بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٨

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة0%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 668

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

مؤلف: الشيخ محمد تقي التّستري
تصنيف:

الصفحات: 668
المشاهدات: 59641
تحميل: 3260


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 668 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • المشاهدات: 59641 / تحميل: 3260
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 8

مؤلف:
العربية

عدم قدرها عند اللّه تعالى.

و في الخبر: لو كان للدنيا عند اللّه تعالى قدر بقدر جناح بعوضة ما أعطى الكافر منها شربة ماء( ١ ) ، و قد كانت الدنيا عندهعليه‌السلام أهون من عراق خنزير في يد مجذوم، و من عفطة عنز( ٢) .

«و اتعظوا بمن كان قبلكم قبل أن يتعظ بكم من بعدكم» فكل من كان له لب رأى من وقت صار مميزا تلعّب الدنيا بمن كان جديا في هواها، و تقلّبها بمن كان مطمئنا بها، فيعرف أن عملها معه عملها معهم، حيث إنّ ذلك مقتضى طبعها.

«و ارفضوها ذميمة» أي: أتركوها مذمومة، يجوز في العين من «و ارفضوها» و هو الفاء الضم و الكسر.

في (الكشي): قال أبوذر: من جزى اللّه عنه الدنيا خيرا فجزاه اللّه عني بعد رغيفي شعير أ تغدّى بأحدهما و أ تعشّى بالأخرى، و بعد شملتي صوف أتّزر بأحدهما، و أرتدي بالآخر شرا( ٣) .

«فانها رفضت» هكذا في (المصرية)( ٤ ) و الصواب: «قد رفضت» كما في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية)( ٥) .

«من كان أشغف بها منكم» يجوز كون «أشغف» بالعين و الغين كما في قوله تعالى... قد شغفها حبا( ٦ ) و يقال شغفه الحب: إذا بلغ شغافه،

____________________

(١) أخرج هذا الحديث الحاكم في المستدرك ٤: ٣٠، و ابن ماجه في سننه ٢: ١٣٧٧ ح ٤١١٠.

(٢) أشار به إلى ما جاء في نهج البلاغة في الخطبة: ٣، و الحكمة: ٢٣٦.

(٣) الكشي: ٢٨ ح ٤٥.

(٤) نهج البلاغة ١: ٧٥.

(٥) شرح ابن أبي الحديد ٢: ١٧٥، ابن ميثم ٢: ١٤٥، فيه «فانها قد رفضت».

(٦) يوسف: ٣٠.

١٦١

و الشغاف غلاف القلب، و هو جلدة دونه كالحجاب.

في (الجهشياري): قال المنصور للمهدي ابنه: عزمت عليك ان أوليك الأمر و أرده إليك، فخرج المهدي مستبشرا إلى وزيره أبي عبيد اللّه فقال له: انما سبرك بما عرض عليك، فلما عرف ذلك المنصور قال له: كيف فهمت أني قلته سبرا له؟ قال: لاني سمعتك تقول: اني لأستيقظ بالليل فأدعو بالكتب فأضعها بين يدي و ادعو بالجارية فآمرها أن تمرخ ظهري بالدهن، فتفعل ذلك و أنا مقبل على كتبي و تدبيري، فعلمت أنك لا تدع شيئا يكون موقعه منك هذا الموقع و تؤثر به غيرك فقال له: أصبت و أحسنت( ١) .

و لما خرج عليه محمد بن عبد اللّه الحسني بالمدينة قال: لو خرج علي صاحب القبر يعني النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أقتله.

قال الشريف «أقول» هكذا في (المصرية)( ٢ ) و كله زائد.

أقول رأسا و قال الشريف: جعله من النهج و انما يصح من الشراح «هذه» هكذا في (المصرية)( ٣ ) و الصواب: و هذه كما في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية)( ٤ ) «الخطبة نسبها من لا علم له إلى معاوية» و منهم ابن قتيبة في (عيونه)( ٥ ) و ابن عبد ربه في (عقده)( ٦) .

«و هي من كلام أمير المؤمنين الذي لا شك فيه» بشهادة متنه.

«و اين الذهب من الرغام» بالفتح التراب.

«و العذب» الماء الطيب.

____________________

(١) الوزراء و الكتاب للجهشياري: ٩١ ٩٢.

(٢) نهج البلاغة ١: ٧٥.

(٣) نهج البلاغة ١: ٧٥.

(٤) شرح ابن أبي الحديد ٢: ١٧٥، ابن ميثم ٢: ١٤٥، هكذا.

(٥) عيون الأخبار لابن قتيبة ٢: ٢٣٧ و ٢٣٨.

(٦) العقد الفريد لابن عبد ربه ٤: ١٧٦.

١٦٢

«من الاجاج» الماء الملح المر.

«و قد دل على ذلك الدليل الخريّت» أي: الحاذق.

«و نقده الناقد البصير» من نقدت الدراهم: إذا أخرجت منها الزيف.

«عمرو بن بحر الجاحظ» لقب الرجل بالجاحظ لنتوء مقلة عينيه، قال الحموي في (ادبائه): صار الجاحظ إلى منزل بعض اخوانه فاستأذن عليه فخرج إليه غلام أعجمي فقال: من أنت؟ قال الجاحظ: فدخل الغلام: فقال الجاحد على الباب، و سمعها الجاحظ، فقال صاحب الدار للغلام: أنظر من الرجل، فخرج و سأل عن اسمه. فقال: أنا الحدقي لأن حدقته كانت ناتئة عن محجر العين و لذلك لقب فدخل الغلام فقال: «الحلقي»، و سمعها الجاحظ فصاح به في الباب: ردنا إلى الأول يريد أن قوله الجاحد مكان الجاحظ أسهل عليه من «الحلقي» مكان «الحدقي»( ١) .

و المصنّف و إن وصف الجاحظ هنا بما قال لنقده الخطبة إلاّ أنّ الرجل كان مخلطا، فكما صنّف كتاب (العباسية) و كشف فيه عن حقائق صنف كتاب (العثمانية) و كتاب (المروانية) و أتى فيهما بما كشف عن خافيه من نصبه و عداوته للّه و لرسوله.

قال المسعودي في (مروجه): صنّف الجاحظ كتابا استقصى الحجاج فيه عند نفسه، و عضده بالأدلّة فيما تصور من عقله، ترجمه بكتاب (العثمانية) يحلّ فيه عند نفسه فضائل عليّعليه‌السلام و مناقبه طلبا لإماتة الحق و مضادة أهله و اللّه متم نوره و لو كره الكافرون( ٢ ) ، ثم لم يرض بهذا حتى أعقب

____________________

(١) معجم الادباء لياقوت الحموي ١٥: ٨٥، نقله عن المرزباني و نقل المصنف لم يخل عن التصرف.

(٢) الصف: ٨.

١٦٣

بتصنيف كتاب آخر في امامة المروانية( ١ ) ، و نقض كتابه جمع من العامة منهم أبو جعفر الاسكافي و للّه دره فقد بيّن في نقضه مخازيه و فضحه و ذكر مساويه، و أظن ان الرجل أي: الجاحظ كان راعيا لسلطان وقته، و أنه صنف (عباسيته) زمان المأمون المنصف الطالب للحقائق، و أراد نشر حلّيّة المتعة ناقما على عمر في تحريمه ما أحل اللّه، و صنف (عثمانيته) زمان المتوكل الذي كان ناصبيا و يقرب الاموية و من كان هواه هواهم و أراد كرب قبر الحسين، و الا كان الرجل زنديقا لا عقيدة له أصلا و مع نصبه كان وضّاعا.

قال المسعودي في (التنبيه و الإشراف): كان الجاحظ يؤلف الكتاب الكثير المعاني الحسن النظم، فينسبه إلى نفسه فلا يرى الأسماع تصغي إليه، و لا الارادات تيمم نحوه، ثم يؤلف ما هو أنقص منه رتبة و أقل فائدة، ثم ينحله عبد اللّه بن المقفع، أو سهل بن هارون، أو غيرهما من المتقدمين، و من طارت أسماؤهم في المصنفين، فيقبلون على كتبها، و يسارعون إلى نسخها( ٢) .

قلت: و أظن ان الكتاب المعروف بكتاب (آداب ابن المقفع) أحد مصاديق ما قاله المسعودي في (التنبيه) من كونه للجاحظ و نسبه إلى ابن المقفع، فابن المقفع كان ملحدا ظاهرا و باطنا فأين هو من مثل ذاك الكتاب، و الكتاب كتاب من كان واردا في علم التوحيد و آداب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله و الأئمة ظاهرا مثل الجاحظ و ان كان باطنا مثل ابن المقفع.

فانه ذكر هذه الخطبة في كتاب (البيان و التبيين) ذكر فيه خطبا لأمير المؤمنينعليه‌السلام ثم خطبة لابن مسعود، ثم خطبة لعتبة بن

____________________

(١) مروج الذهب ٣: ٢٣٧.

(٢) التنبيه و الاشراف: ٦٦.

١٦٤

غزوان ثم ذكر هذه( ١) .

«و ذكر من نسبها إلى معاوية» فقال: خطبة لمعاوية رواها شعيب بن صفوان و زاد فيها اليقطري و غيره قالوا: لما حضرت معاوية الوفاة قال لمولى له: من بالباب؟ قال: نفر من قريش يتباشرون بموتك. فقال: و يحك و لم؟

قال: لا أدري. قال: فو اللّه ما لهم بعدي إلاّ الذي يسوؤهم، و أذن للناس فدخلوا فحمد اللّه و أثنى عليه و أوجز ثم قال: أيها الناس قد أصبحنا في دهر عنود...( ٢) .

ثم قال و هي بكلام علي أشبه و بمذهبه في تصنيف الناس و بالاخبار) هكذا في (المصرية)( ٣ ) و الصواب: «و في الأخبار» كما في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية)( ٤) .

عمّا هم عليه إلى آخر ما تقدم. قال الجاحظ: و في هذه ضروب من العجب منها ان هذا الكلام لا يشبه السبب الذي من أجله دعاهم معاوية، و منها ان هذا المذهب في تصنيف الناس و في الأخبار عنهم و عمّا هم عليه من القهر و الاذلال و من التقية و الخوف أشبه بكلام عليّعليه‌السلام و بمعانيه و بحاله منه بحال معاوية و منها انا لم نجد معاوية في حال من الحالات يسلك في كلامه مسالك الزهّاد، و لا يذهب مذاهب العباد و إنما نكتب لكم و نخبر بما سمعناه( ٥) .

قلت: ما ذكره شواهد قطعية على كذب دعوى شعيب المذكور، و يفهم من روايته أنه ناصبي وضّاع مثل سيف الذي يكثر الطبري عنه في أسانيده بقوله: كتب إليّ السرّيّ عن شعيب عن سيف. و اللّه يفضح المفتعل بذكر سبب

____________________

(١) البيان و التبيين للجاحظ ٢: ٥٨ و ٥٩.

(٢) البيان و التبيين للجاحظ ٢: ٥٨ و ٥٩.

(٣) نهج البلاغة ١: ٧٦، و فيه «ثم قال هي...» بدون الواو.

(٤) شرح ابن أبي الحديد ٢: ١٧٦، ابن ميثم (الطبع الحجري) ٢: ١٤٥، هكذا.

(٥) البيان و التبيين للجاحظ ٢: ٦١، و نقله المصنف بتصرف.

١٦٥

غير مربوط كما عرفت من الجاحظ.

٢ - خطبة (١٢٥) و من خطبة لهعليه‌السلام في ذكر المكاييل:

عِبَادَ اَللَّهِ إِنَّكُمْ وَ مَا تَأْمُلُونَ مِنْ هَذِهِ اَلدُّنْيَا أَثْوِيَاءُ مُؤَجَّلُونَ وَ مَدِينُونَ مُقْتَضَوْنَ أَجَلٌ مَنْقُوصٌ وَ عَمَلٌ مَحْفُوظٌ فَرُبَّ دَائِبٍ مُضَيَّعٌ وَ رُبَّ كَادِحٍ خَاسِرٌ وَ قَدْ أَصْبَحْتُمْ فِي زَمَنٍ لاَ يَزْدَادُ فِيْهِ اَلْخَيْرُ إِلاَّ إِدْبَاراً وَ اَلشَّرُّ إِلاَّ إِقْبَالاً وَ اَلشَّيْطَانُ فِي هَلاَكِ اَلنَّاسِ إِلاَّ طَمَعاً فَهَذَا أَوَانٌ قَوِيَتْ عُدَّتُهُ وَ عَمَّتْ مَكِيدَتُهُ وَ أَمْكَنَتْ فَرِيسَتُهُ اِضْرِبْ بِطَرْفِكَ حَيْثُ شِئْتَ مِنَ اَلنَّاسِ فَهَلْ تُبْصِرُ إِلاَّ فَقِيراً يُكَابِدُ فَقْراً أَوْ غَنِيّاً بَدَّلَ نِعْمَةَ اَللَّهِ كُفْراً أَوْ بَخِيلاً اِتَّخَذَ اَلْبُخْلَ بِحَقِّ اَللَّهِ وَفْراً أَوْ مُتَمَرِّداً كَأَنَّ بِأُذُنِهِ عَنْ سَمْعِ اَلْمَوَاعِظِ وَقْراً أَيْنَ أَخْيَارُكُمْ وَ صُلَحَاؤُكُمْ وَ أَحْرَارُكُمْ وَ سُمَحَاؤُكُمْ وَ أَيْنَ اَلْمُتَوَرِّعُونَ فِي مَكَاسِبِهِمْ وَ اَلْمُتَنَزِّهُونَ فِي مَذَاهِبِهِمْ أَ لَيْسَ قَدْ ظَعَنُوا جَمِيعاً عَنْ هَذِهِ اَلدُّنْيَا اَلدَّنِيَّةِ وَ اَلْعَاجِلَةِ اَلْمُنَغِّصَةِ وَ هَلْ خُلِّفْتُمْ إِلاَّ فِي حُثَالَةٍ لاَ تَلْتَقِي بِذَمِّهِمُ اَلشَّفَتَانِ اِسْتِصْغَاراً لِقَدْرِهِمْ وَ ذَهَاباً عَنْ ذِكْرِهِمْ فَ إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ ٦ ١١ ٢: ١٥٦ ظَهَرَ اَلْفَسَادُ فَلاَ مُنْكِرٌ مُغَيِّرٌ وَ لاَ زَاجِرٌ مُزْدَجِرٌ أَ فَبِهَذَا تُرِيدُونَ أَنْ تُجَاوِرُوا اَللَّهَ فِي دَارِ قُدْسِهِ وَ تَكُونُوا أَعَزَّ أَوْلِيَائِهِ عِنْدَهُ هَيْهَاتَ لاَ يُخْدَعُ اَللَّهُ عَنْ جَنَّتِهِ وَ لاَ تُنَالُ مَرْضَاتُهُ إِلاَّ بِطَاعَتِهِ لَعَنَ اَللَّهُ اَلْآمِرِينَ بِالْمَعْرُوفِ اَلتَّارِكِينَ لَهُ وَ اَلنَّاهِينَ عَنِ اَلْمُنْكَرِ اَلْعَامِلِينَ بِهِ قول المصنّف: (و من خطبتهعليه‌السلام في ذكر المكاييل) هكذا في

١٦٦

(المصرية)( ١ ) و لكن في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم)( ٢ ) «و من خطبة له في ذكر المكاييل و الموازين» ثم قال ابن أبي الحديد: و لست أرى في هذه الخطبة ذكرا للمكاييل و الموازين، اللهم إلاّ أن يكون قوله: «و أين المتورّعون في مكاسبهم»، أو قوله: «ظهر الفساد» و دلالتهما على الموازين و المكاييل بعيدة( ٣) .

و قال الخوئي: و قد يقال: إنّ ذلك ابتناء على ما هو دأب السيد و عادته في الكتاب من التقطيع و الالتقاط، فلعله أسقط ما اشتمل على ذكر المكاييل و الموازين، و لا يبعد أن يكون ذكر عنده تطفيف الناس في المكاييل و الموازين، فخطب بهذه الخطبة نهيا لهم عن ذلك المنكر( ٤) .

قلت: و هو أيضا بعيد كحمل ابن أبي الحديد، لأنه لو كان كما قال لقال:

«و من جملة خطبة كانت في ذكر المكاييل و الموازين» و لم يكن يعبّر بما هو ظاهر في الاشتمال عليهما فعلا.

و أقول: و لا يبعد أن يكون قوله: «المكاييل» محرف «المكايد» لقربهما خطا و يكون ذكر «الموازين» ان صحت نسخة ابن أبي الحديد و ابن ميثم من اضافات المحشين بمناسبة «المكاييل» خلطت بالمتن، و اشتمال الخطبة على ذكر كيد الشيطان و مكايد أتباعه من قولهعليه‌السلام : «و عمت مكيدته»، و قوله: «هل تبصر الا فقيرا يكابد فقرا» إلى آخر ما ذكر، واضح.

قولهعليه‌السلام «عباد اللّه انكم و ما تأملون من هذه الدنيا» أي: إنكم مع ما تأملون من الخلود في هذه الدنيا و بقاء الأموال.

«أثوياء مؤجلون» أي: مقيمون بآجال معيّنة شابا و كهلا و شيخا، فليس

____________________

(١) نهج البلاغة ٢: ١٥، و فيه: و من خطبة لهعليه‌السلام ...

(٢) شرح ابن أبي الحديد ٨: ٢٤٤، ابن ميثم: ١٩٠، و فيه: «و من كلام لهعليه‌السلام في ذكر المكاييل و الموازين».

(٣) شرح ابن أبي الحديد ٨: ٢٤٦.

(٤) شرح الخوئي ٤: ٤٦.

١٦٧

الأمر كما تأملون من الخلود يا أيّها الناس ان كنتم في ريب من البعث فإنّا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلّقة و غير مخلّقة لنبيّن لكم و نقرّ في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمّى ثم نخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدّكم و منكم من يتوفّى و منكم من يردّ إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا...( ١ ) ،... انما هذه الحياة الدنيا متاع...( ٢ ) و قال:... فاذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة و لا يستقدمون( ٣ ) و قال:... انما نعدّ لهم عدا( ٤ ) أي: أنفاسهم.

«و مدينون مقتضون» أي: مقرضون مطالبون بردّ الديون، فليس الأمر كما تأملون من بقاء الأموال في أيديكم، قال تعالى: و لقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة و تركتم ما خولناكم وراء ظهوركم( ٥ ) و قال الأفوه الأودي في المعنيين:

إنّما نعمة قوم متعة

و حياة المرء ثوب مستعار( ٦)

و قال البحتري:

أصاب الدهر دولة آل وهب

و نال الليل منها و النهار

أعارهم رداء العزّ حتى

تقاضاهم فردّوا ما استعاروا( ٧)

و في (الطبري): لما قتل عبد الملك مصعبا و دخل الكوفة أمر بطعام كثير

____________________

(١) الحج: ٥.

(٢) غافر: ٣٩.

(٣) الاعراف: ٣٤.

(٤) مريم: ٨٤.

(٥) الانعام: ٩٤.

(٦) الشعر و الشعراء: ١٢٩، طبعة بيروت، دار الكتب العلمية.

(٧) ديوان البحتري ٢: ١٩٩، طبعة بيروت، دار صعب.

١٦٨

فصنع، و أمر به إلى الخورنق و أذن إذنا عاما، فدخل الناس، فأخذوا مجالسهم، فدخل عمرو بن حريث المخزومي، فقال له عبد الملك: إليّ و على سريري، فأجلسه معه، ثم جاءت الموائد، فأكلوا، فقال عبد الملك: ما ألذّ عيشنا لو أن شيئا يدوم و لكنّا كما قال الأول:

و كل جديد يا أميم إلى بلى

و كل امرى‏ء يوما يصير إلى كان

في (الطبري): فلما فرغ من الطعام طاف عبد الملك في القصر... ثم أتى مجلسه فاستلقى و قال:

اعمل على مهل فإنّك ميت

و اكدح لنفسك أيّها الانسان

فكأنّ ما قد كان لم يك إذ مضى

و كأنّ ما هو كائن قد كان( ١)

أيضا: شهد سليمان بن عبد الملك جنازة بدابق قد دفنت في حقل، فجعل سليمان يأخذ من تلك التربة فيقول: ما أحسن هذه التربة ما أطيبها، فما أتى عليه جمعة أو كما قال حتى دفن إلى جنب ذلك القبر( ٢) .

أيضا: لبس سليمان بن عبد الملك ثيابا خضرا من خزّ و نظر في المرآة فقال: أنا و اللّه الملك الشاب، فخرج إلى الصلاة فصلّى بالناس الجمعة، فلم يرجع حتى وعك فلما ثقل عهد( ٣) .

«أجل منقوص» فكلّما تنفس نفسا خطا خطوة إلى قبره.

و عن الحسن: يا ابن آدم إنّما أنت عدد، فإذا مضى يوم فقد قضى بعضك.

«و عمل محفوظ» و كل صغير و كبير مستطر( ٤ ) ، ما يلفظ من قول إلاّ

____________________

(١) تاريخ الطبري ٦: ١٦٧.

(٢) تاريخ الطبري ٦: ٥٤٩.

(٣) تاريخ الطبري ٦: ٥٤٧.

(٤) القمر: ٥٣.

١٦٩

لديه رقيب عتيد( ١ ) ، و يقولون يا ويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة و لا كبيرة إلاّ أحصاها و وجدوا ما عملوا حاضرا( ٢) .

«فربّ دائب» من الدأب، و الدائبان الليل و النهار.

«مضيع» يعني إذا كان الاجل ينقص دائما و العمل يحفظ كلّه فربّ ساع جاد يكون مضيعا لعمره و أيام مهلته، لأنه يجعل سعيه وجده في أمر دنياه الفانية، قال تعالى: بل قلوبهم في غمرة من هذا و لهم أعمال من دون ذلك هم لها عاملون. حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب إذا هم يجأرون. لا تجأروا اليوم إنّكم منّا لا تنصرون. قد كانت آياتي تتلى عليكم فكنتم على أعقابكم تنكصون( ٣) .

«و رب كادح خاسر» الكادح: الساعي الجاد، فإذا كان كدحه لغير عقباه يكون خاسرا يا أيّها الإنسان إنّك كادح إلى ربّك كدحا فملاقيه. فأمّا من أوتي كتابه بيمينه. فسوف يحاسب حسابا يسيرا. و ينقلب إلى أهله مسرورا. و أمّا من أوتي كتابه وراء ظهره. فسوف يدعو ثبورا. و يصلّى سعيرا. إنّه كان في أهله مسرورا. إنّه ظن أن لن يحور. بلى إنّ ربه كان به بصيرا( ٤) .

قال ابن أبي الحديد: و مثل قولهعليه‌السلام :

«فربّ دائب مضيع، و ربّ كادح خاسر» قول الشاعر:

إذا لم يكن عون من اللّه للفتى

فأكثر ما يجني عليه اجتهاده

و مثله:

____________________

(١) ق: ١٨.

(٢) كهف: ٤٩.

(٣) المؤمنون: ٦٣ ٦٦.

(٤) الانشقاق: ٦ ١٥.

١٧٠

إذا لم يكن عون من اللّه للفتى

أتته الرزايا من وجوه الفوائد( ١)

قلت: لا ربط لهما بقولهعليه‌السلام هذا مطلقا، و إنّما هما نظير قوله: تذل الامور للمقادير حتى يكون الحتف في التدبير( ٢) .

«و قد أصبحتم في زمن لا يزداد الخير فيه إلاّ إدبارا، و الشرّ إلاّ إقبالا» لأنّ من تقدم عليه من الثلاثة كانوا أهل دنيا، و ربّوا الناس لا سيما الأخير بطريقة لم يتمكن هوعليه‌السلام من اصلاحهم لعدم بسط يده، و قيام طلحة و الزبير و عائشة عليه في البصرة و معاوية و باقي بني أميّة في الشام في قباله، فكان الخير يزداد ادبارا و الشرّ إقبالا.

روى محمد بن يعقوب في (روضته) مسندا عن الأصبغ قال: أتى أمير المؤمنينعليه‌السلام ابن عمر و ولد أبي بكر و سعد بن أبي وقّاص يطلبون منه التفضيل لهم، فصعد المنبر و قال: أيّها الناس لا يقولن رجال قد كانت الدنيا غمرتهم فاتخذوا العقار و فجّروا الأنهار و ركبوا أفره الدواب و لبسوا ألين الثياب فصار ذلك عليهم عارا و شنارا إن لم يغفر لهم الغفار، إذا ما منعتهم ما كانوا فيه يخوضون و صيرتهم إلى ما يستوجبون فيفقدون ذلك فيسألون و يقولون: ظلمنا ابن أبي طالب و حرمنا إلى أن قال يسلط اللّه عليكم قوما فينتقم لي منكم، فلا دنيا استمتعتم بها و لا آخرة صرتم إليها، فبعدا و سحقا لأصحاب السعير( ٣) .

قلت: سنّ التفضيل لهم على خلاف كتاب اللّه تعالى و سنة رسوله عمر ثم عثمان و عوّدهم عثمان الترف أيضا، فلم يرضوا بخلافتهعليه‌السلام و تخلفوا عن

____________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ٨: ٢٤٥.

(٢) نهج البلاغة، الحكمة ١٥.

(٣) روضة الكافي ٣٦٠ ٣٦٢، و نقله بتصرف.

١٧١

نصرته، فعاقبهم اللّه بالخلافة السفيانية ثم المروانية.

و في (الطبري): قام الحسينعليه‌السلام بذي حسم إلى أن قال «ألا ترون أن الحق لا يعمل به و أن الباطل لا يتناهى عنه، ليرغب المؤمن في لقاء اللّه محقا، فإنّي لا أرى الموت إلاّ سعادة و لا الحياة مع الظالمين إلاّ برما». فقام زهير و قال لأصحابه: تكلمون أم أتكلّم؟ قالوا: بل تكلّم. فقال: قد سمعنا يا ابن رسول اللّه مقالتك، و اللّه لو كانت الدنيا لنا باقية و كنّا فيها مخلدين الا أن فراقها في نصرك و مواساتك لآثرنا الخروج معك على الإقامة فيها. قال فدعاعليه‌السلام له خيرا( ١) .

و في (الكافي) عن الباقرعليه‌السلام : إن الشمس لتطلع و معها أربعة أملاك:

ملك ينادي يا صاحب الخير أتم و أبشر، و ملك ينادي يا صاحب الشر إنزع و أقصر، و ملك ينادي أعط منفقا خلفا لا آت ممسكا تلفا، و ملك ينضحها بالماء و لو لا ذلك اشتعلت الأرض( ٢) .

هذا، و للخالدي في بغداد:

بغداد صار خيرها شرّا

صيّرها اللّه مثل سامرّا

«و الشيطان في هلاك الناس إلاّ طمعا» فكان من يوم رجمه طامعا في اهلاكهم حيث قال للّه تعالى: لأقعدن لهم صراطك المستقيم. ثم لآتينّهم من بين أيديهم و من خلفهم و عن أيمانهم و عن شمائلهم و لا تجد أكثرهم شاكرين( ٣ ) و قال له أيضا:... لأغوينّهم أجمعين. إلاّ عبادك منهم المخلصين( ٤ ) و قد قال تعالى: و لقد صدّق عليهم إبليس ظنه

____________________

(١) تاريخ الطبري ٥: ٤٠٤.

(٢) الكافي ٤: ٤٢، ١.

(٣) الأعراف: ١٦، ١٧.

(٤) الحجر: ٣٩ ٤٠.

١٧٢

فاتّبعوه إلاّ فريقا من المؤمنين( ١) .

«فهذا أوان قويت عدته» لمساعدة شياطين الإنس له.

«و عمّت مكيدته» للعالم و الجاهل و العام و الخاص.

«و امكنت فريسته» و لا سيّما بالنساء فإنهنّ فخّه، و النظر سهم مسموم من سهامه.

و في (تاريخ بغداد): قال أبو الفرج الرستمي البغدادي: سمعت المحترق البصري يقول: رأيت إبليس في النوم فقلت: كيف رأيتنا عزفنا عن الدنيا و لذّاتها و أموالها فليس لك إلينا طريق؟ فقال: كيف رأيت ما استملت فيه قلوبكم باستماع السماع و من شره الاحداث( ٢) .

و في (الحلية) عن وهب بن منبه ان رجلا من بني إسرائيل صام سبعين أسبوعا يفطر في كل سبعة أيام يوما و هو يسأل اللّه تعالى أن يريه كيف يغوي الشيطان الناس، فلما أن طال ذلك عليه و لم يجب قال: لو أقبلت على خطيئتي و ما بيني و بين ربي لكان خيرا لي، فأرسل تعالى إليه ملكا و قال: أرسلني تعالى إليك و هو يقول: ان كلامك هذا الذي تكلمت به أعجب إليّ ممّا مضى من عبادتك و قد فتح بصرك فانظر، فإذا أحبولة لإبليس قد أحاطت بالأرض و إذا ليس أحذ من بني آدم إلاّ و حوله شياطين مثل الذباب، فقال: أي رب من ينجو من هذا؟ قال: الورع اللين( ٣) .

«اضرب بطرفك حيث شئت من الأرض» الطرف: العين، أي: إستعمل عينك بقدر ما ترى من أطراف الأرض، قال شاعر:

____________________

(١) سبأ: ٢٠.

(٢) تاريخ بغداد ١٤: ٤٢٩.

(٣) حلية الاولياء ٤: ٣٢، و نقله المصنف بتصرف و تلخيص.

١٧٣

أقلّب الطرف تصعيدا و منحدرا

فما أقابل إنساني بإنسان

«هل» هكذا في (المصرية)( ١ ) و الصواب: (فهل) كما في الثلاثة( ٢) .

«تبصر إلاّ فقيرا يكابد فقرا» كأبي دلامة و امرأته أم دلامة، دخل الرجل على المهدي و قال له: ماتت امرأته و خلّفت صغارا، و دخلت المرأة على الخيزران و قالت لها: مات زوجها و خلّف صغارا، فأخذ كل منهما بهذا الكيد قدرا( ٣) .

و في الخبر: من فتح على نفسه باب مسألة، فتح اللّه عليه باب فقر، و انه لو علم الناس ما في السؤال لما سأل أحد أحدا، و إن من سأل و عنده قوت ثلاثة أيام لقي اللّه يوم القيامة و لا لحم لوجهه( ٤ ) ، و ان المؤمن و الشيعة لا يمكن أن يكونا من أهل السؤال. و قال المعري:

قالوا فلان جيد فأجبتهم

لا تكذبوا ما في البرية جيد

فغنيهم نال الغناء ببخله

و فقيرهم بصلاته يتصيّد( ٥)

«أو غنيا بدّل نعمة اللّه كفرا» و تجعلون رزقكم أنّكم تكذبون( ٦ ) ، و ان

____________________

(١) نهج البلاغة ٢: ١٦.

(٢) شرح ابن أبي الحديد ٨: ٢٤٤، ابن ميثم (الطبع الحجري): ١٩٠، السطر ٣٣ هكذا.

(٣) الأغاني ١٠: ٢٥٥.

(٤) هذا تأليف ثلاثة أحاديث أخرجها الكليني ٤: ١٩، ح ٢ و ٢٠، ح ٢، و عقاب الأعمال: ٣٢٥، ح ١.

(٥) في لزوم ما لا يلزم ١: ٤٤٥، طبعة سورية دمشق، دار طلاس. ورد البيتان هكذا:

قالوا فلان جيّد لصديقه

لا يكذبوا ما في البرية جيّد

فأميرهم نال الإمارة بالخنا

و تقيهم بصلاته يتصيّد

(٦) الواقعة: ٨٢.

١٧٤

اللّه لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم( ١ ) ، فكفرت بأنعم اللّه فأذاقها اللّه لباس الجوع و الخوف بما كانوا يصنعون( ٢ ) ،... لئن شكرتم لأزيدنّكم و لئن كفرتم إنّ عذابي لشديد( ٣) .

«أو بخيلا اتخذ البخل بحق اللّه وفرا» في (الكافي) عن الصادقعليه‌السلام : من منع حقّا للّه عزّ و جلّ أنفق في باطل مثليه( ٤) .

و عن الباقرعليه‌السلام : ان اللّه تعالى يبعث يوم القيامة ناسا من قبورهم، مشدودة أيديهم إلى أعناقهم لا يستطيعون أن يتناولوا بها قيد أنملة، معهم ملائكة يعيّرونهم تعييرا شديدا، يقولون: هؤلاء الذين منعوا خيرا قليلا من خير كثير، هؤلاء الذين أعطاهم اللّه فمنعوا حق اللّه في أموالهم( ٥) .

و عن الصادقعليه‌السلام في قوله تعالى سيطوّقون ما بخلوا به يوم القيامة( ٦ ) ما من أحد يمنع من زكاة ماله شيئا إلاّ جعل اللّه عزّ و جلّ ذلك يوم القيامة ثعبانا من نار، مطوقا في عنقه، ينهش من لحمه حتى يفرغ من الحساب( ٧) .

و عنهعليه‌السلام : ما أدّى أحد الزكاة فنقصت من ماله، و لا منعها أحد فزادت في ماله( ٨) .

____________________

(١) الرعد: ١١.

(٢) النحل: ١١٢.

(٣) إبراهيم: ٧.

(٤) الكافي للكليني ٣: ٥٠٦ ح ٢١.

(٥) الكافي للكليني ٣: ٥٠٦ ح ٢٢.

(٦) آل عمران: ١٨٠.

(٧) الكافي للكليني ٣: ٥٠٢ ح ١.

(٨) الكافي للكليني ٣: ٥٠٤ ح ٦.

١٧٥

و عنهعليه‌السلام : ملعون ملعون مال لا يزكى( ١) .

و عن النبيّ‏ّصلى‌الله‌عليه‌وآله : ما محق الاسلام محق الشح شي‏ء. ثم قال: إنّ لهذا الشح دبيبا كدبيب النمل، و شعبا كشعب الشوك( ٢) .

و عن أمير المؤمنينعليه‌السلام : إذا لم يكن للّه في عبد حاجة، ابتلاه بالبخل( ٣) .

و عنهعليه‌السلام قال لرجل قال: الشحيح أعذر من الظالم: كذبت، إن الظالم قد يتوب و يستغفر و يرد الظلامة على أهلها، و الشّحيح إذا شحّ منع الزكاة و الصدقة، و صلة الرحم، و قرى الضيف، و النفقة في سبيل اللّه و أبواب البر، و حرام على الجنة أن يدخلها شحيح( ٤) .

«أو متمردا كأنّ باذنه عن سمع المواعظ وقرا» أي: ثقلا، قال تعالى و لو أننا نزلنا إليهم الملائكة و كلّمهم الموتى و حشرنا عليهم كل شي‏ء قبلا ما كانوا ليؤمنوا( ٥) .

و في (تفسير القمي): قال أبوذر: بشّر المتكبّرين بكيّ في الصدور، و سحب على الظهور.

«أين خياركم و صلحاؤكم» لبعضهم:

ذهب الرجال فما أحسّ رجالا

و أرى الإقامة بالعراق ضلالا( ٦)

«و أحراركم» هكذا في (المصرية)( ٧ ) و الصواب: (و أين أحراركم)

____________________

(١) الكافي للكليني ٣: ٥٠٥ ح ١٣.

(٢) الكافي للكليني ٤: ٤٥ ح ٥.

(٣) الكافي للكليني ٤: ٤٤، ١ ٢.

(٤) الكافي ٤: ٤٤، ١ و ٢.

(٥) الأنعام: ١١١.

(٦) هذا البيت لابن المولى الشاعر، أنظر تاريخ بغداد ٦: ٣٣٠.

(٧) نهج البلاغة ٢: ١٦، من الخطبة ١٢٩.

١٧٦

كما في الثلاثة( ١) .

«و سمحاؤكم» أي: أجوادكم.

و في (الكافي) عن الباقرعليه‌السلام : ان اللّه عزّ و جلّ جعل للمعروف أهلا من خلقه حبّب إليهم فعاله، و وجّه لطالب المعروف الطلب إليهم، و يسّر لهم قضاءه كما يسّر الغيث للأرض المجدبة، ليحييها و يحيي به أهلها، و إن اللّه عزّ و جلّ جعل للمعروف أعداء من خلقه بغّض إليهم المعروف و بغض إليهم فعاله، و حظر على طلاب المعروف الطلب إليهم، و حظر عليهم قضاءه، كما حرّم الغيث على الأرض المجدبة، ليهلكها و يهلك أهلها، و ما يعفوا اللّه أكثر( ٢) .

و في (الأغاني): قال الأصمعي: مرّ أسماء بن خارجة الفزاري على الفرزدق و هو يهنا بعيرا له لنفسه فقال له: يا فرزدق كسد شعرك و اطرحتك الملوك فصرت إلى مهنة إبلك فقد أمرت لك بمائة بعير. فقال الفرزدق يمدحه: الأبيات( ٣) .

و قال أبو عبيدة: دخل الفرزدق على بلال بن أبي موسى فأنشده قصيدة. فقال له بلال: هلكت و اللّه أين مثل شعرك في سعيد و العباس بن الوليد؟ و سمّى قوما آخرين فقال: جئني بحسب مثل أحسابهم حتى أقول فيك كقولي فيهم، فغضب بلال حتى دعى له بطشت فيه ماء بارد فوضع يده فيه حتى سكن.

«و أين المتورعون في مكاسبهم» في (الكافي): قال النبيّ:صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ أخوف ما أخاف على أمتي من بعدي هذه المكاسب الحرام، و الشهوة الخفيّة، و الربا.

____________________

(١) في نسختنا من شرح ابن أبي الحديد ٨: ٢٤٤ «و احراركم»، و في شرح ابن ميثم: ١٩٠، «و اين احراركم».

(٢) الكافي للكليني ٤: ٢٥، ٢.

(٣) راجعها في الأغاني لأبي الفرج الاصفهاني ٢١: ٣٦٢.

١٧٧

و قال الصادقعليه‌السلام : إذا اكتسب الرجل مالا من غير حلّه ثم حجّ فلبّى، نودي «لا لبيك و لا سعديك»، و إن كان من حله فلبّى، نودي «لبيك و سعديك».

و قالعليه‌السلام : كسب الحرام يبين في الذرية.

و قالعليه‌السلام في قوله تعالى و قدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا( ١ ) فقال: ان كانت أعمالهم لأشد بياضا من القباطي، فيقول تعالى لها:

كوني هباء، و ذلك انهم إذا شرع لهم الحرام أخذوه( ٢) .

في (الحلية): قالت أخت بشر الحافي لأحمد بن حنبل: إنّا نغزل بالليل و معاشنا منه، و ربما يمرّ بنا مشاعل بني طاهر ولاة بغداد و نحن على السطح فنغزل في ضوئها الطاقة و الطاقتين أ فتحله لنا أم تحرمه؟ فقال: لا عدمتكم يا آل بشر، لا أزال أسمع الورع الصافي من قبلكم( ٣) .

«و المتنزهون في مذاهبهم» في (الكافي) قيل للصادقعليه‌السلام : فلان و فلان و فلان يسألونك الدعاء. فقال: و ما لهم. قيل: حبسهم المنصور. فقال: و ما لهم و ما له؟ قيل: استعملهم فحبسهم. فقال: و ما لهم و له، أ لم أنههم؟ أ لم أنههم؟ أ لم أنههم؟ هم النار. هم النار. هم النار. ثم قال: اللّهم اجدع عنهم سلطانه. قال ابن مهاجر: فانصرفنا عن مكة فسألنا عنهم فإذا هم قد أخرجوا بعد ذلك الكلام بثلاثة أيام.

و قال الصادقعليه‌السلام بعد ذكر سؤال زرارة عن الدخول في أعمال الظلمة: متى كانت الشيعة تسأل عن أعمالهم؟ إنما كانت الشيعة تقول: نأكل من طعامهم و نشرب من شرابهم و نستظل بظلهم، متى

____________________

(١) الفرقان: ٢٣.

(٢) الكافي للكليني ٥: ١٢٤ ١٢٦ ح ١ و ٣ و ٤ و ١٠.

(٣) حلية الأولياء ٨: ٣٥٣، طبعة بيروت، دار الكتاب العربي.

١٧٨

كانت الشيعة تسأل عن هذا؟( ١ ) و في (النجاشي): حكى بعض أصحابنا أنّ صفوان بن يحيى كلفه رجل حمل دينارين إلى أهله بالكوفة، فقال: إن جمالي مكرية و أنا أستأذن الاجراء( ٢) .

«أ ليس قد ظعنوا جميعا عن هذه الدنيا الدنيّة» الظعن في مقابل الإقامة، قال تعالى يوم ظعنكم و يوم اقامتكم( ٣) .

«و العاجلة المنغصة» أي: المكدّرة العيش.

«و هل خلفتم إلاّ في حثالة» في (الصحاح) الحثالة: كأنه الردي‏ء من كل شي‏ء( ٤ ) ، و لأبي الأسود:

ذهب الرّجال المقتدى بفعالهم

و المنكرون لكل أمر منكر

و بقيت في خلف يزكّي بعضهم

بعضا ليدفع معور عن معور( ٥)

و للببغاء:

و شاع البخل في الأشياء حتى

يكاد يشح بالريح الهبوب

فكيف نخص باسم العيب شيئا

و أكثر ما نشاهده معيب

و لعبد الحميد الكاتب:

ترحّل ما ليس بالقافل

و أعقب ما ليس بالزائل

فلهفي على الخلف النازل

و لهفي على السلف الراحل

أبكي على ذا و أبكي لذا

بكاء مولّهة ثاكل

____________________

(١) الكافي للكليني ٥: ١٠٥ ١٠٧، ح ٢ و ٨.

(٢) النجاشي: ١٤٠.

(٣) النحل: ٨٠.

(٤) الصحاح للجوهري ٤: ١٦٦٩.

(٥) انظر معجم الادباء ١٢: ٣٨.

١٧٩

تبكي من ابن لها قاطع

و تبكي على ابن لها واصل

فليست تفتر عن عبرة

لها في الضمير و من هائل

و للبيد:

ذهب الذين يعاش في أكنافهم

و بقيت في خلف كجلد الأجرب

يتأكّلون مغالة و خيانة

و يعاب قائلهم و ان لم يشغب( ١)

و قال البحتري:

و خلّفني الزمان على أناس

وجوههم و أيديهم حديد

لهم حلل حسنّ فهنّ بيض

و أخلاق سمجن فهن سود

و أخلاق البغال فكل يوم

يعنّ لبعضهم خلق جديد

و أكثر ما لسائلهم لديهم

إذا ما جاء قولهم تعود

و وعد ليس يعرف من عبوس

انقباضهم أوعد أو وعيد؟

أناس لو تأمّلهم لبيد

بكى الخلف الذي يشكو لبيد( ٢)

و لبعضهم في قتل ابن حازم:

فقد بقيت كلاب نابحات

و ما في الأرض بعدك من زئير

و لبعضهم:

ذهب الذين يعاش في أكنافهم

و هم الكرام السادة الأشراف

و بقيت في خلف كأن وجوههم

خبز الشعير إذا علاه جفاف

أيضا:

زماني كله ضيم و ضير

و ناس كلهم ديم و دام

و ما فيهم سوى نحر لئيم

شحاح الزند ما فيه ضرام

____________________

(١) ديوان لبيد بن ربيعة العامري: ٣٤، طبعة بيروت، دار صادر.

(٢) ديوان البحتري ٢: ١٢ ١٣، طبعة بيروت، دار صعب.

١٨٠