بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٩

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة0%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 607

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

مؤلف: الشيخ محمد تقي التّستري
تصنيف:

الصفحات: 607
المشاهدات: 53935
تحميل: 4252


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 607 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 53935 / تحميل: 4252
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 9

مؤلف:
العربية

أيضا قد اتّهمت. قال: صدقت، و فيها خرجت إلى فلسطين. فرجع الفتى إلى قومه فقال: إنّا أتينا قوما أخذنا الحجّة عليهم من أفواههم عليّ على الحقّ فاتّبعوه( ١) .

و قال ابن أبي الحديد في شرح قولهعليه‌السلام : «أو لم ينه أميّة علمها بي....»:

علمهم بمنزلة في الدين التي لا منزلة أعلى منها، و ما نطق به الكتاب الصادق من طهارته و طهارة بنيه و زوجته في قوله تعالى: إنّما يريد اللّه ليُذهبَ عَنْكم الرّجسَ أهلَ البيتِ و يُطَهِّرَكم تطهيراً( ٢) .

و قول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله و سلم له: «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى» و ترادف الأقوال و الأفعال من النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله و سلم في أمره التي يضطرّ معها الحاضرون لها و الشاهدون إيّاها إلى أنّ مثلهعليه‌السلام لا يجوز أن يسعى في إراقة دم أمير مسلم لم يحدث حدثا يستوجب به إحلال دمه( ٣) .

قلت: غاية ما يستفاد من كلامهعليه‌السلام أنّه لم يشارك في دم عثمان دون ما ذكره من عدم إحلال دمه. و عدم مشاركتهعليه‌السلام أعمّ من عدم إحلال دمه. و لو لم يكن حلال الدم كيف آوى قتلته كما مرّ من كلام عمرو( ٤ ) ؟

و كيف لم يعلمهعليه‌السلام حلال الدم و قد روى نصر بن مزاحم في (صفّين):

أنّ معاوية بعث إلى حبيب بن مسلمة الفهريّ، و شرحبيل بن السمط، و معن بن يزيد السلمي، فدخلوا على عليّعليه‌السلام إلى أن قال: فقال شرحبيل و معن لعليّعليه‌السلام : أ تشهد أنّ عثمان قتل مظلوما؟ فقال لهما: إنّي لا أقول ذلك. قالا: فمن لم يشهد أنّ عثمان قتل مظلوما فنحن برآء منه. ثمّ قاما فانصرفا. فقال

____________________

(١) الإمامة و السياسة لابن قتيبة ١: ١٠٩.

(٢) الأحزاب: ٣٣.

(٣) شرح ابن أبي الحديد ٦: ١٦٩ ١٧٠، و النقل بتصرّف.

(٤) مرّ آنفا.

١٤١

عليّعليه‌السلام : وَ لا تُسْمِعُ الصّمَّ الدُّعاء إذا وَلَّوا مدبرين( ١) .

و روى (صفّين نصر) أيضا: أنّ عمرو بن العاص قال لعمّار: ما ترى في قتل عثمان؟ قال: فتح لكم باب كلّ سوء. أكنت فيمن قتله؟ قال: كنت فيمن [ مع من ] قتله و أنا اليوم أقاتل معهم. قال عمرو: فلم قتلتموه؟ قال عمّار: أراد أن يغيّر ديننا فقتلناه. فقال عمرو: ألا تسمعون؟ قد اعترف بقتل عثمان. قال عمّار: و قد قالها قبلك فرعون إذ قال لقومه:... ألا تستمعون... الخبر( ٢) .

و روى (صفّين نصر) أيضا: أنّ عمّارا قام بصفّين فقال: عباد اللّه، امضوا إلى قوم يطلبون في ما يزعمون بدم الظالم لنفسه، الحاكم على عباد اللّه بغير ما في كتاب اللّه، إنّما قتله الصالحون المنكرون للعدوان، الآمرون بالإحسان، فقال هؤلاء الذين لا يبالون إذا سلمت لهم دنياهم [ و ] لو درس هذا الدين: لم قتلتموه؟ فقلنا: لإحداثه. فقالوا: إنّه ما أحدث شيئا. و ذلك لأنّه مكّنهم من الدّنيا فهم يأكلونها و يرعونها و لا يبالون لو انهدّت عليهم الجبال. و اللّه ما أظنّهم يطلبون دمه، إنّهم ليعلمون إنّه لظالم، و لكنّ القوم ذاقوا الدّنيا فاستحبّوها و استمروها، و علموا لو أنّ الحقّ لزمهم لحال بينهم و بين ما يرعون فيه منها، و لم يكن للقوم سابقة في الإسلام يستحقّون بها الطاعة، فخدعوا أتباعهم بأن قالوا: قتل إمامنا مظلوما. ليكونوا بذلك جبابرة و ملوكا...( ٣) .

و في (الطبريّ): قال الزهريّ: خرج في سنة (٣١) محمّد بن أبي بكر،

____________________

(١) وقعة صفّين: ٢٠٠ ٢٠٢، و النقل بتلخيص و تقطيع، و الآية ٨٠ من سورة النمل.

(٢) وقعة صفّين: ٣٣٨ ٣٣٩، و الآية ٢٥ من سورة الشعراء.

(٣) المصدر نفسه: ٣١٩.

١٤٢

و محمّد بن أبي حذيفة و أبوه خال معاوية إلى الجهاد مع عبد اللّه بن سعد، فأظهرا عيب عثمان، و أنّ دم عثمان حلال، و قالا: استعمل( ١ ) عبد اللّه بن سعد و هو رجل كان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أباح دمه و نزل القرآن بكفره( ٢) .

و كان محمّد بن أبي حذيفة يقول: لقد تركنا خلفنا الجهاد حقّا فيقال له:

و أيّ جهاد؟ فيقول: جهاد عثمان، فعل كذا و كذا( ٣) .

و روى الطبريّ: أنّمن كان بالمدينة من الصحابة كتبوا إلى من بالثغور: أنّ دين محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد أفسد من خلفكم و ترك، فهلمّوا فأقيموا دين محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فأقبلوا من كلّ أفق حتّى قتلوه( ٤) .

و روى الطبريّ أيضا عن أبي كرب عامل عثمان على بيت ماله: أنّه دفن بين المغرب و العتمة و أنّه لم يشهد جنازته إلاّ مروان و ثلاثة من مواليه و ابنته، فرفعت صوتها تندبه، فأخذ النّاس الحجارة و قالوا: نعثل نعثل و كادت ترجم( ٥) .

و روى الطبريّ أيضا: أنّه نبذ ثلاثة أيّام لا يدفن و أنّهم لم يغسّلوه و دفنوه في حشّ كوكب( ٦ ) مقبرة اليهود، و أنّ معاوية أمر النّاس في سلطنته بدفن موتاهم حوله حتّى اتصل بمقابر المسلمين( ٧) .

____________________

(١) يعني عثمان.

(٢) تاريخ الطبري ٤: ٢٩٢، سنة ٣١.

(٣) تاريخ الطبري ٤: ٢٩٢، سنة ٣١.

(٤) تاريخ الطبري ٤: ٣٦٧، سنة ٣٥.

(٥) المصدر نفسه ٤: ٤١٢، سنة ٣٥.

(٦) قال الحموي في معجم البلدان ٢: ٢٦٢: الحشّ في اللغة: البستان، و به سمّي المخرج حشّا لأنّهم كانوا إذا أرادوا الحاجة خرجوا إلى البساتين و كوكب الذي أضيف إليه: اسم رجل من الأنصار، و هو عند بقيع الغرقد، اشتراه عثمان بن عفّان و زاده في البقيع، و لمّا قتل ألقي فيه ثمّ دفن في جنبه.

(٧) تاريخ الطبري ٤: ٤١٢، سنة ٣٥، و النقل بتصرّف.

١٤٣

و بالجملة، المعلوم عدم تصدّيهعليه‌السلام لقتله، و لا أمره به. و أمّا رضاه به فأمر واضح، و لذا لم ينه عنه و قد أقرّ بذلك عبيد اللّه بن عمر مع أنّه أراد القصاص منه بهرمزان ففرّ منه إلى معاوية فروى نصر بن مزاحم: أنّ عبيد اللّه بن عمر لمّا قدم الشام أرسل معاوية إلى عمرو بن العاص: أنّ اللّه قد أحيا لك عمر بالشام بقدوم عبيد اللّه، و قد رأيت أن اقيمه خطيبا فيشهد على عليّ بقتل عثمان.

فقال: الرأي ما رأيت. فبعث إليه فأتى، فقال له معاوية: يا بن أخ، إنّ لك اسم أبيك، فانظر بمل‏ء عينيك، و تكلّم بكلّ فيك، فأنت المأمون المصدّق فاشتم عليّا، و اشهد عليه أنّه قتل عثمان. فقال: أمّا شتمه فإنّه عليّ بن أبي طالب، و أمّه فاطمة بنت أسد بن هاشم، فما عسى أن أقول في حسبه، و أمّا بأسه فهو الشجاع المطرق. و أمّا أيّامه فما قد عرفت. و لكنّي ملزمه دم عثمان. فقال عمرو: إذن و اللّه قد نكأت القرحة. فلمّا خرج عبيد اللّه قال معاوية: أما و اللّه لو لا قتله الهرمزان، و مخافة عليّ على نفسه ما أتانا أبدا أ لم تر إلى تقريظه عليّا؟ فقال عمرو: يا معاوية، إن لم تغلب فاخلب( ١ ) . فخرج حديثه إلى عبيد اللّه، فلمّا قام خطيبا تكلّم بحاجته، حتّى إذا أتى إلى أمر عليّعليه‌السلام أمسك، فقال له معاوية:

يا بن أخ، إنّك بين عيّ و خيانة فقال: كرهت أن أقطع الشهادة على رجل لم يقتل عثمان، و عرفت أنّ الناس محتملوها عنّي. فهجره معاوية و استخفّ بحقّه.

فقال عبيد اللّه:

معاوية لم أخرص بخطبة خاطب

و لم أك عيّا في لؤيّ بن غالب( ٢)

____________________

(١) قال الجوهري في الصحاح ١: ١٢٢: الخلابة: الخديعة باللسان، و في المثل: إذا لم تغلب فاخلب. أي: فاخدع.

و قال الميداني في مجمع الأمثال ١: ٣٤: يراد به الخدعة في الحرب، كما قيل: نفاذ الرأي في الحرب، أنفذ من الطعن و الضرب.

(٢) خرص يخرص خرصا، و تخرص، أي: كذب، الصحاح ٣: ١٠٣٥، مادة (خرص).

١٤٤

و لكنّني زاولت نفسا أبيّة

على قذف شيخ بالعراقين غائب

و قذفي عليّا بابن عفّان جهرة

أجدع بالشحناء انوف الأقارب( ١)

فأمّا انتقافي أشهد اليوم وثبة

فلست لكم فيها ابن حرب بصاحب

و لكنّه قد قرّب القوم جهده

و دبّوا حواليه دبيب العقارب

فما قال أحسنتم و لا قد أسأتم

و أطرق إطراق الشجاع المواثب( ٢)

و لو لم يكن مباح الدم عندهعليه‌السلام كيف طلب بدم الهرمزان و هرمزان رجل عجميّ من عرض المسلمين من عبيد اللّه بن عمر في زمان عثمان مع أمان السلطان له فخاف منه عبيد اللّه ففرّ من المدينة إلى كوفان( ٣ ) ، و لمّا بايعه الناس فرّ إلى الشام عند معاوية. فكيف لم يطلب بدم عثمان في زمان سلطنته و هو عندهم أحد الخلفاء الراشدين؟ و في (صفّين نصر): و مكث عليّعليه‌السلام يعني في أوّل الأمر لا يرسل إلى معاوية و لا يأتيه من قبل معاوية أحد. و جاء عبيد اللّه بن عمر فدخل على عليّعليه‌السلام في عسكره فقال له عليّعليه‌السلام : أنت قاتل الهرمزان، و قد كان أبوك فرض له في الديوان، و أدخله في الإسلام؟ فقال له ابن عمر: الحمد للّه الذي جعلك تطلبني بدم الهرمزان و أطلبك بدم عثمان بن عفّان. فقال له عليّعليه‌السلام : لا عليك، سيجمعني و إيّاك الحرب غدا( ٤) .

و ممّا يحسم مادّة الشغب أنّهعليه‌السلام آوى قاتليه، و كانوا من خواصّه.

فقال نصر بن مزاحم: خرج قرّاء أهل العراق و قرّاء أهل الشام، فعسكروا

____________________

(١) الشحناء: الحقد و العداوة، و كذلك الشحنة، لسان العرب ٧: ٤٨، مادة (شحن).

(٢) وقعة صفّين: ٨٢ ٨٤، شرح ابن أبي الحديد ٣: ١٠٠ ١٠٢، و نقله الشارح بتصرّف.

(٣) قال ياقوت الحموي في معجم البلدان ٤: ٤٩٠: قالوا: و كوفان اسم أرض و بها سمّيت الكوفة. قلت: كوفان و الكوفة واحد.

(٤) وقعة صفّين: ١٨٦.

١٤٥

ناحية صفّين في ثلاثين ألفا، و عسكر عليّعليه‌السلام على الماء، و عسكر معاوية فوق ذلك، و مشت القرّاء في ما بين معاوية و عليّعليه‌السلام ، و فيهم عبيدة السلمانيّ، و علقمة بن قيس النّخعي، و عبد اللّه بن عتبة، و عامر بن عبد القيس و كان في بعض تلك السواحل فانصرف إلى عسكر عليّعليه‌السلام فدخلوا على معاوية فقالوا: ما الذي تطلب؟ قال: أطلب بدم عثمان. قالوا: ممّن تطلب؟ قال من عليّ. قالوا: و عليّ قتله؟ قال: نعم، هو قتله و آوى قاتليه. فانصرفوا من عنده إلى عليّعليه‌السلام فقالوا: إنّ معاوية يزعم أنّك قتلت عثمان. قال: اللّهمّ كذب في ما قال، لم أقتله. فرجعوا إلى معاوية يزعم أنّك قتلت عثمان. قال اللّهم كذب في ما قال، لم أقتله. فرجعوا إلى معاوية فأخبروه، فقال لهم: إن لم يكن قتله بيده فقد أمر و مالا. فرجعوا إلى عليّعليه‌السلام فقالوا: إنّ معاوية يزعم أنّك إن لم تكن قتلته بيدك فقد أمرت و مالأت على قتله. فقال: اللّهمّ كذب في ما قال. فرجعوا إلى معاوية فقالوا له: إنّ عليّا يزعم أنّه لم يفعل. فقال: إن كان صادقا فليمكنّا من قتلته، فإنّهم في عسكره و جنده و أصحابه و عضده. فرجعوا إلى عليّعليه‌السلام فقالوا: إنّ معاوية يقول: إن كنت صادقا فادفع إلينا قتلته أو أمكنّا منهم. قال لهم عليّعليه‌السلام : تأوّل القوم عليه القرآن و وقعت الفرقة، و قتلوه في سلطانه و ليس على ضربهم قود...( ١) .

و إنّما جعل معاوية و باقي بني أميّة نسبة قتل عثمان إليه سببا لإمامتهم عند أهل الشام الذين قيل في وصفهم: «جفاة طغام عبيد أقزام»( ٢ ) و لم يكونوا في الحقيقة من فرق الإسلام كالخوارج لبغضهم أهل بيت نبيّهمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، و سلّم، و بغضهم بغضه و لتركهم مودّة قرباه:... قل لا أسألكم عليه

____________________

(١) وقعة صفين: ١٨٨ ١٨٩، شرح ابن أبي الحديد ٤: ١٥ ١٦.

(٢) من الخطبة ٢٣٨، قال الشيخ محمّد عبده في شرح النهج ٢: ٢٥٨: الجفاة بضم الجيم جمع جاف، أي: غليظ فظّ، و الطغام كسحاب: أوغاد الناس، و العبيد: كناية عن رديئي الأخلاق، و الأقزام: جمع قزم بالتحريك، و هم أرذال الناس.

١٤٦

أجرا إلاّ المودّة في القربى( ١) .

و أمّا أهل الحجاز و أهل العراق و فيهم كان المهاجرون و الأنصار فكانوا يعلمون أنّه لم يكن قاتله و أنّه لو كان قاتله لم يكن ذلك طعنا فيه، لأنّ عثمان كان يستحقّ القتل.

فقال الفضل بن عبّاس في أبياته التي يردّ فيها على الوليد بن عقبة في قوله:

ألا إنّ خير الناس بعد ثلاثة

قتيل التجيبيّ الذي جاء من مصر

إلى آخر أبياته كما في (الطبريّ):

ألا إنّ خير الناس بعد محمّد

وصيّ النبيّ المصطفى عند ذي الذكر

و أوّل من صلّى و صنو نبيّه

و أوّل من أردى الغواة لدى بدر

فلو رأت الأنصار ظلم ابن عمّكم

لكانوا له من ظلمه حاضري النّصر

كفى ذاك عيبا أن يشيروا بقتله

و أن يسلموه للأحابيش من مصر( ٢) .

و في قولهعليه‌السلام : «تأوّل القوم عليه القرآن» أي: أنّهم رأوا أنّ حكم القرآن قتل مثله، و لم يقل: إنّهم أخطأوا، إشارة إلى صحّة عقيدتهم في إباحة قتله.

و في كتاب نافع إلى ابن الزبير كما في (كامل المبرّد) لئن كان عثمان قتل مظلوما لقد كفر قاتلوه و خاذلوه، و لئن كان قاتلوه مهتدين و إنّهم

____________________

(١) الشورى: ٢٣.

(٢) تاريخ الطبري ٤: ٤٢٦، سنة ٣٥، شرح ابن أبي الحديد ٢: ١١٥ ١١٦.

١٤٧

لمهتدون لقد كفر من يتولاّه و ينصره و يعضده. و لقد علمت أنّ أباك و طلحة و عليّا كانوا أشدّ الناس عليه في أمره من بين قاتل و خاذل، و أنت تتولّى أباك و طلحة و عثمان( ١) .

و قال الإسكافيّ في نقضه على الجاحظ: إنّ الوليد بن عقبة( ٢ ) قال لعليّعليه‌السلام بعد بيعة الناس له: نبايعك على أن تقتل قتلة عثمان. فقال عليّعليه‌السلام :

لو لزمني قتلهم اليوم قتلتهم [ لقتلتهم ] أمس( ٣) .

و في (صفّين نصر): خرج أبو أمامة الباهليّ و أبو الدرداء، فدخلا على معاوية، فقالا له: علام تقاتل هذا الرجل؟ فو اللّه هو أقدم منك سلما، و أحقّ بهذا الأمر، و أقرب من النبيّ؟ فقال: أقاتله على دم عثمان، و أنّه آوى قتلته. فقولا له:

فليقدنا من قتلته، فأنا أوّل من يبايعه [ بايعه ] من أهل الشام. فانطلقا إلى عليّعليه‌السلام ، فأخبراه بقول معاوية، فقال: هم الذين ترون. فخرج عشرون ألفا و أكثرهم مسربلون في الحديد، لا يرى منهم إلاّ الحدق، فقالوا: كلّنا قتله، فإن شاؤوا فليروموا ذلك منّا( ٤) .

و في (صفّين نصر) أيضا بعد ذكر خروج أمير المؤمنينعليه‌السلام إلى النخيلة ليخرج إلى الشام: ألبس معاوية منبر دمشق قميص عثمان و هو مخضّب بالدم، و حول المنبر سبعون ألف شيخ يبكون، لا تجفّ دموعهم على

____________________

(١) الكامل للمبرد ٢: ٢٢٩ ٢٣٠.

(٢) هو الوليد بن عقبة بن أبي معيط أخو عثمان لأمّه، و أمّهما أروى بنت كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس، أسلم يوم الفتح، و يقال: إنّه نزل فيه: يا أيّها الذين آمنوا إن جاءكم فاسقٌ بنباءٍ فَتبيَّنُوا (سورة الحجرات: ٦). ولاّه عثمان الكوفة بعد عزل سعد بن أبي وقّاص. و قصّة صلاته بالناس الصبح أربعا و هو سكران مشهورة. الإصابة ٣:

٦٣٧ ٦٣٨.

(٣) نقله عن الإسكافيّ ابن أبي الحديد في شرحه ٧: ٣٨ ٣٩.

(٤) وقعة صفّين لابن مزاحم: ١٩٠.

١٤٨

عثمان، فخطبهم معاوية و قال: يا أهل الشام، قد كنتم تكذّبوني في عليّ، و قد استبان لكم أمره، و اللّه ما قتل خليفتكم غيره، و هو أمر بقتله و ألّب الناس عليه، و آوى قتلته، و هم جنده و أنصاره و أعوانه، و قد خرج بهم قاصدا بلادكم لإبادتكم.

يا أهل الشام، اللّه اللّه في عثمان فأنا وليّ عثمان و أحقّ الناس بطلب دمه، و قد جعل اللّه لوليّ المظلوم سلطانا. فانصروا خليفتكم، فقد صنع به القوم ما تعلمون قتلوه ظلما و بغيا، و قد أمر اللّه بقتال الفئة الباغية حتّى تفي‏ء. فأعطوه الطاعة و انقادوا له( ١) .

و في (صفّين نصر) أيضا بعد ذكر مشورة معاوية مع عمرو بن العاص في أمر جرير البجليّ الذي بعثه أمير المؤمنينعليه‌السلام لأخذ البيعة من معاوية:

قال عمرو بن العاص لمعاوية: إنّ رأس أهل الشام شرحبيل بن السمط الكنديّ، و هو عدوّ لجرير الذي أرسل إليك، فأرسل إليه، و وطّن له ثقاتك فليفشوا في الناس أنّ عليّا قتل عثمان، و ليكونوا أهل الرضا عند شرحبيل فإنّها كلمة جامعة لك أهل الشام على ما تحبّ، و إن تعلّق بقلب شرحبيل شي‏ء لم يخرجه شي‏ء أبدا [ و إن تعلقت بقلب شرحبيل لم تخرج منه بشي‏ء أبدا ].

فكتب معاوية إلى شرحبيل: «أنّ جريرا قدم علينا من عند عليّ بأمر فظيع، فأقدم». و دعا معاوية يزيد بن أسيد [ أسد ] و بسر بن أرطاة، و عمرو بن سفيان، و مخارق بن الحارث، و حمرة بن مالك، و حابس بن سعد الطائي و هؤلاء رؤساء [ رؤوس ] قحطان و اليمن، و كانوا ثقات معاوية و خاصّته و بني عمّ شرحبيل، فأمرهم أن يلقوه و يخبروه أنّ عليّا قتل عثمان إلى أن قال: فلمّا قدم شرحبيل قال له معاوية: إنّ جريرا يدعونا إلى بيعة عليّ، و عليّ

____________________

(١) وقعة صفين لابن مزاحم: ١٢٧ ١٢٨، و نقله الشارح بتصرّف.

١٤٩

خير الناس لو لا أنّه قتل عثمان، و قد حبست نفسي عليك، و إنّما أنا رجل من أهل الشام أرضى ما رضوا، و أكره ما كرهوا. فقال له شرحبيل: اخرج فانظر.

فخرج فلقيه هؤلاء النفر الموطّئون له، فكلّهم أخبره أن [ يخبره بأنّ ] عليّا قتل عثمان. فخرج مغضبا إلى معاوية و قال له: أبى الناس إلاّ أنّ عليّا قتل عثمان، فو اللّه لئن بايعت له لنخرجنّك من الشام أو لنقتلنّك.

قال معاوية: ما كنت لأخالف عليكم، ما أنا إلاّ رجل من أهل الشام. قال:

فردّ هذا الرجل إلى صاحبه إذن. فعرف معاوية أنّ شرحبيل [ قد ] نفذت بصيرته في حرب أهل العراق، و أنّ الشام كلّها مع شرحبيل( ١) .

«و لما وعظهم اللّه به» في عقوبة التهمة.

«أبلغ من لساني» في بيان شناعتها قال تعالى: و من يكسب خطيئة أو إثماً ثمّ يَرمِ به بريئاً فقد احتملَ بُهتاناً و إثماً مُبيناً( ٢) .

«أنا حجيج المارقين» في بيان خطأهم و بطلان أمورهم قال ابن أبي الحديد: كان عليعليه‌السلام يكثر من قوله: أنا حجيج المارقين( ٣) .

و روي عنهعليه‌السلام أيضا: أنّه يقول: أنا أوّل من يجثو بين يدي اللّه تعالى( ٤) .

و روي عن النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مثل ذلك مرفوعا( ٥) .

«و خصيم المرتابين» في إمامتي روى أبو نعيم في (حليته): أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال له: يا عليّ، أخصمك بالنبوّة، و لا نبيّ بعدي، و تخصم الناس

____________________

(١) وقعة صفين: ٤٤ ٤٧، و نقله الشارح بتقطيع.

(٢) النّساء: ١١٢.

(٣) شرح ابن أبي الحديد ٦: ١٧١.

(٤) المصدر نفسه ٦: ١٧٠، قال الطريحي في مجمع البحرين ١: ٨١: في حديث عليعليه‌السلام : «أنا أوّل من يجثو للخصومة» أي: يجلس على الركب و أطراف الأصابع عند الحساب.

(٥) شرح ابن أبي الحديد ٦: ١٧٠.

١٥٠

بسبع لا يحاجّك فيهنّ أحد من قريش أنت أوّلهم إيمانا، و أوفاهم بعهد اللّه، و أقومهم بأمر اللّه، و أقسمهم بالسويّة، و أعدلهم في الرعيّة، و أبصرهم بالقضية، و أعظمهم عند اللّه مزيّة( ١) .

«و على» هكذا في (المصرية)( ٢ ) ، و الصواب «على» بدون الواو، كما في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطّيّة)( ٣) .

«كتاب اللّه تعرض الأمثال» في (الكافي) عن الصادقعليه‌السلام : خطب النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمنى فقال: أيّها الناس ما جاءكم عنّي يوافق كتاب اللّه فأنا قلته، و ما جاءكم يخالف كتاب اللّه فلم أقله( ٤) .

و عنهعليه‌السلام : قال النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّ علىّ كلّ حقّ حقيقة، و على كلّ صواب نورا، فما وافق كتاب اللّه فخذوه، و ما خالف كتاب اللّه فدعوه( ٥) .

و عنهعليه‌السلام : إنّ اللّه تعالى أنزل في القرآن تبيان كلّ شي‏ء حتّى و اللّه ما ترك اللّه شيئا يحتاج إليه العباد، حتّى لا يستطيع عبد يقول: لو كان هذا انزل في القرآن( ٦) .

«و بما في الصدور تجزى العباد» في (الطبريّ) قال عمّار لعبيد اللّه بن عمر:

بعت دينك من عدوّ الإسلام و ابن عدوّه؟ قال: لا، و لكن أطلب بدم عثمان. فقال له عمّار: أشهد على علمي فيك أنّك لا تطلب بشي‏ء من فعلك وجه اللّه، و أنّك إن

____________________

(١) حلية الأولياء ١: ٦٥ ٦٦، الخصال ٢: ٣٦٣ ح ٥٤.

(٢) نهج البلاغة ١: ١٢٢.

(٣) في شرح ابن ميثم ٢: ٢٠٦ مع الواو أيضا، و أمّا ابن أبي الحديد فذكر في متن الخطبة في ٦: ١٦٩ الواو، و عند شرح الفقرة في: ١٧١ أسقط الواو.

(٤) الكافي للكليني ١: ٦٩ ح ٥.

(٥) الكافي ١: ٦٩ ح ١.

(٦) الكافي ١: ٥٩ ح ١.

١٥١

لم تقتل اليوم تمت غدا، فانظر إذا أعطي الناس على قدر نيّاتهم ما نيّتك( ١) .

٢ - الخطبة (٧٧) و من كلام لهعليه‌السلام :

إِنَّ؟ بَنِي أُمَيَّةَ؟ لَيُفَوِّقُونَنِي تُرَاثَ؟ مُحَمَّدٍ ص؟ تَفْوِيقاً لَأَنْفُضَنَّهُمْ نَفْضَ اَللَّحَّامِ اَلْوِذَامَ اَلتَّرِبَةَ و يروى: «التراب الوذمة» و هو على القلب( ٢) .

«قال الشريف و قوله: (ليفوّقونني) أي: يعطونني من المال قليلا كفواق الناقة، و هو الحلبة الواحدة من لبنها، و الوذام: جمع و ذمة و هي: الحزّة من الكرش أو الكبد، تقع في التراب فتنفض».

أقول: قال ابن أبي الحديد: روى أبو الفرج في (أغانيه) بإسناد رفعه إلى الحارث بن حبيش قال: بعثني سعيد بن العاص و هو يومئذ أمير الكوفة من قبل عثمان بهدايا إلى المدينة، و بعث معي هديّة إلى عليّعليه‌السلام و كتب إليه: إنّي لم أبعث إلى أحد أكثر ممّا بعثت به إليك إلاّ إلى الخليفة. فلما أتيت عليّاعليه‌السلام و قرأ كتابه، قال: «لشدّ ما تحظر عليّ بنو اميّة تراث محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أما و اللّه لئن وليتها لأنفضنّها نفض القصّاب التراب الوذمة». قال أبو الفرج: و هذا خطأ إنّما هو «الوذام التّربة».

و قد حدّثني بذلك أحمد بن عبد العزيز الجوهري( ٣ ) عن أبي زيد عمر بن شبّة، بإسناد ذكره في الكتاب: أنّ سعيد بن العاص حيث كان أمير الكوفة بعث

____________________

(١) تاريخ الطبري ٥: ٣٩ ٤٠، سنة ٣٧.

(٢) قال الشيخ محمد عبده في شرحه على النهج ١: ١٢٣: على القلب، أي: أنّ الحقيقة «الوذام التربة» كما في الرواية الاولى، لا «التراب الوذمة» إذ لا معنى له، فهذه الرواية يراد منها مقلوبها. هذا و سيأتي من الشارح بيان له.

(٣) السقيفة و فدك: ٧٥.

١٥٢

مع ابن أبي عائشة مولاه إلى عليّعليه‌السلام بصلة، فقال عليّ: «و اللّه لا يزال غلام من غلمان بني اميّة يبعث إلينا ممّا أفاء اللّه على رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمثل قوت الأرملة و اللّه لئن بقيت لأنفضنّها نفض القصّاب الوذام التّربة»( ١) .

قلت: الذي وجدت في (الأغاني): «قال أبو جعفر: هذا غلط إنّما هو الوذام التربة»( ٢ ) . و المراد به (الطبريّ) لوقوعه في طريقه الأوّل لا أبو الفرج كما نقل.

ثمّ الأصل في إنكار رواية «التراب الوذمة» شعبة ففي (نهاية ابن الأثير) بعد ذكر أنّ في حديث عليّعليه‌السلام : «لئن وليت بني اميّة لأنفضنّهم نفض القصّاب التراب الوذمة» قال الأصمعيّ: سألت شعبة عن هذا الحرف، فقال:

ليس هو هكذا، إنّما هو «نفض الوذام التربة»( ٣) .

و (الصحاح) عكس( ٤ ) نقل الأصمعي عن شعبة، فقال: قال الأصمعي:

سألني شعبة عن هذا الحرف، فقلت( ٥ ) : ليس هو هكذا، إنّما هو «نفض القصّاب الوذام التربة»( ٦) .

و الصواب ما في (النهاية)، لنقله ذلك عن كتب غريب الحديث، و لأنّ في (طبقات السيوطي): روى الأصمعي عن شعبة( ٧) .

«إنّ بني اميّة ليفوقونني» قد عرفت من المصنّف معناه.

و في (الطبريّ): جلس المهديّ للمظالم، فتقدّم إليه رجل من آل الزبير،

____________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ٦: ١٧٤ ١٧٥.

(٢) الأغاني ١٢: ١٤٤.

(٣) النهاية ١: ١٨٥، مادة (ترب). و لكن فيها: نقل الأصمعي عن شعبة: إنّما هو نفض القصاب الوذام التربة.

(٤) لم يعكس الصحاح نقل الأصمعي كما عرفت.

(٥) في المصدر: سألت شعبة عن هذا الحرف فقال.

(٦) الصحاح ٥: ٢٠٥٠، مادة (وذم).

(٧) النهاية لابن الأثير ٣: ٤٨٠ [ فوق ] و منه حديث علي: «إنّ بني اميّة ليفوقونني تراث محمد تفويقا» و لا وجود له في طبقات المفسرين و لا طبقات الحفّاظ للسيوطي.

١٥٣

فذكر ضيعة اصطفاها عن أبيه بعض ملوك بني اميّة، الوليد أم سليمان، فأمر أبا عبيد اللّه أن يخرج ذكرها من الديوان العتيق. ففعل، فقرأ ذكرها على المهديّ. فقال المهديّ: يا زبيريّ، هذا عمر بن عبد العزيز و هو منكم معشر قريش لم يرد ردّها. قال: و كلّ أفعال عمر ترضى؟ قال: و أيّ أفعاله لا ترضى؟

قال: منها أنّه كان يفرض للسقط( ١ ) من بني اميّة في خرقة في الشرف من العطاء، و يفرض للشيخ من بني هاشم في ستّين. قال يا معاوية، أ كذلك كان يفعل عمر؟ قال: نعم قال: اردد على الزبيريّ ضيعته( ٢) .

«تراث محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تفويقا» مفعول مطلق لقوله: «ليفوّقونني».

روى ياقوت الحموي في (أدبائه) في ترجمة الشافعيّ عن جبير بن مطعم قال: لمّا قسّم النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله و سلم سهم ذوي القربى من خيبر على بني هاشم و بني المطلّب، مشيت أنا و عثمان إلى النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقلنا: هؤلاء إخوتك بنو هاشم لا ينكر فضلهم لمكانك الذي جعلك اللّه به منهم، أ رأيت إخواننا [ إخوتنا ] من بني المطلّب أعطيتهم و تركتنا؟ و إنّما نحن و هم منك بمنزلة واحدة. فقال:

إنّهم لم يفارقونا في جاهليّة و لا إسلام، إنّما بنو هاشم و بنو المطلّب شي‏ء واحد. ثمّ شبّك النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يديه إحداهما بالاخرى( ٣) .

قال الحموي: كان لعبد مناف أربعة بنين: هاشم، و المطلّب، و عبد شمس أبو اميّة، و نوفل. و كان جبير من نوفل، و عثمان من عبد شمس( ٤) .

قلت: و كما أنّ بني هاشم و بني عبد المطلّب لم يفارقا في جاهليّة و لا إسلام، كما قال النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كذلك بنو عبد شمس و بنو نوفل لم يفارقا

____________________

(١) السّقط مثلّثة الولد لغير تمام. (القاموس المحيط ٢: ٣٦٥، مادة: سقط).

(٢) تاريخ الطبري ٨: ١٧٧ ١٧٨، سنة ١٦٩.

(٣) معجم الادباء ١٧: ٣١٢، صحيح البخاري ٣: ١١٤٣.

(٤) معجم الادباء ١٧: ٣١٢.

١٥٤

فيها كما هو مرمى كلامه.

هذا، و في (العيون) عن ثمامة قال: عرض المأمون يوما للرضاعليه‌السلام بالامتنان عليه بأن ولاّه العهد، فقالعليه‌السلام له: إنّ من أخذ بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لحقيق أن يعطى به( ١) .

و في (الطبري) في وصية المأمون للمعتصم: و صلات بني عمّك من ولد أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام فلا تغفلها في كلّ سنة عند محلّها فإنّ حقوقهم تجب من وجوه شتى( ٢) .

«لأنفضنّهم» هكذا في (المصرية)( ٣ ) ، و فيه سقط و الأصل: «و اللّه لئن بقيت لهم لأنفضنّهم» كما في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية)( ٤ ) ، و كما في مستنده من (الأغاني)( ٥ ) و غيره ممّا مرّ و يأتي.

و لأنفضنّهم من «نفض الثياب» حرّكها ليسقط ما عليها من الغبار.

و يأتي مشدّدة للتكثير. قال أبو ذؤيب:

تنفّض مهده و تذود عنه

و ما تغني التّمائم و العكوف( ٦)

«نفض» أي: تحريك.

«اللحّام» و هو: من يبيع اللحم.

«الوذام» أي: البطن و الأمعاء.

____________________

(١) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ٢: ١٤٣ ح ١٢.

(٢) تاريخ الطبري ٨: ٦٥٠، سنة ٢١٨.

(٣) نهج البلاغة ١: ١٢٣.

(٤) هكذا في شرح ابن أبي الحديد ٦: ١٧٤، و لكن ابن ميثم لم يذكر هذه الفقرة في متن الخطبة، و ذكرها عند شرح الخطبة في ٢: ٢١٢.

(٥) الأغاني ١٢: ١٤٤.

(٦) أساس البلاغة: ٤٦٧، مادة (نفض).

١٥٥

«التربة» بكسر الراء، أي: التي سقطت في التراب فتترّبت.

و مرادهعليه‌السلام من قوله: «لأنفضنّهم نفض اللحّام الوذام التربة» أخذهعليه‌السلام من بني اميّة بعد عثمان ما أنهبهم من مال اللّه تعالى كما يأتي في الآتي.

قول المصنّف: «و يروي: التراب الوذمة. و هو على القلب» في (جمهرة ابن دريد): و في حديث عليّعليه‌السلام : «لأنفضنّكم نفض الجزّار الوذام التربة»، فقلبه قوم فقالوا: «نفض الجزّار التراب الوذمة»( ١) .

ثمّ المراد من قوله: «و هو على القلب» إمّا كونه غلطا كما قاله شعبة و الطبري( ٢ ) ، و إمّا أنّه من تقديم المفعول الثاني على الأوّل و هو في ما لا التباس كما في «أعطيت درهما زيدا» و في «كسوت جبّة زيدا»، لكن ذلك لو جعلناهما مفعولين، و أمّا لو جعلناها صفة و موصوفا فلا.

ثمّ إنّ (النهاية) زاد بعد ما مرّ: «و قيل: أراد بالقصّاب السبع، و التراب أصل ذراع الشاة، و السبع إذا أخذ الشاة قبض على ذلك المكان فنفضها»( ٣) .

قلت: يرد عليه أنّ الوذمة تكون حينئذ زائدة و بلا معنى.

«قال الشريف» هكذا في (المصرية)( ٤ ) ، و ليس في (ابن ميثم)( ٥ ) ، مع أنّه لا مناسبة له هنا بل قبل قوله: «و يروى» كما فعله ابن أبي الحديد( ٦ ) ، مع أنّه ليس كلام المصنف بل كلام ابن أبي الحديد.

____________________

(١) جمهرة اللغة ٢: ٧٠٣، مادة (وذم).

(٢) مرّ تخريجه آنفا.

(٣) النهاية ١: ١٨٥، مادة (ترب).

(٤) نهج البلاغة ١: ١٢٣.

(٥) في شرح ابن ميثم ٢: ٢١٢ أيضا: قال الشريف.

(٦) شرح ابن أبي الحديد ٦: ١٧٤.

١٥٦

«و قولهعليه‌السلام » هكذا في (المصرية)( ١ ) و الصواب: «قولهعليه‌السلام »( ٢ ) كما في (ابن ميثم و الخطّية)( ٣ ) ، و ليس في (ابن أبي الحديد)( ٤ ) رأسا.

«ليفوّقونني أي: يعطونني من المال قليلا» هكذا في (المصرية)( ٥) ، و الصواب: «قليلا قليلا» كما في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم( ٦ ) و الخطّية).

«كفواق الناقة و هو الحلبة الواحدة من لبنها». في (أساس الزمخشري):

«ما أقام عنده إلاّ فواق ناقة وفيقة ناقة» أي: قليلا و ذلك أنّ الناقة تحلب في اليوم خمس مرّات أو ستّ مرّات، فما اجتمع من الحلبتين فهو فيقة( ٧) .

«و الوذام: جمع وذمة و هي الحزّة» بالفتح القطعة. و في (الصحاح):

الحزّة، أي: بالضمّ، قطعة من اللحم قطعت طولا. قال أعشى باهلة:

تكفيه حزّة فلذ إن ألمّ بها

من الشواء و يروي شربه الغمر( ٨)

«من الكرش» في (الصحاح): الكرش مثل كَبِد و كِبْد بمنزلة المعدة للإنسان لكلّ مجترّ، و العرب تؤنّثها( ٩) .

«أو الكبد تقع في التراب فتنفض» الوقوع في التراب ثمّ النفض ليس تفسيرا للوذام من حيث هي، بل بيان للمراد من نفض الوذام التربة، و في العبارة تسامح.

____________________

(١) نهج البلاغة ١: ١٢٣.

(٢) أي بدون الواو.

(٣) في شرح ابن ميثم ٢: ٢١٢ أيضا مع الواو.

(٤) في شرح ابن أبي الحديد ٦: ١٧٤ أيضا مع الواو.

(٥) نهج البلاغة ١: ١٢٣.

(٦) في شرح ابن أبي الحديد ٦: ١٧٤ و شرح ابن ميثم ٢: ٢١٢: «قليلا» أيضا.

(٧) أساس البلاغة: ٣٥٠، مادة (فوق).

(٨) الصحاح ٣: ٨٧٣، مادة (حزز).

(٩) المصدر نفسه ٣: ١٠١٧، مادة (كرش).

١٥٧

٣ - الخطبة (١٥) و من كلام له عليه السلام فيما رده على المسلمين من قطائع عثمان رضى اللّه عنه:

وَ اَللَّهِ لَوْ وَجَدْتُهُ قَدْ تُزُوِّجَ بِهِ اَلنِّسَاءُ وَ مُلِكَ بِهِ اَلْإِمَاءُ لَرَدَدْتُهُ فَإِنَّ فِي اَلْعَدْلِ سَعَةً وَ مَنْ ضَاقَ عَلَيْهِ اَلْعَدْلُ فَالْجَوْرُ عَلَيْهِ أَضْيَقُ قول المصنّف: «في ما ردّه على المسلمين» هكذا في (المصرية و ابن أبي الحديد)( ١ ) ، و لكن ليس في (ابن ميثم و الخطية)( ٢ ) كلمة «على المسلمين» و لا وجه لها لأنّ بني أميّة الذين أقطعهم عثمان كانوا بحسب الظاهر من المسلمين فلا مناسبة للكلمة، و لو كان «على الناس» كان له وجه.

«من قطائع» جمع: قطيعة قطعة من أرض الخراج.

«عثمانرضي‌الله‌عنه » هكذا في (المصرية)( ٣ ) . و جملة «رضي‌الله‌عنه » من زياداتها، فليست في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم( ٤ ) و الخطّيّة)، و لأنّ الرضيّ الإماميّ لا يقولها.

كان عثمان غير إنها به بيت المال بني أبيه أقطعهم قطعات أراضي بغير حقّ.

قولهعليه‌السلام : «و اللّه لو وجدته قد تزوّج به النساء، و ملك به الإماء لرددته».

قال ابن أبي الحديد: هذه الخطبة ذكرها الكلبيّ مرويّة مرفوعة إلى أبي صالح، عن ابن عبّاس: أنّ عليّاعليه‌السلام خطب في اليوم الثاني من بيعته بالمدينة،

____________________

(١) نهج البلاغة ١: ٤٢، شرح ابن أبي الحديد ١: ٢٦٩.

(٢) في شرح ابن ميثم ١: ٢٩٥ «على المسلمين» أيضا.

(٣) نهج البلاغة ١: ٤٢.

(٤) هذه الجملة في شرح ابن أبي الحديد ١: ٢٦٩ أيضا، و ليست في شرح ابن ميثم ١: ٢٩٥.

١٥٨

فقال: «ألا إنّ كلّ قطيعة أقطعها عثمان، و كلّ مال أعطاه من مال اللّه، فهو مردود في بيت المال. فإنّ الحقّ القديم لا يبطله شي‏ء. و لو وجدته قد تزوّج به النساء، و فرّق في البلدان أرددته إلى حاله و من ضاق عنه العدل [ الحقّ ] فالجور عليه أضيق».

قال الكلبيّ: ثمّ أمرعليه‌السلام بكلّ سلاح وجد لعثمان في داره ممّا تقوّى به على المسلمين فقبض، و أمر بقبض نجائب كانت في داره من أهل الصدقة، فقبضت، و أمر بقبض سيفه و درعه، و أمر أن لا يعرض لسلاح وجد له لم يقاتل به المسلمون، و بالكفّ عن جميع أمواله التي وجدت في داره و غير داره، و أمر أن ترتجع الأموال التي أجاز بها عثمان حيث اصيبت أو اصيب أصحابها.

فبلغ ذلك عمرو بن العاص، و كان بأيلة من أرض الشام، و كان أتاها حيث وثب الناس على عثمان، فنزلها فكتب إلى معاوية: ما كنت صانعا فاصنع، إذ قشرك ابن أبي طالب من كلّ ما تملكه كما تقشر عن العصا لحاها.

و قال الوليد بن عقبة و هو أخو عثمان من أمّه يذكر قبض عليّعليه‌السلام نجائب عثمان و سيفه و سلاحه:

بني هاشم ردّوا سلاح ابن اختكم

و لا تنهبوه لا تحلّ مناهبه

بني هاشم كيف الهوادة بيننا

و عند عليّ درعه و نجائبه

بني هاشم كيف التودّد بيننا [ منكم ]

و بزّ ابن أروى فيكم و حرائبه( ١)

____________________

(١) البزّ: الثياب أو متاع البيت من الثياب و نحوها. (القاموس المحيط ٢: ١٦٦، مادة: بزز)، و الحرائب: جمع حريبة: و هو مال الرجل الذي يقوم به أمره. (النهاية ١: ٣٥٩، مادة: حرب).

١٥٩

بني هاشم إلاّ تردّوا فإنّنا

سواء علينا قاتلوه [ قاتلاه ] و سالبه

بني هاشم إنّا و ما كان منكم

كصدع الصّفا لا يشعب الصدع شاعبه

قتلتم أخي كيما تكونوا مكانه

كما غدرت يوما بكسرى مرازبه

فأجابه عبد اللّه بن أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلّب بأبيات طويلة من جملتها:

فلا تسألونا سيفكم إنّ سيفكم

أضيع و ألقاه لدى الرّوع صاحبه

و شبّهته كسرى و قد كان مثله

شبيها بكسرى هديه و ضرائبه

أي: كان كافرا كما كان كسرى كافرا( ١) .

قلت: و في (تاريخ اليعقوبي): بايع الناس بعد عثمان عليّاعليه‌السلام إلاّ ثلاثة من قريش: مروان بن الحكم، و سعيد بن العاص، و الوليد بن عقبة، و كان لسان القوم، فقال لهعليه‌السلام : يا هذا، إنّك قد وترتنا جميعا، أمّا أنا فقتلت أبي يوم بدر صبرا. و أمّا سعيد فقتلت أباه يوم بدر، و كان أبوه نور قريش. و أمّا مروان فشتمت أباه و عبت على عثمان حين ضمّه إليه إلى أن قال: و تبايعنا على أن تضع عنّا ما أصبنا، و تعفي لنا عمّا في أيدينا، و تقتل قتلة صاحبنا. فغضب عليّعليه‌السلام و قال: أمّا ذكرت من وتري إيّاكم، فالحقّ و تركم. و أمّا وضعي عنكم ما أصبتم، فليس لي أن أضع حقّ اللّه. و أمّا إعفائي عمّا في أيديكم، فما كان للّه و المسلمين فالعدل يسعكم. و أمّا قتلي قتلة عثمان، فلو لزمني قتلهم اليوم

____________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ١: ٢٦٩ ٢٧١. و تجد الأبيات في مروج الذهب ٢: ٣٥٦ ٣٥٧، و الأغاني ٥: ١٢٠ ١٢١، و الكامل في اللغة و الأدب ٢: ٤٤ مع الاختلاف.

١٦٠