بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٨

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة0%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 668

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

مؤلف: الشيخ محمد تقي التّستري
تصنيف:

الصفحات: 668
المشاهدات: 59644
تحميل: 3261


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 668 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • المشاهدات: 59644 / تحميل: 3261
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 8

مؤلف:
العربية

للكذب أكّالون للسّحت( ١) .

«فارفع الي حسابك و اعلم أن حساب اللّه أعظم من حساب الناس» و في (العيون): قدم معاذ بعد وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من اليمن على أبي بكر فقال له: ارفع حسابك. فقال: احسابان حساب من اللّه و حساب منكم، لا ألي لكم عملا أبدا.

١٠ - الكتاب (٤١) و من كتاب لهعليه‌السلام إلى بعض عمّاله:

أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي كُنْتُ أَشْرَكْتُكَ فِي أَمَانَتِي وَ جَعَلْتُكَ شِعَارِي وَ بِطَانَتِي وَ لَمْ يَكُنْ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِي أَوْثَقَ مِنْكَ فِي نَفْسِي لِمُوَاسَاتِي وَ مُوَازَرَتِي وَ أَدَاءِ اَلْأَمَانَةِ إِلَيَّ فَلَمَّا رَأَيْتَ اَلزَّمَانَ عَلَى اِبْنِ عَمِّكَ قَدْ كَلِبَ وَ اَلْعَدُوَّ قَدْ حَرِبَ وَ أَمَانَةَ اَلنَّاسِ قَدْ خَزِيَتْ وَ هَذِهِ اَلْأُمَّةَ قَدْ فَتَكَتْ وَ شَغَرَتْ قَلَبْتَ لاِبْنِ عَمِّكَ ظَهْرَ اَلْمِجَنِّ فَفَارَقْتَهُ مَعَ اَلْمُفَارِقِينَ وَ خَذَلْتَهُ مَعَ اَلْخَاذِلِينَ وَ خُنْتَهُ مَعَ اَلْخَائِنِينَ فَلاَ اِبْنَ عَمِّكَ آسَيْتَ وَ لاَ اَلْأَمَانَةَ أَدَّيْتَ وَ كَأَنَّكَ لَمْ تَكُنِ اَللَّهَ تُرِيدُ بِجِهَادِكَ وَ كَأَنَّكَ لَمْ تَكُنْ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَ كَأَنَّكَ إِنَّمَا كُنْتَ تَكِيدُ هَذِهِ اَلْأُمَّةَ عَنْ دُنْيَاهُمْ وَ تَنْوِي غِرَّتَهُمْ عَنْ فَيْئِهِمْ فَلَمَّا أَمْكَنَتْكَ اَلشِّدَّةُ فِي خِيَانَةِ اَلْأُمَّةِ أَسْرَعْتَ اَلْكَرَّةَ وَ عَاجَلْتَ اَلْوَثْبَةَ وَ اِخْتَطَفْتَ مَا قَدَرْتَ عَلَيْهِ مِنْ أَمْوَالِهِمُ اَلْمَصُونَةِ لِأَرَامِلِهِمْ وَ أَيْتَامِهِمُ اِخْتِطَافَ اَلذِّئْبِ اَلْأَزَلِّ دَامِيَةَ اَلْمِعْزَى اَلْكَسِيرَةَ فَحَمَلْتَهُ إِلَى؟ اَلْحِجَازِ؟ رَحِيبَ اَلصَّدْرِ بِحَمْلِهِ غَيْرَ مُتَأَثِّمٍ مِنْ أَخْذِهِ كَأَنَّكَ لاَ أَبَا لِغَيْرِكَ حَدَرْتَ إِلَى أَهْلِكَ تُرَاثَاً مِنْ أَبِيكَ وَ أُمِّكَ فَسُبْحَانَ اَللَّهِ أَ مَا تُؤْمِنُ بِالْمَعَادِ أَ وَ مَا تَخَافُ نِقَاشَ اَلْحِسَابِ

____________________

(١) المائدة: ٤٢.

٨١

أَيُّهَا اَلْمَعْدُودُ كَانَ عِنْدَنَا مِنْ ذُوِي اَلْأَلْبَابِ كَيْفَ تُسِيغُ شَرَاباً وَ طَعَاماً وَ أَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّكَ تَأْكُلُ حَرَاماً وَ تَشْرَبُ حَرَاماً وَ تَبْتَاعُ اَلْإِمَاءَ وَ تَنْكِحُ اَلنِّسَاءَ مِنْ مَالِ اَلْيَتَامَى وَ اَلْمَسَاكِينِ وَ اَلْمُؤْمِنِينَ وَ اَلْمُجَاهِدِينَ اَلَّذِينَ أَفَاءَ اَللَّهُ عَلَيْهِمْ هَذِهِ اَلْأَمْوَالَ وَ أَحْرَزَ بِهِمْ هَذِهِ اَلْبِلاَدَ فَاتَّقِ اَللَّهَ وَ اُرْدُدْ إِلَى هَؤُلاَءِ اَلْقَوْمِ أَمْوَالَهُمْ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ ثُمَّ أَمْكَنَنِي اَللَّهُ مِنْكَ لَأُعْذِرَنَّ إِلَى اَللَّهِ فِيكَ وَ لَأَضْرِبَنَّكَ بِسَيْفِي اَلَّذِي مَا ضَرَبْتُ بِهِ أَحَداً إِلاَّ دَخَلَ اَلنَّارَ وَ اَللَّهِ لَوْ أَنَّ؟ اَلْحَسَنَ؟ وَ؟ اَلْحُسَيْنَ؟ فَعَلاَ مِثْلَ اَلَّذِي فَعَلْتَ مَا كَانَتْ لَهُمَا عِنْدِي هَوَادَةٌ وَ لاَ ظَفِرَا مِنِّي بِإِرَادَةٍ حَتَّى آخُذَ اَلْحَقَّ مِنْهُمَا وَ أُزِيحَ اَلْبَاطِلَ عَنْ مَظْلَمَتِهِمَا وَ أُقْسِمُ بِاللَّهِ رَبِّ اَلْعَالَمِينَ مَا يَسُرُّنِي أَنَّ مَا أَخَذْتَهُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ حَلاَلٌ لِي أَتْرُكُهُ مِيرَاثاً لِمَنْ بَعْدِي فَضَحِّ رُوَيْداً فَكَأَنَّكَ قَدْ بَلَغْتَ اَلْمَدَى وَ دُفِنْتَ تَحْتَ اَلثَّرَى وَ عُرِضَتْ عَلَيْكَ أَعْمَالُكَ بِالْمَحَلِّ اَلَّذِي يُنَادِي اَلظَّالِمُ فِيهِ بِالْحَسْرَةِ وَ يَتَمَنَّى اَلْمُضَيِّعُ فِيهِ اَلرَّجْعَةَ وَ لاتَ حِينَ مَناصٍ ٨ ١١ ٣٨: ٣ أقول: هذا الكتاب على فرض صحة نسبته إليهعليه‌السلام جمع من المصنف بين كتابين منهعليه‌السلام الى ابن عباس لما لحق بالحجاز على ما يظهر من خبري (عقد ابن ربه) و (رجال الكشي) و (تذكرة سبط ابن الجوزي).

ففي الأول: قال سليمان بن أبي راشد عن عبد اللّه بن عبيد عن أبي الكنود قال: كنت من أعوان عبد اللّه بالبصرة، فلما كان من أمره ما كان أتيت عليّاعليه‌السلام فأخبرته، فقال و اتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فاتبعه الشيطان فكان من الغاوين( ١ ) ثم كتب معي إليه: أما بعد فاني كنت أشركتك

____________________

(١) الاعراف: ١٧٥.

٨٢

في أمانتي و لم يكن من أهل بيتي رجل أوثق عندي منك بمواساتي و مؤازرتي بأداء الامانة، فلما رأيت الزمان قد كلب على ابن عمك و العدو قد حرد و أمانة الناس قد خرجت و هذه الأمة قد فتنت، قلبت لابن عمك ظهر المجن ففارقته مع القوم المفارقين و خذلته أسوء خذلان و خنته مع من خان، فلا ابن عمك آسيت و لا الامانة إليه أديت، كأنك لم تكن على بينة من ربك، و انما كنت خدعت امة محمد عن دنياهم و غدرتهم عن فيئهم، فلما أمكنتك الفرصة في خيانة الامة أسرعت الغدرة و عاجلت الوثبة، فاختطفت ما قدرت عليه من أموالهم و انفلت بها الى الحجاز، كأنك انما حزت على أهلك ميراثك من أبيك و امك، سبحان اللّه أو ما تؤمن بالمعاد، أما تخاف الحساب، أما تعلم انك تأكل حراما و تشرب حراما و تشتري الاماء و تنكحهن بأموال اليتامى و الأرامل و المجاهدين في سبيل اللّه التي أفاء اللّه عليهم، فاتق اللّه و أد الى القوم أموالهم، فانك ان لم تفعل و أمكنني اللّه منك لاعذرن الى اللّه فيك، فو اللّه لو ان الحسن و الحسين فعلا مثل الذي فعلت ما كانت لهما عندي هوادة و لما تركتهما حتى آخذ الحق منهما.

و السّلام.

فكتب إليه ابن عباس: فقد بلغني كتابك تعظّم عليّ أمانة المال الذي أصبت من بيت مال البصرة، و لعمري ان حقي في بيت مال اللّه أكثر من الذي أخذت.

فكتب إليه عليعليه‌السلام : أما بعد فان العجب كل العجب منك اذ ترى لنفسك في بيت مال اللّه أكثر مما لرجل من المسلمين، قد أفلحت ان كان تمنيك الباطل و ادعاءك ما لا يكون ينجيك من الاثم و يحل لك ما حرم اللّه عليك عمرك انك لأنت البعيد، قد بلغني أنك اتخذت مكة وطنا و ضربت بها عطنا تشتري المولدات من المدينة و الطائف تختارهن على عينك و تعطي بها مال غيرك،

٨٣

و اني أقسم باللّه ربي و ربك ربّ العزة ما أحب أن ما أخذت من أموالهم لي حلالا أدعه ميراثا لعقبى فما بال اغتباطك به تأكله حراما، ضح رويدا فكأنك قد بلغت المدى و عرضت عليك أعمالك بالمحل الذي ينادي فيه المغتر بالحسرة و يتمنى المضيع التوبة و الظالم الرحبة.

فكتب إليه ابن عباس: و اللّه لئن لم تدعني من أساطيرك لأحملنه الى معاوية يقاتلك به.

فكفّ عنه عليعليه‌السلام .

و في الثاني: ذكر شيخ من أهل اليمامة عن معلى بن هلال عن الشعبي قال: لما احتمل عبد اللّه بن عباس بيت مال البصرة و ذهب به الى الحجاز كتب إليه عليعليه‌السلام : أما بعد فاني كنت أشركتك في أمانتي، و لم يكن أحد من أهل بيتي في نفسي أوثق منك لمواساتي و مؤازرتي و اداء الامانة الي، فلما رأيت الزمان على ابن عمك قد كلب، و العدو عليه قد حرب، و أمانة الناس قد عزت، و هذه الامور قد فشت، قلبت لابن عمك ظهر المجن، و فارقته مع المفارقين، و خذلته أسوأ خذلان الخاذلين، فكأنك لم تكن تريد اللّه بجهادك، و كأنك لم تكن على بيّنة من ربك، و كأنك انما كنت تكيد امة محمد على دنياهم و تنوي غرتهم، فلما أمكنتك الشدة في خيانة امة محمد أسرعت الوثبة و عجلت العدوة، فاختطفت ما قدرت عليه اختطاف الذئب الازل رمية المعزى الكثير، كأنك لا أبا لك جررت الى أهلك تراثك من أبيك و امك، سبحان اللّه، أو ما تؤمن بالمعاد، أو ما تخاف سوء الحساب، أو ما يكبر عليك أن تشتري الاماء و تنكح النساء بأموال الأرامل و المهاجرين الذين أفاء اللّه عليهم هذه البلاد؟ أردد الى القوم أموالهم، فو اللّه لئن لم تفعل ثم امكنني اللّه منك لأعذرن اللّه فيك، فو اللّه لو أن حسنا و حسينا فعلا مثل الذي فعلت لما كان لهما عندي في ذلك هوادة و لا

٨٤

لواحد منهما عندي رخصة، حتى آخذ الحق و ازيح الجور عن مظلومها.

فكتب إليه ابن عباس: أتاني كتابك تعظم عليّ اصابة المال الذي أخذته من بيت مال البصرة، و لعمري ان لي في بيت مال اللّه أكثر مما أخذت.

فكتب إليه عليعليه‌السلام : أما بعد فالعجب كلّ العجب من تزيين نفسك أن لك في بيت مال اللّه أكثر مما أخذت، و أكثر مما لرجل من المسلمين. فقد أفلحت إن كان تمنيك الباطل و ادعاؤك ما لا يكون ينجيك من الاثم، و يحل لك ما حرم اللّه عليك عمرك اللّه انك لأنت العبد المهتدي اذن فقد بلغني أنك اتخذت مكة وطنا و ضربت بها عطنا، تشتري مولدات مكة و الطائف، تختارهن على عينك و تعطي فيهن مال غيرك، و اني لاقسم باللّه ربي و ربك ربّ العزة ما يسرني أن ما أخذت من أموالهم لي حلال أدعه لعقبى ميراثا، فلا غرور أشدّ من اغتباطك تأكله. رويدا رويدا، فكأن قد بلغت المدى و عرضت على ربك في المحل الذي يتمنى (فيه المجرم) الرجعة و المضيع التوبة، كذلك و ما ذلك و لات حين مناص.

فكتب إليه ابن عباس: فقد أكثرت علي، فو اللّه لئن ألقى اللّه بجميع ما في الأرض من ذهبها و عقيانها أحب اليّ من أن ألقى اللّه بدم رجل مسلم( ١) .

و في الثالث: و لما مضى ابن عباس الى مكة كتبعليه‌السلام إليه: اما بعد فاني أشركتك في أمانتي، و لم يكن أحد من أهل بيتي أوثق في نفسي منك لمؤازرتي و أداء الامانة الي، فلما رأيت الزمان على ابن عمك قد حرب، و العدو قد كلب، و أمانة الناس قد خربت، و الامة قد افتتنت، قلبت لابن عمك ظهر المجن بمفارقته مع المفارقين و خذلانه مع الخاذلين، و اختطفت ما قدرت عليه من مال الامة اختطاف الذئب فاردة المعزى، أما توقن بالمعاد و لا تخاف ربّ

____________________

(١) اختيار معرفة الرجال: ٦٠ ح ١١٠.

٨٥

العباد، أما يكبر عليك انك تأكل الحرام و تنكح الحرام و تشتري الاماء بأموال الأرامل و الايتام، أردد الى المسلمين أموالهم، و و اللّه لئن لم تفعل لاعذرن اللّه فيك، فان الحسن و الحسين لو فعلا ما فعلت لما كان لهما عندي هوادة.

فكتب إليه ابن عباس: حقي في بيت المال أكثر مما أخذت منه.

فكتب إليه عليعليه‌السلام العجب العجب من تزيين نفسك لك أنك أخذت أقلّ مما لك، و هل أنت إلاّ رجل من المسلمين، و قد علمت بسوابق أهل بدر و ما كانوا يأخذون غير ما فرض لهم، و كفى بك أنك اتخذت مكة وطنا و ضربت بها عطنا، تشتري من مولدات الطائف و مكة و المدينة ما تقع عليه عينك و تميل إليه نفسك، تعطي فيهن مال غيرك، و اني أقسم باللّه ما احب أن ما أخذت من أموالهم حلالا أدعه بعدي ميراثا، فكانّ قد بلغت المدى و عرضت عليك أعمالك غدا بالمحل الأعلى الذي يتمنى فيه المضيّع التوبة و الخلاص و لات حين مناص.

فكتب إليه ابن عباس: لأن ألقى اللّه بكل ما على ظهر الأرض و بطنها أحب اليّ من أن ألقاه بدم امرى‏ء مسلم.

فكتب إليه عليعليه‌السلام : ان الدماء التي أشرت اليها قد خضتها الى ساقيك، و بذلت في اراقتها جهدك، و وضعت باباحتها حظّك، و تقشعت عنها فتياك، و اذ لم تستحي فافعل ما شئت( ١) .

و نقله القتيبي في عيونه مرفوعا في باب خيانات العمال، فقال: و وجدت في كتاب لعليعليه‌السلام الى ابن عباس حين أخذ من مال البصرة ما أخذ: اني اشركتك في أمانتي و لم يكن رجل من أهلي أوثق منك في نفسي، فلما رأيت الزمان على ابن عمك قد كلب و العدو قد حرب، قلبت لابن عمك ظهر المجن

____________________

(١) تذكرة الخواص: ١٥١ و ١٥٢.

٨٦

بفراقه مع المفارقين و خذ لانه مع الخاذلين، و اختطفت ما قدرت عليه من أموال الامة اختطاف الذئب الازل دامية المعزى.

قال: و في الكتاب: وضح رويدا فكأن قد بلغت المدى و عرضت عليك أعمالك بالمحل الذي به ينادي المغتر بالحسرة و يتمنى المضيع التوبة و الظالم الرجعة.

و في (أنساب البلاذري): قالوا لما قدم ابن عباس مكة ابتاع من جبيرة مولى بني كعب من خزاعة ثلاث مولدات: حورا و فوز و شادن بثلاثة آلاف دينار، فكتب إليه علي بن أبي طالب: أما بعد فاني كنت اشركتك الخ( ١) .

قول المصنّف: (و من كتاب لهعليه‌السلام الى بعض عماله) قال ابن أبي الحديد اختلفوا في المكتوب إليه: فقال الأكثر انه ابن عباس، و رووا في ذلك روايات و استدلوا بألفاظ من الكتاب، كقوله: «اشركتك في أمانتي، و جعلتك بطانتي و شعاري، و انه لم يكن في أهلي رجل أوثق منك» و قوله: «رأيت الزمان على ابن عمك قد كلب» و هذه كلمة لا تقال إلاّ لمثله، فأما غيره من افناء الناس فان عليّا كان يقول له: «لا أبا لك» و قوله: «أيها المعدود عندنا من اولي الألباب» و قوله: «لو أن الحسن و الحسين» فهذا يدل على ان المكتوب إليه قريب ان يجري مجراهما.

و قد روى أرباب هذا القول ان ابن عباس كتب إليه جواب هذا الكتاب: فقد أتاني كتابك تعظّم عليّ ما أصبت الى أن قال كتبعليه‌السلام فقد أفلحت أن كان تمنيك الباطل و ادعاك ما لا يكون ينجيك من المأثم، و يحل لك المحرم، انك لأنت المهتدي السعيد اذن الى أن قال و أخرج الى المسلمين من أموالهم، فعما قليل تفارق من ألفت، و تترك ما جمعت، و تغيب في صدع من الأرض غير

____________________

(١) انساب الأشراف ٢: ١٧٤.

٨٧

موسّد و لا ممهد، قد فارقت الأحباب، و سكنت التراب، و واجهت الحساب، غنيا عمّا خلقت، فقيرا الى ما قدمت.

و قال الآخرون: هذا لم يكن، و لا فارق عبد اللّه عليّاعليه‌السلام و لا خالفه، و لم يزل أميرا على البصرة الى أن قتل علي، قالوا: و يدل على ذلك ما رواه ابو الفرج الاصبهاني من كتابه الذي كتبه الى معاوية من البصرة لما قتل عليعليه‌السلام و قد ذكرناه قبل، قالوا و كيف يكون ذلك و لم يختدعه معاوية و لم يجره الى جهته، فقد علمتم كيف اختدع كثيرا من عمالهعليه‌السلام و استمالهم إليه بالأموال، فمالوا و تركوا عليّا، فما بال معاوية و قد علم النبوة التي حدثت بينهما لم يستمل ابن عباس و لا اجتذبه الى نفسه، و كلّ من قرأ السير و عرف التواريخ يعرف مشاقة ابن عباس لمعاوية بعد وفاة عليعليه‌السلام فيما كان يلقاه من قوارع الكلام و شديده، و ما كان يثني به عليهعليه‌السلام ، و يذكر خصائله و فضائله، و يصدع به من مناقبه و مآثره، فلو كان بينهما غبار أو كدر لما كان الأمر كذلك، بل كانت الحال بالضد.

قال: و قد أشكل عليّ أمر هذا الكتاب، فان أنا كذبت النقل و قلت هذا كلام موضوع عليهعليه‌السلام خالفت الرواة، فانهم قد اطبقوا على رواية هذا الكلام عنه و قد ذكر في أكثر كتب السير، و ان صرفته الى عبد اللّه صدني عنه ما أعلم من ملازمته لطاعتهعليه‌السلام في حياته، و ان صرفته الى غيره لم أعلم الى من أصرفه، فانا في هذا الموضع من المتوقفين( ١) .

قلت: المصنّف أيضا كأنه توقف حيث قال هنا: و في كتاب قبله قد ذكرناه في العنوان السابق «و من كتاب لهعليه‌السلام الى بعض عماله» و لم يقل «الى ابن عباس»، مع انّه رأى ان من نقل الكتابين عيّنهما في عبد اللّه.

____________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ١٦: ١٦٩ ١٧٢.

٨٨

كما أن ظاهر ابي زيد التوقف، ففي (تاريخ الطبري): قال ابو زيد: زعم أبو عبيدة ان ابن عباس لم يبرح من البصرة حتى قتل عليعليه‌السلام ، فشخص الى الحسن، فشهد الصلح بينه و بين معاوية. قال أبو زيد: ذكرت ذلك لأبي الحسن فأنكره، و زعم ان عليّا قتل و ابن عباس بمكة، و ان الذي شهد الصلح عبيد اللّه( ١) ، فتراه اقتصر على نقل قول ابي عبيدة و أبي الحسن، و لم يفت بشي‏ء و جعل قول كلّ منهما زعما.

و كيف كان فيقال في جواب ابن أبي الحديد انّه قاعدة عقلية اذا تعارض العقل و النقل يقدم العقل، فإذا كان معلوما ملازمته لطاعة أمير المؤمنينعليه‌السلام في حياته، و استمالة معاوية مع انتهازه الفرصة في مثل ذلك، نقطع بأن النقل باطل، و قد ابطل النقل بما قلنا عمرو بن عبيد أيضا.

ففي (غرر المرتضى) قال أبو عبيدة: دخل عمرو بن عبيد على سليمان بن علي العباسي، فقال له سليمان: أخبرني عن قول علي في ابن عباس:

يفتينا في القملة و القميلة

و طار بأموالنا في ليلة

فقال له عمرو: كيف يقول علي هذا و ابن عباس لم يفارق عليّاعليه‌السلام حتى قتل و شهد صلح الحسن، و أي مال يجتمع في بيت مال البصرة مع حاجة عليعليه‌السلام الى الأموال و هو يفرغ بيت مال الكوفة كل خميس و يرشه، و قالوا انّه كان يقيل فيه، فكيف يترك المال يجتمع بالبصرة، و هذا باطل( ٢) .

و من أين اتفق النقل عليه، فقد عرفت في سابقه ان الأصل فيه رواية أبي مخنف عن جمع، مع انّه روى أيضا كونه بالبصرة لما قتلعليه‌السلام ، و لحوقه بالحسن بالكوفة، ففي المقاتل: لما خطب الحسنعليه‌السلام في صبيحة وفاة أبيه

____________________

(١) تاريخ الطبري ٤: ١٠٩ سنة ٤٠.

(٢) أمالي الشريف المرتضى و هو كتاب الغرر ٢: ١٢٣ المجلس ١٢.

٨٩

قال أبو مخنف عن رجاله: قام ابن عباس بين يديه، فدعا الناس الى بيعته، فاستجابوا له و قالوا: ما أحبه الينا و أحقه بالخلافة فبايعوه، ثم نزل عن المنبر، و دس معاوية رجلا من حمير الى الكوفة و رجلا من بني القين الى البصرة يكتبان إليه بالأخبار.

الى أن قال: و كتب عبد اللّه بن العباس من البصرة الى معاوية: أما بعد فانك و دسك أخا بني قين الى البصرة تلتمس من غفلات قريش مثل الذي ظفرت من يمانيتك لكما قال امية بن اشكر:

لعمرك اني و الخزاعي طارقا

كنعجة غار حفرها تتحفر

أثارت عليها شفرة بكراعها

فظلت بها من آخر الليل تنحر

شمت بقوم من صديقك أهلكوا

أصابهم يوم من الدهر أعسر

فأجابه معاوية: اما بعد فان الحسن بن علي قد كتب الي بنحو ما كتبت الخ( ١) .

و أما رواية الكشي للكتاب بسند آخر عرفته فنسخة كتابه مصحفة مختلطة سندا و متنا بحيث لا يوجب الاعتماد على ما تفرد به كما برهنا عليه في الرجال كخبر آخر رواه، فقال روى علي بن يزداد الصائغ الجرجاني عن عبد العزيز بن محمد بن عبد الأعلى الجزري عن خلف المخزومي البغدادي عن سفيان بن سعيد عن الزهري عن الحرث: استعمل عليعليه‌السلام على البصرة عبد اللّه بن العباس، فحمل كلّ ما في بيت مال البصرة و لحق بمكة و ترك عليّا، و كان مبلغه ألفي ألف درهم، فصعد عليعليه‌السلام المنبر حين بلغه ذلك فبكى و قال: هذا ابن عم النبي في علمه و قدره يفعل مثل هذا فكيف يؤمن من كان

____________________

(١) مقاتل الطالبيين: ٣٣ و ٣٤.

٩٠

دونه، اللّهم اني قد مللتهم و اقبضني اليك غير عاجز و لا ملول( ١ ) مضافا الى مجهولية رواته.

و أما ما في نسخنا من مقاتل ابي الفرج في ترك عبيد اللّه بن العباس عسكر الحسنعليه‌السلام و لحوقه بمعاوية، خطبهم قيس بن سعد بن عبادة فقال:

ان هذا و أباه و أخاه لم يأتوا بيوم خير الى أن قال و أن أخاه ولاّه عليعليه‌السلام على البصرة، فسرق مال اللّه و مال المسلمين، فاشترى به الجواري و زعم ان ذلك له حلال الخ( ٢ ) . فالظاهر كونه من تصرف المحشين أخذا من تلك الأخبار المتقدمة، فخلط بالمتن، بدليل ان ابن أبي الحديد نقل عند عنوان النهج «و من وصيته للحسن» جميع كلام ابي الفرج و ليس فيه أثر من ذلك، بل اقتصر على أن قيسا خطبهم، فثبتهم و ذكر عبيد اللّه، فنال منه ثم أمرهم بالصبر( ٣ ) و لم يذكر ذلك في تاريخ آخر.

مع ان اليعقوبي روى ان ابن عباس تصرف مقدارا من بيت المال، فكتب أمير المؤمنينعليه‌السلام برده فرده، و هذا لفظه: و كتب أبو الأسود و كان خليفة ابن عباس بالبصرة الى عليعليه‌السلام يعلمه أن عبد اللّه أخذ من بيت المال عشرة آلاف درهم، فكتب إليه يأمره بردها، فامتنع، فكتب يقسم له باللّه لتردنها، فلما ردها أورد أكثرها كتبعليه‌السلام إليه: أما بعد، فان المرء يسره درك ما لم يكن ليفوته، و يسوؤه فوت ما لم يكن ليدركه، فما أتاك من الدنيا فلا تكثير به فرحا، و ما فاتك منها فلا تكثر عليه جزعا، و اجعل همّك لما بعد الموت( ٤) .

و مثله نقل سبط ابن الجوزي عن السدي و أبي اراكة، فروى مسندا عن

____________________

(١) اختيار معرفة الرجال: ٦٠ ح ١٠٩.

(٢) مقاتل الطالبيين: ٤٢.

(٣) شرح ابن أبي الحديد ١٦: ٤٢، و قد لخّص كلام ابي الفرج.

(٤) تاريخ اليعقوبي ٢: ٢٠٥.

٩١

المأمون عن آبائه عن ابن عباس قال: ما انتفعت بكلام أحد بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كانتفاعي بكلام كتب أمير المؤمنين به الي، كتب: سلام عليك، أما بعد فان المرء يسوؤه فوت ما لم يكن ليدركه و يسره درك ما لم يكن ليفوته الى أن قال و قد روى السدي هذا عن أشياخه و قال عقيبة: كأن الشيطان قد نزغ بين ابن عباس و بين عليعليه‌السلام مدة ثم عاد الى موالاته و سببه ان أمير المؤمنين ولى ابن عباس البصرة الى أن قال بعد ذكر الكتب المذكورة ثم ندم ابن عباس و اعتذر الى عليعليه‌السلام و قبل عذره، و قيل انه عاد الى الكوفة( ١) .

و رواه أعثم الكوفي في (تاريخه) بطريق آخر، فقال: ما معناه ان عليّا عليه السلام ولى ابن عباس لما كان من قبله على البصرة الموسم، فطلب ابن عباس زيادا و أبا الأسود و قال لهما: استخلفكما على البصرة حتى أرجع و جعل أبا الأسود على الصلاة بالناس و زيادا، على الخراج، فوقع بينهما بعد خروج ابن عباس تنافر، فهجا أبو الأسود زيادا، فلما رجع ابن عباس شكاه زياد و قرأ عليه أهاجيه فيه، فغضب ابن عباس و سب أبا الأسود، فاحتال أبو الأسود، فكتب إليهعليه‌السلام ان ابن عمك خان في بيت المال، فكتبعليه‌السلام الى ابن عباس: بلغني عنك أمور اللّه أعلم بها و هي غير منتظرة منك، فاكتب الي بمقدار بيت المال. فأجابه ان ذلك باطل، و اني أعلم من كتب اليك و لا أتصدى بعد ذلك لعمل و اعتزل في بيته فكتبعليه‌السلام إليه: لا تكن واجدا مما كتبت اليك، فان ذلك كان من اعتمادي عليك، و تبين لي ان ما كتبوا إلي فيك باطل، فارجع الى عملك.

فلما وصل الكتاب الى ابن عباس سر و اشتغل بعمله( ٢) .

و قد عرفت انكار عمرو بن عبيد لذلك بكونه خلاف الدراية و بطلان خبر

____________________

(١) تذكرة الخواص: ١٥٠.

(٢)

٩٢

رووا انّهعليه‌السلام قال: «يفتينا في القملة و النملة، و طار بأموالنا في ليلة»، ثم كيف يقولعليه‌السلام : «يفتينا»، فهل كان ابن عباس يفتيه عليه السلام، و كيف يقول: «و طار بأموالنا»، فان تلك الأموال كانت من بيت المال لا ماله.

و قد أنكره ابو عبيدة، ففي (تاريخ الطبري) قال أبو عبيدة: ان ابن عباس لم يبرح من البصرة حتى قتل عليعليه‌السلام ، فشخص الى الحسنعليه‌السلام ، فشهد الصلح بينه و بين معاوية، ثم رجع الى البصرة و ثقله بها، فحمله و ما لا من بيت المال قليلا و قال هي أرزاقي( ١) .

و بالجملة النقل فيه مختلف و متعارض، و خبر الخصم خلاف العقل و الدراية، فأي عبرة بمثله من الرواية حتى يقول ابن أبي الحديد ان كذبت النقل و قلت هذا كلام موضوع خالفت الرواة، و كم من روايات لهم مخالفة للدرايات.

و منها: كون زيد بن حارثة أميرا على جعفر الطيار( ٢ ) ، فكيف تصح مع كونها على خلاف العقل، فأين جلال جعفر و أين زيد، مع انه يكذبها أشعار حسان و غيره.

و منها: ان أمير المؤمنينعليه‌السلام خطب بنت أبي جهل، و ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله غضب لذلك( ٣ ) ، فانها مخالفة لما علم بالتواتر من عدم مخالفة أمير المؤمنين للنبي طرفة عين، فيعلم بقضية العقول أن جميعها مجعول.

و الوجه في جعل خبر تأمير زيد دفع الطعن عن تأمير النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ابنه اسامة على ابي بكر و عمر، و في جعل خبر خطبة بنت أبي جهل دفع الطعن عن فاروقهم في اغضابه النبي غير مرة يوم صلاتهصلى‌الله‌عليه‌وآله على ابن ابي، و يوم

____________________

(١) تاريخ الطبري ٤: ١٠٩، سنة ٤٠.

(٢) رواه الواقدي في المغازي ٢: ٧٥٦، و ابن سعد في الطبقات ٢: ق ٩٢١، و ابن هشام في السيرة ٤: ٧، و الطبري في تاريخه ٢: ٣١٩ سنة ٨.

(٣) رواه البخاري في صحيحه ٢: ١٨٩ و ٣٠٣ و ٣: ٢٦٥ و مسلم في صحيحه ٤: ١٩٠٢ ١٩٠٤ ح ٩٣ ٩٦.

٩٣

الحديبية، و يوم وصيتهصلى‌الله‌عليه‌وآله و نسبته الى الهجر، فوضعوا ذلك دفعا للطعن عن فاروقهم و لم يبالوا بورود الطعن على النبيّ على فرض صحته، فإذا كان النبيّ سخط من ذلك يكون الطعن عليه حيث انّه لم يرض بما في شريعته و بما أنزله تعالى عليه في كتابه في قوله: فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى و ثلاث و رباع( ١ ) . كما ان الوجه في جعل خبر ابن عباس دفع الطعن عن عمر في عدم توليته لأقارب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في الظاهر لئلا يأخذوا الخمس من الغنائم، و في الباطن لئلا يوجب ذلك انتقال الأمر اليهم، ففي العقد الفريد: قال أبو بكر بن أبي شيبة: كان ابن عباس من أحب الناس الى عمر و كان يقدمه على الأكابر من الصحابة و لم يستعمله قط، فقال له يوما: كدت أستعملك و لكن أخشى أن تستحل الفي‏ء على التأويل، فلما صار الأمر الى عليعليه‌السلام استعمله على البصرة، فاستحل الفي‏ء على تأويل قوله تعالى: و اعلموا انّما غنمتم من شي‏ء فانّ للّه خمسة و للرسول و لذي القربى( ٢ ) استحله من قرابته من الرسول.

و في (المروج): ان عمر أرسل الى ابن عباس و قال له: ان عامل حمص هلك، و كان من أهل الخير، و هم قليل و قد رجوت ان تكون منهم، و في نفسي منك شي‏ء لم أره منك و أعياني ذلك، فما رأيك في العمل؟ قال: لن أعمل حتى تخبرني بالذي في نفسك. قال: و ما تريد من ذلك؟ قال: أريده فان كان شي‏ء أخاف منه على نفسي خشيت منه عليها الّذي خشيت، و ان كنت بريئا من مثله علمت أني لست من أهله، فقبلت عملك هنالك، فاني قلما رأيت أو ظننت شيئا إلاّ عاينته. فقال: يا ابن عباس ان يأتي عليّ الّذي هو آت و أنت في عملك فتقول هلم

____________________

(١) النساء: ٣.

(٢) الانفال: ٤١.

٩٤

الينا و لا هلم اليكم دون غيركم.

الى أن قال: قال له عمر فأشر عليّ. قال: أرى أن تستعمل صحيحا منك صحيحا لك( ١) .

ثم الظاهر ان الجعل كان بعد وفاة ابن عباس زمان المروانيين، و لم يجترئوا على جعل مثله في حياته بدليل انّه لم ينقل طعن أحد فيه بذلك، مع كون معاوية و خواصه بصدد الطعن عليه و على باقي بني هاشم بما استطاعوا، بل نرى ان ابن عباس طعن في عمّال معاوية بالخيانة، و انه و باقي عمّال أمير المؤمنينعليه‌السلام من أمثاله كانوا في غاية رعاية الأمانة.

فروى ابن عبد ربه الّذي روى خبر خيانته في كتاب أجوبة (عقده) انّه اجتمعت قريش الشام و الحجاز عند معاوية و فيهم ابن عباس و كان جريئا على معاوية حقارا له فبلغه عنه بعض ما غمّه، فقال معاوية: رحم اللّه أبا سفيان و العباس كانا صفين دون الناس، فحفظت الميت في الحي و الحي في الميت، استعملك عليّ يا ابن عباس على البصرة، و استعمل أخاك عبيد اللّه على اليمن، و استعمل أخاك قثما على المدينة، فلما كان من الأمر ما كان هنأتكم ما في أيديكم، و لم أكشفكم عمّا وعت غرائركم، و قلت: آخذ اليوم و اعطي غدا مثله، و قلت: ان بدأ اللؤم يضر بعاقبة الكرم و لو شئت لأخذت بحلاقيمكم و قيأتكم ما أكلتم، و لا يزال يبلغني عنكم ما لا تبرك له الابل، و ذنوبكم الينا أكثر من ذنوبنا اليكم، خذلتم عثمان بالمدينة و قتلتم أنصاره يوم الجمل و حاربتموني بصفين، و لعمري لبنو تيم و عدي أعظم ذنوبا منّا اليكم إذ صرفوا عنكم هذا الأمر و سنوا فيكم هذه السنة، فحتى متى أغضى الجفون على القذى و أسحب الذيول على الأذى و أقول لعل و عسى.

____________________

(١) مروج الذهب ٢: ٣٢١.

٩٥

فتكلم ابن عباس الى ان قال: و لكن من هنأ أباك بأخاء أبي أكثر ممن هنأ أبي باخاء ابيك، نصر ابي أباك في الجاهلية و حقن دمه في الاسلام.

و أما استعمال عليعليه‌السلام إيانا فلنفسه دون هواه، و قد استعملت أنت رجالا لهواك لا لنفسك، منهم ابن الحضرمي على البصرة فقتل، و بسر بن ارطأة على اليمن فخان، و حبيب بن مرة على الحجاز فرد، و الضحاك بن قيس الفهري على الكوفة فحصب، و لو طلبت ما عندنا لو قينا أعراضنا، و ليس الّذي يبلغك عنّا بأعظم من الّذي يبلغنا عنك، و لو وضع أصغر ذنوبكم على مائة حسنه لمحقها، و لو وضع أدنى عذرنا على مائة سيئة اليكم لحسنها، و أما خذلاننا عثمان فلو لزمنا نصره لنصرناه، و أما قتلنا أنصاره يوم الجمل فعلى خروجهم مما دخلوا فيه، و أما حربنا إيّاك بصفين فعلى ترك الحق و ادعائك الباطل، و اما اغراؤك ايانا بتيم و عدي فلو أردناها ما غلبونا عليها، و سكت، فقال في ذلك ابن أبي لهب:

كان ابن حرب عظيم القدر في الناس

حتى رماه بما فيه ابن عباس

ما زال يهبطه طورا و يصعده

حتى استقاد و ما بالحقّ من باس

لم يتركن خطة مما يذلله

الاكواه بها في فروة الراس( ١)

و أما ما قاله ابن أبي الحديد في ترجمة ابن الزبير خطب ابن الزبير فقال: ان ها هنا رجلا قد أعمى اللّه قلبه كما أعمى بصره، يزعم ان متعة النساء حلال من اللّه و رسوله، يفتي في القملة و النملة، و قد احتمل بيت مال البصرة بالأمس، و ترك المسلمين يرتضخون النوى الى أن قال في جواب ابن عباس له أما حملي المال فانه كان مالا جبيناه و أعطينا كلّ ذي حق حقّه و بقيت بقية دون حقنا في كتاب اللّه فأخذنا بحقنا، و أما المتعة فاسأل امك اسماء عن بردي

____________________

(١)

٩٦

عوسجة. فمع ارساله خبر دخيل، فان اسماء لم تكن زوجة الزبير متعة بل دواما، و انما كان ابن الزبير طعن في ابن عباس بمتعة الحج لكون عمر نهى عنها، فرد عليه ابن عباس بما قال من ان أباه و امه حجّا تمتعا و تمتع أبوه من امه بعد العمرة( ١) .

و المسعودي روى الخبر بدون ذكر من بيت المال، كما انّه قال: قال ابن الزبير «يفتون في المتعة» ثم حملها على متعة الحج لكون نكاح أسماء دواما، ورد على من حمله على متعة النساء. و بالجملة خبر خطبة ابن الزبير لم يكن فيه اسم من بيت المال كمتعة النساء( ٢) .

و كيف كان فالعنوان كلامهعليه‌السلام كان أم لا نشرحه لكونه من النهج.

«أما بعد فاني كنت أشركتك في أمانتي» قال ابن أبي الحديد: سمّىعليه‌السلام الخلافة كما سمّى اللّه تعالى التكليف أمانة في قوله إنّا عرضنا الأمانة( ٣) .

قلت: بل كما سمّى اللّه تعالى الخلافة أيضا أمانة في قوله ذاك، ففسر عترتهعليهم‌السلام «انا عرضنا الأمانة» بالخلافة، و قوله و حملها الانسان انه كان ظلوما جهولا( ٤ ) بالمتصدين لها بغير حق( ٥) .

«و جعلتك شعاري» الشعار ما ولي الجسد من الثياب «و بطانتي» أي:

وليجتي.

____________________

(١) شرح ابن ابي الحديد ٢٠: ١٢٩.

(٢) مروج الذهب ٣: ٨١.

(٣) شرح ابن أبي الحديد ١٦: ١٦٨. و الآية ٧٢ من سورة الأحزاب.

(٤) الاحزاب: ٧٢.

(٥) رواه الصفار في البصائر: ٩٦ ح ٣، و ابن طاووس في سعد السعود: ١٢٢، عن الباقرعليه‌السلام و الكليني في الكافي ١: ٤١٣ ح ٢، و الصفار في البصائر: ٩٦ ح ٢، و الصدوق في معاني الأخبار: ١١٠ ح ٢، و محمد بن العباس في تفسيره عنه تأويل الآيات ٢: ٤٧٠ ح ٤٠ عن الصادقعليه‌السلام و الصدوق في المعاني: ١١٠ ح ٣، و العيون ١: ٢٣٨ ح ٦٦ عن الرضاعليه‌السلام .

٩٧

«و لم يكن رجل من أهلي» هكذا في (المصرية)، و الصواب: «و لم يكن في أهل رجل» كما في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية)( ١) .

«أوثق منك في نفسي لمواساتي و مؤازرتي» و الوزر الملجأ، و الأصل فيه الجبل، قال الشاعر:

و أخوان اتخذتهم دروعا

فكانوها و لكن للأعادي

و خلتهم سهاما صائبات

فكانوها و لكن في فؤادي

و قالوا قد صفت منا قلوب

لقد صدقوا و لكن من ودادي

«و اداء الأمانة الي فلما رأيت الزمان على ابن عمك قد كلب» من «كلب الشتاء» اشتد برده، و قال الشاعر:

لما رأت أبلى قلّت حلوبتها

و كل عام عليها عام تجتنب

«و العدو قد حرب» من حرب الرجل: اشتد غضبه، و قال ثابت قطنة:

و صار كلّ صديق كنت آمله

البا علي ورثّ الحبل من جاري

«و أمانة الناس قد خزيت» أي: ذلت و هانت «و هذه الامة قد فتكت» أي:

تجرأت علي «و شغرت» أي: يدعيها كلّ أحد، من «بلدة شاغرة برجلها» اذا لم تمتنع من غارة أحد، و قد عرفت ان (العقد) رواه «و هذه الامة قد فتنت».

و في الخبر المستفيض ان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال له: «ان الامة ستغدر بك بعدي»( ٢) .

«قلبت لابن عمك ظهر المجن» أي: الترس، و قلب ظهر المجن كناية عن الحرب مع من تحارب عنه.

____________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ١٦: ١٦٧، و شرح ابن ميثم ٥: ٨٧ و ٨٨.

(٢) أخرجه جمع منهم الحاكم في المستدرك ٣: ١٤٠ و ١٤٢، و البخاري في تاريخه ١: ق ١٧٤٢، و الخطيب في تاريخ بغداد ١١: ٢١٦.

٩٨

و في (كامل المبرد): كتب الحجاج الى المهلب في حرب الخوارج: انك أقبلت على جباية الخراج و تركت قتال العدو، و اني وليتك و أرى مكان عبد اللّه بن حكيم المجاشعي، و عباد بن الحصين الحبطي، و اخترتك و أنت من أهل عمان، ثم رجل من الأزد فالقهم يوم كذا في مكان كذا، و الا أشرعت اليك صدر الرمح.

فكتب إليه المهلب: ورد عليّ كتابك تزعم اني اقبلت على جباية الخراج و تركت قتال العدو، و زعمت انك وليتني، و أنت ترى مكان عبد اللّه و عباد، و لو وليتهما لكانا مستحقين لذلك في فصلهما و غنائهما و بطشهما، و اخترتني و أنا رجل من الأزد، و لعمري ان شرا من الأزد لقبيلة تنازعها ثلاث قبائل لم تستقر في واحدة منهن، و زعمت اني ان لم ألقهم في يوم كذا في مكان كذا أشرعت إليّ صدر الرمح، فلو فعلت لقلبت اليك ظهر المجن( ١) .

«ففارقته مع المفارقين و خذلته مع الخاذلين و خنته مع الخائنين» قال البحتري:

حاربتني الأيام حتى لقد أصبح

حربي من كنت أعتد سلمي

أيضا:

و كنت أرى عاصما عاصما

من الخطب أرهب أعضاله

و في (العقد): لما أراد عبد اللّه المسير من البصرة دعا أخواله بني هلال بن عامر بن صعصعة ليمنعوه، فجاء الضحاك بن عبد اللّه الهلالي، فأجاره و معه رجل منهم يقال له رزين بن عبد اللّه و كان شجاعا بئيسا فقالت بنو هلال: لا غنى بنا عن هوازن، و قالت هوازن: لا غنى بنا عن بني سليم، ثم أتتهم قيس، فلما رأى اجتماعهم له حمل ما كان في بيت مال البصرة و كان فيما

____________________

(١) كامل المبرد ٨: ٧٦.

٩٩

زعموا ستة آلاف ألف، فجعله في الغرائر، فحدثني الأزرق اليشكري قال:

سمعت أشياخنا من أهل البصرة قالوا: لما وضع المال في الغرائر ثم مضى به تبعته الأخماس كلّها بالطف على أربع فراسخ من البصرة فواقعوه، فقالت لهم قيس: و اللّه لا تصلوا الينا و عين منا تطرف. فقال ضمرة و كان رئيس الأزد:

و اللّه ان قيسا لاخواننا في الاسلام، و جيراننا في الدار، و أعواننا على العدو، ان الّذي يذهبون به لورد عليكم لكان نصيبكم منه الأقل، و هم خير لكم من المال.

قالوا: فما ترى؟ قال: انصرفوا عنهم. فقال بكر بن وائل و عبد القيس: نعم الرأي رأي ضمرة و اعتزلوهم، فقالت بنو تميم: و اللّه لا نفارقهم و نقاتلهم عليه، فقال الأحنف: أنتم و اللّه أحق ألا تقاتلوهم، و قد ترك قتالهم من هو أبعد رحما منكم، قالوا: و اللّه لنقاتلنهم. فقال: و اللّه لا نشايعكم على قتالهم و انصرف عنهم الى أن قال حتى قدموا الحجاز، فنزل مكة فجعل راجز لابن عباس يسوق له في الطريق و يقول:

صبحت من كاظمة القصر الخرب

مع ابن عباس بن عبد المطلب

و جعل ابن عباس يرتجز و يقول:

آوي الى أهلك يا رباب

آوي فقد حان لك الاياب

و يقول:

و هن يمشين بنا هميسا

ان يصدق الطير ننك لميسا

فقيل له أمثلك يرفث في هذا الموضع. قال: انما الرفث ما يقال عند النساء الخ.

«فلا ابن عمك آسيت و لا الأمانة أديت» كتب ابراهيم الصولي الى ابن الزيات:

و كنت أخي باخاء الزمان

فلما نبا صرت حربا عوانا

١٠٠