بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٧

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة0%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 621

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

مؤلف: الشيخ محمد تقي التّستري
تصنيف:

الصفحات: 621
المشاهدات: 93508
تحميل: 6749


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 621 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 93508 / تحميل: 6749
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 7

مؤلف:
العربية

ناضر» إنما هو كقولهم «أصفر فاقع» و «أبيض ناصع»( ١) .

«و مع فتق» أي: شق «سمعه خط كمستدقّ القلم» أي: خط القلم الدقيق «في لون الأقحوان» أي: البابونج، و هو نبت طيب الريح حواليه ورق أبيض و وسطه أصفر «أبيض يقق» أي: شديد البياض «فهو ببياضه في سواد ما هنالك يأتلق» أي:

يلمع.

«و قلّ صبغ إلاّ و قد أخذ منه بقسط» أي: نصيب «و علاه بكثرة صقاله و بريقه و بصيص» أي: لمعان «ديباجه و رونقه فهو كالأزاهير» أي: الأنوار «المبثوثة» أي:

المنتشرة التي «لم تربّها» بفتح التاء و ضمها من ربّ ولده أو ربّاه.

ثم كأن في الكلام سقطا، و الأصل «إلاّ أنّها لم تربها» «أمطار ربيع» كالأزاهير النباتية «و لا شموس» أي: أضواء شمس «قيظ» شدة الحر في الصيف.

«و قد ينحسر» أي: يسقط «من ريشه و يعرى» أي: يصير عريانا «من لباسه فيسقط تترى» أي: واحدا بعد واحد «و ينبت» أي: ريشه «تباعا» أي: متواليا «فينحتّ» أي يتناثر أولا «من قصبه انحتات أوراق الأغصان» عن الأشجار. قدر اللَّه تعالى ذلك في الطاووس لكون ريشه زينة و حلية ينتفع و يتمتّع به الناس.

«ثم يتلاحق ناميا حتى يعود كهيئته قبل سقوطه» لئلا يبقى ذاشين.

و في (المصباح): يقال في جناح الطائر ستّ عشرة ريشة: أربعة قوادم،

و أربع خواف، و أربع مناكب، و أربع أباهر( ٢) .

«لا يخالف» لونه الأنف «سالف ألوانه و لا يقع لون في غير مكانه» لا يقع مثلا الأخضر في مكان الأحمر و الأسود في مكان الأصفر.

«و إذا تصفّحت شعرة من شعرات قصبه أرتك» من الإراءة و الكاف المفعول

____________________

(١) صحاح اللغة ٢: ٨٣٠، مادة (نضر).

(٢) المصباح المنير ١: ٣٠١، مادة (ريش).

٨١

الأول «حمرة و رديّة» و هي أحسن ألوان الحمرة، قال الجوهري: الورد الذي يشمّ، و بلونه قيل للأسد ورد، و للفرس ورد، و هو ما بين الكميت و الأشقر( ١) .

و قال الفيروز آبادي: لقب قيس بن حسّان بالورد لجماله( ٢) .

«و تارة خضرة زبرجدية» و هي أحسن ألوان الخضرة.

«و أحيانا صفرة عسجدية» و في (القاموس): العسجد الذهب و الجوهر كلّه كالدّرّ و الياقوت( ٣ ) «فكيف تصل إلى صفة هذا» أي: الطاوس ذو الخلق العجيب «عمائق الفطن» أي: الفطن العميقة، و الفطانه: الحذاقة.

«أو تبلغه قرائح» جمع القريحة، و الأصل فيها أول ماء يستنبط من البئر «العقول أو تستنظم وصفه أقوال الواصفين» أي: تجعل وصفه في نظام، و النظام الخيط الذي ينظم به اللؤلؤ.

«و أقل أجزائه قد أعجز الأوهام أن تدركه و الألسنة أن تصفه» يعني إذا عجزت الأوهام عن الدرك و الألسنة عن الوصف، لأقل أجزائه و هو شعرة من شعرات قصبه، بإراءتك لها تارة حمرة وردية و اخرى خضرة زبرجدية و ثالثة صفرة عسجدية، كيف تصل قرائح العقول إلى وصف كلّه و درك تمام أجزائه.

«فسبحان الذي» قال الجوهري: معنى «سبحان اللَّه»: التنزيه له، و نصبه على المصدر، كأنّه قال «ابرئ اللَّه من السوء براءة»( ٤) .

«بهر» أي: غلب «العقول عن وصف خلق» أي: مخلوق، و المراد به هنا الطاوس «جلاّه» أي: كشفه «للعيون فأدركته» أي: أدركت العقول ذاك الخلق

____________________

(١) صحاح اللغة ١: ٥٤٧ مادة (ورد).

(٢) لم يوجد هذه العبارة في القاموس ١: ٣٤٤ و ٣٤٥ مادة (ورد).

(٣) القاموس المحيط ١: ٣١٤ مادة (عسجد).

(٤) صحاح اللغة ١: ٣٧٣ مادة (سبح).

٨٢

«محدودا» طولا و عرضا «مكوّنا» بعد أن لم يكن «و مؤلّفا ملونا» بألوان «و أعجز الألسن عن تلخيص» أي: شرح «صفته و قعد بها» أي: بالألسن «عن تأدية نعته» أي: وصفه.

«و سبحان من أدمج» أي: لفّف «قوائم الذّرّة» في جسدها، و الذّر: أصغر النمل.

في (توحيد المفضل): تأمّل وجه الذّرّة الحقيرة الصغيرة، هل تجد فيها نقصا عمّا فيه صلاحها، فمن أين هذا التقدير و الصواب: في خلق الذرة إلاّ من التدبير القائم في صغير الخلق و كبيره؟( ١ ) «و الهمجة» أي: ذباب صغير كالبعوض يسقط على وجوه الغنم و الحمير و أعينها «إلى ما فوقها» هكذا في (المصرية) و الصواب: «إلى ما فوقهما» أي:

الذّرّة و الهمجة كما في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية)( ٢) .

«من خلق الحيتان» في (معجم البلدان): يعرف بتنيس من السمك (٧٩) صنفا البوري، البلمو، البرو، اللبب، البلس، السكس، الاران، المشموس، النسا،

الطوبان، البقسمار، الاحناس، الانكليس، المعينة، البني، الابليل، الفريص،

الدونيس، المرتنوس، الاسقملوس، النفط، الخبار، البلطي، الحجف القلارية الرخف العير التون اللت القجاج القروص الكليس الاكلس الفراخ القرقاج الزلنج اللاج الاكلت الماضي الجلاء السلاء البرقش البلك المسط القفا السور حوت الحجر البشين الشربوت البساس الرعاد المخيرة اللبس السطور الراي الليف اللبيس الا برميس الاتونس اللباء العميان المناقير القلميدس الحلبوة الرقاص القريدس الجبر هو كباره الصيح المجزع الدلينس الاشبال المساك الأبيض

____________________

(١) توحيد المفضل: ١١١.

(٢) كذا في شرح ابن أبي الحديد ٩: ٢٧٥، لكن في شرح ابن ميثم ٣: ٣٠٧ نحو المصرية.

٨٣

الزقزوق ام عبيد السلور ام الاسنان الابسارية اللجاه( ١) .

قلت: و منه الجري و المار ماهي و هما محرّمان.

في (توحيد المفضل): تأمّل خلق الحوت و مشاكلته للأمر الذي قدّر أن يكون عليه، فانّه خلق غير ذي قوائم، لأنّه لا يحتاج إلى المشي إذا كان مسكنه الماء، و خلق غير ذي ريّة لا يستطيع أن يتنفس و هو منغمس في اللجة، و جعلت له مكان القوائم أجنحة شداد يضرب بها في جانبيه كما يضرب الملاح بالمجاديف من جانبي السفينة كسي جسمه قشورا متانا متداخلة كتداخل الدروع و الجواشن لتقيه من الآفات و أعين بفضل حسّ في الشم لأن بصره ضعيف و الماء يحجبه فصار يشم الطعم من البعد البعيد فينتجعه فيتّبعه، و إلاّ فكيف يعلم به و بموضعه؟ و اعلم أنّ من فمه إلى صماخيه منافذ، فهو يعب الماء بفيه و يرسله من صماخيه فيتروح إلى ذلك كما يتروح غيره من الحيوان إلى تنسم هذا النسيم.

فكّر الآن في كثرة نسله و ما خصّ به من ذلك، فانّك ترى في جوف السمكة الواحدة من البيض ما لا يحصى كثرة، و العلّة في ذلك أن يتسع لما يغتذي به من أصناف الحيوان، فإن أكثرها يأكل السمك، حتى انّ السباع في حافات الآجام عاكفة على الماء أيضا كي ترصد السمك، فإذا مرّ بها خطفته،

فلما كانت السباع تأكل السمك، و الطير تأكل السمك، و الناس يأكلون السمك،

و السمك تأكل السمك، كان من التدبير فيه أن يكون على ما هو عليه من الكثرة، فإذا أردت أن تعرف سعة حكمة الخالق و قصر علم المخلوقين فانظر إلى ما في البحار من ضروب السمك و دواب الماء و الأصداف و الأصناف التي لا تحصى و لا يعرف منافعها إلاّ الشي‏ء بعد الشي‏ء يدركه الناس بأسباب

____________________

(١) معجم البلدان ٢: ٥٣.

٨٤

تحدث، مثل القرمز فإنّه عرف الناس صبغه، بأن كلبة تجول على شاطئ البحر فوجدت شيئا من الصنف الذي يسمى الحلزون فأكلته فاختضب خطمها بدمه، فنظر الناس إلى حسنه فاتخذوه، و أشباه هذا مما يقف الناس عليه حالا بعد حال و زمانا بعد زمان( ١ ) . «و الفيلة» من غرابة الخلقة.

في (توحيد المفضل): تأمل مشفر الفيل و ما فيه من لطيف التدبير، فانه يقوم مقام اليد في تناول العلف و الماء و ازدرادهما إلى جوفه، و لو لا ذلك لما استطاع أن يتناول شيئا من الأرض لأنّه ليست له رقبة يمدها كسائر الأنعام،

فلما عدم العنق أعين مكان ذلك بالخرطوم الطويل ليسد له فيتناول به حاجته،

فمن ذا الذي عوّضه مكان العضو الذي عدم، ما يقوم مقامه إلاّ الرؤف بخلقه،

و كيف يكون هذا بالإهمال كما قالت المعطّلة.

فإن قال قائل: فما باله لم يخلق ذا عنق كسائر الأنعام؟ قيل له: إنّ رأس الفيل و اذنيه أمر عظيم و ثقل ثقيل، فلو كان ذلك على عنق عظيم لهدّها و أوهنها، فجعل رأسه ملصقا بجسمه لكيلا يناله ما وصفناه، و خلق له مكان العنق هذا المشفر ليتناول به غذاءه، فصار مع عدم العنق مستوفيا ما فيه بلوغ حاجته.

انظر الآن كيف جعل حياء الانثى من الفيلة على خلاف ما عليه في غيرها من الأنعام في أسفل بطنها، فإذا هاجت للضّراب ارتفع و برز حتى يتمكن الفحل من ضرابه، فاعتبر كيف جعلت فيه هذه الخلة ليتهيأ للأمر الذي فيه قوام النسل و دوامه( ٢) .

«و وأى» أي: وعد «على نفسه ألاّ يضطرب» أي: يتحرّك «شبح» أي: شخص

____________________

(١) توحيد المفضل ١٢٣، و النقل بتصرف يسير.

(٢) توحيد المفضل: ١٠٣، و النقل بتصرف يسير.

٨٥

«مما أولج» أي: ادخل «فيه الروح إلاّ و جعل الحمام» بالكسر أي: الموت «موعده و الفناء غايته» أي: عاقبة أمره.

و في (الفقيه) عنهعليه‌السلام : من مشى على وجه الأرض فانّه يصير إلى بطنها، و الليل و النهار مسرعان في هدم الأعمار، و لكلّ ذي رمق قوت، و لكلّ حبّة آكل، و أنت قوت الموت، و ان من عرف الأيام لن يغفل عن الاستعداد، لن ينجو من الموت غني بماله و لا فقير لإقلاله( ١) .

هذا، و في (الكافي) عن الرضاعليه‌السلام : الطاوس مسخ، كان رجلا جميلا فكابر امرأة رجل مؤمن تحبّه فوقع بها ثم راسلته بعد، فمسخهما اللَّه تعالى طاوسين أنثى و ذكرا، و لا يؤكل لحمه و لا بيضه.

و فيه أيضا عنهعليه‌السلام أنّ الفيل كان ملكا زنّاء فمسخ.

و عن الكاظمعليه‌السلام : لا يحلّ الفيل و قد حرّم اللَّه الأمساخ و لحم ما مثّل به في صورها( ٢) .

و روى عن يعقوب الجعفري ذكر عند أبي الحسنعليه‌السلام حسن الطاوس فقال: لا يزيدك على حسن الدّيك الأبيض شي‏ء، و الدّيك أحسن صوتا من الطاوس و هو أعظم بركة، ينبّهك في مواقيت الصلاة و إنّما يدعو الطاوس بالويل لخطيئته التي ابتلي بها( ٣) .

و عن (تنبيه ورام): دخل طاوس اليماني على جعفر بن محمدعليه‌السلام فقال له: أنت طاوس؟ قال: نعم، قال: طاوس طير مشؤوم ما نزل بساحة قوم إلا آذنهم بالرحيل( ٤) .

____________________

(١) الفقيه ٤: ٢٩١ ح ٥٦.

(٢) الكافي ٦: ٢٤٥ ٢٤٧ ح ٤ و ١٤ و ١٦.

(٣) الكافي ٦: ٥٥٠ ح ٣.

(٤) تنبيه الخواطر ١: ١٥.

٨٦

هذا، و في (القاموس) طويس مخنّث كان يسمّى طاوسا فلما تخنث تسمى بطويس، و هو أول من غنّى في الإسلام، و في المثل «أشأم من طويس»،

و كان يقول إنّ امي تمشي بالنمائم بين نساء الأنصار ثم ولدتني في الليلة التي مات فيها النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى أن قال و ولدلي في يوم قتل عليّ( ١ ) . و زاد في أمثال الكرماني، انّ طويسا كان يقول:

أنا أبو عبد النعيم

أنا طاوس الجحيم

و أنا أشأم من دبب

على ظهر الحطيم

أنا حاء ثم لام

ثم قاف حشوميم(٢)

يعني الحلقم. و كان يقال لعلي بن طاوس، آل طاوس لمقاماته الجليلة و مكارمه النبيلة.

و في (تأريخ الطبري) في فتوح قتيبة في سنة (٩١) ثم مضى إلى بخارى فنزل قرية فيها بيت نار و بيت آلهة، و كان فيها طواويس فسمّوه منزل الطواويس( ٣) .

و لأبي إسحاق الصابي فيما كتب إلى أبي الفرج عبد الواحد بن نصر الملقّب ببغاء في صفة الببغاء أبيات حسنة:

أنعتها صبيحة مليحة

ناطقة باللغة الفصيحة

غدت من الأطيار باللسان

يوهمني بأنّها إنسان

تنهي إلى صاحبها الأخبارا

و تكشف الأسرار و الأستارا

سكاء إلاّ أنّها سميعة

تعيد ما تسمعه طبيعة

____________________

(١) القاموس المحيط ٢: ٢٢٧، مادة (طوس).

(٢) مجمع الأمثال ١: ٢٥٨.

(٣) تاريخ الطبري ٥: ٢٤٢ لسنة ٩١.

٨٧

و ربّما لقّبت العضيهة

فتغتدي بذيئة سفيهة

زارتك من بلادها البعيدة

و استوطنت عندك كالقعيدة

ضيف قراه الجوز و الارز

و الضيف في أبياتنا يعزّ

تراه في منقارها الخلوقي

كلؤلؤ يلقط بالعقيق

تنظر من عينين كالفصين

في النور و الظلمة بصاصين

تميس في حلّتها الخضراء

مثل الفتاة الغادة العذراء

خريدة خدورها الأقفاص

ليس لها من حبسها خلاص

تحبسها و مالها من ذنب

و إنّما تحبسها للحبّ

تلك التي قلبي بها مشغوف

كنيت عنها و اسمها معروف

نشرك فيها شاعر الزمان

و الكاتب المعروف بالبيان

و ذاك عبد الواحد بن نصر

تقيه نفسي عاديات الدهر

قول المصنف: «قال الشريف» هكذا في (المصرية) و ليس من النهج،

و إنّما هو من الشرّاح «تفسير بعض ما جاء فيها من الغريب» هكذا في (المصرية و الخطية)، و لكن في (ابن أبي الحديد) «تفسير بعض ما في هذه الخطبة من الغريب»، و لكن العجيب انه ليس البيان في (ابن ميثم) رأسا( ١) .

«يؤرّ بملاقحه» هكذا في (المصرية) و لكن في (الخطيّة) «و يؤر بملاقحه» و في (ابن أبي الحديد) «قولهعليه‌السلام و يؤر بملاقحه»( ٢) .

«الأرّ كناية عن النكاح» المفهوم منه أن النكاح ليس معناه المطابقي بل الإلتزامي «يقال أرّ المرأة يؤرها» هكذا في (المصرية و الخطية)، و في (ابن أبي

____________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ٩: ٢٧٨، و شرح ابن ميثم ٣: ٣٠٧.

(٢) شرح ابن أبي الحديد ٩: ٢٧٨.

٨٨

الحديد): يقال أرّ الرجل المرأة يؤرها( ١ ) «أي نكحها» هكذا في (المصرية) و الصواب: «إذ أنكحها» كما في (ابن أبي الحديد و الخطية)( ٢) .

«و قوله كأنّه قلع داري عنجه نوتيه» زاد ابن أبي الحديد بعد «قوله» «عليه‌السلام »( ٣ ) «القلع شراع السفينة و داري منسوب إلى دارين و هي بلدة على البحر يجلب منها الطيب».

و في (المعجم): فرضة بالبحرين يجلب اليها المسك من الهند، و النسبة إليها داري، قال الفرزدق:

كأن تريكة من ماء مزن

و داري الذكي من المدام(٤)

«و عنجة أي: عطفة، يقال عنجت الناقة كنصرت» هكذا في (المصرية) و كلمة «كنصرت» زائدة لعدم وجودها في (الخطيّة) و في (ابن أبي الحديد)( ٥) ،

و لكونه غلطا، لأن الأصل فيه كونه من باب ضرب و يأتي من باب نصر أيضا «أعنجها عنجا إذا عطفتها» و في (اللسان): عنج رأس البعير جذبه بخطامه حتى رفعه و هو راكب عليه( ٦) .

«و النوتي الملاح» و في (الصحاح): هو من كلام أهل الشام( ٧) .

«و قولهعليه‌السلام «ضفتي جفونه» أراد» ليست الكلمة في (ابن أبي الحديد)( ٨ ) و انما هي في (المصرية) «جانبي جفونه و الضفتان الجانبان» يقال ضفة النهر بالكسر لجانبه.

____________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ٩: ٢٧٨.

(٢) شرح ابن أبي الحديد ٩: ٢٧٨.

(٣) شرح ابن أبي الحديد ٩: ٢٧٨.

(٤) معجم البلدان ٢: ٤٣٢.

(٥) توجد الزيادة في شرح ابن أبي الحديد ٩: ٢٧٨.

(٦) لسان العرب ٢: ٣٢٩ مادة (غنج).

(٧) صحاح اللغة ١: ٢٦٩ مادة (نوت).

(٨) توجد الكلمة في شرح ابن أبي الحديد ٩: ٢٧٩.

٨٩

٣ - الخطبة (١٨٣) منها في صفة عجيب خلق أصناف من الحيوانات:

وَ لَوْ فَكَّرُوا فِي عَظِيمِ اَلْقُدْرَةِ وَ جَسِيمِ اَلنِّعْمَةِ لَرَجَعُوا إِلَى اَلطَّرِيقِ وَ خَافُوا عَذَابَ اَلْحَرِيقِ وَ لَكِنِ اَلْقُلُوبُ عَلِيلَةٌ وَ اَلْبَصَائِرُ مَدْخُولَةٌ أَ لاَ يَنْظُرُونَ إِلَى صَغِيرِ مَا خَلَقَ كَيْفَ أَحْكَمَ خَلْقَهُ وَ أَتْقَنَ تَرْكِيبَهُ وَ فَلَقَ لَهُ اَلسَّمْعَ وَ اَلْبَصَرَ وَ سَوَّى لَهُ اَلْعَظْمَ وَ اَلْبَشَرَ اُنْظُرُوا إِلَى اَلنَّمْلَةِ فِي صِغَرِ جُثَّتِهَا وَ لَطَافَةِ هَيْئَتِهَا لاَ تَكَادُ تُنَالُ بِلَحْظِ اَلْبَصَرِ وَ لاَ بِمُسْتَدْرَكِ اَلْفِكَرِ كَيْفَ دَبَّتْ عَلَى أَرْضِهَا وَ صُبَّتْ عَلَى رِزْقِهَا تَنْقُلُ اَلْحَبَّةَ إِلَى جُحْرِهَا وَ تُعِدُّهَا فِي مُسْتَقَرِّهَا تَجْمَعُ فِي حَرِّهَا لِبَرْدِهَا وَ فِي وِرْدِهَا لِصَدَرِهَا مَكْفُولَةٌ بِرِزْقِهَا مَرْزُوقَةٌ بِوِفْقِهَا لاَ يُغْفِلُهَا اَلْمَنَّانُ وَ لاَ يَحْرِمُهَا اَلدَّيَّانُ وَ لَوْ فِي اَلصَّفَا اَلْيَابِسِ وَ اَلْحَجَرِ اَلْجَامِسِ وَ لَوْ فَكَّرْتَ فِي مَجَارِي أَكْلِهَا فِي عُلْوِهَا وَ سُفْلِهَا وَ مَا فِي اَلْجَوْفِ مِنْ شَرَاسِيفِ بَطْنِهَا وَ مَا فِي اَلرَّأْسِ مِنْ عَيْنِهَا وَ أُذُنِهَا لَقَضَيْتَ مِنْ خَلْقِهَا عَجَباً وَ لَقِيتَ مِنْ وَصْفِهَا تَعَباً فَتَعَالَى اَلَّذِي أَقَامَهَا عَلَى قَوَائِمِهَا وَ بَنَاهَا عَلَى دَعَائِمِهَا لَمْ يَشْرَكْهُ فِي فِطْرَتِهَا فَاطِرٌ وَ لَمْ يُعِنْهُ فِي خَلْقِهَا قَادِرٌ وَ لَوْ ضَرَبْتَ فِي مَذَاهِبِ فِكْرِكَ لِتَبْلُغَ غَايَاتِهِ مَا دَلَّتْكَ اَلدَّلاَلَةُ إِلاَّ عَلَى أَنَّ فَاطِرَ اَلنَّمْلَةِ هُوَ فَاطِرُ اَلنَّخْلَةِ لِدَقِيقِ تَفْصِيلِ كُلِّ شَيْ‏ءٍ وَ غَامِضِ اِخْتِلاَفِ كُلِّ حَيٍّ وَ مَا اَلْجَلِيلُ وَ اَللَّطِيفُ وَ اَلثَّقِيلُ وَ اَلْخَفِيفُ وَ اَلْقَوِيُّ وَ اَلضَّعِيفُ فِي خَلْقِهِ إِلاَّ سَوَاءٌ وَ كَذَلِكَ اَلسَّمَاءُ وَ اَلْهَوَاءُ وَ اَلرِّيَاحُ وَ اَلْمَاءُ فَانْظُرْ إِلَى اَلشَّمْسِ وَ اَلْقَمَرِ وَ اَلنَّبَاتِ وَ اَلشَّجَرِ وَ اَلْمَاءِ وَ اَلْحَجَرِ وَ اِخْتِلاَفِ هَذَا اَللَّيْلِ وَ اَلنَّهَارِ وَ تَفَجُّرِ هَذِهِ اَلْبِحَارِ وَ كَثْرَةِ هَذِهِ اَلْجِبَالِ وَ طُولِ هَذِهِ اَلْقِلاَلِ وَ تَفَرُّقِ هَذِهِ اَللُّغَاتِ وَ اَلْأَلْسُنِ اَلْمُخْتَلِفَاتِ فَالْوَيْلُ لِمَنْ جَحَدَ

٩٠

اَلْمُقَدِّرَ وَ أَنْكَرَ اَلْمُدَبِّرَ زَعَمُوا أَنَّهُمْ كَالنَّبَاتِ مَا لَهُمْ زَارِعٌ وَ لاَ لاِخْتِلاَفِ صُوَرِهِمْ صَانِعٌ وَ لَمْ يَلْجَئُوا إِلَى حُجَّةٍ فِيمَا اِدَّعَوْا وَ لاَ تَحْقِيقٍ لِمَا أَوْعَوْا وَ هَلْ يَكُونُ بِنَاءٌ مِنْ غَيْرِ بَانٍ أَوْ جِنَايَةٌ مِنْ غَيْرِ جَانٍ وَ إِنْ شِئْتَ قُلْتَ فِي اَلْجَرَادَةِ إِذْ خَلَقَ لَهَا عَيْنَيْنِ حَمْرَاوَيْنِ وَ أَسْرَجَ لَهَا حَدَقَتَيْنِ قَمْرَاوَيْنِ وَ جَعَلَ لَهَا اَلسَّمْعَ اَلْخَفِيَّ وَ فَتَحَ لَهَا اَلْفَمَ اَلسَّوِيَّ وَ جَعَلَ لَهَا اَلْحِسَّ اَلْقَوِيَّ وَ نَابَيْنِ بِهِمَا تَقْرِضُ وَ مِنْجَلَيْنِ بِهِمَا تَقْبِضُ يَرْهَبُهَا اَلزُّرَّاعُ فِي زَرْعِهِمْ وَ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ذَبَّهَا وَ لَوْ أَجْلَبُوا بِجَمْعِهِمْ حَتَّى تَرِدَ اَلْحَرْثَ فِي نَزَوَاتِهَا وَ تَقْضِيَ مِنْهُ شَهَوَاتِهَا وَ خَلْقُهَا كُلُّهُ لاَ يُكَوِّنُ إِصْبَعاً مُسْتَدِقَّةً فَتَبَارَكَ اَللَّهُ اَلَّذِي يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي اَلسَّماواتِ وَ اَلْأَرْضِ طَوْعاً وَ كَرْهاً ٤ ١١ ١٣: ١٥ وَ يَعْنُو لَهُ خَدّاً وَ وَجْهاً وَ يُلْقِي إِلَيْهِ بِالطَّاعَةِ سِلْماً وَ ضَعْفاً وَ يُعْطِي لَهُ اَلْقِيَادَ رَهْبَةً وَ خَوْفاً فَالطَّيْرُ مُسَخَّرَةٌ لِأَمْرِهِ أَحْصَى عَدَدَ اَلرِّيشِ مِنْهَا وَ اَلنَّفَسِ وَ أَرْسَى قَوَائِمَهَا عَلَى اَلنَّدَى وَ اَلْيَبَسِ وَ قَدَّرَ أَقْوَاتَهَا وَ أَحْصَى أَجْنَاسَهَا فَهَذَا غُرَابٌ وَ هَذَا عُقَابٌ وَ هَذَا حَمَامٌ وَ هَذَا نَعَامٌ دَعَا كُلَّ طَائِرٍ بِاسْمِهِ وَ كَفَلَ لَهُ بِرِزْقِهِ وَ أَنْشَأَ اَلسَّحَابَ اَلثِّقَالَ فَأَهْطَلَ دِيَمَهَا وَ عَدَّدَ قِسَمَهَا فَبَلَّ اَلْأَرْضَ بَعْدَ جُفُوفِهَا وَ أَخْرَجَ نَبْتَهَا بَعْدَ جُدُوبِهَا قول المصنف: «منها في صفة عجيب خلق أصناف من الحيوانات» هكذا في (المصرية)، و الصواب: «من الحيوان» كما في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية)( ١ ) ، ثم المراد «بأصناف من الحيوان» النملة و الجرادة و الغراب و العقاب و الحمام و النعام.

____________________

(١) كذا في شرح ابن أبي الحديد ١٣: ٥٥، لكن في شرح ابن ميثم ٤: ١٢٩ نحو المصرية.

٩١

ثم الخطبة التي فيها العنوان مما اختلفت النسخ في محلها كما صرح به ابن ميثم، فنقلها ابن أبي الحديد و الكيذري بعد «المتقين» بخطب، و غيرهما قبل «المتقين» بخطب( ١) .

قولهعليه‌السلام «و لو فكّروا» قال الجوهري: فكّروا و أفكروا و تفكّروا بمعنى واحد( ٢) .

«في عظيم القدرة» أي: قدرته العظيمة «و جسيم النعمة» أي: نعمته الجسيمة «لرجعوا إلى الطريق» أي: طريق الحقّ «و خافوا عذاب الحريق» أي:

جهنم.

«و لكن القلوب عليلة» لهم قلوب لا يفقهون بها( ٣ ) «و البصائر مدخولة» كذهب دخله الغشّ و لهم أعين لا يبصرون بها( ٤) .

«ألا ينظرون إلى صغير ما خلق كيف أحكم خلقه» أي: جعله محكما لو لم تكن قلوبهم عليلة «و أتقن تركيبه» لو لم تكن بصائرهم مدخولة.

أو لم يتفكروا في أنفسهم ما خلق اللَّه السماوات و الأرض و ما بينهما إلاّ بالحقّ و أجل مسمّى و إنّ كثيرا من الناس بلقاء ربّهم لكافرون( ٥) .

في (الأهليلجة) في جواب المفضل في كثرة الزنادقة لعمري ما أتى الجهال من قبل ربّهم و إنّهم ليرون الدلالات الواضحات و العلامات البيّنات في خلقهم، و ما يعاينون من ملكوت السماوات و الأرض و الصنع العجيب المتقن الدال على الصانع، و لكنهم قوم فتحوا على أنفسهم أبواب المعاصي، و سهّلوا

____________________

(١) شرح ابن ميثم ٣، ٤١٣، و شرح ابن أبي الحديد ١٠: ١٣٢ و ١٣: ٥٥.

(٢) صحاح اللغة ٢: ٧٨٣ مادة (فكر).

(٣) الاعراف: ١٧٩.

(٤) المصدر السابق.

(٥) الروم: ٨.

٩٢

لها سبيل الشهوات، فغلبت الأهواء على قلوبهم و استحوذ الشيطان بظلمهم عليهم، و كذلك يطبع اللَّه على قلوب المعتدين. و العجب من مخلوق يزعم أنّ اللَّه تعالى يخفى على عباده، و هو يرى أثر الصنع في نفسه بتركيب يبهر عقله و تأليف يبطل حجّته، و لعمري لو تفكّروا في هذه الامور العظام لعاينوا من أمر التركيب البيّن و لطف التدبير الظاهر، و وجود الأشياء مخلوقة بعد أن لم تكن،

ثمّ تحولها من طبيعة إلى طبيعة و صنيعة بعد صنيعة، ما يدلّهم ذلك على الصانع، فانّه لا يخلو شي‏ء منها من أن يكون فيه أثر تدبير و تركيب يدلّ على أنّ له خالقا مدبّرا، و تأليف تدبير يهدي إلى واحد حكيم( ١) .

«و فلق» أي: شقّ «له السمع و البصر» و هو دليل كمال قدرته و حكمته «و سوّى له العظم و البشر» ظاهر الجلد و ما سوى العظم.

«انظروا إلى النملة في صغر جثتها» أي: جسدها «و لطافة هيئتها» أي:

صغرها «لا تكاد» أي: لا يقرب «تنال» أي: تصاب «بلحظ البصر» أي: دقيق النظر بمؤخّر العين «و لا بمستدرك الفكر» أي: و لا تنال خصوصيات النّملة بالفكر الذي يستدرك أشياء لا تنال بلحظ البصر.

«كيف دبّت» أي: جرت «على أرضها و صبّت على رزقها» هذه الكلمة في غاية الفصاحة، كقوله تعالى: فصبّ عليهم ربّك سوط عذاب( ٢ ) . فالأصل في الصبّ صبّ الماء، و النمل إذا استشمت بشمّها القوي ليس شمّ فوقه، صبت أنفسها عليه كصب الماء على محل حتى يغمره و لا يبصر المحل، و كذلك صب النمل أنفسها على قوت بحدّ لا يرى ذاك القوت.

«تنقل الحبة إلى جحرها» بتقديم الجيم: مسكن الحشرات تحت الأرض.

____________________

(١) نقله المجلسي في البحار ٣: ١٥٢.

(٢) الفجر: ١٣.

٩٣

قال: و لا ترى الضب بها ينجحر( ١) .

و أما الحديث العامّي «إذا حاضت المرأة حرم الجحران»( ٢ ) فتشبيه،

كقول الشاعر:

لنعم القوم في الأزمات قومي

بنو كعب إذا جحر الربيع(٣)

أي: إذا أدخل الربيع لعدم نزول المطر فيه، الناس في مساكنهم، كما تدخل الحشرات في جحراتها.

«و تعدها» بالضم من «أعده» أي: هيّأه «في مستقرها» تحت الأرض.

«تجمع في حرّها» أي: الصيف «لبردها» أي: الشتاء «و في ورودها» أي:

تجمع في ورودها جحرها أيام الشتاء «لصدرها» و خروجها أيام الصيف التي تكون الأرض يابسة.

ثم في جميع النسخ( ٤ ) «و في ورودها» لكن مقابل الصدر بفتحتين الورد بالكسر فالسكون. قال الجوهري: الورد خلاف الصدر( ٥ ) ، و قال ابن دريد:

الورد إتيان الماء ثم صار إتيان كلّ شي‏ء وردا( ٦ ) ، و قال:

ردى ردى ورد قطاة صماء

و لو أرادت ورده لاستوردا(٧)

«مكفولة برزقها» هكذا في (المصرية)، و الصواب: «مكفول» كما في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية)( ٨ ) ، فهكذا كان النهج، و لعل من جعله «مكفولة»

____________________

(١) أورده اساس البلاغة: ٥٢ مادة (جحر).

(٢) رواه ابن الأثير في النهاية ١: ٢٤٠ مادة (حجر).

(٣) أورده أساس البلاغة: ٥٢ مادة (جحر).

(٤) كذا في نهج البلاغة ٢: ١١٦، و شرح ابن ميثم ٤: ١٢٩، لكن في شرح ابن أبي الحديد ١٣: ٥٥، «وردها».

(٥) صحاح اللغة ١: ٥٤٦ مادة (وردها).

(٦) جمهرة اللغة ٣: ٤٣٣.

(٧) قريب منه أورده في اساس البلاغة: ٤٩٥، مادة (ورد).

(٨) كذا في شرح ابن أبي الحديد ١٣: ٥٥، لكن في شرح ابن ميثم ٤: ١٢٩ «مكفولة».

٩٤

أراد التصحيح حيث ان المسند اليه النملة كقوله بعد «مرزوقة بوفقها» قال الشاعر:

أما الفقير الذي كانت حلوبته

وفق العيال فلم يترك له سبد

«لا يغفلها المنّان» أي: المعطي المنعم كما في (معاني الأخبار)( ١) .

و في خبر: إذا قال العبد «يا عظيم المنّ» أعطاه اللَّه يوم القيامة أمنيته و امنية الخلائق( ٢) .

«و لا يحرمها الديّان» أي: المجازي و المكافي «و لو في الصفا» أي: الصخرة الملساء، يقال «ما تندي صفاته» «اليابس» و المراد المستحكم «و الحجر الجامس» أي: الجامد.

عن (تفسير العياشي) عن الصادقعليه‌السلام : لمّا قال يوسف للذي نجا من صاحبي سجنه «اذكرني عند ربّك» أتاه جبرئيل فضرب برجله حتى كشط له عن الأرض السابعة، فقال له: يا يوسف انظر ماذا ترى؟ قال: أرى حجرا صغيرا، ففلق الحجر، فقال: ماذا ترى؟ قال: أرى دودة صغيرة. قال: فمن رازقها؟ قال: اللَّه. قال: فإن ربّك يقول لم أنس هذه الدودة في ذاك الحجر في قعر الأرض السابعة، أظننت أنّي أنساك حتى تقول للفتى اذكرني عند ربّك،

لتلبثنّ في السجن بمقالتك هذه بضع سنين الخبر( ٣) .

و في (توحيد المفضّل): انظر الى النمل و احتشاده في جمع القوت و إعداده، فانّك ترى الجماعة منها إذا نقلت الحبّ إلى زبيتها بمنزلة جماعة من الناس ينقلون الطعام أو غيره، بل للنمل في ذلك من الجد و التشمير ما ليس

____________________

(١) قاله الصدوق في التوحيد: ٢١٢ لا معاني الاخبار.

(٢) جاء روايات قريبة منه في بحار الأنوار ٩٣: ٢٢٣ باب ١١.

(٣) تفسير العياشي ٢: ١٧٧ ح ٢٧.

٩٥

للناس مثله، أما تراهم يتعاونون على النقل كما يتعاون الناس على العمل، ثم يعمدون إلى الحبّ فيقطعونه قطعا لكيلا ينبت فيفسد عليهم، فان أصابه ندى أخرجوه فنشروه حتى يجفّ. ثم لا يتخذ النمل الزبية إلاّ في نشز من الأرض كيلا يفيض السيل فيغرقها، و كلّ هذا منه بلا عقل و لا روية بل خلقة خلق عليها لمصلحة من اللَّه عزّ و جلّ( ١) .

و في (حياة حيوان الدميري): و له في الإحتكار من الحيل ما أنّه إذا احتكر ما يخاف إنباته قسّمه نصفين، ما خلا الكسفرة فإنّه يقسمها ارباعا لما ألهم من ان كل نصف منها ينبت، و إذا خاف العفن على الحب أخرجه إلى ظاهر الأرض و نشره، و أكثر ما يفعل ذلك ليلا في ضوء القمر( ٢) .

و قال ابن أبي الحديد: قال الجاحظ: و لها مع لطافة شخصها و خفّة وزنها في الشمّ و الإسترواح ما ليس لشي‏ء فربما أكل الإنسان الجراد أو يشبهه فيسقط من يده واحدة أو صدر واحدة و ليس بقربه ذرة و لا له عهد بالذرّ في ذلك المنزل، فلا يلبث أن تقبل ذرّة قاصدة إلى تلك الجرادة فترومها و تحاول نقلها و جرها إلى جحرها، فإذا أعجزتها بعد أن تبلى عذرا مضت إلى جحرها راجعة، فلا يلبث أن يجدها قد أقبلت و خلفها كالخيط الأسود الممدود،

حتى يتعاون عليها فيحملنّها، فأعجب من صدق الشم لما لا يشمه الإنسان الجامع ثم انظر إلى بعد الهمّة، و الجرأة على محاولة نقل شي‏ء في وزن جسمها مائة مرّة بل أضعاف أضعاف المائة، و ليس شي‏ء من الحيوان يحمل ما يكون أضعاف وزنه مرارا كثيرة غيره.

و من أعاجيب الذّرّة أنّها لا تعرض لجعل و لا جرادة و لا خنفساء و لا

____________________

(١) توحيد المفضل: ١١١.

(٢) حياة الحيوان ٢: ٣٦٦.

٩٦

بنت وردان ما لم يكن بها خبل أو عقر أو قطع يد أو رجل، فإن وجدت بها من ذلك أدنى علّة و ثبت عليها حتّى لو أن حيّة بها ضربة أو خدش، ثم كانت من ثعابين مصر لو ثب عليها الذّرّ حتى يأكلها، و لا تكاد الحيّة تسلم من الذرّ إذ كان بها أدنى عقر، و قد عذّب اللَّه بالذرّ امما، و أخرج أهل قرى من قراهم، و أهل دروب من دروبهم.

و عذب عمر بن هبيرة سعيد بن عمرو الحرشي بأنواع العذاب، فقيل له ان أردت أن لا يفلح أبدا فمرهم فلينفخوا في دبره النمل، ففعلوا فلم يفلح بعدها.

و زعم البقطري أنّك لو أدخلت نملة في جحر ذرّ لأكلتها حتى تأتي عامتها.

و زعم (صاحب المنطق) أنّ الضبع تأكل النمل أكلا ذريعا، و ربما أفسدت الأرضة منازلهم و أكلت كلّ شي‏ء لهم، فلا تزال كذلك حتى ينشأ في تلك القرى النّمل فيسلّط اللَّه تعالى ذلك النمل على تلك الأرضة حتى تأتي على آخرها.

و قد زعم بعضهم أن تلك الأرضة بأعيانها تستحيل نملا، لأكل النمل لها و كان ثمامة يرى أنّ الذّرّ صغار النمل، و نحن نراه نوعا آخر كالبقر و الجواميس.

و من أسباب هلاكه نبات أجنحته، و يقتل النمل بأن يصبّ في أفواه بيوتها القطران و الكبريت الأصفر( ١) .

«و لو فكّرت في مجاري أكلها في علوها» هكذا في (المصرية) و الصواب:

«و في علوها» كما (في ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية)( ٢ ) «و سفلها» إنّما

____________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ١٣: ٥٨ ٦٣.

(٢) كذا في شرح ابن أبي الحديد ١٣: ٥٥، لكن لم توجد الواو في شرح ابن ميثم ٤: ١٢٩.

٩٧

قالعليه‌السلام «و في علوها و سفلها» لأنّها مخلوقة نصفين و بينهما اتصال.

و في (تاريخ بغداد): قال مقاتل يوما سلوني عمّا دون العرش. فقال له رجل: أرأيت النملة أمعاؤها في مقدمها أو مؤخرها، فبقي لا يدري ما يقول( ١) .

«و ما في الجوف من شراسيف» أي: أطراف الأضلاع التي تشرف على البطن «بطنها».

قال ابن أبي الحديد: الحكماء فانهم لا يثبتون للنمل شراسيف و لا أضلاعا و يجب إن صح قولهم أن يحمل كلام أمير المؤمنينعليه‌السلام على اعتقاد الجمهور و مخاطبة العرب بما تتخيّلة و تتوهمه حقّا( ٢) .

و نقل الخوئي كلام الدميري «ليس للنمل جوف ينفذ فيه الطعام و انما قوته إذا قطع الحب في استنشاق ريحه». و قال: التجربة تشهد بخلافه،

فشاهدنا كثيرا أنّ الذّرّ تجتمع على حبوبات، و تأكلها حتّى تفنيها( ٣) .

«و ما في الرأس من عينها و اذنها» قال ابن أبي الحديد: لا يثبت الحكماء للنمل آذانا بارزة عن سطوح رؤوسها. و يجب إن صحّ ذلك أن نحمل كلام أمير المؤمنينعليه‌السلام على قوّة الإحساس بالأصوات، فإنّه لا يمكن للحكماء إنكار وجود هذه القوّة للنمل( ٤) .

قلت: لو كانت لها آذان بارزة، لكانت تلد كالخفّاش.

«لقضيت من خلقها عجبا» قال ابن أبي الحديد: ذكر الحكماء من عجائب النمل أشياء: منها أنّه لا جلد له، و كذلك كلّ الحيوان المخرز، و منها أنّه لا يوجد في صقلية نمل كبار أصلا، و منها أنّ النمل بعضه ماش و بعضه طائر، و منها

____________________

(١) تاريخ بغداد ١٣: ١٦٦.

(٢) شرح ابن أبي الحديد ١٣: ٦٣.

(٣) شرح الخوئي ٥: ١٣٧، و حياة الحيوان ٢: ٣٦٦.

(٤) شرح ابن أبي الحديد ١٣: ٦٣.

٩٨

أنّ حراقة النمل إذا اضيف إليها شي‏ء من قشور البيض و ريش هدهد و علقت على العضد منعت من النوم( ١) .

و قال الخوئي: قال الدميري: و من عجائب النمل اتخاذ القرية تحت الأرض و فيها منازل و دهاليز و غرف و طبقات معلّقات تملأها حبوبا و ذخائر للشتاء، و منه ما يسمّى الذّرّ الفارسي و هو من النّمل بمنزلة الزنابير من النحل و منه ما يسمّى بنمل الأسد لأنّ مقدمه يشبه وجه الأسد و مؤخره يشبه النمل. و سمّيت النملة نملة لتنمّلها، و هو كثرة حركتها و قلّة قوائمها.

و النمل لا يتزاوج و لا يتناكح، انما يسقط منه شي‏ء حقير في الأرض فينمو حتى يصير بيظا. حتى يتكوّن منه، و يحفر قرية بقوائمه و هي ست و جعل فيها تعاريج لئلا يجري اليها المطر.

و روى الطبراني و الدارقطني: أنّه لمّا كلّم اللَّه تعالى موسىعليه‌السلام كان يبصر دبيب النّملة على الصفا في الليلة الظلماء من مسيرة عشرة فراسخ.

و قال البيهقي: كان عدي بن حاتم يفتّ الخبز لهن و يقول إنّهنّ جارات لهنّ علينا حقّ الجوار.

و يأتي في الوحش عن الفتح بن سخرب الزاهد انّه كان يفتّ الخبز لهنّ في كلّ يوم، فإذا كان يوم عاشوراء لم تأكله.

و البيض كلّه بالضاد المعجمة الابيظ النمل فإنّه بالظاء( ٢) .

قلت: لم أر من ذكره غيره، و انما في الجمهرة «البيظ» زعموا مستعمل و هو ماء الفحل و لا أدري ما صحته، و قال قوم: ماء المرأة( ٣) .

____________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ١٣: ٦٣.

(٢) شرح الخوئي ٥: ١٣٧ و ١٣٨، و حياة الحيوان ٢: ٣٦٦ و ٣٦٧.

(٣) جمهرة اللغة ١: ٣١٢.

٩٩

و في (تفسير القمي): في قوله تعالى: حتى إذا أتوا على واد النمل( ١) :

واد النمل، واد ينبت الذهب و الفضة، و قد و كلّ اللَّه به النمل لو رامه البخاتي من الإبل ما قدر عليه( ٢) .

و في (حياة حيوان الدميري): إذا سحق بيظ النمل و طلى به موضع الشعر منع إنبات الشعر، و إذا نثر بيظه بين قوم تفرّقوا شذر مذر، و من سقى منه وزن درهم لم يملك أسفله، و إن سدّت قريته بأخثاء البقر يهرب من مكانه و كذلك يفعل روث القط، و إذا سدّ جحر النمل بحجر المغناطيس مات، و إذا دقت الكراويا و جعلت في جحر النمل منعتهنّ الخروج و كذلك الكمون، و إذا صبّ ماء السداب في قرية النمل قتله، و ان علقت خرقة امرأة حائض حول شي‏ء لم يقربه النمل، و إذا أخذت سبع نملات طوال و تركتها في قارورة مملوة بدهن الزيبق و سددت رأسها و دفنتها في رمل يوما و ليلة ثم أخرج و صفى الدهن عنها ثمّ مسح به الإحليل هيّج الباه( ٣) .

هذا، و في (الكافي) عنهعليه‌السلام : يا معشر التجار الفقه ثمّ المتجر، الفقه ثمّ المتجر، الفقه ثمّ المتجر، و اللَّه للربا في هذه الامّة أخفى من دبيب النمل على الصفا( ٤) .

و روى (الخصال): أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عن قتل ستة، النحلة و النملة و الضفدع و الصرد و الهدهد إلى أن قال و أمّا النملة فانّهم قحطوا على عهد سليمان فخرجوا يستسقون فإذا هم بنملة قائمة على رجليها مادة يدها إلى السماء و هي تقول «اللّهمّ إنّا خلق من خلقك لا غنى بنا عن فضلك فارزقنا من

____________________

(١) النمل: ١٨.

(٢) تفسير القمي ٢: ١٢٦.

(٣) حياة الحيوان ٢: ٣٧٠، و النقل بتصرف يسير.

(٤) الكافي ٥: ١٥٠ ح ١.

١٠٠