بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٨

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة0%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 668

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

مؤلف: الشيخ محمد تقي التّستري
تصنيف:

الصفحات: 668
المشاهدات: 59643
تحميل: 3260


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 668 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • المشاهدات: 59643 / تحميل: 3260
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 8

مؤلف:
العربية

و قالعليه‌السلام : يا أهل العراق نبئت أنّ نساءكم يدافعن الرجال في الطريق، أما تستحون( ١) .

و عن أبي جعفرعليه‌السلام استقبل شاب من الأنصار امرأة بالمدينة و كانت النساء يتقنّعن خلف آذانهن فنظر إليها و هي مقبلة فلمّا جازت نظر إليها و دخل في زقاق فجعل ينظر خلفها و اعترض وجهه عظم في الحائط أو زجاجة فشقّ وجهه، فلمّا مضت المرأة فإذا الدماء تسيل على صدره و ثوبه، فقال: و اللّه لآتينّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله و لاخبرنّه، فأتاه فهبط جبرئيل بآية قل للمؤمنين يغضّوا من أبصارهم و يحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إنّ اللّه خبير بما يصنعون( ٢ ) ( ٣) .

«و ليس خروجهن بأشد من ادخالك من لا يوثق به عليهن» و في الخبر: إنّ أحسن شي‏ء للنساء أن لا يراهن الرجال و لا يرين الرجال( ٤) .

«و إن استطعت أن لا يعرفن غيرك فافعل» عن بعضهم لئن يرى حرمتي ألف رجل على حال تكشّف منها و هي لا تراهم أحب إلي من أن ترى رجلا واحدا غير متكشّف.

هذا، و في (الأغاني): كان في جوار أبان اللاّحقي رجل من ثقيف يقال له محمد بن خالد تزوج بعمارة الثقفية و كانت موسرة و كان محمد عدوا لأبان، فقال أبان يحذرها منه:

لمّا رأيت البز و الشاره

و الفرش قد ضاقت به الحاره

و اللوز و السكر يرمى به

من فوق ذي الدار و ذي الداره

____________________

(١) الكافي ٥: ٥٣٦ ح ٦.

(٢) النور: ٣٠.

(٣) الكافي ٥: ٥٢١ ح ٥.

(٤) مكارم الأخلاق: ٢٣٣.

٤٦١

و أحضروا اللاّهين لم يتركوا

طبلا و لا صاحب زمّاره

قلت لمّا ذا؟ قيل اعجوبة

محمّد زوج عماره

لا عمّر اللّه بها بيته

و لا رأته مدركا ثاره

ما ذا رأت فيه و ما ذا رجت

و هي من النسوان مختاره

اسود كالسّفّود ينسى لدى

التنوّر بل محراك قيّاره

يجري على أولاده خمسة

أرغفة كالريش طيّاره

و أهله في الأرض من خوفه

إن أفرطوا في الأكل سيّاره

ويحك فرّي و اعصبي ذاك بي

فهذه اختك فرّاره

إذا غفا بالليل فاستيقظي

ثم اطفري إنّك طفّاره

فلمّا بلغت قصيدته عمارة هربت و خرم من جهتها مالا عظيما، و قال أبان في فرارها:

فصعدت نائلة سلما

تخاف أن تصعده الفاره( ١)

«و لا تملك المرأة ما جاوز نفسها» في (الأغاني): بلغ دريد بن الصمة أنّ امرأته سبّت أخاه فطلقها و قال:

معاذ اللّه أن يشتمن رهطي

و أن يملكن إبرامي و نقضي( ٢)

«فإنّ المرأة ريحانة» و قد عبّر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عنهن بالقوارير، فقال لانجشه لمّا حدا بأزواجه في حجّة الوداع فأسرعت الإبل: «رفقا بالقوارير»( ٣) .

هذا، و رأى رجل امرأة فأنشد:

إنّ النساء شياطين خلقن لنا

نعوذ باللّه من شرّ الشياطين

____________________

(١) الأغاني ٢٣: ١٦٣ دار احياء التراث العربي.

(٢) الأغاني ١٠: ١١ دار احياء التراث العربي.

(٣) الكافي ٤: ٢٩ قرّ و اسد ١ ح ١٢١.

٤٦٢

فأنشدت المرأة:

إنّ النساء رياحين خلقن لكم

لا بدّ للناس من شمّ الرياحين

و في (الأغاني) عن علي بن يحيى قال الحسين بن الضحاك: أنشدت ابن مناذر قصيدتي التي أقول فيها «لفقدك ريحانة العسكر» و كانت أول ما قلته من الشعر، فأخذ رداه و رمى به إلى السقف و تلقاه برجله و جعل يردد هذا البيت، فقلنا له: أ تراه فعل ذلك استحسانا لمّا قلت؟ إنّما فعله طنزا بك. فشتمه و شتمنا و كنّا بعد ذلك نسأله إعادة هذا البيت فيرمي بالحجارة، و يجدّد شتم ابن مناذر بأقبح ما يقدر عليه( ١) .

قلت: وجه عيب بيته أنّه لا مناسبة لإضافة الريحانة إلى العسكر.

«و ليست بقهرمانة» في النهاية: في الخبر «كتب إلى قهرمانه» هو كالخازن و الوكيل الحافظ لمّا تحت يده و القائم بامور الرجل بلغة الفرس( ٢) .

في تنبيه المسعودي: كانت في أيام المقتدر أمور لم يكن مثلها في الاسلام، منها غلبة النساء على الملك و التدبير، حتى أن جارية لامّه تعرف بثمل القهرمانة كانت تجلس للنظر في مظالم الخاصة و العامة، و يحضرها الوزير و الكاتب و القضاة و أهل العلم( ٣) .

و في (كامل الجزري) في سنة (٣١٠) قبض المقتدر على ام موسى القهرمانة بسبب أنّها زوجت ابنة اختها من أحمد بن محمد بن إسحاق بن المتوكل، و اكثرت من النثار و الدعوات و صرفت أموالا جليلة، فسعت أعداؤها بها إلى المقتدر و قالوا له قد سعت في الخلافة لأحمد، فقبض عليها و أخذ منها

____________________

(١) الأغاني ٧: ٢١٤ دار احياء التراث العربي.

(٢) النهاية ٤: ١٢٩ قهرم.

(٣) التنبيه و الاشراف: ٣٢٨.

٤٦٣

أموالا عظيمة و جواهر نفيسة( ١) .

هذا، و في (عيون القتيبي) قال خالد الحذّاء: خطبت امرأة من بني أسد فجئت لأنظر إليها و بيني و بينها رواق يشف، فدعت بجفنة مملوة ثريدا مكلّلة باللحم فأتت على آخرها، و اتيت بإناء مملوّ لبنا أو نبيذا فشربته حتى كفأته، ثم قالت: يا جارية ارفعي السجف فإذا هي جالسة على جلد أسد و إذا شابة جميلة فقالت: يا عبد اللّه أنا أسدة من بني أسد على جلد أسد و هذا مطعمي و مشربي، فإن أحببت أن تتقدّم فافعل، فقلت: أنظر. فخرجت و لم أعد( ٢) .

«و لا تعد» بضم الدّال، أي: لا تتجاوز.

«بكرامتها نفسها، و لا تطمعها في أن تشفع لغيرها» و «بغيرها» في (المصرية) غلط. في (الطبري): قيل إن وفاة الهادي كانت من قبل جوار لامّه الخيزران كانت أمرتهن بقتله، فذكروا أنّ الهادي نابذ امّه و نافرها لمّا صارت إليه الخلافة، فصارت «خالصته» إليه يوما فقالت: إن امك تستكسيك فأمر لها بخزانة مملوة كسوة و وجد للخيزران في منزلها من قراقر الوشي ثمانية عشر ألف قرقر و كانت الخيزران في أوّل خلافة ابنها تقتات عليه في أموره و تسلك به مسلك أبيه من قبل في الاستبداد بالأمر و النهي، فأرسل إليها ألاّ تخرجي من خفر الكفاية إلى بذاءة التبذّل فإنّه ليس من قدر النساء الاعتراض في أمر الملك، و عليك بصلاتك و تسبيحك و تبتّلك و لك بعد هذا طاعة مثلك فيما يجب لك، و كانت كثيرا ما تكلّمه في الحوائج فكان يجيبها إلى كلّ ما تسأله حتى مضت أربعة أشهر من خلافته و انثال الناس عليها و طمعوا فيها، فكانت المواكب تغدو إلى بابها، فكلمته يوما في أمر لم يجد إلى إجابتها فيه سبيلا،

____________________

(١) الكامل في التاريخ ٨: ١٣٧ س ٣١٠.

(٢) عيون الأخبار لابن قتيبة ٤: ٩ دار الكتب العلمية بيروت.

٤٦٤

فاعتلّ بعلّة فقالت: لا بدّ من اجابتي. قال: لا أفعل. قالت: فإني قد تضمنت هذه الحاجة لعبد اللّه بن مالك، فغضب موسى و قال: ويل عليّ بن الفاعلة قد علمت أنّه صاحبها و اللّه لاقضيتها لك. قالت: إذن و اللّه لا أسألك حاجة أبدا. قال: إذن و اللّه لا ابالي. و حمي و غضب، فقامت مغضبة فقال: مكانك حتّى تستوعبي كلامي، و اللّه لئن بلغني أنّه وقف ببابك أحد من قوّادي أو أحد من خواصّي أو خدمي لأضربنّ عنقه و أقبضنّ ماله، فمن شاء فليلزم ذلك، ما هذه المواكب التي تغدو و تروح إلى بابك كلّ يوم؟ أما لك مغزل يشغلك أو مصحف يذكرك أو بيت يصونك؟ إيّاك ثم إيّاك ما فتحت بابك لملّيّ و لا ذمّيّ. فانصرفت ما تعقل ما تطأ، فلم تنطق عنده بحلوة و لا مرة بعدها.

و قال بعض الهاشميين: ان سبب موته أنّه لمّا جد في خلع هارون و البيعة لابنه جعفر خافت الخيزران على هارون منه، فدست إليه من جواريها لمّا مرض من قتله بالغم و الجلوس على وجهه، و وجهت إلى يحيى بن خالد أن الرجل قد توفي فاجدد في أمرك و لا تقصر( ١) .

هذا، و قد أخذ الحجّاج أكثر فقرات كلامهعليه‌السلام في قصة له مع الوليد ففي (المروج): وفد الحجّاج على الوليد فوجده في بعض نزهه فاستقبله، فلمّا رآه ترجل له و جعل يمشي و عليه درع و كنانة و قوس عربية، فقال له الوليد: إركب.

فقال: دعني استكثر من الجهاد، فإنّ ابن الزبير و ابن الأشعث شغلاني عنك، فعزم عليه الوليد حتى ركب و دخل الوليد داره و تفضّل في غلاله ثم أذن للحجّاج فدخل عليه في حاله تلك و أطال الجلوس عنده، فبينما هو يحادثه إذ جاءت جارية فسارّت الوليد و مضت ثم عادت فسارته ثم انصرفت، فقال الوليد للحجّاج: أ تدري ما قالت هذه؟ قال: لا. قال: بعثتها إليّ ابنة عمّي امّ البنين

____________________

(١) تاريخ الطبري ٨: ٢٠٥ دار سويدان بيروت.

٤٦٥

بنت عبد العزيز تقول: ما مجالستك لهذا الأعرابي المتسلح و أنت في غلالة، فأرسلت إليها: إنّه الحجّاج، فراعها ذلك و قالت: و اللّه ما أحب أن يخلو بك و قد قتل الخلق. فقال له الحجّاج: دع عنك مفاكهة النساء بزخرف القول فإنّما المرأة ريحانة و ليست بقهرمانة، و لا تطلعهن على سرّك و لا مكايدة عدوك، و لا تطمعهن في غير أنفسهن و لا تشغلهن بأكثر من زينتهن، و إيّاك و مشاورتهن في الأمور فإنّ رأيهن إلى أفن و عزمهن إلى وهن، و اكفف عليهنّ من أبصارهن بحجبك و لا تملّك الواحدة منهن من الامور ما تجاوز نفسها، و لا تطمعها في أن تشفع عندك لغيرها و لا تطل الجلوس معهن فان ذلك أوفر لعقلك و أبين لفضلك. ثم نهض فخرج و دخل الوليد على امّ البنين، فقالت: احبّ أن تأمره غدا بالتسليم عليّ. فقال: أفعل. فلمّا غدا الحجّاج عليه قال له: سر إلى امّ البنين فسلّم عليها فقال: أعفني من ذلك. فقال: لا بدّ من ذلك، فمضى إليها فحجبته طويلا ثم أذنت له فأقرّته قائما و لم تأذن له في الجلوس، ثم قالت له: أيه يا حجّاج أنت الممتن بقتل ابن الزبير و ابن الاشعث، أما و اللّه لو لا أن اللّه جعلك أهون خلقه ما ابتلاك برمي الكعبة. و قالت له فيما قالت: لقد استعلى عليك ابن الأشعث حتى عجعجت و والى عليك الهرار حتى عويت، فلو لا أن الخليفة نادى في أهل اليمن و أنت في أضيق من القرن فأظلّتك رماحهم و علاك كفاحهم لكنت مأسورا قد أخذ الذي فيه عيناك، و على هذا فإن نساء الخليفة قد نفضن العطر عن غدائرهن و بعنه في أعطية أوليائه، و أما ما أشرت على الخليفة من قطع لذاته و بلوغ أو طاره من نسائه، فإن ينفرجن عن مثل الخليفة فغير مجيبك إلى ذلك، و ان ينفرجن عن مثل ما انفرجت به امّك البظراء عنك من قبح المنظر يا لكع، فما أحقه أن يقتدي بقولك، قاتل اللّه الذي يقول:

أسد عليّ و في الحروب نعامة

فتخاء تنفر من صفير الصافر

٤٦٦

هلاّ برزت إلى غزالة في الوغى

بل كان قلبك في جناحي طائر

ثم أمرت جارية لها فأخرجته، فلمّا دخل على الوليد قال له: ما كنت فيه؟

قال: و اللّه ما سكتت حتى كان بطن الأرض أحب إلي من ظهرها. قال: انها بنت عبد العزيز( ١) .

هذا، و لمّا تخاصم الفرزدق و امرأته إلى ابن الزبير إستشفع خبيب بن عبد اللّه إبن الزبير للفرزدق عند أبيه، و استشفعت امرأة ابن الزبير لامرأة الفرزدق عنده، فقضى ابن الزبير لامرأة الفرزدق، فقال الفرزدق:

ليس الشفيع الذي يأتيك متّزرا

مثل الشفيع الذي يأتيك عريانا

و قال آخر:

و نبئت ليلى أرسلت بشفاعة

إليّ فهلا نفس ليلى شفيعها؟

«و إيّاك و التغاير في غير موضع غيرة فإنّ ذلك يدعو الصحيحة إلى السقم و البريئة إلى الريب» في (عيون ابن قتيبة) قال الخريمي:

ما أحسن الغيرة في حينها

و أقبح الغيرة في غير حين

من لم يزل متّهما عرسه

مناصبا فيها لرجم الظنون

يوشك أن يغريها بالذي

يخاف أو ينصبها للعيون( ٢)

هذا، و نسب (عيون ابن قتيبة) كلامهعليه‌السلام في هذه الوصية في النساء من أوله إلى هنا إلى ابن المقفع( ٣ ) ، و هل ذلك إلاّ جهل منه أو عناد، فإنّ كون ذلك كلامهعليه‌السلام ثبت بالأسانيد المستفيضة كما عرفت، ثم كيف كون الأصل فيه ابن المقفع و قد عرفت أن الحجّاج استعمل أكثره في قصته مع الوليد.

«و اجعل لكلّ إنسان من خدمك عملا تأخذه به فإنّه أحرى ألاّ يتواكلوا في

____________________

(١) مروج الذهب ٣: ١٥٨ ١٦٠.

(٢) عيون الاخبار ٤: ٧٨ دار الكتب العلمية بيروت.

(٣) عيون الاخبار ٤: ٧٨ دار الكتب العلمية بيروت.

٤٦٧

خدمتك» قال ابن أبي الحديد: قال ابرويز لولده شيرويه: انظر إلى كتّابك، فمن كان منهم ذا ضياع قد أحسن عمارتها فولّه الخراج، و من كان منهم ذا عبيد قد أحسن سياستهم و تثقيفهم فولّه الجند، و من كان منهم ذا سراري و ضرائر قد أحسن القيام عليهنّ فولّه النفقات و القهرمة، و هكذا فاصنع في خدم دارك، و لا تجعل أمرك فوضى بين خدمك، فيفسد عليك ملكك( ١) .

«و أكرم عشيرتك فإنّهم جناحك الذي به تطير، و أصلك الذي إليه تصير و يدك الّتي بها تصول» هكذا في (المصرية و ابن أبي الحديد) و لكن ليس في (ابن ميثم) و الخطية فقرة «و أصلك الذي إليه تصير»( ٢) .

و كيف كان فزاد في رواية الكليني و الحلبي بعدها «و بهم تصول و هم العدّة عند الشدة، فأكرم كريمهم، و عد سقيمهم، و أشركهم في أمورهم، و تيسّر عند معسورهم»( ٣) .

قال ابن أبي الحديد روى أبو عبيدة أنّ الفرزدق كان لا ينشد بين يدي الخلفاء و الامراء إلاّ قاعدا، فدخل على سليمان يوما فأنشده شعرا فخر فيه بآبائه و قال من جملته:

تاللّه ما حملت من ناقة رجلا

مثلي إذا الريح لفّتني على الكور

فقال سليمان: هذا المدح لي أو لك؟ قال: لي و لك، فغضب سليمان و قال:

قم فأتمم و لا تنشد بعده إلاّ قائما. فقال: لا و اللّه أو تسقط على الأرض أكثري شعرا( ٤ ) فقال سليمان: ويلي على الأحمق ابن الفاعلة، لا يكنّي. و ارتفع صوته، فسمع الضوضاء بالباب فقال: ما هذا. قيل: بنو تميم على الباب يقولون:

____________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ١٦: ١٢٨.

(٢) شرح ابن أبي الحديد ١٦: ١٢٢.

(٣) كشف المحجة: ١٧٣، و تحف العقول: ٨٨. و لفظ الكشف: «بهم تصول و بهم تطول اللذة عند الشدة».

(٤) يقصد به رأسه. أي: يقتله.

٤٦٨

لا ينشد الفرزدق قائما و أيدينا في مقابض سيوفنا. قال: فلينشد قاعدا.

قال: و روى المرزباني قال: كان الوليد بن جابر بن ظالم الطائي ممّن وفد على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فأسلم ثم صحب علياعليه‌السلام و شهد معه صفّين و كان من رجاله المشهورين، ثم وفد على معاوية في الاستقامة و كان معاوية لا ينسبه معرفة بعينه، فدخل عليه في جملة الناس، فلمّا انتهى إليه استنسبه فانتسب له فقال: أنت صاحب ليلة الهرير؟ قال: نعم. قال: و اللّه ما تخلو مسامعي من رجزك تلك الليلة و قد علا صوتك أصوات الناس و أنت تقول:

شدوا فداء لكم أمي و أب

فإنّما الأمر غدا لمن غلب

هذا ابن عمّ المصطفى و المنتجب

تنميه للعلياء سادات العرب

ليس بموصوم إذا نصّ النّسب

أوّل من صلّى و صام و اقترب

قال: نعم أنا قائلها. قال: فلما ذا قلتها؟ قال: لأنّا كنّا مع رجل لا يعلم خصلة توجب الخلافة و لا فضيلة تصير إلى التقدمة إلاّ و هي مجموعة له، كان أوّل الناس سلما و أكثرهم علما و أرجحهم حلما، فات الجياد فلا يشق غباره و يستولي على الأمد فلا يخاف عثاره، و أوضح منهج الهدى فلا يبيد مناره و سلك القصد فلا تدرس آثاره، فلمّا ابتلانا اللّه تعالى بافتقاده، و حوّل الأمر إلى من شاء من عباده، دخلنا في جملة المسلمين فلم ننزع يدا عن طاعة، و لم نصدع صفاة جماعة، على أنّ لك منّا ما ظهر و قلوبنا بيد اللّه و هو أملك بها منك، فاقبل صفونا و أعرض عن كدرنا و لا تثركوا من الأحقاد فإنّ النار تقدح بالزناد. فقال له معاوية: و إنّك تهدّدني يا أخا طي بأوباش العراق أهل النفاق و معدن الشقاق فقال: يا معاوية هم الذين أشرقوك بالريق و حبسوك في المضيق، و ذادوك عن سنن الطريق حتى لذت منهم بالمصاحف و دعوت إليها من صدق بها و كذبت، و آمن بمنزلها و كفرت و عرف من تأويلها ما أنكرت.

٤٦٩

فغضب معاوية و أدار طرفه في من حوله فإذا جلّهم من مضر و نفر قليل من اليمن فقال: أيّها الشقيّ الخائن إنّي لأخال أنّ هذا آخر كلام تفوه به، و كان عفير بن سيف بن ذي يزن بباب معاوية حينئذ، فعرف موقف الطائي و مراد معاوية فخافه عليهم فهجم عليه الدار و أقبل على اليمانية فقال: شاهت الوجوه ذلاّ و قلاّ، كشم اللّه هذه الانوف كشما مرعبا، ثم التفت إلى معاوية فقال: إنّي و اللّه يا معاوية ما أقول قولي هذا حبّا لأهل العراق و لا جنوحا إليهم و لكن الحفيظة تذهب الغضب، و لقد رأيتك بالأمس خاطبت أخا ربيعة يعني صعصعة بن صوحان و هو أعظم جرما عندك من هذا و أذكى لقلبك و أصدع لصفاتك و أجد في عداوتك ثم أثبته و سرحته، و أنت الآن مجمع على قتل هذا زعمت استصغارا لجماعتنا و إنّا لا نمرّ و لا نخلى، و لعمري لو وكلتك أبناء قحطان إلى قومك لكان جدك العاثر و ذكرك الداثر و حدك المفلول و عرشك المثلول، فأربع على ظلعك و اطونا على بلالتنا، ليسهل لك حزننا و يتطامن لك شاردنا، فانّا لا نرأم بوقع الضيم و لا نتلمظ جرع الخسف، و لا نغمز بغماز الفتن و لا نذر على الغضب. فقال معاوية: الغضب شيطان فأربع نفسك أيّها الانسان فإنّا لم نأت إلى صاحبك مكروها فدونكه فانّه لم يضق عنه حلمنا و يسع غيره. فأخذ عفير بيد الوليد إلى منزله و قال له: و اللّه لتؤوبن بأكثر ممّا آب به معديّ من معاوية و جمع من بدمشق من اليمانيّة و فرض على كلّ رجل دينارين في عطائه فبلغت أربعين ألفا فتعجّلها من بيت المال و دفعها إلى الوليد و ردّه إلى العراق( ١) .

قلت: و في (الطبري) بعد ذكر أن زيادا بعث حجر بن عدي و الأرقم الكندي و شريك الحضرمي و صيفي، و قبيصة العبسي و كريم الخثعمي،

____________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ١٦: ١٢٩ ١٣١.

٤٧٠

و عاصم البجلي و ورقاء البجلي، و كدام العنزي و عبد الرحمن العنزي، و محرز المنقري و ابن حوية السعدي، و عتبة الأخنس و سعد بن نمران إلى معاوية ليقتلهم فقام يزيد ابن أسد البجلي إلى معاوية و قال له: هب لي ابني عمّي يعني عاصم البجلي و ورقاء البجلي و قد كان جرير بن عبد اللّه كتب فيهما أنّ امرأين من قومي من أهل الجماعة و الرأي الحسن سعى بهما ساع ظنين إلى زياد، فبعث بهما في النفر الكوفيين الذين وجّه بهم زياد و هما ممّن لا يحدث حدثا في الإسلام و لا بغيا على الخليفة فلينفعهما ذلك، فلمّا سأل لهما يزيد، ذكر معاوية كتاب جرير، فقال: قد كتب إليّ فيهما ابن عمك جرير محسنا عليهما الثناء و هو أهل أن يصدق قوله و قد سألتني ابني عمك فهما لك و طلب وائل بن حجر في الأرقم فتركه له، و طلب ابن الأعور السلمي في عتبة بن الأخنس فوهبه له، و طلب حمزة بن مالك الهمداني في سعد بن نمران الهمداني فوهبه له، و كلّمه حبيب ابن مسلمة في ابن حوية فخلّى سبيله.

إلى أن قال بعد ذكر قتل حجر و من أبى من أصحابه التبرّي منهعليه‌السلام حتى قتلوا ستة: فقال عبد الرحمن العنزي و كريم الخثعمي: إبعثوا بنا إلى معاوية فنحن نقول في هذا الرجل مثل مقالته، فبعثوا بهما إليه فقال معاوية للخثعمي: ما تقول في علي؟ قال: أقول فيه قولك تبرّأ من دين علي الذي كان يدين اللّه به، فسكت معاوية و كره أن يجيبه، فقال له شمر بن عبد اللّه: هب لي ابن عمي. قال: هو لك غير أنّي حابسه شهرا. ثم قال لعبد الرحمن العنزي: يا أخا ربيعة ما قولك في عليّ؟ قال: دعني و لا تسألني فإنّه خير لك. قال: و اللّه لا أدعك حتى تخبرني عنه. قال: أشهد أنّه كان من الذاكرين اللّه كثيرا و من الآمرين بالحق و القائمين بالقسط و العافين عن الناس. قال: فما قولك في عثمان؟ قال: هو أوّل من فتح باب الظلم و أرتج أبواب الحق. قال: قتلت نفسك.

٤٧١

قال: بل إيّاك قتلت و لا ربيعة بالوادي. قال: هذا حين كلّم شمر الخثعمي في كريم الخثعمي صاحبه فسلم و لم يكن له أحد من قومه يكلّم فيه، فبعث به معاوية إلى زياد و كتب إليه: إنّ هذا العنزي شر من بعثت فعاقبه و اقتله شرّ قتلة، فبعث به زياد إلى قس الناطف فدفن حيّا( ١) .

«استودع اللّه دينك و دنياك» حتى يحفظهما لك.

«و أسأل اللّه خير القضاء لك في العاجلة و الآجلة» زاد في رواية الكليني و الحلبي «و استعن باللّه على امورك، فإنّه أكفى معين»( ٢) .

«و السّلام» هكذا في (المصرية) و الصواب: ما في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم):( ٣ ) هذا و زاد (الرسائل و التحف) في مطاوي الفقرات فقرات اخرى لم نستقصها و إنّما نقلنا بعضها، فمن أرادها فليراجعها.

٣ - الكتاب (٥٣) و من كتاب لهعليه‌السلام كتبه للأشتر النخعي لمّا ولاّه على مصر و أعمالها حين اضطرب أمر محمد بن أبي بكر، و هو أطول عهد و أجمع كتبه للمحاسن:

بِسْمِ اَللَّهِ اَلرَّحْمَنِ اَلرَّحِيمِ هَذَا مَا أَمَرَ بِهِ عَبْدُ اَللَّهِ؟ عَلِيٌّ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ؟

مَالِكَ بْنَ اَلْحَارِثِ اَلْأَشْتَرَ؟ فِي عَهْدِهِ إِلَيْهِ حِينَ وَلاَّهُ؟ مِصْرَ؟ جِبَايَةَ خَرَاجِهَا وَ جِهَادَ عَدُوِّهَا وَ اِسْتِصْلاَحَ أَهْلِهَا وَ عِمَارَةَ بِلاَدِهَا أَمَرَهُ بِتَقْوَى اَللَّهِ

____________________

(١) تاريخ الطبري ٥: ٢٧٤ دار سويدان بيروت.

(٢) كشف المحجة: ١٧٣، و تحف العقول: ٨٨.

(٣) شرح ابن أبي الحديد ١٦، و في تحف العقول: ٨٨ «و أسأله خير القضاء لك في الدنيا و الآخرة. و السّلام».

٤٧٢

وَ إِيْثَارِ طَاعَتِهِ وَ اِتِّبَاعِ مَا أَمَرَ بِهِ فِي كِتَابِهِ مِنْ فَرَائِضِهِ وَ سُنَنِهِ اَلَّتِي لاَ يَسْعَدُ أَحَدٌ إِلاَّ بِاتِّبَاعِهَا وَ لاَ يَشْقَى إِلاَّ مِنْ جُحُودِهَا وَ إِضَاعَتِهَا وَ أَنْ يَنْصُرَ اَللَّهَ سُبْحَانَهُ بِقَلْبِهِ وَ يَدِهِ وَ لِسَانِهِ فَإِنَّهُ جَلَّ اِسْمُهُ قَدْ تَكَفَّلَ بِنَصْرِ مَنْ نَصَرَهُ وَ إِعْزَازِ مَنْ أَعَزَّهُ وَ أَمَرَهُ أَنْ يَكْسِرَ مِنْ نَفْسِهِ مِنَ اَلشَّهَوَاتِ وَ يَزَعَهَا عِنْدَ اَلْجَمَحَاتِ فَإِنَّ اَلنَّفْسَ أَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ اَللَّهُ أقول: رواه ابن شعبة في (تحفه) مرسلا( ١ ) و الشيخ و النجاشي في (فهرستيهما) مسندا. قال الشيخ في عنوان الأصبغ روى عهد مالك الأشتر، أخبرنا ابن أبي جيد عن محمد بن الحسن عن الحميري عن هارون بن مسلم و الحسن بن طريف جميعا عن الحسين بن علوان عن سعد بن طريف عن الأصبغ( ٢) .

و قال النجاشي في الأصبغ روى عهد مالك الأشتر، أخبرنا ابن الجندي، عن علي بن همام، عن الحميري، عن هارون بن مسلم، عن الحسين بن علوان، عن سعد بن طريف، عن الأصبغ بالعهد( ٣) .

قول المصنف (و من كتاب لهعليه‌السلام ) هكذا في (المصرية) و الصواب:

(و من عهد له) كما في الخطية و ابن أبي الحديد و ابن ميثم( ٤) .

(كتبه للاشتر النخعي) المذحجي، قال ابن ميثم روي أنّ الطّرمّاح لمّا دخل على معاوية قال له: قل لابن أبي طالب إنّي جمعت من العساكر بعدد حب جاورس الكوفة و ها أنا قاصده. فقال له الطّرمّاح: إنّ لعليّ ديكا أشتر يلتقط جميع ذلك، فانكسر معاوية.

____________________

(١) تحف العقول: ١٢٦.

(٢) فهرست الطوسي: ٣٨.

(٣) النجاشي: ٦.

(٤) شرح ابن أبي الحديد ١٧: ٣٠.

٤٧٣

قلت: خبر الطّرمّاح خبر رواه الاختصاص لكنه خبر منكر( ١) .

(لمّا ولاّه) هكذا في (المصرية) و الكلمتان زائدتان فليستا في (الخطية و ابن أبي الحديد( ٢ ) و ابن ميثم) «على مصر و أعمالها» أي: توابعها (حين اضطرب أمر محمد ابن أبي بكر) هكذا في (المصرى) ه و الصواب: (أمر أميرها محمد بن أبي بكر)، و زاد (ابن ميثم) و الخطية «رحمه اللّه».

«و هو أطول عهد و أجمع كتبه للمحاسن» و الصواب: «و هو أطول عهد كتبه و أجمعه للمحاسن» كما في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية)( ٣) .

قولهعليه‌السلام «بسم اللّه الرحمن الرحيم» حيث إن هذا العهد كان ككتاب مستقل افتتحه بالبسملة و إلاّ فليس في باقي كتبه و وصاياه و عهوده بسملة.

«هذا ما أمر به عبد اللّه عليّ أمير المؤمنين مالك بن الحرث» بن عبد يغوث ابن مسلمة بن ربيعة بن الحارث بن جذيمة بن سعد بن مالك بن النخع من مذحج كما في (ذيل الطبري)( ٤) .

«في عهده إليه» و ايصائه إليه «حين ولاّه مصر جباية» هكذا في (المصرية و ابن أبي الحديد( ٥ ) و لكن في ابن ميثم و الخطية (جبوة) و كلاهما صحيح، فالجباية مصدر جبيت الخراج، و الجبوة مصدر، جبوت الخراج.

«و جهاد عدوها» العثمانيّة.

«و استصلاح أهلها» بالرفق مع المخالفين.

«و عمارة بلادها» بإفشاء الزرع و الغرس.

____________________

(١) اختصاص: ١٣٨ ١٤١.

(٢) شرح ابن أبي الحديد ١٧: ٣٠.

(٣) نفس المصدر.

(٤) ذيل المذيل: ١٤٨.

(٥) شرح ابن أبي الحديد ١٧: ٣٠.

٤٧٤

«أمره بتقوى اللّه» قال تعالى: و اتّقون يا اولي الألباب( ١) .

هذا، و في (كامل الجزري): كان عبد الملك أوّل من نهى عن الأمر بالمعروف، فقال بعد قتل ابن الزبير: و لا يأمرني أحد بتقوى اللّه بعد مقامي هذا إلاّ ضربت عنقه( ٢) .

«و ايثار» أي: اختيار.

«طاعته» على طاعة الناس لأنّهم عبيده و تحت يده.

«و اتّباع ما أمر به في كتابه من فرائضه و سننه» الفريضة و السنة تأتيان بمعان:

أحدها الفريضة ما علم وجوبه من القرآن، و السنة ما علم وجوبه من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال الصدوق في الفقيه: و قد يجزي الغسل من الجنابة عن الوضوء لأنّهما فرضان اجتمعا فأكبرهما يجزي عن أصغرهما، و من اغتسل لغير الجنابة فليبدأ بالوضوء ثم يغتسل و لا يجزيه الغسل عن الوضوء لأن الغسل سنّة و الوضوء فرض و لا تجزي سنّة عن فرض( ٣ ) و هما بهذا المعنى في معنى الكتاب و السنة.

و ثانيها الفرض الواجب و السنة المسنونة، و هما بهذا المعنى في معنى الواجب و المستحب.

و ثالثها، الفرض: الواجبات العظيمة كتابا و سنة، و السنن: الواجبات التي ليست بتلك الدرجة كتابا و سنة، و لعلّهما بهذا المعنى وردا في كلامهعليه‌السلام .

____________________

(١) البقرة: ١٩٧.

(٢) الكامل في التاريخ ٤: ٥٢٢ ح ٨٦.

(٣) فقيه من لا يحضره الفقيه ١: ٤٦.

٤٧٥

«التي لا يسعد أحد إلاّ باتّباعها» و من يطع اللّه و الرسول فأولئك مع الذين أنعم اللّه عليهم من النبيّين و الصدّيقين و الشهداء و الصالحين و حسن أولئك رفيقا. ذلك الفضل من اللّه و كفى باللّه عليما( ١ ) ، و من يطع اللّه و رسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها و ذلك الفوز العظيم( ٢) .

«و لا يشقى إلاّ مع جحودها و إضاعتها» و من يعص اللّه و رسوله فقد ضل ضلالا مبينا( ٣ ) ، و من يعص اللّه و رسوله و يتعدّ حدوده يدخله نارا خالدا فيها و له عذاب مهين( ٤ ) ، فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة و اتّبعوا الشهوات فسوف يلقون غيّا( ٥) .

«و أن ينصر اللّه سبحانه بقلبه و يده» هكذا في (المصرية) و الصواب: (بيده و قلبه) كما في ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية( ٦) .

«و لسانه» حتى يكون نصره كاملا بإنكار قلبه للمنكر و مقال لسانه في النهي عن المنكر و جهاد يده لرفعه، قال تعالى: و جاهدوا في اللّه حقّ جهاده( ٧) .

«فإنّه جلّ اسمه قد تكفّل بنصر من نصره و إعزاز من أعزّه» إنّ تنصروا اللّه ينصركم و يثبّت أقدامكم( ٨) .

«و أمره أن يكسر نفسه من الشهوات» هكذا في (المصرية) و الصواب: (من

____________________

(١) النساء: ٦٩ ٧٠.

(٢) النساء: ١٣.

(٣) الاحزاب: ٣٦.

(٤) النساء: ١٤.

(٥) مريم: ٥٩.

(٦) شرح ابن أبي الحديد ١٧: ٣٠.

(٧) الحج: ٧٨.

(٨) محمّد: ٧.

٤٧٦

نفسه عند الشهوات) كما في ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية( ١ ) عنهمعليهم‌السلام : اذكروا انقطاع اللذّات و بقاء التبعات( ٢) .

«و يزعها» أي: يكفّها.

«عند الجمحات» من جمح الفرس براكبه: ذهب يجري حربا غالبا و اعتزّ فارسه و غلبه، يقال: «دابة ما بها رمحة و لا جمحة» قال الشاعر:

خلعت عذاري جامحا لا يردّني

عن البيض أمثال الدّمى زجر زاجر( ٣)

قال تعالى و أمّا من خاف مقام ربّه و نهى النفس عن الهوى. فإنّ الجنّة هي المأوى( ٤) .

«فإنّ النّفس أمّارة بالسّوء إلاّ ما رحم اللّه» زاد في رواية (التحف): «إنّ ربّي غفور رحيم» و أن يعتمد كتاب اللّه عند الشّبهات فإنّ فيه تبيان كلّ شي‏ء و هدى و رحمة لقوم يؤمنون، و أن يتحرّى رضا اللّه و لا يتعرّض لسخطه و لا يصرّ على معصيته فإنّه لا ملجأ من اللّه إلاّ إليه( ٥) .

«ثمّ اعلم يا مالك أنّي قد وجهتك إلى بلاد قد جرت عليها دول قبلك من عدل و جور» في (المروج): الذي اتفقت عليه التواريخ مع تباين ما فيها أنّ عدّة ملوك مصر من الفراعنة و غيرها اثنان و ثلاثون فرعونا، و من ملوك بابل ممّن تملّك على مصر خمسة، و من العماليق الذين ظهروا إليها من بلاد الشام أربعة، و من الروم سبعة، و من اليونانيين عشرة، و ذلك قبل المسيحعليه‌السلام ،

____________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ١٧: ٣٠.

(٢) البحار ٧٣: ٣٦٤، رواية ٩٦، باب ١٣٧.

(٣) أورده أساس: ٦٣ جمح، و لسان العرب ٢: ٤٢٦، جمح.

(٤) النازعات: ٤٠ ٤١.

(٥) تحف العقول: ١٢٦.

٤٧٧

و ملكها من الفرس من قبل الأكاسرة، و كانت مدّة من ملك مصر من الفراعنة و الروم و العماليق و اليونانيين ألف سنة و ثلاثمائة( ١) .

هذا، و في (الأنوار) أن الخضرعليه‌السلام سئل عن أعجب شي‏ء رآه فقال: إنّي مررت على مدينة و لم أر على وجه الأرض أحسن منها فسألت بعضهم متى بنيت هذه المدينة فقالوا: سبحان اللّه ما تذكر آباؤنا و لا أجدادنا متى بنيت، ثم غبت عنها نحوا من خمسمائة سنة و عبرت عليها بعد ذلك فإذا هي خاوية على عروشها و لم أر أحدا أسأله، و إذا رعاة غنم فسألتهم عنها فقالوا: لا نعلم، فغبت نحوا من خمسمائة سنة ثم انتهيت إليها فإذا موضع تلك المدينة بحر و إذا غوّاصون يخرجون منها اللؤلؤ، فقلت لبعضهم: منذ كم هذا البحر هاهنا؟ فقالوا: سبحان اللّه ما يذكر آباؤنا و لا أجدادنا إلاّ أنّ هذا البحر هاهنا، ثم غبت عنه نحوا من خمسمائة سنة ثم انتهيت إليه فإذا ذلك البحر قد غاض و إذا مكانه أجمة ملتفة بالقصب و البردي و بالسباع، و إذا صيّادون يصيدون السمك في زوارق صغار، فقلت لبعضهم: أين البحر الذي كان هاهنا. فقالوا:

سبحان اللّه ما يذكر آباؤنا و لا أجدادنا أنّه كان بحر هاهنا قطّ، فغبت عنه نحوا من خمسمائة سنة ثم انتهيت إليه فإذا هو مدينة على حالته الاولى و الحصون و القصور و الأسواق قائمة فقلت لبعضهم أين الأجمة التي كانت، فقال، سبحان اللّه ما يذكر آباؤنا و لا أجدادنا إلاّ أنّ هذه على حالها، فغبت عنها نحوا من خمسمائة سنة فإذا هي عاليها سافلها و هي تدخن بدخان شديد و لم أر أحدا إلاّ راعيا، فسألته أين المدينة التي كانت هاهنا و متى حدث هذا الدخان؟

فقال: سبحان اللّه ما يذكر آباؤنا و لا أجدادنا إلاّ أنّ هذا الموضع كان هكذا( ٢) .

____________________

(١) مروج الذهب ١: ٤٠٦.

(٢) الأنوار النعمانية ٣: ٣٠٨.

٤٧٨

«و أنّ الناس ينظرون من أمورك في مثل ما كنت تنظر فيه من أمور الولاة قبلك» من حسن و قبيح.

«و يقولون فيك ما كنت تقول فيهم» من خير و شر.

و لأبي عبيدة كتاب في «من شكر من العمال و حمد»، و في (ميزان الذهبي) قال أبو حاتم: كان عنبسة بن خالد الايلي على خراج مصر و كان يعلق النساء بثديهن( ١) .

و في (السير) انّ الفضل بن مروان وزير المعتصم جلس يوما لأشغال الناس، فرفعت إليه قصص العامة مكتوبا فيها هذه الأبيات:

تفرعنت يا فضل بن مروان فاعتبر

فقبلك كان الفضل و الفضل و الفضل

ثلاثة أملاك مضوا لسبيلهم

أبادتهم الأقياد و الحبس و القتل

و انّك قد أصبحت في الناس ظالما

ستودي كما أودى الثلاثة من قبل

أراد بقوله «فقبلك كان الفضل و الفضل و الفضل بن يحيى البرمكي و الفضل بن الربيع و الفضل بن سهل، و ذكروا أن الفضل بن مروان هذا هو الذي أخذ البيعة للمعتصم و المعتصم بالروم فاستوزره لذلك و غلب عليه، فكان المعتصم يأمر بإعطاء المغنّي و النديم فلا ينفّذ الفضل ذلك، فحقد المعتصم عليه لذلك و نكبه و أهل بيته و جعل مكانه ابن الزيّات، فشمت به الناس لرداءة أفعاله فقالوا:

لتبك على الفضل بن مروان نفسه

فليس له باك من الناس يعرف

و قال المعتصم: عصى اللّه في طاعتي فسلّطني عليه( ٢) .

و في (كامل الجزري): و في سنة (٤١٣) قتل المعز بن باديس صاحب

____________________

(١) ميزان الاعتدال ٣: ٢٩٨ ٦٤٩٩ دار المعرفة بيروت.

(٢) وفيات الأعيان ٤: ٤٥ دار صادر بيروت، شذرات الذهب: ٢: ١٢٢ دار الآفاق الجديدة بيروت.

٤٧٩

افريقية وزيره و صاحب جيشه أبا عبد اللّه محمد بن الحسن، و يحكى عن وزيره قال: سهرت ليلة افكّر في شي‏ء أحدثه في الناس و اخرجه عليهم من التي التزمتها، فنمت فرأيت عبد اللّه بن محمد الكاتب و كان وزير والد المعز و كان عظيم القدر و هو يقول لي: اتق اللّه في الناس كافة و في نفسك خاصة فقد أسهرت عينيك و أبرمت حافظيك، و قد بدا لي منك ما خفي عليك، و عن قليل ترد ما وردنا و تقدم على ما قدمنا، فاكتب عنّي ما أقول و لا أقول إلاّ حقّا فأملى عليّ:

وليت و قد رأيت مصير قوم

هم كانوا السماء و كنت أرضا

سموا درج العلا حتى اطمأنّوا

و مدّ بهم فعاد الرفع خفضا

و أعظم اسوة لك بي لأنّي

ملكت و لم أعش طولا و عرضا

فلا تغترّ بالدنيا و أقصر

فان أوان أمرك قد تقضّى

فانتبهت مرعوبا و رسخت الأبيات في حفظي و لم يبق بعد هذا المقام غير شهرين حتى قتل( ١) .

«و إنّما يستدل على الصالحين بما يجري اللّه لهم على ألسن عباده» يقال «ألسنة الخلق أقلام الحق»، و امّا ما يتّفق من ثناء الناس لبعض امراء الباطل و العلماء المرائين المتصنّعين فإنّما هو على لسان العوام و من في قلبه مرض، و أمّا العارفون المستقيمون فحاشا و كلاّ.

«فليكن أحبّ الذخائر إليك ذخيرة العمل الصالح» قال تعالى: المال و البنون زينة الحياة الدنيا و الباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا و خير أملا( ٢) .

____________________

(١) الكامل في التاريخ ٩: ٣٢٧ ٤١٣.

(٢) الكهف: ٤٦.

٤٨٠