وقعة الجمل

وقعة الجمل22%

وقعة الجمل مؤلف:
المحقق: السيد تحسين آل شبيب الموسوي
تصنيف: متون تاريخية
الصفحات: 167

وقعة الجمل
  • البداية
  • السابق
  • 167 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 38225 / تحميل: 6358
الحجم الحجم الحجم
وقعة الجمل

وقعة الجمل

مؤلف:
العربية

١

٢

٣

٤

٥

٦

٧

٨

مقدمة تمهيدية

الحمد لله ناصر الحقّ ومخزي الباطل ، وصلى الله على نبينا محمد سيد المرسلين ، وعلى آله الاخيار المنتجبين.

ان الفتنة التي ظهرت بالبصرة بعد بيعة الامام عليّعليه‌السلام بمدة قليلة كان سببها ما احدثه طلحة والزبير من نكث بيعتهما التي بايعا بها امير المؤمنينعليه‌السلام طائعين غير مكرهين ، ثمّ خروجهما من المدينة الى مكّة يظهران العمرة ، ثمّ اجتماعهما بعائشة التي كانت تراقب الوضع السياسي عن كثب في المدينة ، ثمّ التحاق عمال عثمان الهاربين من الامصار بأموال المسلمين بهما ، وقد اجمعوا في اجتماعهم على الطلب بدم عثمان ، فأجابهم الى مرادهم الغوغاء الذين استهوتهم الفتنة.

وكان رأي الجماعة التوجه الى الشام والالتحاق بمعاوية ، لكن محاولة عبدالله بن كريز بن عامر ، عامل عثمان الهارب من البصرة ان يغير وجهة القوم الى البصرة ، باعتباره كان عاملاً لعثمان عليها ، ولعثمان فيها انصار ، بعدها قرر القوم التوجه الى البصرة بعد ان زودهم يعلى بن اميّة والي عثمان على اليمن الذي هرب أيضاً بأموالها والتحق بهم

٩

بستمائة بعير وستمائة الف درهم ، وكذلك جهزهم ابن عامر بمال كثير.

لكن لنعد الى الوراء قليلاً لنرى حقيقة هؤلاء القوم الذين يحملون الضغائن في صدورهم لآل بيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌ ، والذين اخبر بهمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌ في اكثر من موضع ، ففي رواية انس بن مالك ، قال : ان النبيّ وضع رأسه على منكبي عليّ فبكى ، فقال له : ما يبكيك يا رسول الله ؟ قال : « ضغائن في صدور اقوام لا يبدونها حتى أفارق الدنيا »(١) .

وروي ان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌ كان ذات يوم جالساً ، وحوله عليّ وفاطمة والحسن والحسين٨ ، فقال لهم : « كيف بكم إذا كنتم صرعى وقبوركم شتى ؟ فقال الحسينعليه‌السلام : أنموت موتاً أو نقتل ؟ فقال : بل تقتل يا بني ظلماً ، ويقتل أخوك ظلماً ، وتشرد ذراريكم في الارض ، فقال الحسينعليه‌السلام : ومن يقتلنا يا رسول الله ؟ قال : شرار الناس »(٢) الحديث.

وعلى الرغم من هذا كان الرسول الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌ يحذر الامة من انتهاك كرامة اهل بيته ، ويتوعد كل من يفعل بهم ذلك أن يكون مصيره النار لا محالة ، ثمّ خص جماعة منهم بالتحذير كما فعل مع الزبير حين قال له : « إنّك ستخرج عليه وانت ظالم له »(٣) ، كما حذر عائشة من أن

__________________

(١) تاريخ دمشق ( ترجمة الامام عليّ ) ٢ : ٣٢١ ـ ٣٢٧.

(٢) الارشاد ٢ : ١٣.

(٣) مروج الذهب م ٢ : ٣٧١.

١٠

تكون هي التي تنبحها كلاب الحوأب.

لكن كل تحذيرات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يعبأ بها القوم ، فكانصلى‌الله‌عليه‌وآله‌ على يقين بأن اشرار الامة ستمتهن كرامة اهل بيته ( سلام الله عليهم ) لذاصلى‌الله‌عليه‌وآله‌ اخبر علياًعليه‌السلام بأنه سيكون له يوم مع أراذل الامة ، كما في قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌ لسُهيل بن عَمرو لطلبه على ردّ من أسْلَمَ مِنْ مواليهم :

« لتنتهين يا معشر قُريش أو ليبعثَ الله عليكُم رجُلاً يضْرِبُكُمْ على تأويلِ القرآن كما ضَربتكُمْ على تنزِيلهِ ، فقال له بعضُ أصحابه : مَنْ يا رسولُ الله ؟ هُو فلانٌ ؟ قال : لا. قال : فَفُلانٌ ؟ قال : لا ، ولكنّه خاصِفُ في الحجرةِ ، فنظروا فإذا عليُّعليه‌السلام في الحُجرةِ يخصفُ نعل رسولِ اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم »(١) .

كما في قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌ للامام عليّعليه‌السلام : « تُقاتلُ يا عليُّ على تأويلِ القرآنِ ، كما قاتلتُ على تنزيلهِ »(٢) .

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌ لامير المؤمنينعليه‌السلام : « تُقاتلُ بَعْدي الناكثينَ والقاسطينَ والمارقينَ »(٣) . وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌ : « عليّ مع الحقّ والحق مع

__________________

(١) انظر : تذكرة الخواص : ٤٠ ، كشف الغمة ١ : ٣٣٥ ، اُسد الغابة ٤ : ٢٦ ، اعلام الورى : ١٨٩ ، مناقب الخوارزمي : ١٢٨ ، مجمع الزوائد ٥ : ١٨٦ ، فرائد السمطين ١ : ١٦٢.

(٢) حلية الاولياء ١ : ٦٧ ، مناقب ابن المغازلي : ٢٩٨ ، الصواعق المحرقة : ١٢٣.

(٣) مصنفات الشيخ المفيد م ١ : ٨٠.

١١

عليَّ ، اللهم أدرِ الحقّ مع عليّ حيثما دارَ »(١) .

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌ لعليعليه‌السلام : « قاتلَ اللهُ مَنْ قاتلَكَ ، وعادى مَنْ عاداك »(٢) .

اذن ما حقيقة هؤلاء الذين يقاتلون امير المؤمنينعليه‌السلام ، وما حقيقة هؤلاء الناكثين الذين امر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌ علياًعليه‌السلام بقتالهم.

نقول : النكثُ في اللغةِ ، هو نكثُ الاكسيةِ والغزل ، قريبٌ من النقضِ ، واستعير لنقض العهد ، قال الله تعالى :( وإنْ نَكَثُوا أيمَانِهم (٣) ـإذا هم ينكثون ) ، والنكثُ كالنقضِ ، والنكيثةُ كالنقيضةِ ، وكل خصلة نكث فيها القوم يقالُ لها نكيثة ، قال الشاعر : « متى يكُ أمْرٌ للنكيثةِ أشهدِ »(٤) .

وعلى هذا الاساس فكل من صفق على يد الامام عليّ بن ابي طالبعليه‌السلام بالبيعة ثمّ نكث بيعته فهو مشمول بأخبار رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌ علياً بقتاله. ولا شك أن طلحة والزبير كانا من الذين خصهما رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌ بكلمة « الناكثين » في صدر الحديث الانف الذكر.

فأين هُم من احاديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌ بحق امير المومنينعليه‌السلام ؟

__________________

(١) اعلام الورى : ١٥٩ ، تاريخ بغداد ١٤ : ٣٢١ ، المستدرك ٣ : ١٢٤.

(٢) مصنفات الشيخ المفيد م ١ : ٨١.

(٣) التوبة (٩) : ١٢.

(٤) اساس البلاغة : ٤٧٢ ، المفردات في غريب القرآن : ٥٠٤.

١٢

واين هُم من حديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌ وهو يعلن للملأ : « إن وَليتُم علياً يَسلُك بكم الطريق المستقيم »(١) .

لكن الرسول العظيم يرى كل هذه الامور من وراء ستر رقيق ، ويخبر اهل بيته وعترته بما تؤول إليه امورهم بعدهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌ ، ففي رواية عن الامام عليّعليه‌السلام ، يقول : « عهد اليّ رسول الله : ان الامة ستغدر بك »(٢) ، لذلك لم يجد الامامعليه‌السلام بداً من قتال القوم كما قال : « ما وجدتُ بداً من قتال القوم أو الكفر بما انزل الله »(٣) .

بعد هذه المقدمة القصيرة ، هل نطمئن الى ان طلحة والزبير هم حقيقةً من الذين بُشروا بالجنةِ على لسان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌ ؟ عند العودة الى احاديث الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌ في حقّ اهل بيته وما تناقله الرواة على مستوى جميع المذاهب ، والروايات التي جاءت مستفيضة ومتواترة وحسنة الاسناد ، وكذا الروايات الكثيرة المسندة في حقٍّ من نصب العداوة والبغضاء لآلهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌ .

نجد بأن حقيقة التبشير بالجنة لا اساس لها من الصحة ، وإن كان بعض فرق السنة والجماعة روجوا لهذا الحديث ، وجاءوا بتأويلات باهتة حفظا لماء الوجه ، فقالوا : إن ذلك من الاجتهاد ، وعملَ كلُّ فريق منهم على رأيه ، فكان بذلك مأجوراً وعند الله تعالى مشكوراً ، وإن كانوا

__________________

(١) تاريخ دمشق ( ترجمة الامام عليّعليه‌السلام ) ٣ : ٩٠ ـ ٩٤.

(٢) المصدر السابق ٣ : ١٤٨ ـ ١٦١.

(٣) المصدر السابق ٣ : ٢٢٠ ـ ٢٢١.

١٣

قد سفكوا فيه الدماء وبذلوا فيه الاموال(١) .

ونقول : فأيّ اجر في سفك الدماء وانتهاك المحارم ، والخروج على الامام العادل ، وشق عصا المسلمين وسرقة بيوت اموالهم ؟

فإذا كان الشك يداخلهم في قتال عليّعليه‌السلام ، فالحافظ ابن عساكر يخبرنا في روايةٍ بسندٍ عن عبيدالله بن ابي الجعد ، قال : سئل جابر بن عبدالله عن قتال عليّ ، فقال : ما يشك في قتال عليّ الا كافر(٢) .

وإذا سلّمنا بأن حديث العشرة المبشرين في الجنة صحيح ومتفق عليه ، فالامام عليّعليه‌السلام احد المبشرين بالجنة ، وطلحة والزبير هما أيضاً من المبشرين بالجنة ، فمن خلال فتنة الجمل ، فيجب ان يكون احد الطرفين المتحاربين على حقّ والآخر على باطلٍ ، فقتلى صاحب الحقّ شهداء ويدخلون الجنة ، وقتلى الباطل اشقياء ويدخلون النار ، فمن غير المعقول ان يكون كلا الطرفين على حقّ ، وتهرق في سبيلهما الدماء ، وإذا عرضنا الموضوع على الدين والعقل فأيّ منهما صاحب الحقّ والعدل ؟ وهذا مما لا يحتاج الى زيادة تفكير ، وقد جاءت الاية الكريمة مصداقاً لقوله تعالى :( يوم نحشر كل امة بإمامهم ) (٣) فيحشر قتلى عليّ مع عليّ ويستقبلهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌ ويحشر قتلى الطرف الثاني

__________________

(١) مصنفات الشيخ المفيد م ١ : ٥٨.

(٢) تاريخ دمشق ( ترجمة الامام عليّعليه‌السلام ) ٣ : ٤٢٠ ـ ١٤٣.

(٣) الاسراء (١٧) : ٧١.

١٤

امثال بني ضبة وغيرهم يتقدمهما طلحة والزبير ، والله يعلم اي زواية يشغلون ! وهو مما يعززُ قولنا كما جاء في رواية ابن المغازلي ، قال : أخبرنا احمد بن محمد بن عبد الوهاب اذناً ، عن القاضي ابي الفرج احمد بن عليّ ، قال : حدثنا أبو غانم سهل بن اسماعيل بن بلبل ، قال : حدثنا أبو القاسم الطائي ، قال : حدثنا محمد بن زكريا الغلابي ، حدثنا العبّاس بن بكار ، عن عبدالله بن المثنى ، عن عمه ثمامة بن عبدالله بن أنس ، عن ابيه ، عن جده ، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌ : « إذا كان يوم القيامة ونصب الصراط على شفير جهنم ، لم يَجُز إلا من معه كتاب ولاية عليّ بن ابي طالب »(١) .

والمعروف ان طلحة والزبير وامثالهم مزقوا هذا الكتاب وجحدوا فيه ، وجعلوه خلف ظهورهم ، فأنى لهم وعبور الصراط ؟

طلحة والزبير يؤلبان على عثمان

من المواقف التي ساهمت في زيادة حدة التوتر ما بين موقف الثوار المتشدد الذي يطالب عثمان بأصلاحات أو بخلع نفسه ، وبين عثمان الذي كان متصلباً أيضاً في مواقفه تجاه مطالبهم ، حتى شددوا عليه قبضة الحصار المفروض والذي دام أربعين يوماً ، وموقفا طلحة والربير اللذين ساهما في الوقيعة به وادى ذلك الى مقتله.

يروي الشيخ المفيد ( اعلا الله مقامه ) انه قال : ( ولما أبى عثمان ان

__________________

(١) مناقب ابن المغازلي : ٢٤٢ ، العمدة : ٣٦٩.

١٥

يخلع نفسه تولى طلحةُ والزبيرُ حصاره ، والناس معهما على ذلك ، فحصروه حصرا شديداً ، ومنعوه الماء ، فأنفذ الى عليّعليه‌السلام يقول : إنّ طلحة والزبير قد قتلاني بالعطش ، والموت بالسلاح احسن. فخرج عليّعليه‌السلام مُعتمداً على يدِ المسور بن مخرمة الزُهريِّ حتى دخل على طلحة بنِ عُبيدالله ، وهو جالس في داره يَبْري نَبْلاً وعليه قميصٌ هنديٍّ فلما رآه طلحةُ رحَّبَ به ووسع له على الوسادةِ. فقال له عليُّعليه‌السلام : « إن عثمان قد أرسل اليّ أنكم قد قتلتموهُ عطشاً وان ذلك ليس بالحَسَنُ ، والقتل بالسلاح أحْسنُ له ، وكنتُ آليتُ على نفسي أنْ لا أرُدَّ عنه أحداً بعد أهل مِصْرَ ، وأنا أحِبُ ان تُدخلوا عليه الماءَ حتى تَرَوا رأيكم فيه ». فقال طلحة : لا والله لا نعمةُ عينٍ له ، ولا نتركهُ يأكلُ ويشرب ! فقال عليّعليه‌السلام : « ما كُنتُ أظُنُّ أنْ اُكلِّمَ أحداً من قُريشٍ فيُردّني ، دَعْ ما كُنتَ فيه يا طلحة ». فقال طلحةُ : ما كُنتُ أنْتَ يا عليُّ في ذلك من شيءٍ. فقام عليٌّعليه‌السلام مغضباً ، وقال : « ستعلمُ يابن الحَضْرَميَّة(١) أكُونُ في ذلك من شيءٍ أمْ لا ! ثمّ انصرف »(٢) .

وروى أبو حُذيفةَ إسحاقُ بنُ بشر القُرشيُّ أيضاً ، قال : حدثني يزيد بن ابي زياد ، عن عبد الرحمن بن ابي ليلى ، قال : والله إنّي لأنظُرُ

__________________

(١) الحضرمية : هي ام طلحة ، وهي الصعبة بنت عبدالله بن عباد بن ربيعة بن أكبر بن مالك بن عوين بن مالك بن الخزرج بن اياد بن الصدف بن حضرموت من كندة يعرف ابوها عبدالله بالحضرمي. انظر : طبقات ابن سعد ٣ : ٢١٤ ، الاستيعاب ٢ : ٢١٩.

(٢) تاريخ الطبري ٤ : ٣٨٥ ، التمهيد والبيان : ١٥٢ ، العقد الفريد ٢ : ٢٦٧.

١٦

الى طلحةَ ، وعثمان محصور ، وهو على فرس أدْهم ، وبيدهِ الرُمْحُ يجولُ حولَ الدار ، وكأني أنْظُرُ الى بياضِ ما وراء الدِرْع(١) .

وفي رواية ابن الاثير ، قال : وقد قيل ان علياً كان عند حصر عثمان بخيبر ، فقدم المدينة والناس مجتمعون عند طلحة ، وكان ممن لهُ أثر فيه ! فلما قدم عليّ أتاه عثمان ، وقال له : أمّا بعد فإنّ لي حقّ الاسلام وحقَّ الاخاء والقرابة والصِّهر ، ولو لم يكن من ذلك شيء وكنّا في الجاهلية ، لكان عاراً على بني عبد مناف ان ينتزع أخو بني تيم ، يعني طلحة ، أمرهم ، فقال له عليّ : « سيأتيك الخبر » ، ثمّ خرج الى المسجد فرأى أسامة فتوكأ على يده حتى دخل دار طلحة ، وهو في خلوة من الناس ، فقال له : « يا طلحة ما هذا الامر الذي وقعت فيه ؟ » فقال : يا ابا الحسن بعدما مسّ الحزمُ الطبّيين. فانصرف عليّ حتى اتى بيت المال فقال : « افتحوه » فلم يجدوا المفاتيح ، فكسر الباب واعطى الناس ، فأنصرفوا من عند طلحة حتى بقي وحده ، وسُرّ بذلك عثمان ، وجاء طلحة فدخل على عثمان وقال له : يا أمير المؤمنين أردتُ امراً فحال الله بيني وبينهُ ! فقال عثمان : والله ما جئت تائباً ، ولكن جئت مغلوباً ، الله حسيبك يا طلحة(٢) .

وفي رواية اخرى ، قال عبدالله بن عبّاس بن ابي ربيعة : دخلتُ

__________________

(١) مصنفات الشيخ المفيد م ١ : ١٤٦.

(٢) الكامل في التاريخ : ٣ : ١٦٧.

١٧

على عثمان فأخذ بيدي فأسمعني كلام من على بابه ، فمنهم من يقول : ما تنتظرون به ؟ ومنهم من يقول : انظروا عسى ان يراجع. قال : فبينما نحن واقفون إذ مرّ طلحة فقال : أين ابن عديس ؟ فقام إليه فناجاه ثمّ رجع ابن عديس فقال لاصحابه : لا تتركوا أحداً يدخل على عثمان ولا يخرج من عنده. فقال لي عثمان : هذا ما أمر به طلحة ، اللهم اكفني طلحة فإنّه حمل عليّ هؤلاء وألبَهم عليّ ! والله إني لأرجو أن يكون منها صفراً وأن يُسفك دمه !(١) .

اما موقف الزبير من قضية حصار عثمان ، فهو لم يكن افضل من صاحبه كما جاء في رواية ابي حُذيفة القُرشيُّ ، عن الاعمش ، عن حبيب بن ابي ثابت ، عن ثعلبةَ بن يزيد الحمّانيِّ قال : أتيتُ الزبير ، وهو عند أحْجار الزيتِ ، فقلت له : يا با عبدالله قد حِيلَ بينَ أهل الدار وبين الماء ، فنظرَ نحوهم وقال :( وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتهُونَ كَما فُعِلَ بِأشياعِهِمْ مِنْ قَبلُ إنهُم كانُوا في شَكٍّ مُريبٍ ) (٢) .

وفي رواية ابي اسحاق قال : لما اشتدَّ بعثمان الحصارُ عمل بنو أُميّة على إخراجه ليلاً الى مكّة وعرف الناسُ ذلك فجعلوا عليه حَرَساً ، وكان على الحرس طلحة بن عبيدالله وهو أوّلُ من رمى بسهمٍ في دار عثمان ، قال : واطّلعَ عثمانُ وقد اشتدّ به الحصارُ وظمي من العطش فنادى : أيُّها

__________________

(١) المصدر السابق ٣ : ١٧٤.

(٢) سبأ : ٣٤ ، ٥٤. العقد الفريد ٤ : ٢٩٩ ، مصنفات الشيخ المفيد م ١ : ١٤٦.

١٨

الناسُ ! أسقُونا شرْبةً مِنَ الماء وأطعمونا مما رزقكُمُ الله ، فناداهُ الزبيرُ بنُ العوام يا نَعْثلُ ! لا والله ، لا تذُوقُه(١) .

وذكر ابن ابي الحديد المعتزلي ، قال ، قال أبو جعفر : وكان لعثمان على طلحة بن عُبيدالله خمسون الفاً ، فقال طلحة له يوماً : قد تهيأ مالُك فاقبضه ، فقال : هو لك معونة على مروءتك ، فلما حُصِر عثمان ، قال عليّعليه‌السلام : « أنْشُدك الله إلا كففت عن عثمان ! » فقال : لا والله حتى تُعِطي بنو أميّة الحقَّ من أنفسها. فكان عليّعليه‌السلام يقول : « لحا الله ابن الصّعبة ! أعطاهُ عثمان ما أعطاه وفعل به ما فعل ! »(٢) .

بعد هذه الاحاديث الدالة على مساهمة طلحة والزبير مساهمة فعالة ، حتى ضيّقوا الخناق عليه ، ومنعوا من دخول الماء إليه ، حتى كان يستنجد عدة مرات بالامام عليّعليه‌السلام ، فيحاول الامام على الرغم من ممانعة طلحة إيصال الماء الى عثمان. فيروي ابن الاثير في هذا الشأن : فقال عليّ لطلحة : « أريد أن تُدخل عليه الروايا ، وغضب غضباً شديداً حتى دخلت الروايا على عثمان »(٣) . حتى قتل عثمان بتحريضٍ منهم ، ثمّ بعدها يتظاهرون بالطلب بدمه الذي هم سفكوه ، بعد مبايعتهم علياًعليه‌السلام ، فأظهروا الندم ، وأثاروا الفتنة ، وجمعوا من حولهم الغوغاء ، واصحاب النفوس المريضة امثال : مروان بن الحكم ، وسعيد بن

__________________

(١) مصنفات الشيخ المفيد م ١ : ١٤٦.

(٢) شرح نهج البلاغة ٢ : ١٦١.

(٣) الكامل في التاريخ ٣ : ١٦٦.

١٩

العاص ، والوليد بن عقبة بن ابي معيط ، وعبد الله بن كريز بن عامر ، ويعلى بن اميّة ، وغيرهم من امثالهم كثير.

فما عسانا ان نقول لقومٍ جاهدوا ردّ تلك الشبهات عن تلك الزمرة الناكثة ، وما عسانا ان نقول لهم وحججهم خاوية امام وثائق التاريخ الدامغة.

وعائشة ايضاً

واما عائشة فلها النصيب الاوفر في تأليب الناس وتحريضهم على الفتك بعثمان. قال الشيخ المفيد; : ( فهو أظهرُ مما وردتْ به الاخبارُ من تأليب طلحة والزبير ، فمن ذلك ، ما رواه محمد بن إسحاق صاحبُ السيرةِ عن مشايخه ، عن حكيم بن عبداللهِ ، قال : دخلتُ يوماً بالمدينة المسجدَ ، فإذا كفّ مرتفعةٌ وصاحبُ الكفِّ يقول : ايّها الناس ! العهدُ قريب ، هاتانِ نَعْلاً رسول اللهِصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقميصُهُ ، كأنّي أرى ذلك القميصَ يَلُوحُ وأن فيكم فرعون هذه الأُمّة ، فإذا هي عائشة ، وعثمانُ يقول لها : اُسْكُتي ! ثمّ يقول للناس : إنها امرأةٌ وعَقلُها عَقْلُ النساءِ فلا تُصْغُوا الى قولها )(١) .

وروى الحسنُ بن سعدٍ قال : ( رَفَعَتْ عائشةُ ورقةً من المُصحَفِ بين عُودينِ من وراء حَجلِتها ، وعثمانُ قائمٌ ، ثمّ قالت : يا عثمانُ أقِمْ ما

__________________

(١) مصنفات الشيخ المفيد م ١ : ١٤٧.

٢٠

في هذا الكتاب ، فقال : لَتَنْتَهِنّ عمّا انت عليه أو لأُدْخِلَنَّ عليكِ جَمْرَ النار ! فقالت له عائشة : أما والله ، لئن فلعتَ ذلك بنساء النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليلعنكَ الله ورسولُهُ ! وهذا قميصُ رسول الله لم يتغيّر وقد غَيَّرْتَ سُنَّتهُ يا نَعْثلُ(١) !

وروى ليث بنُ ابي سُليم ، عن ثابت الانصاري ، عن ابن ابي عامر مولى الانصار ، قال : كُنتُ في المسجد فمرّ عثمانُ فنادتهُ عائشةُ : يا غُدرُ ! يا فُجَرُ ! أخْفَرتَ أمانتك ، وضيَّعتَ رعيَّتك ، ولولا الصلواتُ الخمس لمشى اليك الرجالُ حتى يَذبحُوكَ ذبْحَ الشاةِ !

فقال عثمانُ :( ضَرَبَ الله مثلاً للذينَ كَفروا امرَأةَ نُوحٍ وامرَأةَ لُوطٍ كانتا تحتَ عَبْدَين مِن عِبادنا صالحينِ فَخَانتاهُما فلَم يُغنيا عنهُما مِنَ اللهِ شَيْئاً وقيلَ ادخُلا النارَ مع الدّاخلين ) (٢) .

هذه بعض الاحاديث اقتصرنا عليها في بيان موقف السيدة عائشة من مسألة الثورة على عثمان التي ادت الى مصرعه.

لكن لماذا هذا الانقلاب المفاجئ للسيدة عائشة بعد قتل عثمان ، وتولي امير المؤمنينعليه‌السلام لمقاليد الخلافة ؟ حتى صارت تجمع رؤوس

__________________

(١) انظر المصدر السابق م ١ : ١٤٧.

« وكان اعداء عثمان يسمونه نعثلاً ، تشبيهاً برجل من مصر ، كان طويل اللحية اسمه نعثل ، وقيل النعثل : الشيخ الاحمقُ ). انظر : النهاية ٥ : ٨٠.

(٢) التحريم : ٦٦. وانظر : الفتوح م ١ : ٤١٩ ، الايضاح : ١٤١.

٢١

الشقاق من حولها ، وتعبئ الجيوش لمخالفة الامام واظهار الفتنة ، وتكتب الرسائل الى بعض الشخصيات تطالبهم بنقض البيعة والالتحاق بها مع من تجمع حولها من المنافقين والاشرار تطالب بدم عثمان ، وكانت قبل سماعها تولي الامام امير المؤمنين الخلافة فرحة مسرورة تود لو ان طلحة أو الزبير تولّيا هذا الامر من بعد عثمان. يُذكر انه لما قتل عثمان بن عفان خرج النُعاة الى الآفاق ، فلما وصل بعضهم الى مكّة سمعت بذلك عائشة فاستبشرتْ بقتله وقالت : قتلتهُ اعماله ، إنه احرق كتاب الله ، وامات سنة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقتله الله ، قالت : وَمَنْ بايع الناسُ ؟ فقال لها الناعي : لم ابْرَحْ من المدينةِ حتى أخذ طلحةُ بن عبيدالله نعاجاً لعثمان ، وعَمَل مفاتيح لابواب بيت المال ، ولا شكَّ ان الناس قد بايعُوهُ. فقالت : ايهاً ذا الاصبع ! قد وجدوك لها كافياً وبها مُحْسِناً. ثمّ قالت : شُدُّوا رحلي فقد قضيتُ عُمرتي لأتوجه الى منزلي. فلما شُدَّ رحلها واستوت على مركبها سارتْ حتى بلغت سَرِفاً(١) ـ موضع معروف بهذا الاسم ـ لقيها عبيد بنُ اُمِّ كلاب(٢) ، فقالت له : ما الخبر ؟ فقال : قُتِلَ عُثمان. فقالت : قُتِلَ نعْثَلُ ؟ فقال : قُتِلَ نعثل ! فقالت : خبِّرني عن قصّته وكيف كان أمرُهُ ؟ فقال : لما احاط الناسُ بالدار وبه رأيتُ طلحة بن عُبيدالله قد غَلبَ على الامر ، واتخذ مفاتيح

__________________

(١) سَرِف : بفتح اوله وكسر ثانيه ، على ستة اميال من مكّة من طريق مرّ.

معجم ما استعجم م ١ : ٧٣٥.

(٢) في الكامل في التاريخ ٣ : ٢٠٦ عبيد بن ابي سلمة ، وهو ابن ام كلاب.

٢٢

على بيوتِ الاموال والخزائن ، وتهيّأ ليُبايَعَ له ، فلما قُتِلَ عثمانَ مالَ الناسُ الى عليّ بن ابي طالبعليه‌السلام ، ولم يَعْدلُوا به طلحة ولا غيرهُ ، وخرجوا في طلب علي يقدُمُهُم الاشتر ، ومحمدُ بنُ ابي بكر ، وعمارُ بن ياسر حتى أتوا علياًعليه‌السلام وهو في بيتٍ سَكَنَ فيه ، فقالوا له : بايَعْنا على الطاعة لك ، فتلكأ ساعةً ، فقال الاشترُ : يا عليُّ إنّ الناس لا يعدلُونَ بك غيرك ، فبايعْ قبلْ ان تختلف الناسُ ، قال : وفي الجماعة طلحةُ والزبيرُ فظننتُ أنْ سيَكون بينَ طلحة والزبير وعليٍّ كلامٌ قبل ذلك ، فقال الاشترُ لطلحة : قُمْ يا طلحةُ فبايعْ ، قُمْ يا زبيرُ فبايعْ ، فما تنتظران ؟

فقاما فبايَعا وأنا أرى أيْديهُما على يدِهِ يصفقانِها ببيعته ، ثمّ صَعَد عليُّ بنُ ابي طالبعليه‌السلام المنبر فتكلّم بكلام لا احفظه ، إلا أنّ الناسَ بايُعوهُ يومئذٍ على المنبر وبايُعوهُ من الغدِ ، فلمّا كان اليومُ الثالثُ خرجتُ ولا أعْلَمْ ما جَرى بعدي.

فقالت : يا اخا بني بَكْرٍ ، انتَ رأيت طلحةَ بايعَ عليّاً ؟ فقلتُ : إي والله ، رأيتهُ بايعهُ ، وما قلتُ إلا ما رأيتُ ، طلحةُ والزبيرُ أوّلُ من بايعهُ. فقالت : إنا لله ! أُكْره ـ والله ـ الرجلُ ، وغصبَ عليُّ بنُ ابي طالب أمْرَهم وقُتلَ خليفةُ اللهِ مظلوماً ! رُدَّوا بغالي ، رُدُّوا بغالي. فرجعتْ الى مكَّةَ ، قال : وسِرْتُ معها فجعلتْ تسألني في المسير وجعلتُ أخبرها بما كان ، فقالت لي : هذا بعدي وما كُنْتُ أظنُّ أنّ الناسَ يَعْدلُون عن طلحةَ مع بلائِهِ يومَ اُحُد.

قلتُ : فإنْ كان بالبلاءِ فصاحِبُهُ الذي بُويعَ أشَدُّ بلاءً وعناءً.

٢٣

فقالت : يا أخا بني بَكْرٍ لم أسألك غير هذا. فإذا دخلت مكّةَ وسألك الناسُ : ما رَدَّ اُم المؤمنين ؟ فَقُلْ : القيامُ بدَم عثمانَ والطلبُ بهِ !

وجاءَها يَعْلَىَ بْنُ مُنْيَةَ ، فقال لها : قد قُتِلَ خليفتُكِ الذي كُنْتِ تُحرّضينَ على قَتْلِهِ. فقالت : بَرئتُ الى اللهِ من قاتلِه. فقال لها : الآن ! ثمّ قال لها : أظْهري البراءَة ثانياً مِنْ قاتِلهِ. قال : فخرجتْ الى المسجدِ فجعلتْ تَتَبرَّأُ مِمَّنْ قَتلَ عثمانَ(١) .

لكن السيدة لم تزل مبغضةً وماقتةً لعليعليه‌السلام منذ قصة الذين رموها بصفوان بن المعطل ، وما كان منها في غزوة بني المصطلق وهجر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، واستشارته في امرها أُسامة بن زيد ، وذكر له

__________________

(١) انظر : الفتوح م ١ : ٤٣٤ ، الشافي ٤ : ٣٥٧ ، مصنفات الشيخ المفيد م ١ : ١٦١ و ١٦٢ و ١٦٣.

قال ابن الاثير في الكامل ٣ : ٢٠٦ : فانصرفت الى مكّة وهي تقول : قتل والله عثمان مظلوماً ، والله لاطلبن بدمه ! فقال لها : ولِمَ ؟ والله إنّ أوّل من أمال حرفه لأنتِ ، ولقد كنت تقولين : اقتلوا نعثلاً فقد كفر. فقالت : إنهم استتابوه ثمّ قتلوه ، وقد قلت وقالوا ، وقولي الاخير خير من قولي الاول ، فقال لها ابن ام كلاب :

فمنكِ البداءُ ومنكُ الغيَرْ

ومنكِ الرّياحُ ومنكِ المطَرْ

وأنتِ أمرتِ بقتلِ الإمامِ

وقلتِ لنا إنّهُ قد كَفَرْ

فهبْنا أطعناكِ في قَتلِهِ

وقاتلهُ عندَنا من أمَرْ

ولم يسقطِ السقفُ من فوقنا

ولم ينكسِف شمسُنا والقمَرْ

وقد بايعَ الناس ذا تُدرَإٍ

يزيلُ الشِّبا ويُقيمُ الصّعَرْ

ويلبسُ للحَرْبِ أثوابها

وما من وَفى مثلُ من قد غدَرْ

الى آخر القصيدة.

٢٤

قذف القوم بصفوان ، فقال له اسامة : لا تظن يا رسول الله إلا خيراً ، فإنّ المرأة مأمونة ، وصفوان عبدٌ صالحٌ ، ثمّ استشار علياًعليه‌السلام ، فقال له : « يا رسول الله صلى الله عليك ، النساء كثيرةٌ وسل بريرةَ خادِمَتها وابحثْ عنْ خَبَرها منها ». فقال له رسولُ اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « فتولَّ أنت يا عليُّ تقريرها ». فقطع لها عليُّعليه‌السلام عُسُباً مِنَ النخلِ وَخَلا بها يسألُها عنّي ( اي عن عائشة ) ويتهدَّدُها ويَرْهِبُها ، لا جَرَمَ أنّي لا أحِبُّ عليّاً ابداً(١) .

فهذا تصريح منها بِبُغضها له وَمْقتها إياه ، قال شيخنا المفيد ( اعلا الله مقامه ) : ولم يكنْ ذلك منهعليه‌السلام إلا النصيحة لله ولرسوله واجتهاده في الرأي ، ونُصْحه وامتثاله لأمْرِ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومُسارعته الى طاعته(٢) .

ومن شدة بغضها وحقدها على امير المؤمنينعليه‌السلام حتى انها لا تستطيع ان تصرح باسمه ، ففي رواية عكرمة وابن عباس ، وأنّ عكرمةَ خبَّرهُ عن حديثٍ حدَّثتْهُ عائشةُ في مَرَضِ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، خرجَ متوكئاً على رَجُلَيْنِ مِنْ أهل بيته ، أحدُهما الفضلُ بنُ العبّاس ، فقال عبدُالله بن العبّاسِ لعكْرمةَ : فلم تُسَمِّ لك الاخر ؟ فقال : لا والله ما سَمَّتهُ. فقال : أتدْري مَنْ هو ؟

قال : لا. قال : ذلك عليّ بن ابي طالبعليه‌السلام ، وما كانت والله أُمّنا

__________________

(١) مغازي الواقدي ١ : ٤٣٠ ، صحيح البخاري ٣ : ١٥٥ ، الكشاف ٤ : ٤٥٣.

(٢) مصنفات الشيخ المفيد م ١ : ١٥٧.

٢٥

تذكره بخير وهي تستطيع(١) .

ولم تخفِ ام المؤمنين فرحها وسرورها عند سماعها باستشهاد أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فذكر أبو الفرج الاصفهاني رواية بسند اسماعيل بن راشد قال : لما أتى عائشة نعي عليّ امير المؤمنينعليه‌السلام تمثلت :

فألقت عصاها واستقر بها النوى

كما قرّ عيناً بالإياب المسافـرِ

ثم قالت : من قتلهُ ؟ فقيل : رجلٌ من مراد. فقالت :

فإن يكُ نائياً فلقد بغاهُ

غلامٌ ليس في فيه الترابُ

فقالت لها زينب بنت أم سلمة : العلي تقولين هذا ؟ فقالت : إذا نسيت فذكروني ، ثمّ تمثلت :

ما زالَ إهداء القصائد بيننا

باسم الصديق وكثرة الالقابِ

حتى تركت كأن قولك فيهم

في كل مجتمع طنين ذبابِ

وذكر رواية أيضاً عن ابي البحتري ، قال : لما ان جاء عائشة قتل عليّعليه‌السلام سجدت(٢) .

وبقي هذا الحقد ملازماً لها حتى بعد مصرع الامام عليّعليه‌السلام ، ففي

__________________

(١) طبقات ابن سعد ٢ : ٢٣١ ، مسند أحمد ٦ : ٣٨ ، صحيح البخاري ١ : ١٦٢ ، صحيح مسلم ٤ : ١٣٨ ، المستدرك ٣ : ٥٦ ، السنن الكبرى ١ : ٣١. ومصنفات الشيخ المفيد م ١ : ١٥٨.

(٢) مقاتل الطالبيين : ٥٥ ، وانظر أيضاً : طبقات ابن سعد ٣ : ٤٠ ، تاريخ الطبري ٥ : ١٥٠ ، بحار الانوار ٣٢ : ٣٤٠.

٢٦

رواية مسروق انه قال : دخلتُ عليها فاستدعِتْ غلاماً باسم عبد الرحمن ، فسألتها عنه ، فقالتْ : عَبْدي ، فقلتُ : كيف سَمَّيتهِ بعبد الرحمن ؟ قالت : حُباً لعبدِ الرحمن بنِ مُلْجم قاتل عليّ(١) !!

رسائل طلحة والزبير والسيدة عائشة

بعد ان احكمت الفتنة ، واظهر القوم الشقاق والخلاف على حكومة امير المؤمنينعليه‌السلام الفتية ، وقد حاولوا استدراج من له تأثير في الساحة السياسية ، فكاتبوهم يطالبونهم بأتخاذ موقف مشابه لموقفهم في نكث بيعة الامام عليّعليه‌السلام ، والمطالبة بدم عثمان ، وتحريض الناس للالتحاق بركب الشر ، لكن اجاباتهم كانت طعنة في خاصرة القوم ، فلقد كان اصحاب الشر يتوقعون ان يجنوا ولو شيئاً يسيراً من الذين كاتبوهم ، لكن الردّ جاء مخيباً للآمال ، وكان عنيفاً وقاسياً.

كما كاتبهم من عاب عملهم الشائن ، وحذرهم الولوغ في الفتنة ، والسعي في شق عصا المسلمين واهراق دمائهم.

فقد كتبت ام سلمة الى عائشة عندما عزمت على الخروج الى البصرة :

من امِّ سلمة زوج النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌ الى عائشة ام المؤمنين :

سلام عليكِ ، فأني أحمدُ اليك الذي لا الله الا هو ، أما بعدُ :

__________________

(١) الشافي ٤ : ٣٠٦ ، بحار الانوار ٣٢ : ٣٤١ ، مصنفات الشيخ المفيد م ١ : ١٦٠.

٢٧

فإنّكِ سدة بين رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌ وبين امتهِ ، وحجابك مضروب على حرمته ، قد جمع القرآن ذيلك فلا تندحيه ، وسكِّن عُقيراكِ فلا تصحريها ، الله من وراء هذه الامة ، لو علم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌ ان النساء يحتملن الجهاد عهد إليك ، عُلْتِ عُلْتِ ! بل نهاك عن الفرْطة في البلاد ، انّ عمود الدين لا يثاب بالنساء ان مال ، ولا يرأب بهنّ ان صُدع ، حُماديات النساء غضّ الاطراف وخفض الاصوات ، وخفر الاعراض ، وضمّ الذيول ، وقعر الوهازة ، وما كنت قائلة لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌ لو عَارضكِ ببعض الفلوات ناصة قلوصاً من منهلٍ الى منهل ، قد وجهت سدافته وتركتك عهداه ، ان بعين الله مهواكِ ، وعلى رسولهِ تردين ، واقسمُ بالله لو سرتُ مسيرك هذا ، ثمّ قيل لي : يا ام سلمة : ادخلي الفِردوسَ ، لاستحييت ان القى محمداًصلى‌الله‌عليه‌وآله‌ هاتكة حجاباً قد ضربه عليّ.

اجعلي بيتك حِصْنكِ(١) ، وقاعة الستر قبرك ، حتى تلقيه وانت

__________________

(١) وكانت ام سلمة تطالبها بتطبيق قوله تعالى( وقرن في بيوتكن ) ، ففي تفسير روح المعاني للآلوسي ، روى البزاز عن انس : ان النساء جئن الى رسول الله بعد نزول الاية فقلن : لقد ذهب الرجال بالفضل والجهاد ، فهل لنا عمل ندرك به فضل المجاهدين ؟

فقال : من قعد منكن في بيتها تدرك عمل المجاهدين.

وقال السيوطي : ان سودة بنت زمعة زوجة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌ لم تحج بعد نزول الاية فقيل لها في ذلك ، فقالت : اني حججت واعتمرت ، وأمرني ربي تعالى شأنه ان أقر في بيتي حتى تخرج جنازتي.

وأخرج مسووق : ان عائشة كلما قرأت( وقرن في بيوتكن ) تبكي حتى تبل خمارها.

انظر : روح المعاني ٢٢ : ٦ ، الدر المنثور ٥ : ١٩٦.

٢٨

على تلك ، أطوع ما تكونين لله إذا الَزِمته ، وانصرُ ما تكونين للدين ما حللتِ فيه ، ولو ذكّرْتك قولاً من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌ تعرفينه ، لنُهشتِ به نهش الرقشاء المطرقة ، والسلام »(١) .

رد عائشة على امّ سلمة

فأجابتها عائشة :

من عائشة ام المؤمنين الى ام سلمة :

« سلامٌ عليك ، فأني أحمد اليك الله الذي لا اله الا هو ، اما بعدُ :

فما أقبلني لِوَعْظكِ ، وأعرفني لحق نصحك ، وما انا بعمية عن رأيك ، وليس مسيري على ما تظنين ، ولنعم المسير مسيرٌ فزعت فيه اليّ فئتان متناحرتان من المسلمين ، فإنّ اقعد ففي غير حرج ، وان امضِ فإلى ما بُد لي من الازدياد منه ، والسلام »(٢) .

كتاب الاشتر الى عائشة

وكتب الاشتر من المدينة الى عائشة ، وهي بمكة :

« اما بعد : فأنّكِ ضعينة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌ ، وقد أمرك ان تقري في

__________________

(١) العقد الفريد ٢ : ٢٧٧ ، الامامة والسياسة ١ : ٤٥ ، تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٨٠ ، بلاغات النساء : ١٥ ، الاحتجاج ١ : ٢٤٤ ، مصنفات الشيخ المفيد م ١ : ٢٣٦.

« يذكر شيخنا المفيد ومؤرخون آخرون ان ام سلمة دخلت على عائشة وكلمتها ».

(٢) العقد الفريد ٢ : ٢٧٧ ، الامامة والسياسة ١ : ٤٥ ، تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٨٠ ، بلاغات النساء : ١٥ ، الاحتجاج ١ : ٢٤٤ ، مصنفات الشيخ المفيد م ١ : ٢٣٦.

٢٩

بيتك ، فإنّ فعلتِ فهو خير لك ، وإن ابيتِ الا ان تأخذي فسأتك ، وتلقي جلبابك ، وتبدُ للناس شُعيراتك ، فأقاتلك حتى أردك الى بيتك ، والموضع الذي يرضاه لك ربُّكِ »(١) .

ردُّ عائشة على الاشتر

فكتبت إليه في الجواب :

« اما بعدُ : فإنّك أوّل العرب شبَّ الفتنة ، ودعا الى الفرقة ، وخالف الائمة ، وسعر في قتل الخليفة ، وقد علمت إنّك لن تعجز الله حتى يُصيبك منه بنقمة ينتصر بها منك للخليفة المظلوم ، وقد جاءني كتابك ، وفهمت ما فيه ، وسيكفينك الله ، وكان من اصبح مماثلاً لك في ضلالك وغيّك ، ان شاء الله »(٢) .

كتاب عائشة الى زيد بن صوحان

وكتبت عائشة الى زيد بن صوحان العبدي ، إذ قدمت البصرة.

من عائشة ابنة ابي بكر ام المؤمنين حبيبة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌ الى ابنها الخالص زيد بن صوحان.

« سلام عليك ، اما بعدُ : فإنّ اباك كان رأساً في الجاهلية ، وسيداً في الاسلام ، وإنّك من ابيك بمنزلة المصلى من السابق ، يقال : كادَ أو

__________________

(١ ـ ٢) شرح نهج البلاغة ٢ : ٨٠.

٣٠

لحِق ، وقد بلغك الذي كان في الاسلام من مصاب عثمان بن عفان ، ونحن قادمون عليك ، والعيان اشفى لك من الخبر ، فإذا أتاك كتابي هذا ، فاقدم فانصرنا على أمرنا هذا ، فإنّ لم تفعل فثبّط الناس عن عليّ بن ابي طالب ، وكن مكانك حتى يأتيك أمري ، والسلام »(١) .

ردُّ زيد بن صوحان على عائشة

فكتب إليها زيد :

من زيد بن صوحان الى عائشة ام المؤمنين :

« سلام عليك ، اما بعدُ : فأنّ الله امركِ بأمرٍ وأمرنا بأمرٍ :

أمرك أن تقرّي في بيتك ، وأمرنا ان نقاتل الناس حتى لا تكون فتنة ، فتركت ما امرتِ به ، وكتبتِ تنهينا عمّا امرنا به ، فأمرك عندنا غير مطاع ، وكتابك غير مجاب ، والسلام »(٢) .

وفي رواية الطبري : كتب إليها :

من زيد بن صوحان الى عائشة ابنة ابي بكر الصديقرضي‌الله‌عنه حبيبة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌ :

__________________

(١) العقد الفريد ٢ : ٢٢٧ ، تاريخ الطبري ٤ : ٤٧٦ ، رجال الكشي : ٧٦ ، شرح نهج البلاغة ٢ : ٨١.

(٢) العقد الفريد ٢ : ٢٢٧ ، تاريخ الطبري ٤ : ٤٧٦ ، رجال الكشي : ٧٦ ، شرح نهج البلاغة ٢ : ٨١.

٣١

« اما بعد : فأنا ابنك الخالص ان اعتزلت هذا الامر ، ورجعت الى بيتك ، وإلا فأنا أوّل من نابذك ».

كتاب عائشة الى حفصة

ولما بلغ عائشة نزول أمير المؤمنينعليه‌السلام بذي قار ، كتبت الى حفصة بنت عمر :

« اما بعد ؛ فإنا نزلنا البصرة ونزل عليّ بذي قار ، والله داقّ عُنقهُ كدق البيضة على الصفا ، إنه بذي قار بمنزلة الاشقر(١) ، إن تقدّم نحر وان تأخّر عُقِرَ ».

فلما وصل الكتاب الى حفصة استبشرت بذلك ودعت صبيان بني تيم وعدي واعطت جواريها دفوفاً وأمرتهن ان يضربن بالدفوف ، ويقلن : ما الخبر ما الخبر ؟ عليّ كالاشقر ، إنْ تقدّم نحر وإن تأخّر عقر. فبلغ أم سلمة رضي الله عنها اجتماع النسوة على ما اجتمعن عليه من سبّ امير المؤمنينعليه‌السلام ، والمسرة بالكتاب الوارد عليهنّ من عائشة ، فبكت وقالت : اعطوني ثيابي حتى أخرج إليهن واقع بهنّ. فقالت أم كلثوم بنت امير المؤمنينعليه‌السلام : أنا أنوبُ عنك فأنني أعرَفُ منك ، فلبست ثيابها وتنكرت وتخفرت واستصحبت جواريها متخفرات ،

__________________

(١) هذا مثل يضرب لمن وقع بين شرين لا ينجو من احدهما ، وأول من قال به لقيط بن زرارة يوم جبلة ، وكان على فرس له أشقر. انظر : كتاب الامثال : ٢٦٢ ، وجمهرة الامثال ٢ : ١٢٧.

٣٢

وجاءت حتى دخلت عليهنّ كأنها من النضارة ، فلما رأت ما هُنّ فيه من العَبثِ والسَفَهِ ، كشفت نقابها وابرزت لهنّ وجهها ، ثمّ قالت لحَفصة : إنْ تظاهرت انتِ وأختُكِ على امير المؤمنينعليه‌السلام فقد تظاهرتا على اخيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من قبل ، فأنزل الله عزّوجلّ فيكما ما أنزلَ ، والله من وراء حربكما ، فأنكرت حفصة وأظهرت خجلاً ، وقالت : إنهنّ فعلنَ هذا بجهلٍ ، وفرقتهُنَّ في الحال ، فانصرفن من المكان(١) .

كتاب عائشة الى أهل المدينة

روى الواقدي عن رجاله قال : لما أخرجَ القومُ عن عثمان بن حُنيفٍ لما خافوه من أخيه سهل بن حُنيف ، كتبت عائشة الى اهل المدينة :

« بسم الله الرحمن الرحيم. ومن أمِّ المؤمنين عائشة زوجة النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وابنةِ الصدّيق الى أهل المدينةِ ، اما بعدُ ؛ فإنّ الله أظهر الحقّ ونَصرَ طالبيه ، وقد قال الله عز اسمه :( بل نقذف بالحقِّ على الباطلِ فيدمغُهُ فإذا هو زاهق ) (٢) فأتقوا الله عبادَ اللهِ واسمعوا واطيعُوا واعتصمُوا بحبل الله جميعاً وعُروةِ الحقِّ ، ولا تجعلُوا على انفسِكم سبيلاً ، فإنّ الله قد جمع كلمة أهل البصرة وأمرُوا عليهم الزبير بن العوام فهو أميرُ الجنود ، والكافةُ يجتمعون على السَمْعِ والطاعةِ له ،

__________________

(١) انظر : شرح نهج البلاغة ١٤ : ١٣ : الفتوح م ١ : ٤٦٧ ، بحار الانوار ٣٢ : ٩٠.

(٢) الانبياء ٢١ : ١٨.

٣٣

فإذا اجتمعتْ كلمةُ المؤمنين على امّرائهم عن ملأٍ منهم وتشاورٍ فأنا ندخل في صالح ما دَخلُوا فيه ، فإذا جاءَكم كتابي هذا فأسمعُوا وأطيعُوا واعينوا على ما سمعتم عليه مِنْ امر الله. وكَتَبَ عُبيدُالله بنُ كَعبٍ لخمس ليالٍ من شهر ربيع الاول سنةَ ستِ وثلاثين »(١) .

كتاب عائشة الى أهل اليمامة

وكَتبتْ إلى أهل اليمامة وأهل تلك النواحي : « أمّا بعدُ ، فإني أُذكركم الله الذي أنْعَمَ عليكم وألْزمَكُم بالاسلام ، فإنّ الله يقول :( ما أصابَ مِنْ مُصيبةٍ في الارضِ ولا في أنْفسكُمْ إلا في كتابٍ مِنْ قَبْلِ أن نَبْرَأها إن ذلكَ على الله يسيرٌ ) (٢) فأعتصموا عباد الله بحبلهِ وكونوا مع كتابه ، فإنّ أُمّكُم ناصحةٌ لكم فيما تدعُوكُم إليه من الغَضَب له والجهادِ لِمَنْ قتل خليفة حَرَمِهِ ، وابتزَّ المسلمين أمْرَهم وقد أظْهَر اللهُ عليه ، وإنّ ابْنَ حُنيفٍ الضّالَّ المُضلَّ كان بالبصرة يَدْعُو المسلمين الى سبيل النار ، وإنّا أقْبلنا إليها نَدْعُو المسلمين الى كتاب اللهِ ، وأن يضعُوا بينهم القرآن فيكونُ ذلك رضاً لهم وأجْمَعَ لأمْرِهم ، وكان ذلك للهِ عزّوجلّ على المسلمين فيه الطاعة ، فإما أنْ نُدْرِكَ به حاجتنا أو نَبْلُغَ عُذراً ، فلمّا دَنوْنا الى البصرةِ وسَمِعَ بنا أبْنُ حُنيفٍ جَمَعَ لنا الجُمُوعَ وأمَرهُم أنْ يلقُونا بالسلاح فَيُقَاتِلونا ويَطردُونا وشهدُوا علينا بالكُفْر وقالوا فينا المُنكرَ ،

__________________

(١) مصنفات الشيخ المفيد م ١ : ٢٩٩.

(٢) الحديد : ٢٣.

٣٤

فأكْذبَهُم المسلمين وأنكَرُوا عليهم ، وقالوا لعثمان بن حُنيفٍ : وَيْحَكَ ! إنما تابَعْنا زوجَ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأمَّ المؤمنين وأصحابَ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وائمة المسلمين ، فتمادى في غيْهِ وأقامَ على أمْرهِ ، فلمّا رأى المسلمين انّه قد عصاهم ورَدَّ عليهم أمْرَهم غَضِبُوا لله عزّوجلّ ولأُمِّ المؤمنين ، ولم نشعُر به حتى أظَلَّنا في ثلاثةِ آلافِ مِنْ جَهَلَةِ العرب وسُفهائِهم ، وصَفَّهُم دونَ المسجدِ بالسلاح ، فاْلتَمسنا أنْ يُبايُعوا على الحقِّ ولا يَحُولُوا بيننا وبين المسجدِ ، فردَّ علينا ذلك كلّهُ ، حتى إذا كان يومُ الجمعةِ وتفرق الناسُ بعد الصلاة عنه ، دخَلَ طلحةُ والزبيرُ ومعهما المسلمون وفتحوهُ عَنْوة ، وقدّمُوا عَبدالله بنُ الزبيرُ للصلاة بالناسِ ، وإنا نخافُ من عثمانَ واصحابهِ ان يأتونا بغتةً ليُصيبوا منّا غرَّةً.

فلما رأى المسلمون أنهم لا يبرحُون تحرَّزوا لانفسهم ولم يَحْرُجْ ومن معه حتى هجمُوا علينا وبلغُوا سدَّة بيتي ومعهم هاد يدلُهُم عليه ليسفكوا دمي ، فوجدوا نفراً على باب بيتي فرَدُّوهم عني وكان حولي نفراً من القريشيين والازديين يدفعونهم عني ، فقُتلَ منهم من قُتِلَ وانهزموا فلم نعرض لبقيتهم وخلَّينا ابن حُنيفٍ مِنّاً عليه ، وقد توجه الى صاحبهِ ، وعرّفناكم ذلك عبادَ اللهِ لتكونوا على ما كنتم عليه من النيةِ في نُصرة دين الله والغضب للخليفةِ المظلوم »(١) .

__________________

(١) مصنفات الشيخ المفيد م ١ : ٣١٠ ، ٣٠٢.

٣٥

كتاب طلحة والزبير الى كعب بن سور

ولمّا اجمعت عائشة وطلحة والزبير واشياعهم على المسير الى البصرة ، قال الزبير لعبدالله بن عامر ـ وكان عامل عثمان على البصرة وهرب عنها حين مصير عُثمان بن حُنيف عامل عليّعليه‌السلام إليها : مَنْ رجال البصرة ؟

قال : ثلاثة ، كلهم سيد مطاع : كعب بن سُور في اليمن والمنذر بن ربيعة ، والاحنف بن قيس في البصرة.

فكتب طلحة والزبير الى كعب بن سُور :

« اما بعدُ ، فإنّك قاضي عمر بن الخطاب ، وشيخ اهل البصرة وسيد أهل اليمن ، وقد كنت غضبت لعثمان من الاذى ، فأغضب له من القتل ، والسلام »(١) .

كتابهما الى الاحنف بن قيس

وكتبا الى الاحنف بن قيس :

« اما بعد ، فإنّك وافد عمر ، وسيد مضر ، وحليم اهل العراق ، وقد بلغك مصاب عثمان ، ونحن قادمون عليك ، والعيان أشفى لك من الخبر ، والسلام »(٢) .

__________________

(١) الامامة والسياسة ١ : ٤٨.

(٢) الامامة والسياسة ١ : ٤٨.

٣٦

كتابهما الى المنذر بن ربيعة

وكتبا الى المنذر :

« اما بعدُ ، فإنّ أباك كان رئيساً في الجاهلية ، وسيداً في الاسلام وإنّك من أبيك بمنزلة المصلى من السابق ، يقال كادَ أو لَحِق ، وقد قتل عثمان من انت خيرٌ منه ، وغضب له من خيرٌ منك ، والسلام »(١) .

ردُّ كعب بن سُور على طلحة والزبير

فكتب كعب بن سور الى طلحة والزبير :

« اما بعد ، فإنا غضبنا لعثمان من الاذى ، والغير باللسان ، فجاء أمر الغير فيه بالسيف ، فإنّ يك عثمان قُتِلَ ظالماً فما لكما وله ؟ وإنْ كان قُتِلَ مظلوماً فغيركما أولى به ، وإن كان أمره أشكل على من شهده فهو على من غاب عنه أشكل »(٢) .

__________________

(١) الامامة والسياسة ١ : ٤٨.

(٢) المصدر السابق ١ : ٤٨.

ملاحظة : يظهر ان كعبَ بن سور وقع في شِباكِ الفتنة ، وغُرّرَ بهِ حتى قُتل في المعركة ، فعندما طاف الامامعليه‌السلام على القتلى مرّ به مقتولاً وفي عُنِقُه المصحف ، فقال : « نحُّوا المُصحفَ وضعُوهُ في مواضع الطهارةِ » ثمّ قال : « أجْلسُوا إليّ كَعْباً ».

فأُجلِسَ ورأسُهُ ينخفضُ الى الارض فقال : « يا كَعب بن سور قد وجدت ما وعَدَك ربُّك حقّاً ؟! » ثمّ قال : « أضْجِعُوا كَعباً » فتجاوزهُ. انظر : مصنفات الشيخ المفيد م ١ : ٣٩٢.

٣٧

رد الاحنف عليهما

وكتب الاحنف اليهما :

« اما بعدُ ، فإنه لم يأتنا من قبلكم أمرٌ لا نشك فيه الا قتل عثمان ، وانتم قادمون علينا ، فإنّ يكن في العيان فضلٌ نظرنا فيه ونظرتم ، وإلا يكن فيه فضل فليس في ايدينا ولا ايديكم ثقة ، والسلام »(١) .

رد المنذر بن ربيعة عليهما

وكتب المنذر اليهما :

« اما بعدُ ، فأنه لم يلحقني بأهل الخير إلا ان اكون خيراً من اهل الشر ، وإنما اوجب حقّ عُثمان اليوم حقّهُ امس ، وقد كان بين أظهركم فخذلتموه ، فمتى استنبطتم هذا العلم ، وبدا لكم هذا الرأي »(٢) .

كتاب الصلح بين أصحاب الجمل وعثمان بن حُنيف

لقد أصرّ الناكثون على التمادي في غيّهم ، حتى صار النكث والغدر سجية ملازمةً لهم اينما حلوا ، وشعاراً يجمعون حوله الانتهازيين والسفهاء وأصحاب السوء ، فهم لم يكتفوا بخيانة امير المؤمنينعليه‌السلام حتي غروا بعثمان بن حنيف ، وقد كان الاخيرة قد وقع اتفاقاً للصلح بينهم على شروطٍ اتفقوا عليها ، منها ايقاف القتال ، وان يكون لعثمان بن

__________________

(١ ـ ٢) الامامة والسياسة ١ : ٤٨.

٣٨

حُنيف دار الامارة والمسجد وبيت المال ، ولطلحة والزبير وعائشة ما شاؤوا من البصرة ، ولا يُهاجُون حتى يقدم امير المؤمنينعليه‌السلام ، فإنّ أحبّوا ذلك دخلوا في طاعته ، وإن أحَبَّوا ان يُقاتِلوا(١) .

وقيل انهم أوقفوا القتال وتصالحوا ، على ان يبعثوا رسولاً الى المدينة ، حتى يرجع الرسول بالجواب الذي يبتغيه ابن حنيف ، والذي كان من اهم بنود الصلح ، وهو : هل طلحة والزبير اكرِها على بيعة الامام عليّعليه‌السلام ؟ فإذا كان الجواب ( نعم ) خرج ابن حنيف من البصرة وأخلاها لهما ، وإنْ كان الجواب بالنفي خرج طلحة والزبير(٢) ، وارسل كعب بن سُور لهذا المهمة ، وفي هذه الفترة القصيرة حاولوا كسب الوقت الى جانبهم ، بمكاتبة من له القدرة في توسيع دائرة الخلاف على الحكومة الشرعية بقيادة ابن عمّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌ . ومع هذا لم يصبروا على ابن حنيف كثيراً ، فمزقوا كتاب الصلح ، وغدروا به في ليلة مظلمة ذات رياحٍ ، فخرج طلحة والزبير وأصحابهما حتى أتوا دار الامارةِ وعثمان بن حنيف غافل عنهم ، وعلى الباب السبابجة يحرسون بيوت الاموالِ وكانوا قوماً من الزط قد استبصروا وأئتمنهم عثمان على بيت المال ودار الامارة ، فأكب عليهم القوم وأخذوهم من اربع جوانبهم ووضعوا فيهم

__________________

(١) الامامة والسياسة ١ : ٦٨ ، العقد الفريد ٤ : ٣١٣ ، تاريخ خليفة بن خياط : ١٨٣ ، نهاية الارب ٢٠ : ٣٧.

(٢) الكامل في التاريخ ٣ : ٢١٤ ، تاريخ الطبري ٤ : ٤٦٤ ـ ٤٦٧ ، جمهرة رسائل العرب ١ : ٣٢١.

٣٩

السيف فقتلوا منهم اربعين رجُلاً صبراً ! يتولى منهم ذلك الزبيرُ خاصةً ، ثمّ هجموا على عثمان فأوثقوه رباطاً وعمدوا الى لحيته ـ وكان شيخاً كثّ اللحية ـ فنتفوها حتى لم يبق منها شيء ، وقال طلحة : عذبوا الفاسق وانتفوا شعر حاجبيه واشفار عينيه واوثقوه بالحديد. فلما اصبحوا اجتمع الناس اليهما وأذّن مؤذن المسجد لصلاة الغداة فرام طلحة ان يتقدم للصلاة بهم فدفعه الزبير وأراد ان يصلي بهم فمنعهُ طلحةُ ، فما زالا يتدافعان حتى كادت الشمس ان تطلع فنادى اهل البصرة : الله الله ، يا أصحابَ رسول الله ، في الصلاة نخافُ فوتها ! فقالت عائشة : مروا ان يُصلي بالناس غيرهما.

فقال لهم يعلى بن مُنْيَة : يصلي عبدالله بن الزبير يوماً ومحمد بن طلحة يوماً حتى يتفق الناس على امير يرضونه ، فتقدم ابن الزبير وصلى بهم ذلك اليوم(١) .

اما صورة كتاب الصلح فهو :

بسم الله الرحمن الرحيم

« هذا ما اصطلح عليه طلحة والزبير ومن معه من المؤمنين والمسلمين ، وعثمان بن حنيف ومن معه من المؤمنين والمسلمين :

إنّ عثمان يُقيم حيثُ ادركه الصلح على ما في يده ، وإنّ طلحة

__________________

(١) انظر : مصنفات الشيخ المفيد م ١ : ٢٨٣ ، انساب الاشراف ١ : ٢٢٧ ، تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٨١ ، تاريخ الطبري ٤ : ٤٦٨.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167