بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٨

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة0%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 668

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

مؤلف: الشيخ محمد تقي التّستري
تصنيف:

الصفحات: 668
المشاهدات: 59656
تحميل: 3261


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 668 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • المشاهدات: 59656 / تحميل: 3261
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 8

مؤلف:
العربية

و أعراض لها جيها حلال

و أموال لراجيها حرام

أيضا:

فسد الزمان فما ترى

إلاّ ذبابا أو دبابا

هذا يصول و ان يصب

لم يأل عقرا و انتهابا

و يحوم ذاك على أذاك

فلا تزال به مصابا

و في (البيان): قال أبوذر: كان الناس ورقا لا شوك فيه، فصاروا شوكا لا ورق فيه( ١) .

في (المستجاد) عن الشافعي قال: كان بمصر رجل عرف بأن يجمع للفقراء، فولد لبعضهم ولد. قال: فجئت إليه فقلت: ولد لي مولود و ليس معي شي‏ء. فقام معي و دخل على جماعة فلم يفتح عليه بشي‏ء، فجاء إلى قبر رجل كان يعرفه و جلس عنده، و قال: رحمك اللّه كنت تفعل و تصنع، و اني درت اليوم و طلبت جماعة في شي‏ء لمولود فلم يتفق لي شي‏ء. ثم قام و أخرج دينارا فكسره نصفين و ناولني نصفه، و قال: هذا دين عليك إلى أن يفتح اللّه لك بشي‏ء، فأخذته و انصرفت و أصلحت ما اتفق لي به، فرأى تلك الليلة ذلك الشخص صاحب القبر في منامه، و هو يقول: قد سمعت جميع ما قلت و ليس لنا إذن في الجواب، و لكن احضر منزلي و قل لأولادي يحفرون مكان الكانون و يخرجون قربة فيها خمسمئة دينار فاحملها إلى هذا الرجل، فلما كان من الغد تقدّم إلى منزل الميت و قصّ القصة فقالوا له: اجلس، و حفروا الموضع و أخرجوا الدنانير و جاءوا بها فوضعوها بين يديه. فقال: هذا ما لكم. فقالوا: هو يتسخّى ميتا و نحن لا نتسخّى أحياء؟ و اللّه لا تمسّكنا منها بشي‏ء، فلما ألحّوا

____________________

(١) البيان و التبيين ٢: ٢٢٥، و أيضا قد أورد الجاحظ نظير هذا الكلام عن أبي الدرداء هكذا: «و قال أبو الدرداء: كان الناس ورقا لا شوك فيه و هم اليوم شوك لا ورق فيه»، البيان و التبيين ٣: ١٢٧.

١٨١

عليه حمل الدنانير إلى الرجل صاحب المولود و ذكر له القصة، فأخذ منها دينارا فكسره نصفين فأعطاه النصف الذي أقرضه، و حمل النصف الآخر و قال: هذا يكفيني. و تصدق بالباقي على الفقراء( ١) .

«لا تلتقي بذمّهم الشفتان استصغارا لقدرهم و ذهابا عن ذكرهم» للبحتري في ابن الجرجاني:

و أثقل من أهجو علي مغمر

أظل باسفا في هجوه أهجى( ٢)

و له أيضا في طماس:

و إذا عددت على طماس عيبه

لم أرض ألحاظي و لا أنفاسي( ٣)

في (الأذكياء): قيل لأبي العيناء: هل بقي من يلقى؟ قال: نعم في البئر( ٤) .

قلت: حمل (يلقى) المجهول من اللقاء على الالقاء، و لدعبل:

أمّا الهجاء فدقّ عرضك دونه

و المدح عنك كما علمت جليل

فاذهب فأنت عتيق عرضك إنه

عرض عززت به و أنت ذليل( ٥)

و لآخر:

اللؤم أكرم من وبر و والده

و اللؤم اكرم من وبر و ما ولدا

قوم إذا ما جنى جانيهم أمنوا

من لؤم أحسابهم أن يقتلوا قودا

أيضا:

____________________

(١) المستجاد: ١٧٦ ١٧٧.

(٢) ديوان البحتري ٢: ٨٤، طبعة بيروت، دار صعب.

(٣) وردت مقطوعة على نفس الورن و القافيه و في هجاء طماس، ديوان البحتري ٢: ٢٢٤، و لكن لم يرد البيت المذكور فيها.

(٤) الأذكياء لابن الجوزي ١١٢، و ليست كلمة (هل) فيه.

(٥) انظر كتاب «شعر دعبل بن علي الخزاعي» للدكتور عبد الكريم الاشتر: ٤١٢، و فيه «... فاذهب فانت طليق عرضك...»، نقله عن أدب النديم ٢٥، و تاريخ دمشق ٣، ورقة ٢٩ ظ...

١٨٢

لو كان يخفى على الرحمن خافية

من خلقه خفيت عنه بنو اسد

و في (كنايات الجرجاني): تعرّض رجل لموسى بن عبد اللّه الحسني و سبّه، فقال موسى متمثلا:

تمنت و ذاكم من سفاهة رأيها

لا هجوها لما هجتني محارب

معاذ الإله إنّني بعشيرتي

و نفسي عن ذاك المقام لراغب

هذا، و حيث إنّ الانسان قد لا يذم الخصم المذموم لرذالته واقعا، قد يترك ذم الخصم الشريف بادّعاء أنّه رذل، فقالوا: كان مالك بن إبراهيم بن مالك الأشتر النخعي و الورد بن عبد اللّه السعدي ممّن خرجا مع يزيد بن المهلّب على يزيد بن عبد الملك، و كان الورد خرج مع ابن الأشعث أيضا، فطلبا الأمان من مسلمة بن عبد الملك أمير جيش أخيه، فاستشفع للورد ابن اخي مسلمة و ختنه و أوقفه عنده للعفو، فشتمه مسلمة، فقال: صاحب خلاف و شقاق، و نفاق و نفار في كل فتنة، مرّة مع حائك كندة، و مرّة مع ملاح الأزد، ما كنت بأهل أن تؤمن. ثم قال له: انطلق. و استشفع ابن رستم الحضرمي لابن الاشتر، فأوقفه بين يديه و قال له: هذا مالك بن إبراهيم بن مالك الأشتر. فقال له مسلمة: إنطلق. فقال له ابن رستم: لم لا تشتمه كما شتمت صاحبه. قال:

أجللتكم عن ذلك و كنتم أكرم عليّ من أصحاب الآخر و أحسن طاعة. قال ابن رستم لمسلمة: فإنّه أحبّ إلينا أن تشتمه، فهو و اللّه أشرف أبا و جدّا من الورد و أسوأ أثرا في أهل الشام منه. فكان ابن رستم يقول بعد أشهر: ما تركه إلاّ حسدا من أن يعرف صاحبنا فأراد ان يرينا أنه قد حقره.

«فإنّا للّه و إنّا إليه راجعون» هذا الاسترجاع في غاية الارتفاع هنا، لأنّه دالّ بالالتزام على أن صيرورة الناس الأحياء إلى كذا و كذا مصيبة معنوية عظيمة جدا، و ينبغي الاسترجاع منها.

١٨٣

«ظهر الفساد فلا منكر متغير» هكذا في (المصرية)( ١ ) ، و لكن في (ابن أبي الحديد) (مغير)( ٢ ) ، فهو الصحيح.

و في (البيان): قال النبيّ‏ّصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ قوما ركبوا سفينة في البحر فاقتسموا فصار لكل رجل منهم موضع، فنقر رجل منهم موضعه بفأس، فقالوا له: ما تصنع؟ فقال: هو مكاني، أصنع فيه ما شئت، فإن أخذوا على يديه نجا و نجوا، و إن تركوه هلك و هلكوا.

و في (الطبري): قام الحسينعليه‌السلام بذي حسم فقال: أ لا ترون أن الحق لا يعمل به و أن الباطل لا يتناهى عنه، ليرغب المؤمن في لقاء اللّه محقا فإنّي لا أرى الموت إلاّ شهادة و لا الحياة مع الظالمين إلاّ برما»( ٣) .

و فيه أيضا خطب الحسينعليه‌السلام أصحابه و أصحاب الحر بالبيضة فقال:

أيها الناس إنّ رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: من رأى سلطانا جائرا مستحلا لحرم اللّه، ناكثا لعهد اللّه، مخالفا لسنّة رسوله، يعمل في عباده بالإثم و العدوان، فلم يغيّر عليه بفعل و لا قول، كان حقّا على اللّه أن يدخله مدخله. ألا و إنّ هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان، و تركوا طاعة الرحمن، و أظهروا الفساد، و عطلوا الحدود، و استأثروا بالفي‏ء، و أحلوا حرام اللّه و حرموا حلاله، و أنا أحق من غيّر، و قد أتتني كتبكم و رسلكم أنّكم لا تسلموني و لا تخذلوني، فإن تممتم على بيعتكم تصيبوا رشدكم، فأنا الحسين بن عليّ و بن فاطمة بنت رسول اللّه، نفسي مع أنفسكم، و أهلي مع أهليكم، فلكم فيّ أسوة، و إن لم تفعلوا و نقضتم عهدكم و خلعتم بيعتي من أعناقكم، فلعمري ما هي

____________________

(١) نهج البلاغة ٢: ١٧، من الخطبة ١٢٩.

(٢) شرح ابن أبي الحديد ٨: ٢٤٤، الخطبة ١٢٩.

(٣) تاريخ الطبري ٥: ٤٠٤.

١٨٤

منكم بنكر، لقد فعلتموها بأبي و أخي و ابن عمي مسلم، و المغرور من اغترّ بكم، فحظّكم أخطأتم، و نصيبكم ضيّعتم، و من نكث فإنّما ينكث على نفسه...( ١) .

و روى بعض المقاتل: أنهعليه‌السلام كتب بهذا إلى سليمان بن صرد و جماعة معه كانوا كتبوا إليه دعوة.

«و لا زاجر مزدجر» ازدجر: يأتي لازما و متعديا، و هنا لازم ففي (الصحاح) الزجر المنع و النهي، يقال زجره و ازدجره فانزجر و ازدجر( ٢) .

قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : إذا أمتي تواكلت الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر فليأذنوا بوقاع من اللّه.

و قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : كيف بكم إذا فسدت نساؤكم، و فسق شبّانكم و لم تأمروا بالمعروف، و لم تنهوا عن المنكر؟ فقيل له: و يكون ذلك يا رسول اللّه؟ فقال:

و شرّ من ذلك، كيف بكم إذا أمرتم بالمنكر و نهيتم عن المعروف؟ فقيل له:

و يكون ذلك يا رسول اللّه؟ قال: نعم، و شرّ من ذلك، إذا رأيتم المعروف منكرا و المنكر معروفا( ٣) .

«أ فبهذا تريدون أن تجاوروا اللّه في دار قدسه و تكونوا أعز أوليائه عنده» كاليهود الذين كانوا يقولون: نحن أولياء اللّه و أحباؤه.

قال يحيى بن معاذ: عمل كالسراب، و قلب من التقوى خراب، و ذنوب بعدد الرمل و التراب، ثم تطمع في الكواعب الأتراب؟ هيهات، أنت سكران بغير شراب.

____________________

(١) تاريخ الطبري ٥: ٤٠٣.

(٢) الصحاح للجوهري ٢: ٦٦٨.

(٣) الكافي ٥: ٥٩ ح ١٣ و ١٤.

١٨٥

«هيهات لا يخدع اللّه عن جنته» أم حسبتم أن تدخلوا الجنة و لمّا يعلم اللّه الذين جاهدوا منكم و يعلم الصابرين( ١ ) ، أم حسبتم أن تدخلوا الجنة و لمّا يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مسّتهم البأساء و الضرّاء و زلزلوا حتى يقول الرسول و الذين آمنوا معه متى نصر اللّه ألا إنّ نصر اللّه قريب( ٢) .

«و لا تنال مرضاته إلاّ بطاعته» و إن تطيعوا اللّه و رسوله لا يلتكم من أعمالكم شيئا( ٣) .

«لعن اللّه الآمرين بالمعروف التاركين له» أ تأمرون الناس بالبرّ و تنسون أنفسكم( ٤) .

«و الناهين عن المنكر العاملين به» و ما اريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إن أريد إلاّ الإصلاح ما استطعت( ٥) .

و في (الحلية) عن النبيّ‏ّصلى‌الله‌عليه‌وآله : يجاء بالأمير يوم القيامة فيلقى في النار فيطحن فيها كما يطحن الحمار بطاحونته، فيقال له: أ لم تكن تأمر بالمعروف و تنهى عن المنكر؟ قال: بلى، و لكن لا أفعله( ٦) .

٣ - الخطبة (٢٢٨) وَ اِعْلَمُوا رَحِمَكُمُ اَللَّهُ أَنَّكُمْ فِي زَمَانٍ اَلْقَائِلُ فِيهِ بِالْحَقِّ قَلِيلٌ وَ اَللِّسَانُ عَنِ اَلصِّدْقِ كَلِيلٌ وَ اَللاَّزِمُ لِلْحَقِّ ذَلِيلٌ أَهْلُهُ مُعْتَكِفُونَ عَلَى اَلْعِصْيَانِ

____________________

(١) آل عمران: ١٤٢.

(٢) البقرة: ٢١٤.

(٣) الحجرات: ١٤.

(٤) البقرة: ٤٤.

(٥) هود: ٨٨.

(٦) حلية الأولياء ٤: ١١٢، و فيه: «... بلى و لكن لم أكن أفعله».

١٨٦

مُصْطَلِحُونَ عَلَى اَلْإِدْهَانِ فَتَاهُمْ عَارِمٌ وَ شَائِبُهُمْ آثِمٌ وَ عَالِمُهُمْ مُنَافِقٌ وَ قَارِئُهُمْ مُمَاذِقٌ لاَ يُعَظِّمُ صَغِيرُهُمْ كَبِيرَهُمْ وَ لاَ يَعُولُ غَنِيُّهُمْ فَقِيرَهُمْ «و اعلموا رحمكم اللّه» الخطاب فيه لأصحابه.

«أنكم في زمان القائل فيه بالحق قليل» عن الصادقعليه‌السلام : ما ناصح اللّه عبد مسلم في نفسه فأعطى الحق منها و أخذ الحق لها إلاّ أعطي خصلتين: رزقا من اللّه تعالى يقنع به، و رضى عن اللّه ينجيه.

و عن الباقرعليه‌السلام : المؤمن الذي إذا رضي لم يدخله رضاه في إثم و لا باطل، و إذا سخط لم يخرجه سخطه من قول الحق، و إذا قدر لم تخرجه قدرته إلى التعدّي و إلى ما ليس له بحق( ١) .

و حكى تعالى عن داود و إن كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض إلاّ الذين آمنوا و عملوا الصالحات و قليل ما هم...( ٢ ) و قلة قول الحق بمقدار غلبة سلطان الباطل، فكلما كانت أكثر كان أقل.

و في (الطبري): بلغ المغيرة و كان أميرا على الكوفة من قبل معاوية أن صعصعة بن صوحان يعيب عثمان و يكثر ذكر عليّعليه‌السلام و يفضّله، فدعاه و قال له: اياك أن يبلغني عنك أنّك تعيب عثمان عند أحد من الناس، و إيّاك أن يبلغني عنك أنّك تظهر شيئا من فضل عليّ علانية، فإنّك لست بذاكر من فضل علي شيئا أجهله، بل أنا أعلم بذلك، و لكن هذا السلطان قد ظهر و قد أخذنا بإظهار عيبه للناس، فنحن ندع كثيرا ممّا أمرنا به، و نذكر الشي‏ء الذي لا نجد بدّا منه، ندفع به هؤلاء القوم عن أنفسنا تقيّة، فإن كنت ذاكرا فضيلة فاذكرها

____________________

(١) أخرجه الكليني في الكافي ٢: ٢٢٤، ١٢.

(٢) ص: ٢٤.

١٨٧

بينك و بين أصحابك و في منازلكم سرّا، و أمّا علانية في المسجد فإنّ هذا لا يحتمله السلطان لنا و لا يعذرنا فيه. فكان يقول له: نعم أفعل، ثم يبلغه عنه أنه قد عاد إلى ما نهاه عنه...( ١) .

«و اللسان عن الصدق كليل» من كلّ السيف: نبا.

في (الكافي): قال النبيّ‏ّصلى‌الله‌عليه‌وآله : ما يزال العبد يصدق حتى يكتبه اللّه صدّيقا، و لا يزال العبد يكذب حتى يكتبه اللّه كذّابا.

و قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : لا يجد عبد طعم الإيمان حتى يترك الكذب هزله و جده.

و قال الباقرعليه‌السلام : الكذب هو خراب الايمان.

و قالعليه‌السلام : جعل تعالى للشر أقفالا، و مفاتيح تلك الأقفال الشراب، و الكذب شرّ من الشراب.

و قالعليه‌السلام : أول من يكذّب الكذاب اللّه عزّ و جلّ، ثم الملكان اللّذان معه، ثم هو يعلم أنه كاذب( ٢) .

«و اللازم للحقّ ذليل» لنفرة الناس عن الحق، و هو سبب عدم استحكام أمر سلطنتهعليه‌السلام ، لأنه كان ملتزما الحق في أقواله و أعماله، فتركوه يوم السقيفة لتنمّره في ذات اللّه تعالى، كما قالت الصدّيقةعليها‌السلام ( ٣ ) ، و لم يبايعوه يوم الشورى لعدم قبوله سنّة صدّيقهم و فاروقهم، و هجروه أيّام قيامه لتسويته بين الأشراف و غيرهم.

«أهله معتكفون على العصيان» روى (عقاب الأعمال) عن الصادقعليه‌السلام قال:

____________________

(١) تاريخ الطبري ٥: ١٨٨ ١٨٩، طبعة بيروت، دار سويدان.

(٢) الكافي للكليني ٢: ٣٣٨ ٣٤٠ ح ٢، ٣، ٤، ٦، ١١.

(٣) رواه الجوهري في السقيفة: ١١٨، و ابن بابويه في معاني الأخبار: ٣٥٥، و ابن رستم في الدلائل: ٤٠.

١٨٨

إذا أخذ القوم في معصية اللّه تعالى فإن كانوا ركبانا كانوا من خيل إبليس، و إن كانوا رجّالة كانوا من رجّالته( ١) .

«و مصطلحون على الإدهان» روى (عقاب الأعمال) عن الصادقعليه‌السلام قال: ما أقرّ قوم بالمنكر بين أظهرهم لا يعيّرونه إلاّ أوشك أن يعمّهم اللّه بعقاب من عنده.

و قالعليه‌السلام : قال النبيّ‏ّصلى‌الله‌عليه‌وآله : سيأتي على أمّتي زمان تخبث فيه سرائرهم، و تحسن فيه علانيتهم طمعا في الدنيا، لا يريدون به ما عند اللّه تعالى، يكون أمرهم رياء لا يخالطهم خوف، يعمّهم اللّه بعقاب، فيدعونه دعاء الغريق، فلا يستجاب لهم( ٢) .

الإدهان: المصانعة، قال تعالى ودّوا لو تدهن فيدهنون( ٣) .

«فتاهم عارم» أي: شرس سيى‏ء الخلق.

«و شائبهم آثم» في (الكافي) عن الصادقعليه‌السلام : الرجم في القرآن: إذا زنى الشيخ و الشيخة فارجموهما البتة فانهما قضيا الشهوة( ٤) .

و قال الشاعر:

سواء كأسنان الحمار فلا ترى

لذي شيبة منهم على ناشى‏ء فضلا

«و عالمهم منافق» في (عقاب الأعمال) عن الصادقعليه‌السلام قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله :

سيأتي على أمتي زمان لا يبقى من القرآن إلاّ رسمه، و من الإسلام إلاّ اسمه، يسمّون به و هم أبعد الناس منه، مساجدهم عامرة و هي خراب من الهدى، فقهاء ذلك الزمان شرّ فقهاء تحت ظل السماء، منهم خرجت

____________________

(١) عقاب الأعمال: ٣٠١ ح ٥.

(٢) عقاب الأعمال: ٣١٠ ح ١ و: ٣٠١ ح ٣.

(٣) القلم: ٩.

(٤) الكافي ٧: ١٧٧ ح ٣.

١٨٩

الفتنة و إليهم تعود( ١) .

«و قارئهم مماذق» الأصل في المذق: اللبن الممزوج بالماء. قال الجوهري:

و منه «فلان يمذق الود» اذا لم يخلصه، فهو مذّاق و مماذق( ٢) .

في (العقاب) عن الصادقعليه‌السلام : ان عليّاعليه‌السلام قال: إنّ في جهنّم رحى تطحن، أ فلا تسألوني ما طحنها؟ فقيل: ما طحنها يا أمير المؤمنين؟ فقال: العلماء الفجرة، و القرّاء الفسقة، و الجبابرة الظلمة، و الوزراء الخونة، و العرفاء الكذبة( ٣) .

و قال شاعر:

تصوّف كي يقال له أمين

و ما يعني التصوّف و الأمانة

.................. و لكن

اراد به الطريق إلى الخيانه

«لا يعظّم صغيرهم كبيرهم» من جوامع كلمات النبيّ‏ّصلى‌الله‌عليه‌وآله : ليس منّا من لم يرحم صغيرنا و يوف حق كبيرنا( ٤) .

و في (ثواب الأعمال): قال النبيّ‏ّصلى‌الله‌عليه‌وآله : من عرف فضل شيخ كبير فوقّره لسنّه آمنه اللّه من فزع يوم القيامة. و قال: من تعظيم اللّه إجلال ذي الشيبة المؤمن( ٥) .

«و لا يعول غنيهم فقيرهم» و لم نك نطعم المسكين( ٦) .

هذا، و روي عن النبيّ‏ّصلى‌الله‌عليه‌وآله : يأتي على الناس زمان وجوههم وجوه

____________________

(١) عقاب الأعمال: ٣٠١ ح ٤.

(٢) الصحاح للجوهري ٤: ١٥٥٣.

(٣) عقاب الأعمال: ٣٠٢ ح ١.

(٤) أخرجه الكافي ٢: ١٦٥ ح ٢، عن الصادقعليه‌السلام لا عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله .

(٥) ثواب الأعمال: ٢٢٤ ح ١.

(٦) المدثر: ٤٤.

١٩٠

الآدميين و قلوبهم قلوب الشياطين، سفّاكين للدماء لا يرعوون عن قبيح، إن بايعتهم أربوك، و إن أئتمنتهم خانوك، صبيّهم عارم، و شائبهم شاطر، و شيخهم لا يأمر بمعروف و لا ينهى عن منكر، السّنّة فيهم بدعة و البدعة فيهم سنة، و ذو الأمر منهم غاو، فعند ذلك يسلّط اللّه عليهم شرارهم فيدعو خيارهم فلا يستجاب لهم( ١) .

٤ - خطبة (٤١) و من خطبة لهعليه‌السلام :

إِنَّ اَلْوَفَاءَ تَوْأَمُ اَلصِّدْقِ وَ لاَ أَعْلَمُ جُنَّةً أَوْقَى مِنْهُ وَ لاَ يَغْدِرُ مَنْ عَلِمَ كَيْفَ اَلْمَرْجِعُ وَ لَقَدْ أَصْبَحْنَا فِي زَمَانٍ قَدِ اِتَّخَذَ أَكْثَرُ أَهْلِهِ اَلْغَدْرَ كَيْساً وَ نَسَبَهُمْ أَهْلُ اَلْجَهْلِ فِيهِ إِلَى حُسْنِ اَلْحِيلَةِ مَا لَهُمْ قَاتَلَهُمُ اَللَّهُ قَدْ يَرَى اَلْحُوَّلُ اَلْقُلَّبُ وَجْهَ اَلْحِيلَةِ وَ دُونَهَا مَانِعٌ مِنْ أَمْرِ اَللَّهِ وَ نَهْيِهِ فَيَدَعُهَا رَأْيَ عَيْنٍ بَعْدَ اَلْقُدْرَةِ عَلَيْهَا وَ يَنْتَهِزُ فُرْصَتَهَا مَنْ لاَ حَرِيجَةَ لَهُ فِي اَلدِّينِ «ان الوفاء توأم الصدق» التوأم: أصله ولد تضعه امّه مع آخر في بطن.

قال الخليل: هو فوعل، لأنّ أصله و وأم، فأبدل من الاولى تاء كما في (تولج) بالفتح( ٢) .

ذكرعليه‌السلام صفتين شريفتين: الوفاء و الصدق، و جعلهما توأمين لأنّ كلاّ منهما شعبة من الآخر، فالوفاء بالعهد صدق عملي، و منشؤهما واحد و هو شراف النفس، فكأنهما كما قيل:

____________________

(١) جامع الأخبار: ٣٥٥، ٩٩٢. باختلاف يسير، مؤسسة آل البيتعليهم‌السلام قم، مجمع الزوائد ٧: ٢٨٦، باختلاف يسير، دار الكتاب العربي، بيروت.

(٢) لسان العرب لابن منظور ١٢: ٦٢، ٦٢٨، مادة (تأم، و أم).

١٩١

رضيعي

لبان ثدي أم تحالفا

بأسحم داج عوض لا يتفرق

و الصدق شرافه معلوم، و يكفى فيه قوله تعالى: و كونوا مع الصادقين( ١ ) ، يوم ينفع الصادقين صدقهم( ٢ ) ، و الوفاء مثله. و قالصلى‌الله‌عليه‌وآله :

بعثت بوفاء العهد مع البرّ و الفاجر.

و في (تنبيه المسعودي): ذكر أبو عبيدة معمر بن المثنى في كتابه الموسوم ب (الديباج) أوفياء العرب، فعدّ السموأل بن عاديا الغساني، و الحارث بن ظالم المرّي، و عمير بن سلمى الحنفي. و لم يذكر هانيا، و هو أعظم العرب وفاء، و أعزّهم جوارا، و أمنعهم جارا، لأنه عرّض نفسه و قومه للحتوف، و نعمهم للزوال، و حرمهم للسبي، و لم يخفر أمانته، و لا ضيع وديعته( ٣) .

و في (أمثال الكرماني): يقال «أوفى من الحرث بن ظالم»، كان من وفائه أنّ عياض بن ديهث مر برعاء الحرث و هم يسقون، فسقى فقصر رشاؤه فاستعار من أرشية الحرث فوصل رشاءه فأروى إبله، فأغار عليه بعض جشم النعمان فاطردوا إبله، فصاح عياض يا «حار» يا جاراه فقال له الحرث:

و متى كنت جارك؟ قال: وصلت رشائي برشائك فسقيت إبلي و أغير عليها، أ فلا تشدّ ما و هى من أديمك؟ يريد أن الحارث قتل خالد بن جعفر بن كلاب في جوار الأسود ابن المنذر فقال الحرث: هل تعدون الحلبة إلى نفسي؟

فأرسلها مثلا أي: إنّك لا تهلك إلاّ نفسي إن قتلتها فتدبّر النعمان كلمته فردّ على عياض أهله و ماله، و قال الفرزدق في ذلك، يضرب مثلا لسليمان بن

____________________

(١) التوبة: ١١٩.

(٢) المائدة: ١١٩.

(٣) التنبيه و الاشراف: ٢٠٩.

١٩٢

عبد الملك حين وفى ليزيد ابن المهلب:

لعمري لقد أوفى و زاد وفاؤه

على كل حال جار آل المهلّب

كما كان أوفى إذ ينادي ابن ديهث

و صرمته كالمغنم المتنهّب

فقام أبو ليلى إليه ابن ظالم

و كان متى ما يسلل السيف يضرب( ١)

و يقال «أوفى من الحرث بن عبادة» أسر عدي بن ربيعة في يوم قضة و لم يعرفه، فقال له: دلّني على عديّ. فقال له: إن أنا دللتك عليه تؤمنني؟ قال:

نعم. فقال: أنا عديّ، فخلاّه و قال:

لهف نفسي على عديّ و قد

أشعب للموت و أحتوته اليدان( ٢)

«و أوفى من السموأل» إستودعه امرؤ القيس لما أراد الخروج إلى قيصر دروعا، فلما مات امرؤ القيس غزاه ملك من ملوك الشام، فتحرز منه السموأل فأخذ الملك ابنا له و كان خارجا من الحصن فصاح به: هذا ابنك في يدي و امرؤ القيس ابن عمي و من عشيرتي، فإن دفعت إليّ الدروع و إلاّ ذبحت ابنك. قال: أجّلني. فأجّله، فجمع أهل بيته و نساءه فشاورهم فكل أشار إليه أن يدفع الدروع و يستنقذ ابنه، فأشرف عليه و قال: ليس إلى دفع الدروع سبيل، فاصنع ما أنت صانع، فذبح الملك ابنه و هو مشرف ينظر إليه، ثم انصرف الملك بالخيبة فوافى السموأل بالدروع الموسم فدفعها إلى ورثة امرى‏ء القيس و قال:

____________________

(١) مجمع الأمثال للميداني ٢: ٣٧٦ ٣٧٧.

(٢) مجمع الأمثال للميداني ٢: ٣٧٨.

١٩٣

وفيت بأدرع الكندي إنّي

إذا ما خان أقوام وفيت

و قالوا إنه كنز رغيب

و لا و اللّه أغدر ما مشيت

بنى لي عاديا حصنا حصينا

و بئرا كلما شئت استقيت( ١)

«عاديا»: جدّه.

«أوفى من عوف بن محلم و ابنته خماعة» غزا مروان القرظ سمّي بالقرظ لأنه كان يغزو اليمن و هي منابت القرظ بكر بن وائل فقصوا أثر جيشه فأسره رجل منهم و هو لا يعرفه، فأتى به امه فقالت له: إنك لتختال بأسيرك كأنك جئت بمروان القرظ. فقال لها مروان: و ما ترتجين من فدائه؟ قالت: مئة بعير. قال: ذلك لك على أن تؤديني إلى خماعة بنت عوف بن محلم، و كان السبب في ذلك أن خماعة كانت امرأة ليث بن مالك، و لما مات ليث أخذت بنو عبس ماله و أهله، و كان الذي أصاب أهله خماعة عمرو بن قارب و ذؤاب بن أسماء، فسألها مروان القرظ من أنت؟ قالت: خماعة بنت عوف، فانتزعها من عمرو و ذؤاب لأنه كان رئيس القوم و قال لها: غطي وجهك حتى أردّك إلى أبيك، و قيل: اشتراها منهما بمئة من الإبل، فحملها إلى عكاظ، فلما انتهى إلى منازل بني شيبان قالت: هذه منازل قومي و هذه قبة أبي. قال: فانطلقي إلى أبيك، و قال:

رددت على عوف خماعة بعد ما

خلاها ذؤاب غير خلوة خاطب

فمضت به إلى خماعة و كان عمرو بن هند وجد على مروان في أمر فآلى أن لا يعفو عنه حتى يضع يده في يده، فبعث عمرو إلى عوف أن يأتيه به، فقال: قد أجارته ابنتي و ليس إليه سبيل. فقال عمرو: قد آليت كذا و كذا. فقال

____________________

(١) مجمع الأمثال للميداني ٢: ٣٧٤.

١٩٤

عوف: يضع يده في يدك على أن تكون يدي بينهما، فأجابه عمرو إلى ذلك( ١) .

«و لا أعلم جنة أوقى منه» الجنة بالضم ما يوقيك عن الأسلحة.

قال الخوئي في الأثر: ان النعمان بن المنذر قد جعل له يومين يوم بؤس من صادفه فيه قتله، و يوم نعيم من لقيه فيه أحسن إليه و أغناه، و كان رجل من طي قد خرج ليطلب الرزق لأولاده، فصادفه النعمان في يوم بؤسه، فعلم الطائي أنه مقتول فقال: حيّا اللّه الملك إن لي صبية صغارا و لم يتفاوت الحال بين قتلي أول النهار و آخره، فإن رأى الملك أن أوصل إليهم هذا القوت و أوصي بهم أهل المروة من الحي ثم أعود. فقال النعمان: فإن يضمنك رجل إن لم ترجع قتلناه، و كان شريك بن عدي نديم النعمان. فقال: أنا أضمنه، فمضى الطائي مسرعا و صار النعمان يقول لشريك: جاء وقتك فتأهّب للقتل.

فقال: ليس عليّ سبيل حتى يأتي المساء، فلما قرب المساء قال: تأهّب. قال: هذا شخص قد لاح مقبلا، فلمّا قرب إذا هو الطائي قد اشتد في عدوه. و قال: خشيت أن ينقضي النهار قبل وصولي، مر بأمرك أيها الملك. فأطرق النعمان ثم رفع رأسه فقال: ما رأيت أعجب منكما، أما أنت يا طائي فما تركت في الوفاء مقاما لأحد يفتخر به، و أمّا أنت يا شريك، فما تركت لكريم سماحة يذكر بها في الكرماء، فلا أكون أنا ألأم الثلاثة، ألا و إني رفعت يوم بؤسي عن الناس بوفاء الطائي و كرم شريك( ٢) .

قلت: و في (الطبري) في وقائع (٥٨) حبس ابن زياد فيمن حبس مرداس بن اديه، فكان السجّان يرى عبادته و اجتهاده و كان يأذن له في الليل فينصرف، فإذا طلع الفجر أتاه حتى يدخل السجن، و كان صديق لمرداس يسامر ابن

____________________

(١) مجمع الأمثال للميداني ٢: ٣٧٥ ٣٧٦.

(٢) شرح الخوئي ٢: ٤٩.

١٩٥

زياد، فذكر ابن زياد ليلة الخوارج، فعزم على قتلهم إذا أصبح فانطلق صديق مرداس إلى منزل مرداس، فأخبرهم و قال: أرسلوا إليه في السجن فليعهد فإنه مقتول فسمع ذلك مرداس و بلغ الخبر صاحب السجن، فبات بليلة سوء إشفاقا من أن يعلم الخبر مرداس فلا يرجع، فلما كان الوقت الذي كان يرجع فيه إذا به قد طلع فقال له السجان: هل بلغك ما عزم عليه الأمير؟ قال: نعم. قال: ثم غدوت؟ قال: نعم و لم يكن جزاؤك مع احسانك أن تعاقب بسببي، و أصبح عبيد اللّه فجعل يقتل الخوارج ثم دعا بمرداس، فلما حضر وثب السجّان و كان ظئرا لعبيد اللّه فأخذ بقدمه ثم قال: هب لي هذا. و قصّ عليه قصته، فوهبه له و أطلقه( ١) .

«و لا يغدر» هكذا في (المصرية)( ٢ ) و الصواب: (و ما يعذر) كما في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية)( ٣) .

«من علم كيف المرجع» أي: كيف مرجع الغادر في الدنيا من الخزي و في الاخرة من العقاب، أما خزي الدنيا ففي (وزراء الجهشياري): لما قوي أمر بني العباس قال مروان بن محمد لعبد الحميد كاتبه: إنّا نجد في الكتب أنّ هذا الأمر زائل عنّا لا محالة، و سيضطر إليك هؤلاء يعني بني العباس فصر إليهم فإنّي أرجو أن تتمكن منهم فتنفعني في مخلفي و في كثير من أسبابي. فقال له:

و كيف لي بأن يعلم الناس أنّ هذا عن رأيك و كلهم يقول إني غدرت و سرت إلى عدوك، و الذي أمرتني به أنفع الأمرين لك و أقبحهما لي، و أنشد:

أسرّ وفاء ثم أظهر غدرة

فمن لي بعذر يوسع الناس ظاهره( ٤)

____________________

(١) تاريخ الطبري ٥: ٣١٣، نقله المصنف بتصرف.

(٢) نهج البلاغة ١: ٨٨، من الخطبة ٤١.

(٣) شرح ابن أبي الحديد ٢: ٣١٢، ابن ميثم (الطبع الحجري) ٢: ١٥٨، هكذا في السطر الخامس.

(٤) الوزراء و الكتاب للجهشياري: ٥١.

١٩٦

و في (أمثال الكرماني): نزل أنيس بن مرداس السلمي في صرم من بني سليم بعتيبة بن الحارث، فشدّ على أموالهم فأخذها و ربط رجالها حتى افتدوا، فقال العباس بن مرداس أخوه:

كثر الضجاج و ما سمعت بغادر

كعتيبة بن الحارث بن شهاب

جللت حنظلة الدناءة كلها

و دنست آخر هذه الأحقاب( ١)

و أما عقاب الآخرة ففي (الكافي) قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : لو لا كراهية الغدر لكنت من أدهى الناس، ألا إنّ كلّ غدرة فجرة و كلّ فجرة كفرة، ألا و ان الغدر و الفجور و الخيانة في النار( ٢ ) . و زاد النهج: و لكل غادر لواء يعرف به يوم القيامة( ٣) .

و عن (غارات الثقفي): ذكر المغيرة بن شعبة عند عليّعليه‌السلام فقال: و ما المغيرة؟ إنما كان إسلامه لفجرة و غدرة بنفر من قومه، فهرب، فأتى النبيّ‏ّصلى‌الله‌عليه‌وآله كالعائذ بالإسلام، و اللّه مارئي عليه منذ ادّعى الإسلام خضوع و لا خشوع( ٤) .

و في (النهج) قالعليه‌السلام في مروان لما أخذ أسيرا و كلّمه الحسنانعليهما‌السلام في أن يبايعه: لا حاجة لي في بيعته إنّها كفّ يهودية لو بايعني بكفه لغدر بسبته، أما إنّ له إمرة كلعقة الكلب أنفه، و هو أبو الأكبش الأربعة، و ستلقى الامة منه و من ولده يوما أحمر( ٥) .

و فيه أيضا قالعليه‌السلام للأشعث: و ان امرأ دلّ على قومه السيف، و ساق إليهم

____________________

(١) مجمع الأمثال للكرماني: ٤٤٠.

(٢) الكافي للكليني ٢: ٣٣٨، ٦.

(٣) نهج البلاغة ٢: ٢٠٦، من الخطبة رقم ٢٠٠.

(٤) الغارات للثقفي ٢: ٥١٦، و فيه: خضوعا و لا خشوعا (بالنصب).

(٥) نهج البلاغة ١: ١٢٠، الخطبة رقم ٧٣.

١٩٧

الحتف، لحريّ أن يمقته الأقرب، و لا يأمنه الأبعد.

قال الرضي: و كان قومه بعد ذلك يسمّونه «عرف النار»، و هو اسم للغادر عندهم( ١) .

«و لقد أصبحنا في زمان قد اتخذ أكثر أهله الغدر كيسا» عن عمرو بن العلاء كانت بنو سعد بن تميم أغدر العرب، و كانوا يسمّون الغدر في الجاهلية كيسان فقيل فيهم:

إذا كنت في سعد و خالك منهم

غريبا فلا يغررك خالك من سعد

إذا ما دعوا كيسان كانت كهولهم

إلى الغدر أولى من شبابهم المرد( ٢)

و قال الأخطل في نابغة بني جعدة:

قبيلة يرون الغدر مجدا

و لا يدرون ما نقل الجفان

قالوا: أشار إلى قتل ورد و الرقاد الجعديين لشراحيل الجعفي غدرا، و قال آخر:

إذا أشرف المعجان ركب بدت له

بيوت بني ورد مجاورها الغدر

و في (مقاتل أبي الفرج): قال أبو إسحاق: سمعت معاوية بالنخيلة يقول:

ألا إنّ كلّ شي‏ء أعطيته الحسن بن علي تحت قدميّ هاتين. قال أبو إسحاق:

و كان و اللّه غدّارا( ٣) .

هذا، و في (عيون ابن بابويه) عن محمد بن يحيى الصولي: إن العباس بن الأحنف خال جدّه قال في جدّته لأبيه المسمّاة بغدر:

____________________

(١) نهج البلاغة ١: ٥٢ و ٥٣، من الخطبة ١٩، و لم يكن فيه كلام السيد الرضي رضى اللّه عنه، و وجدناه في نهج البلاغة بتحقيق الدكتور صبحي الصالح: ٦٢.

(٢) لسان العرب ١٢: ٢٠١، بتحقيق علي شيري.

(٣) مقاتل الطالبيين لأبي الفرج الاصبهاني: ٤٥.

١٩٨

يا غدر زيّن باسمك الغدر( ١)

«و نسبهم أهل الجهل فيه إلى حسن الحيلة، ما لهم قاتلهم اللّه قد يرى الحوّل القلّب» الحوّل بتشديد الواو: البصير بتحويل الامور.

«وجه الحيلة و دونه مانع من أمر اللّه و نهيه فيدعها، رأي عين بعد القدرة عليها و ينتهز» أي: يغتنم.

«فرصتها من لا حريجة» اسم مصدر لقولهم «تحرّج فلان» إذا فعل فعلا يخرج به من الحرج، أي: الإثم و الحرام.

«له في الدين» في زيارتهعليه‌السلام الغديرية «و كم من أمر صدّك عن إمضاء عزمك فيه التّقى، و اتبع غيرك في مثله الهوى، فظن الجاهلون أنك عجزت عمّا إليه انتهى، ضلّ و اللّه الظانّ لذلك و ما اهتدى، و لقد أوضحت ما أشكل من ذلك لمن توهم و امترى، بقولك صلّى اللّه عليك «قد يرى الحوّل القلّب وجه الحيلة و دونه حاجز من تقوى اللّه فيدعها رأي عين و ينتهز فرصتها من لا حريجة له في الدين» صدقت، و خسر المبطلون( ٢) .

٥ - من الخطبة (٩٩) و منها:

وَ ذَلِكَ زَمَانٌ لاَ يَنْجُو فِيهِ إِلاَّ كُلُّ مُؤْمِنٍ نُوَمَةٍ إِنْ شَهِدَ لَمْ يُعْرَفْ وَ إِنْ غَابَ لَمْ يُفْتَقَدْ أُولَئِكَ مَصَابِيحُ اَلْهُدَى وَ أَعْلاَمُ اَلسُّرَى لَيْسُوا بِالْمَسَايِيحِ وَ لاَ اَلْمَذَايِيعِ اَلْبُذُرِ أُولَئِكَ يَفْتَحُ اَللَّهُ لَهُمْ أَبْوَابَ رَحْمَتِهِ وَ يَكْشِفُ عَنْهُمْ ضَرَّاءَ نِقْمَتِهِ أَيُّهَا اَلنَّاسُ سَيَأْتِي عَلَيْكُمْ زَمَانٌ يُكْفَأُ فِيهِ

____________________

(١) عيون الصدوق ٢: ١٧٧.

(٢) البحار ١٠٠: ٣٦٥.

١٩٩

اَلْإِسْلاَمُ كَمَا يُكْفَأُ اَلْإِنَاءُ بِمَا فِيهِ أَيُّهَا اَلنَّاسُ إِنَّ اَللَّهَ قَدْ أَعَاذَكُمْ مِنْ أَنْ يَجُورَ عَلَيْكُمْ وَ لَمْ يُعِذْكُمْ مِنْ أَنْ يَبْتَلِيَكُمْ وَ قَدْ قَالَ جَلَّ مِنْ قَائِلٍ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ وَ إِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ ١ ٨ ٢٣: ٣٠ قال الشريف قولهعليه‌السلام «كل مؤمن نومة» أراد به الخامل الذكر القليل الشر، و «المساييح» جمع مسياح، و هو الذي يسيح بين الناس بالفساد و النمائم و «المذاييع» جمع مذياع، و هو الذي إذا سمع لغيره بفاحشة أذاعها و نوّه بها، و «البذر» جمع بذور، و هو الذي يكثر سفهه و يلغو منطقه. أقول: و رواه أبو عبيد القاسم بن سلام في (غريبه) مع اختلاف يسير( ٢) .

(و منها) هكذا في (المصرية)( ٣ ) و لكن في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية)( ٤ ) (منها) و هو الصحيح و إن كان العطف فيه لكونه ثانيا صحيحا.

«و ذلك زمن» هكذا في (المصرية)( ٥ ) و الصواب: زمان كما في الثلاثة( ٦) .

«لا ينجو فيه الا كل مؤمن نومة» في (نهاية ابن الأثير): في حديث عليّعليه‌السلام «انه ذكر آخر الزمان و الفتن ثم قال: خير أهل ذلك الزمان كل مؤمن نومة» النومة بوزن الهمزة، الخامل الذي لا يؤبه له، و قيل الغامض في الناس الذي لا يعرف الشر و أهله، و قيل النومة بالتحريك الكثير النوم، و أما الخامل الذي لا يؤبه به، فهو بالتسكين، فمن الاول حديث ابن عباس قال لعليّعليه‌السلام : ما النومة؟

____________________

(١) المؤمنون: ٣٠.

(٢) غريب الحديث ٢: ١٤٥، دار الكتب العلمية، بيروت.

(٣) نهج البلاغة ١: ١٩٨، من الخطبة رقم ١٠٣.

(٤) شرح ابن أبي الحديد ٧: ١٠٩، و ابن ميثم (الطبع الحجري): ١٥٦، هكذا.

(٥) نهج البلاغة ١: ١٩٨، من الخطبة رقم ١٠٣.

(٦) شرح ابن أبي الحديد ٧: ١٠٩، و ابن ميثم (الطبع الحجري): ١٥٦، هكذا.

٢٠٠