بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٨

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة0%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 668

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

مؤلف: الشيخ محمد تقي التّستري
تصنيف:

الصفحات: 668
المشاهدات: 59638
تحميل: 3260


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 668 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • المشاهدات: 59638 / تحميل: 3260
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 8

مؤلف:
العربية

و قوله: «ما انتفعت بكلام بعد كلام رسول اللّه» لا يستلزم أن يكون هو المخاطب، فيصدق مع كون أخيه المخاطب.

و كيف كان فقوله في هذا الخبر «كسرى أو قيصر» الترديد من الرواة، و الصواب: قيصر بشهادة التاريخ، فإن كسرى غضب من كتاب النبيّ إليه و مزّق كتابه و إنما قيصر أهدى إليه هدايا.

و يمكن تأييد خبر اليعقوبي بما رواه كاتب الواقدي عن ابن عباس، قال:

اهدي النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بغلة شهباء، فبعثني الى أم سلمة، فأتيته بصوف و ليف الى أن قال ثم أردفني خلفه( ١) .

٢ - الكتاب (٣١) و من وصية له للحسن بن عليّعليه‌السلام كتبها إليه بحاضرين منصرفا من صفين:

مِنَ اَلْوَالِدِ اَلْفَانِ اَلْمُقِرِّ لِلزَّمَانِ اَلْمُدْبِرِ اَلْعُمُرِ اَلْمُسْتَسْلِمِ لِلدَّهْرِ اَلذَّامِّ لِلدُّنْيَا اَلسَّاكِنِ مَسَاكِنَ اَلْمَوْتَى وَ اَلظَّاعِنِ عَنْهَا غَداً إِلَى اَلْمَوْلُودِ اَلْمُؤَمِّلِ مَا لاَ يُدْرِكُ اَلسَّالِكِ سَبِيلَ مَنْ قَدْ هَلَكَ غَرَضِ اَلْأَسْقَامِ وَ رَهِينَةِ اَلْأَيَّامِ وَ رَمِيَّةِ اَلْمَصَائِبِ وَ عَبْدِ اَلدُّنْيَا وَ تَاجِرِ اَلْغُرُورِ وَ غَرِيمِ اَلْمَنَايَا وَ أَسِيرِ اَلْمَوْتِ وَ حَلِيفِ اَلْهُمُومِ وَ قَرِينِ اَلْأَحْزَانِ وَ نُصُبِ اَلْآفَاتِ وَ صَرِيعِ اَلشَّهَوَاتِ وَ خَلِيفَةِ اَلْأَمْوَاتِ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ فِيمَا تَبَيَّنْتُ مِنْ إِدْبَارِ اَلدُّنْيَا عَنِّي وَ جُمُوحِ اَلدَّهْرِ عَلَيَّ وَ إِقْبَالِ اَلْآخِرَةِ إِلَيَّ مَا يُرَغِّبُنِي عَنْ ذِكْرِ مَنْ سِوَايَ وَ اَلاِهْتِمَامِ بِمَا وَرَائِي غَيْرَ أَنِّي حَيْثُ تَفَرَّدَ بِي دُونَ هُمُومِ اَلنَّاسِ هَمُّ نَفْسِي فَصَدَّقَنِي

____________________

(١) ابن سعد ١: ٢، ١٧٥.

٣٠١

رَأْيِي وَ صَرَفَنِي عَنْ هَوَايَ وَ صَرَّحَ لِي مَحْضُ أَمْرِي فَأَفْضَى بِي إِلَى جِدٍّ لاَ يَكُونُ فِيهِ لَعِبٌ وَ صِدْقٍ لاَ يَشُوبُهُ كَذِبٌ وَ وَجَدْتُكَ بَعْضِي بَلْ وَجَدْتُكَ كُلِّي حَتَّى كَأَنَّ شَيْئاً لَوْ أَصَابَكَ أَصَابَنِي وَ كَأَنَّ اَلْمَوْتَ لَوْ أَتَاكَ أَتَانِي فَعَنَانِي مِنْ أَمْرِكَ مَا يَعْنِينِي مِنْ أَمْرِ نَفْسِي فَكَتَبْتُ إِلَيْكَ كِتَابِي مُسْتَظْهِراً بِهِ إِنْ أَنَا بَقِيتُ لَكَ أَوْ فَنِيتُ فَإِنِّي أُوصِيكَ بِتَقْوَى اَللَّهِ وَ لُزُومِ أَمْرِهِ وَ عِمَارَةِ قَلْبِكَ بِذِكْرِهِ وَ اَلاِعْتِصَامِ بِحَبْلِهِ وَ أَيُّ سَبَبٍ أَوْثَقُ مِنْ سَبَبٍ بَيْنَكَ وَ بَيْنَ اَللَّهِ إِنْ أَنْتَ أَخَذْتَ بِهِ أَحْيِ قَلْبَكَ بِالْمَوْعِظَةِ وَ أَمِتْهُ بِالزَّهَادَةِ وَ قَوِّهِ بِالْيَقِينِ وَ نَوِّرْهُ بِالْحِكْمَةِ وَ ذَلِّلْهُ بِذِكْرِ اَلْمَوْتِ وَ قَرِّرْهُ بِالْفَنَاءِ وَ بَصِّرْهُ فَجَائِعَ اَلدُّنْيَا وَ حَذِّرْهُ صَوْلَةَ اَلدَّهْرِ وَ فُحْشَ تَقَلُّبِ اَللَّيَالِي وَ اَلْأَيَّامِ وَ اِعْرِضْ عَلَيْهِ أَخْبَارَ اَلْمَاضِينَ وَ ذَكِّرْهُ بِمَا أَصَابَ مَنْ كَانَ قَبْلَكَ مِنَ اَلْأَوَّلِينَ وَ سِرْ فِي دِيَارِهِمْ وَ آثَارِهِمْ فَانْظُرْ فِيمَا فَعَلُوا وَ عَمَّا اِنْتَقَلُوا وَ أَيْنَ حَلُّوا وَ نَزَلُوا فَإِنَّكَ تَجِدُهُمْ قَدِ اِنْتَقَلُوا عَنِ اَلْأَحِبَّةِ وَ حَلُّوا دِيَارَ اَلْغُرْبَةِ وَ كَأَنَّكَ عَنْ قَلِيلٍ قَدْ صِرْتَ كَأَحَدِهِمْ فَأَصْلِحْ مَثْوَاكَ وَ لاَ تَبِعْ آخِرَتَكَ بِدُنْيَاكَ وَ دَعِ اَلْقَوْلَ فِيمَا لاَ تَعْرِفُ وَ اَلْخِطَابَ فِيمَا لَمْ تُكَلَّفْ وَ أَمْسِكْ عَنْ طَرِيقٍ إِذَا خِفْتَ ضَلاَلَتَهُ فَإِنَّ اَلْكَفَّ عِنْدَ حَيْرَةِ اَلضَّلاَلِ خَيْرٌ مِنْ رُكُوبِ اَلْأَهْوَالِ وَ أْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ تَكُنْ مِنْ أَهْلِهِ وَ أَنْكِرِ اَلْمُنْكَرَ بِيَدِكَ وَ لِسَانِكَ وَ بَايِنْ مَنْ فَعَلَهُ بِجُهْدِكَ وَ جَاهِدْ فِي اَللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ وَ لاَ تَأْخُذْكَ فِي اَللَّهِ لَوْمَةُ لاَئِمٍ وَ خُضِ اَلْغَمَرَاتِ لِلْحَقِّ حَيْثُ كَانَ وَ تَفَقَّهْ فِي اَلدِّينِ وَ عَوِّدْ نَفْسَكَ اَلتَّصَبُّرَ عَلَى اَلْمَكْرُوهِ وَ نِعْمَ اَلْخُلُقُ اَلتَّصَبُرُ فِي اَلْحَقِّ وَ أَلْجِئْ نَفْسَكَ فِي اَلْأُمُورِ كُلِّهَا إِلَى إِلَهِكَ فَإِنَّكَ تُلْجِئُهَا إِلَى كَهْفٍ حَرِيزٍ وَ مَانِعٍ عَزِيزٍ وَ أَخْلِصْ فِي اَلْمَسْأَلَةِ لِرَبِّكَ فَإِنَّ بِيَدِهِ اَلْعَطَاءَ وَ اَلْحِرْمَانَ وَ أَكْثِرِ

٣٠٢

اَلاِسْتِخَارَةَ وَ تَفَهَّمْ وَصِيَّتِي وَ لاَ تَذْهَبَنَّ عَنْهَا صَفْحاً فَإِنَّ خَيْرَ اَلْقَوْلِ مَا نَفَعَ وَ اِعْلَمْ أَنَّهُ لاَ خَيْرَ فِي عِلْمٍ لاَ يَنْفَعُ وَ لاَ يُنْتَفَعُ بِعِلْمٍ لاَ يَحِقُّ تَعَلُّمُهُ أَيْ بُنَيَّ إِنِّي لَمَّا رَأَيْتُنِي قَدْ بَلَغْتُ سِنّاً وَ رَأَيْتُنِي أَزْدَادُ وَهْناً بَادَرْتُ بِوَصِيَّتِي إِلَيْكَ وَ أَوْرَدْتُ خِصَالاً مِنْهَا قَبْلَ أَنْ يَعْجَلَ بِي أَجَلِي دُونَ أَنْ أُفْضِيَ إِلَيْكَ بِمَا فِي نَفْسِي أَوْ أَنْ أُنْقَصَ فِي رَأْيِي كَمَا نُقِصْتُ فِي جِسْمِي أَوْ يَسْبِقَنِي إِلَيْكَ بَعْضُ غَلَبَاتِ اَلْهَوَى أَوْ فِتَنِ اَلدُّنْيَا فَتَكُونَ كَالصَّعْبِ اَلنَّفُورِ وَ إِنَّمَا قَلْبُ اَلْحَدَثِ كَالْأَرْضِ اَلْخَالِيَةِ مَا أُلْقِيَ فِيهَا مِنْ شَيْ‏ءٍ قَبِلَتْهُ فَبَادَرْتُكَ بِالْأَدَبِ قَبْلَ أَنْ يَقْسُوَ قَلْبُكَ وَ يَشْتَغِلَ لُبُّكَ لِتَسْتَقْبِلَ بِجِدِّ رَأْيِكَ مِنَ اَلْأَمْرِ مَا قَدْ كَفَاكَ أَهْلُ اَلتَّجَارِبِ بُغْيَتَهُ وَ تَجْرِبَتَهُ فَتَكُونَ قَدْ كُفِيتَ مَئُونَةَ اَلطَّلَبِ وَ عُوفِيتَ مِنْ عِلاَجِ اَلتَّجْرِبَةِ فَأَتَاكَ مِنْ ذَلِكَ مَا قَدْ كُنَّا نَأْتِيهِ وَ اِسْتَبَانَ لَكَ مَا قَدْ رُبَّمَا أَظْلَمَ عَلَيْنَا مِنْهُ أَيْ بُنَيَّ إِنِّي وَ إِنْ لَمْ أَكُنْ عُمِّرْتُ عُمُرَ مَنْ كَانَ قَبْلِي فَقَدْ نَظَرْتُ فِي أَعْمَالِهِمْ وَ فَكَّرْتُ فِي أَخْبَارِهِمْ وَ سِرْتُ فِي آثَارِهِمْ حَتَّى عُدْتُ كَأَحَدِهِمْ بَلْ كَأَنِّي بِمَا اِنْتَهَى إِلَيَّ مِنْ أُمُورِهِمْ قَدْ عُمِّرْتُ مَعَ أَوَّلِهِمْ إِلَى آخِرِهِمْ فَعَرَفْتُ صَفْوَ ذَلِكَ مِنْ كَدَرِهِ وَ نَفْعَهُ مِنْ ضَرَرِهِ فَاسْتَخْلَصْتُ لَكَ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ نَخِيلَهُ وَ تَوَخَّيْتُ لَكَ جَمِيلَهُ وَ صَرَفْتُ عَنْكَ مَجْهُولَهُ وَ رَأَيْتُ حَيْثُ عَنَانِي مِنْ أَمْرِكَ مَا يَعْنِي اَلْوَالِدَ اَلشَّفِيقَ وَ أَجْمَعْتُ عَلَيْهِ مِنْ أَدَبِكَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ وَ أَنْتَ مُقْبِلُ اَلْعُمُرِ وَ مُقْتَبَلُ اَلدَّهْرِ ذُو نِيَّةٍ سَلِيمَةٍ وَ نَفْسٍ صَافِيَةٍ وَ أَنْ أَبْتَدِئَكَ بِتَعْلِيمِ كِتَابِ اَللَّهِ وَ تَأْوِيلِهِ وَ شَرَائِعِ اَلْإِسْلاَمِ وَ أَحْكَامِهِ وَ حَلاَلِهِ وَ حَرَامِهِ لاَ أُجَاوِزُ لَكَ إِلَى غَيْرِهِ ثُمَّ أَشْفَقْتُ أَنْ يَلْتَبِسَ عَلَيْكَ مَا اِخْتَلَفَ اَلنَّاسُ فِيهِ مِنْ أَهْوَائِهِمْ وَ آرَائِهِمْ مِثْلَ اَلَّذِي اِلْتَبَسَ عَلَيْهِمْ فَكَانَ إِحْكَامُ ذَلِكَ عَلَى مَا كَرِهْتُ مِنْ تَنْبِيهِكَ لَهُ أَحَبَّ

٣٠٣

إِلَيَّ مِنْ إِسْلاَمِكَ إِلَى أَمْرٍ لاَ آمَنُ عَلَيْكَ بِهِ اَلْهَلَكَةَ وَ رَجَوْتُ أَنْ يُعَرِّفَكَ اَللَّهُ لِرُشْدِكَ وَ أَنْ يَهْدِيَكَ لِقَصْدِكَ فَعَهِدْتُ إِلَيْكَ وَصِيَّتِي هَذِهِ وَ اِعْلَمْ يَا بُنَيَّ أَنَّ أَحَبَّ مَا أَنْتَ آخِذٌ بِهِ إِلَيَّ مِنْ وَصِيَّتِي تَقْوَى اَللَّهِ وَ اَلاِقْتِصَارُ عَلَى مَا فَرَضَهُ اَللَّهُ عَلَيْكَ وَ اَلْأَخْذُ بِمَا مَضَى عَلَيْهِ اَلْأَوَّلُونَ مِنْ آبَائِكَ وَ اَلصَّالِحُونَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِكَ فَإِنَّهُمْ لَمْ يَدَعُوا أَنْ نَظَرُوا لِأَنْفُسِهِمْ كَمَا أَنْتَ نَاظِرٌ وَ فَكَّرُوا كَمَا أَنْتَ مُفَكِّرٌ ثُمَّ رَدَّهُمْ آخِرُ ذَلِكَ إِلَى اَلْأَخْذِ بِمَا عَرَفُوا وَ اَلْإِمْسَاكِ عَمَّا لَمْ يُكَلَّفُوا فَإِنْ أَبَتْ نَفْسُكَ أَنْ تَقْبَلَ ذَلِكَ دُونَ أَنْ تَعْلَمَ كَمَا عَلِمُوا فَلْيَكُنْ طَلَبُكَ ذَلِكَ بِتَفَهُّمٍ وَ تَعَلُّمٍ لاَ بِتَوَرُّطِ اَلشُّبُهَاتِ وَ عُلُوِّ اَلْخُصُوصِيَّاتِ وَ اِبْدَأْ قَبْلَ نَظَرِكَ فِي ذَلِكَ بِالاِسْتِعَانَةِ بِإِلَهِكَ وَ اَلرَّغْبَةِ إِلَيْهِ فِي تَوْفِيقِكَ وَ تَرْكِ كُلِّ شَائِبَةٍ أَوْلَجَتْكَ فِي شُبْهَةٍ أَوْ أَسْلَمَتْكَ إِلَى ضَلاَلَةٍ فَإِذَا أَيْقَنْتَ أَنْ صَفَا قَلْبُكَ فَخَشَعَ وَ تَمَّ رَأْيُكَ فَاجْتَمَعَ وَ كَانَ هَمُّكَ فِي ذَلِكَ هَمّاً وَاحِداً فَانْظُرْ فِيمَا فَسَّرْتُ لَكَ وَ إِنْ أَنْتَ لَمْ يَجْتَمِعْ لَكَ مَا تُحِبُّ مِنْ نَفْسِكَ وَ فَرَاغِ نَظَرِكَ وَ فِكْرِكَ فَاعْلَمْ أَنَّكَ إِنَّمَا تَخْبِطُ اَلْعَشْوَاءَ وَ تَتَوَرَّطُ اَلظَّلْمَاءَ وَ لَيْسَ طَالِبُ اَلدِّينِ مَنْ خَبَطَ أَوْ خَلَطَ وَ اَلْإِمْسَاكُ عَنْ ذَلِكَ أَمْثَلُ فَتَفَهَّمْ يَا بُنَيَّ وَصِيَّتِي وَ اِعْلَمْ أَنَّ مَالِكَ اَلْمَوْتِ هُوَ مَالِكُ اَلْحَيَاةِ وَ أَنَّ اَلْخَالِقَ هُوَ اَلْمُمِيتُ وَ أَنَّ اَلْمُفْنِيَ هُوَ اَلْمُعِيدُ وَ أَنَّ اَلْمُبْتَلِيَ هُوَ اَلْمُعَافِي وَ أَنَّ اَلدُّنْيَا لَمْ تَكُنْ لِتَسْتَقِرَّ إِلاَّ عَلَى مَا جَعَلَهَا اَللَّهُ عَلَيْهِ مِنَ اَلنَّعْمَاءِ وَ اَلاِبْتِلاَءِ وَ اَلْجَزَاءِ فِي اَلْمَعَادِ أَوْ مَا شَاءَ مِمَّا لاَ نَعْلَمُ فَإِنْ أَشْكَلَ عَلَيْكَ شَيْ‏ءٌ مِنْ ذَلِكَ فَاحْمِلْهُ عَلَى جَهَالَتِكَ به فَإِنَّكَ أَوَّلُ مَا خُلِقْتَ جَاهِلاً ثُمَّ عُلِّمْتَ وَ مَا أَكْثَرَ مَا تَجْهَلُ مِنَ اَلْأَمْرِ وَ يَتَحَيَّرُ فِيهِ رَأْيُكَ وَ يَضِلُّ فِيهِ بَصَرُكَ ثُمَّ تُبْصِرُهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَاعْتَصِمْ بِالَّذِي خَلَقَكَ وَ رَزَقَكَ وَ سَوَّاكَ

٣٠٤

وَ لْيَكُنْ لَهُ تَعَبُّدُكَ وَ إِلَيْهِ رَغْبَتُكَ وَ مِنْهُ شَفَقَتُكَ وَ اِعْلَمْ يَا بُنَيَّ أَنَّ أَحَداً لَمْ يُنْبِئْ عَنِ اَللَّهِ كَمَا أَنْبَأَ عَنْهُ اَلرَّسُولُصلى‌الله‌عليه‌وآله فَارْضَ بِهِ رَائِداً وَ إِلَى اَلنَّجَاةِ قَائِداً فَإِنِّي لَمْ آلُكَ نَصِيحَةً وَ إِنَّكَ لَنْ تَبْلُغَ فِي اَلنَّظَرِ لِنَفْسِكَ وَ إِنِ اِجْتَهَدْتَ مَبْلَغَ نَظَرِي لَكَ إلى أن قال:

يَا بُنَيَّ اِجْعَلْ نَفْسَكَ مِيزَاناً فِيمَا بَيْنَكَ وَ بَيْنَ غَيْرِكَ فَأَحْبِبْ لِغَيْرِكَ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ وَ اِكْرَهْ لَهُ مَا تَكْرَهُ لَهَا وَ لاَ تَظْلِمْ كَمَا لاَ تُحِبُّ أَنْ تُظْلَمَ وَ أَحْسِنْ كَمَا تُحِبُّ أَنْ يُحْسَنَ إِلَيْكَ وَ اِسْتَقْبِحْ مِنْ نَفْسِكَ مَا تَسْتَقْبِحُ مِنْ غَيْرِكَ وَ اِرْضَ مِنَ اَلنَّاسِ بِمَا تَرْضَاهُ لَهُمْ مِنْ نَفْسِكَ وَ لاَ تَقُلْ مَا لاَ تَعْلَمُ وَ إِنْ قَلَّ مَا تَعْلَمُ وَ لاَ تَقُلْ مَا لاَ تُحِبُّ أَنْ يُقَالَ لَكَ وَ اِعْلَمْ أَنَّ اَلْإِعْجَابَ ضِدُّ اَلصَّوَابِ وَ آفَةُ اَلْأَلْبَابِ فَاسْعَ فِي كَدْحِكَ وَ لاَ تَكُنْ خَازِناً لِغَيْرِكَ وَ إِذَا كُنْتَ هُدِيتَ لِقَصْدِكَ فَكُنْ أَخْشَعَ مَا تَكُونُ لِرَبِّكَ:

وَ اِعْلَمْ أَنَّ أَمَامَكَ طَرِيقاً ذَا مَسَافَةٍ بَعِيدَةٍ وَ مَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ وَ أَنَّهُ لاَ غِنَى لَكَ فِيهِ عَنْ حُسْنِ اَلاِرْتِيَادِ وَ قَدْرِ بَلاَغِكَ مِنَ اَلزَّادِ مَعَ خِفَّةِ اَلظَّهْرِ فَلاَ تَحْمِلَنَّ عَلَى ظَهْرِكَ فَوْقَ طَاقَتِكَ فَيَكُونَ ثِقْلُ ذَلِكَ وَبَالاً عَلَيْكَ وَ إِذَا وَجَدْتَ مِنْ أَهْلِ اَلْفَاقَةِ مَنْ يَحْمِلُ لَكَ زَادَكَ إِلَى يَوْمِ اَلْقِيَامَةِ فَيُوَافِيكَ بِهِ غَداً حَيْثُ تَحْتَاجُ إِلَيْهِ فَاغْتَنِمْهُ وَ حَمِّلْهُ إِيَّاهُ وَ أَكْثِرْ مِنْ تَزْوِيدِهِ وَ أَنْتَ قَادِرٌ عَلَيْهِ فَلَعَلَّكَ تَطْلُبُهُ فَلاَ تَجِدُهُ وَ اِغْتَنِمْ مَنِ اِسْتَقْرَضَكَ فِي حَالِ غِنَاكَ لِيَجْعَلَ قَضَاءَهُ لَكَ فِي يَوْمِ عُسْرَتِكَ وَ اِعْلَمْ أَنَّ أَمَامَكَ عَقَبَةً كَئُوداً اَلْمُخِفُّ فِيهَا أَحْسَنُ حَالاً مِنَ اَلْمُثْقِلِ وَ اَلْمُبْطِئُ عَلَيْهَا أَقْبَحُ حَالاً مِنَ اَلْمُسْرِعِ وَ أَنَّ مَهْبِطَكَ بِهَا لاَ مَحَالَةَ عَلَى

٣٠٥

جَنَّةٍ أَوْ عَلَى نَارٍ فَارْتَدْ لِنَفْسِكَ قَبْلَ نُزُولِكَ وَ وَطِّئِ اَلْمَنْزِلَ قَبْلَ حُلُولِكَ فَلَيْسَ بَعْدَ اَلْمَوْتِ مُسْتَعْتَبٌ وَ لاَ إِلَى اَلدُّنْيَا مُنْصَرَفٌ وَ اِعْلَمْ أَنَّ اَلَّذِي بِيَدِهِ خَزَائِنُ اَلسَّمَاوَاتِ وَ اَلْأَرْضِ قَدْ أَذِنَ لَكَ فِي اَلدُّعَاءِ وَ تَكَفَّلَ لَكَ بِالْإِجَابَةِ وَ أَمَرَكَ أَنْ تَسْأَلَهُ لِيُعْطِيَكَ وَ تَسْتَرْحِمَهُ لِيَرْحَمَكَ وَ لَمْ يَجْعَلْ بَيْنَكَ وَ بَيْنَهُ مَنْ يَحْجُبُهُ عَنْكَ وَ لَمْ يُلْجِئْكَ إِلَى مَنْ يَشْفَعُ لَكَ إِلَيْهِ وَ لَمْ يَمْنَعْكَ إِنْ أَسَأْتَ مِنَ اَلتَّوْبَةِ وَ لَمْ يُعَاجِلْكَ بِالنِّقْمَةِ وَ لَمْ يُعَيِّرْكَ بِالْإِنَابَةِ وَ لَمْ يَفْضَحْكَ حَيْثُ اَلْفَضِيحَةُ بِكَ أَوْلَى وَ لَمْ يُشَدِّدْ عَلَيْكَ فِي قَبُولِ اَلْإِنَابَةِ وَ لَمْ يُنَاقِشْكَ بِالْجَرِيمَةِ وَ لَمْ يُؤْيِسْكَ مِنَ اَلرَّحْمَةِ بَلْ جَعَلَ نُزُوعَكَ عَنِ اَلذَّنْبِ حَسَنَةً وَ حَسَبَ سَيِّئَتَكَ وَاحِدَةً وَ حَسَبَ حَسَنَتَكَ عَشْراً وَ فَتَحَ لَكَ بَابَ اَلْمَتَابِ وَ بَابَ اَلاِسْتِعْتَابِ فَإِذَا نَادَيْتَهُ سَمِعَ نِدَاءَكَ وَ إِذَا نَاجَيْتَهُ عَلِمَ نَجْوَاكَ فَأَفْضَيْتَ إِلَيْهِ بِحَاجَتِكَ وَ أَبْثَثْتَهُ ذَاتَ نَفْسِكَ وَ شَكَوْتَ إِلَيْهِ هُمُومَكَ وَ اِسْتَكْشَفْتَهُ كُرُوبَكَ وَ اِسْتَعَنْتَهُ عَلَى أُمُورِكَ وَ سَأَلْتَهُ مِنْ خَزَائِنِ رَحْمَتِهِ مَا لاَ يَقْدِرُ عَلَى إِعْطَائِهِ غَيْرُهُ مِنْ زِيَادَةِ اَلْأَعْمَارِ وَ صِحَّةِ اَلْأَبْدَانِ وَ سَعَةِ اَلْأَرْزَاقِ ثُمَّ جَعَلَ فِي يَدَيْكَ مَفَاتِيحَ خَزَائِنِهِ بِمَا أَذِنَ لَكَ فِيهِ مِنْ مَسْأَلَتِهِ فَمَتَى شِئْتَ اِسْتَفْتَحْتَ بِالدُّعَاءِ أَبْوَابَ نِعْمَتِهِ وَ اِسْتَمْطَرْتَ شَآبِيبَ رَحْمَتِهِ فَلاَ يُقْنِطَنَّكَ إِبْطَاءُ إِجَابَتِهِ فَإِنَّ اَلْعَطِيَّةَ عَلَى قَدْرِ اَلنِّيَّةِ وَ رُبَّمَا أُخِّرَتْ عَنْكَ اَلْإِجَابَةُ لِيَكُونَ ذَلِكَ أَعْظَمَ لِأَجْرِ اَلسَّائِلِ وَ أَجْزَلَ لِعَطَاءِ اَلْآمِلِ وَ رُبَّمَا سَأَلْتَ اَلشَّيْ‏ءَ فَلاَ تُؤْتَاهُ وَ أُوتِيتَ خَيْراً مِنْهُ عَاجِلاً أَوْ آجِلاً أَوْ صُرِفَ عَنْكَ لِمَا هُوَ خَيْرٌ لَكَ فَلَرُبَّ أَمْرٍ قَدْ طَلَبْتَهُ فِيهِ هَلاَكُ دِينِكَ لَوْ أُوتِيتَهُ فَلْتَكُنْ مَسْأَلَتُكَ فِيمَا يَبْقَى لَكَ جَمَالُهُ وَ يُنْفَى عَنْكَ وَبَالُهُ فَالْمَالُ لاَ يَبْقَى لَكَ وَ لاَ تَبْقَى لَهُ

٣٠٦

إلى أن قال:

وَ اِعْلَمْ يَقِيناً أَنَّكَ لَنْ تَبْلُغَ أَمَلَكَ وَ لَنْ تَعْدُوَ أَجَلَكَ وَ أَنَّكَ فِي سَبِيلِ مَنْ كَانَ قَبْلَكَ فَخَفِّضْ فِي اَلطَّلَبِ وَ أَجْمِلْ فِي اَلْمُكْتَسَبِ فَإِنَّهُ رُبَّ طَلَبٍ قَدْ جَرَّ إِلَى حَرَبٍ فَلَيْسَ كُلُّ طَالِبٍ بِمَرْزُوقٍ وَ لاَ كُلُّ مُجْمِلٍ بِمَحْرُومٍ وَ أَكْرِمْ نَفْسَكَ عَنْ كُلِّ دَنِيَّةٍ وَ إِنْ سَاقَتْكَ إِلَى اَلرَّغَائِبِ فَإِنَّكَ لَنْ تَعْتَاضَ بِمَا تَبْذُلُ مِنْ نَفْسِكَ عِوَضاً وَ لاَ تَكُنْ عَبْدَ غَيْرِكَ وَ قَدْ جَعَلَكَ اَللَّهُ حُرّاً وَ مَا خَيْرُ خَيْرٍ لاَ يُنَالُ إِلاَّ بِشَرٍّ وَ يُسْرٍ لاَ يُنَالُ إِلاَّ بِعُسْرٍ وَ إِيَّاكَ أَنْ تُوجِفَ بِكَ مَطَايَا اَلطَّمَعِ فَتُورِدَكَ مَنَاهِلَ اَلْهَلَكَةِ وَ إِنِ اِسْتَطَعْتَ أَلاَّ يَكُونَ بَيْنَكَ وَ بَيْنَ اَللَّهِ ذُو نِعْمَةٍ فَافْعَلْ فَإِنَّكَ مُدْرِكٌ قَسْمَكَ وَ آخِذٌ سَهْمَكَ وَ إِنَّ اَلْيَسِيرَ مِنَ اَللَّهِ سُبْحَانَهُ أَعْظَمُ مِنَ اَلْكَثِيرِ مِنْ خَلْقِهِ وَ إِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُ وَ تَلاَفِيكَ مَا فَرَطَ مِنْ صَمْتِكَ أَيْسَرُ مِنْ إِدْرَاكِكَ مَا فَاتَ مِنْ مَنْطِقِكَ وَ حِفْظُ مَا فِي اَلْوِعَاءِ بِشَدِّ اَلْوِكَاءِ وَ حِفْظُ مَا فِي يَدَيْكَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ طَلَبِ مَا فِي يَدَيْ غَيْرِكَ وَ مَرَارَةُ اَلْيَأْسِ خَيْرٌ مِنَ اَلطَّلَبِ إِلَى اَلنَّاسِ وَ اَلْحِرْفَةُ مَعَ اَلْعِفَّةِ خَيْرٌ مِنَ اَلْغِنَى مَعَ اَلْفُجُورِ وَ اَلْمَرْءُ أَحْفَظُ لِسِرِّهِ وَ رُبَّ سَاعٍ فِيمَا يَضُرُّهُ مَنْ أَكْثَرَ أَهْجَرَ وَ مَنْ فَكَّرَ أَبْصَرَ قَارِنْ أَهْلَ اَلْخَيْرِ تَكُنْ مِنْهُمْ وَ بَايِنْ أَهْلَ اَلشَّرِّ تَبِنْ عَنْهُمْ بِئْسَ اَلطَّعَامُ اَلْحَرَامُ وَ ظُلْمُ اَلضَّعِيفِ أَفْحَشُ اَلظُّلْمِ إِذَا كَانَ اَلرِّفْقُ خُرْقاً كَانَ اَلْخُرْقُ رِفْقاً رُبَّمَا كَانَ اَلدَّوَاءُ دَاءً وَ اَلدَّاءُ دَوَاءً وَ رُبَّمَا نَصَحَ غَيْرُ اَلنَّاصِحِ وَ غَشَّ اَلْمُسْتَنْصَحُ وَ إِيَّاكَ وَ اتِّكَالَكَ عَلَى اَلْمُنَى فَإِنَّهَا بَضَائِعُ اَلنَّوْكَى وَ اَلْعَقْلُ حِفْظُ اَلتَّجَارِبِ وَ خَيْرُ مَا جَرَّبْتَ مَا وَعَظَكَ بَادِرِ اَلْفُرْصَةَ قَبْلَ أَنْ تَكُونَ غُصَّةً لَيْسَ كُلُّ طَالِبٍ يُصِيبُ وَ لاَ كُلُّ غَائِبٍ يَئُوبُ وَ مِنَ اَلْفَسَادِ إِضَاعَةُ اَلزَّادِ وَ مَفْسَدَةُ اَلْمَعَادِ وَ لِكُلِّ أَمْرٍ عَاقِبَةٌ

٣٠٧

سَوْفَ يَأْتِيكَ مَا قُدِّرَ لَكَ اَلتَّاجِرُ مُخَاطِرٌ وَ رُبَّ يَسِيرٍ أَنْمَى مِنْ كَثِيرٍ لاَ خَيْرَ فِي مُعِينٍ مَهِينٍ وَ لاَ فِي صَدِيقٍ ظَنِينٍ سَاهِلِ اَلدَّهْرَ مَا ذَلَّ لَكَ قَعُودُهُ وَ لاَ تُخَاطِرْ بِشَيْ‏ءٍ رَجَاءَ أَكْثَرَ مِنْهُ وَ إِيَّاكَ أَنْ تَجْمَحَ بِكَ مَطِيَّةُ اَللَّجَاجِ اِحْمِلْ نَفْسَكَ مِنْ أَخِيكَ عِنْدَ صَرْمِهِ عَلَى اَلصِّلَةِ وَ عِنْدَ صُدُودِهِ عَلَى اَللَّطَفِ وَ اَلْمُقَارَبَةِ وَ عِنْدَ جُمُودِهِ عَلَى اَلْبَذْلِ وَ عِنْدَ تَبَاعُدِهِ عَلَى اَلدُّنُوِّ وَ عِنْدَ شِدَّتِهِ عَلَى اَللِّينِ وَ عِنْدَ جُرْمِهِ عَلَى اَلْعُذْرِ حَتَّى كَأَنَّكَ لَهُ عَبْدٌ وَ كَأَنَّهُ ذُو نِعْمَةٍ عَلَيْكَ وَ إِيَّاكَ أَنْ تَضَعَ ذَلِكَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ أَوْ أَنْ تَفْعَلَ بِغَيْرِ أَهْلِهِ لاَ تَتَّخِذَنَّ عَدُوَّ صَدِيقِكَ صَدِيقاً فَتُعَادِيَ صَدِيقَكَ وَ اِمْحَضْ أَخَاكَ اَلنَّصِيحَةَ حَسَنَةً كَانَتْ أَوْ قَبِيحَةً وَ تَجَرَّعِ اَلْغَيْظَ فَإِنِّي لَمْ أَرَ جُرْعَةً أَحْلَى مِنْهَا عَاقِبَةً وَ لاَ أَلَذَّ مَغَبَّةً وَ لِنْ لِمَنْ غَالَظَكَ فَإِنَّهُ يُوشِكُ أَنْ يَلِينَ لَكَ وَ خُذْ عَلَى عَدُوِّكَ بِالْفَضْلِ فَإِنَّهُ أَحَدُ اَلظَّفَرَيْنِ وَ إِنْ أَرَدْتَ قَطِيعَةَ أَخِيكَ فَاسْتَبْقِ لَهُ مِنْ نَفْسِكَ بَقِيَّةً يَرْجِعُ إِلَيْهَا إِنْ بَدَا لَهُ ذَلِكَ يَوْماً مَا وَ مَنْ ظَنَّ بِكَ خَيْراً فَصَدِّقْ ظَنَّهُ وَ لاَ تُضِيعَنَّ حَقَّ أَخِيكَ اِتِّكَالاً عَلَى مَا بَيْنَكَ وَ بَيْنَهُ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَكَ بِأَخٍ مَنْ أَضَعْتَ حَقَّهُ وَ لاَ يَكُنْ أَهْلُكَ أَشْقَى اَلْخَلْقِ بِكَ وَ لاَ تَرْغَبَنَّ فِيمَنْ زَهِدَ عَنْكَ وَ لاَ يَكُونَنَّ أَخُوكَ عَلَى مَقَاطِعَتِكَ أَقْوَى مِنْكَ عَلَى صِلَتِهِ وَ لاَ يَكُونَنَّ عَلَى اَلْإِسَاءَةِ أَقْوَى مِنْكَ عَلَى اَلْإِحْسَانِ وَ لاَ يَكْبُرَنَّ عَلَيْكَ ظُلْمُ مَنْ ظَلَمَكَ فَإِنَّهُ يَسْعَى فِي مَضَرَّتِهِ وَ نَفْعِكَ وَ لَيْسَ جَزَاءُ مَنْ سَرَّكَ أَنْ تَسُوءَهُ وَ اِعْلَمْ يَا بُنَيَّ أَنَّ اَلرِّزْقَ رِزْقَانِ رِزْقٌ تَطْلُبُهُ وَ رِزْقٌ يَطْلُبُكَ فَإِنْ لَمْ تَأْتِهِ أَتَاكَ مَا أَقْبَحَ اَلْخُضُوعَ عِنْدَ اَلْحَاجَةِ وَ اَلْجَفَاءَ عِنْدَ اَلْغِنَى إِنَّ لَكَ مِنْ دُنْيَاكَ مَا أَصْلَحْتَ بِهِ مَثْوَاكَ وَ إِنْ كُنْتَ جَازِعاً عَلَى مَا تَفَلَّتَ مِنْ يَدَيْكَ

٣٠٨

فَاجْزَعْ عَلَى كُلِّ مَا لَمْ يَصِلْ إِلَيْكَ اِسْتَدِلَّ عَلَى مَا لَمْ يَكُنْ بِمَا قَدْ كَانَ فَإِنَّ اَلْأُمُورَ أَشْبَاهٌ وَ لاَ تَكُونَنَّ مِمَّنْ لاَ تَنْفَعُهُ اَلْعِظَةُ إِلاَّ إِذَا بَالَغْتَ فِي إِيلاَمِهِ فَإِنَّ اَلْعَاقِلَ يَتَّعِظُ بِالْآدَابِ وَ اَلْبَهَائِمَ لاَ تَتَّعِظُ إِلاَّ بِالضَّرْبِ.

اِطْرَحْ عَنْكَ وَارِدَاتِ اَلْهُمُومِ بِعَزَائِمِ اَلصَّبْرِ وَ حُسْنِ اَلْيَقِينِ مَنْ تَرَكَ اَلْقَصْدَ جَارَ وَ اَلصَّاحِبُ مُنَاسِبٌ وَ اَلصَّدِيقُ مَنْ صَدَقَ غَيْبُهُ وَ اَلْهَوَى شَرِيكُ اَلْعِنَاءِ وَ رُبَّ قَرِيبٍ أَبْعَدُ مِنْ بَعِيدٍ وَ رُبَّ بَعِيدٍ أَقْرَبُ مِنْ قَرِيبٍ وَ اَلْغَرِيبُ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَبِيبٌ مَنْ تَعَدَّى اَلْحَقَّ ضَاقَ مَذْهَبُهُ وَ مَنِ اِقْتَصَرَ عَلَى قَدْرِهِ كَانَ أَبْقَى لَهُ وَ أَوْثَقُ سَبَبٍ أَخَذْتَ بِهِ سَبَبٌ بَيْنَكَ وَ بَيْنَ اَللَّهِ وَ مَنْ لَمْ يُبَالِكَ فَهُوَ عَدُوُّكَ قَدْ يَكُونُ اَلْيَأْسُ إِدْرَاكاً إِذَا كَانَ اَلطَّمَعُ هَلاَكاً لَيْسَ كُلُّ عَوْرَةٍ تَظْهَرُ وَ لاَ كُلُّ فُرْصَةٍ تُصَابُ وَ رُبَّمَا أَخْطَأَ اَلْبَصِيرُ قَصْدَهُ وَ أَصَابَ اَلْأَعْمَى رُشْدَهُ أَخِّرِ اَلشَّرَّ فَإِنَّكَ إِذَا شِئْتَ تَعَجَّلْتَهُ وَ قَطِيعَةُ اَلْجَاهِلِ تَعْدِلُ صِلَةَ اَلْعَاقِلِ مَنْ أَمِنَ اَلزَّمَانَ خَانَهُ وَ مَنْ أَعْظَمَهُ أَهَانَهُ لَيْسَ كُلُّ مَنْ رَمَى أَصَابَ إِذَا تَغَيَّرَ اَلسُّلْطَانُ تَغَيَّرَ اَلزَّمَانُ سَلْ عَنِ اَلرَّفِيقِ قَبْلَ اَلطَّرِيقِ وَ عَنِ اَلْجَارِ قَبْلَ اَلدَّارِ إِيَّاكَ أَنْ تَذْكُرَ مِنَ اَلْكَلاَمِ مَا كَانَ مُضْحِكاً وَ إِنْ حَكَيْتَ ذَلِكَ عَنْ غَيْرِكَ وَ إِيَّاكَ وَ مُشَاوَرَةَ اَلنِّسَاءِ فَإِنَّ رَأْيَهُنَّ إِلَى أَفْنٍ وَ عَزْمَهُنَّ إِلَى وَهْنٍ وَ اُكْفُفْ عَلَيْهِنَّ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ بِحِجَابِكَ إِيَّاهُنَّ فَإِنَّ شِدَّةَ اَلْحِجَابِ أَبْقَى عَلَيْهِنَّ وَ لَيْسَ خُرُوجُهُنَّ بِأَشَدَّ مِنْ إِدْخَالِكَ مَنْ لاَ يُوثَقُ بِهِ عَلَيْهِنَّ وَ إِنِ اِسْتَطَعْتَ أَلاَّ يَعْرِفْنَ غَيْرَكَ فَافْعَلْ وَ لاَ تُمَلِّكِ اَلْمَرْأَةَ مِنْ أَمْرِهَا مَا جَاوَزَ نَفْسَهَا فَإِنَّ اَلْمَرْأَةَ رَيْحَانَةٌ وَ لَيْسَتْ بِقَهْرَمَانَةٍ وَ لاَ تَعْدُ بِكَرَامَتِهَا نَفْسَهَا وَ لاَ تُطْمِعْهَا فِي أَنْ تَشْفَعَ لِغَيْرِهَا وَ إِيَّاكَ وَ اَلتَّغَايُرَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ غَيْرَةٍ فَإِنَّ ذَلِكَ يَدْعُو اَلصَّحِيحَةَ إِلَى

٣٠٩

اَلسَّقَمِ وَ اَلْبَرِيئَةَ إِلَى اَلرِّيَبِ وَ اِجْعَلْ لِكُلِّ إِنْسَانٍ مِنْ خَدَمِكَ عَمَلاً تَأْخُذُهُ بِهِ فَإِنَّهُ أَحْرَى أَلاَّ يَتَوَاكَلُوا فِي خِدْمَتِكَ وَ أَكْرِمْ عَشِيرَتَكَ فَإِنَّهُمْ جَنَاحُكَ اَلَّذِي بِهِ تَطِيرُ وَ أَصْلُكَ اَلَّذِي إِلَيْهِ تَصِيرُ وَ يَدُكَ اَلَّتِي بِهَا تَصُولُ اِسْتَوْدِعِ اَللَّهَ دِينَكَ وَ دُنْيَاكَ وَ اِسْأَلْهُ خَيْرَ اَلْقَضَاءِ لَكَ فِي اَلْعَاجِلَةِ وَ اَلْآجِلَةِ وَ اَلدُّنْيَا وَ اَلْآخِرَةِ وَ اَلسَّلاَمُ قول المصنّف: (و من وصيّة لهعليه‌السلام ) في (محجّة ابن طاووس): قال أبو أحمد العسكري في كتاب (زواجره): و لو كان من الحكم ما يجب أن يكتب بالذهب لكانت هذه الوصية( ١) .

(للحسن بن عليعليه‌السلام ) كون الوصية لهعليه‌السلام أحد القولين و احدى الروايتين ذهب إليه كالمصنف ابن شعبة في (تحفه) و رواه الكليني في (رسائله)( ٢ ) ، و قول آخر إنها لابنه محمد بن الحنفية، ذهب إليه الشيخ و النجاشي في (فهرستيهما)، و الصدوق في (نوادر آخر فقيهه)( ٣) .

قال الأول: روى الأصبغ عهد مالك الأشتر و وصية أمير المؤمنينعليه‌السلام الى ابنه محمد بن الحنفية الى أن قال و أمّا الوصية فأخبرنا بها الحسين بن عبيد اللّه، عن الدوري، عن محمد بن أحمد بن أبي الثلج، عن جعفر بن محمد الحسيني، عن علي بن عبدك الصوفي، عن الحسن بن ظريف، عن الحسين بن علوان، عن سعد بن طريف، عن الأصبغ بن نباتة المجاشعي قال: كتب أمير المؤمنينعليه‌السلام الى ولده محمد بن الحنفية( ٤) .

و قال الثاني أيضا فيه: روى الأصبغ عنهعليه‌السلام عهد الأشتر و وصيته إلى

____________________

(١) كشف المحجة: ١٥٧.

(٢) كشف المحجة: ١٥٩ نقلا عن رسائل الكليني، و تحف العقول: ٦٨.

(٣) الفقيه ٤: ٢٧٥ ح ١٠.

(٤) فهرست الطوسي: ٣٧ ٣٨.

٣١٠

ابنه محمد، أخبرنا عبد السّلام بن الحسين الأديب، عن أبي بكر الدوري عن محمد بن أحمد بن أبي الثلج الخ مثل (الفهرست)( ١) .

و روى (الكافي) الروايتين فقال في باب إكرام الزوجة: أبو علي الأشعري عن بعض أصحابنا عن جعفر بن عنبسة عن عباد بن زياد الأسدي عن عمرو بن أبي المقدام عن أبي جعفرعليه‌السلام ، و أحمد بن محمد العاصمي عمّن حدّثه عن معلى بن محمد البصري عن علي بن الحسّان عن عبد الرحمن بن كثير عن أبي عبد اللّهعليه‌السلام قال: في رسالة أمير المؤمنين الى الحسن: لا تملّك المرأة من الأمر ما يجاوز نفسها، فإنّ ذلك أنعم بحالها و أرخى لبالها و أدوم لجمالها، فإنّ المرأة ريحانة و ليست بقهرمانة، و لا تعد بكرامتها نفسها، و اغضض بصرها بسترك و اكففها بحجابك، و لا تطمعها في أن تشفع لغيرها فيميل من شفعت له عليك معها، و استبق من نفسك بقية، فإنّ إمساكك نفسك عنهن و هو يرين أنّك ذو اقتدار خير من أن يرين منك حالا على انكسار.

أحمد بن محمد بن سعيد عن جعفر بن محمد الحسني عن علي بن عبدك عن الحسن بن ظريف عن الحسين بن علوان عن سعد بن طريف عن الأصبغ عن أمير المؤمنينعليه‌السلام مثله إلاّ انّه قال: كتبعليه‌السلام بهذه الرسالة إلى ابنه محمّد( ٢) .

و رواها أبو أحمد العسكري في (زواجره) كما نقل عنه علي بن طاووس في الفصل (١٦٣) من (محجته) بأربعة طرق:

أولها: جماعة عن علي بن الحسين بن إسماعيل عن الحسن بن أبي عثمان الادمي عن أبي حاتم عن يوسف بن يعقوب عن بعض أهل العلم.

____________________

(١) فهرست النجاشي: ٦.

(٢) الكافي ٥: ٥١٠ ح ٣.

٣١١

و ثانيها: أحمد بن عبد العزيز عن سليمان بن الربيع عن كادح بن رحمة الزاهد عن صباح بن يحيى المزني، و علي بن عبد العزيز الكاتب عن جعفر بن هارون بن زياد عن محمد بن علي الرضا عن آبائه عن جدّهعليه‌السلام .

و ثالثها: علي بن محمد بن إبراهيم التستري عن جعفر بن عنبسة عن عباد بن زياد عن عمرو بن أبي المقدام عن أبي جعفر محمد بن عليعليه‌السلام .

و رابعها: محمد بن علي عن محمد بن العباس عن عبد اللّه بن زاهر عن أبيه عن جعفر بن محمد عن آبائهعليهم‌السلام ، كلّ هؤلاء حدّثونا أنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام كتب بهذه الرسالة الى الحسن. قال و روى بطريق واحد أحمد بن عبد الرحمن بن فضّال القاضي عن الحسن بن محمد و أحمد بن جعفر بن محمد بن زيد بن علي بن الحسين عن جعفر بن محمد الحسني عن الحسن بن عبدك عن الحسن ابن ظريف عن الحسن بن علوان عن سعد بن طريف عن الأصبغ قال: كتبعليه‌السلام الى ابنه محمّد( ١) .

و طرق كونها الى الحسنعليه‌السلام و ان كانت أكثر فقد عرفت أن أبا أحمد العسكري رواها بأربعة طرق، و الكليني رواه بطريق آخر في طريقه الثاني، و أما طريقه الأول فمتّحد مع طريق أبي أحمد فتصير الطرق فيه خمسة، و أما كونها الى محمد بن الحنفية فطريقة واحد، فان الطرق كلّهم من العسكري و الكليني و الطوسي و النجاشي «جعفر الحسني عن ابن عبدك» الى آخر السند، إلاّ أن الأول فسّر ابن عبدك بالحسن و الثلاثة بعلي، الا أن الذي يبعد كونها الى الحسنعليه‌السلام فضلا عن مقام إمامته و عدم احتياجه الى تلك الوصية بل الى عهد الامامة أنّهعليه‌السلام كان في ذاك الوقت ابن ست و ثلاثين سنة، لأن مولده كان في سنة اثنتين أو ثلاث، و صفّين كانت في سنة (٣٧)، و في الوصية

____________________

(١) كشف المحجة: ١٥٧ ١٥٨.

٣١٢

أنها كانت بعد صفّين، و من فقرات الوصية «و إنّما قلب الحدث كالأرض الخالية»، و رواه (العقد) في كتاب (الزمردة) في المواعظ منه في عنوان «مواعظ الآباء»( ١) .

هذا، و قال ابن ميثم: روى جعفر بن بابويه أن هذه الوصية كتبهاعليه‌السلام إلى ابنه محمد بن الحنفية( ٢) .

قلت: ليس لنا جعفر بن بابويه بل أبو جعفر بن بابويه أي: محمد بن علي بن الحسين، و قد عرفت أنّه قال ذلك في (نوادر آخر فقيهه)، و لا يبعد أن يكون بعض الفقرات قالهاعليه‌السلام للحسن فخلطوهما فحصل هذا الاختلاف.

و يشهد لذلك أن في نقل (نوادر آخر الفقيه) بعد قوله: «فإنّ المرأة ريحانة و ليست بقهرمانة» «فدارها على كلّ حال، و أحسن الصحبة لها فيصفو عيشك، إحتمل القضاء بالرضا، و إن أحببت أن تجمع خير الدنيا و الآخرة فاقطع طمعك ممّا في أيدي الناس، و السّلام عليك يا بنيّ و رحمة اللّه و بركاته» و قال: هذا آخر وصيته لمحمد بن الحنفية( ٣ ) ، و قد عرفت أن النهج نقل بعد ذلك القول أمورا أخر.

و كيف كان ففي روايات (الفقيه) زيادات( ٤) .

(كتبها إليه بحاضرين) قال ابن أبي الحديد: كنّا نقرأه قديما بالحاضرين على صيغة التثنية، يعني حاضر حلب و حاضر قنّسرين، و هي الأرياض و الضواحي المحيطة بهذه البلاد، ثم قرأناه بعد ذلك على جماعة من الشيوخ بغير لام و لم يفسّروه، و منهم من يذكره بصيغة الجمع و منهم من يقول

____________________

(١) العقد الفريد ٣: ١٠٠ ١٠١.

(٢) شرح ابن ميثم: ٣٩٨.

(٣) الفقيه ٤: ٢٨٠.

(٤) الفقيه ٤: من السطر ١٧ من ص ٢٧٥ الى السطر ٧ من ص ٢٨٠.

٣١٣

بخناصرين يظنونه تثنية خناصرة أو جمعها، و قد طلبت هذه الكلمة في الكتب المصنفة، سيما في البلاد فلم أجدها، و لعلّي أظفر بها( ١) .

قلت: الظاهر أن «حاضرين» محرّف «قنسرين»، يشهد له طريق أبي أحمد الأول عن بعض أهل العلم قال: لما انصرف عليعليه‌السلام من صفين الى قنسرين كتب به الى ابنه الحسن «من الوالد الفان...»، و يجوز من حيث التقارب اللفظي أن يكون «بقاصرين»، ففي (فتوح البلاذري)، بعث أبو عبيدة جيشا عليه حبيب بن مسلمة الى قاصرين و قدم مقدمته الى بالس، و كانت بالس و قاصرين لأخوين من أشراف الروم أقطعا القرى التي بالقرب منهما و جعلا حافظين لما بينهما من مدن الروم بالشام الى أن قال فلمّا كان مسلمة بن عبد الملك توجه غازيا للروم من نحو الثغور الجزرية عسكر ببالس فأتاه أهلها و أهل بولس و قاصرين و عابدين و صفّين و هي قرى منسوبة اليها...( ٢) .

ثم لا معنى لما قاله من كون «حاضرين» بصيغة التثنية بمعنى حاضر حلب و حاضر قنسرين، فالإنسان لا يكون بمحلين. و كيف كان ففي بلدان البلاذري كان حاضر قنسرين لتنوخ منذ ما تنخوا بالشام نزلوه و هم في خيم الشعر ثم ابتنوا به المنازل.

و روى أيضا عن عبد الرحمن بن غنم قال: رابطنا مدينة قنسرين الى أن قال و كان حاضر طي قديما نزلوه بعد حرب الفساد التي كانت بينهم حين نزلوا الجبلين الى أن قال و كان بقرب مدينة حلب حاضر تدعى حاضر حلب، تجمع أصنافا من العرب تنوخ و غيرهم...( ٣) .

____________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ١٦: ٥٢.

(٢) فتوح البلدان للبلاذري: ١٥٥.

(٣) فتوح البلاذري: ١٥٠.

٣١٤

و في (الصحاح): الحاضر: الحيّ العظيم، يقال: حاضر طيّ‏ء، و هو جمع كما يقال سامر للسمّار و حاجّ للحجّاج( ١) .

و أما قوله: «و منهم من يقول بخناصرين يظنونه تثنية خناصرة أو جمعها» ففيه أن خناصرة ليس لها تثنية أو جمع، قال الحموي: خناصرة بليدة من أعمال حلب و جعلها جران العود خناصرات، كأنّه جعل كلّ موضع منها خناصرة فقال «نظرت و صحبتي بخناصرات»( ٢ ) . و بالجملة ليس لنا موضع يقال له حاضرين أو خناصرين بلفظ التثنية أو الجمع.

(منصرفا من صفين) هكذا في (المصرية)( ٣ ) ، و الصواب: (عند انصرافه من صفين) كما في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية)( ٤) .

قولهعليه‌السلام «من الوالد الفان» نقله (المحجة) عن (رسائل الكليني) «من الوالد الفاني»( ٥ ) و هو الأصل، و ما هنا للازدواج مع قوله بعد «المقر للزمان».

هذا، و من جيد ما قيل في الفناء:

دبّ فيّ الفناء علوا و سفلا

و أراني أموت عضوا فعضوا

ليس من ساعة مضت بي إلاّ

نقصتني بمرّها بي حذوا

«المقرّ للزمان» قال الشاعر:

ليس الأمان من الزمان بممكن

و من المحال وجود ما لا يمكن

معنى الزمان على الحقيقة كأسمه

فعلى م ترجو أنّه لا يزمن

و قال آخر:

____________________

(١) الصحاح ٢: ٦٣٢.

(٢) معجم البلدان ٢: ٣٩٠.

(٣) نهج البلاغة ٣: ٤٢ رقم ٣١.

(٤) شرح ابن أبي الحديد ١٦: ٩ ابن ميثم: ٣٩٨ هكذا.

(٥) كشف المحجة: ١٥٩.

٣١٥

كانت قناتي لا تلين لغامز

فألانها الإصباح و الإمساء

و قال البحتري:

إنّ الزمان إذا تتابع خطوه

سبق الطّلوب و أدرك المطلوبا

«المدبر العمر» في (تاريخ بغداد): سأل أبو بكر بن أبي الدنيا يوسف بن يعقوب القاضي عن قوته فقال: أجدني كما قال سيبويه:

لا ينفع الهليون و الطويفل

إنخرق الأعلى و جار الأسفل

فكيف تجدك أنت فقال:

أراني في انتقاص كلّ يوم

و لا يبقى مع النقصان شي

طوى العصران ما نشراه مني

فأخلق جدّتي نشر و طيّ( ١)

«المستسلم للدهر» في ديوان النابغة لما بلغه مرض النعمان مشيرا إلى النفس:

تكلّفني أن أفعل الدهر همها

و هل وجدت قبلي على الدهر قادرا( ٢)

و لآخر:

و ما الناس في شي‏ء من الدهر و المنى

و ما الناس إلاّ سيقات المقادر

و قيل في غلبة الدهر أبيات كثيرة منها:

الدهر يلعب بالفتى

لعب الصوالج بالكره

أو لعب ريح عاصف

عصفت بكف من ذره

الدهر قنّاص و ما

الإنسان إلاّ قنبره

و منها:

____________________

(١) تاريخ بغداد ١٤: ٣١١، بتصرف.

(٢) ديوان النابغة الذبياني: ٥٥، طبعة مصر سنة ١٩١١.

٣١٦

برتني صروف الدهر من كلّ جانب

كما ينبري دون اللحاء عسيب

و منها:

و من يك ذا عظم صليب يعدّه

ليكسر عود الدهر فالدهر كاسره

و منها:

الدهر أبلاني و ما أبليته

و الدهر غيّرني و ما يتغيّر

و الدهر قيّدني بخط مبرم

فمشيت فيه و كلّ يوم يقصر

و منها:

حنتني حانيات الدهر حتّى

كأنّي خاتل يدنو لصيد

و ما أجاد ابن المعتز في قوله للوزير ابن الفرات:

أبا حسن ثبّتّ في الأرض وطأتي

و أدركتني في المعضلات الهزاهز

و ألبستني درعا عليّ حصينة

فناديت صرف الدهر هل من مبارز؟

فابن الفرات نفسه لم يسلم من صروف الدهر، إذ خلع عن الوزارة ثلاث مرات و نكب فيها و قتل أخيرا، فكيف آمنك يا ابن المعتز و أنت خليفة ليلة.

و في (الأغاني): لما نعي النعمان بن المنذر إلى النابغة الذبياني و حدث بما صنع به كسرى أي: من إلقائه تحت أرجل الفيلة قال: طلبه من الدهر طالب الملوك، ثم تمثّل:

من يطلب الدهر تدركه مخالبه

و الدهر بالوتر ناج غير مطلوب

ما من أناس ذوي مجد و مكرمة

إلاّ يشدّ عليهم شدة الذيب

حتى يبيد على عمد سراتهم

بالنافذات من النّبل المصابيب

إنّي وجدت سهام الموت معرضة

بكل حتف من الآجال مكتوب( ١)

و لما مات جعفر بن أبي جعفر المنصور أنشدوا للمنصور قصيدة أبي

____________________

(١) الأغاني ٢: ١٤٦.

٣١٧

ذؤيب الهذلي في بنيه:

أمن المنون و ريبه تتوجّع

و الدهر ليس بمعتب من يجزع

فاستنشد المنشد أن ينشده قوله «و الدهر ليس بمعتب من يجزع» مئة مرّة( ١) .

و في (الدميري): يحكى أنّ عضد الدولة خرج إلى بستان له متنزّها فقال:

ما أطيب يومنا هذا لو ساعدنا فيه الغيث، فجاء المطر في الوقت فقال:

ليس شراب الراح إلاّ في المطر

و غناء من جوار في السّحر

ناعمات سالبات للنّهى

ناغمات في تضاعيف الوتر

عضد الدولة و ابن ركنها

ملك الأملاك غلاّب القدر

فلم يفلح بعد هذه الأبيان و عوجل بقوله: «غلاّب القدر»( ٢) .

«الذام للدنيا» في (المعجم): دخل خيار النهدي على معاوية فقال له: ما صنع بك الدهر؟ فقال: صدع قناتي و شيّب سوادي و أفنى لذاتي و جرأ عليّ أعدائي و لقد بقيت زمانا آنس بالأصحاب و أسبل الثياب و آلف الأحباب، فباعدوا عني و دنا الموت مني( ٣) .

و في (بيان الجاحظ): دخل الهيثم بن الأسود العريان و كان خطيبا شاعرا على عبد الملك، فقال له: كيف تجدك؟ قال: أجدني قد ابيضّ مني ما كنت أحبّ أن يسوّد، و أسودّ منّي ما كنت أحبّ أن يبيضّ، و أشتدّ منّي ما كنت أحب أن يلين، و لان منّي ما كنت أحبّ أن يشتدّ، ثم أنشد:

اسمع انبّئك بآيات الكبر

نوم العشاء و سعال بالسحر

____________________

(١) الأغاني ٦: ٢٧١ ٢٧٢، بتصرّف.

(٢) حياة الحيوان للدميري ١: ١٣٣.

(٣) معجم الادباء ١١: ٩٠.

٣١٨

و قلّة النوم إذا الليل اعتكر

و قلّة الطعم إذا الزاد حضر

و سرعة الطرف و تحميج النظر

و حذرا أزداده إلى حذر

و تركي الحسناء في قبل الطهر

و الناس يبلون كما يبلى الشّجر( ١)

قلت: أشار في قوله: «إبيضّ و أسودّ و اشتدّ» إلى شعره و سنّه و جلده و عظمه.

و قال آخر:

تنكّر لي مذ شبت دهري فأصبحت

معارفه عندي من النكرات

و قال آخر أيضا:

ألقى عليّ الدهر رجلا و يدا

و الدهر ما أصلح يوما فسدا

يصلحه اليوم و يفسده غدا

و في (الأغاني) عن مطرف بن عبد اللّه الهذلي عن أبيه عن جده قال: بينا أنا أطوف بالبيت و معي أبي إذ أنا بعجوز كبيرة يضرب أحد لحييها الآخر، فقال لي أبي: أ تعرف هذه؟ قلت: لا. قال: هذه التي يقول فيها الأحوص:

يا سلم ليت لسانا تنطقين به

قبل الذي نالني من حبّكم قطعا

يلومني فيك أقوام أجالسهم

فما أبالي أطار اللّوم أم وقعا

أدعو إلى هجرها قلبي فيتبعني

حتى إذا قلت هذا صادق نزعا

فقلت له: يا أبه ما أرى أنّه كان في هذه خير قط، فضحك ثم قال: يا بنيّ هكذا يصنع الدهر بأهله( ٢) .

«السّاكن مساكن الموتى» قال الأعشى:

أزال أذينة عن ملكه

و أخرج من حصنه ذا يزن

____________________

(١) البيان و التبيين ٢: ٧٠.

(٢) الأغاني ٤: ٣٠٠ دار احياء التراث العربي.

٣١٩

و خان النعيم أبا مالك

و أيّ امرى‏ء لم يخنه الزمن

أزال الملوك فأفناهم

و أخرج من بيته ذا حزن( ١)

و قال في سيل العرم:

رخام بنته لهم حمير

إذا جاءه ماؤهم لم يرم

فأروى الزروع و أعنابها

على سعة ماؤهم إذ قسم

فعاشوا بذلك في غبطة

فجار بهم جارف منهزم

فطار القيول و قيلاتها

بيهماء فيها سراب يطم

فطاروا سراعا و ما يقدرو

ن منه لشرب صبّي فطم( ٢)

و قال أبو العتاهية:

أنساك محياك المماتا

فطلبت في الدنيا الثباتا

أوثقت بالدنيا و أن

ت ترى جماعتها شتاتا

و عزمت منك على الحيا

ة و طولها عزما بتاتا

يا من رأى أبويه في

من قد رأى كانا فماتا

هل فيهما لك عبرة

أم خلت أنّ لك انفلاتا( ٣)

«و الظاعن» هكذا في (المصرية)( ٤ ) و الصواب: (الظاعن) كما في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية)( ٥ ) ، و الظاعن أي: المرتحل (عنها غدا) و قال الشاعر:

____________________

(١) ديوان الأعشى: ٣٠٦.

(٢) ديوان الأعشى: ٢٠١. و القيول: الواحد قيل لقب ملوك حمير، و يطم: يعلو.

(٣) الأغاني ٤: ٥٢.

(٤) نهج البلاغة ٣: ٤٢ رقم ٣١.

(٥) شرح ابن أبي الحديد ١٦: ٩، شرح ابن ميثم ٣٩٨ هكذا (الطبع الحجري).

٣٢٠