بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٣

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة0%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 617

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

مؤلف: الشيخ محمد تقي التّستري
تصنيف:

الصفحات: 617
المشاهدات: 171898
تحميل: 5290


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 617 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 171898 / تحميل: 5290
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 13

مؤلف:
العربية

و قال أبو الغوث : النحيرة آخر ليلة من الشهر مع يومها ، لأنّها تنحر الشهر الذي بعدها ، أي تصير في نحره أو تصيب نحره ، فهي ناحرة و الجمع النواحر ، و احتجّ بقول ابن أحمر الباهلي :

ثم استمر عليها و اكف همع

في ليلة نحرت شعبان أو رجبا١

و قال ابن دريد : أقبل فلان في نحر الجيش ، أي في أوّله ، و الليلة تنحر شهر كذا و كذا أي هي أوّله ثم ذكر البيت الأخير ، فترى الأوّل جعله الآخر بلا خلاف لكن تردّد في أنّه آخر يوم فقط أو مع ليلة ، و الثاني جعله أول ليلة بلا خلاف ثم قال : و النحيرة و المنحورة واحد ، و قال : قيل في قوله تعالىفصلّ لربك و انحر ٢ أي استقبل نحر النهار أي أوّله ، و قيل يعني ضع يدك على نحرك٣ .

و الصواب قول ابن دريد لأخذه عن الخليل و لكثرة أوهام الجوهري و لأن ( الأساس ) وافقه فقال : قال الكميت :

و الغيث بالمتالفات

من الأهلّة في النواحر٤

إذا وقع الغيث في أوّل الشهر كان غزيرا . .

و منه يظهر ان الجوهري صحّف البيت الأول و أنّه كان بلفظ « في النواحر » لا « و النواحر » و بالجملة هو أيضا لم يشر إلى خلاف في كونه بمعنى الأول .

____________________

( ١ ) الجمهرة لابن دريد ١ : ٥٢٥ .

( ٢ ) الكوثر : ٢ .

( ٣ ) جمهرة اللغة لابن دريد ١ : ٥٢٥ .

( ٤ ) أساس البلاغة : ٤٤٩ .

٥٦١

١٢ من غريب كلامه رقم ( ٧ ) و في حديثهعليه‌السلام أنه شيّع جيشا يغزيه فقال :

اِعْذِبُوا عَنِ اَلنِّسَاءِ مَا اِسْتَطَعْتُمْ و معناه اصدفوا عن ذكر النساء و شغل القلب بهن و امتنعوا من المقاربة لهن لأن ذلك يفت في عضد الحمية و يقدح في معاقد العزيمة و يكسر عن العدو و يلفت عن الإبعاد في الغزو فكل من امتنع من شي‏ء فقد أعزب عنه و العاذب و العذوب الممتنع من الأكل و الشرب أقول : قال في النهاية : و في حديث عليعليه‌السلام أنّه شيّع سرية فقال : اعذبوا عن ذكر النساء أنفسكم ، فإنّ ذلكم يكسركم عن الغزو١ .

قولهعليه‌السلام « اعذبوا عن النساء ما استطعتم » في ( كامل المبرّد ) : كتب صاحب اليمن إلى عبد الملك في وقت محاربة ابن الأشعث معه إنّي قد وجهت إليك بجارية اشتريتها بمال عظيم و لم ير مثلها قط ، فلما دخل بها عليه رأى وجها جميلا و خلقا نبيلا فألقى إليها قضيبا كان في يده فنكست لتأخذه فرأى منها جسما بهره ، فلما همّ بها أعلمه الإذن أنّ رسول الحجاج بالباب ،

فإذن له و نحى الجارية فأعطاه كتابا من عبد الرحمن فيه سطور أربعة يقول فيها :

سائل مجاور جرم هل جنيت لها

حربا يزيل بين الجيرة الخلط

و هل سموت بجرار له لجب

جم الصواهل بين الجم و الفرط

و هل تركت نساء الحي ضاحية

في ساحة الدار يستوقدن بالغبط

و تحتها بيت آخر على غير الروي و هو :

____________________

( ١ ) النهاية ٣ : ١٩٥ مادة ( عذب ) .

٥٦٢

قتل الملوك و صار تحت لوائه

شجر العرى و عراعر الأقوام

فكتب جوابه و جعل في طيّه جوابا لابن الأشعث :

ما بال من أسعى لأجبر عظمه

حفاظا و ينوي من سفاهته كسري

أظن خطوب الدهر بيني و بينهم

ستحملهم مني على مركب و عر

و إنّي و إيّاهم كمن نبّه القطا

و لو لم تنبه باتت الطير لا تسري

أناة و حلما و انتظارا بهم غدا

فما أنا بالواني و لا الضرع الغمر

ثم بات يقلّب كفّ الجارية و يقول : ما أخذت فائدة أحبّ إليّ منك ، فتقول :

فما بالك و ما يمنعك ؟ فقال : يمنعني قول الأخطل و إن خرجت منه كنت ألأم العرب فإنّه قال :

قوم إذا حاربوا شدّوا مآزرهم

دون النساء و لو باتت بأطهار١

فما إليك سبيل أو يحكم اللّه بيني و بين ابن الأشعث ، فلم يقربها حتى قتل عبد الرحمن٢ .

قول المصنّف : « و معناه اصدفوا عن ذكر النساء » أي : اعرضوا عن ذكرهن « و شغل القلب بهن » و لا تكونوا كما قال الشاعر :

ذكرتك و الخطي يخطر بيننا

و قد نهلت منّا المثقفة السمر

« و امتنعوا من المقاربة لهن » و كان المهلب لما خرج ابن الأشعث على الحجاج في أهل العراق كتب إلى الحجاج أنّ أهل العراق أقبلوا إليك و هم مثل السيل المنحدر من عل ليس شي‏ء يرده حتى ينتهي إلى قراره ، و إنّ لأهل العراق شرة في أوّل مخرجهم و صبابة إلى ابنائهم و نسائهم فليس شي‏ء يردّهم حتى يسقطوا إلى أهليهم و يشمّوا أولادهم ، ثم واقعهم عندها فتغلب

____________________

( ١ ) ديوان الأخطل : ١٤٤ .

( ٢ ) الكامل ١ : ٢٣٥ ٢٣٦ .

٥٦٣

عليهم فلم يقبل ذلك فاستقبلهم إلى تستر فهزموه بها ، فتركهم حتى دخلوا الكوفة على نسائهم ثم حاربهم فهزم١ .

« فإن ذلك يفتّ » أي يضعف و يوهن .

« في عضد الحمية و يقدح » من « قدح الدود في الأسنان و الشجر قدحا » و هو تأكل يقع فيه ، و القادحة : الدودة .

« في معاقد العزيمة » فيحلها .

« و يكسر عن العدو » بالفتح فالسكون في الحرب ، و قد عرفت أنّ الجزري جعل كلامهعليه‌السلام تعليلا للإعذاب بلفظ « فان ذلكم يكسركم عن الغزو »٢ .

« و يلفت » أي : يصرف .

« عن الإبعاد في الغزو » و لما بلغ ابن الزبير قتل أخيه مصعب ، قال : قدم أيره و أخّر خيره ، و تشاغل بنكاح فلانة و فلانة و ترك جلبة أهل الشام حتى غشيته في داره .

« و كل من امتنع من شي‏ء فقد أعذب عنه » اعترض ابن أبي الحديد على المصنف٣ لما رأى أنّ الجوهري قال « أعذبته عن الأمر إذا منعته عنه ، يقال اعذب نفسك عن كذا أي اظلفها » بأنّ قوله « و كلّ من امتنع من شي‏ء فقد أعذب عنه » غير صحيح و ان الصواب ان يقال « و كل من منعته من شي‏ء فقد أعذب عنه » و ان كلامهعليه‌السلام بلفظ « اعذبوا » بكسر الهمزة لا « اعذبوا » بفتحها ، و استدل بأن الممتنع من الأكل و الشرب يقال له العاذب و العذوب لا المعذب .

إلاّ أن اعتراضه ساقط ، كما ان اقتصار الجوهري على ان « اعذب »

____________________

( ١ ) الكامل في التاريخ لابن الاثير ٤ : ٤٦٤ ٤٦٥ ، و قد مر ذلك في صفحة ١٨٨ .

( ٢ ) النهاية لابن الاثير ٣ : ١٩٥ ، مادة ( عذب ) .

( ٣ ) ذكر انه ليس بجيد ، شرح نهج البلاغة ١٩ : ١١٤ ح ٢٦٤ .

٥٦٤

بمعنى منع خطأ ، فقد قال الفيروز آبادي : العذب المنع كالإعذاب و الكف و الترك كالإعذاب و قال الجزري : اعذب ، لازم و متعد بل اقتصر ابن دريد على أن ( أعذب ) بمعنى ( امتنع ) فقال : أعذب عن الشي‏ء إذا امتنع عنه ، و في الحديث « فأعذبوا عن النساء » أي امتنعوا عن ذكرهن١ .

و الظاهر أنّ المصنف استند إليه حيث نقل العنوان مثله و جعله من أعذب و كون معنى « اعذب » امتنع .

و مثله الزمخشري ، ففي ( الأساس ) في حديث عليعليه‌السلام لسرية « اعذبوا عن النساء » اعذب عن الشي‏ء و استعذب عنه إذا امتنع ، لكن إن صح نقل الجزري لكلامهعليه‌السلام بلفظ « اعذبوا عن ذكر النساء أنفسكم » يكون « اعذبوا » بمعنى امنعوا٢ .

« و العاذب و العذوب الممتنع من الأكل و الشرب » و في ( الجمهرة ) : بات لرجل عاذبا و عذوبا إذا كان ممتنعا عن النوم جائعا ، و قول عبيد بن الأبرص الأسدي :

باتت على ارم عذوبا

كأنّها شيخة رقوب٣

أي جائعة ممتنعة من المأكل و المشرب ، و في ( الصحاح ) : العذوب من الدوابّ و غيرها القائم الذي لا يأكل و لا يشرب ، و كذلك العاذب و في ( القاموس ) : العذب ترك الأكل من شدّة العطش ، و هو عاذب و عذوب ، و العاذب و العذوب الذي ليس بينه و بين السماء ستر٤ .

____________________

( ١ ) القاموس المحيط للفيروز آبادي : ١٤٤ .

( ٢ ) أساس البلاغة للزمخشري : ٢٩٥ مادة ( عذب ) .

( ٣ ) الجمهرة لابن دريد ١ : ٣٠٤ .

( ٤ ) راجع المصدرين السابقين الصحاح ١ : ١٨٧ ، و القموس : ١٤٤ .

٥٦٥

١٣ الكتاب ( ٦١ ) و من كتاب لهعليه‌السلام إلى كميل بن زياد النخعيّ و هو عامله على هيت ينكر عليه تركه دفع من يجتاز به من جيش العدوّ طالبا للغارة :

أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ تَضْيِيعَ اَلْمَرْءِ مَا وُلِّيَ وَ تَكَلُّفَهُ مَا كُفِيَ لَعَجْزٌ حَاضِرٌ وَ رَأْيٌ مُتَبَّرٌ وَ إِنَّ تَعَاطِيَكَ اَلْغَارَةَ عَلَى أَهْلِ ؟ قِرْقِيسِيَا ؟ وَ تَعْطِيلَكَ مَسَالِحَكَ اَلَّتِي وَلَّيْنَاكَ لَيْسَ بِهَا مَنْ يَمْنَعُهَا وَ لاَ يَرُدُّ اَلْجَيْشَ عَنْهَا لَرَأْيٌ شَعَاعٌ فَقَدْ صِرْتَ جِسْراً لِمَنْ أَرَادَ اَلْغَارَةَ مِنْ أَعْدَائِكَ عَلَى أَوْلِيَائِكَ غَيْرَ شَدِيدِ اَلْمَنْكِبِ وَ لاَ مَهِيبِ اَلْجَانِبِ وَ لاَ سَادٍّ ثُغْرَةً وَ لاَ كَاسِرٍ لِعَدُوٍّ شَوْكَةً وَ لاَ مُغْنٍ عَنْ أَهْلِ مِصْرِهِ وَ لاَ مُجْزٍ عَنْ أَمِيرِهِ قول المصنّف : « إلى كميل بن زياد النخعي » في ( ذيل الطبري ) : هو كميل بن زياد بن نهيك بن هيثم بن سعد بن مالك بن الحارث بن صهبان بن سعد بن مالك بن النخع .

و روى أنّه جاء كميل إلى الحجاج يأخذ عطاءه فقال له : أنت الذي فعلت بعثمان و كلّمه بشي‏ء فقال له كميل : لا تكثر عليّ اللوم و لا تهل عليّ الكثيب و ما ذاك رجل لطمني فاصبرني فعفوت عنه ، فأيّنا كان المسي‏ء ؟ فأمر بضرب عنقه١ .

و في ( الإرشاد ) : روى جرير عن المغيرة قال : لما وليّ الحجاج طلب كميلا فهرب منه فحرم قومه عطاءهم ، فلما رأى كميل ذلك قال : أنا شيخ كبير و قد نفد عمري و لا ينبغي أن أحرم قومي عطاءهم ، فخرج فدفع بيده إلى الحجاج ، فلما رآه قال : لقد كنت أحب أن أجد عليك سبيلا فقال له : لا تصرف

____________________

( ١ ) ذيل الطبري : ١٤٧ مؤسسة الاعلمي .

٥٦٦

علي أنيابك و لا تهدم عليّ ، فو اللّه ما بقي من عمري إلاّ كمثل كواسل الغبار فاقض ما أنت قاض فإنّ الموعد اللّه و بعد القتل الحساب ، و لقد أخبرني أمير المؤمنينعليه‌السلام أنّك قاتلي فقال له الحجاج : الحجّة عليك إذن فقال له كميل : إذا كان القضاء إليك قال : بلى كنت فيمن قتل عثمان اضربوا عنقه فضربت و هذا خبر رواه و نقله العامّة عن ثقاتهم١ .

« و هو عامله على هيت » في ( المعجم ) : هيت بلدة على الفرات من نواحي بغداد فوق الأنبار ذات نخيل كثير و خيرات واسعة٢ .

« ينكر عليه دفع من يجتاز به » أي : يمر عليه .

« من جيش العدو طالبا » حال من كميل .

« الغارة » في ( الطبري ) : وجّه معاوية في سنة ( ٣٩ ) سفيان بن عوف في ستة آلاف رجل و أمره أن يأتي هيت فيقطعها و أن يغير عليها ثم يمضي حتى يأتي الأنبار و المدائن فيوقع بأهلها ، فسار حتى أتى هيت فلم يجد بها أحدا .٣ .

قولهعليه‌السلام « فإنّ تضييع المرء ما وليّ » فكانعليه‌السلام ولاّه هيتا فضيعه .

« و تكفله ما كفي » من إرادة الاستيلاء على بلد آخر لم يكلف به .

« لعجز حاضر و رأي متبر » أي : هالك مهلك .

و نظير فعل كميل أنّ خالد بن عبد اللّه بن أسيد و لاّه عبد الملك الكوفة فعزل مهلبا عن حرب الخوارج و ولاّه الجباية و ولّى أخاه عبد العزيز حربهم ،

فانهزم فكتب إليه عبد الملك : إنّي كنت قد حدّدت لك حدّا في أمر المهلب فلما ملكت أمرك نبذت طاعتي و استبددت برأيك فوليّت المهلب الجباية و وليت

____________________

( ١ ) الإرشاد للمفيد : ١٧٢ .

( ٢ ) معجم البلدان ٥ : ٤٢١ .

( ٣ ) تاريخ الطبري ٤ : ١٠٣ .

٥٦٧

أخاك حرب الأزارفة ، فقبّح اللّه هذا رأيا أتبعث غلاما غرّا لم يجرّب الحروب و تترك سيّدا شجاعا مدبرا حازما قد مارس الحروب تشغله بجبايتك ، أما لو كافأتك على قدر ذنبك لأتاك من نكيري ما لا بقية لك معه ، و لكن تذكرت رحمك فلفتتني عنك فجعلت عقوبتك عزلك١ .

« و إنّ تعاطيك » أي : تناولك .

« الغارة على أهل قرقيسيا » في ( المعجم ) : قرقيسيا بلد على نهر خابور قرب رحبة مالك بن طوق على ستة فراسخ ، و عندها مصبّ الخابور في الفرات ، فهي مثلث بين الخابور و الفرات قال حمزة : هو معرب كركيسيا من كركيس اسم لإرسال الخيل المسمّى بالعربية الحلبة٢ .

« و تعطيلك مسالحك » جمع المسلحة ، و في ( الصحاح ) : المسلحة قوم ذوو سلاح ، و المسلحة كالثغر و المرقب ، و في الحديث « كان أدنى مسالح فارس إلى العرب العريب »٣ .

« التي ولّيناك ليس بها من يمنعها و لا يردّ الجيش عنها لرأي شعاع » بالفتح أي : متفرّق .

في ( فتوح البلاذري ) : أقام يزيد بن المهلب بخراسان شتوة ثم غزا جرجان و كان عليها حائط من آجر قد تحصنوا به من الترك و أحد طرفيه في البحر ثم غلبت الترك عليه و سمّوا ملكهم الصول ، فقال يزيد : قبّح اللّه قتيبة ترك هؤلاء و هم في بيضة العرب و أراد غزو الصين٤ .

و في ( الطبري ) : ولّى المنصور رجلا من العرب حضر موت ، فكتب إليه

____________________

( ١ ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٤ : ١٧٨ .

( ٢ ) معجم البلدان ٤ : ٣٢٨ .

( ٣ ) الصحاح ١ : ٣٧٦ مادة ( سلح ) .

( ٤ ) الفتوح للبلاذري : ٤٦٩ ٤٧٠ .

٥٦٨

والي البريد انّه يكثر الخروج في طلب الصيد ببزاة و كلاب قد أعدّها ، فعزله و كتب إليه : ثكلتك امّك و عدمتك عشيرتك ما هذه العدّة التي أعددتها للنكاية في الوحش ، انّما استكفيناك أمور المسلمين و لم نستكفك أمور الوحش ، سلم ما كنت تلي من عملنا إلى فلان بن فلان و الحق بأهلك ملوما مدحورا١ .

« فقد صرت جسرا لمن أراد الغارة من أعدائك على أوليائك » أي كما أنّ الجسر وسيلة لعبور اليم كذلك تعطيل المسلحة وسيلة لعبور العدو إلى البلاد و نيله المراد و قال ابن أبي الحديد : أي كما أنّ الجسر لا يمنع من يعبر به فكذلك أنت و هو كما ترى٢ و نظير تشبيههعليه‌السلام قول ذي الرمة :

فلا وصل إلاّ أن تقارب بيننا

قلائص يجسرن الفلاة بنا جسرا

« غير شديد المنكب و لا مهيب الجانب » كنايتان عن الضعف ، كما أنّ شدّة المنكب و شدّة العضد كنايتان عن القوة .

« و لا سادّ » من سداد الثغر بالكسر ، قال العرجي :

أضاعوني و أيّ فتى أضاعوا

ليوم كريهة و سداد ثغر٣

« ثغرة » المراد به هنا موضع المخافة في فروج البلدان و مما يتصل ببلاد العدو ، و يأتي الثغر لمقدّم الأسنان .

« و لا كاسر لعدو » هكذا في ( المصرية )٤ أخذا من ابن أبي الحديد و ليس « لعدو » في ( ابن ميثم ) .

« شوكة »٥ الأصل فيه شوك الشجر .

____________________

( ١ ) تاريخ الطبري ٦ : ٣١٣ .

( ٢ ) شرح نهج البلغة لابن ابي الحديد ١٧ : ١٠٥ .

( ٣ ) ديوان المعاني ١ : ٨١ .

( ٤ ) الطبعة المصرية المصححة « كاسر شوكة » بخلاف ابن ابي الحديد انظر المصرية : ٦٣٢ و ابن أبي الحديد ١٧ : ١٤٩ .

( ٥ ) شرح نهج البلاغة لابن ميثم ٥ : ٢٠٠ .

٥٦٩

« و لا مغن عن أهل مصر و لا مجز » أي : كاف .

« عن أميره » قال بعضهم :

و ليس فتى الفتيان من راح و اغتدى

لشرب صبوح أو لشرب غبوق

و لكن فتى الفتيان من راح و اغتدى

لضرّ عدو أو لنفع صديق

١٤ الكتاب ( ٣٣ ) و من كتاب لهعليه‌السلام إلى قثم بن العباس و هو عامله على مكة :

أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ عَيْنِي بِالْمَغْرِبِ كَتَبَ إِلَيَّ يُعْلِمُنِي أَنَّهُ وُجِّهَ إِلَى اَلْمَوْسِمِ أُنَاسٌ مِنْ أَهْلِ ؟ اَلشَّامِ ؟ اَلْعُمْيِ اَلْقُلُوبِ اَلصُّمِّ اَلْأَسْمَاعِ اَلْكُمْهِ اَلْأَبْصَارِ اَلَّذِينَ يَلْتَمِسُونَ اَلْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَ يُطِيعُونَ اَلْمَخْلُوقَ فِي مَعْصِيَةِ اَلْخَالِقِ وَ يَحْتَلِبُونَ اَلدُّنْيَا دَرَّهَا بِالدِّينِ وَ يَشْتَرُونَ عَاجِلَهَا بِآجِلِ اَلْأَبْرَارِ اَلْمُتَّقِينَ وَ لَنْ يَفُوزَ بِالْخَيْرِ إِلاَّ عَامِلُهُ وَ لاَ يُجْزَى جَزَاءَ اَلشَّرِّ إِلاَّ فَاعِلُهُ فَأَقِمْ عَلَى مَا فِي يَدَيْكَ قِيَامَ اَلْحَازِمِ اَلصَّلِيبِ وَ اَلنَّاصِحِ اَللَّبِيبِ وَ اَلتَّابِعِ لِسُلْطَانِهِ اَلْمُطِيعِ لِإِمَامِهِ وَ إِيَّاكَ وَ مَا يُعْتَذَرُ مِنْهُ وَ لاَ تَكُنْ عِنْدَ اَلنَّعْمَاءِ بَطِراً وَ لاَ عِنْدَ اَلْبَأْسَاءِ فَشِلاً وَ اَلسَّلاَمُ قول المصنّف : « و من كتاب لهعليه‌السلام إلى قثم بن العباس » قال ابن أبي الحديد : روى ( الاستيعاب ) عن عبد اللّه بن جعفر قال : كنت أنا و عبيد اللّه و قثم نلعب ، فمرّ بنا النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله راكبا فقال : ارفعوا إليّ هذا الفتى يعني قثم فرفع إليه فأردفه خلفه ثم جعلني بين يديه و دعا لنا فاستشهد قثم بسمرقند١ .

قلت : انما في ( الاستيعاب ) : « استشهد . » إنشاء منه لا جزء الخبر كلام عبد اللّه بن جعفر كما يفهم من ابن أبي الحديد ، قال ابن أبي الحديد : قال أبو

____________________

( ١ ) الاستيعاب ٢ : ٥٥١ ترجمة قثم بن العباس طبع حيدر آباد ، كذلك نظر ابن ابي الحديد ١٦ : ١٤٠ .

٥٧٠

عمر : كان قثم يشبه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، و فيه يقول داود بن مسلم :

عتقت من حل و من رحله

يا ناق إن أدنيتني من قثم

إنّك إن أدنيت منه غدا

حالفني اليسر و مات العدم

في كفّه بحر و في وجهه

بدر و في العرنين منه شمم

أصمّ عن قيل الخنا سمعه

و ما عن الخير به من صمم

لم يدر مالا و بلى قد درى

فعافها و اعتاض منها نعم١

قلت : و نقل أيضا عن الزبير بن بكار أنّ الشعر الذي أوّله :

هذا الذي تعرف البطحاء وطأته

و البيت يعرفه و الحل و الحرم

أيضا قيل في قثم و قال هو بل هو شعر آخر في عروضه و قافيته .

و الأمر كما ذكر أبو عمر ، فإن تلك الأبيات إنّما هي في علي بن الحسينعليهما‌السلام كما رواه جمع من أهل السير .

« و هو عامله على مكّة » قال ابن أبي الحديد : قال أبو عمر : قال خليفة :

استعمل عليعليه‌السلام قثما على مكّة بعد أبي قتادة ، و كان عليها حتى قتل علي .

و قال الزبير : استعمله على المدينة٢ .

قلت : لم ينقل الطبري خلافا في كون قثم عاملهعليه‌السلام على مكّة في سنة ( ٣٨ ٣٩ ) و إنّما نقل الخلاف في من حج سنة ( ٣٩ )٣ .

قولهعليه‌السلام « أما بعد فإنّ عيني » ذكر أهل اللغة للعين معاني كثيرة ، و المراد بها هنا الجاسوس .

« بالمغرب » أي : الشام .

____________________

( ١ ) نهج ١٦ : ١٤١ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١٦ : ١٤٠ .

( ٣ ) تاريخ الطبري ٤ : ٢١٨ .

٥٧١

« كتب إليّ يعلمني أنّه وجّه إلى الموسم » أي : مجمع الحاج .

« اناس من أهل الشام » في ( الطبري ) : قال أبو زيد : يقال ان عليّاعليه‌السلام وجّه في سنة ( ٣٩ ) ابن عباس ليشهد الموسم ، و بعث معاوية يزيد بن شجرة الرهاوي و زعم المدائني ان ذلك باطل و ان الذي نازعه يزيد بن شجرة هو قثم حتى اصطلحا على شيبة بن عثمان ، و مثله أبو معشر١ .

و قال الواقدي : بعث عليعليه‌السلام على الموسم في سنة ( ٣٩ ) عبيد اللّه بن عباس و بعث معاوية يزيد بن شجرة الرهاوي ليقيم للناس الحجّ ، فلما اجتمعا بمكة تنازعا فاصطلحا على شيبة٢ .

و قال ابن أبي الحديد كان معاوية بعث إلى مكّة دعاة في السر يدعون إلى طاعته و يثبطون العرب عن نصرتهعليه‌السلام و يوقعون في أنفسهم أنّه إمّا قاتل عثمان أو خاذله و الخلافة لا تصلح فيمن قتله أو خذله ، و ينشرون عندهم محاسن معاوية بزعمهم ، و في قولهعليه‌السلام « و يحتلبون الدنيا درها بالدين » دلالة على ما قلنا أنّهم كانوا دعاة يظهرون سمت الدين و ناموس العبادة ، و فيه إبطال قول من ظنّ أن المراد بذلك السرايا التي كان معاوية يبعثها فتغير على عمّالهعليه‌السلام ٣ .

قلت : بل المراد ما نقلناه عن الطبري عن أبي زيد و المدائني و أبي معشر و الواقدي من بعث معاوية في سنة ( ٣٩ ) يزيد بن شجرة الرهاوي في جمع وقت الموسم لإقامة الحج ، إلا أنّ الأول قال انّهعليه‌السلام بعث في قبال ابن شجرة عبد اللّه بن عباس و الأخير عبيد اللّه بن العباس و الأوسطان قثما نفسه ، و هو

____________________

( ١ ) تاريخ الطبري ٤ : ١٠٤ .

( ٢ ) الكامل لابن الاثير ٣ : ٣٧٧ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ١٦ : ١٣٨ .

٥٧٢

الأوسط بشهادة العنوان و أما استشهاد ابن أبي الحديد لاجتهاده بقولهعليه‌السلام « و يحتلبون . » فأعمّ فيكفي في صدق الكلام بعث معاوية ابن شجرة لإقامة الحج و جزؤه الصلاة هذا ، و في ( كامل المبرد ) : خرجت طائفة من الخوارج بعد قتل عليعليه‌السلام لهم بالنهروان ثم النخيلة نحو مكّة ، فوجّه معاوية من يقيم للناس حجّهم فناوشه هؤلاء الخوارج ، فبلغ ذلك معاوية فوجّه بسر بن أرطاة فتوافقوا و تراضوا بعد الحرب بأن يصلّي بالناس رجل من بني شيبة لئلا يفوت الناس الحج ، فلما انقضى الحجّ قالت الخوارج إنّ عليّا و معاوية أفسدا الأمر١ .

و الأصل في الجميع واحد ، و لا تنافي فمكة لا ريب أنّها كانت بيدهعليه‌السلام و عاملها من قبله ، و لما بعث معاوية من يقيم للناس حجّهم و كان جمع من الخوارج شهدوا الموسم للحج لا بدّ أنّهم يناوشون من جاء من قبل معاوية مع عاملهعليه‌السلام و إن لم يكن لهم عقيدة بهعليه‌السلام أيضا .

« العمى القلوب » قال تعالى .فإنّها لا تعمى الأبصار و لكن تعمي القلوب التي في الصدور ٢ .

و في ( معارف ابن قتيبة ) : كان ابن عباس و أبوه و جدّه مكافيف ، و لذلك قال له معاوية : أنتم يا بني هاشم تصابون في أبصاركم فقال له ابن عباس :

و انتم يا بني امية تصابون في بصائركم٣ .

« الصم الأسماع » و صمّ الأسماع أشدّ من صمّ الآذان كعمي القلوب و الأعين .

____________________

( ١ ) الكامل ، للمبرّد ٣ : ٩٢٥ ٩٢٦ .

( ٢ ) الحج : ٤٦ .

( ٣ ) معارف ابن قتيبة : ٥٨٩ .

٥٧٣

« الكمه » جمع الأكمه الذي يولد أعمى .

« الأبصار » أرادعليه‌السلام عدم استعداد بصائرهم للحق كالأكمه ، قال تعالى .لهم قلوب لا يفقهون بها و لهم أعين لا يبصرون بها و لهم آذان لا يسمعون بها اولئك كالأنعام بل هم أضل .١ .

« الذين يلتمسون » هكذا في ( المصرية )٢ و الصواب : « يلبسون » كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم )٣ .

« الحق بالباطل » و الأصل فيه قوله تعالىو لا تلبسوا الحق بالباطل و تكتموا الحق و أنتم تعلمون ٤ .

« و يطيعون المخلوق في معصية الخالق » في ( المروج ) : سأل معاوية صعصعة عن قبائل مضر و ربيعة ، فأجابه ثم سكت معاوية فقال له صعصعة : سل و إلاّ أخبرتك بما تحيد عنه قال معاوية : و ما ذاك ؟

قال صعصعة : أهل الشام قال ، فأخبرني عنهم فقال صعصعة : هم أطوع الناس للمخلوق و أعصاهم للخالق ، عصاة الجبّار و خلفة الأشرار ، فعليهم الدمار و لهم سوء الدار٥ .

« و يحتلبون الدّنيا درّها بالدين » في ( صفين نصر ) : أنّهعليه‌السلام لمّا أراد المسير إلى الشام استشار أصحابه ، فقام هاشم المرقال و قال : إنّا بالقوم خبير ، هم لك و لأشياعك أعداء ، و هم لمن يطلب حرث الدّنيا أولياء ، و هم مقاتلوك لا يبقون جهدا مشاحة على الدّنيا و ضنّا بما في أيديهم منها ، و ليس

____________________

( ١ ) الاعراف : ١٧٩ .

( ٢ ) الطبعة المصرية : ٥٧٣ ، شرح محمد عبده .

( ٣ ) شرح نهج البلغة لابن أبي الحديد ١٦ : ١٣٨ ، و ذكر رواية يلتمسون أيضا .

( ٤ ) البقرة : ٤٢ .

( ٥ ) مروج الذهب ٣ : ٤١ .

٥٧٤

لهم إربة غيرها الا ما يخدعون به الجهّال من الطلب بدم عثمان ، كذبوا ليسوا بدمه يثأرون ، و لكن الدّنيا يطلبون ، و أين معاوية و الدين١ .

و في ( مقاتل أبي الفرج ) : قال سعيد بن سويد : صلّى بنا معاوية بالنخيلة الجمعة ثم خطب فقال : إنّي و اللّه ما قاتلتكم لتصلّوا و لا لتصوموا و لا لتحجّوا و لا لتزكّوا إنّكم لتفعلون ذلك ، إنّما قاتلتكم لأتأمّر عليكم و قد أعطاني اللّه ذلك و أنتم كارهون قال شريك في حديثه هذا هو التهتك٢ .

« و يشترون عاجلها بآجل الأبرار و المتقين » هكذا في ( المصرية )٣ و الصواب ما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم ) : « المتقين »٤ في ( صفين نصر ) بعد ذكر قصّة معاهدة عمرو بن العاص مع معاوية في مساعدته لهعليه‌السلام على أن يعطيه مصر فقبل منه و أعطاه مصر ، فغضب مروان و قال : ما بالي لا أشتري كما اشترى عمرو٥ .

و في ( الاستيعاب ) : أعطى معاوية في و فد تميم عليه الحتات المجاشعي و جارية بن قدامة و الأحنف بن قيس و أعطاهما أكثر ، فقال له الحتات : لم فضّلتهما عليّ و كانا شيعيين و كان أمويا قال : اشتريت منهما دينهما قال :

فاشتر مني ديني٦ .

« و لن يفوز بالخير إلاّ عامله و لا يجزى جزاء الشرّ إلاّ فاعله »فمن يعمل

____________________

( ١ ) وقعة صفين لنصر بن مزاحم : ١٠٣ طبع القاهرة .

( ٢ ) مقاتل الطالبيين لأبي الفرج الأصفهاني : ٤٥ .

( ٣ ) الطبعة المصرية : ٥٧٣ .

( ٤ ) ابن ابي الحديد ١٦ : ١٣٨ ، و ابن ميثم ٥ : ٧٢ ، الرواية ٣٣ .

( ٥ ) وقعة صفين لنصر بن مزاحم : ٤٢ .

( ٦ ) الاستيعاب لابن عبد البر ١ : ١٥٤ ، ترجمة حتات بن يزيد بن علقمة .

٥٧٥

مثقال ذرّة خيرا يره و من يعمل مثقال ذرّة شرّا يره ١ .

« فأقم على ما في يديك قيام الحازم الصليب و الناصح اللبيب و التابع » هكذا في ( المصرية )٢ و الصواب : « التابع » كما في ( ابن أبي الحديد : و ابن ميثم ) .

« لسلطانه و المطيع لإمامه »٣ قد عرفت أنّه نازع يزيد بن شجرة الذي بعثه معاوية حتى اصطلحا على شيبة ، و الظاهر أنّه لم يكن قادرا على إخراجه لضعف جنده .

« و إيّاك و ما يعتذر منه » قال ابن أبي الحديد يقال : ما شي‏ء أشدّ على الإنسان من حمل المروة ، و المروة ألا يعمل الإنسان في غيبة صاحبه ما يعتذر منه عند حضوره٤ .

و في ( العقد ) : قال أبو عبيدة : ما اعتذر أحد من الفرارين بأحسن مما اعتذر به الحارث بن هشام حيث يقول :

و اللّه يعلم ما تركت قتالهم

حتى رموا مهري بأشقر مزبد

فصدفت عنهم و الأحبّة فيهم

طمعا لهم بعقاب يوم مرصد

و هذا الذي سمعه صاحب رتبيل فقال : يا معشر العرب حسّنتم كلّ شي‏ء فحش حتى الفرار٥ .

« و لا تكن عند النعماء بطرا و لا عند البأساء فشلا » قال ابن أبي الحديد قال الشاعر :

فلست بمفراح إذا الدهر سرّني

و لا جازع من صرفه المتقلّب

____________________

( ١ ) الزلزلة : ٧ ٨ .

( ٢ ) الطبعة المصرية : ٥٧٣ .

( ٣ ) ابن أبي الحديد ١٦ : ١٣٨ ، و ابن ميثم شرح نهج البلاغة ٥ : ٧٢ .

( ٤ ) ابن ابي الحديد ١٦ : ١٣٩ .

( ٥ ) العقد الفريد لابن عبد ربه ١ : ١٤٠ .

٥٧٦

و لا أتمنى الشرّ و الشرّ تاركي

و لكن متى أحمل على الشر أركب١

قلت : الأصل في قولهعليه‌السلام قوله تعالىإنّ الإنسان خلق هلوعا إذا مسّه الشرّ جزوعا و إذا مسّه الخير منوعا إلاّ المصلّين الذين هم على صلاتهم دائمون ٢ .

١٥ الكتاب ( ٤ ) و من كتاب لهعليه‌السلام إلى بعض أمراء جيشه :

فَإِنْ عَادُوا إِلَى ظِلِّ اَلطَّاعَةِ فَذَلِكَ اَلَّذِي نُحِبُّ وَ إِنْ تَوَافَتِ اَلْأُمُورُ بِالْقَوْمِ إِلَى اَلشِّقَاقِ وَ اَلْعِصْيَانِ فَانْهَدْ بِمَنْ أَطَاعَكَ إِلَى مَنْ عَصَاكَ وَ اِسْتَغْنِ بِمَنِ اِنْقَادَ مَعَكَ عَمَّنْ تَقَاعَسَ عَنْكَ فَإِنَّ اَلْمُتَكَارِهَ مَغِيبُهُ خَيْرٌ مِنْ مَشْهَدِهِ وَ قُعُودُهُ أَغْنَى مِنْ نُهُوضِهِ أقول : قال ابن ميثم روي أنّ الأمير الذي كتب إليهعليه‌السلام هو عثمان بن حنيف عامله على البصرة ، و ذلك حين انتهت أصحاب الجمل إليها و عزموا على الحرب ، فكتب عثمان إليهعليه‌السلام يخبره بحالهم ، فكتبعليه‌السلام إليه هذا الكتاب٣ .

قلت : لم يأت لما قال بمستند ، فان رأى رواية و إن كان قاله حدسا فهو كما ترى ، فابن حنيف لم يكن من أمراء جيشه حتى يقول المصنف « إلى بعض امراء جيشه » بل عامله على البصرة ، و لم ينقل أنّهعليه‌السلام كتب إليه بحربهم قبل وصولهعليه‌السلام ، و إنما ورد مضمونه في كتابه إلى قيس بن سعد مع عثماني

____________________

( ١ ) ابن ابي الحديد ١٦ : ١٣٩ .

( ٢ ) المعارج : ١٩ ٢٣ .

( ٣ ) شرح ابن ميثم ٥ : ٣٤٩ الرواية ( ٤ ) .

٥٧٧

مصر ، ففي ( الطبري ) : أن قيسا كتب من مصر إليهعليه‌السلام : إنّ قبله رجالا معتزلين سألوه أن يكفّ عنهم و أنّه رأى ألاّ يتعجّل حربهم و أن يتألّفهم ، فكتبعليه‌السلام إليه :

سر إلى القوم الذين ذكرت ، فإن دخلوا فيما دخل فيه المسلمون و إلاّ فناجزهم .١ .

و في ( تذكرة سبط ابن الجوزي ) : فصل : و من كتاب كتبه إلى بعض امراء جيشه في قوم كانوا قد شردوا عن الطاعة و فارقوا الجماعة ، رواه الشعبي عن ابن عباس : سلام عليك أما بعد ، فإن عادت هذه الشرذمة إلى الطاعة فذلك الذي أوثره ، و إن تمادى بهم العصيان إلى الشقاق فانهد بمن أطاعك إلى من عصاك و استعن بمن انقاد معك على من تقاعس عنك ، فإنّ المتكاره مغيبه خير من حضوره و عدمه خير من وجوده و قعوده أغنى من نهوضه٢ .

« فإن عادوا إلى ظلّ الطاعة فذاك الذي نحبّ » فإنّ الأنبياء و الأوصياءعليهم‌السلام إنّما يحبّون هداية الخلق لنجاتهم ، و قولهعليه‌السلام « ظل الطاعة » استعارة لطيفة ،

فطاعة الوالي كالظلّ توجب الراحة ، و مخالفته كالحرور توجب المشقّة .

« و إن توافت الامور » أي : تتامت .

« بالقوم إلى الشقاق » و الأصل في الشقاق نزول الخصم في شقّ غير شقّك .

« و العصيان فانهد » أي : انهض من ( ينهد ) بالفتح .

« بمن أطاعك إلى من عصاك و استعن بمن انقاد معك عمّن تقاعس » أي : تأخّر .

« عنك فإنّ المتكاره مغيبه خير من مشهده » قال تعالىفي المنافقين الذين

____________________

( ١ ) تاريخ الطبري ٣ : ٥٥٤ .

( ٢ ) التذكرة لسبط بن الجوزي : ١٦٦ .

٥٧٨

كانوا متكارهين عن الخروج مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى الجهاد لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلاّ خبالا و لأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة . .١ .

« و قعوده أغنى من نهوضه » أي : قيامه ، و أكثر انهزام العساكر في الأغلب من شهود المتكارهين .

١٦ الحكمة ( ٨٦ ) و قالعليه‌السلام :

رَأْيُ اَلشَّيْخِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ جَلَدِ اَلْغُلاَمِ و روي من مشهد الغلام أقول : و رواه الجاحظ في ( بيانه ) : « رأي الشيخ أحبّ إليّ من جلد الشاب »٢ .

و في ( العقد الفريد ) : وقع عليعليه‌السلام في كتاب جاءه من الحسن بن عليعليهما‌السلام : رأي الشيخ خير من جلد الغلام٣ .

« رأي الشيخ أحبّ إليّ من جلد » بفتحتين ، أي الشدّة و الضرب بالسيف .

« الغلام » فإنّ رأي الشيخ في الظفر يمكن أن يكون أشدّ تأثيرا من قوّة ألف غلام .

و في ( الطبري ) : حضر مع هوازن في غزوة حنين دريد بن الصمة و كان شيخا كبيرا ليس فيه شي‏ء إلاّ معرفته بالحرب و لرأيه إلى أن قال فلما نزلوا بأوطاس قال لمالك بن عوف رئيس القوم : إنّك قد أصبحت رئيس قومك و إنّ

____________________

( ١ ) التوبة : ٤٧ .

( ٢ ) البيان و التبيين ٢ : ١٤ .

( ٣ ) العقد الفريد ٤ : ٢٠٦ ، و في بعض النسخ « مشهد » بدل « جلد » كذا في نسخة التحقيق .

٥٧٩

هذا يوم له ما بعده ، مالي أسمع رغاء البعير و نهاق الحمير و يعار الشاء و بكاء الصغير قال : سقت مع الناس أبناءهم و نساءهم و أموالهم قال : لم ؟ قال :

ليقاتل كلّ رجل عن أهله و ماله قال : هل يردّ المنهزم شي‏ء ، إنّها إن كانت لك لم ينفعك إلاّ رجل بسيفه و رمحه و إن كانت عليك فضحت في أهلك و مالك ،

ارفعهم إلى متمنع بلادهم و عليا قومهم ثم الق الشبّان على متون الخيل فإن كانت لك لحق بك من وراءك ، و إن كانت عليك كفاك ذلك و قد أحرزت أهلك و مالك قال : لا أفعل إنّك قد كبرت و كبر علمك و قال لقومه : لتطيعنني أو لأتكئن على هذا السيف حتى يخرج من ظهري .

و كره أن يكون لدريد فيها ذكر و رأي فقال دريد : هذا يوم لم أشهده و لم يفتني . و كان صواب الرأي ما قال دريد١ .

و في ( الكامل ) للمبرد : قال المهلب ما يسرّني أنّ في عسكري ألف شجاع بدل بيهس بن صهيب ، فيقال له : أيّها الأمير بيهس ليس بشجاع فيقول : أجل و لكنّه سديد الرأي محكم العقل ، و ذو الرأي حذر سؤول ، فأنا آمن أن يغتفل ،

فلو كان مكانه ألف شجاع قلت إنّهم يتشأمون حتى يحتاطون٢ .

و كان المهلب شيخا ذا رأي متين ، فلو لا تدابيره في حرب الخوارج لخربوا البصرة و قتلوا رجالها و سبوا نساءها و لمّا أرجفوا بأنّ المهلب قتل يوم سلى و سلبرى و هم أهل البصرة بالنقلة إلى البادية ثم ورد كتابه بظفره فأقام الناس و تراجع من ذهب منهم قال الأحنف : البصرة بصرة المهلب ، بل لو لاه لغلبوا على جميع العراق الكوفة و غيرها ، و لذا قال الحجاج لأهل الكوفة بعد ظفر المهلب بالخوارج : أنتم عبيد المهلب .

____________________

( ١ ) تاريخ الطبري ٢ : ٣٤٤ .

( ٢ ) الكامل ، للمبرّد ٣ : ١١٣١ .

٥٨٠