• البداية
  • السابق
  • 108 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 21043 / تحميل: 3835
الحجم الحجم الحجم
سلامة القرآن من التحريف

سلامة القرآن من التحريف

مؤلف:
الناشر: مركز الرسالة
العربية

( المسند ) عن أبي واقد الليثي على أنّه حديث قدسيّ(١) .

أمّا إخبار أبي موسى بأنّه كان ثمّة سورة تشبه براءة في الشدّة والطول، فلو كانت لحصل العلم بها، ولما غفل عنها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والصحابة وكُتّاب الوحي وحُفّاظه وقُرّاؤه.

الثالثة: سورتا الخلع والحفد

روي أنّ سورتي الخلع والحفد كانتا في مصحف ابن عباس وأُبي بن كعب وابن مسعود، وأنّ عمر بن الخطاب قنت بهما في الصلاة، وأنّ أبا موسى الأشعري كان يقرأهما وهما:

١ - « اللّهم إنا نستعينك ونستغفرك، ونثني عليك ولا نكفرك، ونخلع ونترك من يفجرك ».

٢ - «اللّهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك، ونخشى عذابك، إنّ عذابك بالكافرين ملحق »(٢) .

وقد حملهما الزرقاني والباقلاني والجزيري وغيرهم على الدعاء، وقال صاحب الانتصار: « إنّ كلام القنوت المروي: أنّ أُبي بن كعب أثبته في مصحفه، لم تقم الحجّة بأنّه قرآن منزل، بل هو ضرب من الدعاء، ولو كان قرآناً لنقل إلينا وحصل العلم بصحّته » إلى أن قال: « ولم يصحّ ذلك عنه، وإنّما روي عنه أنّه أثبته في مصحفه، وقد أثبت في مصحفه ما ليس

__________________

(١) مسند أحمد ٥: ٢١٩.

(٢) مناهل العرفان ١: ٢٥٧، روح المعاني ١: ٢٥.

٦١

بقرآن من دعاء أو تأويل الخ »(١) .

وقد روي هذا الدعاء في ( الدر المنثور ) والاتقان والسنن الكبرى و ( المصنّف ) وغيرها من عديد من الروايات عن ابن الضرس والبيهقي ومحمد بن نصر، ولم يُصرّحوا بكونه قرآناً(٢) .

الرابعة: آية الرجم

روي بطرق متعدّدة أنّ عمر بن الخطاب، قال: « إيّاكم أن تهلكوا عن آية الرجم والذي نفسي بيده لولا أن يقول الناس: زاد عمر في كتاب الله لكتبتها: الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتّة، نكالاً من الله، والله عزيز حكيم. فإنّا قد قرأناها »(٣) .

وأخرج ابن أشته في ( المصاحف ) عن الليث بن سعد، قال: « إنّ عمر أتى إلى زيدٍ بآية الرجم، فلم يكتبها زيد لأنّه كان وحده »(٤) .

وقد حمل ابن حزم آية الرجم في ( المحلى ) على أنّها ممّا نسخ لفظه وبقي حكمه، وهو حملٌ باطلٌ، لأنّها لو كانت منسوخة التلاوة لما جاء عمر ليكتبها في المصحف، وأنكر ابن ظفر في ( الينبوع ) عدّها ممّا نسخ تلاوةً، وقال: « لأنّ خبر الواحد لا يُثبت القرآن »(٥) .

__________________

(١) مناهل العرفان ١: ٢٦٤.

(٢) السنن الكبرى ٢: ٢١٠، المصنف لعبد الرزاق ٣: ٢١٢.

(٣) المستدرك ٤: ٣٥٩ و ٣٦٠، مسند أحمد ١: ٢٣ و ٢٩ و ٣٦ و ٤٠ و ٥٠، طبقات ابن سعد ٣: ٣٣٤، سنن الدارمي ٢: ١٧٩.

(٤) الاتقان ٣: ٢٠٦.

(٥) البرهان للزركشي ٢: ٤٣.

٦٢

وحملها أبو جعفر النحاس على السُنّة، وقال: « إسناد الحديث صحيحٌ، إلاّ أنّه ليس حكمه حكم القرآن الذي نقله الجماعة عن الجماعة، ولكنها سُنّةٌ ثابتةٌ، وقد يقول الإنسان كنتُ أقرأ كذا لغير القرآن، والدليل على هذا أنّه قال: لو لا أنّي أكره أن يقال زاد عمر في القرآن، لزدته »(١) .

الخامسة: آية الجهاد:

رُوي أنّ عمر قال لعبدالرحمن بن عوف: « ألم تجد فيما أُنزل علينا: أن جاهدوا كما جاهدتم أوّل مرّة، فأنا لا أجدها ؟ قال: أُسقطت فيما أسقط من القرآن »(٢) .

نقول: ألم يرووا في أحاديث جمع القرآن أنّ الآية تُكتَب بشهادة شاهدين من الصحابة على أنّها ممّا أنزل الله في كتابه ؟ فما منع عمر وعبدالرحمن بن عوف من الشهادة على أنّ الآية من القرآن وإثباتها فيه ؟ فهذا دليلٌ قاطعٌ على وضع هذه الرواية، وإلاّ كيف سقطت هذه الآية المدّعاة عن كُتّاب القرآن وحُفّاظه في طول البلاد وعرضها، ولم تبق إلاّ مع عمر وعبدالرحمن بن عوف ؟

السادسة: آية الرضاع:

رُوي عن عائشة أنّها قالت: « كان فيما أُنزل من القرآن: عشر رضعات معلومات يحرمن، ثم نسخن بخمس معلومات، فتوفي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

__________________

(١) الناسخ والمنسوخ: ٨.

(٢) الاتقان ٣: ٨٤، كنز العمال ٢: ٥٦٧ حديث / ٤٧٤١.

٦٣

وهنّ ممّا يقرأ من القرآن »(١) .

لقد أوّل بعض المحقّقين خبر عائشة هذا بأنّه ليس الغرض منه أنّ ذلك كان آيةً من كتاب الله، بل كان حكماً من الأحكام الشرعية التي أوحى الله بها إلى رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في غير القرآن، وأمر القرآن باتّباعها، فمعنى قولها: « كان فيما أُنزل من القرآن » كان من بين الأحكام التي أنزلها الله على رسوله وأمرنا باتّباعها في القرآن أن عشر رضعات يحرمن، ثمّ نسخ هذا الحكم بخمس رضعات معلومات يحرمن، وتوفي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهذا الحكم باقٍ لم ينسخ، فأمّا كونه منزلاً موحى به فذلك لأنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا ينطق عن الهوى، وأمّا كوننا مأمورين باتّباع ما جاء به الرسول من الأحكام فلأن الله تعالى قال:( وَمَا آتاكُم الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهاكُم عَنْهُ فَانْتَهُوا ) ( الحشر٥٩: ٧ ). وحمله البعض على أنّه ممّا نسخت تلاوته وحكمه فأبطلوه، وهذا الحمل باطلٌ على ما سيأتي بيانه. لكن بعض الشافعية والحنابلة حملوه على نسخ التلاوة، وذلك لا يصحّ لأنّ الظاهر من الحديث أنّ النسخ كان بعد وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو أمرٌ باطلٌ بالاجماع، وقد ترك العمل بهذا الحديث مالك بن أنس وهو راوي الحديث، وأحمد بن حنبل وأبو ثور وغيرهم، وقال الطحاوي والسرخسي وغيرهما ببطلانه وشذوذه وعدم صحته، ومن المتأخرين الاَُستاذ السايس وتلميذه الاَُستاذ العريض وعبدالرحمن الجزيري وابن الخطيب وغيرهم(٣) .

__________________

(١) صحيح مسلم ٢: ١٠٧٥ / ١٤٥٢، سنن الترمذي ٣: ٤٥٦، المصنف للصنعاني ٧: ٤٦٧ و ٤٧٠.

(٢) الفقه على المذاهب الأربعة ٤: ٢٥٩.

(٣) مشكل الآثار ٣: ٦ - ٨، الناسخ والمنسوخ: ١٠ - ١١، أُصول السرخسي ٢: ٧٨، فتح المنان: ٢٢٣ - ٢٣٠، التمهيد في علوم القرآن ٢: ٢٨٢، الفقه على المذاهب الاربعة ٤: ٢٥٨ - ٢٦٠.

٦٤

وهذا الحديث بلفظ « فتوفي رسول الله وهنّ ممّا يقرأ من القرآن » رواه أنس بن مالك عن عبدالله بن أبي بكر، وقد رُوي عن غيره بدون هذا اللفظ، قال أبو جعفر النحاس: « قال بعض أجلّة أصحاب الحديث: قد روى هذا الحديث رجلان جليلان أثبت من عبدالله بن أبي بكر، فلم يذكرا أنّ هذا فيه، وهما القاسم بن محمد بن أبي بكر ويحيى بن سعيد الأنصاري »(١) ، وقال الطحاوي: « هذا ممّا لا نعلم أحداً رواه كما ذكرنا غير عبدالله بن أبي بكر، وهو عندنا وهمٌ منه »(٢) .

لكنّ خلوّ الرواية من هذا اللفظ لا يصحّح كونها قرآناً يُتلى ولا ينفيه، قال صاحب المنار: « لو صحّ أنّ ذلك كان قرآناً يتلى لما بقي علمه خاصاً بعائشة، بل كانت الروايات تكثر فيه، ويعمل به جماهير الناس، ويحكم به الخلفاء الراشدون، وكل ذلك لم يكن » وقال: « إنّ ردّ هذه الرواية عن عائشة لأهون من قبولها مع عدم عمل جمهور من السلف والخلف بها »(٣) .

السابعة: آية رضاع الكبير عشراً:

رُوي عن عائشة أنَّها قالت: « نزلت آية الرجم ورضاع الكبير عشراً، ولقد كانت في صحيفة تحت سريري، فلمّا مات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتشاغلنا بموته دخل داجن فأكلها »(٤) .

__________________

(١) الناسخ والمنسوخ: ١٠ - ١١.

(٢) مشكل الآثار ٣: ٧ - ٨.

(٣) تفسير المنار ٤: ٤٧٢.

(٤) مسند أحمد ٦: ٢٦٩، المحلّى ١١: ٢٣٥، سنن ابن ماجة ١: ٦٢٥، الجامع لأحكام القرآن ١٤:

٦٥

وظاهرٌ من هذه الرواية أنّه لم يحفظ القرآن ولم يكتبه غير عائشة، وهو أمرٌ في غاية البعد والغرابة، فأين سائر الصحابة والحُفّاظ والكتبة منهم، قال السرخسي: «حديث عائشة لا يكاد يصحّ ؛ لأنّ بهذا لا ينعدم حفظه من القلوب، ولا يتعذّر عليهم به إثباته في صحيفة أُخرى، فعرفنا أنّه لا أصل لهذا الحديث »(١) . أمّا بالنسبة لآية الرجم المذكورة في الحديث فقد تقدم أنّه لا يصحّ اعتبارها قرآنا لكونها من أخبار الآحاد، وحكم الرجم من السنن الثابتة عن الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ثم إنّ هذا الحكم - في رضاع الكبير عشراً - قد انفردت به عائشة، وعارضها فيه سائر أزواج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولم تأخذ واحدة منهنّ بقولها في ذلك، وأنكره أيضاً ابن مسعود على أبي موسى الأشعري، وقال: « إنّما الرضاعة ما أنبت اللحم والدم » فرجع أبو موسى عن القول به(٢) .

الثامنة: آية الصلاة على الذين يصلون في الصفوف الأولى !

عن حميدة بنت أبي يونس، قالت: « قرأ عليّ أبي، وهو ابن ثمانين سنة، في مصحف عائشة: إنّ الله وملائكته يصلّون على النبيّ يا أيُّها الذين آمنوا صلوا عليه وسلّموا تسليماً وعلى الذين يصلون في الصفوف الأولى ». قالت: « قبل أن يغيّر عثمان المصاحف »(٣) .

وظاهر أنّ هذا من الآحاد التي لا يثبت بها قرآن، وإلاّ فكيف فات هذا

__________________

١١٣.

(١) أُصول السرخسي ٢: ٧٩.

(٢) جامع بيان العلم ٢: ١٠٥.

(٣) الاتقان ٣: ٨٢.

٦٦

عن سائر الصحابة وكُتّاب الوحي منهم وحُفّاظه وجُمّاعه، واختصت به عائشة دونهم ؟ ولو صحّ فهو روايةٌ عن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فاعتقدت عائشة كونها من القرآن فكتبتها، حيثُ روي عن البراء بن عازب أنّه قال: « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّ الله وملائكته يصلون على الصفوف الأوّل »(١) ، وروي عن عائشة أنّها قالت: « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّ الله وملائكته يصلّون على الذين يَصِلُون الصفوف »(٢) ، ولعلّه أيضاً ممّا يُكْتب في حاشية المصحف، حيث كانوا يسجّلون ما يرون له أهميةً وشأناً في حاشية مصاحفهم الخاصّة.

التاسعة: عدد حروف القرآن

أخرج الطبراني عن عمر بن الخطاب، قال: « القرآن ألف ألف وسبعة وعشرون ألف حرف »(٣) . بينما القرآن الذي بين أيدينا لا يبلغ ثلث هذا المقدار، قال الذهبي: « تفرّد محمّد بن عبيد بهذا الخبر الباطل »(٤) ، هذا فضلاً عن الاختلاف في رواية عدد الحروف، فقد روي ألف ألف وواحد وعشرون ألفاً ومئة وخمسون حرفاً، وقيل: غير ذلك، الأمر الذي يضعف الثقة بصحة صدورها.

وإذا صحّ ذلك فلعلّه من الوحي الذي ليس بقرآن كالأحاديث القدسية ؛ وقد لاحظنا في أدلّة نفي التحريف أنّه بلغ من الدقّة والتحرّي

__________________

(١) المصنف لعبد الرزاق ٢: ٤٨٤.

(٢) المستدرك ١: ٢١٤.

(٣) الاتقان ١: ٢٤٢.

(٤) ميزان الاعتدال ٣: ٦٣٩.

٦٧

في ثبت آيات القرآن أن يحمل بعض الصحابة السيف لحذف حرف واحد منه، فكيف يحذف ثلثاه ولم نجد معارضاً منهم، ولا مطالباً بتدوين ما بقي من ثلثيه ؟! هذا فضلاً عن وجود كثير من الصحابة ممّن جمع القرآن كلّه أو بعضه في عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - كما سيأتي بيانه - حفظاً في الصدور، أو تدويناً في القراطيس، فكانت القراطيس شاهدة على ما في الصدور، والصدور شاهدة على ما في القراطيس، فكيف يضيع ثلثاه في حال كهذه ؟!

وأخيراً فأنّ الملاحظ على كثير ممّا أدّعي أنّه من القرآن مخالفته لقواعد اللغة وأُسلوب القرآن الكريم وبلاغته السامية، ممّا يدل على أنّه ليس بكلام الخالق تعالى، وليست له طلاوته، ولا به حلاوته وعذوبته، وليست عليه بهجته، بل يتبّرأ من ركاكته وانحطاطه وتهافته المخلوقون، فكيف برب العالمين، وسمّو كتابه المبين ؟!

ومن أراد الاطلاع على ما ذكرناه، فليراجع مقدمة ( تفسير آلاء الرحمن )، للشيخ البلاغي ففيه مزيد بيان.

والملاحظ أيضاً أنّ قسماً منه هو من الأحاديث النبوية، أو من السُنّة والأحكام التي ظنّوها قرآناً، كما روي أنّ قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « الولد للفراش، وللعاهر الحجر » هو آية، ولا يشكّ أحدٌ في أنّه حديث. و الملاحظ أيضاً أنّ أغلبه روي بألفاظ متعدّدة وتعابير مختلفة، فلو كان قرآناً لتوحّدت ألفاظه.

٦٨

نسخ التلاوة

قسّموا النسخ في الكتاب العزيز إلى ثلاثة أقسام:

١ - نسخ الحكم دون التلاوة، وهذا هو القسم الذي نطق به محكم التنزيل، وهو المشهور بين العلماء والمفسرين، وهو أمر معقولٌ مقبولٌ، حيثُ إنّ بعض الأحكام لم ينزل دفعةً واحدةً، بل نزل تدريجياً لتألفه النفوس وتستسيغه العقول، فنسخت تلك الأحكام وبقيت ألفاظها، لأسرارٍ تربويةٍ وتشريعيةٍ يعلمها الله تعالى.

٢ - نسخ التلاوة دون الحكم، وقد مثّلوا له بآية الرجم، فقالوا: إنّ هذه الآية كانت من القرآن ثمّ نسخت تلاوتها وبقي حكمها.

٣ - نسخ التلاوة والحكم معاً، وقد مثّلوا له بآية الرضاع.

وقد تقدّم في ثنايا البحث السابق أنّ البعض حمل قسماً من الروايات الدالة على النقصان على أنّها آيات نسخت تلاوتها وبقيت أحكامها، أو نسخت تلاوةً وحكماً، وذلك تحاشياً من التسليم بها الذي يفضي إلى القول بتحريف القرآن، وفراراً من ردّها وتكذيبها الذي يؤول إلى الطعن في الكتب الصحاح والمسانيد المعتبرة، أو الطعن في الأعيان الذين نُقلت عنهم، ولا شكّ أنّ القول بالضربين الأخيرين من النسخ هو عين القول بالتحريف: وهو باطل لما يلي:

١ - يستحيل عقلاً أن يرد النسخ على اللفظ دون الحكم، لأنّ الحكم لابدّ له من لفظ يدلّ عليه، فإذا رفع اللفظ فما هو الدليل الذي يدلّ عليه ؟

٦٩

فالحكم تابع للّفظ، ولا يمكن أن يرفع الأصل ويبقى التابع.

٢ - النسخ حكم، والحكم لابدّ أن يكون بالنصّ، ولا انفكاك بينهما، ولا دليل على نسخ النصوص التي حكتها الآثار المتقدّمة وسواها، إذ لم ينقل نسخها ولم يرد في حديث عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في واحدٍ منها أنّها منسوخة، والواجب يقتضي أن يُبلّغ الاَُمة بالنسخ كما بلّغ بالنزول، وبما أنّ ذلك لم يحدث فالقول به باطل.

٣ - الأخبار التي زعم نسخ تلاوتها أخبار آحاد، ولا تقوى دليلاً وبرهاناً على حصوله، إذ صرحوا باتّفاق العلماء أجمع على عدم جواز نسخ الكتاب بخبر الواحد(١) ، ونسبه القطّان إلى الجمهور(٢)، وعلّله رحمة الله الهندي « بأنّ خبر الواحد إذا اقتضى عملاً ولم يوجد في الأدلة القاطعة ما يدلّ عليه وجب ردّه »(٣) ، بل إنّ الشافعي وأصحابه وأكثر أهل الظاهر، قد قطعوا بامتناع نسخ القران بالسُنّة المتواترة، وبهذا صرّح أحمد بن حنبل في إحدى الروايتين عنه، بل من قال بإمكان نسخ الكتاب بالسُنّة المتواترة منع وقوعه(٤) ، لذا لا تصحّ دعوى نسخ التلاوة مع بقاء الحكم أو بدونه، حتّى لو ادّعي التواتر في أخبار النسخ، فضلاً عن كونها أخبار آحاد ضعيفة الاسناد واهية المتن كما تقدّم.

٤ - أنكر بعض المعتزلة وعامة علماء الإمامية وأعلامهم الضربين

__________________

(١) الموافقات للشاطبي ٣: ١٠٦.

(٢) مباحث في علوم القرآن: ٢٣٧.

(٣) إظهار الحق ٢: ٩٠.

(٤) الاحكام للآمدي ٣: ١٣٩، أُصول السرخسي ٢: ٦٧.

٧٠

الأخيرين من النسخ واعتبروهما نفس القول بالتحريف، وكذا أنكرهما أغلب علماء ومحققي أهل السنة المتقدمين منهم والمتأخرين، وحكى القاضي أبو بكر في ( الانتصار ) عن قومٍ انكار الضرب الثاني منه(١) ، وأنكره أيضاً ابن ظفر في كتاب ( الينبوع )(٢) ، ونُقِل عن أبي مسلم « أنّ نسخ التلاوة ممنوع شرعاً »(٣) وفيما يلي بعض أقوال محققي أهل السنة في ابطال القول بنسخ التلاوة:

١ - قال الخضري: « أنا لا أفهم معنى لآيةٍ أنزلها الله تعالى لتفيد حكماً ثمّ يرفعها مع بقاء حكمها ؛ لأنّ القرآن يقصد منه إفادة الحكم والاعجاز معاً بنظمه، فما هي المصلحة في رفع آية مع بقاء حكمها ؟ إنّ ذلك غير مفهوم، وقد أرى أنّه ليس هناك ما يدعو إلى القول به »(٤) .

٢ - وقال الدكتور صبحي الصالح: « أمّا الجرأة العجيبة ففي الضربين الثاني والثالث اللذين نسخت فيهما بزعمهم آيات معينة، إمّا مع نسخ أحكامها وإمّا دون نسخ أحكامها، والناظر في صنيعهم هذا سرعان ما يكتشف فيه خطأً مركباً، فتقسيم المسائل إلى أضرب إنّما يصلح إذا كان لكلّ ضربٍ شواهد كثيرةٍ أو كافيةٍ على الأقل ليتيسّر استنباط قاعدةٍ منها، وما لعشّاق النسخ إلاّ شاهدٌ أو اثنان على كلّ من هذين الضربين، وجميع ما ذكروه منها أخبار آحاد، ولا يجوز القطع على إنزال قرآن ونسخه بأخبار

__________________

(١) البرهان في علوم القرآن ٢: ٤٧.

(٢) البرهان في علوم القرآن ٢: ٤٣.

(٣) مناهل العرفان ٢: ١١٢.

(٤) التحقيق في نفي التحريف: ٢٧٩، صيانة القرآن من التحريف: ٣٠.

٧١

آحاد لا حجّة فيها »(١) .

٣ - وقال الدكتور مصطفى زيد: « ومن ثمّ يبقى منسوخ التلاوة باقي الحكم مجرّد فرض لم يتحقّق في واقعةٍ واحدةٍ، ولهذا نرفضه، ونرى أنّه غير معقولٍ ولا مقبول »(٢) .

٤ - وقال عبد الرحمن الجزيري: « إنّ الأخبار التي جاء فيها ذكر كلمةٍ ( من كتاب الله ) على أنّها كانت فيه ونسخت في عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فهذه لا يُطلق عليها أنّها قرآن، ولا تُعطى حكم القرآن باتّفاق، ثمّ ينظر إنّ كان يمكن تأويلها بما يخرجها عن كونها قرآناً، فإنّ الإخبار بها يعطي حكم الحديث، وإن لم يمكن تأويلها فالذي أعتقده أنّها لا تصلح للدلالة على حكم شرعي، لأنّ دلالتها موقوفةٌ على ثبوت صيغتها. وصيغتها يصحّ نفيها باتّفاقٍ، فكيف يمكن الاستدلال بها ؟! فالخير كلّ الخير في ترك مثل هذه الروايات »(٣) .

٥ - وقال ابن الخطيب: « أمّا ما يدّعونه من نسخ تلاوة بعض الآيات مع بقاء حكمها، فأمر لا يقبله إنسان يحترم نفسه، ويقدّر ما وهبه الله تعالى من نعمة العقل، إذ ما هي الحكمة من نسخ تلاوة آية مع بقاء حكمها ؟ ما الحكمة من صدور قانون واجب التنفيذ ورفع ألفاظ هذا القانون مع بقاء العمل بأحكامه ؟ ويستدلّون على باطلهم هذا بإيراد آيةٍ من هذا النوع يدّعون نسخها، ويعلم الله تعالى أنّها ليست من القرآن، ولو كانت لما

__________________

(١) مباحث في علوم القرآن: ٢٦٥.

(٢) فتح المنان: ٢٢٩.

(٣) الفقه على المذاهب الأربعة ٤: ٢٦٠.

٧٢

أغفلها الصحابة ( رضوان الله عليهم ) ولدونّها السلف الصالح في مصاحفهم »(١) .

الطائفة الثانية: الروايات الدالّة على الخطأ واللحن والتغيير.

الأولى: روي عن عثمان أنّه قال: « إنّ في المصحف لحناً، وستقيّمه العرب بألسنتها. فقيل له: ألا تغيره ؟ فقال: دعوه، فإنّه لا يحلّ حراماً، ولا يحرّم حلالاً »(٢) .

حمل ابن أشتة اللحن الوارد في الحديث على الخطأ في اختيار ما هو أولى من الأحرف السبعة، وعلى أشياء خالف لفظُها رَسْمَها، وهذا الحمل غير مستقيمٍ، والأولى منه هو ترك الرواية وتكذيبها وإنكارها، كما فعل الداني والرازي والنيسابوري وابن الأنباري والآلوسي والسخاوي والخازن والباقلاني وجماعة آخرين(٣) ، حيثُ صرّحوا أنّ هذه الرواية لا يصحّ بها دليل ولا تقوم بمثلها حجّة، لأنّ إسنادها ضعيف، وفيه اضطراب وانقطاع وتخليط، ولأنّ المصحف منقولٌ بالتواتر عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلا يمكن ثبوت اللحن فيه، ثمّ إنّ ما بين الدفّتين هو كلام الله بإجماع المسلمين، ولا يجوز أن يكون كلام الله لحناً وغلطاً، وقد ذهب عامّة الصحابة وسائر علماء الاَُمّة من بعدهم إلى أنّه لفظ صحيح ليس فيه أدنى خطأ من كاتبٍ ولا من غيره، واستدلّوا أيضاً على إنكار هذه الرواية

__________________

(١) الفرقان: ١٥٧.

(٢) الاتقان ٢: ٣٢٠، ٣٢١.

(٣) تاريخ القرآن الكردي: ٦٥، التفسير الكبير ١١: ١٠٥، تفسير النيسابوري ٦: ٢٣ المطبوع في هامش تفسير الطبري، تفسير الخازن ١: ٤٢٢.

٧٣

بقولهم: إنّ عثمان جعل للناس إماماً، فكيف يرى فيه لحناً ويتركه لتقيّمه العرب بألسنتها، أو يؤخّر شيئاً فاسداً ليصلحه غيره ؟! وإذا كان الذين تولوا جمعه وكتابته لم يقيّموا ذلك - وهم الخيار وأهل اللغة والفصاحة والقدرة على ذلك - فكيف يتركون في كتاب الله لحناً يصلحه غيرهم ! ثمّ إنّ عثمان لم يكتب مصحفاً واحداً بل كتب عدة مصاحف، فلم تأتِ المصاحف مختلفة قطّ، إلاّ فيما هو من وجوه القراءات والتلاوة دون الرسم، وليس ذلك باللحن »(١) .

والذي يهوّن الخطب في هذه الرواية ومثيلاتها الآتية أنّها برواية عكرمة مولى ابن عبّاس، وكان من أعلام الضلال ودعاة السوء، وكان يرى رأي الخوارج، ويُضرب به المثل في الكذب والافتراء، حتى قدح به الأكابر وكذّبوه، أمثال ابن عمر ومجاهد وعطاء وابن سيرين ومالك بن أنس والشافعي وسعيد بن المسيب ويحيى بن سعيد، وحرّم مالك الرواية عنه، وأعرض عنه مسلم(٢) .

الثانية: روي عن ابن عباس في قوله تعالى:( حَتّى تَسْتَأنِسُوا وتُسلّموا ) ( النور ٢٤: ٢٧ ) قال: « إنّما هو ( حتّى تستأذنوا )، وأنّ الأوّل خطأٌ من الكاتب »(٣) ، والمراد بالاستئناس هنا الاستعلام، أي حتى تستعلموا من في البيت، فهذه الرواية مكذوبةٌ على ابن عباس ولا تصحّ عنه، لأنّ مصاحف الإسلام كلّها قد ثبت فيها ( حتى تَسْتَأنِسُوا ) وصحّ الإجماع فيها

__________________

(١) روح المعاني ٦: ١٣.

(٢) أُنظر وفيات الاعيان ١: ٣١٩، ميزان الاعتدال ٣: ٩٣، المغني في الضعفاء ٢: ٨٤، الضعفاء الكبير ٣: ٣٧٣، طبقات ابن سعد ٥: ٢٨٧، تهذيب الكمال ٧: ٢٦٣.

(٣) الاتقان ٢: ٣٢٧، لباب التأويل ٣: ٣٢٤، فتح الباري ١١: ٧.

٧٤

منذ عهد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإلى الآن، فلا يعوّل على مثل هذه الرواية، قال الرازي: « إعلم أنّ هذا القول من ابن عبّاس فيه نظر، لأنّه يقتضي الطعن في القرآن الذي نُقِل بالتواتر، ويقتضي صحّة القرآن الذي لم يُنْقَل بالتواتر، وفَتح هذين البابين يطرق الشكّ في كلِّ القرآن، وإنّه باطل»(١) .

وقال أبو حيان: « من روى عن ابن عبّاس أنّ قوله تعالى:( حَتّى تَسْتَأنِسوا ) خطأ أو وهمٌ من الكاتب، وأنّه قرأ( حتى تَسْتَأذِنُوا ) فهو كافرٌ في الإسلام، مُلْحِدٌ في الدين، وابن عباس بريءٌ من هذا القول(٢) .

الثالثة: روى عروة بن الزبير عن عائشة: أنّه سألها عن قوله تعالى:( لكن الراسخون في العلم ) ( النساء ٤: ١٦٢ ): ثمّ قال( والمقيمين ) ، وفي المائدة:( إنّ الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون ) ، و ( المائد ة ٥: ٦٩ )، و( إنّ هذان لساحران ) (طه ٢٠: ٦٣ ) فقالت يابن أُختي، هذا عمل الكُتّاب، أخطأوا في الكتاب(٣) .

أمّا قوله تعالى:( والمقيمين ) فانّه على العطف يكون( والمقيمون ) كما في قراءة الحسن ومالك بن دينار، والذي في المصاحف وقراءة أُبيّ والجمهور( والمقيمين ) قال سيبويه: « نُصِب على المدح، أي وأعني المقيمين » وذكر له شواهد وأمثلة من كلام العرب(٤) .

قال الآلوسي: « ولا يُلْتَفَت إلى من زعم أنّ هذا من لحن القرآن، وأنّ

__________________

(١) التفسير الكبير ٢٣: ١٩٦.

(٢) البحر المحيط ٦: ٤٤٥.

(٣) الاتقان ٢: ٣٢٠.

(٤) الكتاب ١: ٢٨٨ - ٢٩١.

٧٥

الصواب ( والمقيمون ) بالواو إذ لا كلام في نقل النظم متواتراً، فلا يجوز اللحن فيه أصلاً »(١) .

وأمّا قوله تعالى:( والصابئون ) بالرفع فهو معطوفٌ على محلّ اسم إنّ.

قال الفراء: « ويجوز ذلك إذا كان الاسم ممّا لم يتبيّن فيه الإعراب، كالمضمر والموصول، ومنه قول الشاعر:

فمن يكُ أمسى بالمدينة رحله

ف--إنّي وق-يارٌ بها لغ-ريبَ

برفع ( قيار ) عطفاً على محلّ ياء المتكلّم »(٢) وقد أجاز الكوفيون والبصريون الرفع في الآية واستدلّوا بنظائر من كلام العرب.

وقال صاحب المنار: « قد تجرأ بعض أعداء الإسلام على دعوى وجود الغلط النحوي في القرآن، وعدّ رفع ( الصابئين ) هنا من هذا الغلط، وهذا جمعٌ بين السخف والجهل، وإنّما جاءت هذه الجرأة من الظاهر المتبادر من قواعد النحو، مع جهل أو تجاهل أنّ النحو استنبط من اللغة، ولم تستنبط اللغة منه »(٣) .

وأمّا قوله تعالى:( إنّ هَذانِ لَسَاحِرانِ ) فإنّ القراءة التي عليها جمهور المسلمين هي تخفيف إن المكسورة الهمزة، فتكون مخففةٌ من الثقيلة غير عاملةٍ، ورفع ( هذان ).

__________________

(١) روح المعاني ٦: ١٣.

(٢) معاني القرآن ١: ٣١٠، مجمع البيان ٣: ٣٤٦، صيانة القرآن من التحريف: ١٨٣.

(٣) تفسير المنار ٦: ٤٧٨.

٧٦

قال الزمخشري: « إنّ هذان لساحران على قولك: إنّ زيد لمنطلق، واللام هي الفارقة بين إن النافية والمخففة من الثقيلة »(١)، وعليه فلا إشكال في هذه الآية، ولا لحن من الكُتّاب !

قال الرازي: « لما كان نقل هذه القراءة في الشهرة كنقل جميع القرآن، فلو حكمنا ببطلانها جاز مثله في جميع القرآن، وذلك يفضي إلى القدح في التواتر، وإلى القدح في كلِّ القرآن، وإنّه باطل »(٢) .

الرابعة: روي أنّ الحجاج بن يوسف غيّر في المصحف اثني عشر موضعاً، منها:

١ - كانت في سورة البقرة( لم يَتَسَنَّ ) (٢٥٩) فغيّرها( لم يَتَسَنَّه ) بالهاء.

٢ - وكانت في سورة المائدة( شريعةً ومنهاجاً ) (٤٨) فغيّرها( شِرعةً ومنهاجاً ) .

٣ - وكانت في سورة يونس( هو الذي ينشركم ) (٢٢) فغيّرها( هو الذي يسيّركم ) (٣) .

وهذه الاَمثلة، وسواها منقولةٌ من ( مصاحف السجستاني ) برواية عباد ابن صهيب(٤) ، وعباد متروك الحديث لدى أئمّة الحديث والجرح

__________________

(١) الكشاف ٣: ٧٢.

(٢) التفسير الكبير ٢٢: ٧٥.

(٣) الفرقان: ٥٠.

(٤) المصاحف: ٤٩.

٧٧

والتعديل، ومغموزٌ فيه بالكذب والاختلاق(١) .

قال السيد الخوئي: « هذه الدعوى تشبه هذيان المحمومين وخرافات المجانين والأطفال، فإنّ الحجّاج واحدٌ من ولاة بني أُمية، وهو أقصر باعاً وأصغر قدراً من أن ينال القرآن بشيءٍ، بل هو أعجز من أن يغيّر شيئاً من الفروع الإسلامية، فكيف يغير ما هو أساس الدين وقوام الشريعة ؟! ومن أين له القدرة والنفوذ في جميع ممالك الإسلام وغيرها مع انتشار القرآن فيها ؟ وكيف لم يذكر هذا الخطب العظيم مؤرخ في تاريخه، ولا ناقد في نقده مع مافيه من الأهمية، وكثرة الدواعي إلى نقله ؟ وكيف لم يتعرض لنقله واحد من المسلمين في وقته ؟ وكيف أغضى المسلمون عن هذا العمل بعد انقضاء عهد الحجاج وانتهاء سلطته ؟ وهب أنّه تمكّن من جمع نسخ المصاحف جميعها، ولم تشذّ عن قدرته نسخةٌ واحدةٌ من أقطار المسلمين المتباعدة، فهل تمكّن من إزالته عن صدور المسلمين وقلوب حفظة القرآن وعددهم في ذلك الوقت لا يحصيه إلاّ الله »(٢)، وقد بيّنا في أدلّة نفي التحريف أنّ خلفاء الصدر الأول لم يجرأوا على حذف حرفٍ منه، وقد بلغ من دقّة وتحرّي المسلمين أن يهدّدوا برفع السيف في وجه من يُقدِم على ذلك، فكيف يتمكّن الحجّاج بعد اشتهار القرآن وتعدّد نسخه وحفّاظه أن يغيّر اثني عشر موضعاً من كتاب الله على مرأى ومسمع جمهور المسلمين ومصاحفهم ؟!

الطائفة الثالثة: الروايات الدالّة على الزيادة.

__________________

(١) أُنظر المغني ٢: ٣٢٦ / ٣٠٣٧.

(٢) البيان في تفسير القرآن: ٢١٩.

٧٨

١ - روي عن عبدالرحمن بن يزيد أنّه قال: « كان عبدالله بن مسعود يحكّ المعوذتين من مصحفه، ويقول: إنّهما ليستا من كتاب الله »(١) .

٢ - وروي عن عبدالله بن مسعود أنّه لم يكتب الفاتحة في مصحفه، وكذلك أُبي بن كعب(٢) . تقدّم في معنى التحريف أنّ التحريف بالزيادة في القرآن مجمعٌ على بطلانه، لأنّه يفضي إلى التشكيك في كتاب الله المتواتر يقيناً كلمةً كلمةً وحرفاً حرفاً، ومن ينكر شيئاً من القرآن فإنّه يخرج عن الدين، والنقل عن ابن مسعود غير صحيحٍ، ومخالفٌ لما أجمع عليه المسلمون منذ عهد الرسالة وإلى اليوم من أنّ الفاتحة والمعوذتين من القرآن العزيز.

والرأي السائد بين العلماء في هاتين الروايتين هو إنكار نسبتهما إلى ابن مسعود، وقالوا: « إن النقل عنه باطل ومكذوب عليه » كما صرّح به الرازي وابن حزم والنووي والقاضي أبو بكر والباقلاني وابن عبد الشكور وابن المرتضى وغيرهم(٣)، وقال الباقلاني: « إنّ الرواية شاذّة ومولّدة »(٤) واستدلّوا على الوضع في هاتين الروايتين بما روي من قراءة عاصم عن زرّ ابن حبيش عن عبدالله بن مسعود، وفيها الفاتحة والمعوذتين، فلو كان

__________________

(١) مسند أحمد ٥: ١٢٩، الآثار ١: ٣٣، التفسير الكبير ١: ٢١٣، مناهل العرفان ١: ٢٦٨، الفقه على المذاهب الأربعة ٤: ٢٥٨، مجمع الزوائد ٧: ١٤٩.

(٢) الجامع لاحكام القرآن ٢٠: ٢٥١، الفهرست لابن النديم: ٢٩، المحاضرات ٢: ٤ / ٤٣٤، البحر الزخّار ٢٤٩.

(٣) التفسير الكبير ١: ٢١٣، فواتح الرحموت بهامش المستصفى ٢: ٩، الاتقان ١: ٧٩، البحر الزخّار ٢: ٢٤٩، المحلّى ١: ١٣.

(٤) اعجاز القرآن بهامش الاتقان ٢: ١٩٤.

٧٩

ينكر كون هذه السور من القرآن، لما قرأهما لزر بن حبيش، وطريق القراءة صحيح عند العلماء(١) .

وقيل: إنّ ابن مسعود أسقط المعوذتين من مصحفه إنكاراً لكتابتهما، لا جحداً لكونها قرآناً يُتلى، أو لأنّه سمع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يعوّذ بهما الحسن والحسينعليهما‌السلام ، فظنّ أنّهما ليستا من القرآن، فلمّا تبيّن له قرآنيتهما بعدُ، وتمَّ التواتر، وانعقد الاجماع على ذلك، كان في مقدمة من آمن بأنّهما من القرآن فقرأهما لزرّ بن حبيش، وأخذهما عاصم عن زرّ(٢) .

__________________

(١) أُنظر البرهان للزركشي ٢: ١٢٨، شرح الشفاء للقاري ٢: ٣١٥، فواتح الرحموت ٢: ٩، مناهل العرفان ١: ٢٦٩، المحلى ١: ١٣.

(٢) شرح الشفاء ٢: ٣١٥، مناهل العرفان ١: ٢٦٩.

٨٠