بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٣

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة6%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 617

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤
  • البداية
  • السابق
  • 617 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 194201 / تحميل: 7311
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٣

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

حمامك » قال : فاذا طاب حمامي فأي شي‏ء لي ؟ قال : طهر ما طاب منك و طاب ما طهر منك١ .

هذا ، و في ( الصحاح ) : كانت العرب تقول في الجاهلية اذا ولد لأحدهم بنت : « هنيئا لك النافجة » أي المعظمة لمالك لأنّك تأخذ مهرها فتضمّه إلى مالك فينفج٢ .

و قال ابن أبي الحديد كانت تحية الجاهلية : « أبيت اللعن » فنهى عنها و جعل عوضها « سلام عليكم »٣ .

قلت : انما كان « أبيت اللعن » عندهم تحية الملوك ، و السلام تحية لجميع الناس فكيف يكون بدلا عنه ؟

« و لكن قل شكرت الواهب و بورك لك في الموهوب و بلغ أشدّه و رزقت بره » في حديث الأربعمائة ، عنهعليه‌السلام في أمر الدين و الدّنيا : اذا هنّأتم الرجل عن مولود ذكر فقولوا : بارك اللّه لك في هبته و بلغ أشده و رزقت بره٤ .

و في ( كامل المبرّد ) : يروى عن عليعليه‌السلام أنّه افتقد عبد اللّه بن عباس فقال :

ما باله لم يحضر ؟ فقالوا : ولد له مولود فأتاه فهنأه فقال : « شكرت الواهب و بورك لك في الموهوب » ما سمّيته ؟ قال : أو يجوز أن أسميه حتى تسميه ؟

فأمر به فأخرج إليه فأخذه و حنكه و دعا له ثم ردّه إليه و قال له : « خذ إليك أبا الأملاك ، قد سمّيته عليّا و كنيته أبا الحسن » فلما قام معاوية قال لابن عباس ليس لكم اسمه و كنيته قد كنيته أبا محمد فجرت عليه٥ هذا ، و في ( اليتيمة ) :

____________________

( ١ ) الكافي ٦ : ٥٠٠ ح ٢١ .

( ٢ ) الصحاح ١ : ٣٤٥ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ١٩ : ٢٧٠ .

( ٤ ) حديث الأربعمائة :

( ٥ ) الكامل ، للمبرّد ٢ : ٥٧٢ ٥٧٣ .

٤٦١

كتب بعض العلوية إلى الصاحب : رزقت مولودا فسمّه و كنّه فوقع في رقعته « أسعدك اللّه بالفارس الجديد و الطالع السعيد ، فقد و اللّه ملأ العين قرّة و النفس مسرة و الاسم علي ليعلي اللّه ذكره و الكنية أبو الحسن ليحسن اللّه أمره ، فانّي ارجو له فضل جدّه و سعادة جدّه ، و قد بعثت لتعويذه دينارا من مائة مثقال قصدت به مقصد الفال رجاء أن يعيش مائة عام و يخلص خلاص الذهب الأبزر من نوب الأيام ، و السلام »١ .

و قيل لأعرابي و لد له ولد : جعله اللّه برّا تقيّا فقال : لا بل جبّارا عصيّا يخافه أعداؤه و يؤمله أصدقاؤه .

____________________

( ١ ) يتيمة الدهر ٣ : ٢٣١ .

٤٦٢

الفصل الثامن و الاربعون في آداب الحرب

٤٦٣

١ الخطبة ( ١١ ) و من كلام له ع لابنه ؟

محمد بن الحنفية ؟ لما أعطاه الراية ؟ يوم الجمل ؟ تَزُولُ اَلْجِبَالُ وَ لاَ تَزُلْ عَضَّ عَلَى نَاجِذِكَ أَعِرِ اَللَّهَ جُمْجُمَتَكَ تِدْ فِي اَلْأَرْضِ قَدَمَكَ اِرْمِ بِبَصَرِكَ أَقْصَى اَلْقَوْمِ وَ غُضَّ بَصَرَكَ وَ اِعْلَمْ أَنَّ اَلنَّصْرَ مِنْ عِنْدِ اَللَّهِ سُبْحَانَهُ قول المصنّف : « و من كلام لهعليه‌السلام » و في نسخة ( ابن ميثم ) « و من كلامهعليه‌السلام »١ .

« لابنه محمد بن الحنفية » اشتهر بالنسبة إلى امّه خولة الحنفية قال ابن أبي الحديد هي بنت جعفر بن قيس بن مسلمة بن عبيد بن ثعلبة بن يربوع بن ثعلبة بن الدؤل بن حنيفة قال قوم : إنّها من سبايا الردة في أيام أبي بكر على

____________________

( ١ ) في شرح نهج البلاغة لبن ميثم ١ : ٢٨٦ ، « و من كلام له » .

٤٦٤

يد خالد بن الوليد في ارتداد بني حنيفة و ادّعاء مسيلمة النبوّة١ .

و قال المدائني : إنّها من سبابا اليمن في أيام النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في ارتداد زبيد مع عمرو بن معديكرب ، و كانت زبيد سبتها من بني حنيفة فصارت في سهم عليعليه‌السلام ، فقال له النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : إن ولدت منك غلاما فسمّه باسمي و كنّه بكنيتي٢ .

و قال البلاذري في ( تاريخ أشرافه ) : ان بني أسد أغارت على بني حنيفة في أيام أبي بكر فسبوها و قدموا بها المدينة فباعوها من عليعليه‌السلام ، و بلغ قومها خبرها فقدموا على علي و أخبروه بموضعها منهم فأعتقها و تزوجها٣ .

قلت : و في ( المروج ) : عن كتاب أخبار النوفلي : قال الوليد بن هشام المخزومي : خطب ابن الزبير فنال من عليعليه‌السلام ، فبلغ ذلك ابنه محمّد بن الحنفية فجاء و وضع له كرسي قدامه فعلاه و قال : يا معشر قريش شاهت الوجوه أينتقص عليّعليه‌السلام و أنتم حضور ، ان عليّا كان سهما صائبا أحد مرامي اللّه على أعدائه ، يقتلهم لكفرهم و يهوعهم مآكلهم ، فثقل عليهم فرموه بصرفة الأباطيل فان تكن لنا في الأيام دولة ننثر عظامهم و نحسر عن أجسادهم و الأبدان يومئذ بالية ، . و سيعلم الذين ظلموا أي منقلبٍ ينقلبون فعاد ابن الزبير إلى خطبته و قال : عذرت بني الفواطم يتكلّمون ، فما بال ابن الحنيفة ؟ فقال محمد : يا ابن ام رومان و ما لي لا أتكلّم ، أليست فاطمة بنت محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله حليلة أبي و ام اخوتي ، أو ليست فاطمة بنت أسد بن هاشم

____________________

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ٢٤٤ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ٢٤٤ .

( ٣ ) تاريخ الاشراف ، للبلاذري ٢ : ٢٠١ .

٤٦٥

جدّتي ، أو ليست فاطمة بنت عمرو بن عائذ جدّة أبي ، أما و اللّه لو لا خديجة بنت خويلد ما تركت في بني أسد عظما إلاّ هشّمته١ « لما أعطاه الراية يوم الجمل » قال ابن أبي الحديد لما تقاعس محمد يوم الجمل عن الحملة و حمل عليعليه‌السلام بالراية فضعضع أركان عسكر الجمل ، دفع إليه الراية و قال له : امح الاولى بالاخرى و هذه الأنصار معك و ضمّ إليه خزيمة بن ثابت ذا الشهادتين في جمع منهم من أهل بدر ، فحمل حملات كثيرة أزال بها القوم عن مواقفهم و أبلى بلاء حسنا ، فقال خزيمة لعليّعليه‌السلام : أما إنّه لو كان غير محمد اليوم لا فتضح ، و لئن كنت خفت عليه الجبن و هو بينك و بين حمزة و جعفر لما خفناه عليه ، و ان كنت أردت أن تعلمه الطعان فطالما علّمته الرجال .

و قالت الأنصار : يا أمير المؤمنين لو لا ما جعل اللّه تعالى للحسن و الحسينعليهما‌السلام لما قدمنا على محمّد أحدا من العرب فقال عليعليه‌السلام : أين النجم من الشمس و القمر ، أما إنّه قد أغنى و أبلى و له فضله و لا ينقصه فضل صاحبيه عليه ، و حسب صاحبكم ما انتهت به نعمة اللّه تعالى إليه فقالوا : إنّا و اللّه ما نجعلها كالحسن و الحسينعليهما‌السلام و لا نظلمهما له و لا نظلمه لفضلهما عليه حقه فقال عليعليه‌السلام : اين يقع ابني من ابني النبي ؟ فقال خزيمة :

محمّد ما في عودك اليوم و صمة

و لا كنت في الحرب الضروس معردا

أبوك الذي لم يركب الخيل مثله

علي و سمّاك النبيّ محمّدا

فلو كان حقّا من أبيك خليفة

لكنت و لكن ذاك ما لا يرى بدا

____________________

( ١ ) المروج ٣ : ٨٩ دار المعرفة و الآية ( ٢٢٧ ) من سورة الشعراء .

٤٦٦

و أنت بحمد اللّه أطول غالب

لسانا و انداها بما ملكت يدا

و أقربها من كلّ خير تريده

قريش و أوفاها بما قال موعدا

و أطعنهم صدر الكمي برمحه

و أكساهم للهام عضبا مهندا

سوى أخويك السيدين كلاهما

امام الورى و الداعيان إلى الهدى

أبى اللّه أن يعطي عدوّك مقعدا

من الأرض أو في اللوح مرقى و مصعدا١

 قلت : و في ( المروج ) : جاء ذو الشهادتين إلى عليعليه‌السلام فقال له : لا تنكس اليوم رأس محمّد واردد إليه رأيته فدعا به و ردّ عليه الراية و قال :

اطعنهم طعن أبيك تحمد

لا خير في الحرب اذا لم توقد

بالمشرفي و القنا المشرد٢ قولهعليه‌السلام « تزول الجبال و لا تزل » الأصل في كلامهعليه‌السلام قوله تعالى :إنّ اللّهَ يُحِبُّ الّذينَ يُقاتِلُونَ في سَبيلِهِ صَفّاً كأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مرصوص ٣ .

قال ابن أبي الحديد في أخبار صفين : ان بني عك و كانوا مع أهل الشام حملوا في يوم حجرا و عقلوا أنفسهم بعمائمهم و تحالفوا أنّا لا نفرّ حتى يفرّ هذا الحكر أي الحجر تبدل عك الجيم كافا٤ .

____________________

( ١ ) نهج ١ : ٢٤٥ .

( ٢ ) المروج ٢ : ٣٦٧ .

( ٣ ) الصف : ٤ .

( ٤ ) شرح ابن أبي الحديد ٥ : ١٨٤ ، و كذلك وقعة صفين : ٣٢٩ ، لنصر بن مزاحم .

٤٦٧

قلت : و في ( الأغاني ) : كان عوف بن مالك عمّ المرقش الأكبر من فرسان بكر ابن وائل و هو القائل يوم قصة : يا لبكر بن وائل أ في كلّ يوم فرارا ،

محلوفي لا يمرّ بي رجل من بكر منهزما إلاّ ضربته بسيفي و برك يقاتل فسمي يومئذ المبرك .

« عض على ناجذك » في ( الصحاح ) : الناجذ : آخر الأضراس ، و للإنسان أربعة نواجذ في أقصى الأسنان بعد الارحاء ، و يسمّى ضرس الحلم لأنّه ينبت بعد البلوغ و كمال العقل ، يقال « ضحك حتى بدت نواجذه » : اذا استغرب فيه١ .

و في ( الأساس ) : أبدى ناجذه اذا بالغ في ضحكه أو غضبه قال بشر :

اذا ما الحرب أبدت ناجذيها

غداة الروع و التقت الجموع٢

و بينعليه‌السلام وجه أمره بالعض على الناجذ في موضع آخر بكونه أنبى للسيوف عن الهام قالوا : لأن عظام الرأس تصلب حينئذ .

« أعر اللّه جمجمتك » في ( الصحاح ) : الجمجمة عظم الرأس المشتمل على الدماغ٣ .

قال ابن أبي الحديد يمكن أن يكون في كلامهعليه‌السلام اشعار انّه لا يقتل في تلك الحرب ، لأن العارية مردودة ، و لو قال له « بع اللّه جمجمتك » لكان ذلك اشعارا له بالشهادة٤ .

قلت : بل أعلمه ببقاء أجله ، ففي المروج بعثعليه‌السلام إلى ابنه محمد و كان صاحب رايته احمل على القوم ، فأبطأ كان بإزائه قوم من الرماة ينتظر نفاد سهامهم ، فأتاهعليه‌السلام فقال له : هلاّ حملت ؟ فقال : لا أجد متقدّما إلاّ على سهم أو

____________________

( ١ ) الصحاح للجوهري ٢ : ٥٧١ ، مادة ( نجذ ) .

( ٢ ) الأغاني ، راجع ترجمة هاشم الفند الزماني ٢٤ : ٩٣ ٩٥ .

( ٣ ) الصحاح للجوهري ٤ : ١٨٩١ .

( ٤ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ٢٤٢ .

٤٦٨

سنان ، و انّي لمنتظر نفاد سهامهم ثم أحمل فقالعليه‌السلام : احمل بين الأسنة فان للموت عليك جنة١ .

« تد » من وتد يتد .

« في الأرض قدمك » أي : اجعل قدمك ثابتة كالوتد قال الشاعر :

لاقت على الماء جذيلا واتدا

و كان لا يخلفها المواعدا

قال تعالىيا أَيُّها الّذِينَ آمَنُوا إذا لَقِيْتُم فِئَةً فاثبتوا وَ اذْكُروا اللّه كثيراً لَعلَّكُمْ تُفْلِحُوْن ٢ .

« ارم ببصرك أقصى القوم » في ( العقد ) : قال عليعليه‌السلام : من أكثر النظر في العواقب لم يشجع٣ .

« و غض بصرك » في ( العقد ) : كان قتيبة بن مسلم يقول لأصحابه : اذا غزوتم فأطيلوا الأظفار و قصّوا الشعر ، و الحظوا الناس شزرا و كلّموهم رمزا و اطعنوهم و خزا٤ .

و كان ابو مسلم يقول لقواده : اشعروا قلوبكم الجرأة ، فأنا من اسباب الظفر٥ .

« و اعلم أنّ النصر من عند اللّه سبحانه » في ( العقد ) :٦ كتب أنو شيروان إلى مرازبته : عليكم بأهل السخاء و الشجاعة فإنّهم أهل حسن الظنّ باللّه٧ .

____________________

( ١ ) مروج الذهب للمسعودي ٢ : ٣٦٦ .

( ٢ ) الأنفال : ٤٥ .

( ٣ ) العقد الفريد ابن عبد ربه ١ : ٩٧ .

( ٤ ) المصدر نفسه ١ : ١٣٤ .

( ٥ ) المصدر نفسه ١ : ١٣٤ .

( ٦ ) المصدر نفسه ١ : ١٣٤ .

( ٧ ) المصدر نفسه ١ : ١٠٠ .

٤٦٩

في ( المروج ) : حمل محمد بن الحنفية فسكن بين الرماح و النشاب ،

فوقف فأتاه عليعليه‌السلام فضربه بقائم سيفه و قال : أدركك عرق من أمك و أخذ الرأية و حمل و حمل الناس معه ، فما كان القوم إلاّ كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف١ .

و في ( جمل المفيد ) : قال محمد بن عبد اللّه بن عمر بن دينار : قال عليعليه‌السلام لابنه محمد : خذا الراية و امض و هو خلفه فناداه يا أبا القاسم فقال : يا بنيّ لا يستفزنك ما ترى قد حملت الراية و أنا أصغر منك فما استفزني عدوّي ، و ذلك أنّني لم أبارز أحدا إلاّ حدثتني نفسي بقتله ، فحدّث نفسك بعون اللّه تعالى بظهورك ، و لا يخذلك ضعف النفس فان ذلك أشدّ ألخذلان قال : يا أباه أرجو أن أكون كما تحب قال : فالزم رايتك ، فان اختلفت الصفوف فقف مكانك و بين أصحابك ، فان لم تبن من أصحابك فاعلم أنّهم سيرونك قال محمد : و واللّه اني لفي وسط أصحابي و صاروا كلّهم خلفي و ما بيني و بين القوم أحد يردّهم عني و أنا اريد أن أتقدّم في وجوه القوم ، فما شعرت إلاّ بأبي خلفي قد جرّد سيفه و هو يقول : لا تقدم حتى أكون أمامك فتقدّم بين يدي يهرول و معه طائفة من أصحابه ، فضرب الذين في وجهه فنظرت إليه يفرج الناس يمينا و شمالا و يسوقهم أمامه ، فأردت أن أجول فكرهت خلافه حتى انتهى إلى الجمل و حوله أربعة آلاف مقاتل من بني ضبة و الأزد و تميم و غيرهم و صاح :

اقطعوا البطان فأسرع محمد بن أبي بكر فقطعه و اطلع الهودج٢ .

و قال ابن جريح : لمّا ردّ عليعليه‌السلام الراية إلى ابنه محمد قال له : احسن حملها و توسّط أصحابك و لا تخفض عاليها و اجعلها مستشرفة يراها

____________________

( ١ ) المروج ٢ : ٣٦٦ .

( ٢ ) الجمل للمفيد : ١٩٦ .

٤٧٠

أصحابك ففعل فقال عمّار لمحمّد : ما أحسن ما حملت الرأية اليوم فقال له عليعليه‌السلام : بعد ما ذا فقال عمّار : ما العلم إلاّ بالتعلّم١ .

و عن المدائني و الواقدي : زحف عليعليه‌السلام بنفسه نحو الجمل و دفع الراية إلى ابنه محمد و قال : أقدم بها حتى تركزها في عين الجمل و لا تقفن دونه ، فتقدّم فرشقته السهام ، فأنفذ إليه عليعليه‌السلام يستحثه ، فلما أبطأ عليه جاء بنفسه من خلفه فوضع يده اليسرى على منكبه الأيمن و قال له : اقدم لا أمّ لك .

فكان محمّد اذا ذكر ذلك يبكي و يقول : لكأني أجد ريح نفسه في قفاي ، و اللّه لا أنسى ذلك أبدا فتناول الراية منه بيده اليسرى و ذو الفقار مشهور في يده اليمنى ، ثم حمل فغاص في عسكر الجمل ثم رجع و قد انحنى سيفه فأقامه بركبته فقال له بنوه و أصحابه و الأشتر و عمّار : نحن نكفيك ، فلم يجب أحدا منهم و لا ردّ إليهم بصره و ظلّ ينحط و يزأر زئير الأسد حتى فرّقه من حوله و تبادروه و انّه لطامح بصره نحو عسكر البصرة لا يبصر من حوله و لا يردّ حوارا ثم دفع الراية إلى محمّد ، ثم حمل حملة ثانية وحده فدخل وسطهم فضربهم بالسيف قدما قدما و الرجال تفرّ من بين يديه و تنحاز عنه يمنة و شامة ، حتى خضّب الأرض بدماء القتلى ، ثم رجع و قد انحنى سيفه فأقامه بركبته فأعصوصب به أصحابه و ناشدوه اللّه في نفسه و في الإسلام و قالوا :

انّك ان تصب يذهب الدين فقال : و اللّه ما أريد بما ترون إلاّ وجه اللّه و الدّار الآخرة ثم قال لمحمّد : هكذا اصنع يابن الحنفية فقال الناس : من الذي يستطيع يا أمير المؤمنين ما تستطيعه .

و روى الواقدي كما في ( جمل المفيد ) عن ابن الحنفية قال : فالتقينا و أبي خلفي بين كتفي يقول : يا بني تقدّم فقلت : ما أجد متقدّما إلاّ على الأسنة ،

____________________

( ١ ) الجمل للمفيد : ١٩٢ .

٤٧١

فغضب و قال : أقول لك تقدّم و تقول هكذا ، ثق باللّه و تقدّم بين يدي على الأسنة .

و تناول الرواية مني ، و تقدّم يهرول بها فأخذتني حدّه فلحقته و قلت : أعطنيها .

فأعطانيها و قد عرفت ما وصف لي ، ثم تقدّم بين يدي و جرّد سيفه فرمقت لضربه و اذا يورد السيف و يصدره و لا أرى فيه دما يسرع اصداره فيسبق الدم إلى أن قال و صاح : يا ابن أبي بكر اقطع البطان فقطعه و تلقوا الهودج فكأن و اللّه الحرب جمرة صبّ عليها الماء١ .

٢ الحكمة ( ٢٣٣ ) و قالعليه‌السلام لابنه الحسن :

لاَ تَدْعُوَنَّ إِلَى مُبَارَزَةٍ وَ إِنْ دُعِيتَ إِلَيْهَا فَأَجِبْ فَإِنَّ اَلدَّاعِيَ بَاغٍ وَ اَلْبَاغِيَ مَصْرُوعٌ أقول : رواه المبرد في ( كامله )٢ ، و روى ( الكافي ) نظيره ، روى في باب ( طلب مبارزته ) أنّ رجلا دعا بعض بني هاشم إلى البراز ، فأبى أن يبارزه ، فقال له عليعليه‌السلام : ما منعك أن تبارزه قال : كان فارس العرب و خشيت أن يغلبني .

فقالعليه‌السلام : انّه بغى عليك ، و لو بارزته لغلبته ، و لو بغى جبل على جبل لهد الباغي٣ .

و في ( صفين نصر ) بعد ذكر قتل جمع كثير من أهل الشام أنّ ابرهة بن الصباح الحميري و كان من رؤساء أصحاب معاوية قام فقال : ويلكم يا معشر أهل اليمن و اللّه اني لأظن ان اللّه قد اذن لفنائكم ، و يحكم خلوا بين هذين

____________________

( ١ ) الجمل للمفيد : ١٩١ .

( ٢ ) لم نعثر عليه في الكامل في الأدب لكنّه موجود في العقد الفريد ١ : ١٠٢ .

( ٣ ) الكافي في الكليني ٥ : ٣٤ ح ٢ .

٤٧٢

الرجلين فليقتتلا فأيّهما قتل صاحبه ملنا معه جميعا فبلغ ذلك عليّاعليه‌السلام فقال :

صدق ابرهة ، و اللّه ما سمعت بخطبة منذ وردت أهل الشام أنا بها أشدّ سرورا منّي بهذه و بلغ معاوية كلام ابرهة فتأخّر آخر الصفوف و قال لمن حوله : انّي لأظن ابرهة مصابا في عقله فأقبل أهل الشام يقولون : و اللّه ان ابرهة لأفضلنا دينا و رأيا و بأسا ، و لكن معاوية كره مبارزة علي .

فبرز عروة بن داود الدمشقي فقال : يا أبا الحسن ان كان معاوية كره مبارزتك فهلم إليّ ، فتقدّم إليه عليعليه‌السلام ، فقال له أصحابه : ذر هذا الكلب فانّه ليس لك بخطر فقالعليه‌السلام : و اللّه ما معاوية اليوم بأغيظ لي منه دعوني و إيّاه ثم حمل عليه فضربه فقطعه قطعتين سقطت إحداهما يمنة و الاخرى يسرة فارتجّ العسكران لهول الضربة ثم قالعليه‌السلام « يا عروة اذهب فأخبر قومك ، أما و الذي بعث محمّدا بالحقّ لقد عاينت النار و أصبحت من النادمين » و قال عبد اللّه ابن عبد الرحمن الأنصاري :

عرو يا عرو قد لقيت حماما

إذ تقحمت في حما اللهوات

أعليّا لك الهوان تنادي

ضيغما في أياطل الحومات

ليس للّه فارس كأبي الشبلين

ما أن يهوله المقلقات

مؤمنا بالقضاء محتسبا

بالخير يرجو الثواب بالسابقات

ليس يخشى كريهة في لقاه

لا و لا ما يجي‏ء بالآفات

فلقد ذقت في الجحيم نكالا

و ضراب المقامع المحميات

يابن داود قد وقيت ابن هند

ان يكون القتيل بالمقفرات

و حمل ابن عم لعروة على عليعليه‌السلام فألحقه بعروة و معاوية واقف على التلّ يبصر و يشاهد ، فقال : تبا لهذه الرجال و قبحا ، أما فيهم من يقتل هذا مبارزة أو غيلة أو في اختلاط الفيلق و ثوران النقع فقال له الوليد بن عقبة :

٤٧٣

ابرز إليه أنت فإنّك أولى الناس بمبارزته فقال : و اللّه لقد دعاني إلى البراز حتى استحييت من قريش ، و إنّي و اللّه لا أبرز إليه و ما جعل العسكر إلاّ وقاية للرئيس و قال معاوية لبسر بن أرطاة : أتقوم لمبارزته ؟ فقال : ما أحد أحقّ بها منك ، و إذ أبيتموه فأنا له ، و كان أتى بسرا من الحجاز ابن عم له يخطب ابنته فقال له : اني سمعت أنّك وعدت من نفسك أن تبارز عليا فما يدعوك إلى ذلك ؟

قال : الحياء خرج مني شي‏ء فأنا أستحي أن أرجع عنه .

فغدا عليعليه‌السلام منقطعا من خيله و معه الأشتر ، فاستقبله بسر و ناداه :

ابرز إلى أبا حسن ، فانحدر إليه عليعليه‌السلام على تؤدة غير مكترث به حتى اذا قاربه طعنه و هو دارع ، فألقاه إلى الأرض فقصد بسر أن يكشفها ليستدفع بأسته ، فانصرف عنه عليعليه‌السلام مستدبرا له ، فعرفه الأشتر حين سقط فقال لهعليه‌السلام : هذا بسر عدوّ اللّه و عدوّك فقالعليه‌السلام دعه عليه لعنة اللّه أبعد أن فعلها و كان قبله عمرو بن العاص فعل ذلك فقال النضر بن الحارث :

أفي كلّ يوم فارس تندبونه

له عورة وسط العجاجة بادية

يكفّ بها عنه علي سنانه

و يضحك منها في الخلاء معاوية

بدت أمس من عمرو فقنع رأسه

و عورة بسر مثلها حذ و حاذية

فقولا لعمرو و ابن ارطاة أبصرا

سبيلكما لا تلقيا الليث ثانية

و لا تحمدا إلا الحيا و خصاكما

هما كانتا و اللّه للنفس واقية١

هذا ، و في ( الطبري ) في غزوة احد : قال طلحة بن عثمان صاحب لواء المشركين : يا معشر أصحاب محمّد انّكم تزعمون أنّ اللّه يعجلنا بسيوفكم إلى النار و يعجلكم بسيوفنا إلى الجنّة ، فهل منكم أحد يعجله اللّه بسيفي إلى الجنّة أو يعجّلني بسيفه إلى النار فقام إليه عليعليه‌السلام فقال : و الذي نفسي بيده لا

____________________

( ١ ) وقعة صفين لنصر بن مزاحم : ٤٥٧ .

٤٧٤

أفارقك حتى اعجلك أو تعجّلني فضربه فقطع رجله فسقط فانكشفت عورته فقال : أنشدك اللّه و الرحم يابن عم فتركه فكبّر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله و قال له : ما منعك أن تجهز عليه ؟ قال : ان ابن عمّي ناشدني حين انكشفت عورته فاستحييت منه١ .

ثم مورد كلامهعليه‌السلام فيمن دعا شخصا خالصا إلى المبارزة بكونه باغيا مصروعا دون من دعا إلى المبارزة عاما فيمكن ألا يكون بمصروع .

و في ( صفين نصر ) : ذكر صعصعة ان كريب بن الصباح من آل ذي يزن و لم يكن في أهل الشام أشهر منه شدّة بالبأس برز و نادى من يبارز ، فبرز إليه المرتفع بن وضاح الزبيدي فقتل المرتفع ثم نادى من يبارز ، فبرز إليه الحارث بن جلاح فقتله ، ثم نادى من يبارز فبرز إليه عائذ بن مسروق الهمداني فقتل عائذا ، ثم رمى بأجسادهم بعضها فوق بعض ثم قام عليها بغيا و اعتداء ،

ثم نادى هل من مبارز ، فبدر إليه عليّعليه‌السلام ثم ناداه : ويحك يا كريب إنّي احذّرك و أدعوك إلى سنّة اللّه و سنّة رسوله ، ويحك لا يدخلك ابن آكلة الأكباد النار .

فأجاب : ما أكثر ما سمعنا هذه المقالة منك فلا حاجة لنا فيها ، أقدم اذا شئت من يشتري سيفي و هذا أثره فقال عليعليه‌السلام : لا حول و لا قوّة إلاّ باللّه ثم مشى إليه ،

فلم يمهله ان ضربه ضربة خر منها قتيلا يتشحط في دمه .

ثم نادىعليه‌السلام من يبارز فبرز إليه الحارث بن وداعة الحميري فقتله ثم نادى من يبارز ، فبرز إليه المطاع بن المطلب العبسي فقتله ثم نادى من يبارز ،

فلم يبرز إليه أحد فنادى : يا معشر المسلمين الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْر الْحَرامِ وَ الْحُرُماتُ قصاص فَمَن اعْتَدى عَليْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُم وَ اتَّقُوا اللّهَ وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ مَعَ المُتّقِين٢ .

____________________

( ١ ) تاريخ الملوك للطبري ٢ : ١٩٤ .

( ٢ ) وقعة صفين لنصر بن مزاحم : ٣١٥ و الآية ( ١٩٤ ) من سورة البقرة .

٤٧٥

هذا ، و في ( صفين نصر ) : مرّ عليعليه‌السلام و معه بنوه نحو الميسرة و النبل يمرّ بين عاتقه و منكبيه ، و ما من بنيه أحد إلاّ يقيه بنفسه و يكره عليّ ذلك إلى أن قال فبصر به أحمر مولى أبي سفيان أو بعض بني اميّة فقال عليّ : و ربّ الكعبة قتلني اللّه إن لم أقتلك فأقبل نحوهعليه‌السلام ، فخرج إليه كيسان مولى علي علي فقتله مولى بني امية ، ثم خالط عليّا ليضربه بالسيف فانتهزه عليعليه‌السلام ، فوقع يده في جيب درعه فجذبه ثم حمله على عاتقه و رجلاه تختلفان على عنقه ثم ضرب به الأرض فكسر منكبه و عضده و شد ابناه الحسين و محمد عليه فضرباه و عليعليه‌السلام ينظر إليهما حتى قتلاه ، ثم أقبلا إلى أبيهما و الحسنعليه‌السلام معه قائم قال : يا بني ما منعك أن تفعل كما فعل أخواك ؟

قال : كفياني يا أمير المؤمنين١ .

و في ( الطبري ) : لمّا لحلق الحر بالحسينعليه‌السلام قال يزيد بن سفيان التميمي : لو أنّي رأيته حين خرج لأتبعته السنان ثم لما حمل الحر عليهم قال الحصين بن تميم ليزيد : هذا الحر الذي كنت تتمنى ؟ قال : نعم فخرج إليه و قال له : هل لك يا حر في المبارزة ؟ قال : نعم فبرز له فكأنّما كانت نفسه في يده فما لبثه حين خرج إليه أن قتله٢ .

و في ( الأغاني ) في وقعة دولاب قال سلامة الباهلي : لمّا قتلت نافع بن الأزرق رئيس الأزارقة فإذا أنا برجل ينادي و أنا واقف في خميس بني تميم يعرض عليّ المبارزة ، و جعل يطلبني و أنا أنتقل من خميس إلى خميس و ليس يزايلني ، فصرت إلى رحلي ثم رجعت فدعاني ، فلما أكثر خرجت إليه فاختلفنا ضربتين فضربته فصرعته و نزلت فأخذت رأسه و سلبته ، فإذا هي أمرأته قد

____________________

( ١ ) وقعة صفين لنصر بن مزاحم : ٢٤٩ .

( ٢ ) تاريخ الملوك و الامم للطبري : ٤ : ٣٣٠ .

٤٧٦

رأتني حين قتلته فخرجت لتثأربه١ .

و في ( عيون القتيبي ) و غيره : قال أبو الأغر التميمي : اني لو اقف يوم صفين إذ نظرت إلى العباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب و هو على فرس أدهم و كأن عينيه عينا أفعى ، فبينا هو يلين من عريكته إذ هتف به هاتف من أهل الشام يقال له عرّار بن أدهم : يا عباس هلم إلى البراز فبرز إليه العباس فقتله إلى أن قال فقال له عليعليه‌السلام : ألم أنهك و حسنا و حسينا و عبد اللّه بن جعفر أن تخلوا مراكزكم و تبارزوا أحدا قال : ان ذلك لكذلك قال فما عدا مما بدأ قال : أفأدعى إلى البراز فلا أجيب جعلني اللّه فداك ؟ قال : نعم طاعة إمامك أولى بك من إجابة عدوّك ، ودّ معاوية أن لا يبقى من بني هاشم نافخ ضرمة إلاّ طعن في نيطه إطفاء لنور اللّه ثم رفع يديه و قال : اللّهم اشكر للعباس مقامه و اغفر ذنبه فاني قد غفرت له٢ .

و مما ينخرط في هذا الباب من ان من دعا غيره إلى المبارزة يكون باغيا و الباغي مصروع هالك ، قصّة عمرو بن الليث الصفار مع اسماعيل بن أحمد الساماني ، ففي ( الكامل ) : سار عمرو في سنة ( ٢٨٧ ) إلى إسماعيل فأرسل إليه إسماعيل أنّك و ليت دنيا عريضة و انّما في يدي ما وراء النهر و أنا في ثغر فاقنع بما في يدك و اتركني في هذا الثغر فأبى فذكر له شدّة العبور بنهر بلخ فقال : لو شئت أن اسكره ببدر الأموال لفعلت فنزل بلخ فسار اسماعيل نحوه و أخذ عليه النواحي ، فصار عمرو كالمحاصر فندم على ما فعل ، فاقتتلوا فلم يكن بينهم كثير قتال حتى انهزم عمرو فولّى هاربا و مر في طريقه بأجمة فقال لعامّة من معه : امضوا في الطريق و سار هو و نفر يسير في الأجمة ، فوحلت به

____________________

( ١ ) الأغاني ٦ : ١٤٤ .

( ٢ ) العيون للقتيبي ١ : ١٨٠ .

٤٧٧

دابته فمضى من معه و جاء أصحاب اسماعيل فأخذوه أسيرا ، فسيّره اسماعيل إلى المعتضد فحبس حتى قتل١ .

٣ الخطبة ( ١٢١ ) و من كلام لهعليه‌السلام قاله لأصحابه في ساعة الحرب :

وَ أَيُّ اِمْرِئٍ مِنْكُمْ أَحَسَّ مِنْ نَفْسِهِ رَبَاطَةَ جَأْشٍ عِنْدَ اَللِّقَاءِ وَ رَأَى مِنْ أَحَدٍ مِنْ إِخْوَانِهِ فَشَلاً فَلْيَذُبَّ عَنْ أَخِيهِ بِفَضْلِ نَجْدَتِهِ اَلَّتِي فُضِّلَ بِهَا عَلَيْهِ كَمَا يَذُبُّ عَنْ نَفْسِهِ فَلَوْ شَاءَ اَللَّهُ لَجَعَلَهُ مِثْلَهُ إِنَّ اَلْمَوْتَ طَالِبٌ حَثِيثٌ لاَ يَفُوتُهُ اَلْمُقِيمُ وَ لاَ يُعْجِزُهُ اَلْهَارِبُ إِنَّ أَكْرَمَ اَلْمَوْتِ اَلْقَتْلُ وَ اَلَّذِي نَفْسُ ؟ اِبْنِ أَبِي طَالِبٍ ؟ بِيَدِهِ لَأَلْفُ ضَرْبَةٍ بِالسَّيْفِ أَهْوَنُ عَلَيَّ مِنْ مِيتَةٍ عَلَى اَلْفِرَاشِ فِي غَيْرِ طَاعَةِ اَللَّهِ أقول : رواه الواقدي مع تأخير و تقديم و زيادات ، ففي ( جمل المفيد ) : روى الواقدي عن عبد اللّه بن عمر بن عليعليه‌السلام عن أبيه قال : لمّا سمع أبي أصوات الناس يوم الجمل و قد ارتفعت قال لابنه محمد : ما يقولون ؟ قال : يقولون يا ثارات عثمان فشدّ عليه ، و أصحابه يقولون له : ارتفعت الشمس و هو يقول لهم : الصبر أبلغ حجّة ثم قام خطيبا يتوكأ على قوس عربية و قال بعد الحمد و الصلاة : أما بعد ، فان الموت طالب حثيث لا يفوته الهارب و لا يعجزه فأقدموا و لا تنكلوا ، و هذه الأصوات التي تسمعونها من عدوّكم فشل و اختلاف ، إنّا كنّا نؤمر في الحرب بالصمت ، فعضّوا على الناجذ و اصبروا لوقع السيوف ،

فوالذي نفسي بيده لألف ضربة بالسيف أهون عليّ من موتة على فراشي ،

فقاتلوهم صابرين محتسبين ، فان الكتاب معكم و السنّة معكم و من كانا معه

____________________

( ١ ) الكامل لابن الأثير ٧ : ٥٠١ ٥٠٢ .

٤٧٨

فهو القوي أصدقوهم ، فأي امرئ أحسّ من نفسه شجاعة و اقداما و صبرا عند اللقاء فلا يبطرنه و لا يرى ان له فضلا على من دونه ، و ان رأى من أخيه فشلا و ضعفا فليذبّ عنه كما يذبّ عن نفسه ، فان اللّه لو شاء لجعله مثله .١ .

و روى صدره ( إرشاد المفيد ) مع زيادات فقال : لمّا دخلعليه‌السلام البصرة حرّض أصحابه على الجهاد و قال في جملة كلامه : انهدّوا إليهم و كونوا أشدّاء عليهم و القوهم صابرين تعلمون أنّكم منازلوهم و مقاتلوهم و لقد و طّنتم أنفسكم على الطعن الدعسي و الضرب الطلحفي و مبارزة الأقران و أي امرئ منكم إلى قوله « فلو شاء اللّه لجعله مثله » مع اختلاف يسير٢ .

و روى ذيله ( الكافي ) مع زيادات فقال : علي بن ابراهيم عن أبيه عن ابن محبوب رفعه انّهعليه‌السلام خطب يوم الجمل إلى أن قال أيّها الناس ان الموت لا يفوته المقيم و لا يعجزه الهارب ، ليس عن الموت محيص و من لم يقتل يمت ان أكرم الموت القتل٣ .

قول المصنف : « و من كلام لهعليه‌السلام » لو كان قال « و من خطبة لهعليه‌السلام » كان أيضا صحيحا لما عرفت من رواية الكليني و الواقدي من كون كلامهعليه‌السلام خطبة .

« قال لأصحابه في ساعة الحرب » هكذا في ( المصرية )٤ و مثله ( ابن أبي الحديد )٥ لكن في ( ابن ميثم ) : « قال لأصحابه وقت الحرب » و هو الأصح حيث ان نسخته بخط مصنّفه مع انّه يصدقه ( الخطية ) و كيف كان فلو كان قال « قبل

____________________

( ١ ) الجمل للمفيد : ١٥٠ ١٥١ و هي رواية الواقدي .

( ٢ ) الإرشاد ، للمفيد : ١٣٤ .

( ٣ ) الكافي للكليني ٥ : ٥٣ ح ٤ .

( ٤ ) الطبعة المصرية : ٢٨٩ .

( ٥ ) شرح نهج البلاغة ابن أبي الحديد ٧ : ٣٠٠ رواية ( ١٢٢ ) .

٤٧٩

الحرب » أو « لمّا أراد الحرب » حيث ان في رواية الواقدي بعد ذكر الخطبة « ثم دعاعليه‌السلام بدرعه فلبسه » كان أحسن١ .

و كيف كان فقد عرفت أن المراد حرب الجمل و لم يتفطنّ له الشّراح حتى قال الخوئي : لم أظفر بعد على انّه أيّ حرب .

قولهعليه‌السلام « و أي امرئ منكم أحسّ » أي : وجد و الأصل فيه سمع حسّه .

« من نفسه رباطة جأش » الأصل في الجأش الهمز٢ ، و في ( الصحاح ) : يقال « فلان رابط الجأش » و الجأش الرواع إذا اضطرب عند الفزع ، أي يربط نفسه عن الفرار لشجاعته .

« عند اللقاء » أي : لقاء العدو في الحرب .

« و رأى من أحد من أخوانه فشلا » أي : جبنا .

« فليذب » أي : يدفع العدو .

« عن أخيه بفضل نجدته » أي : زيادة شجاعته .

« كما يذبّ عن نفسه » العدوّ لأن مقصد الكلّ واحد إقامة الدين و تقويته .

و في ( الطبري ) في وقعة الطف : قاتل عمرو بن خالد الصيداوي و جابر بن الحارث السلماني و سعد مولى عمر بن خالد و مجمع بن عبد اللّه العائذي في أوّل القتال ، فشدّوا مقدمين بأسيافهم على عسكر ابن سعد ، فلما و غلوا عطفوا عليهم فأخذوا يحوزونهم و قطعوهم من أصحابهم غير بعيد ، فحمل عليهم العباس بن علي فاستنقذهم ، فجاؤوا قد جرحوا ، فلما دنا منهم عدوّهم شدّوا بأسيافهم فقتلوا في أوّل الأمر في مكان واحد٣ .

____________________

( ١ ) الجمل : ١٥٠ ١٥١ و هي رواية الواقدي .

( ٢ ) شرح منهاج البراعة لحبيب اللّه الخوئي ٨ : ١٥١ .

( ٣ ) تاريخ الملوك و الأمم للطبري ٤ : ٣٤٠ .

٤٨٠

« فلو شاء اللّه لجعله » أي : المحس من نفسه رباطة جأش .

« مثله » أي : مثل أخيه الذي رأى منه فشلا ، فيجب عليه الذبّ عنه شكرا .

« إنّ الموت طالب حثيث » أي : سريع .

« لا يفوته المقيم »أينما تكونوا يدرككم الموت و لو كنتم في بروج مشيّدة .١ .

« و لا يعجزه الهارب »قل ان الموت الذي تفرّون منه فإنّه ملاقيكم .٢ .

« ان أكرم الموت القتل » فلم لا يذبّ عن أخيه خوف القتل و زاد في ( ابن ميثم ) « بالسيف »٣ .

« و الذي نفس ابن أبي طالب بيده لألف ضربة بالسيف أهون علي » هكذا في ( المصرية )٤ و كلمة « علي » زائدة لعدم وجودها في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم )٥ .

« من ميتة على الفراش في غير طاعة اللّه » هكذا في ( المصرية ) أخذا من ( ابن أبي الحديد ) في قوله « في غير طاعة اللّه » حيث جعله بين قوسين كما هو دأبه في ما يأخذ منه ، و ليس في ( ابن ميثم ) ، و الظاهر زيادته لصحّة نسخة ابن ميثم و لعدم وجوده في رواية الواقدي و رواية الكليني المتقدّمتين ، و لأنّ المقام لا يقتضيه٦ .

هذا ، و قد عرفت أن رواية الواقدي « و الذي نفسي بيده لألف ضربة

____________________

( ١ ) النساء : ٧٨ .

( ٢ ) الجمعة : ٨ .

( ٣ ) ابن ميثم ٣ : ٥٥ .

( ٤ ) في الطبعة المصرية : العبارة هي « ابن ابي طالب » راجع : ٢٨٩ .

( ٥ ) ابن ابي الحديد شرح نهج البلاغة لم ترد العبارة ، ٧ : ٣٠٠ اما ابن ميثم شرح نهج البلاغة ٣ : ٥٥ .

( ٦ ) راجع المصادر المتقدمة في الهوامش ٥ ، ٦ .

٤٨١

بالسيف أهون عليّ من موتة على فراشي » .

في ( العقد ) : كانوا يتمادحون بالموت قتلا و يتهاجون بالموت على الفراش و يقولون فيه : مات حتف أنفه ، و أوّل من قاله النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله .

و خطب ابن الزبير لمّا بلغه قتل أخيه مصعب فقال : ان يقتل فقد قتل أبوه و أخوه و عمّه ، إنّا و اللّه لا نموت حتفا و لكن تحت ظلال السيوف١ .

و قال ابن أبي الحديد روي أنّه قيل لأبي مسلم الخراساني : ان في بعض الكتب المنزلة : « من قتل بالسيف فبالسيف يقتل » فقال : القتل أحبّ إليّ من اختلاف الأطباء و النظر في الماء و مقاساة الدواء فذكر ذلك للمنصور فقال : قد أبلغناه محبته قلت : و قال المنصور له وقت قتله :

زعمت أن الدين لا يقتضى

فأستوف بالكيل أبا مجرم

سقيت كأسا كنت تسقي بها

أمرّ في الحلق من العلقم٢

و في ( الطبري ) : كان أبو مسلم قتل في دولته و حروبه ستمائة ألف صبرا٣ .

٤ الكتاب ( ١٦ ) و كان يقولعليه‌السلام لأصحابه عند الحرب :

لاَ تَشْتَدَّنَّ عَلَيْكُمْ فَرَّةٌ بَعْدَهَا كَرَّةٌ وَ لاَ جَوْلَةٌ بَعْدَهَا حَمْلَةٌ وَ أَعْطُوا اَلسُّيُوفَ حُقُوقَهَا وَ وَطِّئُوا لِلْجُنُوبِ مَصَارِعَهَا وَ اُذْمُرُوا أَنْفُسَكُمْ عَلَى اَلطَّعْنِ اَلدَّعْسِيِّ وَ اَلضَّرْبِ اَلطِّلَحْفِيِّ وَ أَمِيتُوا اَلْأَصْوَاتَ فَإِنَّهُ أَطْرَدُ

____________________

( ١ ) العقد الفريد لابن عبد ربه ١ : ١٠١ .

( ٢ ) شرح نهج البلاغة لبن ابي الحديد ٧ : ٣٠٣ .

( ٣ ) تاريخ الطبري ٦ : ١٣٧ .

٤٨٢

لِلْفَشَلِ فَوَ اَلَّذِي فَلَقَ اَلْحَبَّةَ وَ بَرَأَ اَلنَّسَمَةَ مَا أَسْلَمُوا وَ لَكِنِ اِسْتَسْلَمُوا وَ أَسَرُّوا اَلْكُفْرَ فَلَمَّا وَجَدُوا أَعْوَاناً عَلَيْهِ أَظْهَرُوهُ أقول : انّما ذكره في باب الكتب و الملحق بها من العهود و الوصايا لأنّه عطفه كسابقه على قوله في ( ١٤ ) « و من وصية لهعليه‌السلام لعسكره » ، و لو كان ذكره في الأوّل أو الثالث كان له وجه أيضا .

قول المصنف : « و كان يقولعليه‌السلام » هكذا في ( المصرية )١ و مثله ابن أبي الحديد و لكن في ( ابن ميثم ) : « و كانعليه‌السلام يقول »٢ .

« لأصحابه عند الحرب » ظاهر ذيل العنوان « فو الذي . » دليل على أنّهعليه‌السلام قاله في صفين ، لأنّ معاوية هو الذي ما أسلم و لكن استسلم ، إلاّ أنّ الظاهر أنّ المصنّف التقط من مواضع ، فرواه ( الكافي ) بدون ذيله ، فروى في باب ما يوصيعليه‌السلام عند القتال أنّهعليه‌السلام قال : و إذا حملتم فاحملوا فعل رجل واحد ،

و عليكم بالتحامي ، فان الحرب سجال ، لا يشتدن عليكم كرّة بعد فرّة ، و لا حملة بعد جولة ، و من ألقى إليكم السلم فاقبلوا منه ، و استعينوا بالصبر فان بعد الصبر النصر من اللّه عز و جل ان الأرض للّه يورثها من يشاء من عباده و العاقبة للمتّقين٣ .

قولهعليه‌السلام « لا يشتدن عليكم فرّة بعدها كرّة و لا جولة بعدها حملة » لانجبار الاولى بالثانية ، و انّما يجب أن يشتدّ عليهم فرّة بدون كرّة و جولة بدون حملة ،

ثم قد عرفت ان ( الكافي ) رواه بلفظ آخر .

« و اعطوا السيوف حقوقها » فان المقصود من حملها الضرب بها ، قال :

____________________

( ١ ) راجع الطبعة المصرية : شرح محمد عبده : ٥٣٢ ، و كذا ابن ابي الحديد ، شرح نهج البلاغة ١٥ : ١١٤ الرواية : ١٦ .

( ٢ ) ابن ميثم ٤ : ٣٨٦ الرواية ١٦ .

( ٣ ) الكافي للكليني ٥ : ٤١ .

٤٨٣

بأيدي رجال لم يشيموا سيوفهم

و لم تكثر القتلى بها حين سلت١

أي اذا سلّوها لم يشيموها إلاّ بعد كثرة القتلى بها ، و من لا يعطي السيف حقّه يكون كمن قيل فيه :

و ما تصنع بالسيف

وضع سيفك خلخالا

« و وطئوا » هكذا في ( المصرية )٢ و نقله ابن ميثم « و وطنوا » و نسب « وطئوا » إلى رواية٣ .

« للجنوب مصارعها » فسّره بعضهم بأن المراد جنوبهم ، فيكون كناية عن أمرهم بالعزم على القتل في سبيل اللّه ، و فسّره بعضهم بأن المراد جنوب الأعداء فيكون كناية عن إحكام الضرب ليحصل هلاكهم .

« و اذ مروا » أي حثّوا ، و في ( الصحاح ) : تذامر القوم أي حثّ بعضهم بعضا ، و ذلك في الحرب٤ .

« أنفسكم على الطعن الدعسي » أي : الشديد ، فعن أبي عبيد : المداعس الصمّ من الرياح .

« و الضرب الطلخفي » بالكسر فالفتح أي : الشديد ، و مر في سابقه عن ( الإرشاد ) أنّهعليه‌السلام قال في الجمل : « و لقد وطنتم أنفسكم على الطعن الدعسي و الضرب الطلخفي »٥ .

و في ( الجمهرة ) ضرب طلخف و طلحف شديد و طلحفي و طلخفي

____________________

( ١ ) لسان العرب ٤ : ٥٧ .

( ٢ ) الطبعة المصرية : ٥٣٢ .

( ٣ ) ابن ميثم : ٤ : ٣٨٨ و الرواية ٤ : ٣٨٦ .

( ٤ ) الصحاح للجوهري : ٦٦٥ .

( ٥ ) الإرشاد للمفيد : ١٣٤ مر صفحة ١٦٣ .

٤٨٤

بالحاء و الخاء ، و الطلخف رباعي ذكره ابن دريد في الرباعي١ .

و قول ابن أبي الحديد : « اللام زائدة » غلط ، و منشأ و همه أنّ ( الصحاح ) عنون طخف ثم قال و بزيادة اللام و هو أعم٢ .

« و أميتوا الأصوات » أي : اخفوها أو اعدموها بالصمت .

« فانّه أطرد » أي : أدفع .

« للفشل » أي الجبن .

سمع أبو طاهر الجنابي ضوضاء عسكر المقتدر و دبادبهم و بوقاتهم و هم عشرون ألفا و أبو طاهر في مائة و خمسين رجلا ما كان يسمع لهم صوت حتى كأنّ الخيل ليس لها حمحمة ، فقال أبو طاهر لبعض أصحابه : ما هذا الزّجل ؟ قال : فشل قال : أجل٣ .

« فو الذي » هكذا في ( المصرية )٤ و الصواب : « و الذي » كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية )٥ ، و لأنّه لا معنى للتفريع له على ما قبله .

« فلق الحبّة و برأ » أي خلق .

« النسمة » أي : الإنسان .

« ما أسلموا » للّه .

« و لكن استسلموا » للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لمّا قهرهم يوم فتح مكّة .

« و أسرّوا الكفر فلما وجدوا أعوانا عليه » هكذا في ( المصرية )٦ و مثله ابن

____________________

( ١ ) جمهرة اللغة لابن دريد ٤ : ١١٤٢ .

( ٢ ) شرح نهج البلاغة لبن ابي الحديد : ١٥ : ١١٤ .

( ٣ ) لم نعثر عليه في كتب التاريخ و التراجم .

( ٤ ) الطبعة المصرية : ٥٣٢ .

( ٥ ) انظر ابن ابي الحديد ١٥ : ١١٤ .

( ٦ ) الطبعة المصرية : ٥٣٢ .

٤٨٥

أبي الحديد و لكن في ( ابن ميثم و الخطية ) : « عليه أعوانا » .

« أظهروه »١ في ( صفين نصر ) : قال شيخ من بكر بن وائل : كنّا مع عليعليه‌السلام بصفين فرفع عمرو بن العاص شقة خميصة سوداء في رأس رمح ،

فقال ناس : هذا لواء عقده له النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فبلغ عليّاعليه‌السلام فقال : ان النبيّ أخرج هذه الشقّة و قال : من يأخذها بما فيها ؟ فقال عدوّ اللّه عمرو : و ما فيها ؟ قال : ألا تقاتل بها مسلما و لا تفر بها من كافر فأخذها و قد و اللّه فرّبها من المشركين و قاتل بها اليوم المسلمين ، و الذي فلق الحبّة ما أسلموا و لكن استسلموا و أسرّوا الكفر فلما وجدوا أعوانا رجعوا إلى عداوتهم منّا إلاّ إنّهم لم يدعوا الصلاة٢ .

و فيه قال منذر العلوي : قال محمّد بن الحنفية لمّا أتاهم اللّه من أعلى الوادي و من أسفله و ملأوا الأودية كتائب : استسلموا حتى وجدوا أعوانا٣ .

و فيه : قال حبيب بن أبي ثابت : قال رجل في صفين لعمّار : ألم يقل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : قاتلوا الناس حتى يسلموا فاذا أسلموا عصموا مني دماءهم و أموالهم قال : بلى و لكن و اللّه ما أسلموا و لكن استسلموا و أسرّوا الكفر حتى وجدوا عليه أعوانا٤ .

و ممّا يدلّ على كفر معاوية ما رواه نصر مسندا عن رجل شامي قال :

سمعت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : شرّ خلق اللّه خمسة : إبليس ، و ابن آدم الذي قتل أخاه ،

و فرعون ذو الأوتاد ، و رجل من بني اسرائيل ردّهم عن دينهم و رجل من هذه الامة يبايع على كفره عند باب له قال الرجل : فلما رأيت معاوية يبايع عند باب

____________________

( ١ ) انظر ابن ابي الحديد ١٥ : ١١٤ .

( ٢ ) وقعة صفين ، لنصر ابن مزاحم : ٢٤١ ٢٤٢ طبعة مصر .

( ٣ ) المصدر نفسه : ٢٤٢ طبعة مصر و هو منذر الثوري .

( ٤ ) وقعة صفين لنصر بن مزاحم : ٢٤٣ طبع مصر .

٤٨٦

له ذكرت قول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فلحقت بعليعليه‌السلام فكنت معه١ .

و ما رواه مسندا عن جابر الأنصاري قال : قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : يموت معاوية على غير ملّتي٢ .

و ما رواه مسندا عن الحسن البصري قال : قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : اذا رأيتم معاوية يخطب على منبري فاقتلوه٣ .

قال الحسن : قال أبو سعيد الخدري : فلم نفعل و لم نفلح٤ .

٥ الكتاب ( ١١ ) و من وصية لهعليه‌السلام وصّى بها جيشا بعثه إلى العدوّ :

فَإِذَا نَزَلْتُمْ بِعَدُوٍّ أَوْ نَزَلَ بِكُمْ فَلْيَكُنْ مُعَسْكَرُكُمْ فِي قُبُلِ اَلْأَشْرَافِ أَوْ سِفَاحِ اَلْجِبَالِ أَوْ أَثْنَاءِ اَلْأَنْهَارِ كَيْمَا يَكُونَ لَكُمْ رِدْءاً وَ دُونَكُمْ مَرَدّاً وَ لْتَكُنْ مُقَاتَلَتُكُمْ مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ أَوِ اِثْنَيْنِ وَ اِجْعَلُوا لَكُمْ رُقَبَاءَ فِي صَيَاصِي اَلْجِبَالِ وَ مَنَاكِبِ اَلْهِضَابِ لِئَلاَّ يَأْتِيَكُمُ اَلْعَدُوُّ مِنْ مَكَانِ مَخَافَةٍ أَوْ أَمْنٍ وَ اِعْلَمُوا أَنَّ مُقَدِّمَةَ اَلْقَوْمِ عُيُونُهُمْ وَ عُيُونَ اَلْمُقَدِّمَةِ طَلاَئِعُهُمْ وَ إِيَّاكُمْ وَ اَلتَّفَرُّقَ فَإِذَا نَزَلْتُمْ فَانْزِلُوا جَمِيعاً وَ إِذَا اِرْتَحَلْتُمْ فَارْتَحِلُوا جَمِيعاً وَ إِذَا غَشِيَكُمُ اَللَّيْلُ فَاجْعَلُوا اَلرِّمَاحَ كِفَّةً وَ لاَ تَذُوقُوا اَلنَّوْمَ إِلاَّ غِرَاراً أَوْ مَضْمَضَةً أقول : رواه نصر بن مزاحم في ( صفينه )٥ و ابن أبي شعبة في ( تحفه )٦

____________________

( ١ ) المصدر نفسه : ٢١٧ .

( ٢ ) بحار الأنوار ٣٣ : ١٨٧ ح ٤٦٥ ب ١٧ .

( ٣ ) بحار الأنوار ٣٣ : ١٨٦ ، ح ٤٦١ ٤٦٢ ب ١٧ .

( ٤ ) المصدر نفسه .

( ٥ ) وقعة صفين لنصر ابن مزاحم : ١٢٢ .

( ٦ ) تحف العقول لابن أبي شعبة : ١٣٠ .

٤٨٧

و الدينوري في ( طواله )١ ففي الأول : عمرو بن سعد عن يزيد بن خالد قال : ان عليّاعليه‌السلام حين أراد المسير من النخيلة دعا زياد بن النضر و شريح بن هاني و كانا على مذحج و الأشعريين بعثهما في اثنى عشر ألفا على مقدّمته شريح على طائفة و زياد على جماعة ، فأخذ شريح يعتزل بمن معه من أصحابه على حدة و لا يقرب بزياد ، فكتب زياد إليهعليه‌السلام : أما بعد فانّك و ليتني أمر الناس و ان شريحا لا يرى لي عليه طاعة و لا حقّا ، و ذلك من فعله بي استخفافا بأمرك و تركا لعهدك و كتب إليه شريح : أما بعد فان زيادا حين اشتركته في أمرك و ولّيته جندا من جنودك تنكّر و استكبر و مال به العجب و الخيلاء و الزهو إلى ما لا يرضاه الربّ تعالى ، فان رأى أمير المؤمنين أن يعزله عنّا و يبعث مكانه من يحب فليفعل فانّا له كارهون .

فكتبعليه‌السلام إليهما : أما بعد فاني قد ولّيت مقدّمتي زياد بن النضر و أمّرته عليها و شريح على طائفة منها أمير ، فان ائتما جمعكما بأس فزياد على الناس و ان افترقتما فكلّ واحد منكما أمير على الطائفة التي وليناه أمرها ، و اعلما ان مقدّمة القوم عيونهم و عيون المقدمة طلائعهم ، فاذا انتما خرجتما من بلادكما فلا تساما من توجيه الطلائع و من نقض الشعاب و الشجر و الخمر في كلّ جانب كيلا يغير كما عدو أو يكون لهم كمين ، و لا تسيرن الكتائب من لدن الصباح إلى المساء إلاّ على تعبئة ، فان دهمكم دهم أو غشيكم مكروه كنتم قد تقدّمتم في التعبئة ، و اذا نزلتم بعدوّ أو نزل بكم فليكن معسكركم في قبل الاشراف أو سفاح الجبال أو أثناء الأنهار كيما يكون ذلك ردءأ و تكون مقاتلتكم من وجه أو اثنين ، و اجعلوا رقباءكم في صياصي الجبال و بأعالي

____________________

( ١ ) الطوال للدينوري : ١٥٦ .

٤٨٨

الأشراف و مناكب الأنهار يرون لكم لئلا يأتيكم عدو من مكان مخافة أو أمن ،

و إيّاكم و التفرق ، و اذا نزلتم فانزلوا جميعا و اذا رحلتم فارحلوا جميعا ، و اذا غشيكم ليل فنزلتم فحفوا عسكركم بالرماح و الأترسة ، و رماتكم يلون ترستكم و رماحكم ، و ما أقمتم فكذلك فافعلوا كيلا تصاب لكم غفلة و لا تلفى لكم غرّة ، فما قوم حفوا عسكرهم برماحهم و ترستهم من ليل أو نهار إلاّ كانوا كأنّهم في حصون ، و احرسا عسكر كما بأنفسكما ، و إيّاكما أن تذوقوا نوما حتى تصبحا إلاّ غرارا أو مضمضة ، ثم ليكن ذلك شأنكما و دأبكما حتى تنتهيا إلى عدوّكما ، و ليكن عندي كلّ يوم خبر كما و رسول من قبلكما ، فاني و لا شي‏ء إلاّ ما شاء اللّه حثيث السير في آثار كما ، و عليكما في حربكما بالتودة و إيّاكم و العجلة إلاّ أن تمكّنكم فرصة بعد الإعذار و الحجّة ، و إيّاكما أن تقاتلا حتى أقدم عليكما إلاّ أن تبدآ أو يأتيكما أمري .

و في الثاني بعد ذكر وصيته إلى زياد بن النضر ثم أردفه بكتاب يوصيه و يحذّره ، و فيه : اعلم ان مقدّمة القوم عيونهم . .

و في الثالث : لما اجتمع إلى عليّعليه‌السلام قواصيه و انضمت إليه أطرافه تهيأ للمسير من النخيلة ، فدعا زياد بن النضر و شريح بن هاني ، فعقد لكلّ واحد منهما على ستة آلاف فارس و قال : ليس كلّ واحد منكما منفردا عن صاحبه ،

فان جمعتكما حرب فأنت يا زياد الأمير ، و اعلما أن مقدّمة القوم عيونهم و عيون المقدّمة طلائعهم .١ .

قول المصنف : « و من وصيّة لهعليه‌السلام وصّى بها جيشا » قد عرفت من رواية نصر المتقدّمة انّهعليه‌السلام كتب بالعنوان إلى رئيسي جيشه زياد بن النضر و شريح بن هاني في جعلهم مقدّمة له إلى الشام و كذا من رواية ( التحف )

____________________

( ١ ) الأخبار الطوال : ١٠٦ .

٤٨٩

المتقدّمة ، و اما رواية الدينوري المتقدّمة فالظاهر انّه أراد الاختصار و ذكر المجمل .

« بعثه إلى العدوّ » و هو معاوية و أهل الشام .

قولهعليه‌السلام « فاذا نزلتم بعدوّ أو نزل بكم فليكن معسكركم » أي مكان عسكركم .

« في قبل » أي : استقبال .

« الاشراف » أي : الأمكنة العالية قال شاعر :

كبر حتى لم يستطع ان يركب

حماره إلاّ من مكان عال

و أقود للشرف الرفيع حماري « أو سفاح الجبال » في ( الصحاح ) :١ سفح الجبل أسفله حيث يسفح فيه الماء و هو مضطجعه .

« أو أثناء الأنهار » في ( الصحاح ) : الثني من الوادي و الجبل منعطفه٢ .

« كيما يكون لكم ردءا » أي : عونا على الظفر .

« و دونكم مردا » للعدو .

« و لتكن مقاتلتكم من وجه واحد أو اثنين » لئلا يحاصركم العدو .

« و اجعلوا لكم رقباء » أي رصدا و قالوا : الاكليل رقيب الثريا اذا طلعت احداهما عشاء غابت الاخرى .

« في صياصي الجبال » أي : حصونها .

« أو بمناكب الهضاب » جمع الهضبة : الجبل المنبسط على وجه الأرض ،

و مناكبها رؤوسها .

____________________

( ١ ) الصحاح للجوهري ١ : ٣٧٥ مادة ( سفح ) .

( ٢ ) الصحاح للجوهري ٤ : ٢٢٩٤ مادة ( ثنى ) .

٤٩٠

« لئلا يأتيكم العدو من مكان مخافة أو أمن » في ( كامل المبرّد ) : كان المهلب يبثّ الاحراس في الأمن كما يبثّهم في الخوف ، و يذكي العيون في الأمصار كما يذكيها في الصحاري ، و يأمر أصحابه بالتحرّز و يخوّفهم البيات و ان بعد منهم العدو و يقول : احذروا أن تكادوا كما تكيدون و لا تقولوا غلبنا فالضرورة تفتح باب الحيلة .

و لما اجتمعت الخوارج بأرجان فنفحهم المهلب نفحة رجعوا ، فأكمن للمهلب في غمض من غموض الأرض يقرب من عسكره مائة فارس ليغتالوه ،

فسار المهلب يطوف بعسكره و يتفقّد سواده ، فوقف على جبل فقال : ان من التدبير لهذه المارقة أن تكون قد أكمنت في سفح هذا الجبل كمينا ، فبعث عشرة فوارس فاطلعوا على المكمنة ، فلما علموا انّهم قد علموا بهم قطعوا القنطرة و يئسوا من ناحيته .

قال قطري بن الفجأة و هو أحد رؤسائهم لأصحابه : المهلب من قد عرفتموه ان أخذتم بطرف ثوب أخذ بطرفه الآخر ، يمده اذا أرسلتموه و يرسله اذا مددتموه لا يبدؤكم الا أن تبدؤوه الا أن يرى فرصة فينتهزها ، فهو الليث المبر و الثعلب الرواغ و البلاء المقيم١ .

« و اعلموا ان مقدّمة القوم » في ( الصحاح ) :٢ مقدّمة الجيش بكسر الدال أوّله .

« عيونهم » في ( الصحاح ) : و العين الديدبان و الجاسوس .

« و عيون المقدّمة طلائعهم » في ( الصحاح )٣ طليعة الجيش من يبعث

____________________

( ١ ) الكامل للمبرّد ٣ : ١٠٨٢ .

( ٢ ) الصحاح للجوهري ٤ : ٢٠٠٨ مادة ( قدم ) .

( ٣ ) الصحاح للجوهري ٤ : ٢١٧٠ مادة ( عين ) .

٤٩١

ليطلع طلع العدو .

« و إيّاكم و التفرّق فاذا نزلتم فانزلوا جميعا و اذا ارتحلتم فارتحلوا جميعا » و في ( المروج ) : كانت سياسة يعقوب بن الليث الصفار انّه كان بأرض فارس و قد أباح الناس أن يرتعوا ، ثم حدث أمر أراد الرحيل من تلك الكورة ، فنادى مناديه بقطع الدواب عن الرتع ، فرؤي رجل من أصحابه قد أسرع إلى دابته و الحشيش في فمها فأخرجه من فيها مخافة أن تلوكه بعد سماعة النداء ، و أقبل على الدابة مخاطبا لها بالفارسية « دواب را از تر بريدند » يعني قطعوا الدواب عن الرطبة .

و رؤي في عسكره في ذلك الوقت رجل من قواده ذو مرتبة و الدرع الحديد على بدنه لا ثوب بينه و بين بشرته ، فقيل له في ذلك ، فقال : نادى منادي الأمير البسوا السلاح و كنت أغتسل من جنابة ، فلم يسعني التشاغل بلبس الثياب١ .

« و اذا غشيكم الليل فاجعلوا الرماح كفّة » بالضم ، فعن الأصمعي : كلّ ما استطال نحو كفة الثوب و كفّة الرمل فهو بالضمّ ، و كلّ ما استدار نحو كفّة الميزان و كفّة الصائد و كفّة اللثة فهو بالكسر .

« و لا تذوقوا النوم إلاّ غرارا » أي : قليلا ، و الأصل فيه الغرور ، و هو ما يتغرغر به من الأدوية و عن الأصمعي : يقال غارت الناقة تغار غرارا قل لبنها ،

و منه غرار النوم و هو قلته .

و قال اعرابي :

لا أذوق النوم إلاّ غرارا

مثل حسو الطير ماء الثماد

« أو مضمضة » قال المروح السلمي :

لمّا اتكأن على النمارق مضمضت

بالنوم أعينهن غير غرار

____________________

( ١ ) المروج للمسعودي ٤ : ١١٤ .

٤٩٢

و قال آخر على نقل ( الأساس ) :

يمسح بالكفين وجها أبيضا

اذا الكرى في عينه تمضمضا١

و على نقل ( الصحاح ) :

و صاحب نبهته لينهضا

اذا الكرى في عينه تمضمضا٢

و لحسان على ما في ( ديوانه ) :

ما بال عينك يا حسان لم تنم

ما ان تغمض إلا مؤثم القسم٣

٦ الكتاب ( ١٢ ) و من وصية لهعليه‌السلام لمعقل بن قيس الرياحيّ

حين أنفذه إلى الشام في ثلاثة آلاف مقدمة له :

اِتَّقِ اَللَّهَ اَلَّذِي لاَ بُدَّ لَكَ مِنْ لِقَائِهِ وَ لاَ مُنْتَهَى لَكَ دُونَهُ وَ لاَ تُقَاتِلَنَّ إِلاَّ مَنْ قَاتَلَكَ وَ سِرِ اَلْبَرْدَيْنِ وَ غَوِّرْ بِالنَّاسِ وَ رَفِّهْ فِي اَلسَّيْرِ وَ لاَ تَسِرْ أَوَّلَ اَللَّيْلِ فَإِنَّ اَللَّهَ جَعَلَهُ سَكَناً وَ قَدَّرَهُ مُقَاماً لاَ ظَعْناً فَأَرِحْ فِيهِ بَدَنَكَ وَ رَوِّحْ ظَهْرَكَ فَإِذَا وَقَفْتَ حِينَ يَنْبَطِحُ اَلسَّحَرُ أَوْ يَنْفَجِرُ اَلْفَجْرُ فَسِرْ عَلَى بَرَكَةِ اَللَّهِ فَإِذَا لَقِيتَ اَلْعَدُوَّ فَقِفْ مِنْ أَصْحَابِكَ وَسَطاً وَ لاَ تَدْنُ مِنَ اَلْقَوْمِ دُنُوَّ مَنْ يُرِيدُ أَنْ يُنْشِبَ اَلْحَرْبَ وَ لاَ تَبَاعَدْ مِنْهُمْ تَبَاعُدَ مَنْ يَهَابُ اَلْبَأْسَ حَتَّى يَأْتِيَكَ أَمْرِي وَ لاَ يَحْمِلَنَّكُمْ شَنَآنُهُمْ عَلَى قِتَالِهِمْ قَبْلَ دُعَائِهِمْ وَ اَلْإِعْذَارِ إِلَيْهِمْ أقول : المفهوم من كتب السير أن وصيتهعليه‌السلام إلى معقل إلى قوله « فسر

____________________

( ١ ) أساس البلاغة للزمخشري : ٤٣١ مادة ( مضض ) .

( ٢ ) الصحاح للجوهري ٢ : ١١٠٦ مادة ( مضمض ) .

( ٣ ) ديوان حسّان بن ثابت : ٣٠٠٩ .

٤٩٣

على بركة اللّه » ، و أما ما بعده « فاذا لقيت العدو . » ، فانّما وصيتهعليه‌السلام إلى الأشتر حين بعثه مددا لزياد بن النضر و شريح بن هاني و كانعليه‌السلام قدمهما من قرقيسا إلى معاوية .

اما الأول ، ففي ( صفين نصر ) عن أبي الوداك قال : ان عليّاعليه‌السلام بعث معقل بن قيس في ثلاثة آلاف و قال له : خذ على الموصل ثم نصيبين ثم القني بالرقة فإنّي موافيها و سكّن الناس و آمنهم ، و لا تقاتل إلاّ من قاتلك ، و سر البردين و غور الناس و أقم الليل و رفّه في السير ، و لا تسر أول الليل فان اللّه جعله سكنا ، أرح فيه بدنك و جندك و ظهرك ، فاذا كان السحر أو حين ينبطح الفجر فسر فخرج حتى أتى الحديثة و هي اذ ذاك منزل الناس انّما بنى مدينة الموصل بعد ذاك مروان بن محمد فاذا هم بكبشين ينتطحان و مع معقل رجل من خثعم يقال له شداد بن أبي ربيعة قتل بعد ذلك مع الحرورية ، فأخذ يقول ايه ايه فقال معقل : ما تقول ؟ فجاء رجلان نحو الكبشين فأخذ كلّ واحد كبشا ثم انصرفا .

فقال الخثعمي لمعقل : لا تغلبون و لا تغلبون قال له معقل : من أين علمت ذلك ؟ قال : أما أبصرت الكبشين أحدهما مشرق و الآخر مغرب التقيا فاقتتلا و انتطحا فلم يزل كلّ واحد منهما من صاحبه منتصفا حتى أتى كلّ واحد منهما صاحبه فانطلق به .

ثم مضوا حتى أتوهعليه‌السلام بالرقّة١ .

و أمّا الثاني فروى نصر٢ و الطبري٣ أن عليّاعليه‌السلام أرسل إلى الأشتر ان

____________________

( ١ ) وقعة صفين لنصر بن مزاحم : ١٤٨ .

( ٢ ) وقعة صفين لنصر بن مزاحم : ١٥٣ .

( ٣ ) تاريخ الطبري ٣ : ٥٦٤ .

٤٩٤

زيادا و شريحا ارسلا إليّ يعلماني انّهما لقيا أبا الأعور السلمي في جند من أهل الشام بسور الروم ، فنبأني الرسول انّه تركهم متوافقين ، فالنجا إلى أصحابك النجا ، فاذا أتيتهم فأنت عليهم ، و إيّاك أن تبدأ القوم بقتال إلاّ أن يبدؤوك حتى تلقاهم و تسمع منهم ، و لا يجرمنك شنآنهم على قتالهم قبل دعائهم و الاعذار إليهم مرّة بعد مرّة ، و اجعل على ميمنتك زيادا و على ميسرتك شريحا ، وقف بين أصحابك وسطا و لا تدن منهم دنو من يريد أن ينشب الحرب و لا تباعد منهم تباعد من يهاب البأس حتى أقدم إليك فاني حثيث السير إليك إن شاء اللّه١ .

قول المصنف : « و من وصيّة لهعليه‌السلام لمعقل بن قيس الرياحي » في ( الطبري ) : خرج المستورد الخارجي على المغيرة لما كان واليا على الكوفة من قبل معاوية ، فقال المغيرة لقبيصة رئيس شرطته : الصق لي بشيعة علي فأخرجهم مع معقل فان معقلا كان من رؤساء أصحابه ، فاذا بعث بشيعته الذين كانوا يعرفون فاجتمعوا جميعا استأنس بعضهم إلى بعض و تناصحوا و هم أشد استحلالا لدماء هذه المارقة و أجرأ عليهم من غيرهم ، و قد قاتلوا معهم قبل هذه المرّة إلى أن قال فمشى المستورد و معقل كلّ منهما إلى صاحبه و بيد المستورد الرمح و بيد معقل السيف ، فأشرح المستورد الرمح في صدر معقل حتى خرج السنان من ظهره ، فضربه معقل بالسيف على رأسه حتى خالط السيف أمّ الدماغ فخرّا ميتين٢ .

« حين أنفذه إلى الشام في ثلاثة آلاف » قد عرفت من رواية نصر٣

____________________

( ١ ) وقعة صفين لنصر بن مزاحم : ١٥٣ ، و تاريخ الطبري ٣ : ٥٦٤ .

( ٢ ) تاريخ الأمم و الملوك للطبري ٤ : ١٤٤ .

( ٣ ) وقعة صفين لنصر بن مزاحم : ١٦٥ طبع النجف .

٤٩٥

أنّهعليه‌السلام أنفذه من الطريق في ثلاثة آلاف من المدائن و قال له : خذ على محل الموصل ثم نصيبين ثم القني بالرّقة ، فأتاهعليه‌السلام بالرقة .

قولهعليه‌السلام « اتق اللّه الذي لا بدّ لك من لقائه »يا أيها الإنسان إنّك كادح إلى ربِّك كدحاً فملاقيه ١ .

« و لا منتهى لك دونه » ألاّ تزر وازرة وزر اُخرى و أن ليس للإنسان إلاّ ما سعى و أنّ سعيه سوف يرى ثُم يُجزاه الجزاء الأوفىو أنّ إلى ربك المنتهى ٢ .

« و سر » أمر من السير .

« البردين » أي : الغداة و العشي .

« و غور بالناس » في ( الجمهرة ) : غوّروا اذا نزلوا في الهاجرة و أراحوا٣ .

« و رفّه بالسير » أي : وسّع به عليهم من ( رفّه من خناقه ) .

« و لا تسر أوّل الليل فان اللّه جعله سكنا »فالق الإصباح و جعل الليل سكنا ٤ .

« و قدره مقاما لا ظعنا » أي : حركة .

« فأرح » أي : اعط الراحة ، قال النابغة :

و صدر أراح الليل عازب همّه .

« فيه بدنك و روّح ظهرك » قال ابن أبي الحديد : أمرهعليه‌السلام أن يريح في الليل بدنه و ظهره و هي الإبل و ( بنو فلان مظهرون ) أي : لهم ظهر ينقلون عليه كما

____________________

( ١ ) الانشقاق : ٦ .

( ٢ ) النجم : ٣٨ ٤٢ .

( ٣ ) جمهرة اللغ لابن دريد ٣ : ١٢٦٧ .

( ٤ ) الأنعام : ٩٦ .

٤٩٦

تقول منجبون أي لهم نجائب١ .

و قال الراوندي : « الظهور الخيول » و ليس بصحيح٢ .

قلت : الأظهر كون الظهر أعم من الخيل و الإبل ، فالعسكر معهم خيل يركبون عليها و إبل يحملون عليها ، فلو لم يكن الظهر هنا أعمّ لكانعليه‌السلام يقول « و روح ظهرك و خيلك » و أيضا قال في ( النهاية ) : في حديث الخيل : « و لم ينس حقّ اللّه في رقابها و لا ظهورها » حق الظهور ان يحمل عليها منقطعا به أو يجاهد عليها ، و منه الحديث الآخر : « و من حقّها إفقار ظهرها . »٣ .

اللّهم إلاّ أن يقال ان الحديثين أعم ، لأن فيهما « ظهور الخيل » و « ظهر الخيل » ، و هو غير الظهر المطلق ، كما انّه يمكن أن يقال اقتصرعليه‌السلام في ترويح الإبل لأن أتعابها أكثر بحمل الأثقال بخلاف الخيل التي يركبها الرجال .

« فاذا وقفت حين ينبطح » أي : ينبسط .

« السحر أو حين ينفجر » أي : ينشق .

« الفجر فسر على بركة اللّه ، فاذا لقيت العدوّ فقف من أصحابك وسطا » في ( عيون القتيبي )٤ : قرأت في الائين : من سنّة الحرب أن يرتاد للقلب مكانا مشرفا ، فان أصحاب الميمنة و الميسرة لا يقهرون و لا يغلبون ، و ان زالتا بعض الزوال ما ثبت القلب .

« و لا تدن من القوم دنوّ من يريد أن ينشب » أي ينشئى .

الحرب ، و لا تباعد منهم تباعد من يهاب البأس » أي : يخاف الحرب .

« حتى يأتيك أمري » و قد عرفت ان في رواية نصر « حتى اقدم عليك » .

____________________

( ١ ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١٥ : ٩٤ .

( ٢ ) منهاج البراعة للقطب الراوندي : عنده ٣ : ٢٥ « روح ظهرك » .

( ٣ ) النهاية لابن الأثير ٣ : ١٦٦ .

( ٤ ) العيون للقتيبي ١ : ١١٢ .

٤٩٧

« و لا يحملنّكم شنآنهم » أي : بغضهم .

« على قتالهم قبل دعائهم و الاعذار إليهم »يا أيها الذين آمنوا كونوا قوّامين للّه شهداء بالقسط و لا يجرمنّكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى . .١ .و لا يجر منّكم شنآن قوم أن صدّوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا . .٢ .

٧ الكتاب ( ١٤ ) و من وصية لهعليه‌السلام لعسكره قبل لقاء العدوّ بصفين :

لاَ تُقَاتِلُوهُمْ حَتَّى يَبْدَءُوكُمْ فَإِنَّكُمْ بِحَمْدِ اَللَّهِ عَلَى حُجَّةٍ وَ تَرْكُكُمْ إِيَّاهُمْ حَتَّى يَبْدَءُوكُمْ حُجَّةٌ أُخْرَى لَكُمْ عَلَيْهِمْ فَإِذَا كَانَتِ اَلْهَزِيمَةُ بِإِذْنِ اَللَّهِ فَلاَ تَقْتُلُوا مُدْبِراً وَ لاَ تُصِيبُوا مُعْوِراً وَ لاَ تُجْهِزُوا عَلَى جَرِيحٍ وَ لاَ تَهِيجُوا اَلنِّسَاءَ بِأَذًى وَ إِنْ شَتَمْنَ أَعْرَاضَكُمْ وَ سَبَبْنَ أُمَرَاءَكُمْ فَإِنَّهُنَّ ضَعِيفَاتُ اَلْقُوَى وَ اَلْأَنْفُسِ وَ اَلْعُقُولِ إِنْ كُنَّا لَنُؤْمَرُ بِالْكَفِّ عَنْهُنَّ وَ إِنَّهُنَّ لَمُشْرِكَاتٌ وَ إِنْ كَانَ اَلرَّجُلُ لَيَتَنَاوَلُ اَلْمَرْأَةَ فِي اَلْجَاهِلِيَّةِ بِالْفَهْرِ أَوِ اَلْهِرَاوَةِ فَيُعَيَّرُ بِهَا وَ عَقِبُهُ مِنْ بَعْدِهِ قول المصنف : « و من وصيّة لهعليه‌السلام لعسكره قبل لقاء العدوّ بصفين » هكذا في ( المصرية ) :٣ و الصواب : « و من وصية لهعليه‌السلام لعسكره بصفين قبل لقاء العدو » كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم )٤ .

____________________

( ١ ) المائدة : ٨ .

( ٢ ) المائدة : ٢ .

( ٣ ) الطبعة المصرية : ٥٣٠ .

( ٤ ) شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد ١٥ : ١٠٤ ، لا نرى أي اختلاف في المعنى بين العبارة التي أوردها محمد عبده و العبارة التي أوردها ابن ابي الحديد .

٤٩٨

و كيف كان ففي ( الطبري ) : أمر عليّعليه‌السلام في انسلاخ المحرم من سنة ( ٣٧ ) مرثد بن حارث الجشمي فنادى عند غروب الشمس : ألا ان أمير المؤمنين يقول لكم : « اني قد استدمتكم لتراجعوا الحق و تنيبوا إليه ، و احتججت عليكم بكتاب اللّه عز و جل فدعوتكم إليه فلم تناهوا عن طغيان و لم تجيبوا إلى حق ،

و اني قد نبذت إليكم على سواء ان اللّه لا يحبّ الخائنين » ففزع أهل الشام إلى أمرائهم و خرج معاوية و عمرو بن العاص يكتّبان الكتائب و بات عليعليه‌السلام ليلته كلّها يعبى‏ء الناس و يكتّب الكتائب و يدور في الناس يحرّضهم .

قال أبو مخنف : حدّثني عبد الرحمن بن جندب الأزدي عن أبيه أن عليّاعليه‌السلام كان يأمرنا في كلّ موطن لقينا فيه عدوّا فيقول : لا تقاتلوهم حتى يبدأوكم ، فأنتم بحمد اللّه عز و جل على حجّة ، و ترككم إيّاهم حتى يبدأوكم حجّة اخرى لكم ، فاذا قاتلتموهم فهزمتموهم فلا تقتلوا مدبرا و لا تجهزوا على جريح و لا تكشفوا عورة و لا تمثّلوا بقتيل ، فاذا وصلتم إلى رحال القوم فلا تهتكوا سترا و لا تدخلوا دارا إلاّ باذن و لا تأخذوا شيئا من أموالهم إلاّ ما وجدتم في عسكرهم ، و لا تهيجوا امرأة بأذي و ان شتمن أعراضكم و سببن أمراءكم و صلحاءكم ، فانّهنّ ضعاف القوى و الأنفس١ .

و رواه نصر بن مزاحم مثله و زاد : و العقول و لقد كنّا لنؤمر بالكفّ عنهنّ و انهنّ لمشركات و ان كان الرجل ليتناول المرأة في الجاهلية بالهراوة أو الحديد فيعير بها عقبه من بعده٢ .

و روى ( الكافي ) في باب ما يوصيعليه‌السلام عند القتال عن عبد الرحمن بن جندب عن أبيه أنّهعليه‌السلام كان يأمر في كلّ موطن لقينا فيه عدوّنا فيقول : لا

____________________

( ١ ) تاريخ الامم و الملوك للطبري ٤ : ٦ .

( ٢ ) وقعة صفين لنصر بن مزاحم : ٢٠٣ .

٤٩٩

تقاتلوا القوم حتى يبدأوكم ، فانّكم على حجّة و ترككم إيّاهم حتى يبدأوكم حجّة لكم اخرى فاذا هزمتموهم فلا تقتلوا مدبرا و لا تجهزوا على جريح و لا تمثّلوا بقتيل١ .

و في حديث مالك بن أعين قال : حرّض عليعليه‌السلام الناس بصفين فقال : ان اللّه تعالى قد دلّكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم إلى أن قال و اذا وصلتم إلى رحال القوم فلا تهتكوا سترا و لا تدخلوا دارا و لا تأخذوا شيئا من أموالهم إلاّ ما وجدتم في عسكرهم ، و لا تهيجوا المرأة بأذى و ان شتمن أعراضكم و سببن امراءكم و صلحاءكم ، فإنّهنّ ضعاف القوى و الأنفس و العقول ، و قد كنّا نؤمر بالكفّ عنهنّ و إنّهنّ مشركات ، و ان كان الرجل ليتناول المرأة فيعيّر بها و عقبه من بعده٢ .

قولهعليه‌السلام « لا تقاتلوهم حتى يبدأوكم فانّكم بحمد اللّه على حجّة و ترككم إيّاهم حتى يبدأوكم حجّة أخرى لكم عليهم » و كذلك ابنه الحسينعليه‌السلام يوصي أصحابه يوم الطف ، ففي ( الطبري ) : بعد ذكر إرسال عبيد اللّه بن زياد للحرّ مع ألف لإدخاله الكوفة ثم إتباعه برسول أن ينزلهعليه‌السلام على غير حصن و لا ماء :

و أخذ الحر الحسينعليه‌السلام بالنزول فقالعليه‌السلام : دعنا ننزل في هذه القرية يعني نينوى أو هذه يعني الغاضرية أو هذه يعني شفية فقال : لا و اللّه ما أستطيع ذلك ، هذا رجل قد بعث عينا عليّ فقال له زهير : يابن رسول اللّه ان قتال هؤلاء أهون علينا من قتال من يأتينا من بعدهم ، فلعمري ليأتينا من بعدهم ما لا قبل لنا به فقال الحسينعليه‌السلام : ما كنت لأبدأهم بالقتال٣ .

____________________

( ١ ) الكافي ٥ : ٣٨ ح ٣ .

( ٢ ) رواه ابن أبي الحديد في شرحه عن نصر بن مزاحم بحار الأنوار ٣٣ : ٣٦١ .

( ٣ ) تاريخ الامم و الملوك للطبري ٤ : ٣٠٨ .

٥٠٠

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617