بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٨

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة0%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 668

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

مؤلف: الشيخ محمد تقي التّستري
تصنيف:

الصفحات: 668
المشاهدات: 59636
تحميل: 3260


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 668 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • المشاهدات: 59636 / تحميل: 3260
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 8

مؤلف:
العربية

أصحاب المختار و كان أخرج مكتفا فقال: قدموه اليّ أضرب عنقه. فقال له عبد اللّه: أنا على دين جدك الّذي آمن ثم كفر ان لم أكن ضربت أباك بسيفي حتى فاظ( ١) .

«و اللّه لقد أسرك الكفر مرة» قال ابن أبي الحديد: ذكر ابن الكلبي في (جمهرة النسب): ان مرادا لما قتلت قيسا الأشج خرج الأشعث طالبا بثأره، فخرجت كندة متساندين على ثلاثة ألوية، على أحدها كبش بن هاني، و على الاخرى القشعم، و على أحدها الأشعث فأخطأوا مرادا و وقعوا على بني الحارث بن كعب، فقتل كبش و القشعم و أسر الأشعث، ففدى بثلاثة آلاف بعير لم يفد بها عربي بعده و لا قبله، فقال عمرو بن معديكرب الزبيدي:

فكان فداؤه ألفي بعير

و ألفا من طريفات و تلد( ٢)

قلت: و قبله.

و هم قتلوا بذات الجار قيسا

و أشعث سلسلوا في غير عقد

أتانا ثائرا بأبيه قيس

فأهلك جيش ذلكم السمغد

و قال عمرو بن معديكرب أيضا كما في أمالي القالي:

و الأشعث الكندي حين سمالنا

من حضرموت مجنب الذكران

قاد الجياد على وجاها شزبا

قب البطون نواحل الأبدان

حتى اذا أسرى و أوس دوننا

من حضرموت الى قضيب يمان

أضحى و قد كانت عليه بلادنا

محفوفة كحظيرة البستان

فدعا فسوّمها و أيقن انّه

لا شك يوم تسايف و طعان

لما رأى الجمع المصبح خيله

مبثوثة ككواسر العقبان

____________________

(١) تاريخ الطبري ٤: ٥٧١، سنة ٦٧.

(٢) نقله عنه ابن أبي الحديد في شرحه ١: ٢٩٣.

٢١

فزعوا الى الحصن المذاكى عندهم

وسط البيوت يردن في الأرسان

الى أن قال:

فأصيب في تسعين من أشرافهم

أسرى مصفدة الى الأذقان

«و الاسلام أخرى» قال ابن أبي الحديد: ان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لما قدمت كندة حجابا قبل الهجرة، عرض نفسه عليهم، كما كان يعرض نفسه على أحياء العرب، فدفعه بنو وليعة من بني عمرو بن معاوية و لم يقبلوه، فلما هاجر النبيّ و تمهدت دعوته، و جاءته وفود العرب، جاءه وفد كندة فيهم الأشعث و بنو وليعة فأسلموا، فأطعم النبيّ بني وليعة من صدقات حضرموت و كان قد استعمل زياد بن لبيد البياضي الأنصاري على الصدقات، فدفعها زياد اليهم فأبوا أخذها و قالوا: لا ظهر لنا، فابعث بها الى بلادنا على ظهر من عندك، فأبى زياد، و حدث بينه و بينهم شر كاد أن يكون حربا، فرجع منهم قوم الى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله و كتب زياد الى النبيّ يشكوهم.

و في هذه الواقعة كان الخبر المشهور عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لبني وليعة:

لتنتهن يا بني وليعة أو لأبعثن عليكم رجلا عديل نفسي يقتل مقاتلتكم و يسبي ذراريكم. قال عمر: فما تمنيت الامارة إلاّ يومئذ و جعلت أنصب له صدري رجاء أن يقول هو هذا، فأخذ بيد عليعليه‌السلام و قال: هو هذا. ثم كتب لهم كتابا الى زياد، فوصلوا إليه بالكتاب، و قد توفي النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، و طار الخبر بموته الى قبائل العرب، فارتدت بنو وليعة و غنت بغاياهم و خضبن أيديهن.

قال الطبري: فأمر أبو بكر زيادا على حضرموت، و أمره بأخذ البيعة على أهلها و استيفاء صدقاتهم، فبايعوه إلاّ بني وليعة، فلما خرج ليقبض الصدقات من بني عمرو بن معاوية أخذ ناقة لغلام منهم يعرف بشيطان بن حجر و كانت صفية نفيسة اسمها شذرة فمنعه الغلام عنها و قال: خذ

٢٢

غيرها، فأبى زياد ذلك و لجّ فاستغاث شيطان بأخيه، فقال لزياد: دعها و خذ غيرها، فأبى و لجّ الغلامان و لج زياد و قال لهما: لا تكونن شذرة عليكما كالبسوس، فهتف الغلامان: يا لعمرو أنضام و نضطهد، ان الذليل من أكل في داره، و هتفا مسروق بن معديكرب فقال لزياد: اطلقها، فأبى فقال مسروق:

يطلقها شيخ بخديه الشيب

ملمعا فيه كتلميع الثوب

ماض على الريب اذا كان الريب

ثم قام فأطلقها، فاجتمع الى زياد أصحابه، و اجتمع بنو وليعة و أظهروا أمرهم، فبيّتهم زياد و هم غارون، فقتل منهم جمعا كثيرا و نهب و سبى و لحق فلهم بالأشعث، فقال لا أنصركم حتى تملّكوني، فملكوه و توّجوه كما يتوج الملك من قحطان، فخرج الى زياد في جمع كثيف، و كتب ابو بكر الى المهاجرين ابي امية و هو على صنعاء أن يسير بمن معه الى زياد، فاستخلف و سار، فلقوا الأشعث و هزموه، و قتل مسروق و لجأ الأشعث و الباقون الى الحصن المعروف بالنجير، فحاصرهم المسلمون حصارا شديدا حتى ضعفوا، و نزل الأشعث ليلا الى المهاجر و زياد، فسألهما الأمان على نفسه حتى يقدما به على أبي بكر، فيرى فيه رأيه على أن يفتح لهم الحصن و يسلّم إليهم من فيه، و قيل بل كان في الأمان عشرة من أهل الأشعث فآمناه و أمضيا شرطه، ففتح لهم الحصن، فدخلوه و استنزلوا كلّ من فيه، و أخذوا أسلحتهم، و قالوا للأشعث:

اعزل العشرة، فعزلهم فتركوهم و قتلوا الباقين و كانوا ثمانمائة و قطعوا أيدي النساء اللاتي شمتن بالنبي، و حملوا الأشعث الى أبي بكر موثقا في الحديد هو و العشرة، فعفا عنه و عنهم و زوّجه اخته ام فروة بنت أبي قحافة و كانت عمياء فولدت للأشعث محمّدا و اسماعيل و إسحاق، خرج الأشعث يوم البناء عليها الى سوق المدينة، فما مر بذات أربع إلا عقرها و قال للناس:

٢٣

هذه وليمة البناء و ثمن كلّ عقيرة في مالي الخ( ١) .

و في (أمثال الكرماني) في عنوان «أولم من الأشعث»: ارتد الأشعث في جملة أهل الردة، فأتى به أبو بكر أسيرا، فأطلقه و زوّجه اخته رغبة منه في شرفه، فخرج من عند أبي بكر و دخل السوق، فاخترط سيفه ثم لم تلقه ذات أربع إلاّ عرقبها من عقير و بقر و فرس، و مضى فدخل دارا من دور الأنصار، فصار الناس حشدا الى أبي بكر و قالوا: هذا الأشعث قد ارتد ثانية، فبعث ابو بكر إليه فأشرف الى السطح و قال: يا أهل المدينة اني غريب ببلدكم و قد أولمت بما عرقبت فليأكل كلّ انسان ما وجد و ليغد علي من كان له قبلي حق، فلم يبق دار من دور المدينة إلاّ دخلها من ذلك اللحم و لا رؤي أشبه بيوم الأضحى من ذلك اليوم، فضرب أهل المدينة به المثل فقالوا «أولم من الأشعث»، و قال الأصبغ بن حرملة الليثي لأبي بكر في مصاهرته هذه:

أتيت بكندي قد ارتد و انتهى

الى غاية من نكث ميثاقه كفرا

فكان ثواب النكث احياء نفسه

و كان ثواب الكفر تزويجه البكرا

و لو أنه رام الزيادة مثلها

لأنكحته عشرا و اتبعته عشرا

فقل لأبي بكر لقد شنت بعدها

قريشا و أخملت النباهة و الذكرا

أما كان في تيم بن مرة واحد

تزوجه لو لا أردت به الفخرا

و لو كنت لما أن أتاك قتلته

لأحرزتها ذكرا و قدمتها ذخرا

فأضحى يرى ما قد فعلت فريضة

عليك فلا حمدا حويت و لا أجرا( ٢)

قلت: و كانت وليمته وليمة جاهلية، و ما عقره ما أهلّ به لغير اللّه، و قد حكم أمير المؤمنينعليه‌السلام بحرمة مثله في قضية أبي الفرزدق التي كانت في

____________________

(١) رواه ابن أبي الحديد في شرحه ١: ٢٩٣ ٢٩٦، و الطبري في تاريخه ٢: ٥٤٢، سنة ١١.

(٢) مجمع الأمثال ١: ٣٧٩.

٢٤

زمانه، و لم يتكلّم في قضية الأشعث تقية من أبي بكر لأنّه فعل ذلك في وليمة اخته.

و لما زوّجه أبو بكر للمفاخرة و أولم الأشعث بما فعل للمفاخرة كانت نتيجة تلك المصاهرة المشؤومة تولد قاتلين لابن رسول اللّه و سيد شباب أهل الجنة.

«فما فداك من واحدة منهما ما لك و لا حسبك» قال ابن أبي الحديد: لا يريدعليه‌السلام به الفداء الحقيقي، فان الأشعث فدي في الجاهلية بفداء يضرب به المثل، فيقال «أعلى فداء من الأشعث»، و انما يريدعليه‌السلام ما دفع عنك الأسر مالك و لا حسبك( ١) .

قلت: انما المثل «أوفى فداة من الأشعث» و الأمثال لا تغير، ذكره العسكري في (أمثاله)، و المراد به أسره الأول، و أما الثاني فقد عرفت أن أبا بكر جعل فداءه تزويجه اخته، و انما في الثاني يضرب المثل بوليمته التي عرفت.

و انما قالعليه‌السلام (فما فداك من واحدة منهما ما لك و لا حسبك) لأن ذوي الكمال يمنعهم كمالهم من أسرهم أو أخذ الفدية منهم.

و لقد أسر متمم بن نويرة، ففداه جمال أخيه مالك و مقاله، ففي الأغاني:

دخل متمم على عمر، فقال له عمر: ما أرى في أصحابك مثلك. فقال: أما و اللّه اني مع ذلك لأركب الجمل الثفال و اعتقل الرمح المثلوب، و لقد أسرتني بنو تغلب في الجاهلية، فبلغ ذلك أخي مالكا، فجاء ليفديني منهم، فلما رآه القوم أعجبهم جماله، و حدثهم فأعجبهم حديثه، فأطلقوني له بغير فداء.

هذا، و في (الأغاني): كان أعشى همدان ممّن أغزاه الحجاج بلد الديلم

____________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ١: ٢٩٢.

٢٥

و نواحي دستبي، فأسر فلم يزل أسيرا في أيدي الديلم مدة، ثم ان بنتا للعلج الّذي أسره هويته، فصارت إليه ليلا، فمكّنته من نفسها، فأصبح و قد واقعها ثماني مرات، فقالت له: أ هكذا تفعلون بنسائكم؟ قال: هكذا يفعل كلّنا. فقالت له:

بهذا العمل نصرتم، أ فرأيت ان خلصتك اتصطفيني لنفسك. فقال لها: نعم و عاهدها، فلما كان الليل حلت قيوده، و أخذت به طرقا تعرفها، حتى خلصته و هربت معه، فقال شاعر من أسرى المسلمين:

فمن كان يفديه من الأسر ماله

فهمدان تفديها الفداة ايورها

و فيه أيضا: أسر عتيبة بن الحارث بن شهاب يوم شعب جبلة، فقيد في القد، فكان يبول على قده حتى عفن، فلما دخل الشهر الحرام هرب، فأفلت منهم بغير فداء.

و في تعليق السيرافي على كتاب سيبويه: ان ابن الصعق و صعق جده قيل له الصعق لأنه كان يطعم الناس بتهامة، فهبت ريح، فسفت في جفانه التراب، فشتمها، فرمي بصاعقة فقتلته كان أسر و برة بن روماس الكلبي أخا النعمان بن المنذر لامه، فأرسل إليه النعمان ان يطلقه، فأبى حتى يحكّم، فحكمه، فاحتكم مائة فرس و مائة بعير و مائة شاة و مائة سيف و مائة رمح و ألف قوس و ألف درع، فأرسل إليه بذلك فخلّى سبيله( ١) .

«و ان امرءا دل على قومه السيف و ساق اليهم الحتف» أي: الهلك «لحري» أي:

جدير «ان يمقته» أي: يبغضه «الأقرب و لا يأمنه الأبعد» بعد عمله مع القريب بما أهلكه، أشارعليه‌السلام بعمله مع قومه حيث فتح باب حصن النجير لزياد البياضي و المهاجر حتى قتلا من فيه.

و في (الأغاني): لما انهزم ابن الأشعث و اسر أصحابه كان فيهم أعشى

____________________

(١) راجع ما نقله عنه ابن منظور في لسان العرب ١٠: ١٩٩، مادة (صعق).

٢٦

همدان، فأتي به الحجاج أنشده قصيدة من أبياتها:

لقد شمت يا ابن الأشعث العام مصرنا

فظلوا و ما لاقوا من الطير أسعدا

كما شاءم اللّه النجير و أهله

بجدك من قد كان أشقى و أنكد

هذا، و (المصرية) اقتصرت على العنوان و فيها سقط، فان (ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخوئي و الخطية) نقلوا بعد العنوان بيانا للسيد على ما تعرف( ١) .

قول المصنّف: (يريدعليه‌السلام انّه أسر في الكفر مرة و في الاسلام مرة) هكذا في (ابن أبي الحديد و الخوئي و الخطية)، و لكن (ابن ميثم) خال عن هذا الكلام( ٢ ) . و كيف كان فالمراد ان قوله «أسرك الكفر مرة و الاسلام اخرى» مجاز و نظير قول الشاعر:

أشاب الصغير و أفنى الكبير

كرّ الغداة و مرّ العشي

 (و أما قولهعليه‌السلام ) هكذا في (ابن أبي الحديد و الخوئي و الخطية)، و لكن في (ابن ميثم) «أراد بقولهعليه‌السلام »( ٣ ) (دل على قومه السيف فأراد به حديثا كان للأشعث مع خالد بن الوليد) هكذا في (ابن أبي الحديد و الخوئي و الخطية)، و لكن في (ابن ميثم): «دل على قومه السيف ما جرى له مع خالد بن الوليد»( ٤) .

«باليمامة غرّ فيه قومه» هكذا في (ابن أبي الحديد و الخوئي و الخطية)،

____________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ١: ٢٩١، و شرح ابن ميثم ١: ٤٢٢، و شرح الخوئي ١: ٣٧١.

(٢) المصدر السابق.

(٣) شرح ابن أبي الحديد ١: ٢٩١، و شرح ابن ميثم ١: ٣٢٢، و شرح الخوئي ١: ٣٧١.

(٤) المصدر السابق.

٢٧

و لكن في (ابن ميثم) (باليمامة فانه غر قومه و مكر بهم حتى أوقع بهم خالد)( ١) ، من هنا الى آخره اتفق الجمع عليه.

و كيف كان فقال ابن أبي الحديد: لم يعرف في التواريخ ان الأشعث جرى له باليمامة مع خالد هذا و لا شبهه، و أين كندة و اليمامة، كندة باليمن و اليمامة لبني حنيفة و لا أعلم من أين نقل الرضي هذا( ٢) .

و قال ابن ميثم: لم أقف على شي‏ء من ذلك في وقايع خالد باليمامة، و حسن الظن بالسيد يقتضي تصحيح نقله، و لعل ذلك في وقعة لم أقف على أصلها، و نقله الخوئي و قرره( ٣) .

قلت: حسن الظن بالرضي بل علو مقامه يمنع من أن يختلق شيئا و لا يمنع من أن يحصل له و هم، فكان في باله وقائع خالد باليمامة، فتوهم كونها مع الأشعث، و انما كانت مع مسيلمة الكذاب.

و قوله «و لعل ذلك في وقعة لم أقف على أصلها» في غير محله، فانه نظير أن يقال لك «فلان في الدار الفلانية» و دخلت و لم تره، فلا يبقى لك ريب في عدم كونه فيها. نعم ابن ميثم من حيث انّه لم يكن مضطلعا بالتاريخ ليس له إذا لم يقف على شي‏ء أن يعترض من قبل نفسه، و عدم علمه لا يبطل علم آخر.

«و كان قومه بعد ذلك يسمّونه عرف النار» و الأصل في العرف شعر عنق الديك و الفرس.

و في (الأغاني) في قيس بن عاصم قال علان بن الحسن الشعوبي: بنو

____________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ١: ٢٩١، و شرح ابن ميثم ١: ٣٢٣، و شرح الخوئي ١: ٣٧١.

(٢) شرح ابن أبي الحديد ١: ٢٩٦.

(٣) شرح ابن ميثم ١: ٣٢٥، و شرح الخوئي ١: ٣٧٥.

٢٨

منقر قوم غدر، يقال لهم «الكوادن» و يلقبون أيضا أعراف البغال.

و في (لطايف الثعالبي): أغرة الناس في الغدر عبد الرحمن بن محمّد بن أشعث بن قيس بن معديكرب، غدر عبد الرحمن بالحجاج لما ولاّه البلاد و خرج عليه و واقعه زهاء ثمانين وقعة، و كانت دائرة السوء في آخرها عليه، و غدر محمّد بن أشعث بأهل طبرستان و كان عبيد اللّه ولاّه إياها، فصالح و عقد لهم، ثم عاد اليهم، فأخذوا عليه الشعاب و قتلوا ابنه أبا بكر و فضحوه.

و غدر الأشعث ببني الحارث بن كعب غزاهم، فأسروه، ففدى نفسه بمائتي بعير و أعطاهم مائة و بقيت عليه مائة، فلم يؤدها حتى جاء الاسلام، فهدم ما كان في الجاهلية، و كان بين قيس بن معديكرب و مراد عهد الى أجل، فغزاهم في آخر يوم من الأجل و كان ذلك يوم الجمعة و كان يهوديا، فقال: غدا السبت و لا يحل لي القتال، فقاتلهم فقتلوه و مزقوا جيشه.

و غدر معديكرب بمهره و كان بينه و بينهم عهد، فغزاهم ناقضا للعهد، فقتلوه و شقوا بطنه، فملأوه حصى.

قلت: ذكر فدية الأشعث هنا في بابه الخامس في ذكر الاعرقين من كلّ طبقة هكذا، و قال في بابه الأول في الأوائل: أول من مشى بين يديه الرجال و هو راكب الأشعث، و أسر مرة، فافتدي بثلاثة آلاف ناقة، و هو أوّل من فادى بهذه الفدية، و الظاهر أصحية الثاني لما مر من النقل عن (جمهرة ابن الكلبي).

«و هو اسم للغادر عندهم» أي: عند قومه الذين كانوا أهل اليمن، ففي تاريخ الطبري بعث بالأشعث الى أبي بكر مع السبي، فكان معهم يلعنه المسلمون و يلعنه سبايا قومه، و سمّاه نساء قومه عرف النار كلام يمان يسمون به الغادر( ١) .

____________________

(١) تاريخ الطبري ٢: ٥٤٨، سنة ١١.

٢٩

و كما أن «عرف النار» اسم للغادر عند أهل اليمن، كذلك «كيسان» اسمه عند بني سعد بن تميم، فعن ابي عمرو بن العلاء: كانت بنو سعد بن تميم أغدر العرب، و كانوا يسمّون الغدر في الجاهلية «كيسان»، فقالوا فيهم:

إذا كنت في سعد و خالك منهم

غريبا فلا يغررك خالك من سعد

إذا ما دعوا كيسان كانت كهولهم

الى الغدر أولى من شبابهم المرد

و كما أن قوم الأشعث كانوا يسمّونه عرف النار على ما مر يسمّيهعليه‌السلام عنق النار كما في الخبر، ففي (المناقب) في باب اخبارهعليه‌السلام بالغيب: روي ان الحسن بن عليعليه‌السلام قال: كان أبي يسمي الأشعث «عنق النار» فسئل عن ذلك فقال: ان الأشعث اذا حضرته الوفاة دخل عليه عنق من النار ممدودة من السماء فتحرقه فلا يدفن إلاّ و هو فحمة سوداء، فلما توفي نظر سائر من حضر الى النار و قد دخلت عليه كالعنق الممدود حتى أحرقته و هو يصيح بالويل و الثبور( ١) .

هذا، و روى (أمالي الصدوق و خصاله) في باب الأربعة عن جابر قال:

خطبنا عليعليه‌السلام ثم قال: ان قدام منبركم هذا أربعة رهط من أصحاب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : أنس بن مالك، و البراء بن عازب، و الأشعث بن قيس الكندي، و خالد ابن يزيد البجلي. ثم أقبل على أنس فقال: ان كنت سمعت من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول:

«من كنت مولاه فعلي مولاه» ثم لم تشهد لي فلا أماتك اللّه حتى يبتليك ببرص لا تغطيه العمامة، و أما أنت يا أشعث فان كنت سمعت ذلك و لم تشهد لي فلا أماتك اللّه حتى يذهب بكريمتيك، و أما أنت يا خالد بن يزيد فان كنت سمعت و لم تشهد لي فلا أماتك اللّه إلاّ ميتة الجاهلية، و أما أنت يا ابن عازب فان كنت سمعت و لم تشهد لي فلا أماتك اللّه إلاّ حيث هاجرت. قال جابر: و اللّه لقد رأيت

____________________

(١) مناقب السروي ٢: ٢٦٣.

٣٠

أنسا و قد ابتلي ببرص يغطيه بالعمامة فما تستره، و لقد رأيت الأشعث ذهبت كريمتاه و هو يقول «الحمد للّه الّذي جعل دعاء علي بالعمى في الدنيا، و لم يدع عليّ بالعذاب في الآخرة»، و أما خالد فانه مات، فأراد أهله أن يدفنوه، فسمعت بذلك كندة، فجاءت بالخيل و الابل، فعقرتها على باب منزله، فمات ميتة جاهلية، و أما البراء فولاّه معاوية اليمن، فمات بها و منها هاجر».

و قلنا في كتابنا في الأحاديث المحرّفة و كتابنا في الرجال ان ابن بابويه و ان نقله في كتابين إلاّ انّه حرّف منه أو من أحد الرواة قبله في الثلاثة الأخيرة، فان المدعو عليه بالعمى البراء بن عازب كما رواه العامة و الخاصة، و قد نسبه الى الأشعث، و انما الأشعث كان أعور الى موته، فقد عرفت من أخبار مساعدته لابن ملجم خطاب حجر و أخيه عفيف له بالأعور، و لم يبق بعدهعليه‌السلام على الأصح إلاّ أربعين يوما( ١) .

ثم اذا كان شريكا في دمهعليه‌السلام و لم يبال بذلك و كان نفاقه متحققا كيف يحمد اللّه على عدم دعائهعليه‌السلام عليه بعذاب الآخرة، و انما رجع البراء بعد عماه إليهعليه‌السلام و قال بإمامته و حمد اللّه تعالى بذلك، و انما دعاعليه‌السلام على الأشعث بموت الجاهلية لعدم ايمانه، و الدليل عليه قوله فيه «فسمعت بذلك كندة، فجاءت بالخيل و الابل، فعقرتها على باب منزله» فكندة انما كانت قوم الأشعث، و حينئذ فكما كانت وليمته بعقر خيل و ابل من عمل الجاهلية، كذلك كان موته، و أي مناسبة لكندة بخالد البجلي.

و قلنا ثمة ان خالد البجلي في الخبر محرف «جرير البجلي» لعدم وجود خالد بجلي في الصحابة، و ان عن (أنساب البلاذري) رواية الخبر عن «جرير

____________________

(١) الاخبار الدخيلة ١: ٢٠.

٣١

البجلي»( ١ ) ، و يشهد له ان في صدر الخبر عد البراء ثانيا و الأشعث ثالثا و البجلي رابعا، فما ذكر ثانيا و ثالثا و رابعا لا بد أن يكون لهم كذلك فينطبق مع ما قلنا.

و يشهد لموته ميتة جاهلية ما في لطائف معارف الثعالبي: الأشعث أوّل من دفن في داره و لم ينقل الى موسم الموتى، و ذلك أنّه لما مات لم يقدر على اخراجه و دفنه من كثرة الزحام، و لم يقدر الحسن بن علي أن يدخل عليه، فدخل من بعض دور جيرانه و رأى الرجل ينزل عن دابته فيعقرها، و الآخر يجى‏ء براحلته فينحرها، فخاف الحسن أن يعقر الناس على قبره، فأمر بدفنه في داره.

قلت: فقد عقروا على ميته قبل دفنه، و ان صح ما نقل فأرادعليه‌السلام ان لا يزيدوا بعد على عملهم الشنيع اذا كان قبره خارجا.

٣ - الكتاب (٧٨) و من كتاب لهعليه‌السلام إلى أبي موسى الأشعريّ جوابا في أمر الحكمين ذكره سعيد بن يحيى الأموي في كتاب المغازي:

فَإِنَّ اَلنَّاسَ قَدْ تَغَيَّرَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ حَظِّهِمْ فَمَالُوا مَعَ اَلدُّنْيَا وَ نَطَقُوا بِالْهَوَى وَ إِنِّي نَزَلْتُ مِنْ هَذَا اَلْأَمْرِ مَنْزِلاً مُعْجِباً اِجْتَمَعَ بِهِ أَقْوَامٌ أَعْجَبَتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ فَإِنِّي أُدَاوِي مِنْهُمْ قَرْحاً أَخَافُ أَنْ يَكُونَ عَلَقاً وَ لَيْسَ رَجُلٌ فَاعْلَمْ أَحْرَصَ عَلَى جَمَاعَةِ أُمَّةِ؟ مُحَمَّدٍ ص؟ وَ أُلْفَتِهَا مِنِّي أَبْتَغِي بِذَلِكَ حُسْنَ اَلثَّوَابِ وَ كَرَمَ اَلْمَآبِ وَ سَأَفِي بِالَّذِي وَأَيْتُ عَلَى نَفْسِي

____________________

(١) جاء الخبر في أنساب الأشراف ٢: ١٥٦، و فيه أنس بن مالك و البراء بن عازب و جرير بن عبد اللّه لا رابع لهم و جاء في مناقب السروي ٢: ٢٧٩، نقلا عن البلاذري و غيره أنس و البراء و الأشعث و خالد بن يزيد.

٣٢

وَ إِنْ تَغَيَّرْتَ عَنْ صَالِحِ مَا فَارَقْتَنِي عَلَيْهِ فَإِنَّ اَلشَّقِيَّ مَنْ حُرِمَ نَفْعَ مَا أُوتِيَ مِنَ اَلْعَقْلِ وَ اَلتَّجْرِبَةِ وَ إِنِّي لَأَعْبَدُ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ بِبَاطِلٍ وَ أَنْ أُفْسِدَ أَمْراً قَدْ أَصْلَحَهُ اَللَّهُ فَدَعْ مَا لاَ تَعْرِفُ فَإِنَّ شِرَارَ اَلنَّاسِ طَائِرُونَ إِلَيْكَ بِأَقَاوِيلِ اَلسُّوءِ وَ اَلسَّلاَمُ قول المصنّف: (الى أبي موسى الأشعري جوابا في أمر الحكمين) هكذا في (المصرية)، و الصواب: «أجاب به أبا موسى الأشعري عن كتاب كتبه إليه من المكان الّذي اتعدوا فيه للحكومة» كما في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية)( ١ ) ، و المكان الذي اتعدوا فيه للحكومة هو دومة الجندل، و هو المنصف بين العراق و الشام، كما قال الدينوري في (أخباره).

(ذكره) هكذا في (المصرية)، و الصواب: (و ذكر هذا الكتاب) كما في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية)( ٢ ) (سعيد بن يحيى الاموي) هو سعيد بن يحيى بن سعيد بن أبان ابن سعيد بن العاص بن امية.

(في كتاب المغازي) و يروى عن أبيه كتاب مغازي محمّد بن إسحاق، و يروى عنه مسلم و البخاري و البغوي، مات سنة (٢٤٩) كما يظهر من (تاريخ بغداد)، فيه و في أبيه.

قولهعليه‌السلام «فان الناس» الظاهر ان المصنف أسقط صدر الكتاب «قد تغير كثير منهم عن كثير من حظهم فمالوا مع الدنيا و نطقوا بالهوى» أكثر الناس في أكثر الأزمنة هكذا، قال تعالى: و لقد ضلّ قبلهم أكثر الأولين( ٣ ) ، و لو انّهم أقاموا التوراة و الانجيل و ما أنزل اليهم من ربّهم لأكلوا من فوقهم و من تحت

____________________

(١) كذا في شرح ابن أبي الحديد ١٨: ٧٤، لكن في شرح ابن ميثم ٥: ٢٣٥ مثل المصرية.

(٢) كذا في شرح ابن أبي الحديد ١٨: ٧٤، لكن في شرح ابن ميثم ٥: ٢٣٥ مثل المصرية.

(٣) الصافات: ٧١.

٣٣

أرجلهم منهم أمة مقتصدة و كثير منهم ساء ما يعملون( ١ ) ، و أكثرهم الفاسقون( ٢ ) ، أم لم يعرفوا رسولهم فهم له منكرون. أم يقولون به جنّة بل جاءهم بالحق و أكثرهم للحق كارهون( ٣) .

«و اني نزلت من هذا الأمر منزلا معجبا اجتمع به» أي: بذاك المنزل «أقوام أعجبتهم أنفسهم» فلا يقبلون نصح غيرهم و رأيه، و المراد الحال التي انتهىعليه‌السلام اليها مع أصحابه في أمر الحكومة من الأشعث و الخوارج.

«فأنا أداوي منهم قرحا» قال الجوهري: قيل لامرى‏ء القيس «ذو القرح» لأن ملك الروم بعث إليه قميصا مسموما، فتقرح منه جسده فمات.

«أخاف أن يكون» هكذا في (المصرية)، و الصواب: (أن يعود) كما في (ابن ميثم و الخطية) و نسخة من ابن أبي الحديد( ٤) .

«علقا» أي: دما غليظا، أجبروهعليه‌السلام أولا على التحكيم، ثم على جعل أبي موسى حكما، فقبل منهم لاستصلاحهم، فكفروا و خرجوا عليه و كفّروه.

«و ليس رجل فاعلم أحرص على امة» هكذا في (المصرية)، و الصواب:

«على جماعة امة» كما في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية)( ٥) .

«محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله و ألفتها مني ابتغي بذلك حسن الثواب و كرم المآب» أي:

المرجع، و لاهتمامهعليه‌السلام على بقاء الامة على الملة رضي يوم السقيفة بترك حقه لئلا يرتد الناس رأسا و يضمحل الاسلام كلية، و كيف لا يكون مهتما

____________________

(١) المائدة: ٦٦.

(٢) آل عمران: ١١٠، و التوبة: ٨.

(٣) المؤمنون: ٦٩ و ٧٠.

(٤) كذا في شرح ابن أبي الحديد ١٨: ٧٤، لكن في شرح ابن ميثم ٥: ٢٣٥ مثل المصرية.

(٥) كذا في شرح ابن أبي الحديد ١٨: ٧٤، لكن لفظ شرح ابن ميثم ٥: ٢٣٦ «على الفة جماعة».

٣٤

كذلك و هو كنفس النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بصريح القرآن( ١ ) و استقرار الاسلام كان بمجاهداته و مساعيه بشهادة العيان.

«و سأفي بالذي وأيت» أي: وعدت «على نفسي» من قبول حكم الحكمين إذا حكما بحكم القرآن «و ان تغيرت عن صالح ما فارقتني عليه» من الحكم بحكم الكتاب أو السنة القطعية، ففي (الأخبار الطوال): كان في كتاب عقد التحكيم «أخذ على عمرو بن العاص و عبد اللّه بن قيس عهد اللّه و ميثاقه و ذمته و ذمة رسوله ان يتخذا القرآن اماما، و لا يعدوا به الى غيره بما وجداه فيه مسطورا، و ما لم يجداه في الكتاب رداه الى سنّة الرسول الجامعة، لا يتعمدان لها خلافا، و لا يبغيان فيها بشبهة».

«فان الشقي من حرم نفع ما أوتي من العقل و التجربة» فخدعه عمرو بن العاص و قال له: ما كنت أتقدمك في الحكم و أنت أفضل مني. فقال أبو موسى:

حذرني ابن عباس غدر عمرو فاطمأننت إليه.

«اني لأعبد» بفتح العين أي: الباء أي: آنف، قال الفرزدق.

و أعبد أن أهجو كليبا بدارم( ٢)

«أن يقول» قال ابن أبي الحديد: و روى «ان قال»( ٣ ) «قائل بباطل» فيّ «و ان أفسد» قال ابن أبي الحديد: و روى «و يفسد»( ٤ ) «امرا قد أصلحه اللّه، فدع» أي: اترك «ما لا تعرف» فانّه واجب على كلّ عاقل «فان شرار الناس طائرون» أي:

مستعجلون «اليك بأقاويل السوء».

قال ابن أبي الحديد: قد أحسن من قال:

____________________

(١) تنظر الآية ٦١ من سورة آل عمران.

(٢) أورده لسان العرب ٣: ٢٧٥، مادة (عبد).

(٣) شرح ابن أبي الحديد ١٨: ٧٥.

(٤) المصدر السابق.

٣٥

ان يسمعوا الخير يخفوه و ان سمعوا

شرا اذاعوا و ان لم يسمعوا كذبوا

و من قال:

ان يسمعوا ريبة طاروا بها فرحا

و ان ذكرت بخير عندهم دفنوا( ١)

٤ - الكتاب (٢٠) و من كتاب لهعليه‌السلام إلى زياد بن أبيه و هو خليفة عامله عبد اللّه بن عباس على البصرة، و عبد اللّه عامل أمير المؤمنينعليه‌السلام يومئذ عليها و على كور الأهواز و فارس و كرمان:

وَ إِنِّي أُقْسِمُ بِاللَّهِ قَسَماً صَادِقاً لَئِنْ بَلَغَنِي أَنَّكَ خُنْتَ مِنْ فَيْ‏ءِ اَلْمُسْلِمِينَ شَيْئاً صَغِيراً أَوْ كَبِيراً لَأَشُدَّنَّ عَلَيْكَ شَدَّةً تَدَعُكَ قَلِيلَ اَلْوَفْرِ ثَقِيلَ اَلظَّهْرِ ضَئِيلَ اَلْأَمْرِ وَ اَلسَّلاَمُ أقول: رواه اليعقوبي في (تاريخه) فقال: كتب عليعليه‌السلام الى زياد و كان عامله على فارس: أما بعد، فان رسولي أخبرني بعجب. زعم انك قلت له فيما بينك و بينه: ان الاكراد هاجت بك، فكسرت عليك كثيرا من الخراج، و قلت له: لا تعلم بذلك أمير المؤمنين. يا زياد و اقسم باللّه انّك لكاذب، و لئن لم تبعث بخراجك لأشدن عليك شدة تدعك قليل الوفر ثقيل الظهر، الا ان تكون لما كسرت من الخراج محتملا. و نقل عن تاريخ ابن واضح ايضا( ٢) .

قول المصنّف: (و هو خليفة عامله عبد اللّه بن عباس على البصرة) قد

____________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ١٨: ٧٦.

(٢) رواه اليعقوبي في تاريخه ٢: ٢٠٤، و ابن واضح صاحب تاريخ هو اليعقوبي نفسه و اشتبه الامر على الشارح حيث فرّق بينه.

٣٦

عرفت من رواية اليعقوبي أن الكتاب إليه لما كان على فارس.

(و عبد اللّه عامل أمير المؤمنين يومئذ عليها و على كور الأهواز و فارس و كرمان) هكذا في (المصرية)، و لكن في (ابن ميثم) (و عبد اللّه عامل له يومئذ) الخ مثلها و في (ابن أبي الحديد) (و عبد اللّه يومئذ خليفة أمير المؤمنين عليها و على كور الأهواز و فارس و كرمان و غيرها)( ١ ) و في (الخطية) (و عبد اللّه يومئذ عامل أمير المؤمنين عليها) الخ.

و كيف كان، فكور بالضم فالفتح جمع كورة أي: المدينة، و المراد بالأهواز الخوزستان كلا بقرينة اضافة «كور» اليها لا خصوص بلد سوق الأهواز، قال صاحب العين: الأهواز سبع كور بين البصرة و فارس لكل كورة منها اسم، و يجمعهن الأهواز، و لا يفرد الواحد منها بهوز، و كور الأهواز:

سوق الأهواز، و رامهرمز، و ايذج، و عسكرمكرم، و تستر، و جنديسابور، و سوس، و سرق، و نهرتيري، و مناذر، و كان خراجها ثلاثين ألف ألف درهم، و كانت الفرس يقسط عليها خمسين ألف ألف درهم( ٢) .

و أما «فارس» ففي (البلدان): أقليم فسيح أول حدودها من جهة العراق أرجان، و من جهة كرمان أسيرجان، و من جهة ساحل الهند سيراف، و من جهة السند مكران، و كورها المشهورة خمس، فأوسعها كورة اصطخر، ثم اردشير خره، ثم كورة دارابجرد، ثم كورة سابور، ثم قباد خره( ٣) .

و أما «كرمان» ففي (المعجم): ناحية كبيرة شرقيها مكران، و غربيها فارس، و شمالها مفازة خراسان، و جنوبها بحر فارس، قال البشاري: كرمان

____________________

(١) لفظ شرح ابن أبي الحديد ١٥: ١٣٨، مثل المصرية بزيادة «و غيرها» و لفظ شرح ابن ميثم ٤: ٣٩٩ «و عبد اللّه خليفة أمير المؤمنين على البصرة و الأهواز و فارس و كرمان».

(٢) نقله عنه الحموي في معجم البلدان ١: ٢٨٥.

(٣) معجم البلدان ٤: ٢٦٦.

٣٧

أقليم يشاكل فارس في أوصاف، و البصرة في أسباب، و خراسان في أنواع، لأنّه قد تأخم البحر، و اجتمع فيه البرد و الحر، و الجوز و النخل، و كثرت فيه التمور و الأرطاب، و الأشجار و الثمار، و من مدنه المشهورة جيرفت، و موقان، و خبيص، و بم، و السيرجان، و نرماسير، و بردسير، و بها يكون التوتيا، و يحمل الى جميع البلاد( ١) .

و كان زياد قبل كاتب أبي موسى أيام عمر، قال الجهشياري: استكتب ابو موسى زيادا، فكتب إليه عمر يستقدمه، فاستخلف زيادا على عمله، فكتب إليه يأمره بالقدوم عليه، فلما قدم عليه سأله عمن استخلف فأعلمه، فقال استخلفت غلاما حدثا. فقال: انّه ضابط لما ولي. فكتب إليه عمر يأمره بالقدوم عليه و الاستخلاف على العمل، فاستخلف زياد عمران بن حصين. فقال عمر:

لئن كان أبو موسى استخلف حدثا لقد استخلف الحدث كهلا. ثم دعا بزياد فقال له: ينبغي أن تكتب الى خليفتك، بما يجب أن يعمل به. فكتب إليه كتابا و دفعه الى عمر، فنظر فيه ثم قال: أعد، فكتب غيره، فقال له: أعد، فكتب الثالث، فقال عمر: لقد بلغ ما أردت في الأول، و لكني ظننت أنّه قد روّى فيه، ثم بلغ في الثاني ما أردت، فكرهت أن أعلمه ذلك، و أردت أن أضع منه لئلا يدخله العجب.

و فيه: كان عمر يملي على كاتب بين يديه، فكتب الكاتب غير ما قال عمر، فقال له زياد: قد كتب غير ما قلت، فنظر في الكتاب، فكان كما قال زياد، فقال له عمر: اني علمت هذا. فقال: رأيت رجع فيك و خطه، فرأيت ما أحارت كفّه غير ما رجعت به شفتك.

و فيه: قال عمر لزياد: هل أنت حامل كتابي الى أبي موسى في عزلك عن كتابته؟ قال: نعم ان لم يكن ذلك عن سخط. قال: ليس عن سخط. و لكني أكره

____________________

(١) معجم البلدان ٤: ٤٥٤.

٣٨

أن أحمل فضل عقلك على الرعية.

قولهعليه‌السلام «و اني أقسم باللّه قسما صادقا لئن بلغني انك خنت من في‏ء المسلمين» قال الجوهري: الفي‏ء الخراج و الغنيمة «شيئا صغيرا أو كبيرا» و من يغلل يأت بما غل يوم القيامة ثم توفي كلّ نفس ما كسبت و هم لا يظلمون( ١ ) «لأشدن عليك» قال الجوهري: شدّ عليه أي: حمل عليه «شدة» أي: حملة «تدعك» أي: تتركك «قليل الوفر» قال ابن دريد: الوفر الغنى، قال حاتم الطائي:

و قد علم الأقوام لو أن حاتما

أراد ثراء المال كان له وفر

«ثقيل الظهر» يأخذه بما خان «ضئيل الأمر» أي: صغيره و نحيفه و خفيه.

هذا، و نظير كتابهعليه‌السلام الى زياد في معنى الخيانة في الفي‏ء كتابه الى النعمان بن عجلان، فروى اليعقوبي ان النعمان ذهب بمال البحرين، فكتبعليه‌السلام إليه «أما بعد فانه من استهان بالامانة، و رغب في الخيانة، و لم ينزه نفسه و دينه، أخل بنفسه في الدنيا، و ما يشفى عليه بعد أمرّ و أبقى و أشقى و أطول، فخف اللّه، انك من عشيرة ذات صلاح، فكن عند صالح الظن بك، و راجع ان كان حقّا ما بلغني عنك، و لا تقلبنّ رأيي فيك، و استنظف خراجك، ثم اكتب اليّ ليأتيك رأيي و أمري انشاء اللّه. فلما جاءه كتابهعليه‌السلام و علم انّه قد علم حمل المال، و لحق بمعاوية( ٢) .

٥ - الكتاب (٢١) و من كتاب لهعليه‌السلام إليه أيضا:

فَدَعِ اَلْإِسْرَافَ مُقْتَصِداً وَ اُذْكُرْ فِي اَلْيَوْمِ غَداً وَ أَمْسِكْ مِنَ اَلْمَالِ بِقَدْرِ

____________________

(١) آل عمران: ١٦١.

(٢) تاريخ اليعقوبي ٢: ٢٠١.

٣٩

ضَرُورَتِكَ وَ قَدِّمِ اَلْفَضْلَ لِيَوْمِ حَاجَتِكَ أَ تَرْجُو أَنْ يُعْطِيَكَ اَللَّهُ أَجْرَ اَلْمُتَوَاضِعِينَ وَ أَنْتَ عِنْدَهُ مِنَ اَلْمُتَكَبِّرِينَ وَ تَطْمَعُ وَ أَنْتَ مُتَمَرِّغٌ فِي اَلنَّعِيمِ تَمْنَعُهُ اَلضَّعِيفَ وَ اَلْأَرْمَلَةَ أَنْ يُوجِبَ لَكَ ثَوَابَ اَلْمُتَصَدِّقِينَ وَ إِنَّمَا اَلْمَرْءُ مَجْزِيٌّ بِمَا أَسْلَفَ وَ قَادِمٌ عَلَى مَا قَدَّمَ وَ اَلسَّلاَمُ أقول: رواه اليعقوبي فقال: وجّه علي رجلا الى بعض عمّاله مستحثا، فاستخف به فكتب إليه: أما بعد، فانك شتمت رسولي و زجرته و بلغني انك تبخر، و تكثر من الأدهان و ألوان الطعام، و تتكلم على المنبر بكلام الصديقين، و تفعل اذا نزلت أفعال المحلّين، فان يكن ذلك كذلك فنفسك أضررت، و أدبي تعرضت، ويحك ان اللّه تعالى يقول: العظمة و الكبرياء ردائي، فمن نازعنيهما سخطت عليه، بل ما عليك أن تدهن رفيها، فقد أمر رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله بذلك، و ما حملك أن تشهد الناس عليك بخلاف ما تقول على المنبر حيث يكثر عليك الشاهد، و يعظم مقت اللّه لك، بل كيف ترجو و أنت متهوع في النعيم، جمعته من الأرملة و اليتيم، ان يوجب اللّه لك أجر الصالحين، بل ما عليك ثكلتك أمك لو صمت للّه أياما، و تصدقت بطائفة من طعامك، فانها سيرة الأنبياء و أدب الصالحين، أصلح نفسك، و تب من ذنبك، و ادِّ حقّ اللّه عليك، و السّلام( ١) .

و رواه ابن أبي الحديد في موضع آخر، فقال: أخرج عليعليه‌السلام سعدا مولاه الى زياد يحثّه على حمل مال البصرة الى الكوفة، و كان بين سعد و زياد ملاحاة، و عاد سعد فشكاه الى عليعليه‌السلام ، فكتب الى زياد: أما بعد فان سعدا ذكر انّك شتمته ظلما، و هددته و جبهته تجبرا و تكبرا، فما دعاك الى التكبر و قد قال النبيّ «الكبر رداء اللّه فمن نازع اللّه رداءه قصمه» و قد أخبرني انك تكثر من الألوان المختلفة في الطعام في يوم واحد و تدهن كلّ يوم، فما عليك لو صمت

____________________

(١) تاريخ اليعقوبي ٢: ٢٠٢.

٤٠