بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٨

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة0%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 668

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

مؤلف: الشيخ محمد تقي التّستري
تصنيف:

الصفحات: 668
المشاهدات: 59642
تحميل: 3260


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 668 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • المشاهدات: 59642 / تحميل: 3260
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 8

مؤلف:
العربية

الحديد: ذعلب و أحمد و عبد اللّه و مالك من رجال الشيعة و محدثيهم، و تبعه (ابن ميثم)( ١ ) ، لكن لم أقف على أثر من واحد منهم في كتب رجال الشيعة. نعم عنون (لسان ميزان ابن حجر) عدّة مسمّاة بعبد اللّه بن يزيد( ٢ ) و لم يعلم كون من في السند أحدهم أم لا نعم في ١٧٤ (النهج) «و من كلام لهعليه‌السلام و قد سأله ذعلب اليماني هل رأيت ربك؟» و مرّ في الفصل الأول( ٣ ) و هو غير «ذعلب» هذا على نقله لتأخر هذا و تقدم ذاك، و ليس ذاك أيضا من رجال الشيعة، فروى توحيد الصدوق عن ذاك أنه قال لما قالعليه‌السلام : «سلوني قبل أن تفقدوني»:

لقد ارتقى ابن أبي طالب مرقاة صعبة لأخجلنّه اليوم( ٤ ) . فهو أعلم و ما قال.

«قد ذكر» هكذا في (المصرية)( ٥ ) و الصواب: ما في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم) «فقال و قد ذكر»( ٦) .

«عندهعليه‌السلام اختلاف الناس» أي: في الحالات و الصفات، قال الشاعر:

و القوم أشباه و بين حلومهم

بون كذاك تفاضل الأشياء

و قال آخر:

الناس أصناف و شتى في الشيم

و كلهم يجمعهم بيت الأدم

و قال عبد الحميد: الناس أصناف مختلفون، و أطوار متباينون، منهم علق مضنة لا يباع، و منهم غل مظنة لا يبتاع( ٧ ) . و قال الشافعي:

____________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ١٣: ١٨.

(٢) لسان الميزان ٣: ٣٧٧ ٣٧٩.

(٣) نهج البلاغة ٢: ١٢٠، من الخطبة رقم ١٧٩.

(٤) التوحيد للصدوق: ٣٠٥.

(٥) نهج البلاغة ٢: ٢٥٥، من الخطبة رقم ٢٣٤.

(٦) شرح ابن أبي الحديد ١٣: ١٨، و ابن ميثم (الطبع الحجري): ٣١٤، و فيه: «قال: كنّا عند أمير المؤمنينعليه‌السلام و قد ذكر عنده اختلاف الناس فقال: انما...».

(٧) وفيات الأعيان (بتحقيق الدكتور احسان عباس طبعة منشورات الشريف الرضي قم) ٣: ٢٢٩، و فيه: «و في

٢٢١

و الناس يجمعهم شمل و بينهم

في العقل فرق و في الآداب و الحسب( ١)

و قال الشاعر:

للحرب أقوام لها خلقوا

و للدواوين كتّاب و حسّاب

و قال آخر:

و القوم كالعيدان يفضل بعضهم

بعضا كذاك يفوق عود عودا

و لبعضهم:

الناس اخوان و شتى في الشيم

و كلهم يجمعهم بيت الادم

و في الديوان:

الناس من جهة التمثال أكفاء

أبوهم آدم و الام حواء

 (فقال) هكذا في (المصرية)( ٢ ) ، و الكلمة زائدة و ليست في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم( ٣ ) و الخطية).

«انما فرّق بينهم مبادي طينتهم» في (معارف ابن قتيبة) قالوا: كان لأبي الجعد أبي سالم ابن أبي الجعد ستة بنين اثنان يتشيّعان، و اثنان مرجئان، و اثنان خارجيّان، فقال ابراهيم: لقد خالف اللّه بينكم.

و في (الكافي) عن الباقرعليه‌السلام : لو علم الناس كيف ابتداء هذا الخلق ما اختلف اثنان...

و عن الصادقعليه‌السلام : ان اللّه تعالى خلق المؤمن من طينة الجنة و خلق الكافر من طينة النار، و إذا أراد اللّه بعبد خيرا طيّب روحه و جسده، فلا يسمع ((ر))سالة له: و الناس أخياف مختلفون، و أطوار متباينون، منهم علق مضنّة لا يباع و غل مظنة لا يبتاع».

____________________

(١) معجم الادباء ١٧: ٣١٩.

(٢) نهج البلاغة ٢: ٢٥٥، من الخطبة رقم ٢٣٤.

(٣) شرح ابن أبي الحديد ١٣: ١٨، ابن ميثم (الطبع الحجري): ٣١٤، و فيه «قال كنا عند أمير المؤمنينعليه‌السلام و قد ذكر عنده اختلاف الناس فقال انما...».

٢٢٢

شيئا من الخير إلاّ عرفه، و لا يسمع شيئا من الشرّ إلاّ أنكره...( ١ ) و قال البحتري:

و الأرض لو لا العذاة واحدة

و الناس لو لا الفعال أمثال

أيضا:

و إن الأنفس اختلفن فما

يغني اتّفاق الأسماء و الألقاب

«و ذلك أنهم كانوا فلقة» أي: كسرة و مقدارا.

«من سبخ أرض و عذبها» السبخة الملحة، و العذب ضد السبخ.

«و حزن تربة» الحزن بالسكون ما غلظ من الأرض، و السهل خلافه.

في (معارف ابن قتيبة): أتى حزن بن أبي وهب المخزومي جد سعيد بن المسيب النبيّ‏ّصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال له: أنت سهل؟ قال: بل أنا حزن ثلاثا قال: فأنت حزن. قال سعيد بن المسيب: فما زلنا نعرف تلك الحزونة فينا.

و في (الكافي) عن الصادقعليه‌السلام : هلك رجل في عهد النبيّ‏ّصلى‌الله‌عليه‌وآله فأتى الحفّارين فإذا بهم لم يحفروا شيئا و شكوا ذلك إليهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقالوا: ما يعمل حديدنا في الأرض فكأنما يضرب به في الصفا. فقال: و لم؟ إن كان صاحبكم لحسن الخلق، إيتوني بقدح من ماء، فأتوا به فأدخل يده فيه ثم رشّه على الأرض رشّا ثم قال: إحفروا فحفروا فكأنما كان رملا يتهايل عليهم( ٢) .

«فهم على حسب قرب أرضهم يتقاربون و على قدر اختلافها يتفاوتون» قال النبيّ‏ّصلى‌الله‌عليه‌وآله : الأرواح جنود مجنّدة، فما تعارف منها ائتلف، و ما تناكر منها اختلف( ٣) .

و قال أيضا: الناس معادن كمعادن الذهب و الفضة.

____________________

(١) الكافي ٢: ٣ ح ٢، و ٢: ٦ ح ١.

(٢) الكافي ٢: ١٠١ ح ١٠.

(٣) أخرجه مسلم ٤: ٢٠٣١ ح ١٥٩ ١٦٠، و أبو داود ٤: ٢٦٠ ح ٤٨٣٤.

٢٢٣

و في (الكافي) عن عبد اللّه بن كيسان، قلت لأبي عبد اللّهعليه‌السلام : اخالط الرجل فأرى له حسن السّمت و حسن الخلق و أمانة، ثم افتشه فأتبيّنه عن عداوتكم، و أخالط الرجل فأرى فيه سوء الخلق، و قلّة الأمانة، و زعارة، ثم افتّشه فأتبينه عن ولايتكم، فكيف يكون ذلك؟ قال: أما علمت أنّ اللّه أخذ طينة من الجنة و طينة من النار فخلطهما جميعا ثم نزع هذه من هذه و هذه من هذه، فما رأيت في أولئك من الأمانة و حسن الخلق و حسن السمت فممّا مسّهم من طينة الجنة و هو يعودون إلى ما خلقوا منه، و ما رأيت من هؤلاء من قلّة الأمانة و سوء الخلق و الزّعارة فممّا مسّهم من طينة النار و هم يعودون إلى ما خلقوا منه( ١) .

و عن حبيب السجستاني عن أبي جعفرعليه‌السلام : ان اللّه تعالى لما أخرج ذرية آدم من ظهره ليأخذ عليهم الميثاق بالربوبية له، و بالنبوّة لكل نبي، كان أول من أخذ له عليهم الميثاق بنبوته، محمد بن عبد اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثم قال لآدم: انظر ما ذا ترى؟ فنظر إلى ذريته و هم ذر قد ملأوا السماء فقال: يا ربّ ما أكثر ذرّيّتي و لأمر ما خلقتهم، فما تريد منهم بأخذك الميثاق عليهم؟ قال: يعبدونني لا يشركون بي شيئا، و يؤمنون برسلي و يتبعونهم. قال: يا رب فما لي أرى بعض الذرّ أعظم من بعض، و بعضهم له نور كثير، و بعضهم له نور قليل، و بعضهم ليس له نور. فقال تعالى: كذلك خلقتهم لأبلوهم في كل حالاتهم. قال:

يا رب فتأذن لي في الكلام. قال: تكلم، فإنّ روحك من روحي، و طبيعتك خلاف كينونيتي. قال: يا رب لو كنت خلقتهم على مثال واحد و قدر واحد و طبيعة واحدة، و جبلة واحدة و أرزاق سواء، لم يبغ بعضهم على بعض، و لم يكن بينهم تحاسد و لا تباغض و لا اختلاف في شي‏ء من الأشياء. قال: يا آدم

____________________

(١) الكافي ٢: ٣ ح ٥، منشورات المكتبة الإسلامية، طهران.

٢٢٤

بروحي نطقت، و بضعف طبيعتك تكلفت ما لا علم لك به، و أنا الخالق العالم، بعلمي خالفت بين خلقهم، و بمشيّتي يمضي فيهم أمري، و إلى تدبيري و تقديري صائرون، لا تبديل لخلقي و ما خلقت الجنّ و الإنس إلاّ ليعبدون( ١ ) ، و خلقت الجنة لمن عبدني و أطاعني منهم و اتبع رسلي و لا أبالي، و خلقت النار لمن كفر بي و عصاني و لم يتبع رسلي و لا أبالي، و خلقتك و خلقت ذريتك من غير فاقة بي إليك و إليهم، و إنّما خلقتك و خلقتهم لأبلوك و أبلوهم أيكم أحسن عملا في دار الدنيا في حياتكم، و لذلك خلقت الدنيا و الآخرة و الحياة و الموت، و الطاعة و المعصية، و الجنة و النار، و كذلك أردت في تقديري و تدبيري و بعلمي النافذ فيهم، خالفت بين صورهم و أجسادهم و ألوانهم و أعمارهم، و أرزاقهم و طاعتهم و معصيتهم، فجعلت منهم الشقي و السعيد، و البصير و الأعمى، و القصير و الطويل، و الجميل و الدميم، و العالم و الجاهل، و الغني و الفقير، و المطيع و العاصي، و الصحيح و السقيم، و من به الزّمانة و من لا عاهة به، فينظر الصحيح إلى الذي به العاهة، فيحمدني على عافيته، و ينظر الذي به العاهة إلى الصحيح، فيدعوني و يسألني ان أعافيه، و يصبر على بلائي فأثيبه جزيل عطائي، و ينظر الغنيّ إلى الفقير، فيحمدني و يشكرني، و ينظر الفقير إلى الغني، فيدعوني و يسألني، و ينظر المؤمن إلى الكافر، فيحمدني على ما هديته، فلذلك خلقتهم و كلّفتهم لأبلوهم في السرّاء و الضراء، و فيما أعافيهم و فيما أبتليهم، و فيما أعطيهم و فيما امنعهم، و أنا اللّه الملك القادر، و لي ان أمضي جميع ما قدّرت على ما دبّرت( ٢) .

«فتام الرواء» بالضم: من له منظر.

____________________

(١) الذاريات: ٥٦.

(٢) الكافي ٢: ٤ ح ٥ و ٢: ٨ ح ٢.

٢٢٥

«ناقص العقل» في (مطالب سؤول ابن طلحة الشافعي): قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : الإنسان عقل و صورة، فمن أخطأه العقل و لزمه الصورة لم يكن كاملا و كان بمنزلة من لا روح فيه، فمن طلب العقل المتعارف فليعرف صورة الاصول و يحذف الفضول، فإنّ كثيرا من الناس يطلبون الفضول و يضيّعون الاصول.

و في (تاريخ بغداد): قال ثعلب كان يحضر مجلس الزبير بن بكار رجل من بني هاشم له رواء و هيئة، حسن الثوب طيّب الرائحة، و كان الزبير يكرمه و يرفع مجلسه، فقال يوما للزبير: الفرزدق كان جاهليا أو تميميا؟ فولاّه الزبير ظهره و قال: اللهمّ اردد على قريش أخطارها( ١ ) ، و قال العباس بن مرداس:

و يعجبك الطرير فتبتليه

فيخلف ظنك الرجل الطرير

و قال آخر:

و ان طرّة راقتك فانظر فربما

أمرّ مذاق العود و العود أخضر

و قال آخر:

و كائن ترى من تلمعيّ مخطرب

و ليس له عند العزائم جوّل

«و مادّ القامة قصير الهمّة» قال بنو الديان الحارثيون لحسان بن ثابت: كنّا نطول بأجسامنا على العرب حتى قلت:

لا بأس بالقوم من طول و من عظم

جسم البغال و أحلام العصافير

فتركتنا لا نرى أجسامنا شيئا، و قال الشاعر:

ترى الفتيان كالنخل

و ما يدريك ما الدخل

و هذه القضايا قضايا غالبية لا كلية، فقد يكون تام الرواء تام العقل، قال بعضهم: من تمنّى رجلا حسن العقل، حسن البيان، حسن العلم، تمنّى شيئا

____________________

(١) تاريخ بغداد ٨: ٤٧٠.

٢٢٦

عسيرا، و قد اجتمع ذلك كله في العتابي. كما قد يكون طويل القامة عاقلا عالي الهمة.

فلما ألحّ المنصور على أبي مسلم حضوره عنده شاور نيزك الطويل فقال له: يا نيزك إنّي و اللّه ما رأيت طويلا أعقل منك فما ترى؟ قال: لا أرى أن تأتيه و أرى ان تأتي الري فتقيم بها فيصير ما بين خراسان و الري لك( ١) .

و حكيم الهند الذي جرى بينه و بين الاسكندر رموز كان طويلا، ففي (المروج): جلس الاسكندر جلوسا خاصا و دعا بالحكيم و لم يكن رآه قبل ذلك فلما نظر إلى صورته و تأمّل قامته نظر إلى رجل طويل الجسم رحب الجبين معتدل البنية فقال في نفسه: هذه بنية تضاد الحكمة، فإذا اجتمع حسن الصورة و حسن الفهم كان أوحد زمانه، فتأمّله الفيلسوف فأدار أصبعه السبابة على وجهه و وضعه على أرنبة أنفه، فسأله الاسكندر عن سرّ فعله فقال: تأملتك بنور عقلي فتبيّنت فكرتك فيّ و أن هذه الصورة فلمّا تجتمع مع الحكمة، فإذا كان صاحبها ذلك كان أوحد زمانه، فأدرت أصبعي مصداقا لما سنح لك، و أريتك مثالا شاهدا أنه كما ليس في الوجه إلاّ أنف واحد، كذلك ليس في دار مملكة الهند غيري، و لا يلحق أحد بي في حكمتي( ٢) .

«و ذاكي العمل قبيح المنظر» هكذا في (المصرية)( ٣ ) ، و لكن في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم)( ٤ ) (و زاكى) بالزاي و هو الصحيح، من قوله تعالى قد أفلح من زكاها( ٥ ) و أما «ذاكي» فلا مناسبة له هنا، يقال ذكا الرجل: إذا كان حديد

____________________

(١) تاريخ الطبري ٧: ٤٨٥.

(٢) مروج الذهب ١: ٣٢٨.

(٣) نهج البلاغة ٢: ٢٥٥، من الخطبة رقم ٢٣٤.

(٤) شرح ابن أبي الحديد ١٣: ١٨، و ابن ميثم (الطبع الحجري): ٣١٤، السطر السادس عشر هكذا.

(٥) الشمس: ٩.

٢٢٧

الفؤاد، و ذكت النار: إذا اشتعلت.

من أمثالهم «جاورينا و أخبرينا»( ١ ) و عن يونس: إنّ رجلين كانا يتعشّقان امرأة و كان أحدهما جميلا، فيقول لها «عاشرينا و انظري إلينا»، و الآخر دميما يقول لها المثل، فقالت لأختبرنّهما، فقالت لهما: لينحرا جزورا، فأتتهما متنكّرة، فبدأت بالجميل، فوجدته عند القدر يلحس الدسم و يأكل الشحم، فاستطعمته، فأمر لها بثيل الجزور أي: وعاء قضيبه، ثم أتت الدميم، فإذا هو يقسم اللحم و يعطي كل من يسأله، فسألته، فأمر لها بأطائب الجزور، فلما أصبحا غدوا عليها، فوضعت بين يدي كلّ منهما ما أعطاها، فأقصت الجميل و قرّبت الدميم( ٢ ) ، قال أبو محجن:

أ لم تسأل فوارس من سليم

بنضلة و هو موتور مشيح

رأوه فازدروه و هو خرق

و ينفع أهله الرجل القبيح

فلم يخشوا مصالته عليهم

و تحت الرغوة اللبن الصريح

فكرّ عليهم بالسيف صلتا

كما عضّ الشبا الفرس الجموح

فأطلق غلّ صاحبه و أردى

جريحا منهم و نجا جريح

و لآخر:

ترى الرجل النحيف فتزدريه

و في أثوابه رجل عزيز

و يعجبك الطرير فتبتليه

فيخلف ظنك الرجل الطرير

هذا، و هجا مسلم بن الوليد قوما فقال:

قبحت مناظرهم فحين خبرتهم

حسنت مناظرهم لقبح المخبر( ٣)

____________________

(١) مجمع الأمثال للميداني ١: ١٦٣.

(٢) نقله عن يونس الميداني في مجمع الأمثال ١: ١٦٢.

(٣) الأغاني ١٩: ٣٤، و فيه: و هجا رجلا بقبح الوجه و الأخلاق فقال:

قبحت مناظره فحين خبرته حسنت مناظره لقبح المخبر

٢٢٨

«و قريب القعر بعيد السبر» من سبرت الجرح: إذا نظرت ما غوره.

في (تاريخ بغداد): قال صافي الحرمي مولى المعتضد: مشيت يوما بين يديه و هو يريد دور الحرم، فلما بلغ إلى باب (شغب) أم المقتدر وقف يسمع و يطّلع من خلل في الستر، فإذا هو بالمقتدر و له إذ ذاك خمس سنين أو نحوها و هو جالس و حواليه مقدار عشر وصائف من أقرانه في السن و بين يديه طبق فضة فيه عنقود في وقت فيه العنب عزيز جدا، و الصبي يأكل عنبة واحدة ثم يطعم الجماعة عنبة عنبة على الدور حتى إذا بلغ الدور أكل واحدة مثل ما أكلوا حتى أفنى العنقود، و المعتضد يتميّز غيظا، فرجع و لم يدخل الدار و رأيته مهموما، فقلت: يا مولاي ما سبب ما فعلته و ما قد بان عليك؟ فقال: يا صافي و اللّه لو لا النار و العار لقتلت هذا الصبي اليوم، فإنّ في قتله صلاحا للامّة. فقلت:

يا مولاي حاشاه. أي شي‏ء عمل، يا مولاي إلعن إبليس. فقال: ويحك أنا أبصر بما أقوله، أنا رجل قد سست الامور و أصلحت الدنيا بعد فساد شديد، و لا بد من موتي، و أعلم أن الناس بعدي لا يختارون غير ولدي و سيجلسون ابني عليّا يعني المكتفي و ما أظن عمره يطول للعلة التي به يعني الخنازير التي كانت في حلقه فيتلف عن قرب، و لا يرى الناس إخراجها عن ولدي و لا يجدون بعده أكبر من هذا فيجلسونه و هو صبي، و له من الطبع في السخاء هذا الذي قد رأيت من أنه أطعم الصبيان مثل ما أكل، و ساوى بينه و بينهم و شي‏ء عزيز في العالم و الشح على مثله في طباع الصبيان، فتحتوي عليه النسوان لقرب عهده بهن فيقسم ما جمعته من الأموال كما قسّم العنب، و يبذر ارتفاع الدنيا و يخربها، فتضيع الثغور و تنتشر الامور، و يخرج الخوارج و تحدث الاسباب التي يكون فيها زوال الملك عن بني العباس أصلا. فقلت: بل يبقيك اللّه حتى يتأدّب بآدابك. قال: إحفظ عني ما أقوله، فكنت كلّما وقفت على رأس

٢٢٩

المقتدر و هو يشرب و قد دعا بالأموال فأخرجت إليه و جعل يفرقها على الجواري و النساء و يمحقها و يهبها، ذكرت مولاي المعتضد و بكيت( ١) .

هذا، و قال ابن أبي الحديد: المراد بقرب قعره تقارب طرفيه بقصر قامته( ٢) .

و قيل لبعض الحكماء: ما بال القصار أدهى و أحذق؟ قال: لقرب قلوبهم من أدمغتهم.

«و معروف الضريبة، منكر الجليبة» في (الصحاح): الضريبة: الطبيعة، تقول فلان كريم الضريبة و فلان لئيم الضريبة( ٣ ) ، و الجليب: الذي يجلب من بلد إلى غيره، قال زهير:

و مهما تكن عند امرى‏ء من خليقة

و إن خالها تخفى على الناس تعلم

و قال ذو الأصبع:

كل امرى‏ء راجع يوما لشيمته

و إن تخلّق أخلاقا إلى حين( ٤)

و قال كثير:

و من يبتدع ما ليس من سوس نفسه

يدعه و يغلبه على النفس خيمها( ٥)

هذا، و في (الحلية) عن الشافعي: خرجت إلى اليمن في طلب كتب الفراسة حتى كتبتها و جمعتها، ثم لمّا حان انصرافي مررت على رجل في الطريق محتب بفناء داره أزرق العين ناتى‏ء الجبهة سناط و هذا النعت أخبث

____________________

(١) تاريخ بغداد ٧: ٢١٦ و ٢١٧.

(٢) شرح ابن أبي الحديد ١٢: ٢١، بالمعنى.

(٣) الصحاح للجوهري ١: ١٦٩.

(٤) الشعر لحرثان بن الحارث ذي الأصبع العدواني (كان يعيش نحو ٢٢ ه. ق). انظر الأغاني ٣: ١٠٥، السطر الثالث عشر و فيه: «كل امرى‏ء صائر يوما...»

(٥) حلية الأولياء ٩: ١٤٤، و نقله المصنف بتصرف.

٢٣٠

ما يكون في الفراسة فقلت له: هل من منزل؟ فقال: نعم فأنزلني فرأيته اكرم ما يكون من رجل، بعث إليّ بعشاء و طيب و علف لدابتي و فراش و لحاف، فجعلت أ تقلب الليل ما أصنع بهذه الكتب إذ رأيت النعت في هذا الرجل، فقلت:

أرمي بهذه الكتب، فلما أصبحت قلت للغلام: أسرج، فأسرج فركبت و مررت عليه و قلت له: إذا قدمت مكة و مررت بذي طوى فاسأل عن محمد بن ادريس الشافعي. فقال: أ مولى لأبيك أنا؟ قلت: لا. قال: فهل كانت لك عندي نعمة؟ قلت:

لا. قال: أين ما تكلفت لك البارحة. قلت: و ما هو. قال: أشتريت طعاما لك بدرهمين و إداما بكذا و كذا و عطرا بثلاثة دراهم و علفا لدابتك بدرهمين و كراء الفرش و اللحاف درهمان. قلت: يا غلام أعطه. فهل بقي شي‏ء؟ قال: كراء البيت فاني قد وسعت عليك و ضيقت على نفسي. قال: فغبطت بتلك الكتب، فقلت له:

هل بقي لك من شي‏ء؟ قال: امض أخزاك اللّه فما رأيت قط شرا منك( ١) .

إذا ما طلبت شيمة غير شيمة

طبعت عليها لم تجبك الطبائع

«و تائه القلب» أي: متحيّرة.

«متفرّق اللب» أي: العقل.

في (الطبري): و في سنة (٦٧) عزل ابن الزبير أخاه مصعبا عن البصرة و ولّى ابنه حمزة، فقدم البصرة و كان يجود أحيانا حتى لا يدع شيئا يملكه، و يمنع أحيانا ما لا يمنع مثله، فظهرت منه بالبصرة خفّة و ضعف، فعزله أبوه فاحتمل مالا كثيرا من مال البصرة و أتى المدينة و ترك أباه، فأودع ذلك المال رجالا فذهبوا به إلاّ يهوديا كان أودعه فوفى له، و علم أبوه بما فعل فقال: أبعده اللّه أردت ان أباهي به بني مروان فنكص( ٢) .

____________________

(١) حلية الأولياء ٩: ١٤٤، و نقله المصنّف بتصرّف.

(٢) تاريخ الطبري ٦: ١١٧ و ١١٨، و نقله المصنف بتصرف كثير.

٢٣١

و قال سوار: ما أعلم أحدا أفضل من عطاء السلمي، و لو شهد عندي على فلسين لم أجز شهادته يذهب إلى تفرق لبه.

«و طليق اللسان حديد الجنان» بالفتح القلب، قال الجوهري: قال موسى بن جابر الجعفي:

فما نفرت جنّي و لا فل مبردي

و لا أصبحت طيري من الخوف وقعا

و اراد بالجن القلب و بالمبرد اللسان. و قالوا: المرء بأصغريه قلبه و لسانه( ١) .

و في (المروج): لما حصل شبيب الخارجي على جسر دجيل نفر به فرسه و عليه الحديد الثقيل من درع و مغفر، فألقاه في الماء، فقال له بعض أصحابه أغرقا؟ قال: ذلك تقدير العزيز العليم( ٢ ) . فألقاه دجيل ميتا بشطه، فحمل على البريد إلى الحجّاج فأمر بشق بطنه و استخراج قلبه، فاستخرج فإذا هو كالحجر إذا ضرب به الأرض نبا عنه، فشقّ فإذا في داخله قلب صغير كالكرة، فشقّ فأصيب علقة الدم في داخله( ٣) .

هذا، و في (الكافي): كان أمير المؤمنينعليه‌السلام يقول: إذا كان الغلام ملتاث الادرة صغير الذكر، ساكن النظر، فهو ممّن يرجى خيره و يؤمن شرّه، و إذا كان شديد الادرة كبير الذكر حاد النظر فهو ممّن لا يرجى خيره و لا يؤمن شرّه( ٤) .

هذا و قد قيل في كنانة:

فما كنانة في خير بخائرة

و لا كنانة في شر باشرار

____________________

(١) الصحاح للجوهري ٥: ٢٠٩٣.

(٢) فصلت: ١٢.

(٣) مروج الذهب ٣: ١٣٩ ١٤٠.

(٤) الكافي ٦: ٥١ ح ١.

٢٣٢

و هو أقبح ذم.

٤ - الحكمة (١٠٨) و قالعليه‌السلام :

لَقَدْ عُلِّقَ بِنِيَاطِ هَذَا اَلْإِنْسَانِ بَضْعَةٌ هِيَ أَعْجَبُ مَا فِيهِ وَ ذَلِكَ اَلْقَلْبُ وَ لَهُ مَوَادَّ مِنَ اَلْحِكْمَةِ وَ أَضْدَاداً مِنْ خِلاَفِهَا فَإِنْ سَنَحَ لَهُ اَلرَّجَاءُ أَذَلَّهُ اَلطَّمَعُ وَ إِنْ هَاجَ بِهِ اَلطَّمَعُ أَهْلَكَهُ اَلْحِرْصُ وَ إِنْ مَلَكَهُ اَلْيَأْسُ قَتَلَهُ اَلْأَسَفُ وَ إِنْ عَرَضَ لَهُ اَلْغَضَبُ اِشْتَدَّ بِهِ اَلْغَيْظُ وَ إِنْ أَسْعَدَهُ اَلرِّضَا نَسِيَ اَلتَّحَفُّظَ وَ إِنْ نَالَهُ اَلْخَوْفُ شَغَلَهُ اَلْحَذَرُ وَ إِنِ اِتَّسَعَ لَهُ اَلْأَمْرُ اِسْتَلَبَتْهُ اَلْغِرَّةُ وَ إِنْ أَفَادَ مَالاً أَطْغَاهُ اَلْغِنَى وَ إِنْ أَصَابَتْهُ مُصِيبَةٌ فَضَحَهُ اَلْجَزَعُ وَ إِنْ عَضَّتْهُ اَلْفَاقَةُ شَغَلَهُ اَلْبَلاَءُ وَ إِنْ جَهَدَهُ اَلْجُوعُ قَعَدَ بِهِ اَلضَّعْفُ وَ إِنْ أَفْرَطَ بِهِ اَلشِّبَعُ كَظَّتْهُ اَلْبِطْنَةُ فَكُلُّ تَقْصِيرٍ بِهِ مُضِرٌّ وَ كُلُّ إِفْرَاطٍ لَهُ مُفْسِدٌ أقول: رواه الكليني في (روضته) و المسعودي و أبو طلحة الشافعي في (مطالب سؤوله)، روى الأول عن محمد بن علي بن معمر عن محمد بن علي بن عكاشة عن الحسين بن النضر الفهري عن أبي عمرو الأوزاعي عن عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: إن أمير المؤمنينعليه‌السلام خطب الناس بالمدينة بعد سبعة أيام من وفاة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، و ذلك حين فرغ من جمع القرآن و تأليفه، فقال: الحمد للّه الذي منع الأوهام أن تنال الا وجوده إلى أن قال أيها الناس أعجب ما في الانسان قلبه و له مواد من الحكمة و أضداد من خلافها، فإن سنح له الرجاء أذلّه الطمع، و إن هاج به الطمع أهلكه الحرص، و إن ملكه اليأس قتله الأسف، و إن عرض له الغضب اشتدّ به الغيظ، و إن أسعد بالرّضا نسي التحفّظ، و إن ناله الخوف شغله الحذر، و إن اتّسع له الأمن

٢٣٣

استلبته الغرّة، و إن جددت له النعمة أخذته الغرّة، و ان أفاد مالا أطغاه الغنى، و ان عضّته فاقة شغله البلاء جهده البكاء و إن أصابته مصيبة فضحه الجزع، و إن أجهده الجوع قعد به الضعف، و إن أفرط في الشبع كظّته البطنة، فكل تقصير به مضر و كل إفراط له مفسد( ١) .

و قال الثاني: دخل ضرار بن ضمرة و كان من خواصّ عليّعليه‌السلام على معاوية وافدا، فقال له: صف لي عليا. قال: أعفني. قال معاوية: لا بدّ من ذلك.

فقال: أمّا إذا كان لا بدّ من ذلك فإنه كان و اللّه بعيد المدى شديد القوى إلى أن قال فقال له معاوية: زدني شيئا من كلامه. فقال: كان يقول: أعجب ما في الانسان قلبه، و له مواد من الحكمة و أضداد من خلافها، فإن سنح له الرجاء أماله الطمع، و إن مال به الطمع أهلكه الحرص، و إن ملكه القنوط قتله الأسف، و إن عرض له الغضب اشتدّ به الغيظ، و إن أسعده الرضا نسي التحفّظ، و إن أماله الخوف فضحه الجزع، و إن أفاد مالا أطغاه الغنى، و ان عضته فاقة فضحه الفقر، و ان جهده الجوع أقعده الضعف، و ان أفرط به الشبع كظته البطنة، فكل تقصير به مضرّ، و كل إفراط له مفسد، فقال له معاوية: زدني ما وعيته من كلامه. قال: هيهات أن آتي على جميع ما سمعته منه( ٢) .

و قال الثالث: نقل البيهقي باسناده عن الشافعي عن يحيى بن سليم عن الامام جعفر بن محمد بن عبد اللّه بن جعفر عن أمير المؤمنينعليه‌السلام قال: أعجب ما في الانسان قلبه، فيه مواد من الحكمة و أضداد لها من خلافها، فإن سنح له الرجاء أولهه الطمع، و إن هاج به الطمع أهلكه الحرص، و إن ملكه اليأس قتله الأسف، و إن عرض له الغضب اشتد به الغيظ، و إن أسعده الرضا نسي

____________________

(١) الكافي ٨: ١٨ و ٢١.

(٢) مروج الذهب ٢: ٤٢١ ٤٢٢.

٢٣٤

التحفّظ، و إن ناله الخوف شغله الحزن، و إن أصابته المصيبة فضحه الجزع، و إن وجد مالا أطغاه الغنى، و إن عضّته فاقة شغله البلاء، و إن أجهد به الجوع قعد به الضعف، و إن أفرط به الشبع كظّته البطنة، فكل تقصير به مضرّ، و كل إفراط له مفسد.

«لقد علق بنياط هذا الانسان» في (الصحاح): النياط: عرق علق به القلب من الوتين، فإذا قطع مات صاحبه( ١) .

و مراده نوع الانسان الشامل لجميع الافراد.

و عن أرسطاطاليس في تفاوت أفراد الانسان كلام، و هو: ليس فيما خلق تعالى أشد من الانسان، يوجد فيه ما في كل حيوان، يكون شجاعا كالاسد، و جبانا كالأرنب، و سخيّا كالديك، و بخيلا كالكلب، و فجورا كالغراب، و وحشيّا كالنمر و انسيّا كالحمام، و خبيثا كالثعلب، و سليما كالغنم، و سريعا كالغزال، و بطيئا كالدبّ، و عزيزا كالفيل، و ذليلا كالحمار، و لصا كالعقعق، و تائها كالطاوس، و هاديا كالقطا، و ضالاّ كالنعامة، و شرورا كالتيس، و كدودا كالثور، و شموسا كالبغل، و أخرس كالحوت، و منطيقا كالهزار، و جهولا كالخنزير، و ميشوما كالبوم، و نفّاعا كالفرس، و مضرا كالفأرة.

«بضعة» في (الصحاح) القطعة من اللحم، و هي بالفتح، و أخواتها مثل القطعة و الفلذة و الفدرة و الكسفة و الخرقة و ما لا يحصى بالكسر( ٢) .

«هي أعجب ما فيه» و كل ما فيه عجب، فقالعليه‌السلام أيضا: إعجبوا لهذا الإنسان، ينظر بشحم، و يتكلّم بلحم، و يسمع بعظم( ٣ ) ، بل كله عجب.

____________________

(١) الصحاح للجوهري ٣: ١١٦٦.

(٢) الصحاح ٣: ١١٨٦.

(٣) نهج البلاغة ٣: ٤ الحكمة ٧.

٢٣٥

أ تزعم أنك جرم صغير

و فيك انطوى العالم الأكبر

«و ذلك القلب» قالوا ما سمّي القلب إلاّ من تقلبه.

هذا، و قيل في عضد الدولة: له صدر فيه ألف قلب.

«و له مواد من الحكمة و أضداد من خلافها» و عنهعليه‌السلام أيضا: الفضائل أربعة أجناس: أحدها الحكمة و قوامها في الفكرة، و الثاني العفّة و قوامها في الشهوة، و الثالث القوّة و قوامها في الغضب، و الرابع العدل و قوامه في اعتدال قوى النفس( ١) .

قال ابن ميثم: أرادعليه‌السلام : بقوله «مواد من الحكمة» الفضائل الخلقية، فإنّها بأسرها من الحكمة، و هي العلم بما ينبغي أن يفعل، و هو الأصلح في كل باب، و هي مواد كمال القلب. و أراد بقوله: «و أضداد من خلافها» الرذائل المضادة للفضائل، و هي التي أطراف التفريط و الإفراط منها، فالاولى الطمع و هو رذيلة الإفراط من رضا الانسان بما يحصل عليه من دنياه.

إلى أن قال: الخامسة رذيلة الإفراط من عروض الخوف، و هي الاشتغال بالحذر عما ينبغي عند عروضه، و الذي ينبغي فيه الأخذ بالحزم، و ترك الافراط من الخوف و العمل للأمر المخوف. السادسة رذيلة التفريط في عروض ضده و هو الأمن حتى لا يفكّر في مصلحته و حفظ ما هو عليه من الأمن.

إلى أن قال: ثم ختم ذلك بالتنفير عن طرفي الإفراط و التفريط فيها إجمالا بما يلزم التفريط من مضرّة القلب بعدم الفضيلة و يلزم الإفراط فيها من إفساده لخروجه عنها( ٢) .

____________________

(١) بحار الانوار ٧٨: ٨١ ح ٦٨.

(٢) ابن ميثم (الطبع الحجري) ٣: ٤٧٨ و ٤٧٩، و قول المصنف «... من رضا الانسان بما يحصل عليه من دنياه» ليس من

٢٣٦

و عرّض ابن ميثم في كلامه ذاك بابن أبي الحديد حيث قال: ليست الأمور التي عدّدهاعليه‌السلام شرحا لما قدّمه من هذا الكلام المجمل، و إن ظنّ قوم أنه أراد ذلك( ١) .

«فان سنح» أي: عرض.

«له الرجاء أذله الطمع» الرجاء ان لم يكن فيه افراط يؤدي إلى الطمع فضيلة و حكمة لأنه مادة الحياة للدين و الدنيا، و أما إن أدى إليه فهو طبع.

و في (مجازات نبوية المصنّف) في قول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله «استعيذوا باللّه من طمع يهدي إلى طبع» المراد أن الطمع يصيّر بصاحبه إلى معائب الأفعال و مدانسها، و يوقعه في مذامّها و مناقصها، و الطبع الدنس و العيب مأخوذ على ما سمعته من أبي الفتح النحوي من الطابع و هو الخاتم، كأنه يسم صاحبه بالمعائب( ٢ ) ، فلما كانت عواقب الطمع صائرة إلى مدارن الطبع جعلصلى‌الله‌عليه‌وآله الطمع كأنه هاد إليها على المجاز و الاتساع.

و في (الكافي) عن الصادقعليه‌السلام : ما أقبح بالمؤمن أن تكون له رغبة تذلّه.

و عنهعليه‌السلام : الذي يثبّت الإيمان الورع، و الذي يخرجه الطمع.

و عن السجادعليه‌السلام : رأيت الخير كله قد اجتمع في قطع الطمع عمّا في أيدي النّاس( ٣) .

و قالوا: تقطع أعناق الرجال المطامع، و ان الطير ليصاد بالمطامع.

و أشعب الطماع و قصصه معروفة.

((ك))لام ابن ميثم فانه قال: «فالاولى الطمع و هي رذيلة الإفراط من الرجاء و نفرّ عنها بما يلزمها من الذلة: المطموع فيه و بما يلزم اشتداد الطمع من الحرص المهلك في الدارين».

____________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ١٨: ٢٧١.

(٢) المجازات: ٢٣٩.

(٣) الكافي ٢: ٣٢٠ ١ و ٣ و ٤.

٢٣٧

«و ان هاج به الطمع أهلكه الحرص» فالحرص إفراط في إفراط، فالطمع يذل و الحرص يهلك.

و في (عيون ابن قتيبة): لا يكثر الرجل على أخيه الحوائج، فان العجل إذا أفرط في مصّ أمه نطحته و نحّته. و قال الشاعر:

كم من حريص على شي‏ء ليدركه

و علّ ادراكه يدني إلى عطبه

و قال آخر:

و ربّ ملحّ على بغية

و فيها منيّته لو شعر( ١)

و قال ابن المقفع: الحرص محرمة، أنظر من يطلب إليك بالإجمال و التكرّم أحق أن تسخو نفسك له بالعطية أم من يطلب ذلك بالشره و الحرص( ٢) .

و دخل مالك بن دينار على رجل محبوس قد أخذ بمال عليه و قيّد، فقال له الرجل: أما ترى ما نحن فيه من هذه القيود، فرفع مالك رأسه فرأى سلّة فقال: لمن هذه؟ قال: لي فأمر بها أن تنزل، فأنزلت و إذا دجاج و أخبصة، فقال مالك: هذه وضعت القيود في رجلك( ٣) .

و قالت الحكماء: الحريص الجشع أشد حرارة من النار.

«و إن ملكه اليأس قتله الأسف» هو التفريط من فضيلة الرجاء، فاليأس يمنع العمل للدنيا و الدين.

و في (الخصال) عن الصادقعليه‌السلام : تبع حكيم حكيما سبعمئة فرسخ في سبع كلمات، فلما لحق به قال: يا هذا ما أرفع من السماء، و أوسع من الأرض،

____________________

(١) عيون الأخبار ٣: ١٩١.

(٢) عيون الأخبار ٣: ١٩١، نقله بالتقطيع.

(٣) عيون الأخبار ٣: ١٩٢، نقله بتصرف يسير.

٢٣٨

و أغنى من البحر، و أقسى من الحجر، و أشد حرارة من النار، و أشد بردا من الزمهرير، و أثقل من الجبال الراسيات؟ فقال له: يا هذا الحق أرفع من السماء، و العدل أوسع من الأرض، و غنى النفس أغنى من البحر، و قلب الكافر أقسى من الحجر، و الحريص الجشع أشدّ حرارة من النار، و اليأس من روح اللّه أشدّ بردا من الزمهرير، و البهتان على البري‏ء أثقل من الجبال الراسيات( ١) .

و قالوا: عاقب الزهري رجلا، فمات فخرج هاربا و توحّش و ضرب فسطاطا، فقال له علي بن الحسينعليه‌السلام : اني أخاف عليك من قنوطك ما لا أخاف عليك من ذنبك( ٢) .

«و ان عرض له الغضب اشتد به الغيظ» في (الكافي) عن الباقرعليه‌السلام : إن هذا الغضب جمرة من الشيطان توقد في قلب ابن آدم، و إنّ أحدكم إذا غضب احمرّت عيناه و انتفخت أوداجه و دخل الشيطان فيه، فإذا خاف أحدكم ذلك من نفسه فليلزم الأرض، فإنّ رجس الشيطان يذهب عنه عند ذلك.

و عن الصادقعليه‌السلام قال رجل للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : علّمني. قال: إذهب و لا تغضب.

فقال الرجل: قد اكتفيت بذلك، فمضى إلى أهله فإذا بين قومه حرب قد قاموا صفوفا و لبسوا السلاح، فلما رأى ذلك لبس سلاحه ثم قام معهم ثم ذكر قول النبيّ «لا تغضب» فرمى السلاح ثم جاء يمشي إلى القوم الذين هم عدو قومه، فقال: يا هؤلاء ما كان لكم من جراحة أو قتل أو ضرب ليس فيه أثر فعليّ في مالي أنا أو فيكموه. فقال القوم: فما كان فهو لكم، نحن أولى بذلك منكم، فاصطلح القوم و ذهب الغضب.

و عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : الغضب يفسد الإيمان كما يفسد الخل العسل.

____________________

(١) الخصال: ٣٤٨ ح ٢١.

(٢) أخرجه ذيل الطبري: ١١٦.

٢٣٩

و عن الباقرعليه‌السلام : ان الرجل ليغضب فما يرضى أبدا حتى يدخل النار، و أيّما رجل غضب على قوم و هو قائم فليجلس من فوره ذلك فانه سيذهب عنه رجس الشيطان، و أيّما رجل غضب على ذي رحم فليدن منه فليمسّه فإنّ الرحم إذا مست سكنت( ١) .

هذا، و في (نسب قريش مصعب الزبيري): حجّ مروان بن عبد الملك مع أخيه الوليد بن عبد الملك و الوليد يومئذ خليفة فجرى بينهما محاورة، فغضب الوليد فأمصّه فتفوه مروان بالرد عليه، فأمسك عمر بن عبد العزيز على فيه فمنعه من ذلك، فقال لعمر: «قتلتني رددت غيظي في جوفي»، فما راحوا من وادي القرى حتى دفنوه، فقال الشاعر:

لقد غادر القوم اليمانون إذ غدوا

بوادي القرى جلد الجنان مشيّعا

فسيروا فلا مروان للقوم إذ شقوا

و للركب إذ أمسوا مكلّين جوّعا( ٢)

و الرذيلة ما إذا استتبع الغضب غيظا يؤدي إلى الانتقام بأكثر مما يستحقه الخصم، و أما ان ترك الانتقام رأسا فهو فضيلة، قال تعالى و ما عند اللّه خير و أبقى للذين آمنوا و على ربهم يتوكلون. و الذين يجتنبون كبائر الإثم و الفواحش و إذا ما غضبوا هم يغفرون( ٣ ) كما انه إذا انتقم بقدر الاستحقاق يكون عدالة، قال تعالى: و جزاء سيئة سيئة مثلها( ٤) .

«و إن أسعده الرضا نسي التحفّظ» في (الطبري) في محاربة نصر بن سيّار و الكرماني في خراسان بعث أبو مسلم حين عظم الأمر بين الكرماني و نصر إلى الكرماني «إني معك»، فقبل و انضم إليه، فاشتد ذلك على نصر

____________________

(١) الكافي ٢: ٣٠٢ ٣٠٤ ١ و ٢ و ١١ و ١٢.

(٢) نسب قريش لمصعب الزبيري: ١٦٢، و نقله بتصرف.

(٣) الشورى: ٣٦ و ٣٧.

(٤) الشورى: ٤٠.

٢٤٠