بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٨

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة0%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 668

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

مؤلف: الشيخ محمد تقي التّستري
تصنيف:

الصفحات: 668
المشاهدات: 59630
تحميل: 3260


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 668 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • المشاهدات: 59630 / تحميل: 3260
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 8

مؤلف:
العربية

قد أحلّتها آية و حرّمتها آية اخرى. قلت: فهل يصير إلاّ أن يكون إحداهما قد نسخت الاخرى أو هما محكمتان جميعا ينبغي أن يعمل بهما؟ فقال: قد بين لكم إذ نهى نفسه و ولده عنها. قلت: ما منعه أن يبيّن ذلك للناس؟ فقال: خشي ألاّ يطاع، و لو أن عليّا ثبتت له قدماه أقام كتاب اللّه و الحق كله( ١) .

و روي عن منصور بن حازم قال: كنت عند أبي عبد اللّهعليه‌السلام فأتاه رجل فسأله عن رجل تزوج امرأة فماتت قبل أن يدخل بها، أ يتزوج بأمها؟ فقال: قد فعله رجل منّا فلم ير به بأسا. فقلت له: جعلت فداك ما تفخر الشيعة إلاّ بقضاء عليّعليه‌السلام في هذه الشمخية التي أفتاها ابن مسعود أنه لا بأس بذلك، ثم أتى عليّا فقال له: من أين أخذتها؟ قال: من قوله تعالى: و ربائبكم اللاّتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فان لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم( ٢ ) ، فقال علي: إنّ هذه مستثناة و آية و امهات نسائكم( ٣ ) مرسلة.

إلى أن قال: فقلت لأبي جعفر: ما تقول أنت فيها؟ فقال: تخبرني أنّ عليّا قضى بها و تسألني ما تقول فيها( ٤ ) ؟

و روي عن سيف بن عميرة قال: مرّ أمير المؤمنينعليه‌السلام برجل يصلّي الضحى في مسجد الكوفة، فغمز جنبه بالدرة و قال: نحرت صلاة الأوّابين نحرك اللّه قال: فأتركها؟ فقال: أ رأيت الذي ينهى عبدا إذا صلّى( ٥ ) . قال أبو عبد اللّهعليه‌السلام و كفى بإنكار عليّعليه‌السلام نهيا( ٦) .

و روى (الفقيه) عن ابن عباس قال: كتب إليّ عليّعليه‌السلام في ستة إخوة

____________________

(١) الكافي ٥: ٥٥٦، ٨.

(٢) النساء: ٢٣.

(٣) النساء: ٢٣.

(٤) الكافي ٥: ٤٢٢، ٤.

(٥) العلق: ٩ و ١٠.

(٦) الكافي ٣: ٤٥٢، ٨.

١٤١

و جدّ أن اجعله كأحدهم و امح كتابي. قال: فجعله عليّعليه‌السلام سابعا، و قوله «و أمح كتابي» كره أن يشنع عليه بالخلاف على من تقدمه( ١) .

و روى (غارات الثقفي) في آخر عنوانه الثاني «في غنيّ و باهلة» مسندا عن الحارث بن حصيرة عن أصحابه عن عليّعليه‌السلام قال: «أدعوا لي غنيّا و باهلة و حيّا آخر قد سمّاهم فليأخذوا اعطياتهم، فو الذي فلق الحبة و برأ النسمة ما لهم في الإسلام نصيب، و إني لشاهد لهم في منزلي عند الحوض و عند المقام المحمود أنهم أعدائي في الدنيا و الاخرة، و لئن ثبتت قدماي لأردّنّ قبيلة إلى قبيلة و لأبهرجنّ ستين قبيلة ما لهم في الإسلام من نصيب» ثم قال: و عن يوسف بن كليب عن يحيى بن سالم عن عمرو بن عمير عن أبيه عنه مثله( ٢) .

____________________

(١) الفقيه ٤: ٢٠٨ ح ٢٩.

(٢) الغارات ١: ٢٠ ٢٢.

١٤٢

الفصل الخامس و العشرون في شكايتهعليه‌السلام من أهل عصره

١٤٣

١٤٤

١ - الخطبة (٣١) و من خطبة لهعليه‌السلام :

أَيُّهَا اَلنَّاسُ إِنَّا قَدْ أَصْبَحْنَا فِي دَهْرٍ عَنُودٍ وَ زَمَنٍ كَنُودٍ يُعَدُّ فِيهِ اَلْمُحْسِنُ مُسِيئاً وَ يَزْدَادُ اَلظَّالِمُ فِيهِ عُتُوّاً لاَ نَنْتَفِعُ بِمَا عَلِمْنَا وَ لاَ نَسْأَلُ عَمَّا جَهِلْنَا وَ لاَ نَتَخَوَّفُ قَارِعَةً حَتَّى تَحُلَّ بِنَا فَالنَّاسُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَصْنَافٍ مِنْهُمْ مَنْ لاَ يَمْنَعُهُ اَلْفَسَادَ إِلاَّ مَهَانَةُ نَفْسِهِ وَ كَلاَلَةُ حَدِّهِ وَ نَضِيضُ وَفْرِهِ وَ مِنْهُمْ اَلْمُصْلِتُ لِسَيْفِهِ وَ اَلْمُعْلِنُ بِشَرِّهِ وَ اَلْمُجْلِبُ بِخَيْلِهِ وَ رَجِلِهِ قَدْ أَشْرَطَ نَفْسَهُ وَ أَوْبَقَ دِينَهُ لِحُطَامٍ يَنْتَهِزُهُ أَوْ مِقْنَبٍ يَقُودُهُ أَوْ مِنْبَرٍ يَفْرَعُهُ وَ لَبِئْسَ اَلْمَتْجَرُ أَنْ تَرَى اَلدُّنْيَا لِنَفْسِكَ ثَمَناً وَ مِمَّا عِنْدَ اَللَّهِ عِوَضاً وَ مِنْهُمْ مَنْ يَطْلُبُ اَلدُّنْيَا بِعَمَلِ اَلْآخِرَةِ وَ لاَ يَطْلُبُ اَلْآخِرَةَ بِعَمَلِ اَلدُّنْيَا قَدْ طَامَنَ مِنْ شَخْصِهِ وَ قَارَبَ مِنْ خَطْوِهِ وَ شَمَّرَ مِنْ ثَوْبِهِ وَ زَخْرَفَ مِنْ نَفْسِهِ لِلْأَمَانَةِ وَ اِتَّخَذَ سِتْرَ اَللَّهِ ذَرِيعَةً إِلَى اَلْمَعْصِيَةِ وَ مِنْهُمْ مَنْ أَبْعَدَهُ عَنْ

١٤٥

طَلَبِ اَلْمُلْكِ ضُئُولَةُ نَفْسِهِ وَ اِنْقِطَاعُ سَبَبِهِ فَقَصَرَتْهُ اَلْحَالُ عَلَى حَالِهِ فَتَحَلَّى بِاسْمِ اَلْقَنَاعَةِ وَ تَزَيَّنَ بِلِبَاسِ أَهْلِ اَلزَّهَادَةِ وَ لَيْسَ مِنْ ذَلِكَ فِي مَرَاحٍ وَ لاَ مَغْدًى وَ بَقِيَ رِجَالٌ غَضَّ أَبْصَارَهُمْ ذِكْرُ اَلْمَرْجِعِ وَ أَرَاقَ دُمُوعَهُمْ خَوْفُ اَلْمَحْشَرِ فَهُمْ بَيْنَ شَرِيدٍ نَادٍّ وَ خَائِفٍ مَقْمُوعٍ وَ سَاكِتٍ مَكْعُومٍ وَ دَاعٍ مُخْلِصٍ وَ ثَكْلاَنَ مُوجَعٍ قَدْ أَخْمَلَتْهُمُ اَلتَّقِيَّةُ وَ شَمِلَتْهُمُ اَلذِّلَّةُ فَهُمْ فِي بَحْرٍ أُجَاجٍ أَفْوَاهُهُمْ ضَامِزَةٌ وَ قُلُوبُهُمْ قَرِحَةٌ وَ قَدْ وَعَظُوا حَتَّى مَلُّوا وَ قُهِرُوا حَتَّى ذَلُّوا وَ قُتِلُوا حَتَّى قَلُّوا فَلْتَكُنِ اَلدُّنْيَا فِي أَعْيُنِكُمْ أَصْغَرَ مِنْ حُثَالَةِ اَلْقَرَظِ وَ قُرَاضَةِ اَلْجَلَمِ وَ اِتَّعِظُوا بِمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ قَبْلَ أَنْ يَتَّعِظَ بِكُمْ مَنْ بَعْدَكُمْ وَ اُرْفُضُوهَا ذَمِيمَةً فَإِنَّهَا رَفَضَتْ مَنْ كَانَ أَشْغَفَ بِهَا مِنْكُمْ قال المصنّف: هذه الخطبة ربّما نسبها من لا علم له إلى معاوية و هي من كلام أمير المؤمنينعليه‌السلام الّذي لا يشكّ فيه، و أين الذّهب من الرّغام، و العذب من الأجاج، و قد دلّ على ذلك الدّليل الخرّيت، و نقده النّاقد البصير عمرو بن بحر الجاحظ، فإنه ذكر هذه الخطبة في كتاب البيان و التبيين، و ذكر من نسبها إلى معاوية ثمّ قال: هي بكلام عليّ أشبه، و بمذهبه في تصنيف النّاس و بالإخبار عمّا هم عليه من القهر و الإذلال، و من التقيّة و الخوف أليق. قال: و متى وجدنا معاوية فى حال من الأحوال يسلك في كلامه مسلك الزّهّاد و مذاهب العبّاد. «أصبحنا في دهر عنود» عند عن الطريق: عدل. لابن لنكك البصري:

نحن و اللّه في زمان غشوم

لو رأيناه في المنام فزعنا

١٤٦

يصبح الناس فيه من سوء حال

حقّ من مات منهم ان يهنّا( ١)

«و زمن كنود» رجل كنود: كافر النعمة، و أرض كنود: لا تنبت شيئا. لابن لنكك البصري:

يا زمانا ألبس الأحرار ذلاّ و مهانة

لست عندي بزمان إنّما أنت زمانه( ٢)

قال البحتري:

و خلّفني الزمان على أناس

وجوههم و أيديهم حديد

لهم حلل حسنّ فهن بيض

و أخلاق سمجن فهن سود

و أخلاق البغال فكلّ يوم

يعنّ لبعضهم خلق جديد

و أكثر ما لسائلهم لديهم

إذا ما جاء قولهم تعود

و وعد ليس يعرف من عبوس

انقباضهم أوعد أم وعيد

اناس لو تأمّلهم لبيد

بكى الخلف الذي يشكو لبيد( ٣)

«يعد فيها المحسن مسيئا» الذين يلمزون المطّوّعين من المؤمنين في الصدقات و الذين لا يجدون إلاّ جهدهم فيسخرون منهم.( ٤ ) «و يزداد الظالم فيه عتوّا» و نخوّفهم فما يزيدهم إلاّ طغيانا كبيرا( ٥) .

«لا ننتفع بما علمنا» في (الكافي) عنهعليه‌السلام : العالم العامل بغيره كالجاهل

____________________

(١) انظر معجم الأدباء لياقوت الحموي ١٩: ٧.

(٢) انظر معجم الادباء ١٩: ٩، و الشعر هكذا:

يا زمانا البس الأح

رار ذلاّ و مهانه

لست عندي بزمان

إنّما أنت زمانه

() الزمانة: العاهة و تعطيل القوى. (هامش المعجم).

(٣) ديوان البحتري ٢: ١٢ ١٣ طبعة دار صعب، بيروت.

(٤) التوبة: ٧٩.

(٥) الاسراء: ٦٠.

١٤٧

الذي لا يستفيق من جهله، بل قد رأيت أن الحجة عليه أعظم( ١) .

«و لا نسأل عمّا جهلنا» أيضا: و إنّ طلب العلم أوجب عليكم من طلب المال، إنّ المال مقسوم مضمون لكم، قد قسمه عادل بينكم و ضمنه، و سيفي لكم، و العلم مخزون عند أهله و قد أمرتم بطلبه( ٢) .

«و لا نتخوف قارعة حتى تحلّ بنا» القارعة: الشديدة من الشدائد، و لذا سميت بها القيامة. و عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : شيّبتني قوارع القرآن( ٣) .

«فالناس على أربعة أصناف» المراد الناس المذمومون.

«منهم من لا يمنعه الفساد إلاّ مهانة نفسه» هكذا في (المصرية)( ٤) ، و الصواب: «منهم من لا يمنعه الفساد في الأرض إلاّ مهانة نفسه» كما في (ابن أبي الحديد) و غيره( ٥ ) . و مهانة نفسه: حقارتها. و «الفساد» منصوب بنزع الخافض.

قالوا: لما أرادوا البيعة لمروان بعد يزيد قام روح بن زنباع فقال:

تذكرون عبد اللّه بن عمر و صحبته و لكنه رجل ضعيف مهين و ليس مثله بصاحب الامة( ٦) .

«و كلالة حدّه» من كلّ السيف: إذا لم يقطع.

«و نضيض وفره» من نضّ الماء: سال قليلا قليلا، و سقاء أوفر: لم ينقص من أديمه شي‏ء، و هذا الصنف هم الأكثرون من الناس، و في طبعهم الفساد في

____________________

(١) الكافي ١: ٤٥، ح ٦.

(٢) الكافي للكليني ١: ٣٠ ح ٤، بتقطيع.

(٣) نقله بهذا اللفظ الزمخشري في الأساس: ٣٦٣ مادة (قرع)، لكن المشهور غير هذا اللفظ.

(٤) نهج البلاغة ١: ٧٣، من الخطبة ٣٢، و فيه «منهم من لا يمنعهم...».

(٥) شرح ابن أبي الحديد ٢: ١٧٦ و ابن ميثم الطبع الحجري ٢: ١٤٥، و فيه «منهم من لا يمنعه من الفساد في الأرض».

(٦) تاريخ الطبري ٥: ٥٣٦، احداث سنة ٦٤ ه، طبعة دار سويدان، بيروت.

١٤٨

الأرض، إلاّ أنّ مهانة نفسه و قلة ماله تمنعانه ممّا في باطنه، فإن صار يوما ذا مكنة و رياسة يظهر مكنونه و يعلم خبثه، كالحجّاج في أول أمره لما كان معلما بالطائف و آخره لما لحق بعبد الملك.

«و منهم المصلت لسيفه» أي: المجرّد له من غمده. خرج عبد اللّه بن علي على المنصور في أهل خراسان، فخشي ألاّ يناصحوه فأمر صاحب شرطته فقتل منهم نحوا من سبعة عشر ألفا، و قتل مصعب بن الزبير من المستسلمين من عسكر المختار سبعة آلاف صبرا، فقال له ابن عمر: أنت القاتل سبعة آلاف من أهل القبلة في غداة واحدة؟ عش ما استطعت. فقال مصعب: إنهم كانوا كفرة سحرة سموهم كفرة سحرة لمّا طالبوا بدم ابن بنت نبيّهمصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال له ابن عمر: و اللّه لو قتلت عدتهم غنما من تراث أبيك لكان ذلك سرفا( ١) .

«و المعلن بشرّه» في الخبر: شر الناس من أكرمه الناس اتّقاء شره( ٢) .

«و المجلب عليهم بخيله و رجله» و الاجلاب كذلك كناية عن صرف غاية جهده، و الخيل: الفرسان و الرّجل: الرجالة، قال تعالى في الشيطان و استفزز من استطعت منهم بصوتك و أجلب عليهم بخيلك و رجلك( ٣) .

«قد اشرط نفسه» أي: أعذها و جعل لها علامة يعرفونه بها.

«و أوبق دينه» أي: أهلكه.

«لحطام ينتهزه» أي: يغتنمه، و الحطام: ما تكسّر من اليبس.

«أو مقنب يقوده» في (الصحاح) المقنب: ما بين الثلاثين إلى الأربعين من الخيل( ٤) .

____________________

(١) تاريخ الطبري ٦: ١١٢ ١١٣، احداث سنة ٦٧ ه، طبعة دار سويدان، بيروت.

(٢) الكافي ٢: ٣٢٦ ٣٢٧، ح ٢ و ٤، بتصرف.

(٣) الاسراء: ٦٤.

(٤) الصحاح ١: ٢٠٦.

١٤٩

روى (اسد الغابة) عن ابن حاطب أنه ذكر ابن الزبير فقال: طالما حرص على الامارة. أتي النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بلص فأمر بقتله، فقيل له: إنه سرق. فقال: إقطعوه.

ثم أتي به بعد إلى أبي بكر و قد سرق و قد قطعت قوائمه فقال: ما أجد لك شيئا إلاّ ما قضى فيك النبيّ يوم أمر بقتلك، فانه كان أعلم بك، ثم أمر بقتله أغيلمة من أبناء المهاجرين أنا فيهم. فقال ابن الزبير: أمّروني عليكم فأمّرناه علينا ثم انطلقنا به فقتلناه( ١) .

«أو منبر يفرعه» أي: يصعده، للفرزدق في فقيمي صار أميرا:

بكى المنبر الشرقي إذ قام فوقه

خطيب فقيميّ قصير الدوارج( ٢)

و في (ديوان البحتري) في مدح المعتز و هجو المستعين:

بكي المنبر الشرقي إذ خار فوقه

على الناس ثور قد تدلّت غباغبه( ٣)

و في (المروج): لما ولّي سعيد بن العاص الكوفة بعد الوليد بن عقبة الذي صلّى الصبح أربعا في سكره، أبى أن يصعد المنبر حتى يغسل، و قال: إنّ الوليد كان رجسا نجسا( ٤) .

«و لبئس المتجر أن ترى الدنيا لنفسك ثمنا، و ممّا عند اللّه عوضا» بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل اللّه( ٥ ) ، أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة فلا يخفف عنهم العذاب و لا هم ينصرون( ٦) .

«و منهم من يطلب الدنيا بعمل الآخرة و لا يطلب الآخرة بعمل الدنيا» في

____________________

(١) أسد الغابة ١: ٣٢٢.

(٢) لسان العرب ٢: ٢٦٧، طبعة ايران، نشر أدب الحوزة، مادة (درج).

(٣) ديوان البحتري ١: ٩٠، طبعة دار صعب، بيروت.

(٤) مروج الذهب ٢: ٣٣٦.

(٥) البقرة: ٩٠.

(٦) البقرة: ٨٦.

١٥٠

(الكافي) عن الصادقعليه‌السلام : من أراد اللّه بالقليل من عمله أظهره اللّه له أكثر مما أراد، و من أراد الناس بالكثير من عمله في تعب من بدنه و سهر من ليله أبى اللّه تعالى إلاّ أن يقلله في عين من سمعه( ١) .

و في (المروج): أظهر ابن الزبير الزهد في الدنيا و العبادة مع الحرص على الخلافة و قال: انما بطني شبر فما عسى أن يسع ذلك من الدنيا، و أنا العائذ بالبيت و المستجير بالرب، و كثرت أذيته لبني هاشم مع شحّه بالدنيا على سائر الناس، فقال أبو حرة:

لو كان بطنك شبرا قد شبعت و قد

أفضلت فضلا كثيرا للمساكين

فيا راكبا إما عرضت فبلغن

كبير بني العوام إن قيل من تعني

تخبّر من لاقيت أنك عائذ

و تكثر قتلا بين زمزم و الركن

تخبّرنا أن سوف تكفيك قبضة

و بطنك شبر أو أقلّ من الشبر

و أنت إذا ما نلت شيئا قضمته

كما قضمت نار الغضا حطب السدر( ٢)

«قد طامن من شخصه» أي: سكن منه «و قارب من خطوه» في (الصحاح) الخطوة بالضم ما بين القدمين( ٣) .

____________________

(١) الكافي ٢: ٢٩٦، ح ١٣.

(٢) مروج الذهب ٣: ٧٥ و البيت الأخير لفيروز الديلمي لا لأبي مرة.

(٣) الصحاح للجوهري ٦: ٢٣٢٨.

١٥١

«و شمّر من ثوبه» أي: رفع منه. في خبر (الكافي): رأى سفيان الثوري الصادقعليه‌السلام في المسجد الحرام و عليه ثياب حسان، فقال له ما لبس النبيّ و علي مثل هذا اللباس. فقال: كان النبيّ‏ّصلى‌الله‌عليه‌وآله في زمان قتر مقتر، و كان يأخذ لقتره و إقتاره، و إن الدنيا بعد ذلك أرخت عز اليها، فأحق أهلها بها أبرارها ثم تلا قل من حرّم زينة اللّه التي أخرج لعباده و الطيبات من الرزق( ١ ) ، و نحن أحق من أخذ منها ما أعطاه اللّه، غير أني يا ثوري ما ترى عليّ من ثوب إنما ألبسه للناس، ثم اجتذب يد سفيان فجرّها إليه ثم رفع الثوب الأعلى و أخرج ثوبا تحت ذلك على جلده غليظا و قال: ألبسه لنفسي و ما رأيته للناس ثم جذب ثوبا على سفيان أعلاه غليظ خشن و داخل ذلك ثوب ليّن و قال: لبست هذا الأعلى للناس و لبست هذا لنفسك تسرّها( ٢) .

و في (البيان): ان الحسنعليه‌السلام قال: إن قوما جعلوا تواضعهم في ثيابهم، و كبرهم في صدورهم، حتى لصاحب المدرعة أشد فرحا بمدرعته من صاحب المطرف بمطرفه( ٣ ) . و لبعضهم:

يرى الناس الهيئة كالمسيح بن مريم

و في ثوبه المسيّح او هو اغدر

أغرّكم منه تقلّص ثوبه

و ذلك حبّ تحته الفخّ فاحذروا( ٤)

«و زخرف من نفسه للأمانة» أي: زين و موّه.

و في خبر (الكافي): بينا يطوف الصادقعليه‌السلام إذ جذب عبّاد بن كثير البصري ثوبه و قال له: تلبس مثل هذا اللباس مع المكان الذي أنت فيه من عليّعليه‌السلام فقال: كان علي في زمان يستقيم له ما لبس فيه، و لو لبست مثل ذلك

____________________

(١) الأعراف: ٣٢.

(٢) الكافي ٦: ٤٤٢، ح ٨.

(٣) البيان و التبيين ٣: ١٥١، و فيه «... حتى لصاحب المدرعة بمدرعته أشد فرحا من...».

(٤) أي: الشيطان.

١٥٢

اللباس لقال الناس: هذا مراء مثل عباد( ١) .

«و اتخذ ستر اللّه ذريعه إلى المعصية» يستخفون من الناس و لا يستخفون من اللّه و هو معهم إذ يبيّتون ما لا يرضى من القول و كان اللّه بما يعملون محيطا( ٢) .

و قالعليه‌السلام : لا تبدين عن واضحة و قد عملت الأعمال الفاضحة، و لا يأمن البيات من عمل السيئات( ٣) .

«و منهم من أبعده عن طلب الملك ضؤولة نفسه» أي: حقارتها «و انقطاع سببه» أي: وسيلته و وصلته «فقصر به الحال على حاله» أي: لم يقدر على طلب امارة لضؤولته.

«فتحلّى باسم القناعة» أي: جعل اسم القناعة حلية له.

«و تزين بلباس أهل الزهادة» أي: جعل لباس أهل الزهادة زينة له.

و أنت بالليل لا حريم له

و بالنهار على سمت ابن سيرين( ٤)

«و ليس من ذلك في مراح و لا مغدى» كناية عن أنه ليس من الزهد و القناعة في شي‏ء، كما أن قولهم «ما ترك فلان من أبيه مغدى و لا مراحا»( ٥ ) كناية عن كمال شباهته به، و المراد بالصنف الأخير الذي ذكرهعليه‌السلام : الصوفية الضالّة المضلّة كعمرو بن عبيد و الثوري.

«و بقي رجال» غير الأصناف المذمومين، و هم الذين لا أثر لسوء الزمان فيهم لكونهم عارفين باللّه تعالى و بجلاله، و بفناء هذه الدنيا، و أنهم

____________________

(١) الكافي ٦: ٤٤٣، ح ٩.

(٢) النساء: ١٠٨.

(٣) أخرجه الكافي ٢: ٢٦٩، ح ٥.

(٤) ربيع الابرار ١: ٨١٢، و البيت لموسى العجلي.

(٥) انظر لسان العرب (دار احياء التراث العربي، بتحقيق و تنسيق علي شيري) ٥: ٣٦٣، مادة (روح).

١٥٣

لدار أخرى و هم شيعتهعليه‌السلام .

«غضّ أبصارهم ذكر المرجع» و قلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون( ١) .

«و أراق دموعهم خوف المحشر» أي: صبّها.

روى الكشي، أن أباذر بكى من خشية اللّه حتى اشتكى عينيه فخافوا عليهما فقيل له: لو دعوت اللّه في عينيك. فقال: إني عنهما لمشغول و ما عناني أكثر. فقيل له: و ما شغلك عنهما؟ قال: العظيمتان: الجنّة و النار( ٢) .

«فهم بين شريد ناد» الشريد: الطريد، و نادّ من «ندّ» إذا انفرد و ذهب على وجهه.

روى الطبري عن إسحاق الهمداني قال: إجتمع نفر بالكوفة يطعنون على عثمان من أشراف أهل العراق مالك الأشتر، و ثابت بن قيس النخعي، و كميل ابن زياد الأزدي، و عروة بن الجعد، و عمرو بن الحمق الخزاعي، فكتب سعيد بن العاص إلى عثمان يخبره بأمرهم، فكتب إليه أن سيّرهم إلى الشام و ألزمهم الدروب( ٣) .

و روى خبرا آخر عن الواقدي و زاد فيهم صعصعة بن صوحان، و في خبره، أن معاوية كتب إلى عثمان بعد تسيير سعيد لهم إلى الشام: إني لست آمن إن أقاموا وسط أهل الشام أن يغروهم بسحرهم فارددهم إلى مصرهم.

فكتب عثمان إلى معاوية بردّهم إلى سعيد بالكوفة، فكتب سعيد إلى عثمان يضج منهم، فكتب عثمان إليه أن سيّرهم إلى عبد الرحمن بن خالد بن الوليد

____________________

(١) المؤمنون: ٦٠.

(٢) الكشي: ٢٨ ح ٥٤.

(٣) تاريخ الطبري (تحقيق محمد أبي الفضل ابراهيم، طبع بيروت) ٤: ٣٢٦، نقله المصنّف بتصرف.

١٥٤

بحمص، و كتب عثمان إلى الأشتر و أصحابه: إني سيّرتكم إلى حمص فإذا أتاكم كتابي هذا فانصرفوا إليها فانكم لستم تألون الاسلام و أهله شرا. فلما قرأ الأشتر الكتاب قال: اللهم أسوأنا نظرا للرعية و أعملنا فيهم بالمعصية فعجل له النقمة( ١) .

و روى الواقدي عن صهبان مولى الأسلميين قال: رأيت أباذر يوم أدخل على عثمان فقال له عثمان: أنت الذي فعلت و فعلت. فقال له أبوذر:

نصحتك فاستغششتني، و نصحت صاحبك فاستغشّني. قال عثمان: كذبت.

و لكنك تريد الفتنة، قد أنغلت الشام علينا إلى أن قال قال عثمان: أشيروا عليّ في هذا الشيخ الكذّاب، أضربه أو أحبسه أو أقتله. فإنه قد فرّق جماعة المسلمين، أو أنفيه من أرض الإسلام؟ فتكلم عليّعليه‌السلام و كان حاضرا فقال:

أشير عليك بما قال مؤمن آل فرعون و ان يك كاذبا فعليه كذبه و ان يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم ان اللّه لا يهدي من هو مسرف كذاب( ٢ ) فأجابه عثمان بجواب غليظ، و أجابه علي بمثله...( ٣) .

و روى الجوهري في (سقيفته) عن ابن عباس قال: لما خرج أبوذر إلى الربذة أمر عثمان فنودي في الناس: الا يكلّم أحد أباذر و لا يشيّعه، و أمر مروان أن يخرج به، فخرج به و تحاماه الناس إلاّ عليّاعليه‌السلام إلى أن قال فقال أبوذر لهعليه‌السلام : إنّي ثقلت على عثمان بالحجاز كما ثقلت على معاوية بالشام، و كره عثمان أن أجاور أخاه و ابن خاله يعني الوليد بن عقبة و ابن عامر بالمصرين يعني الكوفة و البصرة فأفسد الناس عليهما فسيّرني إلى بلد

____________________

(١) تاريخ الطبري ٤: ٣٢٥ ٣٢٦.

(٢) غافر: ٢٨.

(٣) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٣: ٥٦، و ٨: ٢٥٩، (طبعة القاهرة بتحقيق محمد أبي الفضل إبراهيم).

١٥٥

ليس لي به ناصر و لا دافع إلاّ اللّه، و و اللّه ما أريد إلاّ اللّه صاحبا و لا أخشى مع اللّه وحشة( ١) .

«و خائف مقموع» أي: مذلل، روى الواقدي أن ابن مسعود لما قدم المدينة دخلها ليلة جمعة، فقال عثمان: أيّها الناس قد طرقكم الليلة دويبة إلى أن قال و صاحت عائشة: يا عثمان أ تقول هذا لصاحب النبيّ‏ّصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ فقال لها: اسكتي.

ثم قال لابن زمعة: أخرجه إخراجا عنيفا، فأخذه ابن زمعة فاحتمله حتى جاء به باب المسجد فضرب به الأرض فكسر ضلعا من أضلاعه، فقال ابن مسعود: قتلني ابن زمعة الكافر بأمر عثمان( ٢) .

«و ساكت مكعوم» من كعمت البعير، إذا جعلت في فمه شيئا تشدّه به، في (تاريخ اليعقوبي) عن بعضهم قال: دخلت مسجد النبيّ‏ّّصلى‌الله‌عليه‌وآله فرأيت رجلا جاثيا على ركبتيه يتلهف تلهف من كأن الدنيا كانت له فسلبها و هو يقول:

و اعجبا لقريش و دفعهم هذا الأمر عن أهل بيتهم و فيهم أوّل المؤمنين باللّه و ابن عم رسول اللّه، أعلم الناس باللّه و أفقههم في دين اللّه و أعظمهم عناء في الاسلام و أبصرهم بالطريق، و أهداهم للصراط المستقيم، و اللّه لقد زووها عن الهادي المهتدي الطاهر النقي و ما أرادوا اصلاحا للامة و لا صوابا في المذهب، و لكنهم آثروا الدنيا على الآخرة فبعدا و سحقا للقوم الظالمين.

فدنوت منه فقلت: من أنت يرحمك اللّه؟ و من هذا الرجل؟ فقال: أنا المقداد بن عمرو، و هذا الرجل علي بن أبي طالب. فقلت: ألا تقوم بهذا الأمر فأعينك عليه؟

فقال: يا ابن أخي إنّ هذا الأمر لا يجزي فيه الرجل و لا الرجلان. فخرجت فلقيت

____________________

(١) السقيفة و فدك للجوهري: ٧٦ ٧٧.

(٢) أورده ابن أبي الحديد في شرحه لنهج البلاغة ٣: ٤٣ و ٤٤، و نقله المصنف بتصرف.

١٥٦

أباذر فذكرت له ذلك فقال: صدق أخي المقداد...( ١) .

«وداع مخلص» أي: للفرج من شرّ الجبابرة، فكان الناس أيّام عثمان و استيلاء بني اميّة عليهم ينتظرون بالغير انتظار المجدب المطر و يدعون اللّه تعالى بإخلاص خاص للخلاص.

«و ثكلان موجع» كان عثمان سجن ضابئا أبا عمير بن ضابى‏ء حتى مات في سجنه، و لما أرادوا دفن عثمان أقبل عمير و عثمان موضوع على باب فنزا عليه و كسر ضلعا منه و قال له: سجنت أبي حتى مات( ٢) .

«قد أخملتهم التقية» كان عبد اللّه بن شداد الليثي يقول: وددت ان أترك فأحدّث بفضائل عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام و أن عنقي ضربت بالسيف( ٣) .

«و شملتهم الذلة» فكان عثمان و بنو اميّة اتخذوا عباد اللّه خولا كما أخبر به النبيّ‏ّّصلى‌الله‌عليه‌وآله ( ٤ ) ، و يبيعهم زياد أيام امارته.

«فهم في بحر أجاج» أي: ملح مرّ.

«أفواههم ضامزة» في (الصحاح) ضمز: إذا سكت و لم يتكلم، و كذلك البعير إذا أمسك جرّته في فيه و لم يجترّ( ٥) .

«و قلوبهم قرحة» في نقض (عثمانية الاسكافي): أن بني اميّة كانوا لا يألون جهدا في طول ما ملكوا أن يخملوا ذكر عليّ و ولدهعليهم‌السلام ، و يطفئوا نورهم و يكتموا فضائلهم و مناقبهم و سوابقهم، و يحملوا على سبّهم و لعنهم

____________________

(١) تاريخ اليعقوبي ٢: ١٦٣.

(٢) انظر تاريخ الطبري ٤: ٤١٤، في وقائع سنة ٣٥ ه. ق.

(٣) سير اعلام النبلاء ٣: ٤٨٨ ٤٨٩، طبعة بيروت، مؤسسة الرسالة.

(٤) أخرجه الحاكم في المستدرك ٤: ٤٧٩، و أبو ليلى في مسنده، عنه المطالب العالية ٤: ٣٣٢ ح ٤٥٣١، و مصعب الزبيري في نسب قريش: ١٠٩، و غيرهم.

(٥) الصحاح ٣: ٨٨٢، بدون كلمة «إذا».

١٥٧

على المنابر، فلم يزل السيف يقطر من دمائهم مع قلة عددهم و كثرة عدوّهم، فكانوا بين قتيل و أسير، و شريد و هارب، و مستخف ذليل، و خائف مترقب، حتى أن الفقيه و المحدّث و القاص و المتكلم ليتقدم إليه و يتوعد بغاية الإيعاد و أشد العقوبة ان لا يذكروا شيئا من فضائلهم و لا يرخصوا لأحد أن يطيف بهم، و حتى بلغ من تقية المحدّث أنه إذا ذكر حديثا عن عليّعليه‌السلام كنى عن ذكره فقال: قال رجل من قريش. و فعل رجل من قريش و لا يذكر عليّا و لا يتفوه باسمه، ثم رأينا جميع المتخلفين قد حاولوا نقض فضائله، و وجهوا الحيل و التأويلات نحوها من خارجي مارق، و ناصبي حنق، و نابت مستبهم، و ناشى‏ء معاند، و منافق مكذب و عثماني حسود يعترض فيها و يطعن، و معتزلي قد نظر في الكلام و أبصر علم الاختلاف، و عرف الشبه و مواضع الطعن و ضروب التأويل، قد التمس الحيل في إبطال مناقبه، و تأوّل مشهور فضائله، فمرة يتأوّلها بما لا يحتمل، و مرّة يقصد أن يضع من قدرها بقياس منتقض. قال: و لا يزداد مع ذلك إلاّ قوة و رفعة و وضوحا و استنارة... و ذلك من آيات اللّه تعالى فيهعليه‌السلام و في أهل بيته( ١) .

«و قد وعظوا حتى ملّوا» مثل امامهم. و في (الطبري) عن كثير بن عبد اللّه الشعبي قال: لما زحفنا إلى قتل الحسين خرج إلينا زهير بن القين على فرس له ذنوب شاك في السلاح فقال: يا أهل الكوفة نذار لكم من عذاب اللّه نذار. إن حقا على المسلم نصيحة أخيه المسلم، و نحن حتى الآن إخوة و على دين واحد و ملة واحدة ما لم يقع بيننا و بينكم السيف، و أنتم للنصيحة منّا أهل، فإذا وقع السيف انقطعت العصمة، و كنّا أمّة و أنتم أمّة إلى أن قال فناداه رجل: إن أبا عبد اللّه يقول: أقبل. فلعمري لئن كان مؤمن آل فرعون نصح لقومه و أبلغ

____________________

(١) انظر شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١٣: ٢١٩.

١٥٨

في الدعاء، لقد نصحت لهؤلاء و أبلغت لو نفع النصح و الإبلاغ( ١) .

«و قهروا حتى ذلوا» فكان زياد من قبل معاوية، و الحجّاج من قبل عبد الملك يقتلان الشيعة تحت كل حجر و مدر، و يسملان أعينهم، و يقطعان أيديهم و أرجلهم، و يخرّبان دورهم، و يكبلانهم بالأصفاد، و يدفنانهم أحياء.

«و قتلوا حتى قلوا» قتلوا جمعا منهم في الجمل، و جمعا منهم في صفين، و قتلوا من قدروا منهم بأي وسيلة، فقتلوا محمد بن أبي بكر في مصر إحراقا و قتلوا الأشتر في قلزم بالسم دسيسة.

في (الكشي) ارتد الناس بعد قتل الحسينعليه‌السلام إلاّ ثلاثة: أبو خالد الكابلي، و يحيى ابن ام الطويل...( ٢) .

و في (خلفاء ابن قتيبة): ان الحسينعليه‌السلام كتب إلى معاوية: أ لست قاتل حجر و أصحابه العابدين المخبتين الذين كانوا يستفظعون البدع و يأمرون بالمعروف و ينهون عن المنكر، فقتلتهم ظلما و عدوانا من بعد ما أعطيتهم المواثيق الغليظة و العهود المؤكدة جرأة على اللّه و استخفافا بعهده؟ أ و لست بقاتل عمرو بن الحمق الذي أخلقته العبادة و اصفرت لونه، فقتلته من بعد ما أعطيته من العهود ما لو أعطيته العصم نزلت من شعف الجبال؟ أ و لست المدعي زيادا في الاسلام فزعمت أنه ابن أبي سفيان و قد قضى رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّ الولد للفراش و للعاهر الحجر، ثم سلطته على أهل الاسلام يقتلهم و يقطع أيديهم و أرجلهم من خلاف و يصلبهم على جذوع النخل؟ سبحان اللّه يا معاوية لكأنّك لست من هذه الامة و ليسوا منك، أو لست قاتل الحضرمي الذي كتب فيه زياد: انه على دين علي، و دين علي هو دين ابن عمهصلى‌الله‌عليه‌وآله الذي

____________________

(١) تاريخ الطبري ٥: ٤٢٦ ٤٢٧.

(٢) الكشي: ١٢٣ ح ١٩٤.

١٥٩

أجلسك مجلسك الذي أنت فيه، و لو لا ذلك كان أفضل شرفك و شرف آبائك تجشم الرحلتين رحلة الشتاء و الصيف، فوضعها اللّه عنكم بنا منة منا عليكم...( ١) .

و روى المفيد أنهعليه‌السلام أخبر جويرية بن مسهر بقطع زياد يده و رجله، ثم صلبه على جذع نخل طويل، و أخبر ميثما بصلب ابن زياد له على باب عمرو بن حريث عاشر عشرة و أقربهم من المطهرة أي: الأرض لقصر جذعه و كونه أول من ألجم في الاسلام، و أخبر رشيد الهجري بقطع زياد يده و رجله و لسانه و صلبه، و أخبر كميلا بقتل الحجاج له بضرب عنقه، و أخبر ميثما بقتل الحجاج له ذبحا فوقع الجميع كما أخبرعليه‌السلام ( ٢) .

«فلتكن الدنيا في أعينكم أصغر» هكذا في (المصرية)( ٣ ) و (ابن أبي الحديد)( ٤ ) و لكن في (ابن ميثم و الخطية) «فلتكن الدنيا أصغر في أعينكم»( ٥) .

«من حثالة القرظ» الحثالة: الردي‏ء من كل شي‏ء بحيث يسقط، و القرظ:

ورق السلم يدبغ به.

«و قراضة الجلم» القراضة: ما سقط بالقرض، أي: القطع، و الجلم الذي يجز به.

أمرعليه‌السلام بعد ذكر كون أهل الدنيا و هم أعداؤه كما شرح و أهل الآخرة و هم شيعته كما وصف بكون الدنيا عند طالبي النجاة كتلك الحثالة و القراضة في قلة القيمة و عدم الرغبة، حيث إنّ ذلك دليل على

____________________

(١) الإمامة ١: ١٨١.

(٢) الارشاد: ١٧٠ و ١٧٢.

(٣) نهج البلاغة ١: ٧٥.

(٤) شرح ابن أبي الحديد ٢: ١٧٥.

(٥) ابن ميثم ٢: ١٤٥، هكذا (الطبع الحجري).

١٦٠