أشعار النساء المؤمنات

أشعار النساء المؤمنات0%

أشعار النساء المؤمنات مؤلف:
تصنيف: دواوين
الصفحات: 163

أشعار النساء المؤمنات

مؤلف: اُمّ علي مشكور
تصنيف:

الصفحات: 163
المشاهدات: 56753
تحميل: 4709

توضيحات:

أشعار النساء المؤمنات
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 163 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 56753 / تحميل: 4709
الحجم الحجم الحجم
أشعار النساء المؤمنات

أشعار النساء المؤمنات

مؤلف:
العربية

(٣٠) زينب الكبرى

بنت أميرالمؤمنين وسيد الموحّدين عليّ بن أبي طالب سلام الله عليه.

اُمها سيدة نساء العالمين من الأوّلين والآخرين، الطهر الطاهرة فاطمة الزهراءعليها‌السلام بنت فخر الاُمة وسيدها ونبيها محمد صلّى الله عليه وآله وسلم.

وهي الصديقة الصغرى، عقيلة بني هاشم، العالمة غير المعلمة، والفهمة غير المفهمة، عاقلة لبيبة جزلة، وكانت في فصاحتها وزهدها وعبادتها كأبيها المرتضى وامها الزهراء سلام الله عليها. وامتازت بمحاسنها الكثيرة، وأوصافها الجليلة، وخصالها الحميدة ومفاخرها البارزة، وفضائلها الطاهرة.

ولدت سلام الله عليها قبل وفاة جدها صلّى الله عليه وآله وسلم بخمس سنين، وتزوجت من ابن عمها عبد الله بن جعفر، فولدت له محمداً وعلياً وعباساًً واُم كلثوم وعوناً.

حدثت عن اُمها فاطمة الزهراء سلام الله عليها، وأسماء بنت عميس، وروى عنها محمد بن عمرو، وعطاء بن السائب، وفاطمة بنت الحسينعليه‌السلام ، وجابر بن عبد الله الانصاري، وعباد العامري.

عرفت سلام الله عليها بكثرة العبادة والتهجد، شأنها في ذلك شأن أبيها وامها وجدها، وشأن أهل البيت جميعاًعليهم‌السلام . وينقل عن الإمام زين العابدينعليه‌السلام قوله: « ما رأيت عمتي تصلي الليل من جلوس إلا ليلة الحادي عشر ». أي أنها سلام الله عليها ما تركت تهجدها وعبادتها المستحبة حتى

١٢١

في تلك الليلة الحزينة التي فقدت فيها الأعزة والأحبة، ولاقت ما لاقت في ذلك اليوم من مصائب. حتى أن الحسينعليه‌السلام عندما ودع عياله وداعه الأخير يوم عاشوراء قال لها: « يا اُختاه لا تنسيني في نافلة الليل ».

ولسنا بصدد ترجمة حياة السيدة زينب سلام الله عليها، فإن ذلك خارج عن هدف وضع هذا الكتيب، ويتطلب تأليف كتاب مستقل كما فعل غير واحد من الكتّاب. بل عرفنا بها سلام الله عليها طبقاً للمنهج الذي سرنا عليه، وهو ايراد تعريف بسيط للشاعرة التي نوردها هنا.

وللعقيلة سلام الله عليها شأن أسمى من الشعر وأرفع من الأدب فهي العالمة غير المعلمة، والتي تفسر القرآن الكريم لجماعة النسوة، ولها مجلس خاص لتعليم الفقه. لكن مأساة كربلاء وما تلاها من مشاهد الحزن والأسى جعلتها تنفس عن آلامها برثاء أخيها الشهيد، ولعلها كانت تستهدف بهذه المراثي غاية أهم من الرثاء، وهي تعرية الظالمين والنيل منهم والتحريض عليهم.

قالت سلام الله عليها لما رأت رأس الحسينعليه‌السلام :

يا هلالاً لما استتم كمالا

غاله خسفه فأبدى غروبا

ما توهمت يا شقيق فؤادي

كان هذا مقدراً مكتوبا(١)

ولهاعليها‌السلام في رثائهعليه‌السلام :

على الطف السلام وساكنيه

وروح الله في تلك القباب

نفوس قدست في الأرض قدسا

وقد خلقت من النطف العذاب

مضاجع فتية عبدوا فناموا

هجوداً في الفدافد والروابي

_______________________

(١) زينب الكبرى: ١١٠.

١٢٢

علتهم في مضاجعهم كعاب

باردان منعمة رطاب

وصيرت القبور لهم قصورا

مناخاً ذات أفنية رحاب (١)

وقالت بعد خطبتها المشهورة في الكوفة:

ماذا تقولون إذ قال النبي لكم

ماذا صنعتم وأنتم آخر الاُمم

بأهل بيتي وأولادي وتكرمتي

منهم اُسارى ومنهم ضرجوا بدم

ما كان ذاك جزائي إذ نصحت لكم

أن تخلفوني بسوء في ذوي رحمي

إني لأخشى عليكم أن يحل بكم

مثل العذاب الذي أودى على إرم (٢)

وقد نسبت مثل هذه الأبيات إلى احدى بنات عقيل بن أبي طالب.

وقالت سلام الله عليها بعد أن رأت رأس الحسينعليه‌السلام :

اتشهرونا في البرية عنوة

ووالدنا أوحى إليه جليل

كفرتم برب العرش ثم نبيه

كأن لم يجئكم في الزمان رسول

_______________________

(١) أدب الطف ١: ٢٣٦.

(٢) أدب الطف ١: ٢٣٦.

١٢٣

لحاكم إله العرش يا شر أمة

لكم في لظى يوم المعاد عويل(١)

***

_______________________

الاحتجاج ٢: ٣١.

١٢٤

(٣١) السيدة سكينة (* ) بنت أبي عبدالله الإمام الحسينعليه‌السلام

أمها الرباب بنت امرئ القيس بن عدي القضاعي.

وهي الشريفة الطاهرة المطهرة، والزهرة الباسمة الناظرة. كانت سيدة نساء عصرها، وأحسنهن اخلاقاً. ذات بيان وفصاحة، ولها السيرة الجميلة، والكرم الوافر، والعقل التام. تتصف بنبل الفعال، وجميل الخصال، وطيب الشمائل. وكانت ذات عبادة وزهد، يقول عنها الإمام الحسينعليه‌السلام : « وأما سكينة فغالب عليها الاستغراق مع الله، فلا تصلح لرجل ».

وكان الامام الحسينعليه‌السلام يحبها حباً شديداً، ويقول فيها وفي اُمها الرباب الشعر، قال:

لعمرك انني لاحب داراً

تحل بها سكينة والرباب

أحبهما وابذل جل مالي

وليس للائمي فيها عتاب

__________________________________

* انظري ترجمتها في: ابصار العين في انصار الحسينعليه‌السلام : ٣٦، اُسد الغابة ٥: ٥٢١، الأعلام للزركلي ٣: ١٠٦ نقلاً عن ( المجد ٤٣٨ ونسب قريش: ٥٩ والمصارع: ٢٧٢ وخطط مبارك ٢: ٦٠ وفهرس دار الكتاب ٨: ٢٥٢ ) أعلام النساء ٢: ٢٠٢، أعيان الشيعة ٧: ٢٥٤، الأغاني ١٦: ١٦٥، أمالي الزجاج: ١٦٩، بحار الانوار ١٠: ٢٢٣، البداية والنهاية ٨: ٢١٠، تاريخ الخميس ١: ٣٠٠ تظلم الزهراء (عليه‌السلام ): ٢٢٤، تنقيح المقال ٣: ٨٠، جنة المأوى: ٢٣٢، رياحين الشريعة ٣: ٢٥٦، رياض العلماء ٥: ٤١٠، شذرات الذهب ١: ١٥٤، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٢٠: ١٥٣، العقد الفريد ٥: ١٥٥ و ١٥٩ و ٦: ٢١٨، كشف الغمة ٢: ٣٨، الكنى والألقاب ٢: ٤٢٤، مثير الأحزان: ١٠٤ وفيات الأعيان ٢: ٣٩٤.

١٢٥

ولست لهم وإن عتبوا مطيعاً

حياتي أو يعليني التراب (١)

ولم نجد من شعرها إلا أبياتاً قليلة قالتها ترثي أباها الحسينعليه‌السلام . وهذا يكذب ما نسب إليها من مجالسة الشعراء والتحكيم بينهم فلو كانت بالمستوى الشعري الذي زعموه لملأت الدنيا رياءً لأبيها، فقد ذكروا أن الخنساء كانت تقول البيت والبيتين وبعد مقتل أخويها بلغت في رثائها الغاية.

ففي أمالي الزجاج عدة أبيات قالتها سكينة ترثي اباها الحسينعليه‌السلام :

لا تعذليه فهم قاطع طرقه

فعينه بدموع ذرف غدقة

إن الحسين غداة الطف يرشقه

ريب المنون فما أن يخطئ الحدقة

بكف شر عباد الله كلهم

نسل البغايا وجيش المرق الفسقة

يا اُمة السوء هاتوا ما احتجاجكم

غداً وجلكم بالسيف قد صفقة

الويل حل بكم إلا بمن لحقه

صيرتموه لأرماح العدا درقة

يا عين فاحتفلي طول الحياة دماً

لا تبكِ ولداً و لا أهلاً ولا رفقة

لكن على ابن رسول الله فاسكبي

قيحاً ودمعا وفي أثريهما العلقة (٢)

***

_____________________________________________

(١) البداية والنهاية ٨: ٢٠٩، تذكرة الخواص ٢٣٣، الفصول المهمة: ١٨٣.

(٢) سكينة بنت الحسينعليه‌السلام للحاج علي دخيل: ٢٠ نقلا عن أمالي الزجاج: ١٦٩.

١٢٦

(٣٢) سودة بنت عمارة الهمدانية

سودة بنت عمارة بن الاشتر الهمدانية، شاعرة من شواعر العرب، ذات فصاحة وبيان، وهي من شيعة عليعليه‌السلام ، والحاضرات معه في صفين. جاهدت بلسانها وقالت كلمة الحق أمام السطان الجائر معاوية بن أبي سفيان.

قال ابن طيفور في بلاغات النساء: قال أبو موسى بن مهران: حدثني محمد بن عبيد الله الخزامي، يذكره عن الشعبي. ورواه العباس بن بكار عن محمّد بن عبيد الله، قال: استأذنت سودة بنت عمارة بن الأسك الهمدانية على معاوية فأذن لها، فلما دخلت عليه قال: هيه يا بنت الأسك ألست القائلة يوم صفين:

شمر كفعل أبيك يا بن عمارة

يوم الطعان وملتقى الأقران

واُنصر عليا والحسين ورهطه

واقصد لهند وابنها بهوان

إن الإمام أخا النبي محمد

علم الهدى ومنارة الإيمان

١٢٧

فقد الجيوش وسر أمام لوائه

قدما بأبيض صارم وسنان

قالت: أي والله ما مثلي من رغب عن الحق أو اعتذر بالكذب.

قال لها: فما حملك على ذلك؟.

قالت: حب عليعليه‌السلام ، واتباع الحق.

قال: فو الله لا أرى عليك من أثر علي شيئاً.

قالت: اُنشدك الله يا أمير المؤمنين واعادة ما مضى، وتذكار ما قد نسي.

قال: هيهات، ما مثل مقام أخيك ينسى، وما لقيت من أحد ما لقيت من قومك وأخيك.

قالت: صدق قولك، لم يكن أخي ذميم المقام ولا خفي المكان، كان والله كقول الخنساء:

وإن صخراً لتأتم الهداة به

كأنه علم في رأسه نار

قال: صدقت، لقد كان كذلك.

فقالت: مات الرأس وبتر الذنب، وبالله أسأل اعفائي مما استعفيت منه.

قال: قد فعلت ما حاجتك؟.

قالت: إنك اصبحت للناس سيدا ولأمرهم متقلدا، والله سائلك من أمرنا وما افترض عليك من حقنا، ولا تزال تقدم علينا من ينوء بعزك ويبسط بسلطانك، فيحصدنا حصد السنبل، ويدوسنا دوس البقر، ويسومنا الخسيسة، ويسلبنا الجليلة.

هذا بُسر بن أرطاة قدم علينا من قبلك، فقتل رجالي، وأخذ مالي، ولولا الطاعة لكان فينا عز ومنعة. فإما عزلته عنا فشكرناك، وإما لا فعرفناك.

١٢٨

فقال معاوية: اتهددني بقومك، لقد هممت أن أحملك على قتب(١) أشرس، فأردك إليه ينفذ حكمه فيك.

فأطرقت تبكي، ثم أنشأت تقول:

صلى الإله على جسم(٢) تضمنه

قبر فأصبح فيه العدل مدفونا

قد حالف الحق لا يبغي به ثمناً

فصار بالحق والإيمان مقرونا

قال لها معاوية: ومن ذاك؟.

قالت: علي بن أبي طالب.

قال: وما صنع بك حتى صار عندك كذلك؟.

قالت: قدمت عليه في رجل ولاه صدقتنا فكان بيني وبينه ما بين الغث(٣) والسمين، فأتيت علياًعليه‌السلام لأشكو إليه ما صنع بنا، فوجدته قائماً يصلي، فلما نظر إلي أنفتل من صلاته، ثم قال لي برأفة وتعطف: « ألك حاجة »؟ فأخبرته الخبر، فبكى ثم قال: « اللهم أنت الشاهد علي وعليهم اني لم آمرهم بظلم خلقك ولا بترك حقك ».

ثم أخرج من جيبه قطعة جلد كهيئة طرف الجراب فكتب فيها: ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ ﴿قَدْ جَاءَتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ ۖ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا

_____________________________________________

(١) القتب: الرحل الصغير على قدر السنام. لسان العرب ٢: ٦٦١ « قتب ».

(٢) في العقد الفريد: روح.

(٣) الغث: الرديء من كل شيء. لسان العرب ٣: ١٧١ « غثث ».

١٢٩

تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ (١) ﴿ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (٢) ﴿ بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ۚ وَمَا أَنَا عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ (٣) ، اذا قرأت كتابي فاحتفظ بما في يديك عن عملنا حتى يقدم عليك من يقبضه منك والسلام ﴾.

فأخذته منه، والله ما ختمه بطين ولا خزمه(٤) بخزام فقرأته.

فقال لها معاوية: لقد لمظكم(٥) ابن أبي طالب على السطان فبطيئاً ما تفطمون، ثم قال: اكتبوا لها برد مالها والعدل اليها.

قالت: ألي خاصة، أم لقومي عامة؟.

قال: وما أنت وقومك؟

قالت: هي والله اذاً الفحشاء واللؤم إن لم يكن عدلاً شاملاً، وإلا فأنا كسائر قومي.

قال: أكتبوا لها ولقومها(٦) .

وروى ذلك أيضا ابن عبد ربه - في العقد الفريد ضمن الوافدات على معاوية - عن عامر الشعبي. وفيه:

فقال معاوية: اكتبوا لها بالانصاف لها والعدل عليها.

فقالت: ألي خاصة أم لقومي عامة؟.

قال: ما أنت وقومك؟

قالت: هي والله الفحشاء واللؤم إن لم يكن عدلاً شاملاً، وإلا يسعني ما

__________________________________

(١) الأعراف: ٨٥.

(٢) العنكبوت: ٣٦.

(٣) هود: ٨٦.

(٤) خزمه: شكه وثقبه، أي: أقفله. انظر: لسان العرب ١٢: ١٧٤ « خزم ».

(٥) لمظكم: عودكم وعلمكم. لسان العرب ٧: ٤٦٢ « لمظ ».

(٦) بلاغات النساء: ٣٠.

١٣٠

يسع قومي.

قال: هيهات! لمظكم ابن أبي طالب الجرأة على السلطان، فبطيئاً ما تفطمون، وغركم قوله:

فلو كنت بوابا على باب جنة

لقلت لهمدان ادخلوا بسلام

وقوله:

ناديت همدان والابواب مغلقة

ومثل همدان سنى(١) فتحة الباب

كالهندواني(٢) لم تفلل مضاربه

وجه جميل وقلب غير وجّاب(٣)

اكتبوا لها بحاجتها(٤) .

__________________________________

(١) سنّى: سهّل. لسان العرب ١٤: ٤٠٤ « سنا ».

(٢) الهندواني: السيف اذا عمل ببلاد الهند واحكم عمله. لسان العرب ٣: ٤٣٨ « هند ».

(٣) وجاب: خائف متهيب. انظر: القاموس المحيط ١: ١٣٦، مجمع البحرين ٢: ١٧٩ « وجب ».

(٤) العقد الفريد ١: ٣٤٤. وانظر: أعلام النساء ٢: ٢٧٠، أعيان النساء: ٢٤٥، رياحين الشريعة ٤: ٣٥١.

١٣١

(٣٣) صفية بنت عبدالمطلب

ابن هاشم بن عبد مناف، عمة النبي صلّى الله عليه وآله، اُم الزبير بن العوام.

كانت أديبة فاضلة عاقلة شاعرة، فصيحة اللسان. تزوجها في الجاهلية الحارث بن حرب بن اُمية بن عبد شمس، أخو أبي سفيان، فمات عنها فتزوجها العوام بن خويلد، فولدت له الزبير وعبد الكعبة. وعاشت صفية كثيراً، وتوفيت سنة عشرين هجرية ولها من العمر ثلاث وسبعين سنة، ودفنت بالبقيع.

كانت رحمها الله من أشجع النساء في زمانها، قتلت الجاسوس اليهودي لما جبن عن قتله حسان بن ثابت. وهي التي عنفت الفارين يوم اُحد، وتقدمت تقاتل برمح لها.

روى ابن حجر في الاصابة من رواية اُم عروة بنت جعفر بن الزبير، عن جدتها صفية: إن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم لما خرج إلى الخندق جعل نساءه في أطم يقال له: فارع، وجعل معهن حسان بن ثابت.

قالت: فجاء انسان من اليهود فرقى الحصن حتى أطل علينا، فقلت لحسان، قم فاقتله.

فقال: لو كان ذلك فيّ كنت مع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم.

قالت صفية: فقمت إليه فضربته حتى قطعت رأسه، وقلت لحسان: قم فاطرح رأسه على اليهود وهم أسفل الحصن.

فقال: والله ما ذاك.

١٣٢

قالت: فأخذت رأسه فرميت به عليهم، فقالوا: قد علمنا أن هذا لم يكن ليترك أهله خلواً ليس معهم أحداً فتفرقوا.

ومن طريق حماد، عن هشام، عن أبيه: أن صفية جاءت يوم اُحد، وقد انهزم الناس وبيدها رمح تضرب في وجهوههم، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم: « يا زبير المرأة ».

وبعد أن انتهت وقعة اُحد، وقد قتل فيها حمزة بن عبد المطلب عم النبي صلّى الله عليه وآله، ومثل به، أقبلت اُخته صفية، فقال النبي صلّى الله عليه وآله لإبنها الزبير: « ردها لئلا ترى ما بأخيها حمزة »، فلقيها الزبير فأعلمها بأمر النبي صلّى الله عليه وآله، فقالت: بلغني إنه مثل بأخي وذلك في الله قليل، فما أرضانا بما كان من ذلك، لأحتسبن ولأصبرن، فأعلم الزبير النبي صلّى الله عليه وآله بذلك، فقال: « خل سبيلها »، فأتته وصلت عليه واسترجعت، وأمر رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم به فدفن.

ومن شعرها:

ألا من مبلغ عني قريشاً

ففيم الأمر فينا والامار

كنا السلف المقدم قد علمتم

ولم توقد لنا بالغدر نار

وكل مناقب الخيرات فينا

وبعض الأمر منقصة وعار

وقالت ترثي النبي صلّى الله عليه وآله وسلم:

يا عين جودع بدمع منك منحدر

ولا تملين وابكي سيد البشر

ابكي الرسول فقد هدت مصيبته

جميع قومي وأهل البدو والحضر

ولا تملي بكاك الدهر معولة

عليه ما غرد القمري في السحر

١٣٣

وقالت في رثائه صلّى الله عليه وآله وسلم:

لفقد رسول الله إذ حان يومه

فيا عيني جودي بالدموع السواجم

وقالت أيضا:

ان يوماً أتى عليك

كورت شمسه وكان مُضيئا

وقالت ترثي أباها:

أرقت لصوت نائحة بليل

على رجل بقارعة الصعيد

ففاضت عند ذلكم دموعي

على خدي كمنحدر الفريد

على رجل كريم غير وغد

له الفضل المبين على العبيد

على الفياض شيبة ذي المعالي

أبيك الخير وارث كل جود

صدوق في المواطن غير نكس

ولا شخت المقام ولا سنيد

طويل الباع أروع شيظمي

مطاع في عشيرته حميد

رفيع البيت أبلج ذي فضول

وغيث الناس في الزمن الحرود

كريم الجد ليس بذي وصوم

يروق على المسود والمسود

عظيم الحلم من نفر كرام

خضارمة ملاوثة أسود

فلو خلد امرؤ لقديم مجد

ولكن لا سبيل إلى الخلود

لكان مخلداً أخرى الليالي

لفضل المجد والحسب التليد

وتعد صفية من الراويات عن النبي صلّى الله عليه وآله، ذكرها البرقي

١٣٤

وغيره من الصاحبيات (١) .

***

_____________________________________________

(١) انظري: اُسد الغابة ٥: ٤٩٢، أعيان الشيعة ٧: ٣٩٠، الإصابة ٣٤٨، الأعلام للزركلي ٣: ٢٠٦ نقلاً عن ( ذيل المذيل ٦٩، المحبر: ١٧٢، سمط الآلي: ١١٨، رغبة الآمل ٧: ٩٦، الدرّ المنثور: ٢٦١ )، تنقيح المقال ٣: ٨١، رجال البرقي: ٨١، رياحين الشريعة ٤: ٣٤٣ و ٣٦٥، طبقات ابن سعد ٨: ٤١، معجم رجال الحديث ٢٣: ١٩٤.

١٣٥

(٣٤) ضبيعة بنت خزيمة بن ثابت

شاعرة فصيحة اللسان من المؤمنات المواليات لعليّ بن أبي طالب سلام الله عليه، رثت أباها خزيمة بن ثابت « ذا الشهادتين »، الّذي استشهد في واقعة صفين قائلة:

عيني جودي على خزيمة بالدمع

مع قتيل الأحزان يوم الفرات

قتلوا ذا الشهادتين عتواً

أدرك الله منهم بالترات

قتلوه في فتية غير عزل

يسرعون الركوب للدعوات

نصروا السيد الموفق ذا العد

ل ودانوا بذاك حتى الممات

لعن الله معشراً قتلوه

ورماهم بالخزي والآفات(١)

________________________________

(١) وقعة صفين: ٣٦٥.

١٣٦

وخزيمة - بالخاء المعجمة المضمومة، والزاي المعجمة المفتوحة، والياء المثناة من تحت الساكنة - بن ثابت بن عمارة بن الفاكهة بن ثعلبة بن ساعدة بن عامر بن عباد بن عامر الأوسي، أبو عمارة، شهد بدراً والمشاهد كلها مع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم وجعل شهادته كشهادة رجلين، لذلك سمي ذا الشهادتين، وقد شهد مع الإمام عليعليه‌السلام صفين واستشهد فيها.

وكان وجه لقبه بذي الشهادتين أن رسول الله صلّى الله عليه وآله اشترى ناقة من أعرابي، فأنكر الأعرابي البيع وطلب منه صلّى الله عليه وآله الشهود، فقال النبي صلّى الله عليه وآله: « من يشهد على انني اشتريت من هذا الأعرابي ناقة »؟ فلم يشهد أحد سوى خزيمة. فقال له النبي صلّى الله عليه وآله: « كيف شهدت يا خزيمة »؟ فقال خزيمة: يا رسول الله لقد صدقناك بخبر السماء ولم نصدقك بخبر اشتراء ناقة!، فسماه الرسول صلّى الله عليه وآله حينئذ بذي الشهادتين(١) .

***

________________________________

(١) رياحين الشريعة ٤: ٣٧٠.

١٣٧

(٣٥) عاتكة بنت عبدالمطّلب

عاتكة بنت عبد المطّلب، بن هاشم، عمّة النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، كانت شاعرة فصيحة اللسان.

قالت ترثي أباها:

أعيني جودا ولا تبخلا

بدمعكما بعد نوم النيام

أعيني واستحقرا واسكبا

وشوبا بكاءكما بالتدوام

أعيني واستخرطا واسجما

على رجل غير نكس كهام

على الجحفل الغمر في النائبات

كريم المساعي وفيّ الذمام

على شبية الحمد واري الزناد

وذي مصدق بعد ثبت المقام

وسيف لدى الحرب صمامة

ومردي المخاصم عند الخصام

وسهل الخليقة طلق اليدين

وفي عدملي صميم لهام

تبنك في باذخ بيته

رفيع الذؤابة صعب المرام(١)

***

________________________________

أعيان الشيعة ٣: ٢٤٦.

١٣٨

(٣٦) العجوز

ذكر أصحاب المقاتل أن عجوزاً حضرت واقعة الطف يوم عشوراء مع الإمام الحسينعليه‌السلام ، وشاهدت ما جرى على آل الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم من مصائب ومحن، وشاركتهم في ذلك كله. فبعد استشهاد زوجها بين يدي سيده ومولاه الإمام الحسينعليه‌السلام تقدم ولدها وفلذة كبدها ليدافع عن الحسينعليه‌السلام وعياله، ثم يستشهد دفاعاً عن دينه وعقيدته. وبعد استشهاد ولدها نراها تأخذ عموداً وتنزل إلى ساحة المعركة لتقاتل الأعداء، إلا أن الامام الحسينعليه‌السلام أرجعها إلى النساء ودعا لها.

في مقتل الحسينعليه‌السلام للخوارزمي: ثم خرج شاب قتل أبوه في المعركة، وكانت اُمه عنده فقالت: يا بُني اُخرج وقاتل بين يدي ابن رسول الله حتى تقتل. فقال: أفعل، فخرج فقال الحسين: « هذا شاب قتل أبوه في المعركة ولعل اُمه تكره خروجه ». فقال الشاب: اُمي أمرتني يا بن رسول الله، فخرج وهو يقول:

أميري حسين ونعم الأمير

سرور فؤاد البشير النذير

علي وفاطمة والداه

فهل تعلمون له من نظير

ثم قاتل وقتل وحز رأسه ورمي به إلى عسكر الحسين، فأخذت اُمه رأسه وقالت: أحسنت يا بني يا قرة عيني وسرور قلبي. ثم رمت برأس ابنها رجلاً فقتلته، وأخذت عمود خيمة وحملت على القوم وهي تقول:

١٣٩

إني عجوز في النسا ضعيفة

بالية خاوية نحيفة

أضربكم بضربة عنيفة

دون بني فاطمة الشريفة

فضربت رجلين فقتلتهما، فأمر الحسين بصرفها ودعا لها(١) .

وذكر ذلك ابن شهر آشوب في المناقب مع اختلاف يسير في الشعر(٢) .

ومن خلال مطالعتي القاصرة لم أتعرف على اسم هذه المرأة ولا اسم زوجها وولدها، لذلك سميناها بالعجوز.

***

_______________________________

(١) مقتل الحسينعليه‌السلام ٢: ٢١.

(٢) المناقب ٤: ١٠٤.

١٤٠