بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٧

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة0%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 621

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

مؤلف: الشيخ محمد تقي التّستري
تصنيف:

الصفحات: 621
المشاهدات: 93513
تحميل: 6750


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 621 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 93513 / تحميل: 6750
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 7

مؤلف:
العربية

و في (الصحاح): «و المسن حجر يحدد به».

و ما فيه قال الحسن بن رافع الكاتب: جلست في بعض الدكاكين الشارعة على طريق أحمد بن طولون قبل أن يدخل مصر بساعة،

و الناس مجتمعون لتأمله عند دخوله، و جلس معي شاب مكفوف ينسب الى قبيل صاحب الملاحم المعروف بالمكفوف الملاحمي، فسأله رجل عمّا يجده في كتبهم له، فقال: هذا رجل صفته كذا و كذا، و يتقلّد و ولده قريبا من أربعين سنة. فما تمّ كلامه حتى مر بنا ابن طولون، و كان كما ذكر لم يغادر شيئا منه.

و اتفق أن نظر بعض المنجمين في مصر طالع الدخول في الأسطرلاب،

فكان ثلاث عشرة درجة من برج العقرب، فقال بعض من له يد في الحكم النجومي: هذا طالع من قامت به دولة بني العباس، فان صدق الحكم يملك هذا البلد و يملكه قوم من نسله قرانين، و هو قريب من أربعين سنة، فعجب الحاضرون من اتفاق القولين في ذلك. و كان الأمر كما قيل، فإنّه ملك و ولده و ولد ولده ثمانيا و ثلاثين سنة.

٢ - الخطبة (٢٠٨) و من كلام لهعليه‌السلام و قد سأله سائل عن أحاديث البدع، و عما في أيدي الناس من اختلاف الخبر، فقالعليه‌السلام :

إِنَّ فِي أَيْدِي اَلنَّاسِ حَقّاً وَ بَاطِلاً وَ صِدْقاً وَ كَذِباً وَ نَاسِخاً وَ مَنْسُوخاً وَ عَامّاً وَ خَاصّاً وَ مُحْكَماً وَ مُتَشَابِهاً وَ حِفْظاً وَ وَهْماً وَ لَقَدْ كُذِبَ عَلَى؟ رَسُولِ اَللَّهِ ص؟ عَلَى عَهْدِهِ حَتَّى قَامَ خَطِيباً فَقَالَ مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّداً فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ اَلنَّارِ وَ إِنَّمَا أَتَاكَ

٢٠١

بِالْحَدِيثِ أَرْبَعَةُ رِجَالٍ لَيْسَ لَهُمْ خَامِسٌ رَجُلٌ مُنَافِقٌ مُظْهِرٌ لِلْإِيمَانِ مُتَصَنِّعٌ بِالْإِسْلاَمِ لاَ يَتَأَثَّمُ وَ لاَ يَتَحَرَّجُ يَكْذِبُ عَلَى؟ رَسُولِ اَللَّهِ؟

مُتَعَمِّداً فَلَوْ عَلِمَ اَلنَّاسُ أَنَّهُ مُنَافِقٌ كَاذِبٌ لَمْ يَقْبَلُوا مِنْهُ وَ لَمْ يُصَدِّقُوا قَوْلَهُ وَ لَكِنَّهُمْ قَالُوا صَاحِبُ؟ رَسُولِ اَللَّهِ ص؟ رَآهُ وَ سَمِعَ مِنْهُ وَ لَقِفَ عَنْهُ فَيَأْخُذُونَ بِقَوْلِهِ وَ قَدْ أَخْبَرَكَ اَللَّهُ عَنِ اَلْمُنَافِقِينَ بِمَا أَخْبَرَكَ وَ وَصَفَهُمْ بِمَا وَصَفَهُمْ بِهِ لَكَ ثُمَّ بَقُوا بَعْدَهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ السَّلاَمُ فَتَقَرَّبُوا إِلَى أَئِمَّةِ اَلضَّلاَلَةِ وَ اَلدُّعَاةِ إِلَى اَلنَّارِ بِالزُّورِ وَ اَلْبُهْتَانِ فَوَلَّوْهُمُ اَلْأَعْمَالَ وَ جَعَلُوهُمْ حُكَّاماً عَلَى رِقَابِ اَلنَّاسِ فَأَكَلُوا بِهِمُ اَلدُّنْيَا وَ إِنَّمَا اَلنَّاسُ مَعَ اَلْمُلُوكِ وَ اَلدُّنْيَا إِلاَّ مَنْ عَصَمَ اَللَّهُ فَهَذَا أَحَدُ اَلْأَرْبَعَةِ وَ رَجُلٌ سَمِعَ مِنْ؟ رَسُولِ اَللَّهِ؟ شَيْئاً لَمْ يَحْفَظْهُ عَلَى وَجْهِهِ فَوَهِمَ فِيهِ وَ لَمْ يَتَعَمَّدْ كَذِباً فَهُوَ فِي يَدَيْهِ وَ يَرْوِيهِ وَ يَعْمَلُ بِهِ وَ يَقُولُ أَنَا سَمِعْتُهُ مِنْ؟ رَسُولِ اَللَّهِ ص؟ فَلَوْ عَلِمَ اَلْمُسْلِمُونَ أَنَّهُ وَهِمَ فِيهِ لَمْ يَقْبَلُوهُ مِنْهُ وَ لَوْ عَلِمَ هُوَ أَنَّهُ كَذَلِكَ لَرَفَضَهُ وَ رَجُلٌ ثَالِثٌ سَمِعَ مِنْ؟ رَسُولِ اَللَّهِ ص؟ شَيْئاً يَأْمُرُ بِهِ ثُمَّ إِنَّهُ نَهَى عَنْهُ وَ هُوَ لاَ يَعْلَمُ أَوْ سَمِعَهُ يَنْهَى عَنْ شَيْ‏ءٍ ثُمَّ أَمَرَ بِهِ وَ هُوَ لاَ يَعْلَمُ فَحَفِظَ اَلْمَنْسُوخَ وَ لَمْ يَحْفَظِ اَلنَّاسِخَ فَلَوْ عَلِمَ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ لَرَفَضَهُ وَ لَوْ عَلِمَ اَلْمُسْلِمُونَ إِذْ سَمِعُوهُ مِنْهُ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ لَرَفَضُوهُ وَ آخَرُ رَابِعٌ لَمْ يَكْذِبْ عَلَى اَللَّهِ وَ لاَ عَلَى رَسُولِهِ مُبْغِضٌ لِلْكَذِبِ خَوْفاً مِنَ اَللَّهِ وَ تَعْظِيماً؟ لِرَسُولِ اَللَّهِ ص؟ وَ لَمْ يَهِمْ بَلْ حَفِظَ مَا سَمِعَ عَلَى وَجْهِهِ فَجَاءَ بِهِ عَلَى مَا سَمِعَهُ لَمْ يَزِدْ فِيهِ وَ لَمْ يَنْقُصْ مِنْهُ فَهُوَ حَفِظَ اَلنَّاسِخَ فَعَمِلَ بِهِ وَ حَفِظَ اَلْمَنْسُوخَ فَجَنَّبَ عَنْهُ وَ عَرَفَ اَلْخَاصَّ وَ اَلْعَامَّ فَوَضَعَ كُلَّ شَيْ‏ءٍ مَوْضِعَهُ وَ عَرَفَ و المتشابِهَ وَ مُحْكَمَهُ

٢٠٢

وَ قَدْ كَانَ يَكُونُ مِنْ؟ رَسُولِ اَللَّهِ ص؟ اَلْكَلاَمُ لَهُ وَجْهَانِ فَكَلاَمٌ خَاصٌّ وَ كَلاَمٌ عَامٌّ فَيَسْمَعُهُ مَنْ لاَ يَعْرِفُ مَا عَنَى اَللَّهُ سُبْحَانَهُ بِهِ وَ لاَ مَا عَنَى؟ رَسُولُ اَللَّهِ؟ فَيَحْمِلُهُ اَلسَّامِعُ وَ يُوَجِّهُهُ عَلَى غَيْرِ مَعْرِفَةٍ بِمَعْنَاهُ وَ مَا قُصِدَ بِهِ وَ مَا خَرَجَ مِنْ أَجْلِهِ وَ لَيْسَ كُلُّ أَصْحَابِ؟ رَسُولِ اَللَّهِ؟

مَنْ كَانَ يَسْأَلُهُ وَ يَسْتَفْهِمُهُ حَتَّى إِنْ كَانُوا لَيُحِبُّونَ أَنْ يَجِي‏ءَ اَلْأَعْرَابِيُّ وَ اَلطَّارِئُ فَيَسْأَلَهُ حَتَّى يَسْمَعُوا وَ كَانَ لاَ يَمُرُّ بِي مِنْ ذَلِكَ شَيْ‏ءٌ إِلاَّ سَأَلْتُهُ عَنْهُ وَ حَفِظْتُهُ فَهَذِهِ وُجُوهُ مَا عَلَيْهِ اَلنَّاسُ فِي اِخْتِلاَفِهِمْ وَ عِلَلِهِمْ فِي رِوَايَاتِهِمْ أقول: و رواه (الكافي) في كتاب العقل و الجهل في باب اختلاف الحديث،

و رواه الصدوق في (اعتقاداته) و في (خصاله) في باب الأربعة، و رواه ابن شعبة الحلبي في (تحف عقوله)، و رواه محمد بن جرير بن رستم الطبري في (مسترشده)، و رواه سبط ابن الجوزي في (تذكرته)، و كذا جدّه في (مناقبه)،

و رواه (غيبة النعماني) في باب ان الأئمةعليهم‌السلام اثنا عشر( ١) .

روى الأول عن القمي عن أبيه عن حمّاد بن عيسى عن إبراهيم بن عمر اليماني عن أبان بن أبي عياش عن سليم بن قيس الهلالي قلت لأمير المؤمنينعليه‌السلام : اني سمعت من سلمان و المقداد و أبي ذر شيئا من تفسير القرآن و أحاديث عن النبي غير ما في أيدي الناس، ثم سمعت منك تصديق ما سمعت منهم، و رأيت في أيدي الناس أشياء كثيرة من تفسير القرآن و الأحاديث عن النبيّ أنتم تخالفونهم فيها و تزعمون ان ذلك كلّه باطل، أفترى الناس يكذبون على رسول اللَّه متعمدين و يفسّرون القرآن بآرائهم؟

____________________

(١) رواه الصدوق في الاعتقادات: ٤٩، و في الخصال ١: ٢٥٥ ح ١٣١، و ابن شعبة في تحف العقول: ١٩٣، و النعماني في الغيبة: ٤٩، و يأتي تخريج غيره في موضعه.

٢٠٣

فأقبلعليه‌السلام عليّ و قال: قد سألت فافهم الجواب، ان في أيدي الناس حقّا و باطلا، و صدقا و كذبا، و ناسخا و منسوخا، و عامّا و خاصّا، و محكما و متشابها، و حفظا و وهما، و قد كذب على النبي على عهده حتى قام خطيبا فقال: «أيّها الناس قد كثرت عليّ الكذّابة فمن كذب عليّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار»، ثم كذب عليه من بعده، و انما أتاكم الحديث من أربعة ليس لهم خامس: رجل منافق يظهر الايمان متصنّع بالإسلام لا يتأثم و لا يتحرّج ان يكذب على النبي متعمدا، فلو علم الناس انّه منافق كذّاب لم يقبلوا منه و لم يصدّقوه و لكنّهم قالوا هذا صحب النبي و رآه و سمع منه، فأخذوا عنه و هم لا يعرفون حاله، و قد أخبره اللَّه عن المنافقين بما أخبره و وصفهم بما وصفهم، فقال تعالى: و إذا رأيتهم تعجبك أجسامهم و ان يقولوا تسمع لقولهم( ١ ) ثم بقوا بعده، فتقرّبوا الى أئمة الضلالة و الدعاة الى النار بالزور و البهتان و الكذب، فولّوهم الأعمال و حملوهم على رقاب الناس و أكلوا بهم الدنيا، و انما الناس مع الملوك و الدنيا إلاّ من عصم اللَّه،

فهذا أحد الأربعة.

و رجل سمع من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شيئا لم يحمله على وجهه و وهم فيه فلم يتعمد كذبا، فهو في يده يقول به و يعمل به ويرويه فيقول انا سمعته من النبي،

فلو علم المسلمون انّه و هم لم يقبلوه و لو علم هو انّه و هم لرفضه.

و رجل ثالث سمع من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شيئا أمر به ثم نهى عنه و هو لا يعلم أو سمعه ينهى عن شي‏ء ثم أمر به و هو لا يعلم، فحفظ منسوخه و لم يحفظ الناسخ، فلو علم انّه منسوخ لرفضه، و لو علم المسلمون إذ سمعوه منه انّه منسوخ لرفضوه.

____________________

(١) المنافقون: ٤.

٢٠٤

و آخر رابع لم يكذب على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مبغض للكذب خوفا من اللَّه تعالى و تعظيما لرسوله و لم ينسه بل حفظ ما سمع على وجهه، فجاء به كما سمع لم يزد فيه و لم ينقص منه، و علم الناسخ من المنسوخ فعمل بالناسخ و رفض المنسوخ، فان أمر النبيّ مثل القرآن ناسخ و منسوخ، و خاص و عام، و محكم و متشابه، و قد كان يكون من النبي الكلام له و جهان: كلام عام و كلام خاص مثل القرآن و قال تعالى في كتابه: و ما آتاكم الرسول فخذوه و ما نهاكم عنه فانتهوا( ١ ) فيشتبه على من لم يعرف و لم يدر ما عنى اللَّه و رسوله به، و ليس كلّ أصحاب النبيّ كان يسأله عن الشي‏ء فيفهم، و كان منهم من يسأله و لا يستفهمه حتى ان كانوا ليحبون ان يجي‏ء الاعرابي و الطارئ فيسأل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى يسمعوا.

و قد كنت أدخل على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كلّ يوم دخلة و كلّ ليلة دخلة، فيخليني فيها أدور معه حيث دار، و قد علم أصحاب النبيّ انّه لم يصنع ذلك بأحد من الناس غيري، فربما كان في بيتي يأتيني و كنت إذا دخلت عليه في منازله أخلا بي و أقام عني نساءه فلا يبقي عنده غيري، و إذا أتاني للخلوة معي في منزلي لم تقم عني فاطمة و لا أحد من ابنيّ، و كنت إذا سألته أجابني، و إذا سكت عنه و فنيت مسائلي ابتدأني، فما نزلت على النبي آية من القرآن إلاّ أقرأنيها و أملاها عليّ، فكتبتها بخطي و علّمني تأويلها و تفسيرها و ناسخها و منسوخها، و محكمها و متشابهها، و خاصّها و عامّها، و دعا اللَّه أن يعطيني فهمها و حفظها، فما نسيت آية من كتاب اللَّه تعالى و لا علما أملاه عليّ، و ما ترك شيئا مما علّمه اللَّه من حلال و لا حرام، و لا أمر و لا نهي كان أو يكون و لا كتاب منزل على أحد قبله من طاعة أو معصية إلاّ علمنيه، ثم وضع يده على صدري

____________________

(١) الحشر: ٧.

٢٠٥

و دعا اللَّه لي أن يملأ قلبي علما و فهما و حكما و نورا الخبر( ١) .

و في (تذكرة سبط ابن الجوزي): قال الشعبي حدّثني من سمع عليّاعليه‌السلام و قد سئل عن سبب اختلاف الناس في الحديث يقول: الناس أربعة: منافق مظهر للايمان، و مضيع للإسلام، و قلبه يأبى الايمان لا يتأثم و لا يتحرّج، كذب على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم متعمدا، فلو علم الناس حاله لما أخذوا عنه، و لكنهم قالوا صاحب رسول اللَّه فأخذوا بقوله، و قد أخبر اللَّه عن المنافقين بما أخبر و وصفهم بما وصف، ثم انهم عاشوا بعده فتقرّبوا الى أئمة الضلالة و الدعاة الى النار بالزور و البهتان، فولوهم الأعمال و جعلوهم على رقاب الناس،

فأكلوا بهم الدنيا، و انما الناس تبع للملوك إلاّ من عصمه اللَّه.

و رجل سمع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول قولا أو رآه يفعل فعلا ثم غاب عنه و نسخ ذلك القول و الفعل و لم يعلم، فلو علم أنّه نسخ ما حدّث به، و لو علم الناس انّه نسخ لما نقلوا عنه.

و رجل سمع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول قولا فوهم فيه، فلو علم أنّه و هم فيه لما حدّث عنه و لا عمل به.

و رجل لم يكذب و لم يغب حدّث بما سمع و عمل به. فأما الأول فلا اعتبار بروايته لا يحلّ الأخذ عنه، و أما الباقون فينزعون الى غاية، و يرجعون الى نهاية و يستقون من قليب واحد، و كلامهم أشرق بنور النبوّة ضياؤه و من الشجرة المباركة اقتبست ناره و هذه رواية الشعبي.

و في رواية كميل بن زياد عنه انّه قال: ان في أيدي الناس حقّا و باطلا،

و صدقا و كذبا، و ناسخا و منسوخا، و عامّا و خاصّا، و محكما و متشابها،

و حفظا و وهما، و قد كذب على رسول اللَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في عهده حتى قام خطيبا فقال:

____________________

(١) الكافي ١: ٦٢ ح ١.

٢٠٦

من كذب عليّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار، و انما يأتيك بالحديث أربعة رجال ليس لهم خامس و ذكرهم( ١) .

و في (مناقب ابن الجوزي) كما في (البحار) قال عليعليه‌السلام و قد سئل عن أحاديث النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من رواية الشعبي عن ضرار بن ضمرة و عبد خير قالا له: قيل له ما سبب اختلاف الناس في الحديث الخ، مثل ما في تذكرة سبطه الى اقتبست ناره» ثم قال: و في رواية انّه قال «في أيدي الناس» الخ مثله( ٢) .

و رواه (الاحتجاج) جزء ما رواه عن مسعدة بن صدقة عن جعفر بن محمدعليه‌السلام أنّهعليه‌السلام خطب لما كان معه ناس من أهل بيته و خاص شيعته فقال: لقد عمل الولاة قبلي بامور عظيمة خالفوا فيها رسول اللَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم متعمدين لذلك، و لو حملت الناس على تركها و حولتها الى مواضعها التي كانت عليها على عهد النبي لتفرق عني جندي حتى أبقى وحدي إلاّ قليلا من شيعتي، الذين عرفوا فضلي و إمامتي من كتاب اللَّه و سنّة نبيه، أرأيتم لو أمرت بمقام إبراهيمعليه‌السلام إلى أن قال فقال له رجل: اني سمعت من سلمان و أبي ذر و المقداد أشياء في تفسير القرآن و الرواية عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، و سمعت منك تصديق ما سمعت منهم، و رأيت في أيدي الناس أشياء كثيرة في تفسير القرآن و الأحاديث عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و أنتم تخالفونهم و تزعمون أن ذلك باطل،

فترى الناس يكذبون متعمدين على النبي و يفسّرون القرآن بآرائهم؟

فأقبلعليه‌السلام فقال له: قد سألت فافهم الجواب، ان في أيدي الناس حقّا و باطلا الخ مثله( ٣) .

____________________

(١) تذكرة الخواص: ١٤٢ و ١٤٣.

(٢) ثقله عن مناقب ابن الجوزي المجلسي في البحار ٧٨: ٧٧ ح ٤٩، و كتاب مناقب ابن الجوزي الذي ينقل عنه المجلسي هو عين كتاب تذكرة الخواص لا كتاب آخر.

(٣) الاحتجاج ١: ٢٦٣.

٢٠٧

و رواه الكشي في عنوان سليم بن قيس عن ابان بن أبي عياش عن سليم و زاد قال أبان: فقدر لي بعد موت الحسينعليه‌السلام أني حججت فلقيت محمد بن عليعليه‌السلام فحدثته بحديث سليم، فقال: صدق سليم، أتى أبي بعد جدّي الحسين و أنا عنده فحدّثه بهذا الحديث، فقال له أبي: صدقت حدّثني بهذا الحديث أبي الحسين و عمّي الحسن عن أمير المؤمنين الخ( ١) .

و بالجملة رواه العامة و الخاصة بطرق متعددة، العامة عن ضرار بن ضمرة و عبد خير و كميل و الخاصة عن سليم و غيره كما عرفت.

قول المصنف: (و من كلام لهعليه‌السلام و قد سأله سائل عن أحاديث البدع) هكذا في المصرية و ابن ميثم و لكن في نسخة ابن أبي الحديد (عن مسائل البدع)( ٢) .

(و عمّا في أيدي الناس) غير شيعته (من اختلاف الخبر) مع ما عندهعليه‌السلام و عند شيعته (فقالعليه‌السلام ) هو توكيد بعد قوله «و من كلام له» كما لا يخفى.

قولهعليه‌السلام : «ان في أيدي الناس حقّا و باطلا و صدقا و كذبا و ناسخا و منسوخا و عاما و خاصا و محكما و متشابها و حفظا و وهما» و اطلق السائل على جميعها عنوان الكذب، فبيّنعليه‌السلام ان لها عناوين، و بيّنها عموم من وجه، فالناسخ و المنسوخ، و العام و الخاص، و المحكم و المتشابه، كلّها صدق من حيث الصدور عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لكن العمل بالجميع ليس بحق، فلا يجوز العمل بالمنسوخ، و لا بالعام في غير مورده الخاص، و لا بالمتشابه، و انما الحق الناسخ و الخاص و المحكم، كما أن الوهم ليس بكذب و انما هو باطل، و الحفظ حق و صدق و خاص و محكم.

____________________

(١) اختيار معرفة الرجال: ١٠٤ ح ١٦٧.

(٢) لفظ شرح ابن أبي الحديد ١١: ٣٨، و شرح ابن ميثم ٤: ١٩ مثل المصرية.

٢٠٨

«و لقد» هكذا في (المصرية) و الصواب: (و قد) كما في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم)( ١) .

«كذب على رسول اللَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على عهده» ذكرعليه‌السلام ذلك لرفع استبعاد الكذب على النبيّ بعده، فالسائل كان تعجب من أن يكذبوا عليه بعده (حتى قام خطيبا).

المفهوم من خبر مجادلة الجوادعليه‌السلام مع يحيى بن أكثم في أخبار وضعوها في الفضائل للشيخين ان قيام النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بذلك خطيبا كان في حجّة الوداع قائلا: قد كثرت عليّ الكذّابة و ستكثر، فمن كذب عليّ متعمدا فليتبوء مقعده من النار( ٢) .

«فقال: من كذب عليّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار» قال سبط ابن الجوزي:

رواه عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مائة و عشرون من الصحابة ذكرتهم في كتابي (حق اليقين)( ٣) .

«و انما أتاك بالحديث أربعة رجال ليس لهم خامس» بحكم الاستقصاء.

«رجل منافق مظهر للايمان» بلسانه. «متصنع بالاسلام» كالمغيرة بن شعبة مشير الصديق لهم و الفاروق، فانما تصنّع بالإسلام لغدره بقومه. «لا يتأثم و لا يتحرّج» أي: لا يعد شيئا اثما له و لا حرجا عليه. «يكذب على رسول اللَّه متعمدا» لعدم اعتقاده باللَّه.

روى نصر بن مزاحم: ان عثمان لما قتل و أتى معاوية كتاب عليعليه‌السلام بعزله عن الشام خرج حتى صعد المنبر، ثم نادى في الناس أن يحضروا،

____________________

(١) كذا في شرح ابن أبي الحديد ١١: ٣٨ لكن شرح ابن ميثم ٤: ١٩.

(٢) رواه الطبري في الاحتجاج ٢: ٤٤٧.

(٣) تذكرة الخواص: ١٤٣.

٢٠٩

فخطبهم و قال: يا أهل الشام قد علمتم أني خليفة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، و خليفة عثمان، و قتل مظلوما، و قد تعلمون أني وليّه، و قال اللَّه في كتابه و من قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا( ١ ) ، و أنا أحب أن تعلموني ما في أنفسكم من قتل عثمان.

فقام مرة بن كعب السلمي و في المسجد يومئذ أربعمائة رجل أو نحو ذلك من أصحاب النبي، فقال: و اللَّه لقد قمت مقامي هذا، و اني لأعلم أن فيكم من هو أقدم صحبة للنبي مني، و لكني قد شهدت منه مشهدا لعلّ كثيرا منكم لم يشهده، و إنّا كنّا معه نصف النهار في يوم شديد الحر، فقال: لتكونن فتنة حاضرة فمر رجل مقنع فقال النبي هذا المقنع يومئذ على الهدى، فقمت،

فأخذت بمنكبيه و حسرت عن رأسه، فإذا عثمان، فأقبلت بوجهه الى النبي،

فقلت: هذا. قال: نعم. فأصفق حينئذ أهل الشام مع معاوية و بايعوه على الطلب بدم عثمان أميرا لا يطمع في الخلافة ثم الأمر شورى( ٢) .

و من الغريب ان ابن أبي الحديد نقله في شرح عنوان «من كلام لهعليه‌السلام و قد اشير عليه بالاستعداد للشام» عن كتاب ابن ديزيل و قال: هذا الحديث رواه كثير من محققي أصحاب الحديث، و رواه البخاري في تاريخه بعدّة روايات. و ليس لقائل أن يقول فهذا الحديث إذا صححتموه كان حجّة السفيانية، لأنّا نقول الخبر تضمن على أن عثمان و أصحابه على الحق، و هذا مذهبنا فإنّا نذهب ان عثمان قتل مظلوما، و انّه و ناصريه يوم الدار على الحق،

و ان القوم الذين قتلوه لم يكونوا على الحق، فأما معاوية و أهل الشام الذين

____________________

(١) الاسراء: ٣٣.

(٢) وقعة صفين: ٨١.

٢١٠

حاربوا عليّا بصفين فليسوا بداخلين في الخبر( ١) .

فان مرة بن كعب وضعه معاوية قبل، و علمه وضع هذا الحديث ليقدر على محاربة أمير المؤمنينعليه‌السلام ، و يجعله باطلا، و يجعل نفسه حقّا، و هل كان فهم ابن أبي الحديد دون فهم أهل الشام، فانّهم مع كونهم كالأنعام فهموا بفطرتهم المانعة من الجمع بين الضدين أن مقتضى الحديث حقّيّة معاوية و بطلان علي، فاصفقوا صفقة واحدة مع معاوية على الطلب بدمه، لكون اتحاد معاوية و عثمان من البديهيات، و قد كان معاوية قال لعثمان: اجعل لي الطلب بدمك. فقال له: هذه لك ان قتلت فلا يطل دمي.

و إذا كان محققوا حديثهم و امام حديثهم البخاري و رووه فويل لأحاديثهم، فآثار الوضع عليه كالشمس لائحة، لكن لما اتخذوا عثمان الذي أباح المسلمون دمه و كفّروه إماما، لا بد لهم من أن يبنوا له موضوعات معاوية و اتباعه.

ثم قول ابن أبي الحديد: عثمان و أصحابه يوم الدار كانوا على الحق،

فعمدة أصحابه و أنصاره انما كان مروان طريد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، و لعين النبي،

و من يستهزء بالوليد بن عتبة لما تحرج من شركته في دم الحسينعليه‌السلام .

ثم المنافق الذي لا يتحرّج أن يكذب على النبيّ متعمدا قد يضعه من رأس كخبر مرة هذا، و ان كان وضعه في مقابل قول النبي في أمير المؤمنين في ما رواه جمع منهم ابن مروديه و أخطب خوارزم و المعافى بن زكريا و غيرهم مسندا عن أبي ذر و المقداد و سلمان قالوا: كنّا قعودا عند النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ما معنا غيرنا إذ أقبل ثلاث رهط من المهاجرين و البدريين، فقال: تفترق امتي ثلاث فرق بعدي، فرقة أهل حق لا يشوبون بباطل مثلهم كمثل الذهب

____________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ٣: ١٠٠.

٢١١

كلّما فتنته بالنار إزداد جودة و طيبا إمامهم هذا و أشار الى أحدهم و هو الذي أمر اللَّه به في كتابه إماما و رحمة، و فرقة أهل باطل لا يشربونه بحق مثلهم كمثل خبث الحديد كلما فتنته بالنار إزداد خبثا و إمامهم هذا و أشار الى آخر من الثلاثة و فرقة أهل ضلالة مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء و لا إلى هؤلاء و إمامهم هذا و أشار الى آخر. قال: فسألتهم عن أهل الحق و إمامهم، فقالوا هو علي بن أبي طالب إمام المتقين، و امسكوا عن الاثنين، فجهدت أن يسمّوهما،

فلم يفعلوا( ١) .

و قد يأخذ ذاك المنافق كلام النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فيخرجه عن مورده، أو يزيده و ينقصه، و يجعله كذبا، فروى الخطيب الناصبي في محمد بن اسحاق ابن مهران المعروف بشاموخ رواية شاموخ عن جابر أن النبي قال «إذا رأيتم معاوية يخطب على منبري فاقبلوه فإنّه أمين مأمون»، فإن الأصل في الخبر ما رواه نصر بن مزاحم عن عمرو بن ثابت عن إسماعيل عن الحسن البصري قال: قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إذا رأيتم معاوية يخطب على منبري فاقتلوه». قال الحسن فحدّثني بعضهم ان أبا سعيد الخدري قال: فلم نفعل و لم نفلح.

و رواه نصر بلفظ آخر باسناد عن الحسن و اسناد عن ابن مسعود قالا:

قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «إذا رأيتم معاوية بن أبي سفيان يخطب على منبري فاضربوا عنقه» قال الحسن: فما فعلوا و لا أفلحوا( ٢) .

فترى بدل قول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «فاقتلوه» من القتل بقوله «فاقبلوه» من القبول و زاد قوله «فانه أمين مأمون» شاهدا لتبديله.

و من الغريب أن الخطيب قد يروي أحاديث مجمع عليها في أمير

____________________

(١) رواه عنهم ابن طاووس في الطرائف ١: ٢٤١ ح ٣٤٦.

(٢) وقعة صفين: ٢١٦.

٢١٢

المؤمنينعليه‌السلام و يطعن فيها بأنها منكرة، و لم يقل هنا سوى «ان رجال السند ما بين محمد بن إسحاق و ابي الزبير مجهولون» حشره اللَّه مع ذلك الأمين المأمون.

و من هذا القبيل رواية أبي بكر أن النبي قال: «نحن معاشر الأنبياء ما تركناه صدقة»( ١ ) فان الأصل فيه ان النبي قال كما قال الصادقعليه‌السلام «ان العلماء ورثة الأنبياء، و ان الأنبياء لم يورثوا دينارا و لا درهما، و لكن ورثوا العلم، فمن أخذ منه أخذ بحظ وافر»( ٢ ) فالخبر انما كان في مقام ان الأنبياء لما لم يكونوا من أهل الدنيا الذين همّهم جمع المال ما يتركون بعدهم شيئا مهما من عرض الدنيا، و انما يتركون أحاديث مبينة لأحكام الدين لأنها الأصل عندهم، لا انهم مخصوصون من بين الناس بحكم في الميراث، و خارجون من العموم، فزاد عليه «ما تركناه صدقة» حتى يسلخه عن المعنى الأوّل و يسوقه الى مراده، و إلا فكيف يعقل أن تكون فاطمة التي شهد اللَّه تعالى بعصمتها في آية التطهير( ٣ ) و شهد عزّ و جلّ باختصاصها من بين نساء العالم بالنبي في آية المباهلة( ٤ ) و قال فيها أبوها في المتواتر «انها سيّدة نساء العالمين»( ٥ ) و في المستفيض انّها بضعة منه، و رضاها رضاه،

____________________

(١) أخرجه البخاري في صحيحه ٢: ١٨٥ و ٣٠١ و ٣: ١٧ و ٥٥ و ٤: ١٦٤، و مسلم في صحيحه ٣: ١٣٨٠ و ١٣٨١ ح ٥٢ ٥٤ و غيرهم.

(٢) رواه عن طريق الصادقعليه‌السلام و غيره عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الكليني في الكافي ١: ٣٢ ح ٢، و الصفار في البصائر: ٣٠ و ٣١ ح ١ و ٣ و البخاري في صحيحه ١: ٢٣، و أبو داود في سننه ٣: ٣١٧ ح ٣٦٤١ و غيرهم.

(٣) انظر الآية ٣٣ من سورة الأحزاب.

(٤) انظر الآية ٦١ من سورة آل عمران.

(٥) أخرجه البخاري في صحيحه ٤: ٩٦، و مسلم في صحيحه ٤: ١٩٠٤ و ١٩٠٥ ح ٩٨ و ٩٩ و الحاكم في المستدرك ٣:

١٥١ و ١٥٤ و ١٥٦.

٢١٣

و سخطها سخطه( ١ ) و ان يكون أمير المؤمنينعليه‌السلام الذي نص القرآن بكونه نفس النبي( ٢ ) و كان ملازما للنبي من مولده فضلا عن بعد بعثة النبي الى وفاة النبي ليلا و نهارا لم يسمعا هذا الحديث، و سمعه أبو بكر الذي تمنى حال الموت ان لو سأل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن حكم ميراث الجد هل بدلت قضية العقول لهؤلاء المدّعين للألباب، و هل التقليد و العصبية يبلغان بالإنسان هذه المرتبة.

و لقد وضعوا أحاديث تضحك الثكلى من قلّة حياء واضعيها، و صلب وجوههم. فإن أغلب الكذّابين انّما يفترون في امور غير معلومة حقّها و باطلها،

و أما من يكذب على خلاف العيان فكمن يبهت في وجه الانسان. نظير ما رواه الكشي في سفيان الثوري عن ميمون بن واقد قال: أتى قوم أبا عبد اللَّهعليه‌السلام من الأمصار و أنا عنده يسألونه عن الحديث، فقال لي: أتعرف أحدا من القوم؟

قلت: لا. قال: فكيف دخلوا عليّ؟ قلت: هؤلاء قوم يطلبون الحديث من كلّ وجه لا يبالون ممّن أخذوا الحديث. فقال لرجل منهم: هل سمعت من غيري الحديث؟ قال: نعم. قال: فحدثني ببعض ما سمعت. قال: انما جئت لأسمع منك لم أجئ احدثك. قال: اجعل الذي حدّثك أحاديثه أمانة لا تحدث بها أحدا أبدا.

قال: لا. قال: فاسمعنا ببعض ما اقتبست. قال: حدّثنا سفيان الثوري عمّن حدّثه عن محمد بن علي انّه قال: من لا يمسح على خفيه فهو صاحب بدعة، و من لم يشرب النبيذ فهو مبتدع، و من لم يأكل الجريث و طعام أهل الذمة و ذبائحهم فهو ضال، أما النبيذ فقد شربه عمر، و أما المسح فقد مسح عمر على الخفين ثلاثا في السفر و يوما و ليلة في الحضر، و اما الذبائح فقد أحلها علي و قال

____________________

(١) أخرجه جمع كثير منهم البخاري في صحيحه ٢: ٣٠٢ و ٣٠٣ و ٣٠٨ و ٣: ٢٦٥، و مسلم في صحيحه ٤: ١٩٠٢ ١٩٠٤ ح ٩٣ ٩٦.

(٢) النظر الى الآية ٦١ من سورة آل عمران.

٢١٤

كلوها فان اللَّه يقول: اليوم أحل لكم الطيبات و طعام الذين أوتوا الكتاب حلّ لكم و طعامكم حل لهم( ١ ) ثم سكت.

فقال أبو عبد اللَّهعليه‌السلام : زدنا. فقال: حدثتك بما سمعت. قال: أكلّ الذي سمعت هذا؟ قال: لا. قال: فزدنا. قال: حدّثنا عمرو بن عبيد عن الحسن قال:

أشياء صدّق الناس بها و أخذوا بها ليس في كتاب اللَّه لها أصل، منها عذاب القبر، و منها الميزان، و منها الحوض، و منها الشفاعة، و منها النيّة ينوي الرجل من الخير و الشر و لا يعمله فيثاب عليه و لا يثاب الرجل إلاّ بما عمل ان خيرا فخيرا و إن شرّا فشرا. قال ميمون: فضحكت من حديثه، فغمزني أبو عبد اللَّهعليه‌السلام أن كفّ حتى نسمع فرفع الرجل رأسه إليّ و قال: ما يضحكك منّي من الحق أو الباطل. قلت: أو أبكي انّما يضحكني منك تعجبي كيف حفظت هذه الأحاديث، فسكت.

فقال أبو عبد اللَّهعليه‌السلام : زدنا. قال: حدّثنا سفيان الثوري عن محمد بن المنكدر انّه رأى عليّا على منبر الكوفة و هو يقول: لئن أتيت برجل يفضلني على أبي بكر و عمر لأجلدنّه حد المفتري.

فقال له أبو عبد اللَّهعليه‌السلام : زدنا. فقال: حدّثني سفيان عن جعفر انّه قال:

حبّ أبي بكر و عمر ايمان و بغضهما كفر.

قال أبو عبد اللَّهعليه‌السلام : زدنا، فقال: حدّثني يونس بن عبيد عن الحسن ان عليّا أبطأ عن بيعة أبي بكر و عمر فقال له عتيق: ما خلّفك يا علي عن البيعة، و اللَّه لقد هممت أن أضرب عنقك. قال له علي: يا خليفة رسول اللَّه لا تثريب. قال: لا تثريب.

قال له أبو عبد اللَّهعليه‌السلام : زدنا. قال: حدّثني سفيان الثوري عن الحسن أن

____________________

(١) المائدة: ٥.

٢١٥

أبا بكر أمر خالد بن الوليد أن يضرب عنق عليّ إذا سلم من صلاة الصبح، و ان أبا بكر سلم بينه و بين نفسه ثم قال: يا خالد لا تفعل ما أمرتك.

فقال له أبو عبد اللَّهعليه‌السلام : زدنا. قال: حدّثني نعيم بن عبد اللَّه عن جعفر بن محمّد أنّه قال: ود علي بن أبي طالب انّه بنخيلات ينبع يستظل بظلّهن و يأكل من حشفهن، و لم يشهد يوم الجمل و لا النهروان.

قالعليه‌السلام : زدنا. قال: حدّثنا عباد عن جعفر بن محمد انّه قال علي لما رأى كثرة الدماء يوم الجمل لابنه الحسن: يا بني هلكت. فقال له الحسن: يا أبة أ ليس قد نهيتك عن هذا الخروج. فقال: يا بني لم أدر ان الأمر يبلغ هذا المبلغ.

فقالعليه‌السلام له: زدنا. قال: حدّثني سفيان الثوري عن جعفر بن محمد ان عليّا لما قتل أهل صفين بكى عليهم ثم قال جمع اللَّه بيني و بينهم في الجنّة.

قال ميمون: فضاق بي البيت و عرقت و كدت أن أخرج من مسكي،

فأردت أن أقوم إليه و أتوطأه، ثم ذكرت غمزة أبي عبد اللَّهعليه‌السلام فكففت. فقال له أبو عبد اللَّهعليه‌السلام : من أي البلاد أنت؟ قال: من أهل البصرة. قال: فهذا الذي تحدث عنه و تذكر اسمه جعفر بن محمد تعرفه؟ قال: لا. قال: فهل سمعت منه شيئا قط؟ قال: لا. قال: فهذه الأحاديث عندك حق؟ قال: نعم. قال: فمتى سمعتها؟

قال: لا أحفظ إلا أنّها أحاديث مصرنا منذ دهر لا يمترون فيها. فقالعليه‌السلام : لو رأيت هذا الرجل الذي تحدّث عنه، فقال لك هذه التي ترويها عنّي كذب لا أعرفها و لم أحدث بها هل كنت تصدقه؟ قال: لا. قال: و لم؟ قال: لأنّه شهد على قوله رجال لو شهد أحدهم على عنق رجل لجاز قوله. فقالعليه‌السلام له: اكتب «بسم اللَّه الرحمن الرحيم حدّثني أبي عن جدي قال: ما اسمك؟ قال: و ما تسأل عن اسمي ان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: خلق اللَّه الأرواح قبل الأجساد بألفي عام، ثم أسكنها الهواء، فما تعارف منها ثمة إئتلف هاهنا و ما تناكر منها ثمة اختلف هاهنا،

و من كذب علينا أهل البيت حشره اللَّه يوم القيامة أعمى يهوديا، و ان أدركه

٢١٦

الدجال آمن به و ان لم يدركه آمن به في قبره» يا غلام ضع لي ماء. فقال: لا تبرح و قام القوم فانصرفوا و قد كتبوا الحديث الذي سمعوا منه. ثم انّهعليه‌السلام خرج و وجهه منقبض. فقال: أما سمعت ما يحدّث به هؤلاء. قلت: نعم ما هؤلاء و ما حديثهم. قال: كان أعجب حديثهم عندي الكذب عليّ و الحكاية عني ما لم أقل و لم يسمعه أحد، و قولهم لو أنكر الأحاديث ما صدقناه ما لهؤلاء، لا أمهل اللَّه لهم و لا املي لهم.

ثم قال: ان عليّاعليه‌السلام لما أراد الخروج من البصرة قام على أطرافها ثم قال: لعنك اللَّه يا أنتن الأرض ترابا و أسرعها خرابا و أشدها عذابا، فيك الداء الدوي. قيل: ما هو؟ قال: كلام القدري الذي فيه الفرية على اللَّه و بغضنا أهل البيت و استحلالهم الكذب علينا( ١) .

و من أخبارهم الواضحة الوضع روايتهم أن عائشة زوجة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في الآخرة( ٢ ) ، فمع كونه خلاف صريح القرآن، حيث ضرب تعالى مثلا لها و لصاحبتيها امرأة نوح و امرأة لوط و قال: كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من اللَّه شيئا و قيل ادخلا النار مع الداخلين( ٣ ) و قال تعالى لهن: من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين و كان ذلك على اللَّه يسيرا( ٤ ) و لا فاحشة أبين مما أيت به في الجمل من الخروج على الامام، و قتل آلاف من المؤمنين و المسلمين، و كيف

____________________

(١) اختيار معرفة الرجال: ٣٩٣ ح ٧٤١ و النقل بتصرف يسير.

(٢) أخرجه أبو نعيم في فضائل الصحابة عنه منتخب كنز العمال ٥: ١١٧، عن ابن عباس عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله و الحاكم في المستدرك ٤: ١٠، عن عائشة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله و روى عن ضمرة بن حبيب و عيسى بن طلحة و مسلم البطين و أبي محمد مولى الغفاريين مرفوعا و عن عليعليه‌السلام و عمّار موقوفا.

(٣) التحريم: ١٠.

(٤) الاحزاب: ٣٠.

٢١٧

تكون زوجته في الآخرة، و لما قيل لها ندفنك عند النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قالت: اني أحدثت بعده أحداثا، فادفنوني في البقيع مع اخواني( ١) .

و من المضحك أنّهم وضعوا ذلك على لسان أمير المؤمنينعليه‌السلام ، كما وضعوا لأبيها و صاحب أبيها على لسانه في مقابل ان الشيعة بل هم أنفسهم رووا عنهما فضائلهعليه‌السلام ، حيث ان اللَّه تعالى أجرى الحق على لسانهما كثيرا إتماما للحجّة عليهم، ليهلك من هلك عن بيّنة، و يحيي من حيي عن بيّنة.

و من أكاذيبهم تلقيبهم للرجلين بالصديق و الفاروق، و لأبي عبيدة بأمين الامة، و لابن عوف بأمين السماء و الأرض، و لخالد بسيف اللَّه، و لجمع منه بالعشرة المبشرة، لمخالفة ما قالوا مع العقول، و تناقضه مع تواتر المنقول.

أما الأول فلأن الصّديقية لو كان بمجرد تصديقه للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فهو أمر عام لجميع المسلمين، فاختصاصه به تحكم. فإن قالوا انّه أوّل من آمن فهو دفع للبداهة، فانّه يعلم جميع الناس حتى اليهود و النصارى و الملاحدة ان محمّدا لما أظهر دعوته كان أوّل من آمن به عليّعليه‌السلام ، لأن ذلك من التواترات لا تختص بالديانات، حتى ان الجاحظ في كتابه العثمانية لم يستطع دفعه، إلا انّه أظهر شبهة بأن عليّا و ان كان أوّل من أسلم، إلا أن اسلامه لما لم يكن بالغا التكليف لم يكن مقبولا( ٢ ) ، فطعن في النبي بقبوله. فإن قالوا قال حسان الشاعر في ذلك شعرا، فقال شاعر آخر في مسيلمة:

لهفي عليك ابا ثمامة

كم آية لك فيهم

كالشمس تطلع من غمامة

____________________

(١) اخرج هذا المعنى البخاري في صحيحه ٤: ٢٦٦ و ابن سعد في الطبقات ٨: ٥١.

(٢) نقله عنه ابن أبي الحديد في شرحه ١٣: ٢١٨.

٢١٨

و لم لم يفتروا على حسان و كذا الصديقية ليست بجزاف، و قد ذكر تعالى في أصل الصادقية أو صافا فقال: و لكن البر من آمن باللَّه و اليوم الآخر و الملائكة و الكتاب و النبيين و آتى المال على حبّه ذوي القربى و اليتامى و المساكين و ابن السبيل و السائلين و في الرقاب و أقام الصلاة و آتى الزكاة و الموفون بعهدهم إذا عاهدوا و الصابرين في البأساء و الضراء و حين البأس أولئك الذين صدقوا و أولئك هم المتقون( ١) .

و من أين اتصافه بهذه الصفات، و كيف؟ و كان عدم صبره حين البأس،

و فراره في احد و حنين، و لا سيما في خيبر معلوم، و لقد أشار أمير المؤمنينعليه‌السلام الى كذب خبر تلقيبهم له بالصدّيق في مقاله الذي اتفق عليه الفريقان انّه قال على المنبر: «أنا عبد اللَّه، و أخو رسوله، و أنا الصدّيق الأكبر، لا يقولها بعدي إلاّ كاذب مفتر، صلّيت مع رسول اللَّه قبل الناس بسبع سنين»( ٢) .

و أما الثاني فكيف يكون فاروقا بين الحق و الباطل من لم يفرق بين حياة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله و وفاته، و هو أمر يعلمه كلّ صبي و غبي، و من منع من وصيّة النبي، و سمّى كلامه هذيان المرض مكذبا بقوله تعالى: و ما ينطق عن الهوى. إن هو إلاّ وحي يوحى( ٣) .

و لم لم يفرق بين أمر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله و غيره كصاحبه الصديق، حيث لم يصدّق قول النبي في استحقاق رئيس الخوارج القتل، ففي كامل المبرد: نظر النبي الى رجل ساجد فقال: ألا رجل يقتله. فحسر أبو بكر عن ذراعه، و انتضى السيف، و صمد نحوه، ثم رجع الى النبي، فقال له: أأقتل رجلا يقول لا إله إلاّ

____________________

(١) البقرة: ١٧٧.

(٢) أخرجه الثعلبي في تفسيره عن الطرائف ١: ٢٠ ح ١٢ و أحمد في الفضائل عنه ذيل احقاق الحق ٤: ٢٠٩.

(٣) النجم: ٣ و ٤.

٢١٩

اللَّه؟ فقال النبي ثانيا: ألا رجل يفعل، ففعل عمر مثل أبي بكر، فقال النبي انّه أول فتنة و آخرها، و لو قتل ما اختلف اثنان( ١) .

فان قالوا كان فاروقا لأنّه عز الإسلام بإسلامه، قيل لهم لم يكن له شجاعة و لا شرف، و انما عز الاسلام بإسلام حمزة الجامع بينهما القادر على أن يشجّ مثل أبي جهل الذي أذعنت قريش لرئاسته منذ صباه، و حكم الشيطان بصواب رأيه من بين آراء قريش في إرادتهم الكيد بالنبي، و لم يكن أحد مثله في نفوذ الكلمة، حتى انّه صار سببا لحصول غزوة بدر، مع كراهة جميع قريش حضورها، لا سيما شيخا عبد شمس عتبة و شيبة.

و هذا نص الجزري في إسلام حمزة: ان أبا جهل مر بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله و هو جالس عند الصفا، فآذاه و شتمه و نال منه و عاب دينه، و مولاة لعبد اللَّه بن جذعان في مسكن لها تسمع ذلك، ثم انصرف عنه، فجلس في نادي قريش عند الكعبة، فلم يلبث حمزة بن عبد المطلب ان أقبل من قنصه متوشحا قوسه و كان إذا رجع لم يصل الى أهله حتى يطوف بالكعبة و كان يقف على أندية قريش و يسلّم عليهم و يتحدّث معهم و كان أعزّ قريش و أشدّهم شكيمة، فلما مر بالمولاة و قد قام النبي و رجع الى بيته قالت له: يا أبا عمارة لو رأيت ما لقي ابن أخيك محمد من أبي الحكم بن هشام تعني أبا جهل فإنّه آذاه و سبّه، ثم انصرف عنه و لم يكلّمه محمّد، فاحتمل حمزة الغضب لما أراد اللَّه به من كرامته، فخرج سريعا لا يقف على أحد كما كان يصنع يريد الطواف بالكعبة معدا لأبي جهل إذا لقيه أن يقع به حتى دخل المسجد، فرآه جالسا في القوم،

فأقبل نحوه و ضرب رأسه بالقوس، فشجّه شجّة منكرة و قال: أتشتمه و أنا على دينه أقول ما يقول. و قام رجال من بني مخزوم الى حمزة لينصروا أبا

____________________

(١) كامل المبرد ٧: ١١٠ و ١٥٢ و النقل بالمعنى.

٢٢٠