بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٣

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة0%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 617

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

مؤلف: الشيخ محمد تقي التّستري
تصنيف:

الصفحات: 617
المشاهدات: 171929
تحميل: 5291


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 617 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 171929 / تحميل: 5291
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 13

مؤلف:
العربية

و فيه بعد ذكر أمر الحسينعليه‌السلام في صبيحة العاشر بجمع الحطب و القصب في خلف خيمة النساء و إلقاء النار فيها لئلا يحمل العدوّ عليهن و مشاهدة شمر ذلك فنادى شمر بأعلى صوته : يا حسين استعجلت النار في الدّنيا قبل يوم القيامة فقالعليه‌السلام له يابن راعية المعزى أنت أولى بها صليا :

فقال مسلم بن عوسجة للحسينعليه‌السلام : ألا أرميه يابن رسول اللّه بسهم ، فإنّه قد أمكنني و ليس يسقط مني سهم و الفاسق من أعظم الجبّارين فقالعليه‌السلام له : لا فإنّي أكره أن أبدأهم١ .

قال الجاحظ : ربما رأيت بعض من يظن بنفسه العقل و التحصيل و الفهم و التميز و هو من العامة و يظن انّه من الخاصة ، يزعم ان معاوية كان أبعد غورا من عليعليه‌السلام و أصحّ فكرا و أجود رؤية و أبعد غاية و أدقّ مسلكا ، و ليس الأمر كذلك ، و سأرمي إليك بجملة تعرف بها موضع غلطه و المكان الذي دخل عليه الخطأ من قبله ، كان عليعليه‌السلام لا يستعمل في حروبه إلاّ ما وافق الكتاب و السّنة ، و كان معاوية يستعمل خلاف الكتاب و السّنة و يستعمل جميع المكائد حلالها و حرامها ، و يسير في حروبه بسيرة ملك الهند إذا لا قى كسرى و سيرة خاقان اذا لا قى رتبيل ، و عليعليه‌السلام يقول في حروبه « لا تبدأوهم بالقتال حتى يبدأوكم و لا تتبعوا مدبرا و لا تجهزوا على جريح و لا تفتحوا بابا مغلقا » هذه سيرته في ذي الكلاع و أبي الأعور السلمي و عمرو بن العاص و حبيب بن مسلمة ، و في جميع الرؤساء كسيرته في الحشو و الاتباع و السفلة ، و أصحاب الحروب ان قدروا على البيات بيتوا و ان قدروا على رضخ الجميع بالجندل و هم نيام فعلوا ، و لم يؤخروا الحرق إلى وقت الغرق ، و ان أمكن الهدم لم يتكلّفوا الحصار ، و لم يدعوا أن يضعوا المجانيق و العرادات و النقب و الشريب

____________________

( ١ ) تاريخ الامم و الملوك ٣ : ٣١٨ ( دار الكتب العلمية ) .

٥٠١

و الدبابات و الكمين ، و لم يدعوا دسّ السموم و لا التضريب بين الناس بالكذب و طرح الكتب في عساكرهم بالسعايات و توهيم الامور و ايحاش بعض من بعض و قتلهم بكلّ آلة و حيلة كيف وقع القتل و كيف دارت بهم الحال ، فمن اقتصر من التدبير على ما في الكتاب و السنّة كان قد منع نفسه الطويل و العريض من التدبير و ما لا يتناهى من المكائد ، و الكذب أكثر من الصدق و الحرام أكثر من الحلال .

فعليعليه‌السلام كان ملجما بالورع عن جميع القول إلاّ ما هو للّه رضى ،

و ممنوع اليدين من كلّ بطش إلاّ ما هو للّه رضى ، و لا يرضى الرضا إلاّ فيما يرضاه اللّه و يحبّه ، و لا يرى الرضا إلاّ فيما دلّ عليه الكتاب و السنّة دون ما يقول أصحاب الدهاء و النكراء و المكائد و الآراء فلما أبصرت العوام كثرة غرائب معاوية في الخدع و ما اتفق له و تهيأ على يده و لم يروا ذلك من عليعليه‌السلام ظنّوا بقصر عقولهم و قلّة علومهم أن ذلك من رجحان عند معاوية و نقصان عند عليعليه‌السلام ١ .

« فإذا كانت الهزيمة » منكم للعدو باذن اللّه .

« فلا تقتلوا مدبرا » من ولّى عن الحرب .

« و لا تصيبوا معورا » أي : معيوبا .

« و لا تجهزوا على جريح » قال الأصمعي : أجهزت على الجريح إذا اسرعت قتله و قد تممت عليه .

هذا ، و قد عرفت من نقل المصنف و رواية ( الكافي ) و الطبري أنّهعليه‌السلام قال ذلك ( إذا كانت الهزيمة فلا تقتلوا مدبرا و لا تجهزوا على جريح ) في صفين ، لكن ينافيه ما رواه الكليني عن شريك قال : لما انهزم الناس يوم الجمل قال

____________________

( ١ ) ذكره ابن ابي الحديد في شرح نهج البلاغة ١٠ : ٢٢٨ ٢٢٩ .

٥٠٢

عليعليه‌السلام : لا تتبعوا مولّيا و لا تجهزوا على جريح ، و لمّا كان يوم صفين قتلعليه‌السلام المقبل و المدبر و أجاز على جريح ، فقال أبان بن تغلب لعبد اللّه بن شريك : هذه سيرتان مختلفتان فقال : ان أهل الجمل قتل طلحة و الزبير و ان معاوية كان قائما بعينه و كان قائدهم .

و يمكن الجمع بأنّهعليه‌السلام علّق النهي في الخبر في صفين أيضا بحصول الهزيمة و لم تحصل و ان كانوا أشرفوا على الانهزام ، فان كان حصل بقتل معاوية أو فراره كان الحكم في صفين كالجمل بعدم قتل المدبر و ترك الاجهاز على الجريح و بالجملة الكلام صحيح في تعليقه .

و أما في ( صفين نصر ) عن الشعبي قال : أسر عليعليه‌السلام يوم صفين أسرى فخلى سبيلهم ، فأتوا معاوية و قد كان عمرو بن العاص قال لمعاوية في اسرى أسرهم اقتلهم فما شعروا إلاّ بأسراهم ، فقال معاوية لعمرو : لو أطعناك لوقعنا في قبيح فأمر بتخلية من في يده١ .

و كان عليعليه‌السلام إذا أخذ أسيرا من أهل الشام خلّى سبيله إلاّ أن يكون قد قتل من أصحابه أحدا فيقتله به ، فإذا خلّى سبيله و عاد الثانية قتله .

و كان عليعليه‌السلام لا يجيز على الجرحى و لا على من أدبر بصفين لمكان معاوية فالظاهر كونه تصحيفا و الأصل يجيز على الجرحى و على من أدبر لما مر ، و لما رواه ( الكافي ) أيضا عن حفص بن غياث عن الصادقعليه‌السلام قال : ليس لأهل العدل أن يتبعوا مدبرا و لا يقتلوا أسيرا و لا يجهزوا على جريح إذا لم يبق من أهل البغي أحد ، فإذا كان لهم فئة فان أسيرهم يقتل و مدبرهم يتبع و جريحهم يجهز عليه .

« و لا تهيجوا النساء بأذى و ان شتمن أعراضكم و سببن أمراءكم » في

____________________

( ١ ) صفين لنصر بن مزاحم : ٥١٨ .

٥٠٣

( الطبري ) في روايات سيف انّهعليه‌السلام قال ذلك يوم الجمل أيضا ، فروى انّهعليه‌السلام لما ورد دار عبد اللّه بن خلف التي نزلتها عائشة قالت صفية امرأة عبد اللّه بن خلف و كان زوجها قتل مع عائشة لهعليه‌السلام : يا قاتل الأحبة يا مفرّق الجمع ،

أيتم اللّه بنيك منك كما أيتمت ولد عبد اللّه فقالعليه‌السلام : أما لهممت ان افتح هذا الباب و أشار إلى باب من الدار و أقتل من فيه ، ثم أفتح هذا و أشار إلى باب آخر فأقتل من فيه ، و كان أناس من الجرحى قد لجأوا إلى عائشة ، فأخبر عليّعليه‌السلام بمكانهم عندها فسكتت صفية فخرج عليعليه‌السلام فقال رجل من الأزد :

و اللّه لا تفلتنا هذه المرأة ، فغضب و قال : صه لا تهتكن سترا و لا تدخلن دارا و لا تهيّجن امرأة بأذى و ان شتمن أعراضكم و سفّهن امراءكم و صلحاءكم فانّهنّ ضعاف ، و لقد كنّا نؤمر بالكفّ عنهنّ و إنّهن لمشركات ، و ان الرجل ليكافي المرأة و يتناولها بالضرب فيعيّر بها عقبه من بعده١ .

« فإنّهنّ ضعيفات القوى و الأنفس و العقول » في ( صفين نصر ) : لما قتل الأشتر الأجلح ابن منصور من فرسان الشام قالت اخته :

شفانا اللّه من أهل العراق قد أبادونا

اما يخشون ربّهم و لم يرعوا له دينا

فقالعليه‌السلام : أما انّهنّ ليس يملكن ما رأيتم من الجزع ، أما أنّهم قد أضروا بنسائهم فتركوهن خزايا من قبل ابن آكلة الأكباد ، اللّهم حمله آثامهم و أوزارهم و أثقالا مع أثقالهم قالوا : و ماتت حزنا على أخيها٢ .

« ان » مخففة من المثقلة .

« كنّا لنؤمر بالكفّ عنهنّ و انّهن لمشركات » في ( الطبري ) : مما صنع تعالى لنبيه ان الأوس و الخزرج كانا يتصاولان مع النبي تصاول الفحلين لا تصنع

____________________

( ١ ) تاريخ الامم و الملوك للطبري ٣ : ٥٤٣ .

( ٢ ) وقعة صفين لنصر بن مزاحم : ١٧٨ .

٥٠٤

احداهما شيئا إلاّ صنعت الاخرى مثلها ، فلما أصابت الأوس كعب بن الأشرف اليهودي الذي كان عدوّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قالت الخزرج : لا يذهبون بها فضلا علينا أبدا فتذاكروا للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أبا رافع بن أبي الحقيق الخيبري الذي كان في العداوة ككعب و استأذنوه في قتله فاذن لهم ، فخرج منهم ثمانية فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله لهم لا تقتلوا وليدا أو امرأة فخرجوا حتى قدموا خيبر فأتوا دار ابن أبي الحقيق ليلا فلم يدعوا بيتا في الدار إلاّ أغلقوه من خلفهم على أهله حتى قاموا على بابه في علية له ، فاستأذنوا فخرجت إليهم امرأته فقالت : من أنتم ؟ قالوا : نفر من العرب نلتمس الميرة قالت : ذاك صاحبكم فادخلوا عليه فلما دخلوا أغلقوا عليها الباب ، فصاحت بهم فجعل الرجل منهم يرفع عليها السيف ثم يذكر نهي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فيكفّ يده ثم قتلوه١ .

و في ( الأسد ) في رباح أخي حنظلة : خرج رباح مع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في غزوة و كان على مقدّمته خالد بن الوليد ، فمر هو و جمع على امرأة مقتولة ممّا أصاب المقدّمة ، فوقفوا ينظرون إليها و يتعجبون من خلقها ، حتى جاء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : ما كانت هذه تقاتل ثم نظر في وجوه القوم فقال لرجل : أدرك خالدا و قل له لا يقتلن ذرية و لا عسيفا٢ .

و في الخبر : سقطت الجزية عن النساء لعدم جواز قتلهن٣ .

« و إن كان الرجل ليتناول المرأة في الجاهلية بالفهر » في ( الصحاح ) : الفهر الحجر مل‏ء الكفّ يذكر و يؤنث٤ .

و في ( الجمهرة ) : الفهر حجر يملأ الكف ، و هي مؤنثة يدلك على ذلك تصغيرهم

____________________

( ١ ) تاريخ الامم و الملوك للطبري ٢ : ١٨٤ .

( ٢ ) اسد الغابة لابن الاثير ٢ : ١٦٠ .

( ٣ ) التهذيب للطوسي : ٦ : ١٥٦ رواية ١٧١ الباب ٢٢ .

( ٤ ) الصحاح للجوهري ٢ : ٧٨٤ مادة ( فهر ) .

٥٠٥

إيّاها فهيرة١ .

« أو الهراوة » في ( الصحاح ) : الهراوة العصا الضخمة و الجمع الهراوي بفتح الواو .

« فيعيّر بها و عقبه من بعده » قال البحتري :

و اني لئيم ان تركت لا سرتي

أو ابد تبقى في القراطيس و الصحف٢ .

٨ الخطبة ( ٢٠٤ ) و من كلام لهعليه‌السلام و قد سمع قوما من أصحابه يسبّون أهل الشام أيام حربهم بصفين :

إِنِّي أَكْرَهُ لَكُمْ أَنْ تَكُونُوا سَبَّابِينَ وَ لَكِنَّكُمْ لَوْ وَصَفْتُمْ أَعْمَالَهُمْ وَ ذَكَرْتُمْ حَالَهُمْ كَانَ أَصْوَبَ فِي اَلْقَوْلِ وَ أَبْلَغَ فِي اَلْعُذْرِ وَ قُلْتُمْ مَكَانَ سَبِّكُمْ إِيَّاهُمْ اَللَّهُمَّ اِحْقِنْ دِمَاءَنَا وَ دِمَاءَهُمْ وَ أَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِنَا وَ بَيْنِهِمْ وَ اِهْدِهِمْ مِنْ ضَلاَلَتِهِمْ حَتَّى يَعْرِفَ اَلْحَقَّ مَنْ جَهِلَهُ وَ يَرْعَوِيَ عَنِ اَلْغَيِّ وَ اَلْعُدْوَانِ مَنْ لَهِجَ بِهِ قول المصنّف : « و من كلام لهعليه‌السلام و قد سمع » هكذا في ( المصرية ) و مثله ابن أبي الحديد و لكن ابن ميثم « و قالعليه‌السلام و قد رأى »٣ .

« قوما من أصحابه يسبّون أهل الشام » القوم حجر بن عدي و عمرو بن الحمق .

____________________

( ١ ) جمرة اللغة لابن دريد ٢ : ٧٨٩ مادة ( رفه ) .

( ٢ ) البحتري : ٤١ في مدح محمد الطوسي و معاتبته .

( ٣ ) الطبعة المصرية : شرح محمد عبده : ٤٦٣ اما ابن أبي الحديد : ١١ : ٢١ الرواية ( ١٩٩ ) و ابن ميثم : ٤ : ١٣ بلفظ :

« سمع » كما المصرية .

٥٠٦

« أيام حربهم بصفين » بل في الكوفة لما أرادوا الخروج إلى صفين ففي ( طوال الدينوري ) بعد ذكر عقدهعليه‌السلام لواء بالكوفة لربيع بن خثيم على القراء لثغر قزوين و الري : و بلغ عليّاعليه‌السلام أنّ حجر بن عدي و عمرو بن الحمق يظهر ان شتم معاوية و لعن أهل الشام ، فأرسل إليهما ان كفا عمّا بلغني عنكما ، فأتياه فقالا : ألسنا على الحق و هم على الباطل ؟ قال : بلى و ربّ الكعبة المسدنة قالوا :

فلم تمنعنا من شتمهم و لعنهم ؟ قال : كرهت لكم أن تكونوا شتّامين لعّانين ،

و لكن قولوا « اللّهم احقن دماءنا و دماءهم ، و اصلح ذات بيننا و بينهم و اهدهم من ضلالتهم حتى يعرف الحق من جهله و يرعوي عن الغي من لهج به » و لما عزمعليه‌السلام على الشخوص أمر مناديا فنادى الخروج إلى المعسكر بالنخيلة .

و في ( صفين نصر ) بعد ذكر طلب يزيد الأرحبي منهعليه‌السلام أمره الناس بالخروج من الكوفة إلى المعسكر قال عبد اللّه بن شريك : و خرج حجر بن عدي و عمرو بن الحمق يظهر ان البراءة و اللعن من أهل الشام ، فأرسل إليهما عليعليه‌السلام ان كفّا عمّا يبلغني عنكما فأتياه فقالا : ألسنا محقّين ؟ قال : بلى قالا :

فلم منعتنا من شتمهم ؟ قال : كرهت لكم أن تكونوا لعّانين شتّامين تشتمون و تتبرؤون و لكن لو وصفتم مساوي أعمالهم فقلتم من سيرتهم كذا و كذا و من عملهم كذا و كذا كان أصوب في القول و أبلغ في العذر ، و قلتم مكان لعنكم اياهم و براءتكم منهم « اللّهم احقن دماءنا و دماءهم و اصلح ذات بيننا و بينهم و اهدهم من ضلالتهم حتى يعرف الحق من جهله و يرعوي عن الغي و العدوان من لهج به » كان هذا أحبّ إليّ و خيرا لكم فقالا : نقبل عظتك و نتأدّب بأدبك١ .

و قد نقل الثاني ابن أبي الحديد في موضع آخر بلا ربط ، و غفل عنه هنا٢ .

____________________

( ١ ) وقعة صفين لنصر بن مزاحم : ١٠٢ .

( ٢ ) ذكر ابن ابي الحديد العبارة في الجزء ٣ : ١٨١ في الرواية ٤٦ و التي تبدأ ب « اللهم إني أعوذ بك . » .

٥٠٧

قولهعليه‌السلام « اني أكره لكم أن تكونوا سبّابين » في ( ذيل الطبري ) مسندا عن أبي جري قال : انتهيت إلى رجل و الناس حوله يصدرون عن رأيه ، ما قال لهم من شي‏ء رضوا به ، فقلت في نفسي ان هذا لرجل من هذا ؟ قالوا : رسول اللّه قلت : عليك السلام قال : « عليك السلام » تحية الميّت و لكن قل : السلام عليك قلت : السلام عليك ، أنت رسول اللّه ؟ قال : نعم أنا رسول اللّه الذي إذا أصابك ضرّ فدعوته استجاب لك ، و إذا أصابك عام سنة فدعوته استجاب لك ،

و إذا كنت في قفر فضلّت راحلتك فدعوته ردّها عليك قلت : بأبي أنت و أمّي اعهد إليّ عهدا قال : « لا تسبّن أحدا » فما سببت بعده حرّا و لا عبدا و لا شاة و لا بعيرا١ .

و في ( كامل المبرد ) : قيل لصخر بن عمرو أخي الخنساء : اهج غطفان و كانوا قتلوا أخاه معاوية بن عمر فقال : ما بيني و بينهم أقذع ، و لو لم أمسك عن هجائهم إلاّ صونا لنفسي عن الخنا لفعلت ثم قال :

و عاذلة هبّت بليل تلومني

ألا لا تلومي كفى اللوم مابيا

تقول الا تهجو فوارس هاشم

و مالي اذ أهجوهم ثم ماليا

ابى الشتم اني قد أصابوا كريمتي

و ان ليس اهداء الخنا من شماليا٢

و قالوا :

و شرّ عداوة المرء السباب .

ثم ان معاوية و أصحابه و ان كانوا مستحقّين للّعن و للسب إلاّ إنّه لما كان مؤدّيا إلى معاملتهم بالمثل لم يكن مريضا ، قال تعالى :و لا تسبّوا الذين

____________________

( ١ ) ذيل المذلل للطبري : ٦٥ .

( ٢ ) الكامل للمبرّد ٣ : ١٢٢١ ١٢٢٢ .

٥٠٨

يدعون من دون اللّه فيسبوا اللّه عدوا بغير علم .١ .

و امّا قنوتهعليه‌السلام بعد صفين على معاوية و جمع آخر فانّما كان بعد اتمام الحجّة و تنكّبهم عن المحجّة ، مع انّهعليه‌السلام لو لم يفعل ذلك لفعله معاوية و لم يختص به ، ففعل ذلك جميع بني أميّة سوى ابن عبد العزيز و كان ذلك سببا عندهم لبقاء سلطنتهم و لم يكتفوا بذلك فوضعوا أحاديث في ذمهعليه‌السلام .

« و لكنّكم لو وصفتم أعمالهم و ذكرتم حالهم كان أصوب في القول و أبلغ في العذر » لأنّه لا يمكنهم انكار أعمالهم الشنيعة ، و كان هوعليه‌السلام و عترته مع خصومهم كذلك .

ففي ( مقاتل أبي الفرج ) : لما بويع معاوية خطب فذكر عليّاعليه‌السلام فنال منه و نال من الحسنعليه‌السلام فقام الحسينعليه‌السلام ليردّ عليه ، فأخذ الحسن بيده فأجلسه ثم قام فقال : ايّها الذاكر عليّا أنا الحسن و أبي علي و أنت معاوية و أبوك صخر و أمّي فاطمة و أمّك هند و جدّي رسول اللّه و جدّك حرب و جدّتي خديجة و جدّتك قتيلة ، فلعن اللّه أخملنا ذكرا و ألأمنا حسبا و شرّنا قدما و أقدمنا كفرا و نفاقا فقال طوائف من أهل المسجد : آمين ٢ .

و في ( الإرشاد ) : وقف على علي بن الحسينعليه‌السلام رجل من أهل بيته فأسمعه و شتمه فلم يكلّمه ، فلما انصرف قال لجلسائه : قد سمعتم ما قال هذا الرجل ، و انا أحب أن تبلغوا معي إليه حتى تسمعوا مني ردّي عليه فقالوا :

نفعل و لقد كنّا نحب أن تقول له و تقول فأخذعليه‌السلام نعليه و مشى و هو يقول . .

و الكاظمين الغيظ و العافين عن الناس و اللّه يحبّ المحسنين فعلموا أنّه لا يقول له شيئا ، فخرج حتى أتى منزل الرجل فصرخ به فقالوا : هذا علي بن

____________________

( ١ ) الأنعام : ١٠٨ .

( ٢ ) المقاتل لأبي الفرج : ٤٦ .

٥٠٩

الحسين فخرج متوثبا للشّر و هو لا يشكّ انّه انّما جاء مكافئا له فقالعليه‌السلام له :

يا أخي انّك قد وقفت علي آنفا و قلت و قلت ، فان كنت قلت ما فيّ فاستغفر اللّه منه ، و ان كنت قلت ما ليس فيّ فغفر اللّه لك فقبّل الرجل بين عينيه و قال : بل قلت ما ليس فيك و أنا أحقّ به١ .

« و قلتم مكان سبّكم إيّاهم اللّهم احقن » أي : امنع من السفك .

« دماءنا و دماءهم و اصلح ذات بيننا و بينهم و اهدهم من ضلالتهم حتى يعرف الحقّ من جهله » في ( صفين نصر ) : مضى هاشم المرقال في عصابة من القرّاء ،

فقاتل قتالا شديدا هو و أصحابه حتى رأى بعض ما يسرّون به ، إذ خرج عليهم فتى شاب يقول :

أنا أرباب الملوك غسان

و الدائن اليوم بدين عثمان

انبأنا أقوامنا بما كان

ان عليّا قتل ابن عفان

ثم شدّ فلا ينثني يضرب بسيفه ثم يلعن و يشتم و يكثر الكلام ، فقال له هاشم : ان هذا الكلام بعده الخصام و ان هذا القتال بعده الحساب ، فاتق اللّه ربّك فانّك راجع إلى ربك فسائلك عن هذا الموقف و ما أردت به قال : اقاتلكم لأن صاحبكم لا يصلّي كما ذكر لي و انّكم لا تصلّون ، و أقاتلكم ان صاحبكم قتل خليفتنا و أنتم و ازرتموه على قتله فقال له هاشم : و ما أنت و ابن عفّان ، انّما قتله أصحاب محمّد و قرّاء الناس حين أحدث احداثا و خالف حكم الكتاب ،

و أصحاب محمّد هم أصحاب الدين و أولى بالنظر في أمور المسلمين ، و اما قولك « ان صاحبنا لا يصلّي » فهو أوّل من صلّى للّه مع رسوله و أفقههم في دين اللّه و أولى برسوله ، و اما من ترى معه فكلّهم قارى‏ء الكتاب لا ينامون الليل تهجدا ، فلا يغررك عن دينك هؤلاء الأشقياء المغرورون فقال الفتى : انّي

____________________

( ١ ) الإرشاد : ٢٥٧ .

٥١٠

لأظنّك امرأ صالحا هل تجد لي من توبة ؟ قال : نعم تب إلى اللّه يتب عليك فانّه يقبل التوبة عن عباده و يعفو عن السيئات و يحبّ التوابين و يحبّ المتطهرين .

فذهب الفتى بين الناس راجعا ، فقال له رجل من أهل الشام : خدعك العراقي .

فقال : بل نصحني١ .

« و يرعوي » أي : يكفّ .

« عن الغي و العدوان من لهج به » أي : و لع به و حرص و زاد ابن ميثم كما في نسخته : « و تبعه » .

٩ الخطبة ( ٦٤ ) و من كلام لهعليه‌السلام كان يقوله لأصحابه في بعض أيام صفين :

مَعَاشِرَ اَلْمُسْلِمِينَ اِسْتَشْعِرُوا اَلْخَشْيَةَ وَ تَجَلْبَبُوا اَلسَّكِينَةَ وَ عَضُّوا عَلَى اَلنَّوَاجِذِ فَإِنَّهُ أَنْبَى لِلسُّيُوفِ عَنِ اَلْهَامِ وَ أَكْمِلُوا اَللَّأْمَةَ وَ قَلْقِلُوا اَلسُّيُوفَ فِي أَغْمَادِهَا قَبْلَ سَلِّهَا وَ اِلْحَظُوا اَلْخَزْرَ وَ اُطْعُنُوا اَلشَّزْرَ وَ نَافِحُوا بِالظُّبَى وَ صِلُوا اَلسُّيُوفَ بِالْخُطَا وَ اِعْلَمُوا أَنَّكُمْ بِعَيْنِ اَللَّهِ وَ مَعَ اِبْنِ عَمِّ رَسُولِ اَللَّهِ فَعَاوِدُوا اَلْكَرَّ وَ اِسْتَحْيُوا مِنَ اَلْفَرِّ فَإِنَّهُ عَارٌ فِي اَلْأَعْقَابِ وَ نَارٌ يَوْمَ اَلْحِسَابِ وَ طِيبُوا عَنْ أَنْفُسِكُمْ نَفْساً وَ اِمْشُوا إِلَى اَلْمَوْتِ مَشْياً سُجُحاً وَ عَلَيْكُمْ بِهَذَا اَلسَّوَادِ اَلْأَعْظَمِ وَ اَلرِّوَاقِ اَلْمُطَنَّبِ فَاضْرِبُوا ثَبَجَهُ فَإِنَّ اَلشَّيْطَانَ كَامِنٌ فِي كِسْرِهِ وَ قَدْ قَدَّمَ لِلْوَثْبَةِ يَداً وَ أَخَّرَ لِلنُّكُوصِ رِجْلاً فَصَمْداً صَمْداً حَتَّى يَنْجَلِيَ لَكُمْ عَمُودُ اَلْحَقِّ وَ أَنْتُمُ اَلْأَعْلَوْنَ وَ اَللَّهُ مَعَكُمْ وَ لَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ ٧ ١٦ ٤٧ : ٣٥

____________________

( ١ ) وقعة صفين ٣٥٤ .

٥١١

أقول : و رواه ابن قتيبة في ( عيونه )١ و المسعودي في ( مروجه )٢ و المصنف في ( خصائصه )٣ و فرات بن ابراهيم في ( تفسيره )٤ و الطبرسي في ( بشارته )٥ .

قال الأول : ذكر ابن عباس عليّاعليه‌السلام فقال : ما رأيت رئيسا يوزن به لرأيته يوم صفين و كأن عينيه سراجا سليط و هو يحمس أصحابه إلى أن انتهى اليّ و أنا في كثف فقال : معشر المسلمين استشعروا الخشية ، و غضوا الأصوات و تجلببوا السكينة و اكملوا اللام و اخفوا الخود و قلقلوا السيوف في أغمادها قبل السلمة و الحظوا الشزر و اطعنوا النتر و نافحوا بالظبي و صلوا السيوف بالخطى و الرماح بالنبل و امشوا إلى الموت مشيا سجحا ، و عليكم بهذا السواد الأعظم و الرواق المطنب ، فاضربوا ثبجه فان الشيطان راكد في كسره ، نافج حضينه مفترش ذراعيه قد قدم للوثبة يدا و أخّر للنكوص رجلا .

و قال الثاني في ( مروجه ) : و خرج عليعليه‌السلام بنفسه في البدريين و المهاجرين و الأنصار و ربيعة و همدان في اليوم الثامن و هو يوم الأربعاء .

قال ابن عباس : رأيت في هذا اليوم عليّاعليه‌السلام و عليه عمامة بيضاء و كأن عينيه سراجا سليط و هو يقف على طوائف الناس في مراتبهم يحثّهم و يحرّضهم حتى انتهى اليّ و أنا في كثيف من الناس ، فقال : يا معشر المسلمين غموا الأصوات و اكملوا الملامة و استشعروا الخشية و أقلقوا السيوف في الأجفان قبل السلة و الحظوا الشزر و اطعنوا الهبر . .

____________________

( ١ ) عيون الاخبار لابن قتيبة ١ : ١٣٣ .

( ٢ ) مروج الذهب للمسعودي ٢ : ٣٧٩ .

( ٣ ) خصائص الائمة للشريف الرضي : ٧٥ ٧٦ .

( ٤ ) تفسير الفرات : ٤٢١ .

( ٥ ) أبو جعفر الطبري : بشارة المصطفى : ١٧٢ ١٧٣ .

٥١٢

و قال الثالث : حكي ان معاوية سأل ابن عباس عن أمير المؤمنينعليه‌السلام فقال : هيهات عقم النساء أن يأتين بمثله و اللّه ما رأيت رئيسا مجرّبا يوزن به ،

لقد رأيته في بعض أيام صفين و على رأسه عمامة بيضاء تبرق و قد أرخى طرفيه على صدره و ظهره ، و كأن عينيه سراجا و هاجا من سليط ، و هو يقف على كتيبة حتى انتهى إليّ و أنا في كثف من القوم و هو يقول : معاشر المسلمين استشعروا الخشية . و لن يتركم أعمالهم و زاد و أنشأ يقول :

إذا المشكلات تصدين لي

كشفت غوامضها بالنظر

و ان برقت في مخيل الظنون

عمياء لا تجليها الفكر

مقنعة بغيوب الأمور

وضعت عليها حسام العبر

معي اصمعي كظبي المرهفات

اثرى به عن بنات السرر

لسان كشقشقة الأرحبي

أو كالحسام اليماني الذكر

و لست بأمعة في الرجال

السائل هذا و ذا ما الخبر

و لكنني مدره الأصغرين

أقيس بما قد مضى ما غبر

ثم غاب عني ثم رأيته قد أقبل و سيفه ينطف دما و هو يقرأ .فقاتلوا أئمة الكفر انّهم لا أيمان لهم لعلّهم ينتهون ١ .

و روى الرابع مسندا عن ضرار بن الأزور : ان رجلا من الخوارج سأل ابن عباس عن عليعليه‌السلام ، فأعرض عنه ثم سأله فقال : و اللّه لكان أمير المؤمنين يشبه القمر الزاهر و الأسد الخادر و الفرات الزاخر و الربيع الباكر فاشبه من القمر ضوؤه و بهاؤه و من الأسد شجاعته و مضاؤه و من الفرات جوده و سخاؤه و من الربيع خصبه و حباؤه ، عقمت النساء أن يأتين بمثله بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، تاللّه ما سمعت و لا رأيت انسانا مثله ، و قد رأيته يوم صفين و عليه

____________________

( ١ ) التوبة : ١٢ .

٥١٣

عمامة بيضاء ، و كأن عينيه سراجان و هو يقف على شرذمة شرذمة ، يحضّهم و يحثّهم إلى ان انتهى إليّ و أنا في كنف من المسلمين ، فقال : معاشر الناس استشعروا الخشية و أميتوا الأصوات و تجلبوا بالسكينة و أكملوا اللامة و اقلوا السيوف في الغمد قبل السلة و الحظوا الشزر و اطعنوا الخزر و نافحوا بالخطى و صلوا السيوف بالخطى و الرماح بالبنان فانّكم بعين اللّه و مع ابن عم نبيّكم عاودوا الكرّ و استحيوا من الفر ، فانّه عار باق في الأعقاب و نار يوم الحساب ، فطيبوا عن أنفسكم نفسا و اطووا عن الحياة كشحا و امشوا إلى الموت مشيا ، عليكم بهذا السواد الأعظم و الرواق المطنب فاضربوا ثبجه فان الشيطان راكد في كسره نافج حضنيه و مفترش ذراعيه ، قد قدم للوثبة يدا و أخّر للنكوص رجلا ، فصبرا حتى ينجلي لكم عمد الحق و أنتم الأعلون و اللّه معكم و لن يتركم أعمالكم .

و أقبل معاوية في الكتيبة الشهباء و هي زهاء عشرة آلاف جيش شاكين في الحديد لا يرى منهم إلاّ الحدق تحت اللثام ، فقالعليه‌السلام : ما بالكم تنظرون فما تعجبون ، انّما هي جثث ماثلة فيها قلوب طائرة مزخرفة بتمويه الخاسرين و رجل جراد زفت به ريح الصبا ، و لفيف سداه الشيطان و لحمته الضلالة ،

و صرخ بهم ناعق البدعة و فيهم خور الباطل و ضخضخة المكاثر ، فلو قد مستها سيوف أهل الحق لتهافتت تهافت الفراش في النار ، ألا فسووا بين الركب و عضوا على النواجذ و اضربوا القوانص بالصوارم و اشرعوا الرماح في الجوانح و شدّوا فإنّي شادّهم لا ينصرون .

فحملوا حملة ذي لبد ، فأزالوهم عن أماكنهم و دفعوهم عن مراكزهم ،

و ارتفع الرهج و خمدت الأصوات ، فلا تسمع إلاّ صلصلة الحديد و غمغمة الأبطال لا يرى إلاّ رأس نادر أو يد طائحة و انا كذلك إذ أقبل أمير المؤمنينعليه‌السلام

٥١٤

من موضع يريد أن ينجلي الغبار و ينفض العلق عن ذراعيه و سيفه يقطر من الدماء قد انحنى كقوس النازع و هو يتلوو ان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فان بغت احداهما على الاخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفي‏ء إلى أمر اللّه .١ .

و روى الخامس مسندا عن عكرمة عن ابن عباس قال : عقم النساء أن يأتين بمثل أمير المؤمنين ، و ما كشفت النساء ذيولهن عن مثله ، لا و اللّه ما رأيت فارسا مجرّبا يوزن به ، لرأيته يوما و نحن معه بصفين و على رأسه عمامة سوداء و كأن عينيه سراجا سليط يتوقدان من تحتها يقف على شرذمة يحضهم حتى انتهى إلى نفر أنا فيهم ، و طلعت خيل لمعاوية تدعى بالكتيبة الشهباء عشرة آلاف دارع على عشرة آلاف أشهب ، فاقشعر الناس لها لما رأوها و انحاز بعضهم إلى بعض ، فقالعليه‌السلام : فيم النخع و النخع يا أهل العراق ،

هل هي إلاّ أشخاص ماثلة فيها قلوب طائرة ، لو مسّها قلوب أهل الحق لرأيتموها كجراد بقيعة سفته الريح في يوم عاصف ، ألا فاستشعروا الخشية و تجلببوا السكينة و ادرعوا الصبر و خفضوا الأصوات و قلقلوا الأسياف في الأغماد قبل السلة ، و انظروا الشزر و اطعنوا الوجر و كافحوا بالظبي و صلوا السيوف بالخطى و النبال بالرماح و عاودوا الكر و استحيوا من الفر ، فانّه عار في الأعقاب و نار يوم الحساب ، و طيبوا عن أنفسكم ، نفسا و امشوا إلى الموت مشيا سجحا ، فانّكم بعين اللّه و مع أخي رسول اللّه ، و عليكم بهذا السرادق الأدلم و الرواق المظلم فاضربوا ثبجه ، فان الشيطان راقد في كسره نافش حضنيه مفترش ذراعيه قد قدّم للوثبة يدا و أخّر للنكوص رجلا ، فصمدا صمدا حتى ينجلي لكم عمود الحق و أنتم الأعلون و اللّه معكم و لن يتركم أعمالكم‏ها

____________________

( ١ ) الحجرات : ٩ .

٥١٥

أنا شاد فشدّوا بسم اللّه الرحمن الرحيم حم لا ينصرون .

ثم حملعليه‌السلام عليهم و تبعهم خويلة لم تبلغ المائة فارس ، فأجالهم فيها جولان الرحى المسرحة بثفالها ، فارتفعت عجاجة منعتني النظر ، ثم انجلت فأثبت النظر فلم نر إلاّ رأسا نادرا و يدا طائحة ، فما كان بأسرع أن ولّوا مدبرين كأنّهم حمر مستنفرة فرّت من قسورة ، فإذا أمير المؤمنينعليه‌السلام قد أقبل و سيفه ينطف و وجهه كشقّة القمر و هو يقول : .فقاتلوا أئمة الكفر انّهم لا أيمان لهم لعلّهم ينتهون ١ .

و قال ابن أبي الحديد هذا الكلام خطبعليه‌السلام به في اليوم الذي كانت عشيته ليلة الهرير في كثير من الروايات ، و في رواية نصر انّهعليه‌السلام خطب به في أوّل أيام الحرب٢ .

قلت : لم يذكر واحدة من روايات قال تضمّنت كون الخطبة في قرب ليلة الهرير و أما ما نسبه إلى ( صفين نصر ) من كونها في أوّل يوم من الحرب فلم نقف عليه فيه بل المفهوم مما نقله نفسه عنه و ان لم نقف عليه فيه أيضا كونها ليلة الثامن ، فقال : قال نصر : فأما اليوم السابع فكان القتال فيه شديدا إلى أن قال قال نصر ان عليّاعليه‌السلام خطب في ليلة هذا اليوم فقال : معاشر المسلمين استشعروا الخشية و تجلببوا السكينة و عضوا على النواجذ . و كيف كان فالروايات الخمس التي نقلناها لم تتضمن احداها تاريخ الكلام سوى رواية المسعودي فانّها تضمنت كون الكلام يوم الثامن فهو المتعيّن .

قول المصنّف : « و من كلام لهعليه‌السلام كان يقوله لأصحابه في بعض أيام صفين » قوله « يقوله » ينافر قوله « في بعض » و كان المناسب ان يقول « قاله » أو

____________________

( ١ ) التوبة : ١٢ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٥ : ١٧٥ .

٥١٦

يحذف قوله « كان يقوله » و لو لا وجوده في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم ) لقلنا بزيادته ، ففي ( الخطية ) : « و من كلام لهعليه‌السلام في بعض أيام صفين »١ .

قولهعليه‌السلام « معاشر المسلمين استشعروا الخشية » قالوا : أي اجعلوا خشية اللّه تعالى و تقواه بمنزلة شعار لكم ، و الشعار من الثياب ما يلصق بالجسد ،

و الدثار ما فوق الشعار .

« و تجلببوا السكينة » قالوا : أي اجعلوا السكون و الوقار جلبابا لكم ،

و الجلباب ثوب يشمل جميع البدن .

« و عضّوا على النواجذ » قالوا : للإنسان أربعة نواجذ ، و هي أقصى الأضراس .

« فانّه أنبى للسيوف » قالوا : انّه من نبا السيف إذا لم يقطع ، و المراد انّه إذا عضّ الانسان على نواجذه تصلبت الأعصاب و العضلات المتصلة بالدماغ ،

فكان تأثير السيف فيها أقل .

قال ابن أبي الحديد قال ذلك الراوندي٢ ، و هذا كلام ليس على حقيقته ،

بل هو كناية عن الأمر بتسكين القلب و ترك اضطرابه ، و ذلك أشدّ إبعادا لسيف العدو عن هاماتكم٣ .

قلت : بل على حقيقته ، و يشهد له تصريح الأشتر به ، ففي ( صفين نصر ) :

كان الأشتر يحرّض أصحابه و يقول : فدتكم نفسي ، شدّوا شدّة المحرج الراجي الفرج فإذا نالتكم الرماح فالتووا فيها ، و إذا عضتكم السيوف فليعضّ الرجل على نواجذه فانّه أشد لشؤون الرأس٤ .

____________________

( ١ ) شرح نهج البلاغة ٥ : ١٦٨ و ابن ميثم ٢ : ١٧٨ أما النسخة الخطية فكما قال العلامة التستري : ٤٢ .

( ٢ ) منهاج البلاغة للقطب الراوندي ١ : ٢٨٧ لا وجود للعبارة المذكورة .

( ٣ ) شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد ٥ : ١٦٩ .

( ٤ ) وقعة صفين لنصر بن مزاحم : ١٧٣ .

٥١٧

« و أكملوا اللأمة » بالهمز ، أي : الدرع لتحول بين البدن و ضرب العدو و طعنه و سهمه ، قال تعالى في داود :و علّمناه صنعة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم فهل أنتم شاكرون ١ .

و في ( العيون ) : كان على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم احد درعان٢ .

و اشترى يزيد بن حاتم أدرعا و قال : اني لم أشتر أدرعا انّما اشتريت أعمارا .

« و قلقلوا السيوف في أغمادها قبل سلها » لئلا يطول سلها وقت إرادة ضرب العدو .

« و الحظوا الخزر » قال ابن أبي الحديد بالتحريك ، قال « إذن تخازرت و ما بي من خزر » فان جاء مسكنا و الا فتسكينه جائز للسجعة الثانية « و اطعنوا الشزر »٣ .

قلت : بل بالسكون ، قال الفيروز آبادي : الخزر بسكون الزاي النظر بلحظ العين ، و البيت الذي ذكر الخزر فيه اسم المصدر و هنا مصدر٤ .

هذا ، و قال عمرو بن العاص : ما رأيت معاوية متكئا قط واضعا إحدى رجليه على الأخرى كاسرا عينه يقول لرجل تكلّم إلاّ رحمته .

« و اطعنوا » قال ابن أبي الحديد : بضم العين يقال طعن بالرمح يطعن بالضم و طعن في النسب يطعن بالفتح٥ .

قلت : بل يجوز في يطعن الضم و الفتح مطلقا ، و انما الفرق بين الطعن

____________________

( ١ ) الأنبياء : ٨٠ .

( ٢ ) عيون الاخبار لابن قتيبة ١ : ١٢٨ .

( ٣ ) شرح ابن ابي الحديد ٥ : ١٦٩ .

( ٤ ) القاموس المحيط ، للفيروز آبادي : ٤٩١ مادة ( الخزر ) .

( ٥ ) شرح ابن أبي الحديد ٥ : ١٧٠ .

٥١٨

بالرمح و الطعن في النسب بالمصدر ، ففي ( الجمهرة ) : طعن بالرمح يطعن و يطعن طعنا ، و طعنت في الرجل طعنانا لا غير إذا ذكرته بقبيح ، قال أبو زبيد الطائي :

و ابى ظاهر الشناءة إلا

طعنانا و قول ما لا يقال

قال الأصمعي : الطعن بالرمح و الطعنان باللسان هذا كلام العرب١ .

و منه يظهر ما في ( الصحاح )٢ و ( القاموس )٣ أيضا طعن فيه طعنا و طعنانا .

« الشزر » و في ( الصحاح ) : الشزر ما طعنت عن يمينك و شمالك٤ .

في ( الطبري ) : خرج رجل من عك الشام يسأل المبارزة ، فخرج إليه قيس ابن فهدان الكناني البدني من أهل العراق ، فحمل على العكي فضربه و احتمله أصحابه ، فقال قيس :

لقد علمت عك بصفين اننا

إذا التقت الخيلان نطعنها شزرا

و نحمل رايات الطعان بحقّها

فنوردها بيضا و نصدرها حمرا٥

هذا ، و قد عرفت ان في رواية ( المروج ) « الهبر » و في رواية ( البشارة ) :

« الوجر » و الهبرة القطعة من اللحم ، و الوجر الطعن في الصدر .

« و نافحوا » في ( الصحاح ) : نفحه بالسيف تناوله من بعيد .

« بالظبي » جمع ظبة كالظبات طرف السيف ، قال الشاعر :

____________________

( ١ ) جمهرة اللغة لابن دريد ٢ : ٩١٧ .

( ٢ ) الصحاح ٤ : ٢١٥٧ مادة ( طعن ) .

( ٣ ) قاموس المحيط : ١٥٦٥ مادة ( طعن ) .

( ٤ ) الصحاح ٢ : ٦٩٧ مادة ( شزر ) .

( ٥ ) تاريخ الامم و الملوك للطبري ٤ : ٢١ .

٥١٩

إذا الكماة تنحّوا أن ينالهم

حد الظبات و صلناها بأيدينا١

« و صلوا السيوف بالخطى » جمع الخطوة بالضم ما بين القدمين .

قال ابن أبي الحديد روي ان رجلا من الأزد رفع إلى المهلب سيفا له ،

فقال له : يا عم كيف ترى سيفي هذا ؟ فقال : انّه لجيّد لو لا انّه قصير قال : يا عم اطوله بخطوتي فقال : و اللّه يابن أخي ان المشي إلى الصين أو آذربيجان على أنياب الأفاعي أسهل من تلك الخطوة ثم نقل أبياتا في وصل السيوف بالخطى٢ .

قلت : و في ( صفين نصر ) : كانت طلائع أهل الشام و أهل العراق يلتقون و يتناشدون و يفخر بعضهم على بعض على أمان ، فالتقوا يوما و فيهم النجاشي فتذاكروا رجراجة عليّعليه‌السلام كان معه أربعة آلاف مجفجف من همدان مع سعيد بن قيس رجراجة ، و كان عليهم البيض و السلاح و الدروع و خضرية معاوية كانت مع عبيد اللّه بن عمر أربعة آلاف عليهم الخضر فقال فتى من جذام ممّن كان في طليعة معاوية :

ألا قل لفجّار أهل العراق

و لين الكلام لهم سيئه

متى ما تجيئوا برجراجة

نجئكم بجأواء خضريه

فوارسها كأسود الضراب

طوال الرماح يمانيه

قصار السيوف بأيديهم

يطولها الخطو و النيه

يقول ابن هند إذا أقبلت

جزى اللّه خيرا جذاميه

فقال القوم للنجاشي : أنت شاعر أهل العراق و فارسهم ، فأجب الرجل فتنحى ساعة ثم أقبل يهدر و يقول :

____________________

( ١ ) الصحاح ١ : ٤١٢ ( نفح ) .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٥ : ١٧١ .

٥٢٠