بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٩

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة0%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 607

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

مؤلف: الشيخ محمد تقي التّستري
تصنيف:

الصفحات: 607
المشاهدات: 53917
تحميل: 4251


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 607 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 53917 / تحميل: 4251
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 9

مؤلف:
العربية

لزمني قتالهم غدا. و لكم أن أحملكم على كتاب اللّه و سنّة رسوله، فمن ضاق عليه الحقّ، فالباطل عليه أضيق، و إن شئتم فالحقوا بملاحقكم( ١) .

هذا، و قد أمر عمر بن عبد العزيز أيضا بردّ مظالم بني اميّة فعن (بيان الجاحظ): أنّ عمر بن عبد العزيز لمّا ولي، جعل لا يدع شيئا ممّا كان في يده و يد أهل بيته من المظالم، إلاّ ردّها مظلمة مظلمة، فبلغ ذلك عمر بن الوليد بن عبد الملك، فكتب إليه: إنّك أزريت على من كان قبلك من الخلفاء، و عبت عليهم، و سرت بغير سيرتهم بغضا لهم و شنآنا لمن بعدهم من أولادهم، و قطعت ما أمر اللّه به أن يوصل إذ عمدت إلى أموال قريش و مواريثهم، فأدخلتها بيت المال جورا و عدوانا.

يا بن عبد العزيز اتّق اللّه، و راقبه إن شططت، و لم تطمئنّ على منبرك حتّى خصصت أوّل قرابتك بالظلم و الجور( ٢) .

فأجابه عمر بن عبد العزيز: أمّا أوّل شأنك يا بن الوليد فإنّ امّك نباتة( ٣ ) أمة السكون، كانت تطوف في أسواق حمص، و تدخل حوانيتها ثمّ اللّه أعلم بها، اشتراها ذبيان بن ذبيان من في‏ء المسلمين، فأهداها إلى أبيك، فحملت بك، و بئس الحامل و بئس المحمول ثمّ نشأت فكنت جبّارا عنيدا، تزعم أنّي من الظالمين لأنّي حرمتك و أهل بيتك في‏ء اللّه الذي هو حقّ القرابة و المساكين و الأرامل إلى أن قال: و أظلم منّي و أترك لعهد اللّه من جعل لعالية البربريّة سهما في الخمس فرويدا يا بن نباتة، فلو التفت حلقتا البطان، و ردّ الفي‏ء إلى أهله لتفرّغت لك و لأهل بيتك، فوضعتكم على المحجّة البيضاء، فطالما تركتم

____________________

(١) تاريخ اليعقوبي ٢: ١٧٨ ١٧٩، و نقله الشارح بتصرّف.

(٢) لم أجد كتاب عمر بن الوليد بن عبد الملك في البيان و التبيين.

(٣) في البيان و التبيين ٣: ٤٠٣ صنّاجة، بدل: نباتة. و الصنّاجة: الضاربة بالصنج و هو الدف.

١٦١

الحقّ، و أخذتم في غير بيّنات الطريق. و من وراء هذا من الفضل ما أرجو أن أكون رأيته بيع رقبتك، و قسم ثمنك بين اليتامى و المساكين و الأرامل فإنّ لكلّ فيك حقّا( ١) .

و عكسه يزيد بن عبد الملك الذي ولي بعده ففي (العقد الفريد): كتب يزيد بن عبد الملك إلى عمّال عمر بن عبد العزيز: رأيت كتبكم إليه في انكسار الخراج و الضريبة، فإذا أتاكم كتابي هذا فدعوا ما كنتم تعرفون من عهده، و أعيدوا الناس إلى طبقتهم الاولى، أخصبوا أم أجدبوا، حيّوا أم ماتوا( ٢) .

و من الغريب أنّ ابن أبي الحديد قال: «قد كان عثمان أقطع كثيرا من بني اميّة و غيرهم من أوليائه و أصحابه قطائع من أرض بيت المال صلة لرحمه»( ٣) .

قلت: كيف يجوز صلة الرحم بمال المسلمين؟ فهل تجوز صلة الرحم بالسرقة من الناس؟ و الأصل في اعتذاره قول إمامه عثمان نفسه لمّا طعنوا عليه، فقال: إنّي أصل رحمي بما أهب( ٤ ) و أنهب من بيت المال، و تبعه في ذلك عمر بن الوليد في إنكاره على عمر بن عبد العزيز و قد كان جواب ابن عبد العزيز لابن الوليد جواب ابن أبي الحديد عن عثمان.

هذا، و في (الطبريّ): جلس المنصور ببغداد للمدنيين مجلسا عامّا، فدخل عليه شابّ من ولد عمرو بن حزم، فانتسب ثمّ قال للمنصور: قال

____________________

(١) كتاب عمر بن عبد العزيز إلى عمر بن الوليد في البيان و التبيين ٣: ٤٠٣ مع اختلاف في الألفاظ.

(٢) العقد الفريد ٥: ١٨٨.

(٣) شرح ابن أبي الحديد ١: ٢٦٩، و نقله الشارح بتصرّف يسير.

(٤) انظر الشافي في الإمامة ٤: ٢٧٢.

١٦٢

الأحوص فينا شعرا منعنا أموالنا من أجله منذ ستّين سنة، مدح الوليد بن عبد الملك بقصيدة قال فيها:

لا تأوينّ لحزميّ رأيت به

فقرا و إن القي الحزميّ في النار

النّاخسين بمروان بذي خشب

والداخلين على عثمان يوم [في] الدار( ١)

فقال له الوليد: أذكرتني ذنب آل حزم، فأمر باستصفاء أموالهم. فقال المنصور للرجل: أعد عليّ الشعر. فأعاده ثلاثا. فقال له: لا جرم، تحتظي بهذا الشعر كما حرمت به. و أمر له بعشرة آلاف درهم، و كتب إلى عمّاله أن يردّوا ضياع آل حزم عليهم، و يعطوا غلاتها في كلّ سنة من ضياع بني اميّة، و تقسّم أموالهم بينهم على كتاب اللّه على التناسخ، و من مات منهم وفّر على ورثته( ٢) .

«فإنّ في العدل سعة، و من ضاق عليه العدل فالجور عليه أضيق» قد عرفت أنّ (ابن أبي الحديد) نقل بدله عن الكلبيّ: «و من ضاق عنه العدل [ الحقّ ]، فالجور عنه أضيق»( ٣ ) . و أنّ اليعقوبي نقل بدله: «فمن ضاق عليه الحقّ، فالباطل عليه أضيق»( ٤) .

٤ - الخطبة (٤٣) و من كلام لهعليه‌السلام و قد أشار عليه أصحابه بالاستعداد للحرب بعد إرساله جرير بن عبد اللّه البجلي إلى معاوية:

____________________

(١) تجد البيتين في الأغاني ١: ٢٦ مع اختلاف يسير في الألفاظ.

(٢) تاريخ الطبري ٨: ٨٥، سنة ١٥٨.

(٣) شرح ابن أبي الحديد ٢٦٩١.

(٤) تاريخ اليعقوبي ٢: ١٧٩.

١٦٣

إِنَّ اِسْتِعْدَادِي لِحَرْبِ أَهْلِ؟ اَلشَّامِ؟ وَ؟ جَرِيرٌ؟ عِنْدَهُمْ إِغْلاَقٌ؟ لِلشَّامِ؟ وَ صَرْفٌ لِأَهْلِهِ عَنْ خَيْرٍ إِنْ أَرَادُوهُ وَ لَكِنْ قَدْ وَقَّتُّ؟ لِجَرِيرٍ؟ وَقْتاً لاَ يُقِيمُ بَعْدَهُ إِلاَّ مَخْدُوعاً أَوْ عَاصِياً وَ اَلرَّأْيُ عِنْدِي مَعَ اَلْأَنَاةِ فَأَرْوِدُوا وَ لاَ أَكْرَهُ لَكُمُ اَلْإِعْدَادَ وَ لَقَدْ ضَرَبْتُ أَنْفَ هَذَا اَلْأَمْرِ وَ عَيْنَهُ وَ قَلَّبْتُ ظَهْرَهُ وَ بَطْنَهُ فَلَمْ أَرَ لِي إِلاَّ اَلْقِتَالَ أَوِ اَلْكُفْرَ إِنَّهُ قَدْ كَانَ عَلَى اَلْنَّاسِ وَالٍ أَحْدَثَ أَحْدَاثاً وَ أَوْجَدَ لِلنَّاسِ مَقَالاً فَقَالُوا ثُمَّ نَقَمُوا فَغَيَّرُوا قول المصنّف: «و قد أشار عليه أصحابه بالاستعداد للحرب» إنّما أشار عليه بذلك منهم الأشتر، و عديّ بن حاتم، و شريح بن هانى‏ء، و أمّا باقيهم فأشاروا عليه بترك الاستعداد.

ففي (خلفاء ابن قتيبة): ذكروا أنّ عليّاعليه‌السلام استشار الناس، فأشاروا عليه بالمقام بالكوفة عامه ذلك، غير الأشتر النخعي، و عديّ بن حاتم، و شريح بن هانى‏ء، فإنّهم قاموا، فتكلّموا بلسان واحد، فقالوا: إنّ الذين أشاروا عليك بالمقام إنّما خوّفوك بحرب الشام، و ليس في حرب الشام شي‏ء أخوف من الموت، و نحن نريده. فقالعليه‌السلام لهم: «إنّ استعدادي لحرب الشام و جرير عندهم، صارف لهم عن خير إن أرادوه، و لكنّي قد وقّتّ لهم وقتا لا يقيم بعده إلاّ أن يكون مخدوعا أو عاصيا، و لا أكره لكم الإعداد»( ١) .

«بعد إرساله جرير بن عبد اللّه البجليّ( ٢ ) إلى معاوية» هكذا في

____________________

(١) الإمامة و السياسة ١: ٩٤، و نقله الشارح بتصرف يسير.

(٢) هو جرير بن عبد اللّه بن جابر البجليّ. توجد ترجمته في اسد الغابة ١: ٢٧٩ ٢٨٠، و الإصابة ١: ٢٣٢، و سفينة البحار ١: ١٥٢.

١٦٤

(المصرية)( ١ ) و الصواب: «بعد إرساله إلى معاوية جرير بن عبد اللّه البجلي» كما في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم)( ٢) .

قولهعليه‌السلام : «إنّ استعدادي لحرب أهل الشام و جرير عندهم إغلاق للشام، و صرف لأهله عن خير إن أرادوه».

قال ابن أبي الحديد: كرهعليه‌السلام منهم إظهار الاستعداد، الجهر به، و لم يكره الإعداد في السرّ، و على وجه الخفاء. و قال الراونديّ: «كره استعداد نفسه، و لم يكره إعداد أصحابه».

و لقائل أن يقول: التعليل الذي علّلعليه‌السلام به كراهيّة الأمرين معا، بل ينبغي أن تكون كراهته لإعداد جيشه أولى لأنّ شياع ذلك أعظم من شياع استعداده وحده، لأنّه وحده يمكن أن يكتم استعداده، بخلاف استعداد العساكر العظيمة، فيكون إغلاق الشام عن باب خير إن أرادوه أقرب( ٣) .

قلت: إنّ ابن أبي الحديد لم يفهم معنى استعدادهعليه‌السلام ، و لم يفرّق بين الاستعداد و الإعداد فاستعدادهعليه‌السلام إنّما كان بشخوصه مع أصحابه إلى الشام للحرب، كما عرفت من موجب قولهعليه‌السلام ذاك الكلام و هو قول الأشتر، و عديّ، و شريح لهعليه‌السلام : «ليس في حرب الشام شي‏ء أخوف من الموت و نحن نريده»( ٤) .

و معلوم أنّ ذلك كان صرفا لأهلها عن خير إن أرادوه.

و أمّا إعداد أصحابه فإنّما هو بتهيئة أسباب الحرب من الخيل و الأسلحة، و لم يعلم من التهيئة لذلك أنّهعليه‌السلام أراد حربهم لكونه أعمّ.

____________________

(١) نهج البلاغة ١: ٨٩.

(٢) كذا في شرح ابن أبي الحديد ٢: ٣٢٢ و فيه: بجرير. و لفظ شرح ابن ميثم ٢: ١٠٩ مطابق للطبعة المصرية أيضا.

(٣) شرح ابن أبي الحديد ٢: ٣٢٢ ٣٢٣، و نقله الشارح بتلخيص.

(٤) الإمامة و السياسة ١: ٩٤.

١٦٥

«و لكن قد وقّتّ لجرير وقتا لا يقيم بعده إلاّ مخدوعا» في (خلفاء ابن قتيبة):

ذكروا أنّ معاوية قال لجرير: إنّي قد رأيت رأيا. قال جرير: هات. قال: اكتب إلى عليّ أن يجعل لي الشام و مصر [ جباية ]، فإن حضرته الوفاة لم يجعل لأحد بعده في عنقه بيعة، و اسلم إليه الأمر، و أكتب إليه بالخلافة. قال جرير: اكتب ما شئت. و إنّما أراد معاوية في طلبه الشام و مصر ألاّ يكون لعليّ في عنقه بيعة، و أن يخرج نفسه ممّا دخل فيه الناس، فكتب إلى عليّعليه‌السلام يسأله ذلك فلمّا أتى عليّاعليه‌السلام كتاب معاوية عرف أنّها خدعة منه. فكتب إلى جرير: أمّا بعد فإنّ معاوية إنّما أراد بما طلب ألاّ يكون لي في عنقه بيعة، و أن يختار من أمره ما أحبّ، و قد كان المغيرة بن شعبة أشار عليّ و أنا بالمدينة أن أستعمله على الشام، فأبيت ذلك عليه، و لم يكن اللّه ليراني أن أتّخذ المضلّين عضدا، فإن بايعك الرجل، و إلاّ فأقبل( ١) .

«أو عاصيا» في (الطبريّ): قال عوانة: لمّا قدم جرير على عليّعليه‌السلام و أخبره خبر معاوية و اجتماع أهل الشام معه على قتاله، و أنّهم يبكون على عثمان، و يقولون: إنّ عليّا قتله، و آوى قتلته، و إنّهم لا ينتهون عنه حتّى يقتلهم أو يقتلوه. فقال الأشتر لعليّعليه‌السلام : قد كنت نهيتك أن تبعث جريرا، و أخبرتك بعداوته و غشّه، و لو كنت بعثتني كان خيرا من هذا الذي أقام عنده حتّى لم يدع بابا يرجو فتحه إلاّ فتحه، و لا بابا يخاف منه إلاّ أغلقه.

فقال له جرير: لو كنت ثمّ لقتلوك لقد ذكروا أنّك من قتلة عثمان، فقال الأشتر: و اللّه يا جرير، لو أتيتهم لم يعيني جوابهم، و لحملت معاوية على خطّة أعجله فيها عن الفكر، و لو أطاعني فيك أمير المؤمنين لحبسك و أشباهك في محبس لا تخرجون منه حتّى تستقيم هذه الامور.

____________________

(١) الإمامة و السياسة ١: ٩٥ ٩٦.

١٦٦

فخرج جرير إلى قرقيسيا( ١ ) ، و كتب إلى معاوية، فكتب إليه معاوية يأمره بالقدوم عليه( ٢) .

و رواه نصر بن مزاحم في (صفّينه) و زاد: أنّ الأشتر قال لجرير: إنّ عثمان اشترى منك دينك بهمدان، و اللّه ما أنت بأهل أن تترك تمشي فوق الأرض. إنّما أتيتهم لتتّخذ عندهم يدا بمسيرك إليهم، ثمّ رجعت إلينا من عندهم تهدّدنا بهم. أنت و اللّه منهم، و لا أرى سعيك إلاّ لهم( ٣) .

و قال الإسكافيّ في (نقض عثمانيّته): روى الحارث بن حصين أنّ النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دفع إلى جرير نعلين من نعاله، و قال له: احتفظ بهما، فإنّ ذهابهما ذهاب دينك. فلمّا كان يوم الجمل ذهبت إحداهما، فلمّا أرسله عليّعليه‌السلام إلى معاوية ذهبت الأخرى، ثمّ فارق عليّاعليه‌السلام و اعتزل الحرب.

و قال: قال اسماعيل بن جرير: هدم عليّ دارنا مرّتين( ٤) .

«و الرأي عندي مع الأناة» الانتظار.

«فأرودوا» من: أرود في السير، أي: رفق. و في المثل: الدهر أرود ذو غير.

أي: يعمل عمله في سكون و لا يشعر به( ٥) .

«و لا أكره لكم الإعداد» قال تعالى: و أعدّوا لهم ما استطعتم من قوّة و من رباط الخيل...( ٦) .

____________________

(١) في معجم البلدان ٤: ٣٢٨: قال حمزة الاصبهاني: قرقيسيا معرب كركيسيا و هو مأخوذ من كركيس و هو اسم لإرسال الخيل المسمّى بالعربية الحلبة. و قال ياقوت: بلد على نهر الخابور قرب الفرات، قيل: سمّيت بقرقيسيا بن طهمورث الملك.

(٢) تاريخ الطبري ٤: ٥٦٢، سنة ٣٦.

(٣) وقعة صفّين: ٥٩ ٦٠ و شرح ابن أبي الحديد ٣: ١١٦.

(٤) نقله عنه ابن أبي الحديد في شرح النهج ٤: ٧٤ ٧٥.

(٥) الصحاح ٢: ٤٧٩، مادة (رود).

(٦) الأنفال: ٦٠.

١٦٧

«و لقد ضربت أنف هذا الأمر و عينه»( ١ ) الأنف قد يجي‏ء في قبال العين كما هنا و قد يجي‏ء في مقابل الذنب، كقول الشاعر:

قوم هم الأنف، و الأذناب غيرهم( ٢)

و قالعليه‌السلام نظير هذا الكلام لأبي مسلم الخولاني لمّا جاء بكتاب معاوية إليه ففي (أخبار الطوال) قال أبو مسلم لهعليه‌السلام : ادفع إلينا قتلة عثمان، و أنت أميرنا، فإن خالفنا [ خالفك ] أحد من الناس كانت أيدينا لك ناصرة.

فقالعليه‌السلام له: «إنّي ضربت أنف هذا الأمر و عينه، فلم يستقم دفعهم إليك و لا إلى غيرك»( ٣) .

«و قلّبت ظهره و بطنه» كناية كسابقه عن ملاحظة الأمر بجملته.

«فلم أر لي» هكذا في (المصرية)( ٤ ) ، و الصواب: «فلم أر فيه» كما في (ابن أبي الحديد)( ٥) .

«إلاّ القتال أو الكفر» هكذا في (المصرية) و مثله في (ابن ميثم)( ٦ ) و زاد في (ابن أبي الحديد): «بما جاء به محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم »( ٧ ) ، و في الخطّيّة: «بما انزل على محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ». و لعلّ الزيادة حاشية خلطت بالمتن، لكون نسخة شرح ابن ميثم بخطّ مصنّفه، و لأنّه قال: و مراده بالكفر الكفر الحقيقيّ، فإنّه صرّح بمثله فيما

____________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ٢: ٣٢٢ الباب ٤٣.

(٢) القائل الحطيئة، و الشطر الثاني من البيت:

و من يسوّي بأنف الناقة الذّنبا

أورده ابن منظور في لسان العرب ١: ٢٣٩، مادة (أنف).

(٣) الأخبار الطوال: ١٦٢ ١٦٣، و نقله الشارح بتصرّف و تلخيص.

(٤) نهج البلاغة ١: ٩٠.

(٥) شرح ابن أبي الحديد ٢: ٣٢٢.

(٦) نهج البلاغة ١: ٩٠، و شرح ابن ميثم ٢: ١١٠.

(٧) شرح ابن أبي الحديد ٢: ٣٢٢.

١٦٨

قبل حيث يقول: «و قد قلّبت هذا الأمر ظهره و بطنه حتّى منعني القوم، فما وجدتني يسعني إلاّ قتالهم أو الجحود بما جاء به محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم »( ١) .

و كيف كان، كانعليه‌السلام يكرّر ذلك جوابا لمن يشير عليه بترك قتالهم. ففي (صفّين نصر بن مزاحم): خرج رجل من أهل الشام ينادي بين الصفّين: يا أبا الحسن يا عليّ ابرز إليّ. فخرج إليه عليّعليه‌السلام حتّى إذا اختلفت أعناق دابّتيهما بين الصفّين، فقال: يا عليّ، إنّ لك قدما في الإسلام و هجرة، فهل لك في أمر أعرضه عليك يكون فيه حقن هذه الدماء، و تأخير هذه الحروب حتّى ترى من رأيك؟ فقال له عليّعليه‌السلام : و ما ذاك؟ قال: ترجع إلى عراقك فنخلّي بينك و بين العراق، و نرجع إلى شامنا فتخلّي بيننا و بين شامنا.

فقال له عليّ عليه السلام: لقد عرفت أنّك إنّما عرضت هذا نصيحة و شفقة، و لقد أهمّني هذا الأمر و أسهرني، و ضربت أنفه و عينه، فلم أجد إلاّ القتال أو الكفر بما انزل على محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . إنّ اللّه تبارك و تعالى لم يرض من أوليائه أن يعصى في الأرض و هم سكوت مذعنون لا يأمرون بالمعروف، و لا ينهون عن المنكر فوجدت القتال أهون عليّ من معالجة الأغلال في جهنّم( ٢) .

و كيف يتركعليه‌السلام قتالهم و كان اللّه تعالى عيّنه على لسان نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لقتال الناكثين و القاسطين و المارقين( ٣ ) . و القاسطون: معاوية و أهل الشام.

و أمره اللّه تعالى بجهاد المنافقين عوضا عن نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيث كان نفس

____________________

(١) شرح ابن ميثم ٢: ١١٣.

(٢) وقعة صفين: ٤٧٤، و شرح ابن أبي الحديد ٢: ٢٠٧ ٢٠٨.

(٣) شرح ابن أبي الحديد ٣: ٢٠٧.

١٦٩

نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ( ١ ) بقوله تعالى:... و أنفسنا و أنفسكم...( ٢ ) ، و قد قال جلّ و علا لنبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا أيّها النّبيّ جاهد الكفّار و المنافقين...( ٣ ) و لم يجاهد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غير الكفّار فلا بدّ أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فوّض إليه جهاد المنافقين. و معاوية و أصحابه كانوا رؤوس المنافقين.

«إنّه قد كان على الناس» هكذا في (المصريّة)( ٤ ) ، و الصواب: «على الامّة» كما في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطيّة)( ٥) .

«وال أحدث أحداثا، و أوجد للناس مقالا، فقالوا ثمّ نقموا فغيّروا» في (الطبريّ): كتب عليّعليه‌السلام إلى أهل مصر لمّا ولّى قيس بن سعد بن عبادة عليهم كتابا إلى أن قال فيه بعد ذكر أبي بكر و عمر ثمّ ولي بعدهما وال فأحدث أحداثا، فوجدت الامّة عليه مقالا فقالوا، ثمّ نقموا عليه فغيّروا، ثمّ جاؤوني فبايعوني( ٦) .

أمّا أحداثه ففي (تقريب الحلبيّ): فمن أحداث عثمان تقليد ابن عامر على البصرة للخؤولة التي بينهما، و ابن أبي سرح على مصر للرضاعة التي بينهما،

____________________

(١) أجمعت الخاصّة و العامّة على أنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام نفس النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، و تواترت بذلك أحاديثهم بألفاظ مختلفة، و أسانيد شتّى يضيق المجال لذكرها، و هنا نذكر أهمّ المصادر التي نقلت ذلك، حسب الترتيب التاريخي: التفسير المنسوب الى الامام العسكريعليه‌السلام : ٦٥٨ ٦٥٩، تفسير فرات الكوفي: ٨٦، الكافي ٨: ٣١٩، أمالي الصدوق: ٤٢٣، حقائق التأويل في متشابه التنزيل: ٢٢٩ ٢٣٠، أمالي الطوسي ١: ٢٧٨، أسباب النزول للواحدي: ٦٨، شواهد التنزيل للحسكاني ١: ١٥٨ ١٦٠، المناقب لابن المغازلي: ٢٦٣، معالم التنزيل للعلاّمة البغويّ، المناقب للخوارزميّ: ٩٠، المناقب لابن شهر آشوب ٢: ٢١٦ ٢١٨، العمدة لابن البطريق: ١٩١ ١٩٢، التفسير الكبير للرازي ٨: ٨١، كفاية الطالب: ٢٨٨، تفسير ابن كثير، الدرّ المنثور ٢: ٣٨ ٣٩، الصواعق المحرقة: ١٥٦.

(٢) آل عمران: ٦١.

(٣) التوبة: ٧٣.

(٤) نهج البلاغة ١: ٩٠.

(٥) كذا في شرح ابن أبي الحديد ٢: ٣٢٢، و لكن في شرح ابن ميثم ٢: ١١٠ «على الناس» أيضا.

(٦) تاريخ الطبري ٤: ٥٤٨ ٥٤٩، سنة ٣٦.

١٧٠

و يعلى بن اميّة على اليمن، و أسيد بن الأخنس على البحرين لكونه ابن عمّته، و عزل المأمونين من الصحابة على الدين، المختارين للولاية، المرضيين السيرة.

و من أحداثه استخفافه بعليّعليه‌السلام حين أنكر عليه تكذيب أبي ذرّ.

و منها عزل عبد اللّه بن الأرقم عن بيت المال لمّا أنكر عليه إطلاق الأموال لبني اميّة بغير حقّ.

و منها قوله لعبد الرحمن بن عوف: يا منافق و هو الذي اختاره و عقد له الأمر.

و منها منعه عائشة و حفصة ما كان أبو بكر و عمر يعطيانهما، و سبّه لعائشة، و قوله لها و قد أنكرت عليه الأفاعيل القبيحة: لئن لم تنتهي، لادخلنّ عليك الحجرة سودان الرجال و بيضانها.

و منها أكله الصيد و هو محرم مستحلاّ، و صلاته بمنى أربعا، و إنكاره متعة الحجّ.

و منها ضرب عبد اللّه بن حنبل و كان بدريّا مائة سوط، و حمله على جمل يطاف به في المدينة، لإنكاره عليه الأحداث، و إظهاره عيوبه في الشعر، و حبسه بعد ذلك موثقا بالحديد، فلم يزل عليّعليه‌السلام بعثمان يكلّمه حتّى خلّى سبيله على أن لا يساكنه بالمدينة، فسيّره إلى قلعة قموص من خيبر، فلم يزل بها حتّى ناهض المسلمون عثمان من كلّ بلد، فقال:

لو لا عليّ فإنّ اللّه أنقذني

على يديه من الأغلال و الصفد

نفسي فداء عليّ إذ يخلّصني

من كافر بعد ما أغضى على الصمد

و منها تسيير حذيفة إلى المدائن حين أظهر ما سمعه من النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيه و أنكر أفعاله، فلم يزل يحرّض على عثمان [ يعرض بعثمان ] حتّى قتل.

١٧١

و منها نفي الأشتر، و وجوه أهل الكوفة عنها إلى الشام حين أنكروا على سعيد بن العاص عامله أفعاله، و نفيهم من دمشق إلى حمص.

و منها معاهدته لعليّعليه‌السلام و وجوه الصحابة على الندم على ما فرّط فيه [ منه ]، و العزم على ترك معاودته، و نقض ذلك، و الرجوع عنه مرّة بعد مرّة، و إصراره على ما ندم منه، و عاهد اللّه تعالى و أشهد القوم على تركه من الاستيثار بالفي‏ء، و بطانة السوء، و تقليد الفسقة أمور المسلمين.

و منها كتابه إلى ابن أبي سرح بقتل رؤساء المصرييّن، و التنكيل بالأتباع، و تخليدهم الحبس لإنكارهم ما يأتيه ابن أبي سرح إليهم من الجور الذي اعترف به، و عاهد على تغييره.

و منها تعريضه نفسه، و من معه من الأهل و الأتباع للقتل، و لم يعزل ولاة السوء.

و منها استمراره على الولاية مع إقامته على المنكرات الموجبة للفسخ، و تحريم التصرف في أمر الامّة. و ذلك تصرّف قبيح لكونه غير مستحقّ عندهم مع ثبوت الفسق...( ١) .

و في (أخبار طوال الدينوريّ): كان الأشعث بن قيس واليا على أذربيجان طول ولاية عثمان، و كانت ولايته ممّا عتب الناس فيه على عثمان، لأنّه ولاّه عند مصاهرته إيّاه، و تزويج ابنة الأشعث من ابنه( ٢) .

و في (الطبري): أنّ أوّل من زاد النداء الثالث يوم الجمعة على الزوراء عثمان( ٣) .

____________________

(١) نقله عن تقريب المعارف، العلاّمة المجلسيرضي‌الله‌عنه في البحار ٨: ٣٣٥ ط الكمباني.

(٢) أخبار الطوال: ١٥٦.

(٣) تاريخ الطبري ٤: ٤٠١، سنة ٣٥.

١٧٢

و في (الطبري) أيضا بعد ذكر كتاب عثمان إلى أهل مكّة مع ابن عبّاس لمّا ولاّه الموسم بعد حصره، و عدّه في كتابه ما طعنوا عليه و ما أجابهم، إلى أن ذكر قالوا: كتاب اللّه يتلى. فقلت: فليتله من تلاه غير غال فيه بغير ما أنزل اللّه في الكتاب( ١) .

و هو دالّ على أنّه منع من تلاوة مقدار من كتاب اللّه بشبهة كونه من غير القرآن.

و في (أنساب البلاذريّ) عن الزهريّ: أنّ عثمان كان يأخذ من الخيل الزكاة، فأنكر ذلك من فعله، و قالوا: قال النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : عفوت لكم عن صدقة الخيل و الرقيق.

و فيه أيضا كان عبد اللّه بن سعد بن أبي سرح أخا عثمان من الرضاعة و عامله على المغرب، فغزا إفريقيّة سنة سبع و عشرين فافتتحها، و كان معه مروان فابتاع خمس الغنيمة بمائة ألف دينار، فكلّم عثمان فوهبها له، فأنكر الناس ذلك على عثمان.

و فيه أيضا: كان مما أنكر على عثمان أنّه ولّى الحكم بن أبي العاص صدقات قضاعة، فبلغت ثلاثمائة ألف درهم، فوهبها له حين أتاه بها.

و قال الواقدي و أبو مخنف في روايتهما: أنكر الناس على عثمان اعطاءه سعيد بن العاص مائة ألف درهم.

و فيه: قال أبو مخنف في أسناده: أنكر الناس على عثمان مع ما انكر ان حمى الحمى، و أن أعطى زيد بن ثابت مائة ألف درهم، من ألف ألف درهم حملها أبو موسى الأشعري، و قال له: هذا حقّك.

فقال أسلم بن أوس الساعدي و هو الذي منع من دفن عثمان في البقيع:

____________________

(١) تاريخ الطبري ٤: ٤٠٩، سنة ٣٥.

١٧٣

دعوت اللعين فأدنيته

خلافا لسنّة من قد مضى

و أعطيت مروان خمس العباد

ظلما لهم و حميت الحمى

و مال أتاك به الأشعري

من الفي‏ء أنهبته من ترى

و فيه: قال سعيد بن المسيب: أمر عثمان بذبح الحمام، و قال: إنّ الحمام قد كثر في بيوتكم حتى كثر الرمي و نالنا بعضه. فقال الناس: يأمرنا بذبح الحمام و قد آوى طرداء رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

و فيه: قال ابن عمر: صلّيت بمنى مع النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ركعتين، و مع أبي بكر و عمر و مع عثمان صدرا من خلافته، ثم أتمّها أربعا، فتكلّم الناس في ذلك فأكثروا، و سئل أن يرجع عن ذلك، فلم يرجع.

و فيه: ان النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا خرج للصلاة أذن المؤذن ثم يقيم، و كذلك كان الأمر على عهد أبي بكر و عمر و في صدر من أيام عثمان، ثم إنّ عثمان نادى النداء الثالث في السنة السابعة، فعاب الناس ذلك و قالوا: بدعة.

و في (خلفاء ابن قتيبة) بعد ذكر خطبة لأمير المؤمنينعليه‌السلام في التحريض على جهاد معاوية: ثمّ قام أبو أيّوب الأنصاري فقال: إنّ أمير المؤمنين أكرمه اللّه قد أسمع من كانت له أذن واعية، و قلب حفيظ. إنّ اللّه قد أكرمكم به كرامة ما قبلتموها حقّ قبولها، حيث نزل بين أظهركم ابن عمّ الرسول، و خير المسلمين و أفضلهم و سيّدهم بعده، يفقهكم في الدين، و يدعوكم إلى جهاد المحلّين، فو اللّه لكأنّكم صمّ لا تسمعون إلى أن قال:

أ ليس إنّما عهدكم بالجور و العدوان أمس، و قد شمل العباد، و شاع في الإسلام، فذو حقّ محروم، و مشتوم عرضه، و مضروب ظهره، و ملطوم وجهه، و موطوء بطنه، و ملقى بالعراء، فلمّا جاءكم أمير المؤمنينعليه‌السلام صدع بالحقّ، و نشر العدل، و عمل بالكتاب؟ فاشكروا نعمة اللّه

١٧٤

عليكم، و لا تتولّوا مجرمين( ١) .

و فيه: ذكروا أنّه اجتمع ناس من أصحاب النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، و كتبوا كتابا ذكروا فيه ما خالف عثمان من سنّة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و سنّة صاحبيه، و ما كان من هبته خمس إفريقيّة لمروان و فيه حقّ اللّه و رسوله، و منهم ذوو القربى و اليتامى و المساكين، و ما كان من تطاوله في البنيان حتّى عدّوا سبع دور بناها بالمدينة: دارا لنائلة، و دارا لعائشة ابنته، و غيرهما من أهله و بناته، و بناء [ بنيان ] مروان القصور بذي خشب، و عمارة الأموال بها من الخمس الواجب للّه و لرسوله، و ما كان من إفشائه العمل و الولايات في أهله و بني عمّه من بني اميّة، أحداث و غلمة لا صحبة لهم من الرسول، و لا تجربة لهم بالامور، و ما كان من الوليد بن عقبة بالكوفة إذ صلّى بهم الصبح و هو أمير عليها سكران أربع ركعات، ثمّ قال لهم: إن شئتم أن أزيدكم ركعة [ صلاة ] زدتكم، و تعطيله إقامة الحدّ عليه، و تأخيره ذلك عنه، و تركه المهاجرين و الأنصار لا يستعملهم على شي‏ء و لا يستشيرهم، و استغنى برأيه عن رأيهم، و ما كان من الحمى الذي حمى حول المدينة، و ما كان من إدراره القطائع و الأرزاق و الأعطيات على أقوام بالمدينة ليست لهم صحبة من النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثمّ لا يغزون بولا يذبّون، و ما كان من مجاوزته الخيزران إلى السوط، و إنّه أوّل من ضرب بالسياط ظهور الناس، و إنّما كان ضرب الخليفتين قبله بالدرّة و الخيزران.

ثمّ تعاهد القوم ليدفعنّ الكتاب في يد عثمان، و كان ممّن حضر الكتاب عمّار و المقداد، و كانوا عشرة، فلمّا خرجوا بالكتاب ليدفعوه إلى عثمان و الكتاب في يد عمّار جعلوا يتسلّلون عن عمّار، حتّى بقي وحده، فمضى حتّى جاء دار عثمان، فاستأذن عليه، فأذن له، فدخل عليه و عنده مروان و أهله من

____________________

(١) الإمامة و السياسة ١: ١٥٢ ١٥٣.

١٧٥

بني اميّة، فدفع إليه الكتاب فقرأه، فقال: أنت كتبت هذا الكتاب؟ قال: نعم. قال:

و من كان معك؟ قال: معي نفر تفرّقوا فرقا منك. قال: و من هم؟ قال: لا أخبرك بهم. قال: فلم اجترأت عليّ من بينهم؟ فقال مروان: إنّ هذا العبد الأسود يعني عمّارا قد جرّأ عليك الناس، و إنّك إن قتلته نكلت به من وراءه. قال عثمان:

اضربوه، فضربوه و ضربه عثمان معهم حتّى فتقوا بطنه، فغشي عليه، فجرّوه حتّى طرحوه على باب الدار، فأمرت به أمّ سلمة زوج النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأدخل منزلها، ثمّ خرج عثمان إلى المسجد، فإذا هو بعليّعليه‌السلام و هو شاك معصوب الرأس، فقال عثمان: و اللّه يا أبا الحسن، ما أدري أشتهي موتك أم حياتك؟ فو اللّه لئن متّ ما أحبّ أن أبقى بعدك، لأنّي لا أجد منك خلفا، و لئن بقيت لا أعدم طاغيا يتّخذك سلما و عضدا، و يعدّك كهفا و ملجأ، لا يمنعني منه إلاّ مكانه منك، و مكانك منه إلى أن قال: فقال عليّعليه‌السلام : إنّ في ما تكلّمت به جوابا، و لكنّي عن جوابك مشغول بوجعي، و أنا أقول كما قال العبد الصالح: فصبرٌ جميل و اللّه المستعان على ما تصفون( ١) .

و في (حلية أبي نعيم): في حذيفة قال النزال بن سبرة: كنّا مع حذيفة في البيت فقال له عثمان: يا أبا عبد اللّه، ما هذا الذي يبلغني عنك؟ قال: ما قلته. فقال له عثمان: أنت أصدقهم و أبرّهم. فلمّا خرج قلت لحذيفة: أ لم تقل ما قلت؟ قال:

بلى، و لكن أشتري ديني بعضه ببعض مخافة أن يذهب كلّه( ٢) .

و في (تاريخ اليعقوبيّ): نقم الناس على عثمان بعد ولايته بستّ سنين، و تكلّم فيه من تكلّم، و قالوا: آثر القرباء، و حمى الحمى، و بنى الدار، و اتّخذ

____________________

(١) الإمامة و السياسة لابن قتيبة ١: ٣٢ ٣٣، و نقله الشارح بتصرّف و تلخيص، و الآية ١٨ من سورة يوسف.

(٢) حلية الأولياء لأبي نعيم ١: ٢٧٩، العقد الفريد لابن عبد ربه ٧: ٢٩٦، و قال ابن عبد ربّه في العقد بعد ذكره: أخذه الشاعر فقال:

نرقّع دنيانا بتمزيق ديننا

فلا ديننا يبقى و لا ما نرقّع

١٧٦

الضياع و الأموال بمال اللّه و المسلمين، و نفى أبا ذرّ صاحب الرسول، و عبد الرحمن بن حنبل، و آوى الحكم بن أبي العاص، و ولّى الوليد بن عقبة الكوفة، فأحدث في الصلاة ما أحدث، فلم يمنعه ذلك من إعادته إيّاه، و أجاز الرجم، و ذلك أنّه كان رجم امرأة من جهينة دخلت على زوجها، فولدت لستّة أشهر، فأمر عثمان برجمها، فلمّا اخرجت دخل عليه عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام فقال: إنّ اللّه تعالى يقول:... و حملُه و فِصاله ثلاثونَ شهرا...( ١ ) . و قال في رضاعه:

حولين كاملين...( ٢ ) . فأرسل عثمان في أثر المرأة، فوجدت قد رجمت فماتت، فاعترف الرجل بالولد( ٣) .

و كتب في جمع المصاحف من الآفاق حتّى جمعها، ثمّ سلقها بالماء الحارّ و الخلّ. و قيل: أحرقها، فلم يبق مصحف إلاّ فعل به ذلك خلا مصحف ابن مسعود. و كان ابن مسعود بالكوفة، فامتنع أن يدفع مصحفه إلى عبد اللّه بن عامر، فكتب إليه عثمان: أن أشخصه. فدخل المسجد و عثمان يخطب، فقال عثمان: إنّه قد قدمت عليكم دابّة سوء. فتكلّم ابن مسعود بكلام غليظ فأمر به عثمان، فجرّ برجله حتّى كسر له ضلعان، فتكلّمت عائشة، و قالت قولا كثيرا.

فأقام ابن مسعود مغاضبا لعثمان حتّى توفي، و صلّى عليه عمّار، و كان عثمان غائبا فستر أمره. فلمّا انصرف رأى القبر، فقال: قبر من هذا؟ قيل:

قبر عبد اللّه بن مسعود. قال: فكيف دفن قبل أن أعلم؟ فقالوا: ولي أمره عمّار، و ذكر أنّه أوصى ألاّ يخبر به، و لم يلبث إلاّ يسيرا حتّى مات المقداد، فصلّى عليه عمّار، و كان أوصى إليه، و لم يؤذن به عثمان، فاشتدّ غضب عثمان على

____________________

(١) الأحقاف: ١٥.

(٢) البقرة: ٢٣٣.

(٣) تاريخ اليعقوبي ٢: ١٧٣ ١٧٤، و نقله الشارح بتصرّف.

١٧٧

عمّار، و قال: ويلي على ابن السوداء أما لقد كنت به عليما( ١) .

و في ابن أبي الحديد في موضع آخر: قرى‏ء كتاب (الاستيعاب) على شيخنا عبد الوهّاب بن سكينة المحدّث و أنا حاضر، فلمّا انتهى القارى‏ء إلى خبر حضور حجر و الأشتر في تجهيز أبي ذرّ، قال استاذي عمر بن عبد اللّه الدبّاس:

لتقل الشيعة بعد هذا ما شاءت، فما قال المرتضى و المفيد إلاّ بعض ما كان حجر و الأشتر يعتقدانه في عثمان و من تقدّمه، فأشار الشيخ إليه بالسكوت( ٢) .

و في (الأغاني) في أبي ذؤيب و خروجه في غزوة إفريقية: و كان مروان قد صفق( ٣ ) على الخمس بخمسمائة ألف، فوضعها عنه عثمان، فكان ذلك ممّا تكلّم فيه بسببه. فقال عبد الرحمن بن حنبل بن مليل و هو أخو صفوان بن اميّة لعثمان:

دعوت الطريد( ٤ ) فأدنيته

خلافا لسنّة من قد مضى

و أعطيت مروان خمس العبا

د ظلما لهم و حميت الحمى

و مالا أتاك به الأشعري

من الفي‏ء أعطيته من دنا

قال: المراد بالمال الذي أتى به الأشعري، المال الذي قدم به أبو موسى الأشعري من العراق على عثمان، فأعطى عبد اللّه بن أسيد بن أبي العاص [ العيص ] منه مائة ألف درهم، و قيل: ثلثمائة ألف درهم فأنكر الناس ذلك( ٥) .

____________________

(١) تاريخ اليعقوبي ٢: ١٧٠ ١٧١، و نقله الشارح بتصرّف.

(٢) شرح ابن أبي الحديد ١٠١ ١٠٥.

(٣) يقال: صفقت له بالبيع و البيعة صفقا، أي: ضربت يدي على يده. (الصحاح ٤: ١٥٠٧، مادة: صفق).

(٤) هو الحكم بن أبي العاص بن أميّة أبو مروان بن الحكم و عمّ عثمان بن عفّان. و هو طريد رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نفاه من المدينة إلى الطائف، و لم يزل بها إلى أن ولي عثمان فردّه إلى المدينة و أعطاه مائة ألف درهم. انظر الطبقات الكبرى ٥: ٤٤٧، الاستيعاب ١: ٣١٧ ٣١٩، أسد الغابة ٢: ٣٣ ٣٥، الإصابة ١: ٣٤٥ ٣٤٦.

(٥) الأغاني ٦: ٢٦٨ ٢٦٩.

١٧٨

و أما ايجاد عثمان للناس مقالا، و قولهم فيه، و نقمهم عليه، و تغييرهم أمره ففي (الطبري) في جهاد هاشم المرقال يوم صفّين مع جمع من القرّاء:

فإنّهم لكذلك إذ خرج عليهم فتى شابّ و هو يقول:

أنا ابن أرباب الملوك غسّان

و الدائن اليوم بدين عثمان

إنّي أتاني خبر فأشجان

أنّ عليّا قتل ابن عفّان

ثم يشدّ فلا ينثني حتى يضرب بسيفه، ثمّ يشتم و يلعن و يكثر الكلام، فقال له هاشم: يا عبد اللّه، إنّ هذا الكلام بعده الخصام، و إنّ هذا القتال بعده الحساب، فاتّق اللّه فإنّك راجع إلى اللّه فسائلك عن هذا الموقف و ما أردت به.

قال: فإنّي أقاتلكم لأنّ صاحبكم لا يصلّي كما ذكر لي، و أنتم لا تصلّون أيضا، و أقاتلكم لأنّ صاحبكم قتل خليفتنا، و أنتم أردتموه على قتله. فقال له هاشم: و ما أنت و ابن عفّان إنّما قتله أصحاب محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و أبناء أصحابه و قرّاء الناس، حين أحدث الأحداث، و خالف حكم الكتاب، و هم أهل الدين، و أولى بالنظر في امور الناس منك و من أصحابك إلى أن قال: و أمّا قولك: إنّ صاحبنا لا يصلّي، فهو أوّل من صلّى، و أفقه خلق اللّه في دين اللّه، و أولى بالرسول. و أمّا كلّ من ترى معي فكلّهم قارى‏ء لكتاب اللّه لا ينام الليل تهجّدا...( ١) .

و في (الطبري) أيضا: كان ابتداء الجرأة على عثمان أنّ إبلا من إبل الصدقة قدمت على عثمان، فوهبها لبعض ولد الحكم بن أبي العاص، فبلغ ذلك عبد الرحمن بن عوف، فأخذها [ فأخذاها ] و قسمها بين الناس و عثمان في داره، فكان ذلك أوّل وهن دخل عليه.

و قيل: بل كان أوّل وهن دخل عليه أنّ عثمان مرّ بجبلة بن عمرو

____________________

(١) تاريخ الطبري ٥: ٤٣ ٤٤، سنة ٣٧، و نقله الشارح بتصرّف.

١٧٩

الساعدي، و هو في نادي قومه و في يده جامعة( ١ ) ، فسلّم عثمان، فردّ القوم عليه، فقال لهم جبلة: لم تردّون على رجل فعل كذا و فعل كذا ثمّ قال لعثمان:

و اللّه لأطرحنّ هذه الجامعة في عنقك أو لتتركنّ بطانتك هذه الخبيثة مروان، و ابن عامر، و ابن أبي سرح منهم من نزل القرآن بذمّه، و منهم من أباح النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دمه.

و قيل: إنّه خطب يوما، و بيده عصا كان النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و أبو بكر و عمر يخطبون عليها، فأخذها جهجاه الغفاري من يده، و كسرها على ركبته، فلمّا تكاثرت أحداثه كتب جمع من أهل المدينة من الصحابة و غيرهم إلى من بالآفاق: إنّكم إن كنتم تريدون الجهاد فهلمّوا إلينا فإنّ دين محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد أفسده خليفتكم( ٢) .

و في (العقد): قال ابن دأب: لمّا أنكر الناس على عثمان ما أنكروا، من تأمير الأحداث من أهل بيته بني اميّة على الجلّة الأكابر من أصحاب محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قالوا لعبد الرحمن بن عوف: هذا عملك و اختيارك لامّة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ قال: لم أظنّ هذا به( ٣) .

و فيه: قال أبو سعيد الخدري: إنّ ناسا كانوا عند فسطاط عائشة و أنا معهم بمكّة، فمرّ بنا عثمان، فما بقي أحد من القوم إلاّ لعنه غيري، و كان فيهم رجل من أهل الكوفة، كان عثمان أجرأ عليه منه على غيره، فقال له: يا كوفيّ، أ تشتمني؟ فلمّا قدم المدينة كان يتهدّده، فقيل له: عليك بطلحة. فانطلق معه حتّى دخل على عثمان، فقال عثمان: و اللّه لأجلدنّه مائة سوط. قال طلحة: و اللّه

____________________

(١) الجامعة: الغلّ، لأنّها تجمع اليدين إلى العنق. (الصحاح ٣: ١١٩٩، مادة: جمع).

(٢) تاريخ الطبري ٤: ٣٦٥ ٣٦٧، سنة ٣٥، و نقله الشارح بتصرّف و تلخيص.

(٣) العقد الفريد ٥: ٥٥.

١٨٠