بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٩

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة0%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 607

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

مؤلف: الشيخ محمد تقي التّستري
تصنيف:

الصفحات: 607
المشاهدات: 53921
تحميل: 4251


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 607 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 53921 / تحميل: 4251
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 9

مؤلف:
العربية

و لا مري‏ء المأكلة، و إنّي من قريش كواسطة القلادة، يعرف حسبي، و لا أدعى لغير أبي، و أنت من تعلم و يعلم الناس، تحاكمت فيك رجال قريش، فغلب عليك جزّارها، ألأمهم حسبا، و أعظمهم لؤما، فإيّاك عنّي، فإنّك رجس، و نحن أهل بيت الطهارة، أذهب اللّه عنّا الرجس، و طهّرنا تطهيرا. فأفحم عمرو و انصرف كئيبا( ١) .

و كيف لا يستحيون أن يقولوا: إنّ أمير المؤمنين أرسل الحسنين للدفاع عن عثمان؟ و قد قتل بنو امية الحسينعليه‌السلام بعثمان، ففي الطبري: كتب عبيد اللّه بن زياد إلى عمر بن سعد: أمّا بعد فحل بين الحسين و أصحابه و بين الماء، و لا يذوقوا منه قطرة، كما صنع بالتقيّ الزكيّ المظلوم عثمان( ٢) .

و في (الطبري) أيضا: لمّا جي‏ء برأس الحسينعليه‌السلام إلى عبيد اللّه بن زياد، دعا عبد الملك بن أبي الحارث السلميّ، و قال له: انطلق حتّى تأتي المدينة على عمرو بن سعيد بن العاص و كان يومئذ أمير المدينة فبشّره بقتل الحسين.

قال: فدخلت على عمرو فقال: ما وراءك؟ قلت: ما سرّ الأمير، قتل الحسين.

فقال: ناد بقتله. فناديت فلم أسمع و اللّه واعية( ٣ ) مثل واعية نساء بني هاشم في دورهنّ على الحسين، فقال عمرو متمثّلا ببيت عمرو بن معدى كرب و ضحك:

عجّت نساء بني زياد عجّة

كعجيج نسوتنا غداة الأرنب( ٤)

ثمّ قال: هذه واعية بواعية عثمان( ٥) .

و في (تذكرة سبط ابن الجوزي): قال ابن سعد كاتب الواقدي: دفن رأس

____________________

(١) نقل عنه ابن أبي الحديد في شرح النهج ١٦: ٢٧ ٢٨.

(٢) تاريخ الطبري ٥: ٤١٢، سنة ٦١.

(٣) يقال: ارتفعت الواعية: الصراخ على الميّت. و سمعت واعية القوم: أصواتهم. (أساس البلاغة: ٥٠٤، مادة: وعى).

(٤) في رواية لسان العرب: بني زبيد بدل: بني زياد. و الأرنب: موضع. (لسان العرب ٥: ٣٣١، مادة: رنب).

(٥) تاريخ الطبري ٥: ٤٦٥ ٤٦٦، سنة ٦١، تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي: ٢٦٦.

٢٠١

الحسينعليه‌السلام بالمدينة عند امّه و ذكر الشعبيّ أنّ مروان كان بالمدينة فأخذ الرأس، و تركه بين يديه، و تناول أرنبة أنفه و قال:

يا حبّذا بردك في العيدين

و لونك الأحمر في الخدّين

و اللّه لكأنّي أنظر إلى أيّام عثمان( ١) .

و من المضحك أنّ (المسعودي) قال: فلمّا بلغ عليّا أنّهم يريدون قتله، بعث ابنيه و مواليه بالسلاح لنصرته و بعث الزبير ابنه و بعث طلحة ابنه إلى أن قال: و جرح الحسن، و شجّ قنبر، و جرح محمّد بن طلحة( ٢) .

و كيف يرسل طلحة و الزبير ابنيهما لنصرته و هما كانا محرّضين على قتله إلى ساعة قتله؟ ففي (خلفاء ابن قتيبة): أنّ عمّارا لمّا جاء إلى الكوفة لنفر الناس في حرب الجمل قال: يا أهل الكوفة، و إنّ طلحة و الزبير كانا أوّل من طعن على عثمان، و آخر من أمر بقتله( ٣) .

و كيف أرسل طلحة ابنه لنصرة عثمان و قد رماه مروان بسهم مع كونه في جنده فقتله و قال: أخذت ثأري من طلحة في عثمان( ٤) .

و إنّما المحقّق نصرة ابن الزبير لعثمان من نفسه لا من قبل أبيه، حضر لنصره لأمرين أحدهما: أنّه لمّا كان حريصا على الإمارة، و طالبا للخلافة يمكنه أن يدّعي أنّ عثمان في حصاره نصّ عليه، فكان يدّعي ذلك. و الثاني: أنّه علم أنّ عثمان إن قتل، يكون الأمر لأمير المؤمنينعليه‌السلام ، و كان كخالته أمّ مؤمنيهم في كون ذلك أشدّ عليه من وقوع السماء عليه.

____________________

(١) تذكرة الخواصّ لسبط ابن الجوزي: ٢٦٥ ٢٦٦.

(٢) مروج الذهب للمسعودي ٢: ٣٥٣ ٣٥٤.

(٣) الإمامة و السياسة لابن قتيبة ١: ٦٧.

(٤) أنساب الأشراف ٣: ٢٤٦، تاريخ اليعقوبي ٢: ١٨٢، الجمل للمفيد: ٣٨٤، تذكرة الخواصّ: ٧٧، شرح ابن أبي الحديد ٩: ١١٣.

٢٠٢

روى المدائني: أنّ ابن الزبير قال يوما لمعاوية: أ تنكر شجاعتي و قد وقفت في الصفّ بإزاء عليّ و هو من تعلم فقال له معاوية: لا جرم أنّه قتلك و أباك بيسرى يديه، و بقيت يده اليمنى فارغة يطلب من يقتله بها. فقال له ابن الزبير: أما و اللّه ما كان ذلك إلاّ في نصر عثمان فلم نجز به، فقال له معاوية: خلّ هذا عنك، فو اللّه لو لا شدّة بغضك لابن أبي طالب لجررت برجل عثمان مع الضبع( ١) .

و كيف يعقل صحّة ما قال اولئك المصنفون؟ و قد قالعليه‌السلام : «إنّ من نصره لا يستطيع أن يقول: خذله من أنا خير منه، و من خذله لا يستطيع أن يقول: نصره من هو خير منّي»( ٢ ) . فهل كان ناصروه إلاّ كندماء ابن عمّه الوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان؟ و لمّا أرادوا قتل الوليد أخذ مصحفا مثل عثمان، و قال: يومي [ يوم ] كيوم عثمان( ٣ ) . مع أنّه كان راميا المصحف بالسهم حتّى مزّقه( ٤) .

و في (الطبري): كان مع الوليد مالك المغنّي، و عمرو الوادي المغنّي، فلمّا تفرّق عن الوليد أصحابه، و حصر، قال مالك لعمرو: اذهب بنا. فقال عمرو:

ليس هذا من الوفاء، و نحن لا يعرض لنا لأنّا لسنا ممّن يقاتل، فقال مالك: ويلك و اللّه لئن ظفروا بنا لا يقتل أحد قبلي و قبلك فيوضع رأسه بين رأسينا، و يقال للناس: انظروا من كان معه في هذه الحال فلا يعيبونه بشي‏ء أشدّ من هذا فهربا( ٥) .

____________________

(١) نقله عنه ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ٢٠: ١٢٦.

(٢) نهج البلاغة ١: ٧١ ٧٢.

(٣) تاريخ الطبري ٧: ٢٤٦، سنة ١٢٦.

(٤) مروج الذهب للمسعودي ٣: ٢٢٨.

(٥) تاريخ الطبري ٧: ٢٥٢، سنة ١٢٦.

٢٠٣

و لعمر اللّه إنّ المغنّيين كانا أحسن من مروان صاحب عثمان فقد كانا فاسقين بالعمل و قد كان مروان من خبث النفس بحيث لا يوصف فهو الذي قال للوليد بن عتبة ابن عمّ يزيد الذي كتب يزيد إليه: «خذ البيعة لي من الحسين»: احبس الحسين حتّى يبايع أو تضرب عنقه. فقال له الوليد: اخترت لي التي فيها هلاك ديني و اللّه ما احبّ أنّ لي ما طلعت عليه الشمس و غربت عنه من مال الدّنيا و ملكها، و أنّي قتلت حسينا، سبحان اللّه أقتل حسينا أن قال:

لا أبايع و اللّه إنّي لا أظنّ أمرأ يحاسب بدم الحسين لخفيف الميزان عند اللّه تعالى يوم القيامة. فقال له مروان مستهزئا به: إذا كان هذا رأيك فقد أصبت في ما صنعت( ١) .

و نفس عثمان و نفس مروان واحدة، «فالمرء على دين خليله»( ٢) .

و كيف يصحّ ما قالوا من أنّهعليه‌السلام و طلحة و الزبير بعثوا بنيهم للدفاع عن عثمان؟ و قد عرفت أنّ نافعا حاجّ ابن الزبير، فحجّه بأنّك تعلم أنّ أباك و طلحة و عليّا كانوا أشد الناس على عثمان، و كانوا في أمره من بين قاتل و المراد أبوه و طلحة و خاذل يعني أمير المؤمنينعليه‌السلام و أنت تتولّى أباك و طلحة و عثمان. و كيف ولاية قاتل متعمّد و مقتول في دين واحد( ٣) .

و كيف يصحّ ما قالوا: من أنّهعليه‌السلام بعث ابنيه للدفاع عن قتل عثمان، و كانعليه‌السلام مدافعا عن قتلة عثمان فلمّا قام أبو مسلم الخولاني( ٤ ) في قرّاء

____________________

(١) المصدر نفسه ٥: ٣٤٠، سنة ٦٠.

(٢) رواه الكليني في الكافي ٢: ٣٧٥.

و قال ابن منظور في لسان العرب ٤: ٢٠٢، مادة (خلل): و في الحديث: المرء بخليله، أو على دين خليله، فلينظر امرؤ من يخالل. و أورده الميداني في مجمع الأمثال ٢: ٢٧٥ عن النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و قال: المرء بخليله، أي: مقيس بخليله.

(٣) الكامل للمبرّد ٢: ٢٢٩ ٢٣٠.

(٤) هو عبد اللّه بن ثوب أحد الزّهاد الثمانية، تابعيّ، أصله من اليمن، أدرك الجاهلية و أسلم قبل وفاة النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

٢٠٤

الشام إلى معاوية كما في (صفين نصر) و قال له: علام تقاتل عليّا و ليس لك مثل صحبته و لا قرابته و لا سابقته؟ قال: لست أدّعي ذلك، و لكن ألستم تعلمون أنّ عثمان قتل مظلوما؟ فليدع إلينا قتلته فنقتلهم به، و لا قتال بيننا و بينه إلى أن قال فقال أبو مسلم لعليّعليه‌السلام : قد رأيت قوما مالك معهم أمر.

قال: و ما ذاك؟ قال: بلغ القوم أنّك تريد أن تدفع إلينا قتلة عثمان فضجّوا و اجتمعوا، و لبسوا السلاح، و زعموا أنّهم كلّهم قتلة عثمان. فقال له عليّعليه‌السلام :

و اللّه ما أردت أن أدفعهم إليك طرفة عين، لقد ضربت هذا الأمر أنفه و عينيه، ما رأيته ينبغي لي أن أدفعهم إليك و لا إلى غيرك. فخرج أبو مسلم و هو يقول: الآن طاب الضّراب( ١ ) و إنّما خلّىعليه‌السلام بينه و بينهم ليريه إجماع المسلمين على قتل عثمان، و إباحة دمه.

«و أنا جامع لكم أمره» من طرفه و طرفكم.

«استأثر فأساء الأثرة» فكان عثمان خصّ أقاربه بولاية البلاد حتّى عزل عمرو بن العاص، فطلّق عمرو لذلك اخته امّ كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط، و حرّض الناس عليه. و لمّا سمع خبر قتله قال: أنا أبو عبد اللّه إذا حككت قرحة نكأتها( ٢ ) ، إن كنت لاحرّض عليه، حتى لا حرّض عليه الراعي في غنمه في رأس [ي]ره، فقدم المدينة في خلافة أبي بكر، و هاجر إلى الشام، توفي سنة ٦٢ ه و دفن في داريّا بدمشق. و كان للعامّة فيه اعتقاد عظيم. و لكنّه من أعوان معاوية و سيّى‏ء الرأي في عليّعليه‌السلام . روي عن الفضل بن شاذان أنّه قال عند ذكره للزّهاد الثمانية: و أمّا أبو مسلم، فإنّه كان فاجرا مرائيا و كان صاحب معاوية، و هو الذي كان يحثّ الناس على قتال عليّعليه‌السلام .

انظر حلية الأولياء ٢: ١٢٢، الأعلام ٤: ٧٥، الكنى و الألقاب ١: ١٥٨.

____________________

(١) وقعة صفّين لنصر بن مزاحم: ٨٥ ٨٦، شرح ابن أبي الحديد ١٥: ٧٣ ٧٥، و نقله الشارح بتصرّف و تلخيص.

(٢) قال ابن الأثير في النهاية ١: ٤١٨، مادة (حكك): و في حديث عمرو بن العاص: إذا حككت قرحة دمّيتها، أي: إذا أمّمت غاية تقصّيتها و بلغتها، و في الصحاح ١: ٧٨، مادة (نكأ): نكأت القرحة نكأ، إذا قشرتها.

٢٠٥

الجبل. فقال له سلامة بن روح: يا معشر قريش، إنّه كان بينكم و بين العرب باب وثيق فكسرتموه، فما حملكم على ذلك؟ فقال: أردنا أن نخرج الحقّ من خاصرة [ حافرة ] الباطل، و أن يكون الناس في الحقّ شرعا سواء( ١) .

«و جزعتم فأسأتم الجزع» لأنّهم منعوه الماء في حياته، و منعوا من دفنه بعد قتله. و لا يجوز منع الماء من أحد( ٢ ) . و يجب مواراة أموات جميع الناس المسلم و غيره.

و قال ابن أبي الحديد: أساؤوا الجزع لأنّه كان الواجب عليهم ألاّ يجعلوا جزاءه عمّا أذنب القتل، بل الخلع و الحبس و ترتيب غيره في الإمامة( ٣) .

قلت: فإذا كان مستحقّا للخلع، كيف يقول بإمامته؟ و قد قال الناس له قبل قتله: أنت مستحقّ للخلع، لمّا رأوا غلامه على جمله، و كتابه إلى عامله على مصر بقتل محمّد بن أبي بكر و من معه و كان بعثه لمّا شكوا إليه ظلم عامله، و قتله الناس بغير حقّ، فأنكر عثمان أن يكون هو بعث الغلام و كتب الكتاب، فقالوا له: إن كنت كاذبا فقد استحققت الخلع لعملك هذا، و إن كنت صادقا استحققت الخلع لعجزك عن أمر الخلافة حيث يكتب غيرك على لسانك مثل هذا، و أنت لا تعلم فاخلع نفسك. فأبى عليهم حتّى قتلوه( ٤) .

و إنّما الأصل في قولهعليه‌السلام : «و أسأتم الجزع» لأنّ عمدة الجازعين و هم قريش و في رأسهم طلحة من تيم، و الزبير من أسد لم يقتلوه غضبا للّه بل لهوى أنفسهم، لأنّه لم يولّهم و ولّى بني أبيه.

____________________

(١) تاريخ الطبري ٤: ٣٥٧، سنة ٣٥، و شرح ابن أبي الحديد ٢: ١٤٤.

(٢) و لذا بعث أمير المؤمنينعليه‌السلام الماء إلى عثمان حين منع من الماء. انظر أمالي الشيخ الطوسي ٢: ٣٢٥، شرح ابن أبي الحديد ٢: ١٤٨، و بحار الأنوار ط الكمباني ٨: ٣٧٤.

(٣) شرح ابن أبي الحديد ٢: ١٢٨ ١٢٩.

(٤) تفصيل ذلك في تاريخ الطبري ٤: ٣٧٥ ٣٧٦، سنة ٣٥، و شرح ابن أبي الحديد ٢: ١٥٠.

٢٠٦

و في (المروج): حجّ عبد الملك في بعض أعوامه، فأمر للناس بالعطاء، فخرجت بدرة مكتوب عليها «من الصدقة» فأبى أهل المدينة من قبولها و قالوا:

إنّما كان عطاؤنا من الفي‏ء. فقال عبد الملك و هو على المنبر: يا معشر قريش، مثلنا و مثلكم أنّ أخوين خرجا مسافرين، فنزلا في ظلّ شجرة تحت صفاة، فلمّا دنا الرواح خرجت إليهما من تحت الصفاة حيّة تحمل دينارا فألقته إليهما، فقالا: إنّ هذا لمن كنز، فأقاما عليها ثلاثة أيّام كلّ يوم تخرج إليهما دينارا، فقال أحدهما لصاحبه: إلى متى ننتظر هذه الحيّة؟ ألا نقتلها و نحفر هذا الكنز فنأخذه؟ فنهاه أخوه، و قال: ما تدري لعلّك تعطب و لا تدرك المال. فأبى عليه، و أخذ فأسا و صرد الحيّة حتّى خرجت، فضربها ضربة جرحت رأسها و لم تقتلها فثارت الحيّة فقتلته، و رجعت إلى جحرها، فقام أخوه فدفنه، و أقام حتّى إذا كان الغد خرجت الحيّة معصوبا رأسها ليس معها شي‏ء، فقال لها: يا هذه، إنّي و اللّه ما رضيت ما أصابك، و لقد نهيت أخي عن ذلك، فهل لك أن نجعل اللّه بيننا أن لا تضرّيني و لا أضرّك، و ترجعين إلى ما كنت عليه؟ قالت الحيّة: لا.

قال: و لم؟ قالت: لأنّي أعلم أنّ نفسك لا تطيب لي أبدا، و أنت ترى قبر أخيك، و نفسي لا تطيب لك أبدا و أنا أذكر هذه الشجّة، و أنشدهم أي عبد الملك شعر النابغة في ذلك:

فقالت أراه [ أرى ] قبرا تراه مقابلي

و ضربة فأس فوق رأسي فاغرة [ فاقره ]

يا معشر قريش، وليكم عمر فكان فظّا غليظا مضيّقا عليكم، فسمعتم له و أطعتم، ثمّ وليكم عثمان فكان سهلا فعدوتم عليه فقتلتموه، و بعثنا عليكم مسلما يوم الحرّة فقتلناكم، فنحن نعلم يا معشر قريش، أنّكم لا تحبّوننا أبدا

٢٠٧

و أنتم تذكرون يوم الحرّة و نحن لا نحبّكم أبدا و نحن نذكر قتل عثمان( ١) .

«و للّه حكم واقع في المستأثر و الجازع» هو نظير قولهعليه‌السلام : «لو أمرت به لكنت قاتلا، أو نهيت عنه لكنت ناصرا» في إجمال الجواب لعدم تمكّنهعليه‌السلام من بيان الحقيقة و هي بطلان ولايته المستلزمة لبطلان ولاية الأوّل و الثاني.

و في (الأغاني): كان حسّان بن ثابت و النعمان بن بشير و كعب بن مالك عثمانية، يقدّمون بني أميّة على بني هاشم، و يقولون: الشام خير من المدينة.

و اتّصل بهم أنّ ذلك قد بلغ عليّاعليه‌السلام ، فدخلوا عليه، فقال له كعب: أخبرنا عن عثمان: أقتل ظالما، فنقول بقولك؟ [ أم قتل مظلوما، فنقول بقولنا ]، و نكلك إلى الشبهة فيه، و العجب من تيقّننا و شكّك، و قد زعمت العرب أنّ عندك علم ما اختلفنا فيه، فهاته نعرفه، فقال لهم عليّعليه‌السلام : لكم عندي ثلاثة أشياء: استأثر عثمان فأساء الأثرة، و جزعتم فأسأتم الجزع، و عند اللّه ما تختلفون فيه إلى يوم القيامة. فقالوا: لا ترضى بهذا العرب، و لا تعذرنا فيه [ به ]. فقال لهم عليّ:

أ تردّون عليّ بين ظهراني المسلمين، بلا بيّنة صادقة، و لا حجّة واضحة؟

اخرجوا عنّي، فلا تجاوروني في بلد أنا فيه أبدا. فخرجوا من يومهم، فساروا حتّى أتوا معاوية، فقال: لكم الكفاية أو الولاية. فأعطى حسّانا ألف دينار، و كعبا ألف دينار، و ولّى النعمان حمصا( ٢) .

و في (مواسم الأدب): قال كعب بن مالك الأنصاري لعليّعليه‌السلام : بلغك عنّا أمر لو كان غيرك لم يحتمله، و لو كان غيرنا لم يقم معك عليه، و ما في الناس من هو أعلم منك، و في الناس من نحن أعلم منه و أوضح العلم ما وقف على لسان و أرفعه ما ظهر في الجوارح و الأركان، و نحن أعرف بقدر عثمان من

____________________

(١) مروج الذهب للمسعودي ٣: ١٢٧ ١٢٨، و نقله الشارح بتصرّف.

(٢) الأغاني ١٦: ٢٣٣ ٢٣٤، و نقله الشارح بتصرّف و تلخيص.

٢٠٨

قاتليه و أنت أعلم بهم و بخاذليه، فإن قلت: «إنّه قتل ظالما» قلنا: بقولك، و إن قلت: «إنّه قتل مظلوما» قلنا بقولنا، و إن وكلتنا إلى الشبهة آيسنا بعدك من إصابة البيّنة.

فقالعليه‌السلام عندي في عثمان و فيكم. استأثر فأساء الأثرة و جزعتم فأسأتم الجزع، و للّه عز و جل حكم واقع في المستأثر و الجازع( ١) .

و هوعليه‌السلام و إن أجمل في جواب أولئك العثمانيّة لكون سؤالهم في غير الموقع، إلاّ أنّه بيّن بأفعاله من إيوائه قاتليه، و دفاعه عنهم و بأقواله كما مرّ من قولهعليه‌السلام للخولاني: «إنّي ضربت هذا الأمر أنفه و عينه، فرأيت أنّه ما ينبغي لي أن أدفع قتلته إلى أحد»( ٢ ) و قولهعليه‌السلام لقرّاء الشام و العراق لمّا قالوا له: «إنّ معاوية يقول: إن كنت صادقا أنّك ما أمرت بقتل عثمان، و لا مالأت على قتله، فادفع إلينا قتلته أو أمكنّا منهم»: تأوّل القوم عليه القرآن، و قتلوه في سلطانه و ليس على أضرابهم [ ضربهم ] قود( ٣ ) ، أنّه كان مباح الدم، و به صرّح شيعته عمّار و غيره( ٤) .

و في (فواتح الميبدي): روى إبراهيم النخعي و أبو العالية أنّ قوله تعالى:

ثمّ إنّكم يوم القيامة عند ربّكم تختصمون( ٥ ) في شأن المسلمين، و ناظر إلى قتل عثمان و حرب صفين. و قوله تعالى: فمن أظلم ممّن كذب على اللّه و كذّب بالصّدق إذ جاءه أ ليس في جهنّم مثوى للكافرين. و الّذي جاء بالصّدق

____________________

(١) نهج البلاغة خطبة ٣٠.

(٢) وقعة صفّين: ٨٦، شرح ابن أبي الحديد ١٥: ٧٥.

(٣) وقعة صفّين: ١٨٩.

(٤) الإمامة و السياسة ١: ٦٧.

(٥) الزمر: ٣١.

٢٠٩

و صدّق به اولئك هم المتّقون( ١ ) تفصيل اولئك الفرق( ٢) .

٦ - الكتاب (٣٨) و من كتاب لهعليه‌السلام إلى أهل مصر لما ولّى عليهم الأشتر:

مِنْ عَبْدِ اَللَّهِ؟ عَلِيٍّ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ؟ إِلَى اَلْقَوْمِ اَلَّذِينَ غَضِبُوا لِلَّهِ حِينَ عُصِيَ فِي أَرْضِهِ وَ ذُهِبَ بِحَقِّهِ فَضَرَبَ اَلْجَوْرُ سُرَادِقَهُ عَلَى اَلْبَرِّ وَ اَلْفَاجِرِ وَ اَلْمُقِيمِ وَ اَلظَّاعِنِ فَلاَ مَعْرُوفٌ يُسْتَرَاحُ إِلَيْهِ وَ لاَ مُنْكَرٌ يُتَنَاهَى عَنْهُ قول المصنّف: «و من كتاب لهعليه‌السلام إلى أهل مصر لمّا ولّى عليهم الأشتر» روى الطبري عن أبي مخنف، عن فضيل بن خديج، عن مولى للأشتر قال: لمّا هلك الأشتر وجدنا في ثقله رسالة عليّعليه‌السلام إلى أهل مصر: «من عبد اللّه عليّ أمير المؤمنين إلى امّة المسلمين الذين غضبوا للّه حين عصي في الأرض، و ضرب الجور بأرواقه على البرّ و الفاجر، فلا حقّ يستراح إليه، و لا منكر يتناهى عنه»( ٣) .

و رواه (غارات الثقفي) تارة عن المدائنيّ و اخرى عن الشعبيّ( ٤) .

و رواه (أمالي المفيد) أيضا عن الشعبيّ عن صعصعة( ٥) .

و أمّا رواية (الاختصاص)( ٦ ) المنسوب إلى المفيد أيضا فنسبته غير

____________________

(١) الزمر: ٣٢ ٣٣.

(٢) كتاب الفواتح للميبدي، مخطوط.

(٣) تاريخ الطبري ٥: ٩٦، سنة ٣٨.

(٤) الغارات ١: ٢٦٣ ٢٦٦.

(٥) الأمالي للمفيد: ٧٩ ٨٢ عن إبراهيم بن محمّد الثقفي، و في الاختصاص عن الشعبي.

(٦) الاختصاص: ٧٩ ٨٠.

٢١٠

معلومة حيث إنّ كتب المفيد طرزها غير طرزه. و خبر (الاختصاص) غير صحيح حيث تضمّن قتل محمّد بن أبي بكر قبل الأشتر، و هو خلاف الواقع( ١) .

قولهعليه‌السلام : «من عبد اللّه عليّ أمير المؤمنين» روى الكنجيّ الشافعيّ بإسناده عن ابن عبّاس قال: قال النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما أنزل اللّه تعالى آية فيها يا أيّها الذين آمنوا إلاّ و عليّ رأسها و أميرها( ٢ ) «إلى القوم الذين غضبوا للّه» مدحهعليه‌السلام أهل مصر مع كونهم قتلة عثمان بأنّهم غضبوا للّه، دالّ على كون قتل عثمان عملا مرضيّا عند اللّه تعالى فضلا عن إباحته.

و في (الطبريّ): ذكر في سبب مسير المصريين إلى عثمان، و نزولهم ذا خشب أمور كثيرة، و منها ما أعرضت عن ذكره كراهة منّي ذكره، لبشاعته( ٣) .

و قال أيضا: قد ذكرنا كثيرا من الامور التي ذكر قاتلوه أنّهم جعلوها ذريعة إلى قتله، فأعرضنا عن ذكر كثير منها، لعلل دعت إلى الإعراض عنها( ٤) .

قلت: العجب من الرجل يستقصي روايات السريّ عن شعيب، عن سيف مع أنّ أكثرها مفتعلة قطعا، و يترك كثيرا من روايات المدائنيّ و الواقدي و غيرهما ممّن اتّفق على جلاله و صحّة رواياته.

و قال ابن أبي الحديد: هذا الفصل من كلامه يشكل عليّ تأويله، لأنّ أهل مصر هم الذين قتلوا عثمان، و إذا شهد أمير المؤمنينعليه‌السلام أنّهم غضبوا للّه

____________________

(١) لا يخفى أنّ في تاريخ قتلهما رضوان اللّه عليهما اختلافا و لا يسمح المقام ذكر ذلك. انظر تاريخ اليعقوبي ٢:

١٩٤، تاريخ الطبري ٥: ٩٤، سنة ٣٨، مروج الذهب ٢: ٤٢٠، أسد الغابة ٤: ٣٢٤، الإصابة ٣: ٤٨٢، الأعلام ٥: ٢٥٩ و ٦: ٢١٩ ٢٢٠.

(٢) كفاية الطالب: ١٣٩ ١٤٠، نظم درر السمطين: ٨٩.

(٣) تاريخ الطبري ٤: ٣٥٦، سنة ٣٥.

(٤) تاريخ الطبري: ٣٦٥، سنة ٣٥.

٢١١

حين عصي في الأرض، فهذه شهادة قاطعة على عثمان بالعصيان، و إتيان المنكر( ١) .

ثمّ ذكر ابن أبي الحديد تأويلا ركيكا( ٢ ) . و لو صحّ تأويله لم يكن في الدنيا أمر باطل. أ فرأيت من اتّخذ إلهه هواة( ٣ ) و من لم ينفعه عيان لا يفيده برهان.

«حين عصي في أرضه» في (الطبري): كتب أهل مصر بالسقيا أو بذي خشب إلى عثمان بكتاب فجاء به رجل منهم حتّى دخل به عليه، فلم يردّ عليه شيئا، فأمر به فاخرج من الدار و كان أهل مصر الذين ساروا إلى عثمان ستّمائة رجل على أربعة ألوية لها رؤوس أربعة، مع كلّ رجل منهم لواء و كان جماع أمرهم إلى عمرو بن بديل بن ورقاء الخزاعي و كان من أصحاب النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و إلى عبد الرحمن بن عديس التّجيبيّ فكان في ما كتبوا إليه: بسم اللّه الرحمن الرحيم أمّا بعد فاعلم... أنّ اللّه لا يغيّر ما بقوم حتّى يغيّروا ما بأنفسهم...( ٤ ) . فاللّه اللّه ثمّ اللّه اللّه فإنّك على دنيا فاستتمّ إليها معها آخرة، و لا تنس [ لا تلبس ] نصيبك من الآخرة فلا تسوغ لك الدنيا. و اعلم [ أنّا ] و اللّه للّه نغضب، و في اللّه نرضى و أنّا لن نضع سيوفنا عن عواتقنا حتّى تأتينا منك توبة مصرّحة، أو ضلالة مجلّحة مبلجة. فهذه مقالتنا لك، و قضيتنا إليك، و اللّه عذيرنا منك( ٥) .

«و ذهب بحقّه» في (الطبري): خرجت عائشة إلى مكّة و عثمان محصور،

____________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ١٦: ١٥٦.

(٢) المصدر نفسه: ١٥٧.

(٣) الجاثية: ٢٣.

(٤) الرعد: ١١.

(٥) تاريخ الطبري ٤: ٣٦٩، سنة ٣٥.

٢١٢

فقدم عليها رجل يقال له أخضر، فقالت: ما صنع الناس؟ فقال: قتل عثمان المصريّين. قالت عائشة: إنّا للّه و إنّا إليه راجعون أ يقتل عثمان قوما يطلبون الحقّ و ينكرون الظلم و اللّه لا نرضى بهذا. ثمّ قدم آخر فقالت عائشة له: ما صنع الناس؟ قال: قتل المصريّون عثمان. قالت: العجب لأخضر، زعم أنّ المقتول هو القاتل فكان يضرب به المثل: أكذب من أخضر( ١) .

قلت: أخضر أيضا ما كذب. أراد عثمان قتل المصريين فكتب سرّ إلى ابن أبي سرح بقتلهم، إلاّ أنّ لم يرد ذلك فرأوا رسوله و كتابه معه بذلك فرجعوا و قتلوه( ٢) .

«فضرب الجور سرادقه على البرّ و الفاجر و المقيم» أي: البلديّ.

«و الظاعن» أي: الغريب المرتحل.

في (الطبريّ): قال محمّد بن السائب الكلبيّ: إنّما ردّ أهل مصر إلى عثمان بعد انصرافهم عنه أنّه أدركهم غلام لعثمان على جمل له بصحيفة إلى أمير مصر أن يقتل بعضهم، و يصلب بعضهم. فلمّا أتوا عثمان، قالوا: هذا غلامك؟ قال: هذا غلامي انطلق بغير علمي. قالوا: جملك. قال: اخذ من الدار بغير أمري. قالوا: خاتمك. قال: نقش عليه. فقال ابن عديس التجيبيّ حين أقبل أهل مصر:

أقبلن من بلبيس و الصعيد

خوصا كأمثال القسيّ قود

مستحقبات حلق الحديد

يطلبن حقّ اللّه في الوليد

و عند عثمان و في سعيد

يا ربّ فارجعنا بما نريد( ٣)

____________________

(١) تاريخ الطبري ٤: ٤٤٩، سنة ٣٦.

(٢) المصدر نفسه ٤: ٣٦٧ ٣٦٨، سنة ٣٥.

(٣) تاريخ الطبري ٤: ٣٦٨، سنة ٣٥.

٢١٣

و عن سفيان بن أبي العوجاء: قدم المصريّون القدمة الأولى، فكلّم عثمان بن محمّد بن مسلمة، فخرج في خمسين راكبا من الأنصار، فأتوهم بذي خشب فردّهم، و رجع القوم حتّى إذا كانوا بالبويب، وجدوا غلاما لعثمان معه كتاب إلى عبد اللّه بن سعد، فكرّوا، فانتهوا إلى المدينة، و قد تخلّف بها من الناس الأشتر و حكيم بن جبلة، فأتوا بالكتاب، فأنكر عثمان أن يكون كتبه، و قال: هذا مفتعل. قالوا: فالكتاب كتاب كاتبك قال: أجل، و لكنّه كتب بغير أمري. قالوا: فإنّ الرسول الذي وجدنا معه الكتاب غلامك قال: أجل، و لكنّه خرج بغير إذني. قالوا: فالجمل جملك. قال: أجل، و لكنّه اخذ بغير علمي. فقالوا:

ما أنت إلاّ صادق أو كاذب فإن كنت كاذبا فقد استحققت الخلع، لما أمرت به من سفك دمائنا بغير حقّها، و إن كنت صادقا فقد استحققت أن تخلع لضعفك و غفلتك و خبث بطانتك لأنّه لا ينبغي لنا أن نترك على رقابنا من يقتطع مثل هذا الأمر دونه لضعفه و غفلته. و قالوا له أيضا: إنّك ضربت رجالا من أصحاب النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين يعظونك و يأمرونك بمراجعة الحقّ عند ما يستنكرون من أعمالك فأقد من نفسك من ضربته و أنت له ظالم. فقال: الإمام يخطى‏ء و يصيب، فلا أقيد من نفسي لأنّي لو أقدت كلّ من أصبته بخطأ آتي على نفسي، و قالوا له: إنّك أحدثت أحداثا عظيمة [ عظاما ] فاستحققت بها الخلع فإذا كلّمت فيها أعطيت التوبة ثمّ عدت إليها و إلى مثلها، ثمّ قدمنا عليك فأعطيتنا التوبة و الرجوع إلى الحقّ و لا منا فيك محمّد بن مسلمة، و ضمن لنا ما حدث من أمر، فأخفرته فتبرّأ منك، و قال: لا أدخل في أمره. فرجعنا أوّل مرّة لنقطع حجّتك و نبلغ أقصى الإعذار إليك، و نستظهر باللّه عزّ و جلّ عليك، فلحقنا كتاب منك إلى عاملك [ علينا ] تأمره فينا بالقتل و القطع و الصلب. و زعمت أنّه كتب بغير علمك. و هو مع غلامك و على جملك و بخطّ كاتبك و عليه خاتمك، فقد

٢١٤

وقعت عليك بذلك التهمة القبيحة، مع ما بلونا منك قبل ذلك من الجور في الحكم، و الأثرة في القسمة [ القسم ] و العقوبة للأمر بالقسط، و إظهار التوبة، ثمّ الرجوع إلى الخطيئة إلى أن قال بعد ذكر قول عثمان لهم: إنّه يتوب: قالوا: إن كان هذا أوّل حدث أحدثته ثمّ تبت منه و لم تقم عليه، لكان علينا أن نقبل منك، و لكنّه قد كان منك من الأحداث قبل هذا ما قد علمت إلى أن قال: ثمّ انصرفوا عنه و آذنوه بالحرب، و أرسل عثمان إلى محمّد بن مسلمة أن يردّهم، فقال:

و اللّه لا أكذب اللّه في سنة مرّتين( ١) .

قلت: صدق المصريّون في استحقاق عثمان للخلع، إن صدق أنّ بعث كتاب بخطّ كاتبه على جمله مع غلامه بخاتمه في الأمر بقتل بعض، و قطع بعض، و صلب بعض بدون جناية كان بغير علمه، و إن كان كذب فيه. فيشهد به عقل كلّ عاقل ملحد أو موحّد. فما وجه قول إخواننا بإمامته مع أنّ كذبه كان أمرا بيّنا؟ فلو كان بغير علمه كيف لم يستعظم ذلك، و لم لا يؤاخذ غلامه بذلك؟

و في (الطبري) أيضا: لمّا سمع عثمان بوفد أهل مصر، استقبلهم، و كان في قرية له، فقالوا له: ادع بالمصحف. فدعا به. فقالوا له: افتح السابعة و كانوا يسمّون سورة يونس السابعة فقرأها حتّى أتى على قوله تعالى: قل أ رأيتم ما أنزل اللّه لكم من رزق فجعلتم منه حراما و حلالا قل آللّه أذِنَ لكم أم على اللّه تفترون( ٢ ) قالوا له: قف. أ رأيت ما حميت من الحمى؟ اللّه أذن لك إلى أن قال ثمّ أخذوه بأشياء لم يكن عنده منها مخرج. فعرفها، فقال: استغفر اللّه، فأخذوا ميثاقه إلى أن قال ثمّ رجع الوفد المصريّون راضين فبينا هم

____________________

(١) تاريخ الطبري ٤: ٣٧٥ ٣٧٧، سنة ٣٥، و نقله الشارح بتصرّف و تلخيص.

(٢) يونس: ٥٩.

٢١٥

في الطريق إذا هم براكب...( ١) .

«فلا معروف يستراح إليه، و لا منكر يتناهى عنه» في (الطبري): لمّا قال المصريّون لعثمان: ما هذا الكتاب الذي كتبت في قتلنا؟ و أنكره، قالوا: إنّا لا نعجّل عليك و إن كنّا قد اتّهمناك، اعزل عنّا عمّالك الفسّاق، و استعمل علينا من لا يتّهم على دمائنا و أموالنا، و اردد علينا مظالمنا.

قال عثمان: إذن ما أراني في شي‏ء إن كنت أستعمل من هويتم، و أعزل من كرهتم إذن الأمر أمركم قالوا: و اللّه لتفعلنّ أو لتعزلنّ أو لتقتلنّ، فانظر لنفسك أو دع. فأبى عليهم و قال: لم أكن لأخلع سربالا سربلنيه اللّه. فحصروه أربعين ليلة( ٢) .

قلت: لعمر اللّه ذاك السربال لم يسربله اللّه، بل سربله عمر بتدبير الشورى شكرا له بما كتب عن أبي بكر في غشوته استخلافه له.

٧ - الخطبة (١٦٤) و من كلام لهعليه‌السلام : قالوا: لما اجتمع الناس عليه، و شكوا ما نقموه على عثمان، و سالوه مخاطبته عنهم و استعتابه لهم، فدخل عليه، فقال:

إِنَّ اَلنَّاسَ وَرَائِي وَ قَدِ اِسْتَسْفَرُونِي بَيْنَكَ وَ بَيْنَهُمْ وَ وَ اَللَّهِ مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لَكَ مَا أَعْرِفُ شَيْئاً تَجْهَلُهُ وَ لاَ أَدُلُّكَ عَلَى شَيْ‏ءٍ لاَ تَعْرِفُهُ إِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نَعْلَمُ مَا سَبَقْنَاكَ إِلَى شَيْ‏ءٍ فَنُخْبِرَكَ عَنْهُ وَ لاَ خَلَوْنَا بِشَيْ‏ءٍ فَنُبَلِّغَكَهُ وَ قَدْ رَأَيْتَ كَمَا رَأَيْنَا وَ سَمِعْتَ كَمَا سَمِعْنَا وَ صَحِبْتَ؟ رَسُولَ

____________________

(١) تاريخ الطبري ٤: ٣٥٤ ٣٥٥، سنة ٣٥، و نقله الشارح بتصرّف و تلخيص.

(٢) المصدر نفسه ٤: ٣٧١، سنة ٣٥.

٢١٦

اَللَّهِ ص؟ كَمَا صَحِبْنَا وَ مَا؟ اِبْنُ أَبِي قُحَافَةَ؟ وَ لاَ؟ اِبْنُ اَلْخَطَّابِ؟ بِأَوْلَى بِعَمَلِ اَلْحَقِّ مِنْكَ وَ أَنْتَ أَقْرَبُ إِلَى؟ رَسُولِ اَللَّهِ ص؟

وَشِيجَةَ رَحِمٍ مِنْهُمَا وَ قَدْ نِلْتَ مِنْ صِهْرِهِ مَا لَمْ يَنَالاَ فَاللَّهَ اَللَّهَ فِي نَفْسِكَ فَإِنَّكَ وَ اَللَّهِ مَا تُبَصَّرُ مِنْ عَمًى وَ لاَ تُعَلَّمُ مِنْ جَهْلٍ وَ إِنَّ اَلطُّرُقَ لَوَاضِحَةٌ وَ إِنَّ أَعْلاَمَ اَلدِّينِ لَقَائِمَةٌ فَاعْلَمْ أَنَّ أَفْضَلَ عِبَادِ اَللَّهِ عِنْدَ اَللَّهِ إِمَامٌ عَادِلٌ هُدِيَ وَ هَدَى فَأَقَامَ سُنَّةً مَعْلُومَةً وَ أَمَاتَ بِدْعَةً مَجْهُولَةً وَ إِنَّ اَلسُّنَنَ لَنَيِّرَةٌ لَهَا أَعْلاَمٌ وَ إِنَّ اَلْبِدَعَ لَظَاهِرَةٌ لَهَا أَعْلاَمٌ وَ إِنَّ شَرَّ اَلنَّاسِ عِنْدَ اَللَّهِ إِمَامٌ جَائِرٌ ضَلَّ وَ ضُلَّ بِهِ فَأَمَاتَ سُنَّةً مَأْخُوذَةً وَ أَحْيَا بِدْعَةً مَتْرُوكَةً وَ إِنِّي سَمِعْتُ؟ رَسُولَ اَللَّهِ ص؟ يَقُولُ يُؤْتَى يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ بِالْإِمَامِ اَلْجَائِرِ وَ لَيْسَ مَعَهُ نَصِيرٌ وَ لاَ عَاذِرٌ يُلْقَى فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَيَدُورُ فِيهَا كَمَا تَدُورُ اَلرَّحَى ثُمَّ يَرْتَبِطُ فِي قَعْرِهَا وَ إِنِّي أَنْشُدُكَ اَللَّهَ أَلاَّ تَكُونَ إِمَامَ هَذِهِ اَلْأُمَّةِ اَلْمَقْتُولَ فَإِنَّهُ كَانَ يُقَالُ يُقْتَلُ فِي هَذِهِ اَلْأُمَّةِ إِمَامٌ يَفْتَحُ عَلَيْهَا اَلْقَتْلَ وَ اَلْقِتَالَ إِلَى يَوْمِ اَلْقِيَامَةِ وَ يَلْبِسُ أُمُورَهَا عَلَيْهَا وَ يُثَبِّثُ اَلْفِتَنَ فِيهَا فَلاَ يُبْصِرُونَ اَلْحَقَّ مِنَ اَلْبَاطِلِ يَمُوجُونَ فِيهَا مَوْجاً وَ يَمْرُجُونَ فِيهَا مَرْجاً فَلاَ تَكُونَنَّ؟ لِمَرْوَانَ؟

سَيِّقَةً يَسُوقُكَ حَيْثُ شَاءَ بَعْدَ جَلاَلِ اَلسِّنِّ وَ تَقَضِّي اَلْعُمُرِ فَقَالَ لَهُ؟ عُثْمَانُ؟

كَلِّمِ اَلنَّاسَ فِي أَنْ يُؤَجِّلُونِي حَتَّى أَخْرُجَ إِلَيْهِمْ مِنْ مَظَالِمِهِمْ فَقَالَ ع مَا كَانَ؟ بِالْمَدِينَةِ؟ فَلاَ أَجَلَ فِيهِ وَ مَا غَابَ فَأَجَلُهُ وُصُولُ أَمْرِكَ إِلَيْهِ أقول: رواه المدائني كما في (جمل المفيد) عن علي بن صالح قال: ذكر

٢١٧

ابن دأب أنّه لمّا عاب الناس على عثمان ما عابوا، كلّموا عليّاعليه‌السلام فيه فدخل عليه...( ١) .

و رواه (العقد الفريد) مختصرا عن ابن دأب أيضا( ٢) .

و رواه الطبري في ثلاث روايات: روى في إحداها صدره إلى قولهعليه‌السلام :

«فلا تكوننّ لمروان سيّقة»( ٣ ) . و في اخرى قولهعليه‌السلام : «فلا تكوننّ»... و في ثالثة قولهعليه‌السلام : «ما كان بالمدينة»...

ففيه: زعم الواقديّ أنّ عبد اللّه بن محمد حدّثه عن أبيه، قال: لمّا كانت سنة (٣٤) كتب أصحاب النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعضهم إلى بعض: أن أقدموا، فإن كنتم تريدون الجهاد فعندنا الجهاد. و كثّر الناس على عثمان، و نالوا منه أقبح ما نيل من أحد، و أصحاب النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يرون و يسمعون ليس فيهم أحد ينهى و لا يذبّ أي عن عثمان إلاّ نفير زيد بن ثابت، و أبو أسيد الساعديّ، و كعب بن مالك و حسّان. فاجتمع الناس، و كلّموا عليّاعليه‌السلام . فدخل على عثمان فقال: «الناس ورائي، و قد كلّموني فيك، و اللّه ما أدري ما أقول لك إلى «و يمرجون مرجا» مثله مع اختلاف يسير. ثمّ بعده: فقال له عثمان: قد و اللّه علمت، ليقولنّ الذي قلت، أما و اللّه لو كنت مكاني ما عنّفتك، و لا أسلمتك، و لا عبت عليك، و لا جئت منكرا أن وصلت رحما، و سددت خلّة، و آويت ضائعا، و ولّيت شبيها بمن كان عمر يولّي. أنشدك اللّه يا علي، هل تعلم أنّ المغيرة بن شعبة ليس هناك؟ قال:

نعم. قال: فتعلم أنّ عمر ولاّه؟ قال: نعم. قال: فلم تلومني أن ولّيت ابن عامر في رحمه و قرابته؟ قال عليّعليه‌السلام : سأخبرك إنّ عمر كان كلّ من ولّى فإنّما يطأ

____________________

(١) الجمل: ١٨٧ ١٨٨.

(٢) العقد الفريد ٥: ٥٨.

(٣) تاريخ الطبري ٤: ٣٣٧، سنة ٣٤.

٢١٨

على صماخه، و إن بلغه عنه حرف جلبه، ثمّ بلغ به أقصى الغاية، و أنت لا تفعل، ضعفت و رققت [ رفقت ] على أقربائك.

قال عثمان: هم أقرباؤك أيضا. فقال عليّعليه‌السلام : لعمري إنّ رحمهم منّي لقريبة، و لكنّ الفضل في غيرهم. قال عثمان: هل تعلم أنّ عمر ولّى معاوية خلافته كلّها؟ فقد ولّيته. فقال عليّعليه‌السلام : أنشدك اللّه هل تعلم أنّ معاوية كان أخوف من عمر من يرفأ غلام عمر منه؟ قال: نعم. قال عليّعليه‌السلام : فإنّ معاوية يقتطع الامور دونك و أنت لا تعلمها [ تعلمها ] فيقول للناس: هذا أمر عثمان، فيبلغك و لا تغيّر على معاوية.

ثمّ خرج عليّعليه‌السلام من عنده، و خرج عثمان على أثره، فجلس على المنبر و قال: إنّ لكلّ شي‏ء آفة، و لكلّ أمر عاهة، و إنّ آفة هذه الامّة، و عاهة هذه النعمة، عيّابون طعّانون يرونكم ما تحبّون، و يسرّون ما تكرهون يقولون لكم و تقولون، أمثال النعام يتبعون أوّل ناعق أحبّ مواردها إليها البعيد، لا يشربون إلاّ نغصا و لا يردون إلاّ عكرا، لا يقوم لهم رائد، و قد أعيتهم الامور، و تعذّرت عليهم المكاسب. أما [ ألا فقد ] و اللّه عبتم عليّ بما أقررتم لابن الخطاب بمثله، و لكنّه وطأكم برجله، و ضربكم بيده، و قمعكم بلسانه، فدنتم له على ما أحببتم أو كرهتم، و لنت لكم، و أوطأت لكم كتفي، و كففت يدي و لساني عنكم، فاجترأتم عليّ. أما و اللّه أنا لأعزّ [ لأنا أعزّ ] نفرا، و أقرب ناصرا، و أكثر عددا، و أقمن إن قلت هلمّ [ أتي ] إليّ و لقد أعددت لكم أقرانكم، و أفضلت عليكم فضولا، و كشرت لكم عن نابي، و أخرجتم منّي خلقا لم أكن أحسنه، و منطقا لم أنطق به، فكفّوا عليكم ألسنتكم، و طعنكم و عيبكم على ولاتكم، فإنّي قد كففت عنكم من لو كان هو الذي يكلّمكم لرضيتم منه بدون منطقي هذا. ألا فما تفقدون من حقّكم؟ و اللّه ما قصّرت في بلوغ ما كان يبلغ من كان قبلي، و من لم

٢١٩

تكونوا تختلفون عليه و أفضل [ فضل فضل من مال ]، فمالي لا أصنع في الفضل ما اريد فلم كنت إماما فقام مروان فقال: إن شئتم حكّمنا و اللّه بيننا و بينكم السيف، نحن و اللّه و أنتم كما قال الشاعر:

فرشنا لكم أعراضنا فنبت بكم

معارسكم تبنون في دمن الثّرى( ١)

قول المصنف: «و من كلام لهعليه‌السلام » زاد في (ابن أبي الحديد):

«لعثمان»( ٢ ) . و لعلّه كان حاشية خلط بالمتن، فليس في (ابن ميثم)( ٣ ) و نسخة نهجه كانت بخطّ مصنّفه.

«لمّا اجتمع الناس عليه» هكذا في (المصرية)( ٤ ) ، و الصواب: «إليه» كما في (ابن ميثم)( ٥ ) . لكن في (ابن أبي الحديد) بدل الكلام: «قالوا لمّا اجتمع الناس إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام »( ٦) .

«و شكوا ممّا نقموه على عثمان» هكذا في (المصرية)( ٧ ) ، و في (ابن ميثم): «و شكوا ما نقموه على عثمان»( ٨ ) . و في (ابن أبي الحديد): «و شكوا إليه ما نقموه على عثمان»( ٩) .

«و سألوه مخاطبته عنهم» ليس في (ابن أبي الحديد) كلمة «عنهم»( ١ ) ٠.

____________________

(١) تاريخ الطبري ٤: ٣٣٦ ٣٣٩، سنة ٣٤.

(٢) شرح ابن أبي الحديد ٩: ٢٦١.

(٣) شرح ابن ميثم ٣: ٣٠١.

(٤) نهج البلاغة ٢: ٨٤.

(٥) في شرح ابن ميثم ٣: ٣٠١ أيضا: «عليه».

(٦) شرح ابن أبي الحديد ٩: ٢٦١.

(٧) نهج البلاغة ٢: ٨٤.

(٨) في شرح ابن ميثم ٣: ٣٠١ أيضا: «ممّا».

(٩) شرح ابن أبي الحديد ٩: ٢٦١.

(١٠) المصدر نفسه.

٢٢٠