بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٧

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة0%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 621

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

مؤلف: الشيخ محمد تقي التّستري
تصنيف:

الصفحات: 621
المشاهدات: 93492
تحميل: 6747


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 621 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 93492 / تحميل: 6747
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 7

مؤلف:
العربية

أحل أبو حنيفة بنت صلب

تكون من الزنا عرسا صحيحة

هذا، و في (تاريخ بغداد): لما عزل إسماعيل بن حمّاد عن البصرة،

شيّعوه فقالوا: عففت عن أموالنا و عن دمائنا. فقال لهم: و عن أبنائكم يعرض بيحيى ابن أكثم في اللواط.

و قال البحتري في ابن أبي الشوارب القاضي و سمّاه ابن أبي الشوارب و السبال:

نصرت الأوصياء على اليتامى

و قدمت النساء على الرجال

و أحرزت الوقوف فصرت أولى

بهن من الكلالة و الموالي

«الى اللَّه أشكو من معشر يعيشون جهّالا و يموتون ضلالا» ورد ابن أبي ليلى على الصادقعليه‌السلام ، فقال له: أنت قاضي المسلمين؟ قال: نعم. قال: تأخذ مال هذا فتعطيه هذا، و تفرّق بين المرء و زوجه، لا تخاف في ذلك أحدا؟ قال: نعم.

قال: فبأي شي‏ء تقضي؟ قال: بما بلغني عن النبي، و علي، و أبي بكر، و عمر.

قال: فبلغك عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ان عليا أقضاكم. قال: نعم. قال: فكيف تقضي بغير قضاء علي، فما تقول اذا أخذ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بيدك فأوقفك بين يدي ربك فقال: يا رب ان هذا قضى بغير ما قضيت فاصفرّ وجهه( ١) .

و لما ورد غيلان بن جامع المحاربي قاضي ابن هبيرة على الصادقعليه‌السلام قالعليه‌السلام له: ما أظن ابن هبيرة وضع على قضائه إلا فقيها. قال:

أجل. قال: تجمع بين المرء و زوجه، و تفرّق بينهما، و تقتل، و تضرب الحدود،

و تحكم في أموال اليتامى. قال: نعم. قال: و بقضاء من تقضي؟ قال: بقضاء عمر، و ابن مسعود، و ابن عباس، و أقضي بشي‏ء من قضاء علي. قالعليه‌السلام :

ألستم تزعمون يا أهل العراق و تروون ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: «علي أقضاكم»؟

____________________

(١) أخرجه الكليني في الكافي ٧: ٤٠٨ ح ٥، و الطوسي في التهذيب ٦: ٢٢٠ ح ١٣.

٣٢١

قال: نعم. قال: فكيف تقول اذا جمع اللَّه الأولين و الآخرين في صعيد، ثم وجدك قد خالفت قضاء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله و عليعليه‌السلام ، فجعل غيلان ينتحب، فقالعليه‌السلام له:

أيّها الرجل أقصد لشأنك( ١) .

و في (يتيمة الثعالبي): ان عمرو بن العاص غير الخاتم من يمينه الى شماله، فاقتدى العامة به الى يومنا هذا.

و قال السلامي: ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله و الخلفاء كانوا يتختمون في أيمانهم،

فنقلها معاوية الى اليسار، و أخذ الناس بذلك. قال الثعالبي:

سنّ التختم في اليمين محمد

للقائلين بدعوة الاخلاص

فسعى ابن هند في إزالة رسمه

و أعانه في ذلك ابن العاص(٢)

«ليس فيهم سلعة» أي: متاع «أبور» أي: أكسد «من الكتاب اذا تلي حق تلاوته».

في (الحلية) في أبي سالم الدباغ قال: رأيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في المنام، فقلت:

اقرأ عليك يا رسول اللَّه؟ فقال: نعم، فاستفتحت و استعذت، و قرأت عليه فاتحة الكتاب، و عشرين آية من أول سورة البقرة، فلم يردّ علي شيئا، فقلت: يا رسول اللَّه لم تردّ عليّ شيئا أحبّ أن تأخذ عليّ كما أنزل. فقال: لو أخذت عليك كما أنزل رجمك الناس بالحجارة.

«و لا سلعة أنفق بيعا» أي: أروج «و لا أغلى ثمنا من الكتاب اذا حرّف عن موضعه» هكذا في (المصرية) و الصواب: (مواضعه) كما في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم)( ٣) .

____________________

(١) أخرجه الكليني في الكافي ٧: ٤٢٩ ح ١٣.

(٢) نقله عنه الشارح في كتاب الأوائل: ٤، أيضا لكن لم أظفر به في يتيمة الدهر.

(٣) شرح ابن أبي الحديد ١: ٢٨٤، و شرح ابن ميثم ١: ٣١١.

٣٢٢

و في (العقد): ان عائشة لما كتبت الى زيد بن صوحان «ثبّط الناس عن علي»، كتب اليها انك امرت بأمر و أمرنا بغيره، امرت ان تقري في بيتك، و امرنا ان نقاتل الناس حتى لا تكون فتنة، فتركت ما أمرت به، و كتبت تنهانا عمّا أمرنا به.

و في (تاريخ الطبري): أقبل زيد و معه كتاب من عائشة اليه خاصة،

و كتاب منها الى أهل الكوفة عامة تثبطهم عن نصرة عليعليه‌السلام ، و تأمرهم بلزوم الأرض. فقال: أيها الناس انظروا الى هذه امرت أن تقرّ في بيتها، و أمرنا نحن أن نقاتل حتى لا تكون فتنة، فأمرتنا بما أمرت به، و ركبت ما أمرنا به.

فقام اليه شبث بن ربعي فقال له: و ما أنت و ذاك أيها العماني، سرقت أمس بجلولاء، فقطعك اللَّه و تسب ام المؤمنين( ١) .

انظروا الى أن امهم أمرت بالمنكر، و نهت عن المعروف، و حرّفت الكتاب، و ابنها شبث الجافي الجلف و قاتل الحسينعليه‌السلام أنكر على زيد إنكاره عليها مخالفة كتاب اللَّه، و كان زيد قطع يده في سبيل اللَّه تعالى، فسمّى الخبيث قطع يده في سبيل اللَّه سرقة، و كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قد أخبر زيدا بأن يده تقطع في سبيل اللَّه، ثم يتبع اللَّه آخر جسده بأوله( ٢ ) ، و صار كما قال، فاستشهد في الجمل، و قال قبل قتله: ما أراني إلا مقتولا رأيت يدي نزلت من السماء و هي تستشيلني اف لهم ولدينهم.

و في (تاريخ بغداد) عن الشافعي: نظرت في كتب لأصحاب أبي حنيفة،

فإذا فيها مائة و ثلاثون ورقة، فعددت منها ثمانين ورقة خلاف الكتاب و السنة.

____________________

(١) تاريخ الطبري ٣: ٤٩٨، سنة ٣٦.

(٢) أخرجه ابن عبد البر في الاستيعاب ١: ٥٦٠، و أبو يعلى و ابن مندة عنهما الاصابة ١: ٥٨٢ و ٥٨٣ و ابن عدي الخطيب و ابن عساكر عنهم منتخب كنز العمال ٥: ١٨٧، و اسد الغابة ٢: ٢٣٤.

٣٢٣

و في (الاستيعاب) عن الحسن: كتب زياد الى الحكم بن عمرو الغفاري و هو على خراسان ان معاوية كتب الي ان تصطفي له البيضاء و الصفراء، فلا تقسم بين الناس ذهبا و لا فضة، فكتب اليه الحكم: اني وجدت كتاب اللَّه قبل كتاب معاوية. ثم قال للناس: أغدوا على مالكم، فقسمه بينهم، ثم قال: اللهم ان كان لي عندك خير فاقبضني اليك فمات بخراسان بمرو( ١) .

و في (عيون ابن قتيبة) عن سديف مولى اللهبيين انه كان يقول: اللهم اشتريت المعازف و الملاهي بسهم الايتام و الأرملة، و حكم في أبشار المسلمين أهل الذمة، و تولى القيام بامورهم فاسق كلّ محله. اللهم و قد استحصد زرع الباطل، و بلغ نهايته، و اجتمع طريده، اللهم فأتح لهم من الحق يدا حاصدة تبدد شمله، و تفرّق أمره.

و ذكر رجل قوما فقال: يصومون عن المعروف و يفطرون على الفحشاء.

و سأل الحلبي الصادقعليه‌السلام عن الحجّ فقال له: تمتع. ثم قال له: إنّا اذا وقفنا بين يدي ربنا قلنا يا رب أخذنا بكتابك و سنّة نبيك، و قال الناس رأينا رأينا( ٢) .

كانوا كما قيل في البر مكيين، و كما قيل في بشر بن الوليد قاضي المأمون:

اذا ذكر الشرك في مجلس

أنارت وجوه بني برمك

و ان تليت عندهم آية

اتوا بالأحاديث عن مزدك

ينفي شهادة من يدين بما

به نطق الكتاب و جاءت الآثار

____________________

(١) الاستيعاب ١: ٣١٥.

(٢) أخرجه الطوسي في التهذيب ٥: ٢٦ ح ٥، و الاستبصار ٢: ١٥٠ ح ٢.

٣٢٤

هذا، و عن عوانة: خطبنا عتبة بن النهاس العجلي، فقال: ما أحسن ما قال تعالى في كتابه:

ليس حي على المنون بباق

غير وجه المسبح الخلاق

فقمت اليه فقلت: أيها الرجل ان اللَّه عز و جل لم يقل هذا، انما قاله عدي ابن زيد، فنزل عن المنبر.

و عنه اتي عتبة بامرأة من الخوارج، فقال: يا عدوّة اللَّه ما خروجك على الخليفة، ألم تسمعي قول اللَّه:

كتب القتل و القتال علينا

و على المحصنات جر الذيول

فحركت رأسها و قالت: يا عدو اللَّه، حملني على الخروج جهلكم بكتاب اللَّه عز و جل.

«و لا عندهم أنكر من المعروف و لا أعرف من المنكر» في الخبر عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : يأتي بعدي زمان لا يأمرون بالمعروف، و لا ينهون عن المنكر،

فعجبوا، فقال: يأتي زمان يأمرون بالمنكر و ينهون عن المعروف، فعجبوا أكثر، فقال: يأتي زمان يصير المعروف عندهم منكرا، و المنكر معروفا( ١) .

و في الحلية في أحمد بن حنبل عن أنس بن مالك: ما أعرف اليوم شيئا مما كنّا عليه على عهد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قيل: فأين الصلاة؟ قال: أو لم تضعوا في الصلاة ما قد علمتم.

هذا، و يأتي في فصل القرآن قولهعليه‌السلام : و ليس عند أهل ذلك الزمان سلعة أبور من الكتاب اذا تلي حق تلاوته، و لا أنفق اذا حرّف عن مواضعه، و لا في البلاد شي‏ء أنكر من المعروف، و لا أعرف من المنكر( ٢) .

____________________

(١) أخرجه الكليني في الكافي ٥: ٥٩ ح ١٤، و الطوسي في التهذيب ٦: ١٧٧ ح ٨، و الحميري في قرب الاسناد ٢٦.

(٢) يأتي في العنوان ١٢ من الفصل الحادي و الأربعين.

٣٢٥

٤ - الخطبة (٨٥) بعد ذكر العالم العارف:

وَ آخَرُ قَدْ تَسَمَّى عَالِماً وَ لَيْسَ بِهِ فَاقْتَبَسَ جَهَائِلَ مِنْ جُهَّالٍ وَ أَضَالِيلَ مِنْ ضُلاَّلٍ وَ نَصَبَ لِلنَّاسِ شَرْكاً مِنْ حَبَائِلِ غُرُورٍ وَ قَوْلِ زُورٍ قَدْ حَمَلَ اَلْكِتَابَ عَلَى آرَائِهِ وَ عَطَفَ اَلْحَقَّ عَلَى أَهْوَائِهِ يُؤَمِّنُ مِنَ اَلْعَظَائِمِ وَ يُهَوِّنُ كَبِيرَ اَلْجَرَائِمِ يَقُولُ أَقِفُ عِنْدَ اَلشُّبُهَاتِ وَ فِيهَا وَقَعَ وَ أَعْتَزِلُ اَلْبِدَعَ وَ بَيْنَهَا اِضْطَجَعَ فَالصُّورَةُ صُورَةُ إِنْسَانٍ وَ اَلْقَلْبُ قَلْبُ حَيَوَانٍ لاَ يَعْرِفُ بَابَ اَلْهُدَى فَيَتَّبِعَهُ وَ لاَ بَابَ اَلْعَمَى فَيَصُدَّ عَنْهُ وَ ذَلِكَ مَيِّتُ اَلْأَحْيَاءِ «و آخر» غير عبد أعانه اللَّه على نفسه مع سائر محامده «قد تسمى عالما و ليس به» هو نظير قولهعليه‌السلام في سابقه «قد سماه أشباه الناس عالما و ليس به».

فممن تسمى عالما و ليس به من أئمتهم الأربعة مالك بن أنس الذي كان مغنيا من تلامذة طويس المغني كما في (الأغاني) و كان قبيح الوجه، فأشارت امه اليه بطلب الفقه فصار امام ضلال، كان يقول كما في العقد و اللَّه ما اقتتل علي و عثمان و طلحة و الزبير إلا على الثريد الأعفر.

و منهم سفيان الثوري، كان في شرطة هشام بن عبد الملك، و شهد قتل زيد بن علي، و كان من الكذّابين في الحديث.

و منهم مسروق بن الأجدع، أوصى أن يدفن في مقابر اليهود ليخرج من قبره، و ليس هناك من يؤمن باللَّه و رسوله غيره.

٣٢٦

«فاقتبس» أي: اكتسب «جهائل» جمع الجهالة «من جهال و أضاليل من ضلال».

في (المسترشد): روى أبو أيوب الشاذكوني قال: حدّثنا معاذ بن أعضف سمعت شعبة يقول: قد أخذت من أربعمائة شيخ، ثلاثمائة و ثمانية و تسعون مدلسون، إلا رجلين أبو عون و عمرو بن مرة.

و في (تاريخ بغداد) عن أبي بكر بن أبي داود: جميع ما روى أبو حنيفة من الحديث مائة و خمسون حديثا، أخطأ في نصفها.

و فيه عن النضر بن شميل: في كتاب (حيل أبي حنيفة) كذا كذا مسألة كلّها كفر، و قال عبد اللَّه بن المبارك: من نظر في كتاب حيله أحل ما حرم،

و حرّم ما أحل. و قيل له: ما وضع كتاب الحيل إلا شيطان؟ فقال: بل كان الذي وضعه أشرّ من الشيطان، و كان حمّاد بن سلمة يكنّيه أبا جيفة.

«و نصب للناس شركا» هكذا في (المصرية)، و الصواب: «أشراكا» كما في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية)( ١ ) ، و الاشراك: جمع الشرك بفتحتين حبالة الصائد.

«من حبائل» جمع حبالة، و في (ابن ميثم و الخطية) (من حبال)( ٢ ) «غرور و قول زور» أي: الكذب و الباطل.

قال الصادقعليه‌السلام قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : من عمل بالمقاييس فقد هلك و أهلك،

و من أفتى الناس و هو لا يعلم الناسخ من المنسوخ، و المحكم من المتشابه فقد هلك و أهلك.

قال ابن شبرمة: ما ذكرت هذا الحديث من جعفر بن محمد الا

____________________

(١) كذا في شرح ابن أبي الحديد ٦: ٣٧٢، لكن في شرح ابن ميثم ٢: ٢٩٧ مثل المصرية.

(٢) شرح ابن ميثم ٢: ٢٩٧.

٣٢٧

كاد أن يتصدع له قلبي( ١) .

«قد حمل الكتاب على آرائه و عطف الحق على أهوائه» في (تاريخ بغداد): قال شريك: كفر أبو حنيفة بآيتين من كتاب اللَّه، قال تعالى: و يقيموا الصلاة و يؤتوا الزكاة و ذلك دين القيمة( ٢ ) و ليزدادوا ايمانا مع ايمانهم( ٣ ) ، و زعم أبو حنيفة ان الايمان لا يزيد و لا ينقص، و زعم ان الصلاة ليست من دين اللَّه.

قلت: بل بثلاثة آيات، فلما سألوا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بعد تحويل القبلة عن صلواتهم الاولى نزل و ما كان اللَّه ليضيع ايمانكم( ٤) .

و فيه: قيل لأبي حنيفة: ما تقول في رجل قتل أباه، و نكح امه، و شرب الخمر، في رأس أبيه؟ فقال: مؤمن.

و فيه: سئل ابو حنيفة عن رجل لزم غريما له، فحلف له بالطلاق ان يعطيه حقّه غدا، الا ان يحول بينه و بينه قضاء اللَّه، فلما كان من الغد جلس على الزنا، و شرب الخمر. قال: لم يحنث.

«يؤمّن من العظائم و يهون كبير الجرائم» في (تاريخ بغداد) عن مالك بن أنس: كانت فتنة أبي حنيفة أضرّ على هذه الامة من فتنة ابليس في الوجهين جميعا، في الأرجاء، و ما وضع من نقض السنن.

و في (الكافي) عن الباقرعليه‌السلام : اتقوا المحقرات من الذنوب، فان لها طالبا،

يقول أحدكم: اذنب و استغفر، ان اللَّه تعالى يقول: و نكتب ما قدموا و آثارهم و كلّ شي‏ء أحصيناه في امام مبين( ٥ ) و قال تعالى: انها ان تك مثقال حبة

____________________

(١) أخرجه الكليني في الكافي ١: ٤٣ ح ٩.

(٢) البينة: ٥.

(٣) الفتح: ٤.

(٤) البقرة: ١٤٣.

(٥) يس: ١٢.

٣٢٨

من خردل فتكن في صخرة أو في السماوات أو في الأرض يأت بها اللَّه ان اللَّه لطيف خبير( ١) .

«يقول أقف عند الشبهات و فيها وقع» و منهم من يقول ائذن لي و لا تفتني الا في الفتنة سقطوا و ان جهنم لمحيطة بالكافرين( ٢) .

«و اعتزل» هكذا في (المصرية)، و الصواب: «و يقول اعتزل» كما في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية)( ٣ ) «البدع و بينها اضطجع» بعد كون أقواله و أعماله بدعا غير السنن، و بتسميته بدعة السنن لا تنقلب عن حقيقتها.

«فالصورة صورة انسان و القلب قلب حيوان» و لقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن و الانس لهم قلوب لا يفقهون بها و لهم أعين لا يبصرون بها و لهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون( ٤ ) أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون ان هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا( ٥ ) بل قلوبهم في غمرة من هذا و لهم أعمال من دون ذلك هم لها عاملون( ٦) .

«لا يعرف باب الهدى فيتبعه» و الاتباع فرع العرفان «و لا باب العمى فيصدّ عنه» فكانوا لا يفرّقون بين أهل بيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله الذين قال فيهم: «مثل أهل بيتي كمثل سفينة نوح، من ركبها نجا، و من تخلّف عنها هلك»( ٧ ) ، و قال فيهم: «اني

____________________

(١) الكافي ٢: ٢٧٠ ح ١٠. و الآية ١٦ من سورة لقمان.

(٢) التوبة: ٤٩.

(٣) كذا في شرح ابن أبي الحديد ٦: ٣٧٢، لكن في شرح ابن ميثم ٢: ٢٩٧ مثل المصرية.

(٤) الاعراف: ١٧٩.

(٥) الفرقان: ٤٤.

(٦) المؤمنون: ٦٣.

(٧) هذا حديث السفينة له طرق كثيرة منها ما أخرجه الحاكم في المستدرك ٣: ١٥٠، و الخطيب في تاريخ بغداد ١٢:

٩١، و ابو نعيم في حلية الأولياء ٤: ٣٠٦، و صاحب صحيفة الرضاعليه‌السلام فيه: ٥٧ و ٧٦.

٣٢٩

تارك فيكم الثقلين، ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا أبدا، كتاب اللَّه، و أهل بيتي»( ١ ) و بين مخالفيهم، فتركوا أهل بيته و اتبعوا أعداءه، كما أن من لم يعرف الطريق يدع الصراط و يسلك التيه.

«فذلك ميت الأحياء» و قد قال تعالى لنبيه: انك لا تسمع الموتى و لا تسمع الصم الدعاء اذا و لوا مدبرين. و ما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم ان تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون( ٢ ) و ما أنت بمسمع من في القبور( ٣) .

٥ - الحكمة (١٨٣) و قالعليه‌السلام :

مَا اِخْتَلَفَتْ دَعْوَتَانِ إِلاَّ كَانَتْ إِحْدَاهُمَا ضَلاَلَةً أقول: فان غير ذلك غير معقول، لاستحالة اجتماع الضدين و النقيضين في العقول.

و من الغريب ان العامّة لم تقنع بقولهم بذلك، بل نسبته الى اللَّه تعالى و الرسول، فمنهم عبيد اللَّه بن الحسن المتكلّم، و كان ولي قضاء البصرة.

قال ابن قتيبة في (مختلفه): كان عبيد اللَّه يقول: ان القرآن يدل على الاختلاف، فالقول بالقدر صحيح و له أصل في الكتاب، و القول بالاجبار صحيح و له أصل في الكتاب، و من قال بهذا فهو مصيب، و من قال بهذا فهو

____________________

(١) هذا حديث الثقلين له طرق كثيرة منها ما أخرجه مسلم في صحيحه ٤: ١٨٧٣ و ١٨٧٤ ح ٣٦ و ٣٧، و الترمذي في سننه ٥: ٦٦٢ و ٦٦٣ ح ٣٧٨٦ و ٣٧٨٨، و الحاكم في المستدرك ٣: ١٤٨، و صاحب صحيفة الرضاعليه‌السلام فيه: ٥٧ ح ٧٦.

(٢) النمل: ٨١.

(٣) فاطر: ٢٢.

٣٣٠

مصيب، لأن الآية الواحدة ربما دلّت على وجهين مختلفين، و احتملت معنيين متضادين.

و سئل يوما عن أهل القدر و أهل الإجبار، فقال: كلّ مصيب، هؤلاء قوم قد عظموا اللَّه، و هؤلاء قوم قد نزّهوا اللَّه.

و فيه: قال عبيد اللَّه: كلّ من سمّى الزاني مؤمنا فقد أصاب، و من سمّاه كافرا فقد أصاب، و من قال هو كافر و ليس بمشرك فقد أصاب، و من قال هو كافر مشرك فقد أصاب، لأن القرآن قد دلّ على كلّ هذه المعاني.

و فيه: قال عبيد اللَّه: القول بالقرعة و خلافه كلّ منهما صواب، و القول بالسعاية و خلافه كلّ منهما صواب، و كذلك قتل المؤمن بالكافر و الا يقتل مؤمن بكافر، بأيهما أخذ الفقيه فهو مصيب. و لو قال قائل: ان القاتل في النار كان مصيبا، و لو قال: هو في الجنة كان مصيبا، و لو وقف فيه و أرجأ أمره كان مصيبا، إذ كان انما يريد بقوله ان اللَّه تعالى تعبّده بذلك، و ليس عليه علم الغيب.

و كان يقول في قتال علي لطلحة و الزبير و قتالهما له: ان ذلك كلّه طاعة للَّه.

قال ابن قتيبة: و في هذا القول من التناقض و الخلل ما ترى.

قلت: و كيف افترى على القرآن بما نسب اليه من الجمع بين المتضاد،

و أي باطل أبطل منه و قد قال تعالى: لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه تنزيل من حكيم حميد( ١ ) ، و كيف نسب الاختلاف الى القرآن و امتيازه من الكتب لكونه كتاب اللَّه تعالى بعدم وقوع اختلاف فيه أصلا، و لو كان من عند

____________________

(١) فصلت: ٤٢.

٣٣١

غير اللَّه لوجدوا فيه اختلافا كثيرا( ١) .

و أما ما توهمه فانما هو لأن القرآن فيه آيات محكمات هن أم الكتاب و أخر متشابهات( ٢ ) ، و هو لزيغ قلبه اتبع ما تشابه منه ابتغاء الفتنة، و ابتغاء تأويله، كما أنه لزيغه ترك الراسخين في العلم، و اتبع الثابتين في الجهل.

و من الغريب ان شيخ تاريخهم الطبري يأتي في كتابه كثيرا من هذا المتضادّ من روايات سيف الخبيثة، فروى عنه أن بعد الجمل قالت عائشة و علي كلّ منهما: وددت اني مت قبل هذا اليوم بعشرين سنة، و كان قولهما واحدا( ٣) .

و روى: عنه أنّه قال بعد الجمل: كلّما نعي الى عائشة من كان معها و من كان عليها قالت يرحمه اللَّه، فقال لها رجل من أصحابها: كيف ذلك؟ قالت: كذلك قال النبي فلان في الجنة و فلان في الجنة. و قال علي أيضا يومئذ: اني لأرجو ألا يكون أحد من هؤلاء نقي قلبه إلا أدخله اللَّه الجنّة، و ان عليّا صلّى على قتلى الكوفة و على قتلى البصرة، و صلّى على قريش من هؤلاء و هؤلاء.

و ان رجلا من أصحاب علي قال لعائشة: جزيت عنّا امنا عقوقا، و آخر منهم قال لها: يا امنا توبي فقد خطئت. فقال علي للقعقاع بن عمرو: اضرب أعناقهما.

ثم قال: لانهكنهما عقوبة فضربهما مائة مائة مجردين( ٤) .

أف منهم و من هذه الأكاذيب الأعاجيب، و من هذه التناقضات و التهافتات.

____________________

(١) النساء: ٨٢.

(٢) آل عمران: ٧.

(٣) تاريخ الطبري ٣: ٥٤١ سنة ٣٦.

(٤) تاريخ الطبري ٣: ٥٤٢ سنة ٣٦.

٣٣٢

و أغرب من ذلك أن أبا المعالي الجويني منهم و كان بالتكنية بأم السفالى أولى منه بأبي المعالي أنكر المتواترات و البديهيات، و قال ما كان بينهم اختلاف رأسا، و قال ما كان القوم إلا كبني ام واحدة، و لم يتكدر باطن أحد منهم على صاحبه قط، و لا وقع بينهم اختلاف و نزاع( ١) .

ثم ليس تكميلهم للدين بزعمهم نقصه منحصرا بإمام فروع بعضهم،

بل كان كذلك أئمة أصول كلّهم و فروع كلّهم، فقال فاروقهم: «متعتان كانتا على عهد رسول اللَّه، و أنا أنهى عنهما، و اعاقب عليهما»( ٢) .

٦ - الخطبة (١٨) و من كلام لهعليه‌السلام في ذم اختلاف العلماء في الفتيا:

تَرِدُ عَلَى أَحَدِهِمُ اَلْقَضِيَّةُ فِي حُكْمٍ مِنَ اَلْأَحْكَامِ فَيَحْكُمُ فِيهَا بِرَأْيِهِ ثُمَّ تَرِدُ تِلْكَ اَلْقَضِيَّةُ بِعَيْنِهَا عَلَى غَيْرِهِ فَيَحْكُمُ فِيهَا بِخِلاَفِهِ ثُمَّ يَجْتَمِعُ اَلْقُضَاةُ بِذَلِكَ عِنْدَ اَلْإِمَامِ اَلَّذِي اِسْتَقْضَاهُمْ فَيُصَوِّبُ آرَاءَهُمْ جَمِيعاً وَ إِلَهُهُمْ وَاحِدٌ وَ نَبِيُّهُمْ وَاحِدٌ وَ كِتَابُهُمْ وَاحِدٌ أَ فَأَمَرَهُمُ اَللَّهُ تَعَالَى بِالاِخْتِلاَفِ فَأَطَاعُوهُ أَمْ نَهَاهُمْ عَنْهُ فَعَصَوْهُ أَمْ أَنْزَلَ اَللَّهُ دِيناً نَاقِصاً فَاسْتَعَانَ بِهِمْ عَلَى إِتْمَامِهِ أَمْ كَانُوا شُرَكَاءَهُ فَلَهُمْ أَنْ يَقُولُوا وَ عَلَيْهِ أَنْ يَرْضَى أَمْ أَنْزَلَ اَللَّهُ سُبْحَانَهُ دِيناً تَامّاً فَقَصَّرَ؟ اَلرَّسُولُ ص؟ عَنْ تَبْلِيغِهِ وَ أَدَائِهِ وَ اَللَّهُ سُبْحَانَهُ يَقُولُ ما فَرَّطْنا فِي اَلْكِتابِ مِنْ شَيْ‏ءٍ ١٥ ٢٠ ٦: ٣٨ وَ قَالَ وَ فِيهِ تِبْيَانٌ لِكُلِّ شَيْ‏ءٍ وَ ذَكَرَ أَنَّ اَلْكِتَابَ يُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضاً وَ أَنَّهُ لاَ اِخْتِلاَفَ فِيهِ فَقَالَ سُبْحَانَهُ وَ لَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ

____________________

(١) نقل كلامه ابن أبي الحديد في شرحه ٢٠: ١٢.

(٢) أخرجه ابو صالح كاتب الليث و الطحاوي عنهما منتخب كنز العمال ٦: ٤٠٤.

٣٣٣

اَللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اِخْتِلافاً كَثِيراً ٥ ١٥ ٤: ٨٢ وَ إِنَّ؟ اَلْقُرْآنَ؟ ظَاهِرُهُ أَنِيقٌ وَ بَاطِنُهُ عَمِيقٌ لاَ تَفْنَى عَجَائِبُهُ وَ لاَ تُكْشَفُ اَلظُّلُمَاتُ إِلاَّ بِهِ قول المصنّف: «و من كلام لهعليه‌السلام في ذم اختلاف العلماء في الفتيا» تعبيره عنهم بالعلماء غير حسن، فان العلم لا اختلاف فيه حتى يصدق اختلاف العلماء، و كان عليه أن يقول «اختلاف الناس» أو يقول «اختلافهم» مثلهعليه‌السلام ، فانه قال «ترد على أحدهم القضية» الخ و لم يقل «على أحد العلماء»،

و لو كان قد قال: «في ذم اختلاف علمائهم» لا «العلماء» مطلقا لم يكن أبعد كثيرا.

و كيف كان ففي (تاريخ بغداد): حجّ الأعمش من الكوفة، و مالك بن أنس من المدينة، و عثمان البتي من البصرة، فجلسوا في المسجد الحرام يفتون و يخالف بعضهم بعضا، فقال رجل للأعمش: اتخالف أهل المدينة؟ فقال:

قديما اختلفنا و إيّاهم، فرضينا بعلمائنا و رضوا بعلمائهم.

قولهعليه‌السلام (ترد على أحدهم القضية في حكم من الأحكام فيحكم فيها برأيه، ثم ترد تلك القضية بعينها على غيره فيحكم فيها بخلافه) هكذا في (المصرية) و الصواب: «بخلاف قوله»، كما في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية)( ١) .

روى ابن الشيخ في (أماليه) عن عبد الوارث بن سعيد قال: قدمت مكة،

فوجدت فيها أبا حنيفة، و ابن أبي ليلى، و ابن شبرمة، فسألت أبا حنيفة، فقلت:

ما تقول في رجل باع بيعا، و شرط شرطا؟ قال: البيع باطل، و الشرط باطل، ثم أتيت ابن أبي ليلى، فسألته، فقال: البيع جائز، و الشرط باطل، ثم أتيت ابن شبرمة، فسألته، فقال: البيع جائز، و الشرط جائز. فقلت: سبحان اللَّه، ثلاثة من

____________________

(١) كذا في شرح ابن أبي الحديد ١: ٢٨٨، لكن في شرح ابن ميثم ١: ٣٢٠ مثل المصرية.

٣٣٤

فقهاء أهل العراق اختلفتم عليّ في مسألة واحدة، فأتيت أبا حنيفة، فأخبرته فقال: ما أدري ما قالا، حدثني عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عن بيع و شرط، البيع باطل، و الشرط باطل. ثم اتيت ابن أبي ليلى،

فأخبرته، فقال: ما أدري ما قالا، حدثني هشام عن عروة عن عائشة قالت:

أمرني النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ان اشتري بريرة، فأعتقها، البيع جائز، و الشرط باطل. ثم أتيت ابن شبرمة، فأخبرته، فقال: ما أدري ما قالا، حدثني مسعر بن كدام عن محارب بن دثار عن جابر بن عبد اللَّه قال: بعث النبي ناقة شرط لي حلابها،

البيع جائز، و الشرط جائز( ١) .

قلت: و الكل اخطأوا، و الصواب: ما قاله أهل بيت النبيعليه‌السلام الذين هم أدرى بما في البيت من التفصيل في الشرط، من جواز الشرط الا ما أحل حراما، أو حرم حلالا، المعتَق للمعتِق، و شرطه للبائع من المعتق من المستثنى، كما في خبر ابن أبي ليلى، و كان في النسخة نقص ليس الخبر تمامه، و شرط الحلاب من المستثنى منه، كما في خبر ابن شبرمة، و خبر أبي حنيفة مجمل لا يحل العمل به، و يحمل على المفصل.

«ثم يجتمع القضاة بذلك عند الامام الذي استقضاهم فيصوب آراءهم جميعا» و هو أمر منكر مخالف لفطر البشر.

و من كتاب طويل كتبه ابن المقفع للمنصور و قد نقله في اختيار المنظوم و المنثور و مما ينظر الخليفة فيه من أمر هذين المصرين، و غيرهما من الامصار و النواحي اختلاف هذه الاحكام المتناقضة التي قد بلغ اختلافها أمرا عظيما في الدماء و الفروج و الاموال، فيستحل الدم و الفرج بالحيرة، و هما يحرّمان بالكوفة، و يكون مثل ذلك الاختلاف في جوف الكوفة، فيستحل في

____________________

(١) امالي ابن على الطوسي ٢: ٤، جزء ١٤.

٣٣٥

ناحية منها ما يحرم في ناحية أخرى، غير انه على كثرة ألوانه نافذ على المسلمين في دمائهم و حرمهم، يقضي به قضاة جائز أمرهم و حكمهم، مع أنه ليس ممن ينظر في ذلك من أهل العراق و أهل الحجاز فريق الا قد لجّ بهم العجب بما في أيديهم، و الاستخفاف بمن سواهم، فأقحمهم ذلك في الامور التي يتبيغ بها من سمعها من ذوي الالباب، أما من يدعي لزوم السنّة منهم فيجعل ما ليس له سنّة سنّة حتى يبلغ ذلك به الى أن يسفك به الدم بغير بينة و لا حجّة على الأمر الذي يزعم انه سنّة، و إذا سئل عن ذلك لم يستطع أن يقول اهرق فيه دم على عهد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أو أئمة الهدى من بعده، و إذا قيل له أي دم سفك على هذه السنّة التي تزعمون؟ قالوا: فعل ذلك عبد الملك بن مروان، او أمير من بعض أولئك الامراء، و انما يأخذ بالرأي، فيبلغ به الاعتزام على رأيه أن يقول في الامر الجسيم من أمر المسلمين قولا لا يوافقه عليه أحد من المسلمين، ثم لا يستوحش لانفراده بذلك، و امضائه الحكم عليه، و هو مقرّ أنّه رأي منه لا يحتج بكتاب و لا سنّة، فلو رأى الخليفة أن يأمر بهذه القضية،

و السنن المختلفة، فترفع إليه في كتاب، و يرفع معها ما يحتج به كل قوم من سنّة أو قياس، ثم نظر الخليفة في ذلك، و أمضى في كل قضية رأيه الذي يلهمه اللَّه، و يعزم له عليه، و ينهى عن القضاء بخلافه، و كتب بذلك كتابا جامعا عزما لرجونا اللَّه أن يجعل أمر هذه الاحكام المختلطة الصواب بالخطأ حكما واحدا صوابا الخ.

الا أن الأصل في اختلاف القضاة اختلاف الإمام الذي استقضاهم في آرائه، فما دام لم يكن له علم لا بد له أن يصوّب آراءهم صوابا كانت ام خطأ.

ففي (الاستيعاب) في عبد الرحمن بن سهل الأنصاري جاءت جدتان الى أبي بكر، فأعطى ام الام السدس دون ام الاب، فقال له عبد الرحمن: أعطيت التي

٣٣٦

لو ماتت لم يرثها، و تركت التي لو ماتت ورثها، فجعله أبو بكر بينهما( ١) .

و روى ابن سعد في (طبقاته) عن إسماعيل الأسدي عن أيوب عن محمد قال: سألت عبيدة عن شي‏ء من ميراث الجد، فقال: ما تريد إليه، لقد حفظت فيه مائة قضية عن عمر. قلت: كلها عن عمر؟ قال: كلها عن عمر( ٢) .

و في (مروج المسعودي) في دخول رجلين من الخوارج على عمر بن عبد العزيز فقال أحدهما له: رأيناك خالفت اعمال أهل بيتك، و سميتها المظالم، و سلكت غير سبيلهم، فان زعمت انك على هدى و هم على ضلال فالعنهم، و تبرأ منهم، فهذا الذي يجمع بيننا و بينك أو يفرق. فقال لهما: ارأيتما أبا بكر و عمر، أليسا من اسلافكم، و من تتولونهما، و تشهدون لهما بالنجاة؟

قالا: بلى. قال: فهل علمتم ان ابا بكر حين قبض النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله و ارتدت العرب قاتلهم، فسفك الدماء، و أخذ الاموال، و سبى الذراري؟ قالا: نعم. قال: فهل علمتم أن عمر حين قام بعد أبي بكر رد تلك السبايا الى أصحابها؟ قالا: نعم.

قال: فهل برى‏ء عمر من أبي بكر؟ قالا: لا الخ( ٣) .

قلت: ان الخوارج حيث كانوا طالبين للحق و اخطأوه كانوا قد يتكلمون بمقتضى أدلة العقول، و الفطرة التي فطر الناس عليها من عدم امكان كون الحق في جهتين، و عدم امكان كون عمر بن عبد العزيز و باقي بني امية على الحق، مع اختلافه معهم في العمل، كعدم امكان كون عبد الملك في اليوم الآخر من خلافة ابن الزبير عدو اللَّه ملعونا، و في غده الذي تسلط على العراق و بايعه أهلها وليا للَّه و خليفة له واجب الاطاعة، و انه لا حكم الا للَّه في اختيار

____________________

(١) الاستيعاب ٢: ٤٢٠.

(٢) الطبقات ج ٢ ق ٢: ١٠٠.

(٣) مروج الذهب ٣: ١٩١.

٣٣٧

الخليفة دون الناس في قصة حرب الخوارج مع المهلب من قبل ابن الزبير أولا الا أنه لما كان أساسهم على أحقّيّة خلافة الشيخين كانوا يلزمونهم بعدم الضرر بذلك استنادا الى فعلهما و خلافتهما، مع أن جميع هذه الاختلافات في أصول الدين و فروعه متفرعة من ذاك الاصل، و كل مفسدة حصلت من سفك الدماء، و نهب الاموال، و هتك الاعراض و النواميس مبتن على ذاك الاساس، فالرجلان و ان قبلا عدم ضرر اختلاف الرجلين، الا أن العقل السليم و الفطرة المستقيمة لا يقبلان ذلك، و لو نازعونا في ذلك لحاكمهم اليهما العقل و الفطرة.

«و الههم واحد و نبيهم واحد و كتابهم واحد» فكيف يحكم كل قاض برأي،

و كيف يصوّب امامهم جميع آرائهم.

روى (الكافي) عن القمي عن ابيه عن ابن أبي عمير عن عمير بن اذينة عن الفضيل بن يسار قلت لابي عبد اللَّهعليه‌السلام : ان الناس يقولون ان القرآن نزل على سبعة أحرف. فقال: كذب أعداء اللَّه، و لكنه نزل على حرف واحد من عند الواحد( ١) .

«ا فأمرهم اللَّه تعالى» هكذا في (المصرية) و الصواب: «سبحانه» كما في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية)( ٢ ) ، و لان الأمر بالاختلاف نقص من الآمر، فالمناسب تنزيهه تعالى عنه.

«بالاختلاف فأطاعوه أم نهاهم عنه فعصوه» و ليس الاول، فلا بد من الثاني. و كيف لا و قد ذم الاختلاف، فقال: و لكن اختلفوا فمنهم من آمن

____________________

(١) الكافي ٢: ٦٣٠، ح ١٣.

(٢) لفظ شرح ابن أبي الحديد ١: ٢٨٨ و شرح ابن ميثم ١: ٣٢٠ مثل المصرية.

٣٣٨

و منهم من كفر( ١ ) ان الدين عند اللَّه الاسلام و ما اختلف الذين أوتوا الكتاب الا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم و من يكفر بآيات اللَّه فان اللَّه سريع الحساب( ٢) .

«أم أنزل اللَّه دينا ناقصا، فاستعان بهم على اتمامه» و قد قال تعالى: اليوم أكملت لكم دينكم و أتممت عليكم نعمتي و رضيت لكم الاسلام دينا( ٣) .

لكن روى الخطيب عن يوسف بن اسباط قال: قال أبو حنيفة: لو أدركنى النبي و أدركته لاخذ بكثير من قولي.

و عن أبي إسحاق الفزاري: سألت ابا حنيفة عن مسألة فأجاب فيها،

فقلت له: ان هذا يروي فيه عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كذا و كذا. فقال: حك هذا بذنب خنزير.

و عن بشر بن مفضل: قلت لابي حنيفة ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: البيعان بالخيار ما لم يفترقا. فقال: هذا رجز.

و عن يحيى بن آدم: ذكر لأبي حنيفة ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: الوضوء نصف الايمان. فقال: لتتوضأ مرتين حتى تستكمل الايمان.

قال يحيى: و معنى الحديث انه تعالى سمّى الصلاة ايمانا في قوله و ما كان اللَّه ليضيع ايمانكم( ٤ ) و لا تقبل صلاة الا بطهور.

و عن الفضل بن موسى السيناني قال أبو حنيفة: من أصحابي من يبول قلتين، يردّ على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قوله: إذا كان الماء قلتين لم ينجس.

و عن يوسف بن أسباط: ردّ أبو حنيفة على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أربعمائة حديث او أكثر، قيل له: مثل ما؟ قال النبي: للفرس سهمان، و للرجل سهم، و قال

____________________

(١) البقرة: ٢٥٣.

(٢) آل عمران: ١٩.

(٣) المائدة: ٣.

(٤) البقرة: ١٤٣.

٣٣٩

أبو حنيفة: انا لا اجعل سهم بهيمة اكثر من سهم مؤمن. و اشعر النبي البدن،

و قال أبو حنيفة: الاشعار مثلة، و قال: البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، و قال أبو حنيفة: إذا وجب البيع فلا خيار، و كان النبي يقرع بين نسائه إذا أراد أن يخرج في سفر، و قال أبو حنيفة: القرعة قمار( ١) .

«أم كانوا شركاءه» هكذا في (المصرية) و الصواب: «شركاء له»، كما في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية)( ٢) .

«فلهم أن يقولوا و عليه ان يرضى» و قد قال تعالى: و ربك يخلق ما يشاء و يختار ما كان لهم الخيرة سبحان اللَّه و تعالى عما يشركون( ٣) .

«أم انزل اللَّه سبحانه» هكذا في (المصرية) و ليست الكلمة في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم)( ٤ ) «دينا تاما فقصر الرسول عن تبليغه و أدائه» و لا يمكن ذلك في حقّه «و اللَّه سبحانه يقول ما فرطنا في الكتاب من شي‏ء» و الآية ٣٨ من الأنعام.

«و قال فيه» هكذا في (المصرية) و الصواب: «و فيه»، كما في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم)( ٥ ) مع زيادة كلمة (و قال) «تبيان لكل» و هكذا في (المصرية) و الصواب: (كل) كما في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم)( ٦ ) «شي‏ء» قال تعالى:

و نزّلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شي‏ء و هدى و رحمة و بشرى للمسلمين( ٧) ،

____________________

(١)

(٢) كذا في شرح ابن أبي الحديد ١: ٢٨٨ لكن في شرح ابن ميثم ١: ٣٢٠ مثل المصرية.

(٣) القصص: ٦٨.

(٤) لفظ شرح ابن أبي الحديد ١: ٢٨٨ و شرح ابن ميثم ١: ٣٢٠ مثل المصرية.

(٥) كذا في شرح ابن أبي الحديد ١: ٢٨٨ لكن في شرح ابن ميثم ١: ٣٢٠ مثل المصرية.

(٦) كذا في شرح ابن أبي الحديد ١: ٢٨٨ لكن في شرح ابن ميثم ١: ٣٢٠ مثل المصرية.

(٧) النحل: ٨٩.

٣٤٠