فتح الأبواب بين ذوي الألباب وبين رب الأرباب

فتح الأبواب بين ذوي الألباب وبين رب الأرباب0%

فتح الأبواب بين ذوي الألباب وبين رب الأرباب مؤلف:
تصنيف: مفاهيم عقائدية
الصفحات: 364

فتح الأبواب بين ذوي الألباب وبين رب الأرباب

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: ابو القاسم علی بن موسی بن جعفر بن محمد بن طاووس حلّی (سيد بن طاووس)
تصنيف: الصفحات: 364
المشاهدات: 64080
تحميل: 7345

توضيحات:

فتح الأبواب بين ذوي الألباب وبين رب الأرباب
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 364 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 64080 / تحميل: 7345
الحجم الحجم الحجم
فتح الأبواب بين ذوي الألباب وبين رب الأرباب

فتح الأبواب بين ذوي الألباب وبين رب الأرباب

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

والقربات(١) .

وقال جدّي أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي في كتاب المبسوط في الجزء الأوّل، ما هذا لفظه: وإذا أراد أمراً من الأمور لدينه أو دنياه يستحبّ له أن يصلّي ركعتين. يقرأ فيهما ما يشاء، ويقنت في الثانية، فإذا سلّم دعا بما أراد، ويسجد، ويستخير الله في سجوده مائة مرّة، يقول: أستخير الله في جميع أموري، ثمّ يمضي في حاجته(٢) .

وقال أبو جعفر الطوسي في النهاية ما هذا لفظه: وإذا أراد الإنسان أمراً من الأمور لدينه أو دنياه، يُستحب له أن يُصلّي ركعتين، فيقرأ فيهما ما شاء(٣) ، ويقنت في الثانية، فإذا سلّم دعا بما أراد، ثمّ ليسجد ويستخير الله في سجوده مائة مرّة فيقول: أستخير الله في جميع أموري. ثمّ يمضي في حاجته(٤) .

فصل:

وقال جدّي أبو جعفر الطوسي أيضاً في كتاب الاقتصاد(٥) ما هذا لفظه: وإذا أراد أمراً من الأمور لدينه أو دنياه، فينبغي له أن يستخير الله تعالى فيغتسل ويصلّي ركعتين، يقرأ فيهما ما شاء، فإذا فرغ دعا الله، وسأله أن يخر له فيما يريده، ويسجد، ويقول في سجوده مائة مرّة: أستخير الله في جميع أُموري، خيرة في عافية. ثمّ يفعل ما يقع في قلبه(٦) .

____________________

(١) تقدّم في ص ١٧٦.

(٢) المبسوط ١: ١٣٣، ونقله المجلسي في بحار الأنوار ٩١: ٢٧٩.

(٣) في المصدر زيادة: من السور.

(٤) النهاية في مجرد الفقه والفتوى: ١٤٢.

(٥) في جميع النسخ: الانتصار، وهو تصحيف، صوابه ما أثبتناه، كما ذكره المجلسي في بحار الأنوار ٩١: ٢٨٠.

(٦) الاقتصاد الهادي إلى طريق الرشاد: ٢٧٤.

٢٤١

وقال أيضاً جدّي أبو جعفر الطوسي في هداية المسترشد، ما هذا لفظه: وإذا أراد أمراً من الأمور لدينه أو دنياه، فينبغي أن يستخير الله تعالى، فيقوم فيصلّي ركعتين، يقرأ فيهما ما شاء، فإذا فرغ دعا الله وسأله أن يخير له فيما يريد فعله، ويسجد، فيقول في سجوده مائة مرّة: أستخير الله تعالى في جميع أموري كلّها، خيرة في عافية، ثمّ يفعل ما يقع في قلبه.

وقال الشيخ محمد بن إدريس في كتابه ما هذا لفظه: وإذا أراد الإنسان أمراً من الأمور لدينه أو دنياه، يُستحب له أن يصلّي ركعتين يقرأ فيهما ما شاء(١) ، فإذا سلّم دعا بما أراد، ثم يسجد، ويستخير الله في سجوده مائة مرّة، يقول: أستخير الله في جميع أموري، خيرة في عافية. ثم يفعل ما يقع في قلبه(٢) .

وسنذكر تمام كلامه في حديث الاستخارة بالرقاع، في باب ما لعلّه يكون مانعاً من الاستخارة، ونستوفي القول فيه مع حفظ جانب الله جلّ جلاله واتّباع مراضيه(٣) .

يقول علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد بن الطاووس: وربّما ينبهك على أنّ حديث الاستخارة قد كان مشهوراً معروفاً مأثوراً بين الشيعة(٤) ، ما رويناه بإسنادنا المقدّم في طرقنا إلى ما رواه جدّي أبو جعفر الطوسي رضوان الله عليه، عن أبي العباس عبد الله بن جعفر الحميري.

وقال: حدثني أبو جعفر الطوسي في كتاب الفهرست: عبد الله بن

____________________

(١) في السرائر زيادة: ويقنت في الثانية.

(٢) السرائر: ٦٩.

(٣) يأتي في ص ٢٩٠.

(٤) في البحار: وبين الشيعة مألوفاً.

٢٤٢

جعفر الحميري، يكنّى أبا العباس القمّي، ثقة(١) .

وقال النجاشي في كتاب الفهرست: عبد الله بن جعفر بن الحسين بن مالك بن جامع الحميري، أبو العباس شيخ القمّيّين ووجههم(٢) .

قال هذا عبد الله بن جعفر الحميري فيما رواه في كتاب الدلائل: عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن سهل بن اليسع(٣) ، قال: كنت مجاوراً بمكّة فصرت إلى المدينة، فدخلت على أبي جعفر (عليه السلام) وأردت أن أسأله عن كسوة يكسونيها، فلم يتفق(٤) لي أن أسأله، حتى ودعته وأردت الخروج، فقلت: أكتب إليه وأسأله.

قال: وكتبت الكتاب وصرت إلى مسجد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) على أن أُصلّي ركعتين وأستخير الله مائة مرّة، فإنْ وقع في قلبي أن أبعث إليه بالكتاب(٥) ، وإلاّ خرّقته.

قال: فوقع في قلبي أن لا أبعث إليه(٦) ، فخرّقت الكتاب وخرجت من المدينة، فبينا أنا كذلك إذا رأيت رسولاً معه ثياب في منديل يتخلّل الطرقات، ويسأل عن محمد بن سهل القمّي، حتى انتهى إليّ، فقال:

____________________

(١) الفهرست: ١٠٢ / ٤٢٩.

(٢) فهرست أسماء مصنّفي الشيعة: ٢١٩/ ٥٧٣.

(٣) محمد بن سهل بن اليسع بن عبد الله بن سعد بن مالك بن الأحوص الأشعري القمّي، روى عن الإمامين الرضا وأبي جعفر (عليهما السلام)، له كتاب يرويه جماعة، وذكر السيد الخوئي طريق الصدوق والشيخ إليه.

انظر (رجال النجاشي: ٣٦٧/ ٩٩٦، رجال الشيخ: ٣٨٨/ ٢٥، معجم رجال الحديث ١٦: ١٧٠/ ١٠٩٢٨).

(٤) في البحار: فلم يقض.

(٥) في البحار زيادة: بعثته.

(٦) في (ش): به.

٢٤٣

مولاك بعث إليك بهذا، وإذا ملاءتان(١) .

قال أحمد بن محمد بن عيسى: فقضى أنّي غسّلته حين مات وكفّنته بهما(٢) .

يقول علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد بن الطاووس: أما ترى صريح ما نقلناه من أنّ الاستخارة لأمور الدنيا والدين بصريح المقالات، وأمّا كونهم ما ذكروا الاستخارة بالرقاع في هذه المنقولات، فقد تقدّم ما أردنا ذكره في باب ترجيح العمل بالاستخارة بالرقاع(٣) ، وأوضحنا أنّ الاستخارة بغيرها لا يحصل منه كمال الانتفاع.

أقول: مع أنّ هذه الأقوال المتضمّنة أن يستخير مائة مرّة ويمضي في حاجته، أو يستخير مائة مرّة ويعمل ما يقع في قلبه، فلا شبهة أنّ ما قالوه(٤) من طريق روايات، وجميع هذه الاستخارة بمائة مرّة في المنقولات يحتمل أن تكون الاستخارة بالرقاع مخصّصة ومبيّنة منها على وجه من وجوه التأويلات، وما لا يحتمل التخصيص والبيان فلعلّ ذلك يكون للتخيير في الروايات، أو عند أعذار تمنع الإنسان من العمل بالرقاع في الاستخارات، فإنّه إذا لم يتمكّن من كشف ما يستخير فيه بالرقاع ومن تمام الانتفاع، فليرجع إلى باب التفويض إلى الله جلّ جلاله والتوكّل عليه ويمضي في حاجته، أو يعمل ما يقع في قلبه كما ذكرناه، ولكنّ التفويض والتوكّل يحتاج إلى الصدق فيهما وقوّة اليقين، وأنْ يكون المفوّض والمتوكّل واثقاً بالله جلّ جلاله وثوقاً أرجح

____________________

(١) الملاءة: كل ثوب لين رقيق، وفي النهاية: الملاء، بالضم والمد: جمع ملاءة، وهي الإزار والريطة. (النهاية - ملأ - ٤: ٣٥٢، مجمع البحرين ١: ٣٩٨).

(٢) نقله المجلسي في بحار الأنوار ٩١: ٢٧٩.

(٣) تقدم في الباب التاسع ص ٢٠٩.

(٤) في (م) و (ش): أن هنا قالوه.

٢٤٤

من مشاهدة العين لما تراه، وأنّه لا يكره ولا يضطرب عند اختيار الله جلّ جلاله في شيء من الإِصدار والإيراد، فإنّه إذا بلغ إلى هذه الغايات، تولّى الله جلّ جلاله تدبيره في الحركات والسكنات والاستخارات، كما قال الله تعالى:( وَمَنْ يَتَوَكّلْ عَلَى الله فَهُوَ حَسْبُهُ ) (١) وقال جلّ جلاله:( إنَهُ لَيْسَ لَه سُلْطَان عَلَى الَذِينَ آمَنُواْ وَعَلى رَبّهم يَتَوَكّلُونَ ) (٢) وغير ذلك من الآيات في مدح المفوّضين والمتوكّلين.

ولكن قد بقي أنّ الصدق في التوكّل والتفويض هل يقع ويكون؟ لأنّني أراه مقاماً عزيزاً شريفاً، فإنّ ابن آدم كما قال الله تعالى:( وَخُلِقَ الإنسْاَنُ ضَعِيفاً ) (٣) فتراه يفوّض إلى وكيله وصديقه وسلطانه العادل وشيخه الفاضل، ويتوكّل عليهم ويسكن إليهم، أقوى من تفويضه وتوكّله وسكونه إلى ربّه ومولاه، فكيف يكون مع ذلك مفوّضاً إلى الله أو متوكّلاً عليه وغير الله أقوى في توكّله وتفويضه؟ أين هذا من مقام التفويض والتوكّل على مالك دنياه وأُخراه؟

روي عن مولانا زين العابدين (صلوات الله عليه) أنّه قال لبعض مَن ضلّ في طريق: (لو صدق توكّلك ما ضللت). وها نحن نورد الحديث بذلك، فهو حديث مليح؛ لتعرف تفصيل ما أشرت إليه.

ذكر محمد بن أبي عبد الله في أماليه من رواة أصحابنا، ووجدته في نسخة تاريخ كتابتها سنة تسع وثلثمائة، قال: حدثني مسلمة بن عبد الملك(٤) ، قال: حدثني عيسى بن جعفر، قال حدثني عباس بن

____________________

(١) الطلاق ٦٥: ٣.

(٢) النحل ١٦: ٩٩.

(٣) النساء ٤: ٢٨.

(٤) في (د): محمد بن مسلمة بن عبد الملك، ولم يرد في البحار والمستدرك.

٢٤٥

أيوب، قال: حدثني أبو بكر الكوفي، عن حماد بن حبيب الكوفي(١) قال: خرجنا حجّاجاً فرحلنا من زُبالَة(٢) ليلاً، فاستقبلنا ريح سوداء مظلمة، فتقطّعت القافلة، فتهت في تلك الصحاري والبراري، فانتهيت إلى وادٍ قفر، فلمّا أن جنّني الليل أويت إلى شجرة عادية، فلمّا أنْ اختلط الظلام إذا أنا بشاب قد أقبل، عليه أطمار(٣) بيض، تفوح منه رائحة المسك، فقلت في نفسي: هذا ولي من أولياء الله تعالى متى ما أحس بحركتي خشيت نفاره، وأن أمنعه عن كثير ممّا يريد فعاله، فأخفيت نفسي ما استطعت، فدنا إلى الموضع، فتهيّأ للصلاة، ثمّ وثب قائماً هو يقول:

(يا من أحار(٤) كلّ شيء ملكوتاً، وقهر كل شيء جبروتاً، ألج(٥) قلبي فرح الإقبال عليك، وألحقني بميدان المطيعين لك)، قال: ثمّ دخل في الصلاة، فلمّا أن رأيته قد هدأت أعضاؤه، وسكنت حركاته، قمت إلى الموضع الذي تهيّأ منه للصلاة، فإذا بعين تفيض بماء أبيض، فتهيّأت

____________________

(١) حماد بن حبيب العطّار الكوفي، قال الشيخ المامقاني: لم أقف فيه إلاّ على ما رواه في المناقب وكتاب الاستخارات لابن طاووس عن محمد بن أبي عبد الله من رواة أصحابنا في أماليه - ثم ذكر الحديث الوارد في المتن، ثم قال: وفيه دلالة على كونه شيعيّاً بل من خُلّص الشيعة وأهل السر منهم، ضرورة أنّهم (عليهم السلام) ما كانوا يبدون مثل ذلك من غرائب الأعمال إلاّ لمَن كان كذلك، وحينئذ فنستفيد من الخبر حسن حال الرجل، والعلم عند الله تعالى. (تنقيح المقال ١: ٣٦٣ / ٣٢٨٢).

(٢) زُبَالَة: بضم أوّله: منزل معروف بطريق مكّة من الكوفة، وهي قرية عامرة بها أسواق بين واقصة والثعلبية، وقال أبو عبيد السّكوني: زبالة بعد القاع من الكوفة وقبل الشقوق، فيها حصن وجامع لبني غاضرة من بني أسد. ويوم زبالة من أيام العرب، قالوا: سُمّيت زبالة بزبلها الماء أي بضبطها له وأخذها منه. وقال ابن الكلبي: سُمّيت زُبالة باسم زبالة بنت مسعر امرأة من العمالقة نزلتها. (معجم البلدان ٣: ١٢٩).

(٣) الطمر: الثوب الخلق (النهاية - خلق - ٣: ١٣٨).

(٤) في مناقب ابن شهرآشوب: حاز.

(٥) في البحار: أولج.

٢٤٦

للصلاة، ثم قمت خلفه، فإذا أنا بمحراب كأنّه مثّل في ذلك الموقف(١) ، فرأيته كلّما مرّ بآية فيها ذكر الوعد والوعيد يردّدها بأشجان الحنين، فلّما أنْ تقشّع(٢) الظلام وثب قائماً وهو يقول: (يا مَن قصده الطالبون فأصابوه مرشداً، وأمَّهُ(٣) الخائفون فوجدوه متفضّلاً(٤) ، ولجأ إليه العابدون فوجدوه نوالاً)(٥) (٦) .

فخفت أن يفوتني شخصه، وأن يخفى عليّ أثره، فتعلّقت به، فقلت له: بالذي أسقط عنك ملال التعب، ومنحك شدّة شوق لذيذ الرعب(٧) ، إلاّ ألحقتني منك جناح رحمة، وكنف رقّة، فإنّي ضالٌّ، وبعيني كلّما صَنَعْت، وبأُذني كلّما نطقت، فقال: (لو صدق توكّلك ما كنت ضالاً، ولكن اتبعني واقف أثري)، فلمّا أن صار تحت الشجرة أخذ بيدي، فتخيّل إليّ أنّ الأرض تمدّ من تحت قدمي، فلمّا انفجر عمود الصبح قال لي: (أبشر فهذه مكّة)، قال: فسمعت الصيحة(٨) ، ورأيت المحجّة، فقلت: بالذي ترجوه يوم الأزفة ويوم الفاقة، مَن أنت؟ فقال لي: (أمّا إذا أقسمت

____________________

(١) في (د) والبحار: الوقت.

(٢) يقال: تقشّع السحاب: أي تصدّع وأتلع. وقشعت الريح السحاب من باب نفع: أي كشفته، فانقشع وتقشّع. (مجمع البحرين - قشع - ٤: ٣٧٩).

(٣) الأَمُّ بالفتح: القصد. يقال: أَمّه وأَمّمه وتأَمّمه، إذا قصده. (الصحاح - أمم - ٥: ١٨٦٥).

(٤) في مناقب ابن شهرآشوب: معقلاً.

(٥) في مناقب ابن شهرآشوب: ( ولجأ إليه العائذون فوجدوه موئلاً) ولعلّه أنسب، والنَوَال: العطاء (الصحاح ٥: ١٣٨٦).

(٦) في بحار الأنوار زيادة: متى راحة مَن نصب لغيرك بدنه، ومتى فرح مَن قصد سواك بنيّته، إلهي قد تقشّع الظلام ولم أقض من خدمتك وطراً، ولا من حياض مناجاتك صدراً، صلِّ على محمّدٍ وآله، وافعل بي أولى الأمرين بك يا أرحم الراحمين.

(٧) في مناقب ابن شهر آشوب: الرهب.

(٨) في البحار: الضجّة.

٢٤٧

عليّ فأنا عليّ بن الحسين بن علي بن أبي طالب صلوات الله عليهم)(١) .

يقول علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد بن الطاووس: أما ترى كما قلناه يقول: (لو صدق توكّلك ما كنت ضالاً) فإذا كان صدق التوكّل يهدي في الطرقات، فكذا أنّ(٢) صدق التوكّل في الاستخارات، ولكنّه كما قلناه صعب شديد هائل، على مَن عرف شروطه على الوجه الكامل.

وقد ذكر عبد العزيز بن البراج الاستخارة بمائة مرّة في كتاب المهذّب(٣) ، وقد ذكرها أبو الصلاح الحلبي في كتاب مختصر الفرائض الشرعية وغيره، ولم نقصد استيفاء كلّ ما وقفنا عليه من الروايات، ولا ما وقفنا عليه من تصانيف أصحابنا الثقات، فإنّ ذلك يطول، وفي ما ذكرناه كفاية في المأمول.

____________________

(١) رواه الراوندي في الخرائج: ٢٣٨، وابن شهرآشوب في مناقب آل أبي طالب ٤: ١٤٢، ونقله المجلسي في بحار الأنوار ٤٦: ٧٧ / ٧٣، والشيخ النوري في مستدرك الوسائل ١: ٢٦٨.

(٢) كذا في النسخ، ولعلّ الصواب: فكذاك.

(٣) قال ابن البرّاج في المهذّب ١: ١٤٩: (صلاة الاستخارة ركعتان، يصلّيهما مَن أراد صلاتها كما يصلّي غيرهما من النوافل، فإذا فرغ من القراءة في الركعة الثانية قنت قبل الركوع ثم يركع ويقول في سجوده: أستخير الله، مائة مرّة، فإذا أكل المائة قال: لا إله إلاّ الله الحليم الكريم لا إله إلاّ الله العليّ العظيم، ربّي بحقِّ محمّدٍ وآل محمد، صلِّ على محمّدٍ وآل محمد، وخر لي في كذا وكذا. ويذكر حاجته التي قصد هذه الصلاة لأجلها، وقد ورد في صلاة الاستخارة وجوه غير ما ذكرناه، والوجه الذي ذكرناه - ها هنا - من أحسنها).

٢٤٨

الباب الثالث عشر

في بعض ما رويته من الاستخارة بسبعين مرّة

أخبرني شيخي الفقيه محمد بن نما والشيخ أسعد بن عبد القاهر الأصفهاني، بإسنادهما الذي قدّمناه إلى جدّي أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي رضوان الله عليه، فيما ذكره في تهذيب الأحكام عن معاوية بن ميسرة، ولم يذكر رحمه الله إسناده لهذا الحديث الذي يأتي ذكره إلى معاوية بن ميسرة، فإذا كان هذا الحديث في كتاب معاوية بن ميسرة المشار إليه، فهذا إسناد جدّي أبي جعفر الطوسي رضوان الله عليه.

قال في الفهرست: معاوية بن ميسرة، له كتاب، أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، عن ابن بطّة، عن أحمد بن محمد ابن عيسى، عن علي بن الحكم، عنه(١) .

وذكر الرواية في المصباح الكبير أيضاً، وهذا لفظه: وروى معاوية بن ميسرة عنه (عليه السلام) أنّه قال: (ما استخار الله عبد سبعين مرّة بهذه الاستخارة، إلاّ رماه الله بالخيرة، يقول: يا أبصر الناظرين، ويا أسمع

____________________

(١) الفهرست: ١٦٧/ ٧٣١.

٢٤٩

السامعين، ويا أسرع الحاسبين، ويا أرحم الراحمين، ويا أحكم الحاكمين، صلِّ على محمّدٍ وأهل بيته، وَخِرْ لي في كذا وكذا)(١) .

يقول علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد بن الطاووس: أمّا ما تضمّنت هذه الرواية من ذكر الاستخارة بسبعين مرّة بهذا الدعاء - ولم تذكر صلاة إلاّ كان لفظ الاستخارة بالرقاع - فإنّ هذا عام، ويحتمل أن يكون هذا الدعاء سبعين مرّة مضافاً إلى الاستخارة بالرقاع، ويكون إذا استخار بالرقاع وقال هذه السبعين مرّة كفاه ذلك عن المائة مرّة، وهذا التأويل ممّا تراه كي لا يسقط شيء ممّا رويناه، أو يكون على سبيل التخيير بينها وبين الروايات التي رويناها في الاستخارات.

____________________

(١) مصباح المتهجّد: ٤٨١، والتهذيب ٣: ١٨٢/ ٨، ورواه الصدوق في الفقيه ١: ٣٥٦/ ٦، والشيخ المفيد في المقنعة: ٣٦، والطبرسي في مكارم الأخلاق: ٣٢٠ بزيادة، والشهيد الأوّل في ذكرى الشيعة: ٢٥٢، والكفعمي في المصباح: ٣٩١ عنهم (عليهم السلام)، والبلد الأمين: ١٦٠، ونقله كلٌّ من: المجلسي في بحار الأنوار ٩١: ٢٨٢/ ٣٣، والنوري في مستدرك الوسائل ١: ٤٥٢/ ٣، عن فتح الأبواب: نقلاً من كتاب سعد بن عبد الله الثقة، عن الحسين، عن محمد بن خالد، عن أبي الجهم، عن معاوية بن ميسرة قال: قال أبو عبد الله ...، ولم يرد النص بهذا السند فيما اعتمدناه من النسخ الخطّيّة، ولعلّه سقط منها، فتأمّل.

٢٥٠

الباب الرابع عشر

في بعض ما رويته ممّا يجري فيه الاستخارة بعشر مرّات

أخبرني شيخي الفقيه محمد بن نما والشيخ أسعد بن عبد القاهر الأصفهاني، بإسنادهما الذي قدّمناه إلى جدّي أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي، فيما رواه عن الحسن بن محبوب السراد.

قال جدّي أبو جعفر الطوسي: أخبرنا بجميع كتبه ورواياته، عدّة من أصحابنا، عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين ابن بابويه، عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن الهيثم بن أبي مسروق ومعاوية بن حكيم وأحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب(١) .

وقال جدّي أبو جعفر الطوسي: وأخبرنا ابن أبي جيد، عن ابن الوليد، عن الصفّار، عن أحمد بن محمد ومعاوية بن حكيم والهيثم بن أبي مسروق، كلّهم عن الحسن بن محبوب(٢) .

____________________

(١ - ٢) فهرست الشيخ: ٤٧.

٢٥١

قال الحسن بن محبوب: عن أبي أيوب الخزاز، عن محمد بن مسلم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (كنّا أُمرنا بالخروج إلى الشام فقلت: اللّهمّ إنْ كان هذا الوجه الذي هممت به خيراً لي في ديني ودنياي وعاقبة أمري ولجميع المسلمين، فيسّره لي وبارك لي فيه، وإن كان ذلك شرّاً لي، فاصرفه عنّي إلى ما هو خير لي منه، فإنّك تعلم ولا أعلم، وتقدر ولا أقدر، وأنت علاّم الغيوب، أستخير الله - ويقول ذلك مائة مرّة - قال: وأخذت حصاة(١) فوضعتها على نعلي حتى أتممتها) فقلت: أليس إنّما يقول هذا الدعاء مرّة واحدة، ويقول: أستخير الله. مائة مرّة؟ قال: هكذا قلت: مائة مرّة، ومرّة هذا الدعاء، قال: فصرف ذلك الوجه عنّي، وخرجت بذلك الجهاز إلى مكّة، ويقولها في الأمر العظيم مائة مرّة ومرّة، وفي الأمر الدون عشر مرّات(٢) .

يقول علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد بن الطاووس: يحتمل أن تكون الأخبار العامّة في الاستخارات مخصوصة بما قدّمناه من الاستخارة بالرقاع في كل ما يحتمل هذه التأويلات، وما يحتمل التخيير يمكن أن يكون المراد التخيير لئلاّ يسقط شيء من الروايات، وأمّا ما تضمّن هذا الحديث، وما سيأتي من الأخبار في أنّ الأمر الجسيم والعظيم على ما سيأتي من الآثار مائة مرّة ومرّة فإنّه كاشف عن أنّ أبلغ الاستخارات مائة مرّة ومرّة، وما يكون دون الأمر العظيم فبحسب ما يوجد في الروايات وينقل عن الثقات.

____________________

(١) قال المجلس في بيانه على العبارة في البحار ٩١: ٢٨٣: لعلّ وضع الحصاة على النعل لضبط العدد تعليماً للغير، ويحتمل أن يكون وضع الحصاة الواحدة فقط فيكون جزء للعمل لكنّه بعيد.

(٢) نقله المجلسي في بحار الأنوار ٩١: ٢٨٢/ ٣٤، والنوري في المستدرك ١: ٤٥٢/ ٤، وأخرج قطعة منه الحرّ العاملي في وسائل الشيعة ٥: ٢١٦/ ١٠.

٢٥٢

الباب الخامس عشر

في بعض ما رويته من الاستخارة بسبع مرّات

أخبرني شيخي الفقيه محمد بن نما والشيخ أسعد بن عبد القاهر الأصفهاني بإسنادهما الذي قدّمناه، فيما رويناه عن أبي جعفر محمد بن بابويه القمّي، قال في كتاب مَن لا يحضره الفقيه، وقد ضمن صحّة كل ما رواه فيه وأفتى به وتقلّد العمل بموجبه(١) ، قال ما هذا لفظه:

عن الصادق (عليه السلام) أنّه كان إذا أراد شراء العبد أو الدابة أو الحاجة الخفيفة أو الشيء اليسير، استخار الله عزّ وجلّ فيه سبع مرّات، وإذا كان أمراً جسيماً استخار الله فيه مائة مرّة(٢) .

____________________

(١) إشارة إلى قول الشيخ الصدوق في مقدّمة كتابه الفقيه ١: ٣: (ولم أقصد فيه قصد المصنّفين في إيراد جميع ما رووه بل قصدت إلى إيراد ما أفتي به وأحكم بصحّته، وأعتقد فيه أنّه حجّة فيما بيني وبين ربّي تقدّس ذكره وتعالت قدرته، وجميع ما فيه مستخرج من كتب مشهورة، عليها المعوّل وإليها المرجع).

(٢) مَن لا يحضره الفقيه ١: ٣٥٥ / ٥، وفيه: وروى حماد بن عيسى، عن ناجية، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، ورواه الطبرسي في مكارم الأخلاق: ٣٧٠، والشهيد الأوّل في ذكرى الشيعة: ٢٥٢، والكفعمي في المصباح: ٣٩٢، ونقله العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار ٩١: ٢٨٠ / =

٢٥٣

يقول علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد بن الطاووس: وهذا أيضاً يحتمل أنْ يختص عمومه بالاستخارات؛ كي لا يسقط شيء من روايات أصحابنا الثقات(١) .

____________________

= ٣١ عن المكارم والفقيه، وقال بعده: (الفتح: نقلاً من كتاب الدعاء لسعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن العباس بن معروف، عن حماد بن عيسى، عن حريز بن عبد الله، عن ناجية قال: كان أبو عبد الله (عليه السلام) إذا أراد، وذكر مثله). ولم يرد النص المذكور في النسخ التي اعتمدناها، ولعلّه سقط منها، وبقي في نسخة العلاّمة المجلسي من الكتاب ظاهراً، فتأمّل.

(١) قال المولى محمد تقي المجلسي في روضة المتّقين ٢: ٨٢٦، في تعليقه على الحديث: الظاهر جواز الاستخارة في الشيء اليسير بالسبع وإن كان المائة والواحدة أفضل؛ لعموم الأخبار المتقدّمة وإن أمكن تخصيصها بهذا الخبر.

٢٥٤

الباب السادس عشر

في بعض ما رويته في الاستخارة بثلاث مرّات

أخبرني شيخي الفقيه محمد بن نما والشيخ أسعد بن عبد القاهر الأصفهاني، بالإسناد الذي قدّمناه إلى جدّي أبي جعفر الطوسي، بإسناده إلى الحسن بن محبوب، عن أبي أيوب الخزاز، عن ابن مسكان، عن ابن أبي يعفور، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول في الاستخارة: (تُعظّم الله وتمجّده وتحمده وتصلّي على النبي (صلّى الله عليه وآله) ثمّ تقول: اللّهمّ إنّي أسالك بأنّك عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم، وأنت علاّم الغيوب(١) ، أستخير الله برحمته).

ثم قال أبو عبد الله عليه السلام: (إنْ كان الأمر شديداً تخاف فيه، قلته مائة مرّة، وإنْ كان غير ذلك قلته ثلاث مرّات)(٢) .

يقول علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد بن الطاووس: وهذا أيضاً عامّ محتمل للتخصيص بروايات الاستخارات بالرقاع، وكي لا(٣) يسقط شيء من أخبار أصحابنا الثقات.

____________________

(١) في (م) والوسائل: وأنت عالم للغيوب.

(٢) نقله المجلسي في بحار الأنوار ٩١: ٢٥٦ / ١، والحرّ العاملي ٥: ٢٠٨ / ١٣.

(٣) في (ش): ولئلاّ.

٢٥٥

٢٥٦

الباب السابع عشر

في بعض ما رويته في الاستخارة بمرّة واحدة

أخبرني شيخي الفقيه محمد بن نما والشيخ أسعد بن عبد القاهر الأصفهاني، بإسنادهما الذي قدّمناه إلى هارون بن خارجة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (مَن استخار الله مرّة واحدة وهو راضٍ به، خار الله له حتماً)(١) .

____________________

(١) ذكره الكفعمي في المصباح: ٣٩٢، ونقله المجلسي في بحار الأنوار ٩١: ٢٥٦.

٢٥٧

٢٥٨

الباب الثامن عشر

فيما رأيته في الاستخارة بقول ما شئت من مرّة

يقول علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد بن الطاووس: وجدته في أصل من أُصول أصحابنا، تأريخ كتابته في شهر ربيع الآخر سنة أربع عشر وثلاثمائة، قال ما هذا لفظه:

وجاء في الاستخارة في الأمر الذي تهوى أنْ تفعله: اللّهمّ وفّق لي كذا وكذا، واجعل لي فيه الخيرة في عافية. تقول ذلك ما شئت من مرّة، وإذا كان ممّا تحبّ أنْ يعزم لك على أصلحه، قلت: اللّهمّ وفّق لي الذي هو خيرٌ واجعل لي فيه الخيرة في عافية. تقوله ما شئت من مرّة، وكلّ ما استخرت فليكن فيه: (برحمتك في عافية) فإنّ في قول مَن يقول: (بعلمك) أنّ في علم الله الخير والشر(١) .

يقول علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد بن الطاووس: ما وقفت إلى الآن على رواية مسندة، بأنّه يقول ما شاء من مرّة في الاستخارة، وإنّما لعلّ ذلك من مقام أصحاب التفويض والتوكّل، فإنّهم إذا صدقوا له في

____________________

(١) أورده العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار ٩١: ٢٥٧.

٢٥٩

تفويضهم وتوكّلهم وفّقهم الله تعالى، ووفّقهم عندما يختار لهم من العدد في الاستخارات، وهذا ممّا يمكن مع التفويض إلى الله تعالى والتوكّل عليه، حتّى يعلم الإنسان أنّه موقف(١) عند العدد الذي يريد الله جلّ جلاله وصوله إليه.

فصل:

يتضمّن الاستخارة في كلّ ركعة من الزوال،

ولم يتضمّن عدداً ولا تفصيلاً للحال

يقول علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد بن الطاووس: لمّا رأيت الرواية بذلك مجملة(٢) في كيفيّة الاستخارات في العدد والرقاع والدعاء وترجيح الخاطر، أو غير ذلك من الأسباب، وجدتها أقرب إلى أن يكون ذِكْرها في هذا الباب.

أخبرني شيخي الفقيه محمد بن نما والشيخ أسعد بن عبد القاهر الأصفهاني، بإسنادهما إلى الحسن بن محبوب، قال: عن العلاء(٣) ، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: (الاستخارة في كلّ ركعة من الزوال)(٤) .

وأخبرني شيخي الفقيه محمد بن نما والشيخ أسعد بن عبد القاهر الأصفهاني، بإسنادهما إلى جدّي محمد بن الحسن الطوسي قال: أخبرنا

____________________

(١) في (د) موفّق.

(٢) في (د) زيادة: تفصيل.

(٣) العلاء: مشترك بين جماعة، والتمييز إنّما هو بالراوي والمروي عنه، وإن كان المراد به في أكثر الموارد العلاء بن رزين كما إذا كان المروي عنه محمد بن مسلم (معجم رجال الحديث ١١: ١٦٥).

(٤) نقله المجلسي في بحار الأنوار ٩١: ٢٥٧، والحرّ العاملي في وسائل الشيعة ٥: ٢٢٠/ ١.

٢٦٠