهري ٤ : ١٨٩١ .

( ٤ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ٢٤٢ .

٤٦٨

سنان ، و انّي لمنتظر نفاد سهامهم ثم أحمل فقالعليه‌السلام : احمل بين الأسنة فان للموت عليك جنة١ .

« تد » من وتد يتد .

« في الأرض قدمك » أي : اجعل قدمك ثابتة كالوتد قال الشاعر :

لاقت على الماء جذيلا واتدا

و كان لا يخلفها المواعدا

قال تعالىيا أَيُّها الّذِينَ آمَنُوا إذا لَقِيْتُم فِئَةً فاثبتوا وَ اذْكُروا اللّه كثيراً لَعلَّكُمْ تُفْلِحُوْن ٢ .

« ارم ببصرك أقصى القوم » في ( العقد ) : قال عليعليه‌السلام : من أكثر النظر في العواقب لم يشجع٣ .

« و غض بصرك » في ( العقد ) : كان قتيبة بن مسلم يقول لأصحابه : اذا غزوتم فأطيلوا الأظفار و قصّوا الشعر ، و الحظوا الناس شزرا و كلّموهم رمزا و اطعنوهم و خزا٤ .

و كان ابو مسلم يقول لقواده : اشعروا قلوبكم الجرأة ، فأنا من اسباب الظفر٥ .

« و اعلم أنّ النصر من عند اللّه سبحانه » في ( العقد ) :٦ كتب أنو شيروان إلى مرازبته : عليكم بأهل السخاء و الشجاعة فإنّهم أهل حسن الظنّ باللّه٧ .

____________________

( ١ ) مروج الذهب للمسعودي ٢ : ٣٦٦ .

( ٢ ) الأنفال : ٤٥ .

( ٣ ) العقد الفريد ابن عبد ربه ١ : ٩٧ .

( ٤ ) المصدر نفسه ١ : ١٣٤ .

( ٥ ) المصدر نفسه ١ : ١٣٤ .

( ٦ ) المصدر نفسه ١ : ١٣٤ .

( ٧ ) المصدر نفسه ١ : ١٠٠ .

٤٦٩

في ( المروج ) : حمل محمد بن الحنفية فسكن بين الرماح و النشاب ،

فوقف فأتاه عليعليه‌السلام فضربه بقائم سيفه و قال : أدركك عرق من أمك و أخذ الرأية و حمل و حمل الناس معه ، فما كان القوم إلاّ كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف١ .

و في ( جمل المفيد ) : قال محمد بن عبد اللّه بن عمر بن دينار : قال عليعليه‌السلام لابنه محمد : خذا الراية و امض و هو خلفه فناداه يا أبا القاسم فقال : يا بنيّ لا يستفزنك ما ترى قد حملت الراية و أنا أصغر منك فما استفزني عدوّي ، و ذلك أنّني لم أبارز أحدا إلاّ حدثتني نفسي بقتله ، فحدّث نفسك بعون اللّه تعالى بظهورك ، و لا يخذلك ضعف النفس فان ذلك أشدّ ألخذلان قال : يا أباه أرجو أن أكون كما تحب قال : فالزم رايتك ، فان اختلفت الصفوف فقف مكانك و بين أصحابك ، فان لم تبن من أصحابك فاعلم أنّهم سيرونك قال محمد : و واللّه اني لفي وسط أصحابي و صاروا كلّهم خلفي و ما بيني و بين القوم أحد يردّهم عني و أنا اريد أن أتقدّم في وجوه القوم ، فما شعرت إلاّ بأبي خلفي قد جرّد سيفه و هو يقول : لا تقدم حتى أكون أمامك فتقدّم بين يدي يهرول و معه طائفة من أصحابه ، فضرب الذين في وجهه فنظرت إليه يفرج الناس يمينا و شمالا و يسوقهم أمامه ، فأردت أن أجول فكرهت خلافه حتى انتهى إلى الجمل و حوله أربعة آلاف مقاتل من بني ضبة و الأزد و تميم و غيرهم و صاح :

اقطعوا البطان فأسرع محمد بن أبي بكر فقطعه و اطلع الهودج٢ .

و قال ابن جريح : لمّا ردّ عليعليه‌السلام الراية إلى ابنه محمد قال له : احسن حملها و توسّط أصحابك و لا تخفض عاليها و اجعلها مستشرفة يراها

____________________

( ١ ) المروج ٢ : ٣٦٦ .

( ٢ ) الجمل للمفيد : ١٩٦ .

٤٧٠

أصحابك ففعل فقال عمّار لمحمّد : ما أحسن ما حملت الرأية اليوم فقال له عليعليه‌السلام : بعد ما ذا فقال عمّار : ما العلم إلاّ بالتعلّم١ .

و عن المدائني و الواقدي : زحف عليعليه‌السلام بنفسه نحو الجمل و دفع الراية إلى ابنه محمد و قال : أقدم بها حتى تركزها في عين الجمل و لا تقفن دونه ، فتقدّم فرشقته السهام ، فأنفذ إليه عليعليه‌السلام يستحثه ، فلما أبطأ عليه جاء بنفسه من خلفه فوضع يده اليسرى على منكبه الأيمن و قال له : اقدم لا أمّ لك .

فكان محمّد اذا ذكر ذلك يبكي و يقول : لكأني أجد ريح نفسه في قفاي ، و اللّه لا أنسى ذلك أبدا فتناول الراية منه بيده اليسرى و ذو الفقار مشهور في يده اليمنى ، ثم حمل فغاص في عسكر الجمل ثم رجع و قد انحنى سيفه فأقامه بركبته فقال له بنوه و أصحابه و الأشتر و عمّار : نحن نكفيك ، فلم يجب أحدا منهم و لا ردّ إليهم بصره و ظلّ ينحط و يزأر زئير الأسد حتى فرّقه من حوله و تبادروه و انّه لطامح بصره نحو عسكر البصرة لا يبصر من حوله و لا يردّ حوارا ثم دفع الراية إلى محمّد ، ثم حمل حملة ثانية وحده فدخل وسطهم فضربهم بالسيف قدما قدما و الرجال تفرّ من بين يديه و تنحاز عنه يمنة و شامة ، حتى خضّب الأرض بدماء القتلى ، ثم رجع و قد انحنى سيفه فأقامه بركبته فأعصوصب به أصحابه و ناشدوه اللّه في نفسه و في الإسلام و قالوا :

انّك ان تصب يذهب الدين فقال : و اللّه ما أريد بما ترون إلاّ وجه اللّه و الدّار الآخرة ثم قال لمحمّد : هكذا اصنع يابن الحنفية فقال الناس : من الذي يستطيع يا أمير المؤمنين ما تستطيعه .

و روى الواقدي كما في ( جمل المفيد ) عن ابن الحنفية قال : فالتقينا و أبي خلفي بين كتفي يقول : يا بني تقدّم فقلت : ما أجد متقدّما إلاّ على الأسنة ،

____________________

( ١ ) الجمل للمفيد : ١٩٢ .

٤٧١

فغضب و قال : أقول لك تقدّم و تقول هكذا ، ثق باللّه و تقدّم بين يدي على الأسنة .

و تناول الرواية مني ، و تقدّم يهرول بها فأخذتني حدّه فلحقته و قلت : أعطنيها .

فأعطانيها و قد عرفت ما وصف لي ، ثم تقدّم بين يدي و جرّد سيفه فرمقت لضربه و اذا يورد السيف و يصدره و لا أرى فيه دما يسرع اصداره فيسبق الدم إلى أن قال و صاح : يا ابن أبي بكر اقطع البطان فقطعه و تلقوا الهودج فكأن و اللّه الحرب جمرة صبّ عليها الماء١ .

٢ الحكمة ( ٢٣٣ ) و قالعليه‌السلام لابنه الحسن :

لاَ تَدْعُوَنَّ إِلَى مُبَارَزَةٍ وَ إِنْ دُعِيتَ إِلَيْهَا فَأَجِبْ فَإِنَّ اَلدَّاعِيَ بَاغٍ وَ اَلْبَاغِيَ مَصْرُوعٌ أقول : رواه المبرد في ( كامله )٢ ، و روى ( الكافي ) نظيره ، روى في باب ( طلب مبارزته ) أنّ رجلا دعا بعض بني هاشم إلى البراز ، فأبى أن يبارزه ، فقال له عليعليه‌السلام : ما منعك أن تبارزه قال : كان فارس العرب و خشيت أن يغلبني .

فقالعليه‌السلام : انّه بغى عليك ، و لو بارزته لغلبته ، و لو بغى جبل على جبل لهد الباغي٣ .

و في ( صفين نصر ) بعد ذكر قتل جمع كثير من أهل الشام أنّ ابرهة بن الصباح الحميري و كان من رؤساء أصحاب معاوية قام فقال : ويلكم يا معشر أهل اليمن و اللّه اني لأظن ان اللّه قد اذن لفنائكم ، و يحكم خلوا بين هذين

____________________

( ١ ) الجمل للمفيد : ١٩١ .

( ٢ ) لم نعثر عليه في الكامل في الأدب لكنّه موجود في العقد الفريد ١ : ١٠٢ .

( ٣ ) الكافي في الكليني ٥ : ٣٤ ح ٢ .

٤٧٢

الرجلين فليقتتلا فأيّهما قتل صاحبه ملنا معه جميعا فبلغ ذلك عليّاعليه‌السلام فقال :

صدق ابرهة ، و اللّه ما سمعت بخطبة منذ وردت أهل الشام أنا بها أشدّ سرورا منّي بهذه و بلغ معاوية كلام ابرهة فتأخّر آخر الصفوف و قال لمن حوله : انّي لأظن ابرهة مصابا في عقله فأقبل أهل الشام يقولون : و اللّه ان ابرهة لأفضلنا دينا و رأيا و بأسا ، و لكن معاوية كره مبارزة علي .

فبرز عروة بن داود الدمشقي فقال : يا أبا الحسن ان كان معاوية كره مبارزتك فهلم إليّ ، فتقدّم إليه عليعليه‌السلام ، فقال له أصحابه : ذر هذا الكلب فانّه ليس لك بخطر فقالعليه‌السلام : و اللّه ما معاوية اليوم بأغيظ لي منه دعوني و إيّاه ثم حمل عليه فضربه فقطعه قطعتين سقطت إحداهما يمنة و الاخرى يسرة فارتجّ العسكران لهول الضربة ثم قالعليه‌السلام « يا عروة اذهب فأخبر قومك ، أما و الذي بعث محمّدا بالحقّ لقد عاينت النار و أصبحت من النادمين » و قال عبد اللّه ابن عبد الرحمن الأنصاري :

عرو يا عرو قد لقيت حماما

إذ تقحمت في حما اللهوات

أعليّا لك الهوان تنادي

ضيغما في أياطل الحومات

ليس للّه فارس كأبي الشبلين

ما أن يهوله المقلقات

مؤمنا بالقضاء محتسبا

بالخير يرجو الثواب بالسابقات

ليس يخشى كريهة في لقاه

لا و لا ما يجي‏ء بالآفات

فلقد ذقت في الجحيم نكالا

و ضراب المقامع المحميات

يابن داود قد وقيت ابن هند

ان يكون القتيل بالمقفرات

و حمل ابن عم لعروة على عليعليه‌السلام فألحقه بعروة و معاوية واقف على التلّ يبصر و يشاهد ، فقال : تبا لهذه الرجال و قبحا ، أما فيهم من يقتل هذا مبارزة أو غيلة أو في اختلاط الفيلق و ثوران النقع فقال له الوليد بن عقبة :

٤٧٣

ابرز إليه أنت فإنّك أولى الناس بمبارزته فقال : و اللّه لقد دعاني إلى البراز حتى استحييت من قريش ، و إنّي و اللّه لا أبرز إليه و ما جعل العسكر إلاّ وقاية للرئيس و قال معاوية لبسر بن أرطاة : أتقوم لمبارزته ؟ فقال : ما أحد أحقّ بها منك ، و إذ أبيتموه فأنا له ، و كان أتى بسرا من الحجاز ابن عم له يخطب ابنته فقال له : اني سمعت أنّك وعدت من نفسك أن تبارز عليا فما يدعوك إلى ذلك ؟

قال : الحياء خرج مني شي‏ء فأنا أستحي أن أرجع عنه .

فغدا عليعليه‌السلام منقطعا من خيله و معه الأشتر ، فاستقبله بسر و ناداه :

ابرز إلى أبا حسن ، فانحدر إليه عليعليه‌السلام على تؤدة غير مكترث به حتى اذا قاربه طعنه و هو دارع ، فألقاه إلى الأرض فقصد بسر أن يكشفها ليستدفع بأسته ، فانصرف عنه عليعليه‌السلام مستدبرا له ، فعرفه الأشتر حين سقط فقال لهعليه‌السلام : هذا بسر عدوّ اللّه و عدوّك فقالعليه‌السلام دعه عليه لعنة اللّه أبعد أن فعلها و كان قبله عمرو بن العاص فعل ذلك فقال النضر بن الحارث :

أفي كلّ يوم فارس تندبونه

له عورة وسط العجاجة بادية

يكفّ بها عنه علي سنانه

و يضحك منها في الخلاء معاوية

بدت أمس من عمرو فقنع رأسه

و عورة بسر مثلها حذ و حاذية

فقولا لعمرو و ابن ارطاة أبصرا

سبيلكما لا تلقيا الليث ثانية

و لا تحمدا إلا الحيا و خصاكما

هما كانتا و اللّه للنفس واقية١

هذا ، و في ( الطبري ) في غزوة احد : قال طلحة بن عثمان صاحب لواء المشركين : يا معشر أصحاب محمّد انّكم تزعمون أنّ اللّه يعجلنا بسيوفكم إلى النار و يعجلكم بسيوفنا إلى الجنّة ، فهل منكم أحد يعجله اللّه بسيفي إلى الجنّة أو يعجّلني بسيفه إلى النار فقام إليه عليعليه‌السلام فقال : و الذي نفسي بيده لا

____________________

( ١ ) وقعة صفين لنصر بن مزاحم : ٤٥٧ .

٤٧٤

أفارقك حتى اعجلك أو تعجّلني فضربه فقطع رجله فسقط فانكشفت عورته فقال : أنشدك اللّه و الرحم يابن عم فتركه فكبّر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله و قال له : ما منعك أن تجهز عليه ؟ قال : ان ابن عمّي ناشدني حين انكشفت عورته فاستحييت منه١ .

ثم مورد كلامهعليه‌السلام فيمن دعا شخصا خالصا إلى المبارزة بكونه باغيا مصروعا دون من دعا إلى المبارزة عاما فيمكن ألا يكون بمصروع .

و في ( صفين نصر ) : ذكر صعصعة ان كريب بن الصباح من آل ذي يزن و لم يكن في أهل الشام أشهر منه شدّة بالبأس برز و نادى من يبارز ، فبرز إليه المرتفع بن وضاح الزبيدي فقتل المرتفع ثم نادى من يبارز ، فبرز إليه الحارث بن جلاح فقتله ، ثم نادى من يبارز فبرز إليه عائذ بن مسروق الهمداني فقتل عائذا ، ثم رمى بأجسادهم بعضها فوق بعض ثم قام عليها بغيا و اعتداء ،

ثم نادى هل من مبارز ، فبدر إليه عليّعليه‌السلام ثم ناداه : ويحك يا كريب إنّي احذّرك و أدعوك إلى سنّة اللّه و سنّة رسوله ، ويحك لا يدخلك ابن آكلة الأكباد النار .

فأجاب : ما أكثر ما سمعنا هذه المقالة منك فلا حاجة لنا فيها ، أقدم اذا شئت من يشتري سيفي و هذا أثره فقال عليعليه‌السلام : لا حول و لا قوّة إلاّ باللّه ثم مشى إليه ،

فلم يمهله ان ضربه ضربة خر منها قتيلا يتشحط في دمه .

ثم نادىعليه‌السلام من يبارز فبرز إليه الحارث بن وداعة الحميري فقتله ثم نادى من يبارز ، فبرز إليه المطاع بن المطلب العبسي فقتله ثم نادى من يبارز ،

فلم يبرز إليه أحد فنادى : يا معشر المسلمين الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْر الْحَرامِ وَ الْحُرُماتُ قصاص فَمَن اعْتَدى عَليْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُم وَ اتَّقُوا اللّهَ وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ مَعَ المُتّقِين٢ .

____________________

( ١ ) تاريخ الملوك للطبري ٢ : ١٩٤ .

( ٢ ) وقعة صفين لنصر بن مزاحم : ٣١٥ و الآية ( ١٩٤ ) من سورة البقرة .

٤٧٥

هذا ، و في ( صفين نصر ) : مرّ عليعليه‌السلام و معه بنوه نحو الميسرة و النبل يمرّ بين عاتقه و منكبيه ، و ما من بنيه أحد إلاّ يقيه بنفسه و يكره عليّ ذلك إلى أن قال فبصر به أحمر مولى أبي سفيان أو بعض بني اميّة فقال عليّ : و ربّ الكعبة قتلني اللّه إن لم أقتلك فأقبل نحوهعليه‌السلام ، فخرج إليه كيسان مولى علي علي فقتله مولى بني امية ، ثم خالط عليّا ليضربه بالسيف فانتهزه عليعليه‌السلام ، فوقع يده في جيب درعه فجذبه ثم حمله على عاتقه و رجلاه تختلفان على عنقه ثم ضرب به الأرض فكسر منكبه و عضده و شد ابناه الحسين و محمد عليه فضرباه و عليعليه‌السلام ينظر إليهما حتى قتلاه ، ثم أقبلا إلى أبيهما و الحسنعليه‌السلام معه قائم قال : يا بني ما منعك أن تفعل كما فعل أخواك ؟

قال : كفياني يا أمير المؤمنين١ .

و في ( الطبري ) : لمّا لحلق الحر بالحسينعليه‌السلام قال يزيد بن سفيان التميمي : لو أنّي رأيته حين خرج لأتبعته السنان ثم لما حمل الحر عليهم قال الحصين بن تميم ليزيد : هذا الحر الذي كنت تتمنى ؟ قال : نعم فخرج إليه و قال له : هل لك يا حر في المبارزة ؟ قال : نعم فبرز له فكأنّما كانت نفسه في يده فما لبثه حين خرج إليه أن قتله٢ .

و في ( الأغاني ) في وقعة دولاب قال سلامة الباهلي : لمّا قتلت نافع بن الأزرق رئيس الأزارقة فإذا أنا برجل ينادي و أنا واقف في خميس بني تميم يعرض عليّ المبارزة ، و جعل يطلبني و أنا أنتقل من خميس إلى خميس و ليس يزايلني ، فصرت إلى رحلي ثم رجعت فدعاني ، فلما أكثر خرجت إليه فاختلفنا ضربتين فضربته فصرعته و نزلت فأخذت رأسه و سلبته ، فإذا هي أمرأته قد

____________________

( ١ ) وقعة صفين لنصر بن مزاحم : ٢٤٩ .

( ٢ ) تاريخ الملوك و الامم للطبري : ٤ : ٣٣٠ .

٤٧٦

رأتني حين قتلته فخرجت لتثأربه١ .

و في ( عيون القتيبي ) و غيره : قال أبو الأغر التميمي : اني لو اقف يوم صفين إذ نظرت إلى العباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب و هو على فرس أدهم و كأن عينيه عينا أفعى ، فبينا هو يلين من عريكته إذ هتف به هاتف من أهل الشام يقال له عرّار بن أدهم : يا عباس هلم إلى البراز فبرز إليه العباس فقتله إلى أن قال فقال له عليعليه‌السلام : ألم أنهك و حسنا و حسينا و عبد اللّه بن جعفر أن تخلوا مراكزكم و تبارزوا أحدا قال : ان ذلك لكذلك قال فما عدا مما بدأ قال : أفأدعى إلى البراز فلا أجيب جعلني اللّه فداك ؟ قال : نعم طاعة إمامك أولى بك من إجابة عدوّك ، ودّ معاوية أن لا يبقى من بني هاشم نافخ ضرمة إلاّ طعن في نيطه إطفاء لنور اللّه ثم رفع يديه و قال : اللّهم اشكر للعباس مقامه و اغفر ذنبه فاني قد غفرت له٢ .

و مما ينخرط في هذا الباب من ان من دعا غيره إلى المبارزة يكون باغيا و الباغي مصروع هالك ، قصّة عمرو بن الليث الصفار مع اسماعيل بن أحمد الساماني ، ففي ( الكامل ) : سار عمرو في سنة ( ٢٨٧ ) إلى إسماعيل فأرسل إليه إسماعيل أنّك و ليت دنيا عريضة و انّما في يدي ما وراء النهر و أنا في ثغر فاقنع بما في يدك و اتركني في هذا الثغر فأبى فذكر له شدّة العبور بنهر بلخ فقال : لو شئت أن اسكره ببدر الأموال لفعلت فنزل بلخ فسار اسماعيل نحوه و أخذ عليه النواحي ، فصار عمرو كالمحاصر فندم على ما فعل ، فاقتتلوا فلم يكن بينهم كثير قتال حتى انهزم عمرو فولّى هاربا و مر في طريقه بأجمة فقال لعامّة من معه : امضوا في الطريق و سار هو و نفر يسير في الأجمة ، فوحلت به

____________________

( ١ ) الأغاني ٦ : ١٤٤ .

( ٢ ) العيون للقتيبي ١ : ١٨٠ .

٤٧٧

دابته فمضى من معه و جاء أصحاب اسماعيل فأخذوه أسيرا ، فسيّره اسماعيل إلى المعتضد فحبس حتى قتل١ .

٣ الخطبة ( ١٢١ ) و من كلام لهعليه‌السلام قاله لأصحابه في ساعة الحرب :

وَ أَيُّ اِمْرِئٍ مِنْكُمْ أَحَسَّ مِنْ نَفْسِهِ رَبَاطَةَ جَأْشٍ عِنْدَ اَللِّقَاءِ وَ رَأَى مِنْ أَحَدٍ مِنْ إِخْوَانِهِ فَشَلاً فَلْيَذُبَّ عَنْ أَخِيهِ بِفَضْلِ نَجْدَتِهِ اَلَّتِي فُضِّلَ بِهَا عَلَيْهِ كَمَا يَذُبُّ عَنْ نَفْسِهِ فَلَوْ شَاءَ اَللَّهُ لَجَعَلَهُ مِثْلَهُ إِنَّ اَلْمَوْتَ طَالِبٌ حَثِيثٌ لاَ يَفُوتُهُ اَلْمُقِيمُ وَ لاَ يُعْجِزُهُ اَلْهَارِبُ إِنَّ أَكْرَمَ اَلْمَوْتِ اَلْقَتْلُ وَ اَلَّذِي نَفْسُ ؟ اِبْنِ أَبِي طَالِبٍ ؟ بِيَدِهِ لَأَلْفُ ضَرْبَةٍ بِالسَّيْفِ أَهْوَنُ عَلَيَّ مِنْ مِيتَةٍ عَلَى اَلْفِرَاشِ فِي غَيْرِ طَاعَةِ اَللَّهِ أقول : رواه الواقدي مع تأخير و تقديم و زيادات ، ففي ( جمل المفيد ) : روى الواقدي عن عبد اللّه بن عمر بن عليعليه‌السلام عن أبيه قال : لمّا سمع أبي أصوات الناس يوم الجمل و قد ارتفعت قال لابنه محمد : ما يقولون ؟ قال : يقولون يا ثارات عثمان فشدّ عليه ، و أصحابه يقولون له : ارتفعت الشمس و هو يقول لهم : الصبر أبلغ حجّة ثم قام خطيبا يتوكأ على قوس عربية و قال بعد الحمد و الصلاة : أما بعد ، فان الموت طالب حثيث لا يفوته الهارب و لا يعجزه فأقدموا و لا تنكلوا ، و هذه الأصوات التي تسمعونها من عدوّكم فشل و اختلاف ، إنّا كنّا نؤمر في الحرب بالصمت ، فعضّوا على الناجذ و اصبروا لوقع السيوف ،

فوالذي نفسي بيده لألف ضربة بالسيف أهون عليّ من موتة على فراشي ،

فقاتلوهم صابرين محتسبين ، فان الكتاب معكم و السنّة معكم و من كانا معه

____________________

( ١ ) الكامل لابن الأثير ٧ : ٥٠١ ٥٠٢ .

٤٧٨

فهو القوي أصدقوهم ، فأي امرئ أحسّ من نفسه شجاعة و اقداما و صبرا عند اللقاء فلا يبطرنه و لا يرى ان له فضلا على من دونه ، و ان رأى من أخيه فشلا و ضعفا فليذبّ عنه كما يذبّ عن نفسه ، فان اللّه لو شاء لجعله مثله .١ .

و روى صدره ( إرشاد المفيد ) مع زيادات فقال : لمّا دخلعليه‌السلام البصرة حرّض أصحابه على الجهاد و قال في جملة كلامه : انهدّوا إليهم و كونوا أشدّاء عليهم و القوهم صابرين تعلمون أنّكم منازلوهم و مقاتلوهم و لقد و طّنتم أنفسكم على الطعن الدعسي و الضرب الطلحفي و مبارزة الأقران و أي امرئ منكم إلى قوله « فلو شاء اللّه لجعله مثله » مع اختلاف يسير٢ .

و روى ذيله ( الكافي ) مع زيادات فقال : علي بن ابراهيم عن أبيه عن ابن محبوب رفعه انّهعليه‌السلام خطب يوم الجمل إلى أن قال أيّها الناس ان الموت لا يفوته المقيم و لا يعجزه الهارب ، ليس عن الموت محيص و من لم يقتل يمت ان أكرم الموت القتل٣ .

قول المصنف : « و من كلام لهعليه‌السلام » لو كان قال « و من خطبة لهعليه‌السلام » كان أيضا صحيحا لما عرفت من رواية الكليني و الواقدي من كون كلامهعليه‌السلام خطبة .

« قال لأصحابه في ساعة الحرب » هكذا في ( المصرية )٤ و مثله ( ابن أبي الحديد )٥ لكن في ( ابن ميثم ) : « قال لأصحابه وقت الحرب » و هو الأصح حيث ان نسخته بخط مصنّفه مع انّه يصدقه ( الخطية ) و كيف كان فلو كان قال « قبل

____________________

( ١ ) الجمل للمفيد : ١٥٠ ١٥١ و هي رواية الواقدي .

( ٢ ) الإرشاد ، للمفيد : ١٣٤ .

( ٣ ) الكافي للكليني ٥ : ٥٣ ح ٤ .

( ٤ ) الطبعة المصرية : ٢٨٩ .

( ٥ ) شرح نهج البلاغة ابن أبي الحديد ٧ : ٣٠٠ رواية ( ١٢٢ ) .

٤٧٩

الحرب » أو « لمّا أراد الحرب » حيث ان في رواية الواقدي بعد ذكر الخطبة « ثم دعاعليه‌السلام بدرعه فلبسه » كان أحسن١ .

و كيف كان فقد عرفت أن المراد حرب الجمل و لم يتفطنّ له الشّراح حتى قال الخوئي : لم أظفر بعد على انّه أيّ حرب .

قولهعليه‌السلام « و أي امرئ منكم أحسّ » أي : وجد و الأصل فيه سمع حسّه .

« من نفسه رباطة جأش » الأصل في الجأش الهمز٢ ، و في ( الصحاح ) : يقال « فلان رابط الجأش » و الجأش الرواع إذا اضطرب عند الفزع ، أي يربط نفسه عن الفرار لشجاعته .

« عند اللقاء » أي : لقاء العدو في الحرب .

« و رأى من أحد من أخوانه فشلا » أي : جبنا .

« فليذب » أي : يدفع العدو .

« عن أخيه بفضل نجدته » أي : زيادة شجاعته .

« كما يذبّ عن نفسه » العدوّ لأن مقصد الكلّ واحد إقامة الدين و تقويته .

و في ( الطبري ) في وقعة الطف : قاتل عمرو بن خالد الصيداوي و جابر بن الحارث السلماني و سعد مولى عمر بن خالد و مجمع بن عبد اللّه العائذي في أوّل القتال ، فشدّوا مقدمين بأسيافهم على عسكر ابن سعد ، فلما و غلوا عطفوا عليهم فأخذوا يحوزونهم و قطعوهم من أصحابهم غير بعيد ، فحمل عليهم العباس بن علي فاستنقذهم ، فجاؤوا قد جرحوا ، فلما دنا منهم عدوّهم شدّوا بأسيافهم فقتلوا في أوّل الأمر في مكان واحد٣ .

____________________

( ١ ) الجمل : ١٥٠ ١٥١ و هي رواية الواقدي .

( ٢ ) شرح منهاج البراعة لحبيب اللّه الخوئي ٨ : ١٥١ .

( ٣ ) تاريخ الملوك و الأمم للطبري ٤ : ٣٤٠ .

٤٨٠

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617