بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٩

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة0%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 607

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

مؤلف: الشيخ محمد تقي التّستري
تصنيف:

الصفحات: 607
المشاهدات: 53944
تحميل: 4254


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 607 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 53944 / تحميل: 4254
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 9

مؤلف:
العربية

لا تجلدنّه مائة سوط إلاّ أن يكون زانيا. قال: و اللّه لأحرمنّه عطاءه. قال: اللّه يرزقه( ١) .

و في (العقد): نظر ثابت بن عبد اللّه بن الزبير إلى أهل الشام فقال: إنّي لأبغض هذه الوجوه. فقال له سعيد بن عمرو بن عثمان: تبغضهم لأنّهم قتلوا أباك قال: صدقت، و لكنّ المهاجرين و الأنصار قتلوا أباك( ٢) .

و في (خلفاء ابن قتيبة) في حصار عثمان: فقام الأشتر و قال لطلحة:

تبعثون إلينا و جاءنا رسولكم بكتابكم، و ها هو ذا، و أخرج كتابا فيه: بسم اللّه الرحمن الرحيم، من المهاجرين الأوّلين و بقيّة الشورى، إلى من بمصر من الصحابة و التابعين، أمّا بعد أن تعالوا إلينا، و تداركوا خلافة رسول اللّه قبل أن يسلبها أهلها فإنّ كتاب اللّه قد بدّل، و سنّة رسوله قد غيّرت، و أحكام الخليفتين قد بدّلت، فننشد اللّه من قرأ كتابنا من بقيّة أصحاب الرسول و التابعين بإحسان، إلاّ أقبل إلينا، و أخذ الحقّ لنا، و أعطاناه، فأقبلوا إلينا إن كنتم تؤمنون باللّه و اليوم الآخر، و أقيموا الحقّ على المنهاج الواضح، الذي فارقتم عليه نبيّكمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، و فارقكم عليه الخلفاء. غلبنا على حقّنا، و استولي على فيئنا، و حيل بيننا و بين أمرنا، و كانت الخلافة بعد نبيّنا خلافة نبوّة و رحمة، و هي اليوم ملكا عضوضا، من غلب على شي‏ء أكله. فبكى طلحة، فقال الأشتر: لمّا حضرنا أقبلتم تعصرون أعينكم، و اللّه لا نفارقه حتّى نقتله إلى أن قال: و ذكروا أنّ أهل مصر جاؤوا يشكون عاملهم ابن أبي سرح، فكتب إليه عثمان يتهدّده، فأبى ابن أبي سرح أن يقبل ما نهاه عنه عثمان، و ضرب بعض من أتاه به من قبل عثمان من أهل مصر حتّى قتله، فخرج من أهل مصر سبعمائة رجل،

____________________

(١) العقد الفريد ٥: ٥٦.

(٢) العقد الفريد ٤: ١١٠.

١٨١

فنزلوا في المسجد، و شكوا إلى أصحاب النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مواقيت الصلاة ما صنع بهم ابن أبي سرح، فقام طلحة و تكلّم بكلام شديد، و أرسلت عائشة إلى عثمان فقالت له: قد تقدّم إليك أصحاب النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، و سألوك عزل هذا الرجل، فأبيت إلاّ واحدة، فهذا قد قتل منهم رجلا، فأنصفهم من عاملك. و دخل عليه عليّعليه‌السلام ، و كان متكلّم القوم، فقال له: إنّما يسألونك رجلا مكان رجل، و قد ادّعوا قبله دما، فاعزله عنهم و اقض بينهم، فإنّ وجب لهم عليه حقّ، فأنصفهم منه. فقال: اختاروا رجلا أولّيه عليهم. فقالوا: استعمل محمّد بن أبي بكر. فكتب عهده، و ولاّه، فخرج و خرج معه عدد من المهاجرين و الأنصار، ينظرون في ما بين أهل مصر و ابن أبي سرح، حتّى إذا كانوا على مسيرة ثلاث ليال من المدينة، فإذا هم بغلام أسود على بعير يخبط البعير، كأنّه رجل يطلب أو يطلب، فقال له أصحاب محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله : ما قصّتك و ما شأنك؟ كأنّك طالب أو هارب، فقال: إنّي غلام عثمان وجّهني إلى عامل مصر. فقال له رجل: هذا عامل مصر معنا، قال: ليس هذا اريد. فاخبر محمّد بن أبي بكر بأمره، فبعث في طلبه، فجي‏ء به إليه، فقال له: غلام من أنت؟ فأقبل مرّة يقول: غلام مروان، و مرّة يقول: غلام عثمان، حتّى عرفه رجل أنّه لعثمان، فقال له محمّد: إلى من أرسلك؟ قال: إلى عامل مصر. قال: بماذا؟ أما معك كتاب؟ قال: لا. ففتّشوه، فلم يجدوا معه كتابا، و كانت معه إداوة قد يبست، فيها شي‏ء يتقلقل، فحرّكوه ليخرج فلم يخرج، فشقّوا إداوته، فإذا فيها كتاب من عثمان إلى ابن أبي سرح، فجمع محمّد بن أبي بكر من كان معه من المهاجرين و الأنصار، و فكّ الكتاب بمحضر منهم، فقرأه، فإذا فيه: إذا أتاك محمّد بن أبي بكر و فلان و فلان و فلان فاقتلهم، و أبطل كتابهم، و قرّ على عملك حتّى يأتيك رأيي.

فلمّا رأوا الكتاب فزعوا منه، و رجعوا إلى المدينة، و ختم محمّد بن أبي

١٨٢

بكر الكتاب بخواتم النفر الذين كانوا معه، و دفعه إلى رجل منهم، ثمّ قدموا المدينة، فجمعوا طلحة و الزبير و عليّا و سعدا، و من كان من أصحاب النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثمّ فكّوا الكتاب بمحضر منهم، و أخبرهم بقصّة الغلام، و أقرأهم الكتاب، فلم يبق أحد من المدينة إلاّ حنق( ١ ) على عثمان. و قام أصحاب النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلحقوا بمنازلهم، و حصر الناس عثمان و أحاطوا به( ٢) .

ثم من المضحك أنّ ابن أبي الحديد نقل كلام المرتضى في ردّ قاضي القضاة في دفاعه عن مطاعن عثمان، و قال ابن أبي الحديد نفسه: الجواب عن هذه المطاعن على وجهين: إجمالا و تفصيلا: أمّا الإجماليّ، فإنّا لا ننكر أنّ عثمان أحدث أحداثا أنكرها كثير من المسلمين، و لكنّا ندّعي مع ذلك أنّها لم تبلغ درجة الفسق، و لا أحبطت ثوابه، و أنّها من الصغائر التي وقعت مكفّرة و ذلك لأنّا قد علمنا أنّه مغفور له، و أنّه من أهل الجنّة لثلاثة أوجه:

أحدها: أنّه من أهل بدر، و قد قال النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّ اللّه اطّلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم، فقد غفرت لكم لا يقال: عثمان لم يشهد بدرا، لأنّا نقول:

صدقتم، لكنّه تخلّف على رقيّة ابنة النّبيّ لمرضها، و ضرب له النّبيّ بسهمه و أجره باتّفاق سائر الناس.

و ثانيها: أنّه من أهل بيعة الرضوان الذين قال تعالى فيهم: لقد رضي اللّه عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة...( ٣ ) . لا يقال: إنّه لم يشهد بيعة الشجرة لأنّا نقول: صدقتم، لكنّ النّبيّ كان أرسله إلى أهل مكّة، و لأجله كانت بيعة الرضوان، حيث أرجف( ٤ ) بأنّ قريشا قتلت عثمان، فقال النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إن

____________________

(١) حنق عليه: اغتاظ، و الحنق: الغيظ. (الصحاح ٤: ١٤٦٥، مادة: حنق).

(٢) الإمامة و السياسة لابن قتيبة ١: ٣٥ ٣٧، و نقله الشارح بتصرّف و تلخيص.

(٣) الفتح: ١٨.

(٤) أرجف القوم إذا خاضوا في الأخبار السيئة و ذكر الفتن قال اللّه تعالى: و المرجفون في المدينة (الأحزاب: ٦٠). و هم الذين يولّدون الأخبار الكاذبة التي يكون معها اضطراب في الناس. (لسان العرب ٥: ١٥٣، مادة: رجف).

١٨٣

كانوا قتلوه، لأضرمنّها عليهم نارا»، ثمّ جلس تحت الشجرة، و بايع الناس على الموت، ثمّ قال: «إن كان عثمان حيّا فأنا ابايع عنه»، فصفح بشماله على يمينه، و قال: «شمالي خير من يمين عثمان». روى ذلك جميع أرباب السيرة متّفقا عليه.

و ثالثها: أنّه من جملة العشرة الذين تظاهرت الأخبار بأنّهم من أهل الجنّة.

و إذا كانت هذه الوجوه الثلاثة دالّة على أنّه مغفور له، و أنّ اللّه قد رضي عنه و هو من أهل الجنّة، بطل أن يكون فاسقا، فاقتضت بأن يحكم أنّ كلّ ما وقع منه فهو من باب الصغائر المكفّرة( ١) .

قلت: بقاء عدالة عثمان مع تلك الأعمال كبقاء طهارة مرأة قد كانت تأتيها الرجال، فكانت إذا قامت من تحت رجل بالدلال، و ثبت إلى الصلاة بلا إمهال، فقال لها رجل: إنّي أتعجّب من استحكام وضوئك، أيّ وضوء هو لا تستطيع تلك الجنابات المتواترة أن تؤثّر فيه؟ و ليت ابن أبي الحديد كان حاضرا يوم الشورى حتّى يجيب المقداد عن طعنه في عثمان فقال المقداد ذلك اليوم من وراء الباب لمّا لم يدخلوه: يا معشر المسلمين، إن ولّيتموها أحدا، فلا تولّوها من لم يحضر بدرا، و انهزم يوم أحد، و لم يحضر بيعة الرضوان، و ولّى الدبر يوم التقى الجمعان( ٢) .

و عثمان نفسه لم يدر أن يجيب المقداد بجواب ابن أبي الحديد المنطقيّ ذاك الذي بالشكل الأوّل الذي بديهيّ الإنتاج، بل أجابه بالتهديد، فقال: «أما و اللّه

____________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ٣: ٦٨ ٦٩.

(٢) إشارة إلى الآية ١٥٥ من سورة آل عمران.

١٨٤

لئن ولّيتها لأردّنّك إلى ربّك الأوّل»( ١) .

و الأصل في ترتيب وجوهه معاوية بن أبي سفيان، فإذا كان معاوية هو الحاكم يوم الجزاء يثني على ابن أبي الحديد أحسن الثناء

٥ - الخطبة (٣٠) و من كلام لهعليه‌السلام في معنى قتل عثمان:

لَوْ أَمَرْتُ بِهِ لَكُنْتُ قَاتِلاً أَوْ نَهَيْتُ عَنْهُ لَكُنْتُ نَاصِراً غَيْرَ أَنَّ مَنْ نَصَرَهُ لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَقُولَ خَذَلَهُ مَنْ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ وَ مَنْ خَذَلَهُ لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَقُولَ نَصَرَهُ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي وَ أَنَا جَامِعٌ لَكُمْ أَمْرَهُ اِسْتَأْثَرَ فَأَسَاءَ اَلْأَثَرَةَ وَ جَزِعْتُمْ فَأَسَأْتُمُ اَلْجَزَعَ وَ لِلَّهِ حُكْمٌ وَاقِعٌ فِي اَلْمُسْتَأْثِرِ وَ اَلْجَازِعِ أقول: رواه (رسائل الكليني) جزء كتاب كتبهعليه‌السلام ليقرأ على الناس لمّا سألوه عن أبي بكر، و عمر، و عثمان بعد فتح معاوية لمصر، و قتل محمّد بن أبي بكر، رواه مع زيادات، و هذا نصّه: و أمّا أمر عثمان، فكأنّه علم من القرون الأولى علمها عند ربّي في كتاب لا يضلّ ربّي و لا ينسى( ٢ ) . خذله أهل بدر، و قتله أهل مصر. و اللّه ما أمرت و لا نهيت و لو أنّني أمرت كنت قاتلا، و لو أنّي نهيت كنت ناصرا، و كان الأمر لا ينفع فيه العيان و لا يشفى منه الخبر، غير أنّ من نصره لا يستطيع أن يقول: خذله من أنا خير منه، و لا يستطيع من خذله أن يقول: نصره من هو خير منّي، و أنا جامع أمره: استأثر فأساء الأثرة، و جزعتم

____________________

(١) أمالي المفيد: ١١٤ ١١٥، الجمل: ١٢٢.

(٢) طه: ٥٢.

١٨٥

فأسأتم الجزع، و اللّه يحكم بينكم و بينه، و اللّه ما يلزمني في دم عثمان تهمة( ١) .

و رواه (مسترشد ابن رستم الطبريّ) أخصر منه( ٢) .

قول المصنّف: «و من كلام لهعليه‌السلام في معنى قتل عثمان».

أقول: و لهعليه‌السلام كلام آخر في معنى قتله رواه ابن قتيبة في (عيونه) عن القاسم بن الحسن، عن خالد بن خداش، عن حمّاد، عن مجالد، عن عمير بن روذي قال: خطبنا عليّعليه‌السلام فقال: «لئن لم يدخل الجنّة إلاّ من قتل عثمان لا أخلها، و لئن لم يدخل النار إلاّ من قتل عثمان لا أدخلها»، فقيل له: ما صنعت فرّقت الناس فخطبهم فقال: إنّكم أكثرتم في قتل عثمان، ألا و إنّ اللّه قتله و أنا معه( ٣) .

و قال ابن قتيبة: حدّثنا خالد، عن حمّاد، عن حبيب بن الشهيد عن محمّد بن سيرين قال: كلمة عربيّة، و لها وجهان، أي: و سيقتلني معه( ٤) .

و رواه ابن عبد البر في (استيعابه) إلى «و لئن لم يدخل النار إلاّ من قتل عثمان لا أدخلها»( ٥) .

و روى كاتب الواقدي كما في (الشافي) عن عبيدة السلماني، قال:

سمعت عليّاعليه‌السلام يقول: من كان سائلي عن دم عثمان، فإنّ اللّه قتله و أنا معه (٦).

و أمّا ما نقله ابن قتيبة( ٧ ) عن ابن سيرين أنّه قال: معناه «و سيقتلني

____________________

(١) لا وجود لرسائل الائمة للكليني، و انما نقله قدس سرّه من مصادر أخرى.

(٢) مسترشد ابن رستم الطبري: ١٠٠، المطبعة الحيدرية، النجف.

(٣) عيون الأخبار ٢: ٢٠٦ ٢٠٧، العقد الفريد ٥: ٥٢.

(٤) عيون الأخبار ٢: ٢٠٧.

(٥) لم أجده في الاستيعاب.

(٦) الشافي في الإمامة ٤: ٣٠٨.

(٧) عيون الأخبار ٢: ٢٠٧.

١٨٦

معه» إن أراد بقوله: معناه هذا، أنّه تعالى يتوفّاه لقوله تعالى: اللّه يتوفّى الأنفس حين موتها...( ١ ) فلا اختصاص بهعليه‌السلام ، و لم يصر جوابا، و لم ينطبق عليه العربيّة، و إن أراد غيره فليبيّنه.

و ممّا يوضّح أنّهعليه‌السلام أراد ظاهره ما قاله كاتب الواقدي كما في (الشافي): روى شعبة عن أبي حمزة الضبعي قلت لابن عبّاس: إنّ أبي أخبرني أنّه سمع عليّاعليه‌السلام يقول: «ألا من كان سائلي عن دم عثمان، فإنّ اللّه قتله و أنا معه». قال: صدق أبوك. هل تدري ما يعني بقوله؟ إنّما عنى أنّ اللّه قتله، و أنا مع اللّه( ٢) .

و ما رواه نصر بن مزاحم في (صفّينه): أنّ عمرو بن العاص قال لعمّار:

ما ترى في قتل عثمان؟ قال: فتح لكم باب كلّ سوء. قال عمرو: فعليّ قتله؟ قال عمّار: بل اللّه ربّ عليّ قتله و عليّ معه. قال عمرو: أ كنت فيمن قتله؟ قال: كنت مع من قتله و أنا اليوم أقاتل معهم. قال عمرو: فلم قتلتموه؟ قال عمّار: أراد أن يغيّر ديننا فقتلناه. فقال عمرو: ألا تسمعون؟ قد اعترف بقتل عثمان. قال عمّار:

و قد قال فرعون قبلك لقومه:... ألا تستمعون( ٣) .

قولهعليه‌السلام : «لو أمرت به لكنت قاتلا، أو نهيت عنه لكنت ناصرا» في (صفّين نصر): خرج جرير البجليّ أيّام كونه بالشام لمّا بعثه عليّعليه‌السلام إلى معاوية لأخذ البيعة يتجسّس الأخبار، فإذا هو بغلام [ يتغنّى ] على قعود له، و هو يقول:

حكيم و عمّار الشجا و محمّد

و أشتر و المكشوح جرّوا الدواهيا( ٤)

____________________

(١) الزمر: ٤٢.

(٢) الشافي في الإمامة ٤: ٣٠٨.

(٣) وقعة صفّين: ٣٣٨ ٣٣٩، شرح ابن أبي الحديد ٨: ٢٢، و الآية ٢٥ من سورة الشعراء.

(٤) حكيم بن جبلة بن حصن العبدي كان من عمّال عثمان على السند ثمّ البصرة، و قتل بها يوم الجمل. اسد الغابة ٢: ٣٩ ٤٠. و عمّار هو عمّار بن ياسر الصحابي، و محمّد هو ابن أبي بكر، و الأشتر لقب مالك بن الحارث، و المكشوح هو المراديّ. قال الزبيدي في تاج العروس ٧: ٧٦: سمّي المكشوح المراديّ حلفا، و نسبه في بجيلة ثمّ في بني أحمس، و اسمه هبيرة بن هلال، و يقال: عبد يغوث بن هبيرة بن الحارث. و في الروض الأنف: و إنّما سمّي مكشوحا لأنّه ضرب بسيف على كشحه.

١٨٧

و قد كان فيها للزبير عجاجة

و صاحبه الأدنى أشاب النواصيا

فأمّا عليّ فاستغاث ببيته

فلا آمر فيها و لم يك ناهيا

فقال له جرير: يا بن أخي، من أنت؟ قال: أنا غلام من قريش، و أصلي من ثقيف، أنا ابن المغيرة بن الأخنس، قتل أبي مع عثمان يوم الدار. فعجب جرير من قوله، و كتب بشعره إلى عليّعليه‌السلام ، فقال عليّعليه‌السلام : و اللّه ما أخطأ الغلام شيئا( ١) .

و في (العقد الفريد): قال حسّان بن ثابت لعليّ: إنّك تقول: ما قتلت عثمان و لكن خذلته، و لم آمر به و لكن لم أنه عنه. فالخاذل شريك القاتل، و الساكت شريك القاتل.

و أخذ معنى كلام حسّان، كعب بن جعيل التغلبي و كان مع معاوية في صفّين فقال:

و ما في عليّ لمستحدث

مقام سوى عصمة المحدثينا

و إيثاره لأهالي الذنوب

و رفع القصاص عن القاتلينا

إذا سيل عنه زوى وجهه

و عمّى الجواب على السائلينا( ٢)

فليس براض و لا ساخط

و لا في النهاة و لا الآمرينا

و لا هو ساء و لا سرّه

و لا بدّ من بعض ذا أن يكونا( ٣) .

____________________

(١) وقعة صفين: ٥٤ ٥٥، شرح ابن أبي الحديد ٣: ٨٦ ٨٧.

(٢) روى وجهه: صرفه و نحّاه. (لسان العرب ٦: ١١٩، مادة: زوى).

(٣) العقد الفريد ٥: ٤٧ و البيت الآخر فيه هكذا:

و لا هو ساه و لا سرّه

و لا آمن بعض ذا أن يكونا

١٨٨

و في (خلفاء ابن قتيبة) لمّا اخبر عمرو بن العاص و هو بفلسطين، أنّ عثمان قد قتل، و أنّ الناس بايعوا عليّاعليه‌السلام قال: فما فعل عليّ في قتلة عثمان؟

قيل له: دخل عليه الوليد بن عقبة، فسأله عن قتله، فقال: ما أمرت و لا نهيت، و لا سرّني و لا ساءني.

قال: فما فعل بقتلته؟ فقيل له: آواهم. فقال عمرو: خلط و اللّه أبو الحسن.

ثمّ كتب عمرو إلى سعد بن أبي وقّاص يسأله عن قتل عثمان، و من قتله؟ فكتب إليه سعد: انّك سألتني عن قتل عثمان، و إنّي اخبرك أنّه قتل بسيف سلّته عائشة، و صقله طلحة، و سمّه ابن أبي طالب و سكت الزبير بلسانه و أشار بيده، و أمسكنا نحن، و لو شئنا دفعنا عنه( ١) .

و في (العقد): قال العتبي: قال رجل من بني ليث: لقيت سعدا، فقلت له: من قتل عثمان؟ قال: سيف سلّته عائشة، و شحذه طلحة، و سمّه عليّ( ٢) .

و في (خلفاء ابن قتيبة): قال أبو ثور: كنت فيمن حاصر عثمان، فكنت آخذ سلاحي و أضعه، و عليّعليه‌السلام ينظر إليّ لا يأمرني و لا ينهاني، فلمّا كانت البيعة له، خرجت في أثره( ٣) .

و في (صفّين نصر): طلب معاوية من عبيد اللّه بن عمر أن يشهد على عليّعليه‌السلام بقتل عثمان، فقام و قال:

و لكنّه قد قرّب القوم جهده

و دبّوا حواليه دبيب العقارب

فما قال أحسنتم و لا قد أسأتم

و أطرق إطراق الشجاع المواثب( ٤)

و في (العقد) عن قيس بن رافع قال: قال زيد بن ثابت: رأيت عليّا

____________________

(١) الإمامة و السياسة لابن قتيبة ١: ٤٧ ٤٨، و النقل بتصرف يسير.

(٢) العقد الفريد ٥: ٤٦.

(٣) الإمامة و السياسة ١: ٤٦ ٤٧.

(٤) وقعة صفين: ٨٢ ٨٤، شرح ابن أبي الحديد ٣: ١٠٠ ١٠١، و نقله الشارح بتلخيص.

١٨٩

مضطجعا في المسجد، فقلت له: إنّ الناس يرون أنّك لو شئت رددت الناس عن عثمان. فجلس ثمّ قال: و اللّه ما أمرتهم بشي‏ء و لا دخلت في شي‏ء من شأنهم.

فأتيت عثمان فأخبرته، فقال:

و حرّق قيس عليّ البلا

د حتّى إذا اضطرمت أحجما [أجذما]( ١)

و روى (الشافي) عن الواقدي، عن الحكم بن الصلت، عن عمّار، عن أبيه، قال: رأيت عليّاعليه‌السلام على منبر النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين قتل عثمان، و هو يقول: ما أحببت قتله و لا كرهته، و لا أمرت به و لا نهيت عنه( ٢) .

و عن (كاتب الواقدي) مسندا عن أبي خلدة [ جلدة ] قال: سمعت عليّاعليه‌السلام و هو يخطب فذكر عثمان و قال: و اللّه الذي لا إله إلاّ هو ما قتلته، و لا مالأت على قتله، و لا ساءني( ٣) .

هذا، و لعلّ قولهعليه‌السلام في قتل عثمان: «ما أمرت و لا نهيت، و لا رضيت و لا سخطت» في قبال قول أبي سفيان لمّا مثلت امرأته هند بعمّه حمزة في احد، فأشرف أبو سفيان على المسلمين و قال: «أما إنّها قد كانت فيكم مثلة ما أمرت بها و لا نهيت عنها، و لا سرّتني و لا ساءتني»( ٤) .

هذا، و في (المروج): لمّا قتل الأمين قيل لزبيدة: ما يجلسك و قد قتل ابنك؟ فقالت: و ما أصنع؟ فقيل: تخرجين فتطلبين بثأره كما خرجت عائشة تطلب بدم عثمان. فقالت: اخسأ لا أمّ لك، ما للنساء و طلب الثأر؟ ثمّ أمرت بثيابها فسوّدت، و لبست مسحا من شعر، و دعت بدواة و قرطاس، و كتبت إلى

____________________

(١) العقد الفريد لابن عبد رب ٥: ٤٩.

(٢) الشافي في الإمامة ٤: ٣٠٧ ٣٠٨.

(٣) المصدر نفسه ٤: ٣٠٨.

(٤) تاريخ الطبري ٢: ٥٢١، سنة ٣.

١٩٠

المأمون ما لقت من طاهر، و قتله لابنها. فلما قرأ المأمون كتابها قال: اللّهمّ إنّي أقول كما قال أمير المؤمنين عليعليه‌السلام لمّا بلغه قتل عثمان: و اللّه ما أمرت به و لا نهيت عنه...( ١) .

و من المضحك أنّ ابن أبي الحديد قال: لا يجوز أن يحمل كلامهعليه‌السلام :

«لو أمرت به لكنت قاتلا، أو نهيت عنه لكنت ناصرا» على ظاهره، لما ثبت من عصمة دم عثمان. و أيضا ثبت في السير أنّه كان ينهى الناس عن قتله فيحمل لفظ النهي على المنع كما يقال: «الأمير ينهى عن نهب أموال الرعية»، أي: يمنع، و حينئذ يستقيم الكلام لأنّه ما أمر بقتله و لا منع عن قتله، و إنّما كان ينهى عنه باللسان، و لا ينهى [ يمنع ] عنه باليد. و لأجل أشباه هذا الكلام كقوله: «ما سرّني و لا ساءني». و قوله لمّا قيل له: أرضيت بقتله؟ قال: لم أرض. فقيل له: أسخطت قتله؟ فقال: لم أسخط. و قوله: «اللّه قتله و أنا معه» قال كعب أبياته و نقل تلك الأبيات و للكلّ تأويل يعرفه أولو الألباب( ٢) .

قلت: بل ينكره ذوات الأذناب فضلا عن أولي الألباب. و لو صحّ ما قاله لكان كلّ باطل حقّا، و كلّ منكر معروفا.

و كيف يقول: نهىعليه‌السلام عنه باللسان و عمّار يصيح بين يديه في صفّين:

«اقصدوا بنا نحو هؤلاء القوم الذين يبغون دم عثمان، و يزعمون أنّه قتل مظلوما. و اللّه إن كان إلاّ ظالما لنفسه، الحاكم بغير ما أنزل اللّه»( ٣ ) ؟

ثمّ إن كان المصريون و البصريون و الكوفيون الذين جاؤوا لقتله لا يطيعونهعليه‌السلام هل كان عمّار لا يطيعه، و هو الذي يقول لهعليه‌السلام : إن أمرتني أن

____________________

(١) مروج الذهب ٣: ٤٢٣ ٤٢٤. و في المصدر: و اللّه ما قتلت، و لا أمرت، و لا رضيت.

(٢) شرح ابن أبي الحديد ٢: ١٢٧ ١٢٨، بتصرّف و تلخيص من الشارح.

(٣) وقعة صفين لابن مزاحم: ٣٢٦، شرح ابن أبي الحديد ٨: ١٠.

١٩١

ألقي بنفسي في البحر لفعلت( ١ ) . و هل كان محمّد بن أبي بكر لا يطيعه و هو كان أطوع له من ولده غير الحسنينعليهما‌السلام ( ٢ ) . و هل كان الأشتر لا يطيعه و كانعليه‌السلام يقول: ليت في أصحابي عدّة مثله في إطاعته لي في كلّ كليّ و جزئيّ( ٣) .

و كيف جاهرعليه‌السلام قبل خلافته بوجوب قتل عبيد اللّه بن عمر قاتل هرمزان العجميّ( ٤ ) ، و دافع في خلافته عن قتلة إمامهم الثالث؟ و كيف يقول بعصمة دم عثمان و لمّا بعث معاوية شرحبيل بن السمط، و حبيب بن سلمة، و معن بن يزيد إليهعليه‌السلام قال له شرحبيل كما في (الطبري) و غيره: أ تشهد أنّ عثمان قتل مظلوما؟ قالعليه‌السلام : لا. قال شرحبيل: فمن لم يزعم أنّ عثمان قتل مظلوما فنحن منه برآء. ثمّ قام فانصرف. فقال عليّعليه‌السلام :

إنّك لا تسمع الموتى و لا تسمع الصمّ الدّعاء إذا ولّوا مدبرين. و ما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم إن تسمع إلاّ من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون( ٥) .

و كيف لم يكن مباح الدم و لمّا كتب معاوية كما في (العقد) إليهعليه‌السلام :

____________________

(١) ذكر نصر بن مزاحم في وقعة صفين: ٣٢٠ دعاء عمّار و أنّه قال: اللهمّ إنّك تعلم أنّي لو أعلم أنّ رضاك في أن أقذف بنفسي في هذا البحر لفعلت إلى أن قال: اللهمّ و إنّي أعلم ممّا أعلمتني أنّي لا أعمل (أعلم) اليوم عملا هو أرضى لك من جهاد هؤلاء الفاسقين، و لو أعلم اليوم عملا أرضى لك منه لفعلته، و نقله عنه ابن أبي الحديد في شرح النهج ٥: ٢٥٣.

(٢) سفينة البحار للمحدّث القمي رحمه اللّه ١: ٣١٢ ٣١٣.

(٣) قال الإمام عليعليه‌السلام في الأشتر: ليت فيكم مثله اثنين، بل ليت فيكم مثله واحدا يرى في عدوّه [ عدوّي ] مثل رأيه، إذا لخفّت عليّ مؤونتكم...

وقعة صفّين: ٥٢١، تاريخ الطبريّ ٥: ٥٩، سنة ٣٨، الإرشاد ١: ٢٦٩، الكامل في التاريخ ٣: ١٦٣، شرح ابن أبي الحديد ٢: ٢٤٠، بحار الأنوار، ط الكمباني ٨: ٥٠٥، ٥٩٣.

(٤) وقعة صفين: ١٨٦.

(٥) وقعة صفين: ٢٠١ ٢٠٢، تاريخ الطبري ٥: ٨، سنة ٣٧، شرح ابن أبي الحديد: ٢٤، و الآيتان ٨٠ ٨١ من سورة النمل.

١٩٢

قتلت ناصرك، و استنصرت و اترك( ١ ) فايم اللّه لأرمينّك بشهاب تذكيه الريح و لا تطفئه الماء، فإذا وقع وقب( ٢ ) ، و إذا مسّ ثقب، فلا تحسبنّني كسحيم، أو عبد القيس، أو حلوان الكاهن» كتبعليه‌السلام إليه: (ما قتل ابن عمّك غيرك، و إنّي أرجو أن ألحقك به على مثل ذنبه و أعظم من خطيئته)( ٣ ) . غير أنّ من نصره لا يستطيع أن يقول: «خذله من أنا خير منه»، و من خذله لا يستطيع أن يقول:

«نصره من هو خير منّي». «فمن نصره» كان مروان بن الحكم، و المغيرة بن الأخنس و نظراؤهما من المنافقين، و «من خذله» كان منهم أجلاّء المهاجرين و الأنصار و التابعين بإحسان فناصره لا يمكنه لوضوح فسقه ادّعاء كونه خيرا من خاذله، كما أنّ خاذله لثبوت تديّنه لا يمكنه الإقرار على نفسه بكون ناصره خيرا منه.

و هذا الكلام ككلامه الأوّل المشتمل على عدم نهيهعليه‌السلام عن قتله، مع كونهعليه‌السلام آمرا بالمعروف، ناهيا عن المنكر باتّفاق المؤالف و المخالف دالّ على باحة قتله، فإنّ حقّ الامور و باطلها يعلمان من متصدّيها فإذا كان ناصره لا يستطيع أن يدّعي تلك الدعوى، و خاذله لا يستطيع أن يقرّ ذاك الإقرار، يفهم أنّ جواز قتله كان بمثابة من الوضوح الذي لا يعتريه مرية، و كيف لا و قاتلوه من الأجلّة الذين اعترف المخالف بجلالهم، مثل عمّار الذي يكفي في جلاله قول النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المتواتر فيه: «عمّار تقتله الفئة الباغية»( ٤ ) . و قد أقرّ عمّار كما

____________________

(١) يقال: وتر فلانا: أي قتل حميمه، و أفزعه، و كلّ من أدركته بمكروه فقد وترته. (لسان العرب ١٥: ٢٠٥ مادة: وتر).

(٢) وقب الشي‏ء يقب وقبا، أي: دخل. (الصحاح ١: ٢٣٤، مادة: وقب).

(٣) العقد الفريد لابن عبد ربه ٥: ٨٢.

(٤) هذا الحديث من الأحاديث المتواترة. نذكر هنا أهمّ المصادر التي نقلت ذلك، حسب الترتيب التاريخي: وقعة صفين: ٣٢٤ و ٣٢٦، التفسير المنسوب إلى الامام العسكري: ٦٢٥، سيرة ابن هشام ٢: ١٤٢، الطبقات الكبرى ١: ٢٤١، تاريخ اليعقوبي ٢: ١٨٨، تاريخ الطبري ١٠: ٥٩، العقد الفريد ٥: ٨٩، عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ، مستدرك الحاكم ٣: ٣٨٥ ٣٨٦، تاريخ بغداد ٢: ٢٨٢ عن أبي قتادة و ٧: ٤١٤ عن عبد اللّه بن عمر و ٨: ٢٧٥ عن حذيفة و ١١: ٢١٨ عن عثمان بن عفّان و ١٣: ١٨٧ عن أبي أيوب، الخرائج و الجرائح، شرح ابن أبي الحديد ٨: ١٠.

١٩٣

مرّ بأنّه من قتلته، و أنّهم قتلوه لأنّه أراد أن يغيّر دين اللّه( ١) .

و قال ابن قتيبة: لما أرسل عليّعليه‌السلام عمّارا إلى الكوفة لنفر الناس إليه قال عمّار: يا أهل الكوفة إنّ كان غاب عنكم امورنا فقد انتهت إليكم أنباؤنا( ٢) ، إنّ قتلة عثمان لا يعتذرون من قتله إلى الناس، و لا ينكرون ذلك، و قد جعلوا كتاب اللّه بينكم و بين محاجّيهم، فبكتابه أحيا اللّه من أحيا، و أمات من أمات( ٣) .

و من قتلته محمّد بن أبي بكر، و في (الطبري): أنّ معاوية بن حديج لمّا قال لمحمّد بن أبي بكر: أقتلك بعثمان قال له محمّد: إنّ عثمان عمل بالجور، و نبذ حكم القرآن، و قد قال تعالى:... و من لم يحكم بما أنزل اللّه فأولئك هم الفاسقون( ٤ ) ، فنقمنا ذلك عليه فقتلناه( ٥) .

و من قتلته عمرو بن الحمق الخزاعي: و في (الطبري): جلس عمرو بن الحمق على صدر عثمان و به رمق، فطعنه تسع طعنات، و قال: فأمّا ثلاث منهنّ فإنّي طعنتهنّ إيّاه للّه، و أمّا ستّ فإنّي طعنتهنّ إيّاه لما كان في صدري عليه( ٦) .

و يكفي في إباحة دمه إجماع المهاجرين و الأنصار على قتله بخذلانهم إيّاه قال الفضل بن عباس في أبياته في ردّ الوليد بن عقبة:

فلو رأت الأنصار ظلم ابن عمّكم

لكانوا له من ظلمه حاضري النصر

____________________

(١) وقعة صفين: ٣٣٨ ٣٣٩، شرح ابن أبي الحديد ٨: ٢٢.

(٢) في المصدر: إن كان غاب عنكم أنباؤنا فقد انتهت اليكم امورنا.

(٣) الإمامة و السياسة لابن قتيبة ١: ٦٧.

(٤) المائدة: ٤٧.

(٥) تاريخ الطبري ٥: ١٠٤، سنة ٣٨.

(٦) المصدر نفسه ٤: ٣٩٤، سنة ٣٥.

١٩٤

كفى ذاك عيبا أن يشيروا بقتله

و أن يسلموه للأحابيش من مصر( ١)

و لم نقل: إنّ قتلته كلّهم كانوا مؤمنين فكان فيهم طلحة و الزبير و نظراؤهما، و إنّما نستدلّ بفعل مؤمنيهم و لذا كان حذيفة بن اليمان كما روى (شافي المرتضى) من طرقهم يقول: ما في عثمان بحمد اللّه شك، لكنّني أشكّ في قاتله لا أدري أ كافر قتل كافرا، أم مؤمن خاض إليه الفتنة حتّى قتله؟

هو أفضل أهل الايمان [ المؤمنين ] إيمانا( ٢) .

و روى الطبري: أنّ عثمان نبذ ثلاثة لا يدفن ثمّ إنّ حكيم بن حزام، و جبير بن مطعم كلّما عليّاعليه‌السلام في دفنه، و طلبا إليه أن يأذن لأهله في ذلك، ففعل. فلمّا سمع الناس بذلك قعدوا إليه في الطريق بالحجارة، و خرج به ناس يسير من أهله و هم يريدون به حائطا بالمدينة، يقال له: حشّ كوكب( ٣ ) ، كانت اليهود تدفن موتاهم فيه، فلمّا خرج على الناس رجموا سريره، و همّوا بطرحه، فبلغ ذلك عليّاعليه‌السلام ، فأرسل إليهم يعزم عليهم ليكفّنّ عنه، ففعلوا، فانطلق به حتّى دفن في حشّ كوكب. فلمّا ظهر معاوية على الناس أمر بهدم ذلك الحائط حتّى أفضى به إلى البقيع، و أمر الناس أن يدفنوا حوله حتّى اتّصل بمقابر المسلمين( ٤) .

و في (الطبري): قال أبو كرب عامل عثمان على بيت المال: إنّ عثمان دفن بين المغرب و العتمة، لم يشهد جنازته إلاّ مروان و ثلاثة من مواليه و ابنته الخامسة، فناحت [ ابنته ] فأخذ الناس الحجارة، و قالوا:

____________________

(١) تاريخ الطبري ٤: ٤٢٦، سنة ٣٥.

(٢) الشافي في الإمامة ٤: ٢٩١ ٢٩٢.

(٣) قال ياقوت الحموي في معجم البلدان ٢: ٢٦٢: حشّ كوكب: موضع عند بقيع الغرقد اشتراه عثمان بن عفّان و زاده في البقيع، و لمّا قتل ألقي فيه ثمّ دفن في جنبه.

(٤) تاريخ الطبري ٤: ٤١٢، سنة ٣٥.

١٩٥

نعثل نعثل و كادت ترجم( ١) .

و في (الطبري): كان قتل معه عبداه نجيح و صبيح، فجرّا بأرجلهما فرمي بهما على البلاط، فأكلتهما الكلاب و لم يغسل عثمان و لا غلاماه، و لمّا وضع ليصلّى عليه، جاء نفر من الأنصار يمنعونهم الصلاة عليه( ٢) .

و في (صفين نصر بن مزاحم): سأل معاوية النعمان بن بشير أن يخرج إلى قيس بن سعد بن عبادة، فيعاتبه و يسأله السلم. فخرج النعمان حتّى وقف بين الصفين فقال: يا قيس، أنا النعمان بن بشير. فقال قيس: هيه يا بن بشير، فما حاجتك؟ فقال: ألستم معشر الأنصار تعلمون أنّكم أخطأتم في خذل عثمان يوم الدار، و قتلتم أنصاره يوم الجمل، و أقحمتم خيولكم على أهل الشام بصفين؟ فلو كنتم إذ خذلتم عثمان خذلتم عليّا لكانت واحدة بواحدة، و لكنّكم خذلتم حقّا، و نصرتم باطلا، ثمّ لم ترضوا أن تكونوا كالناس حتّى أعلمتم في الحرب و دعوتم إلى البراز، ثمّ لم ينزل بعليّ أمر قطّ إلاّ هوّنتم عليه المصيبة، و وعدتموه الظفر. و قد أخذت الحرب منّا و منكم ما قد رأيتم، فاتقوا اللّه في البقيّة.

فضحك قيس ثمّ قال: ما كنت أراك يا نعمان تجترى‏ء على هذه المقالة، لكن لا ينصح أخاه من غشّ نفسه، و أنت و اللّه الغاشّ الضالّ المضالّ، أما ذكرك عثمان فإن كانت الأخبار تكفيك فخذها منّي، واحدة قتل عثمان من لست خيرا منه، و خذله من هو خير منك...( ٣) .

و كيف لم يكن مباح الدم و شهد حجر بن عديّ و أصحابه الذين قالوا: لو

____________________

(١) المصدر نفسه.

(٢) المصدر نفسه ٤: ٤١٣ ٤١٥، سنة ٣٥، و نقله الشارح بتصرّف و تقديم و تأخير.

(٣) وقعة صفين لنصر بن مزاحم: ٤٤٨ ٤٤٩.

١٩٦

لم يكن في معاوية إلاّ قتله لهم لكفاه في هلاكته بذلك.

ففي (الطبري) بعد ذكر بعث زياد بهم إلى الشام، و بعث معاوية جمعا لقتلهم قال أصحاب معاوية لحجر و أصحابه: يا هؤلاء، رأيناكم البارحة قد أطلتم الصلاة، و أحسنتم الدعاء، فأخبرونا ما قولكم في عثمان؟ قالوا: هو أوّل من جار في الحكم، و عمل بغير الحقّ( ١) .

و قال في عبد الرحمن العنزي الذي كان أحد أصحاب حجر و لم يقتله معاوية معهم، بل ردّه إلى زياد فدفنه حيّا بقسّ الناطف قال معاوية له: إيه يا أخا ربيعة، ما قولك في عليّ؟ قال: دعني و لا تسألني فإنّه خير لك. قال: و اللّه لا أدعك حتّى تخبرني. قال: أشهد أنّه كان من الذاكرين اللّه كثيرا، و من الآمرين بالحقّ، و القائمين بالقسط، و العافين عن الناس. قال: فما قولك في عثمان؟ قال:

هو أوّل من فتح باب الظلم، و أرتج أبواب الحقّ. قال له معاوية: قتلت نفسك.

قال: بل إيّاك قتلت( ٢) .

و كيف يقول ابن أبي الحديد بعصمة دمه، و كان سعد من خذلته، و طلحة و الزبير من قتلته، و هم من ستّة شوراهم، و عشرتهم المبشّرة.

و تسبّبت صدّيقتهم في تحريضاتها عليه لقتله؟

و في (كامل المبرد): كتب نافع إلى ابن الزبير: قد حضرت عثمان يوم قتل، فلعمري لئن كان قتل مظلوما لقد كفر قاتلوه و خاذلوه، و لئن كان قاتلوه مهتدين و إنّهم لمهتدون لقد كفر من يتولاّه و ينصره و يعضده. و لقد علمت أنّ أباك و طلحة و عليّا كانوا أشدّ الناس عليه، و كانوا في أمره [ من ] بين قاتل و خاذل، و أنت تتولّى أباك و طلحة و تتولى عثمان. و كيف ولاية قاتل متعمّد

____________________

(١) تاريخ الطبريّ ٥: ٢٧٥، سنة ٥١.

(٢) تاريخ الطبري ٥: ٢٧٦ ٢٧٧، سنة ٥١.

١٩٧

و مقتول في دين واحد( ١) .

قلت: ما أورده نافع على ابن الزبير يرد على جميع أهل السنّة، لكن يقال لنافع: إنّه كما يكون الجمع بين المتضادّين باطلا بالعقل، يكون انفكاك الملزوم عن اللازم كذلك، و ولاية الأوّل و الثاني يستلزم صحّة ولاية الثالث، فإذا كانت ولاية الثالث عندك باطلة فلا بدّ أن تقول ببطلان ولاية الأوّلين. و قد دبّر الثاني للثالث ولايته مع عرفانه له و أنّه يفعل ما فعل.

و من العجب أنّ إخواننا أتوا بالتضادّ في أقوالهم فضلا عن مذهبهم فهذا ابن قتيبة و ابن عبد ربه و المسعودي قالوا بعد ما مرّ عنهم: لمّا قتل عثمان دخل عليّ عليه و كان أرسل الحسن و الحسين لمنعه و كان ذهل عقله فقال لهما:

كيف قتل أمير المؤمنين و أنتما على الباب؟ فلطم الحسين و ضرب صدر الحسن( ٢ ) فأيّ تخليط هذا؟ أما لهم شعور حتّى لا يقولوا بالتناقض و التضادّ؟ فإن كان من يروي خبرين متضادّين معذورا في الظاهر، فليس من يفتي بالتضادّ بمعذور أصلا، مع أنّ من يروي متضادّا و يكون أحد الضدّين معلوم الكذب، و على خلاف اتّفاق التواريخ كالطبري في ضمّه روايات سيف المعلومة الكذب ليس بمعذور أيضا.

و ليس تلك الروايات إلاّ من أخبار أمر معاوية بوضعها، كما أنّه حمل الناس بالسيف على القول بإمامة عثمان، و إلاّ فجميع أهل السّنة الذين كانوا في ذاك اليوم سوى الأمويّة و أتباعهم كانوا قائلين بكفر عثمان، و استحقاقه القتل.

____________________

(١) الكامل للمبرد ٢: ٢٢٩ ٢٣٠.

(٢) الإمامة و السياسة لابن قتيبة ١: ٤٤، العقد الفريد لابن عبد ربه ٥: ٤٢، مروج الذهب للمسعودي ٢: ٣٥٤.

١٩٨

و كان التضادّ بينه و بين أمير المؤمنينعليه‌السلام كالتضادّ بين معاوية و بينهعليه‌السلام أمرا بيّنا عندهم، كما عند الشيعة، و إنّما كان الفرق بين الشيعة و السنّة ذاك اليوم تضادّهعليه‌السلام مع أبي بكر و عمر أيضا، فالشيعة قائلون به بشهادة الدراية، و السنّة ينكرونه بإنكار البداهة.

و كيف لم يكن تضادّهعليه‌السلام مع عثمان واضحا، و كان نافع بن هلال الجمليّ من أصحاب الحسينعليه‌السلام يقاتل يوم الطفّ و يقول كما في (الطبري): أنا الجمليّ أنا على دين عليّ. فخرج إليه مزاحم بن حريث من أصحاب ابن سعد و قال: أنا على دين عثمان. فقال له نافع: أنت على دين شيطان( ١) .

و كيف لم يكن بطلان أمر عثمان واضحا و قد باهل أصحاب الحسينعليه‌السلام أصحاب ابن سعد في ذلك؟ ففي (الطبري): قال عفيف بن زهير و هو ممّن شهد مقتل الحسينعليه‌السلام : خرج يزيد ابن معقل من أصحاب ابن سعد فقال لبرير بن حضير من أصحاب الحسينعليه‌السلام كيف ترى اللّه صنع بك؟ قال: صنع اللّه و اللّه بي خيرا، و صنع بك شرّا. قال له يزيد: كذبت، و قبل اليوم ما كنت كذّابا، فهل تذكر و أنا أماشيك في بني لوذان و أنت تقول: إنّ عثمان كان على نفسه مسرفا، و إنّ معاوية ضالّ مضلّ، و إنّ إمام الهدى و الحقّ عليّ بن أبي طالب؟ فقال له برير: أشهد أنّ هذا رأيي و قولي. فقال له يزيد: فإنّي أشهد أنّك من الضالّين. فقال له برير: هل لك أن أباهلك( ٢ ) ، و لندع اللّه أن يلعن الكاذب و أن يقتل المبطل، ثمّ نخرج للمبارزة؟ قال: نعم. فخرجا فرفعا

____________________

(١) تاريخ الطبري ٥: ٤٣٥، سنة ٦١.

(٢) المباهلة: الملاعنة و معنى المباهلة أن يجتمع القوم إذا اختلفوا في شي‏ء فيقولوا: لعنة اللّه على الظالم منّا. (لسان العرب ١: ٥٢٢، مادة: بهل).

١٩٩

أيديهما يدعوا انه أن يلعن الكاذب، و أن يقتل المحقّ المبطل، ثمّ برز كلّ واحد منهما لصاحبه، فاختلفا ضربتين، فضرب يزيد بريرا ضربة خفيفة لم تضرّه شيئا، و ضربه برير ضربة قدّت المغفر، و بلغت الدماغ، فخرّ كأنّما هوى من حالق، و إنّ سيف برير لثابت في رأسه، فكأني أنظر إليه ينضنضه( ١ ) من رأسه الخ( ٢) .

و من المضحك أنّ (الطبريّ) روى في رواياته الخبيثة عن سيف: أنّ الحسن خرج يرتجز في الدفاع عن عثمان مثل المغيرة بن الأخنس( ٣ ) فيقال له: إذا كان الأمر كذلك لم يقول عمرو بن العاص للحسنعليه‌السلام لمّا رآه في الطواف كما روى المدائني عن زيد بن أرقم: زعمت يا حسن، أنّ الدين لا يقوم إلاّ بك و بأبيك، فقد رأيت اللّه أقامه بمعاويه، فجعله راسيا بعد ميله، و بيّنا بعد خفائه، أفرضي اللّه بقتل عثمان، أو من الحقّ أن تطوف بالبيت عليك ثياب كغرقى‏ء( ٤ ) البيض، و أنت قاتل عثمان، و اللّه إنّه لألمّ للشعث، و أسهل للوعث، أن يوردك معاوية حياض أبيك فقال له الحسنعليه‌السلام : إنّ لأهل النار لعلامات يعرفون بها، إلحادا لأولياء اللّه، و موالاة لأعداء اللّه، و اللّه إنّك لتعلم أنّ عليّاعليه‌السلام لم يرتب في الدين، و لم يشكّ في اللّه ساعة و لا طرفة عين قطّ. و أيم اللّه لتنتهينّ يا بن أم عمرو أو لأنفذنّ حضنيك بنوافذ أشدّ من القعضبية( ٥ ) ، فإيّاك و التهجم عليّ فإنّي من قد عرفت لست بضعيف الغمزة، و لا هشّ المشاشة( ٦) ،

____________________

(١) ينضنضه: يحرّكه. (لسان العرب ١٤: ١٨٠، مادة: نضض).

(٢) تاريخ الطبري ٥: ٤٣١ ٤٣٢، سنة ٦١.

(٣) المصدر نفسه ٤: ٣٨٨، سنة ٣٥.

(٤) الغرقى‏ء: القشرة الملتزقة ببياض البيض. (لسان العرب ١٠: ٥٨، مادة: غرق).

(٥) قعضب: اسم رجل كان يعمل الأسنّة في الجاهليّة، إليه تنسب أسنّة قعضب (لسان العرب ١١: ٢٤٦، مادة: قعضب).

(٦) المشاشة: واحدة المشاش، و هي رؤوس العظام اللينة التي يمكن مضغها (الصحاح ٣: ١٠١٩ مادة: مشش).

٢٠٠