بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٩

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة0%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 607

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

مؤلف: الشيخ محمد تقي التّستري
تصنيف:

الصفحات: 607
المشاهدات: 53911
تحميل: 4249


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 607 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 53911 / تحميل: 4249
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 9

مؤلف:
العربية

٨ - من الخطبة (١٥٢) منها:

قَدْ طَلَعَ طَالِعٌ وَ لَمَعَ لاَمِعٌ وَ لاَحَ لاَئِحٌ وَ اِعْتَدَلَ مَائِلٌ وَ اِسْتَبْدَلَ اَللَّهُ بِقَوْمٍ قَوْماً وَ بِيَوْمٍ يَوْماً وَ اِنْتَظَرْنَا اَلْغِيَرَ اِنْتِظَارَ اَلْمُجْدِبِ اَلْمَطَرَ «قد طلع طالع» يقال: طلعت الشمس و القمر.

«و لمع لامع» يقال: لمع البرق.

«و لاح لائح» يقال: لاح النجم.

«و اعتدل» أي: استقام برجوع الأمر إليهعليه‌السلام .

«مائل» أي: ما اعوج من الامور أيّام عثمان.

في (الطبري): قال الزهري: خرج محمّد بن أبي بكر و محمّد بن أبي حذيفة عام خرج عبد اللّه بن سعد في غزوته الروم سنة ٣١ فأظهرا عيب عثمان و ما غيّر، و ما خالف به أبا بكر و عمر، و أنّ دم عثمان حلال. و يقولان:

استعمل عبد اللّه بن سعد رجلا كان رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أباح دمه و نزل القرآن بكفره، و أخرج النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قوما فأدخلهم عثمان، و نزع أصحاب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و استعمل سعيد بن العاص و عبد اللّه بن عامر. فبلغ ذلك عبد اللّه بن سعد، فقال:

لا تركبا معنا، فركبا في مركب ما فيه أحد من المسلمين، و لقوا العدوّ، و كانا انكل [ أكلّ ] المسلمين قتالا، فقيل لهما في ذلك، فقالا: كيف نقاتل مع رجل لا ينبغي لنا أن نحكّمه الخ( ١) .

و فيه أيضا: قال العلاء بن عبد اللّه العنبريّ: اجتمع ناس من المسلمين، فتذاكروا أعمال عثمان و ما صنع، فاجتمع رأيهم على أن يبعثوا إليه رجلا

____________________

(١) تاريخ الطبري ٤: ٢٩٢، سنة ٣١.

٢٤١

يكلّمه، و يخبره بإحداثه، فأرسلوا إليه عامر بن عبد اللّه التميمي ثمّ العنبري و هو الذي يدعى عامر بن عبد قيس فأتاه، فدخل عليه فقال له: إنّ ناسا من المسلمين اجتمعوا فنظروا في أعمالك، فوجدوك قد ركبت امورا عظاما، فاتّق اللّه عزّ و جلّ و تب إليه، و انزع عنها.

فقال عثمان: انظروا إلى هذا، يزعم الناس أنّه قارى‏ء، ثمّ هو يجي‏ء فيكلّمني في المحقّرات، فو اللّه ما يدري أين اللّه قال عامر: أنا لا أدري أين اللّه قال: نعم، و اللّه ما تدري أين اللّه قال عامر: بلى و اللّه إنّي لأدري أنّ اللّه بالمرصاد لك.

فأرسل عثمان إلى معاوية، و إلى عبد اللّه بن سعد بن أبي سرح، و إلى سعيد بن العاص، و إلى عبد اللّه بن عامر، و إلى عمرو بن العاص فجمعهم ليشاورهم في أمره و ما طلب إليه، و ما بلغه عنهم، فلمّا اجتمعوا عنده قال لهم:

إنّ لكلّ امرى‏ء وزراء و نصحاء، و إنّكم وزرائي و نصحائي و أهل ثقتي، و صنع الناس ما قد رأيتم، و طلبوا إليّ أن أعزل عمّا لي، و أن أرجع عن جميع ما يكرهون إلى ما يحبّون، فاجتهدوا رأيكم، و أشيروا عليّ.

فقال عبد اللّه بن عامر: رأيي لك أن تشغلهم بجهاد يشغلهم عنك، و أن تجمّرهم( ١ ) في المغازي حتّى يذلّوا لك فلا يكوننّ همّ أحدهم إلاّ نفسه، و ما هو فيه من دبرة دابته، و قمل فروه.

ثمّ أقبل عثمان على سعيد بن العاص فقال له: ما رأيك؟ قال: إن كنت تريد [ ترى ] رأينا فاحسم عنك الداء، و اقطع عنك الذي تخاف، و اعمل برأيي تصب. قال: و ما هو؟ قال: إنّ لكلّ قوم قادة متى تهلك يتفرّقوا، و لا يجتمع لهم أمر، فقال عثمان: إنّ هذا هو الرأي لو لا ما فيه.

____________________

(١) تجمير الجيش: أن تحبسهم في أرض العدوّ و لا تقفلهم من الثغر. (الصحاح ٢: ٦١٦، مادة: جمر).

٢٤٢

ثمّ أقبل على معاوية فقال: ما رأيك؟ قال: أرى أن تردّ عمّالك على الكفاية لما قبلهم، و أنا ضامن لك قبلي.

ثمّ أقبل عثمان على عبد اللّه بن سعد فقال: ما رأيك؟ قال: أرى أنّ الناس أهل طمع، فأعطهم من هذا المال تعطف عليك قلوبهم.

ثمّ أقبل على عمرو بن العاص، فقال له: ما رأيك؟ قال: أرى أنّك قد ركبت الناس بما يكرهون فاعتزم أن تعتدل، فإنّ أبيت فاعتزم أن تعتزل، فإن أبيت فاعتزم عزما، و امض قدما. فقال له عثمان: مالك قمل فروك؟ أ هذا الجدّ منك فأسكت عنه دهرا، حتّى إذا تفرّق القوم، قال عمرو لعثمان: لا و اللّه لأنت أعزّ عليّ من ذلك، و لكن قد علمت أن سيبلغ الناس قول كلّ رجل منّا، فأردت أن يبلغهم قولي فيثقوا بي، فأقود إليك خيرا، أو أدفع عنك شرّا( ١) .

و رواه عن الزهريّ أيضا و زاد: فردّ عثمان عمّا له على أعمالهم، و أمرهم بالتضييق على من قبلهم، و أمرهم بتجمير الناس في البعوث، و عزم على تحريم أعطياتهم ليطيعوه، و يحتاجو إليه( ٢) .

«و استبدل اللّه بقوم قوما. و بيوم يوما» قال ابن أبي الحديد: أي: استبدل اللّه بعثمان و شيعته عليّاعليه‌السلام و شيعته، و بأيّام ذاك أيّام هذا( ٣) .

قلت: استبدل بالظلمة النّور، و بالجور العدل، و بالباطل الحقّ.

و في (خلفاء ابن قتيبة) بعد ذكر خطبة لهعليه‌السلام في التحريض على جهاد معاوية: ثمّ قام أبو أيّوب الأنصاريّ فقال: إنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام قد أسمع من كانت له اذن واعية، و قلب حفيظ، إنّ اللّه قد أكرمكم به كرامة ما قبلتموها

____________________

(١) تاريخ الطبري ٤: ٣٣٣ ٣٣٤، سنة ٣٤.

(٢) نفس المصدر ٤: ٣٣٥، سنة ٣٤.

(٣) شرح ابن أبي الحديد ٩: ١٥٣.

٢٤٣

حقّ قبولها، حيث نزل بين أظهركم ابن عمّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، و خير المسلمين و أفضلهم و سيّدهم بعده، يفقّهكم في الدين، و يدعوكم إلى جهاد المحلّين، فو اللّه لكأنّكم صمّ لا تسمعون، و قلوبكم غلف مطبوع عليها فلا تستجيبون، أ ليس إنّما عهدكم بالجور و العدوان أمس، و قد شمل العباد، و شاع في الإسلام، فذو حقّ محروم، و مشتوم عرضه، و مضروب ظهره، و ملطوم وجهه، و موطوء بطنه، و ملقى بالعراء فلمّا جاءكم أمير المؤمنينعليه‌السلام صدع بالحقّ، و نشر العدل [ بالعدل ]، و عمل بالكتاب، فاشكروا نعمة اللّه عليكم، و لا تتولّوا مجرمين( ١) .

و في (جمل محمّد بن محمّد بن النعمان): لمّا بعث عليّعليه‌السلام الأشتر إلى الكوفة لمّا أراد قتال البصرة، صعد الأشتر المنبر و قال بعد حمده تعالى و ذكر الإسلام إلى أن قال: ثمّ ولّي رجل نبذ كتاب اللّه وراء ظهره، و عمل في أحكام اللّه بهوى نفسه، فسألناه أن يعزل نفسه عنّا فلم يفعل، و أقام على أحداثه، فاخترنا هلاكه على هلاك ديننا و دنيانا، و لا يبعد اللّه إلاّ القوم الظالمين، و قد جاءكم اللّه بأعظم الناس مكانا، و أجلّهم في الإسلام سهما، ابن عمّ رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، و أفقه الناس في دين اللّه، و أقرئهم لكتاب اللّه، و أشجعهم عند اللقاء يوم البأس، و قد استنفركم فما تنتظرون؟ أ سعيد الذي فعل ما فعل، أم الوليد الذي شرب الخمر و صلّى بكم على سكر، أيّ هذين تريدون؟ قبّح اللّه من له هذا الرأي( ٢) .

«و انتظرنا الغير» أي: التغيّرات.

«انتظار المجدب» أي: من أصابه القحط.

____________________

(١) الإمامة و السياسة ١: ١٥٢ ١٥٣، و الآية ٥٢ من سورة هود.

(٢) الجمل للمفيد: ٢٥٤ ٢٥٥، و نقله الشارح بتصرّف.

٢٤٤

«المطر» كان انتظار الناس أيّام عثمان انتظار ناس أصابهم القحط لمطر يحييهم.

و لمّا أخرج عثمان أبا ذرّ إلى الربذة، و شيّعه أمير المؤمنينعليه‌السلام و الحسنان عليهما السلام، قال له الحسينعليه‌السلام : يا عمّاه، إنّ اللّه تعالى قادر على أن يغيّر ما ترى و هو كلّ يوم في شأن( ١) .

و في (تاريخ الثقفي): أنّ رجلا شهد الجمعة عند معاوية بالجابية لقي أبا الدرداء و صاحبا له في طريق، فقال لهما: خبر كرهت أن اخبركما به، فقال أبو الدرداء: لعلّ أبا ذرّ قد نفي. قال: نعم و اللّه. فاسترجع أبو الدرداء و صاحبه قريبا من عشر مرّات، ثمّ قال أبو الدرداء لصاحبه:... فَارتقِبهم و اصْطَبِر( ٢ ) كما قيل لأصحاب الناقة( ٣) .

و في (سقيفة الجوهريّ): عن أبي كعب الحارثي في خبر أنّه كان يجي‏ء عند عثمان إذ جاء نفر فقالوا: إنّه أبى أن يجي‏ء. فغضب عثمان و قال: أبى أن يجي‏ء اذهبوا فجيئوا به فإن أبى فجرّوه جرّا. قال: فمكثت قليلا فجاؤوا و معهم رجل آدم طوال أصلع، في مقدّم رأسه شعرات، و في قفاه شعرات، فقلت: من هذا؟ قالوا: عمّار.

فقال له عثمان: أنت الذي تأتيك رسلنا فتأبى أن تجي‏ء؟ فكلّمه بشي‏ء لم أدر ما هو إلى أن قال: فتبعت عثمان حتّى دخل المسجد، فإذا عمّار جالس إلى سارية، و حوله نفر من أصحاب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يبكون، فقال عثمان: يا وثّاب عليّ بالشرط. فجاؤوا، فقال: فرّقوا بين هؤلاء.

____________________

(١) السقيفة و فدك ٧٦ ٧٧، شرح ابن أبي الحديد ٨: ٢٥٣ ٢٥٤.

(٢) من الآية ٢٧ في سورة القمر.

(٣) نقله عنه، العلاّمة المجلسيرضي‌الله‌عنه في بحار الأنوار ٨: ٣٣٧ ط الكمباني.

٢٤٥

ثمّ اقيمت الصلاة، فتقدّم عثمان فصلّى بهم، فلمّا كبّر قالت امرأة من حجرتها: تركتم أمر اللّه، و خالفتم عهده. ثمّ صمتت و تكلّمت اخرى بمثل ذلك، فإذا هما عائشة و حفصة. فسلّم عثمان ثمّ أقبل على الناس فقال: إنّ هاتين لفتّانتان، يحلّ لي سبّهما، و أنا بأصلهما عالم. فقال له سعد: أ تقول هذا لحبائب النبيّ؟ فقال له: و فيم أنت و ما ها هنا، ثمّ أقبل نحو سعد عامدا ليضربه، فانسلّ سعد إلى أن قال: فلقي عليّاعليه‌السلام بباب المسجد، فقال عثمان له: أ لست الذي خلّفك النبيّ يوم تبوك؟ فقال له عليّعليه‌السلام : أ لست الفارّ يوم احد؟( ١) .

و في (موفّقيّات الزبير بن بكّار) عن ابن عبّاس في خبر قال عثمان لعمّار: أما إنّك من شنآئنا و أتباعهم، و ايم اللّه، إنّ اليد عليك منبسطة، و إنّ السبيل إليك لسهلة إلى أن قال فقال له عمّار: و اللّه ما أعتذر من حبّي عليّاعليه‌السلام . فقال له عثمان: إنّك و اللّه ما علمت لمن أعوان الشرّ الحاضّين عليه، الخذلة عند الخير و المثبّطين عنه. فقال عمّار: مهلا يا عثمان، فقد سمعت رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يصفني بغير ذلك. قال عثمان: و متى؟ قال: يوم دخلت أنا عليه منصرفه عن الجمعة، و ليس عنده غيرك، و قد ألقى ثيابه، و قعد في فضله( ٢) ، فقبّلت أنا صدره و نحره و جبهته، فقال: يا عمّار، إنّك لتحبّنا و إنّا لنحبّك، و إنّك لمن الأعوان على الخير و المثبّطين عن الشرّ.

فقال عثمان: أجل و لكنّك غيّرت و بدّلت. فرفع عمّار يديه يدعو و قال:

آمّن يا ابن عبّاس، اللهمّ من غيّر فغيّر به( ٣) .

و روى (الموفقيات) أيضا عن عليّعليه‌السلام قال: أرسل إليّ عثمان في

____________________

(١) السقيفة و فدك: ٧٩ ٨١، شرح ابن أبي الحديد ٩: ٣ ٥، و نقله الشارح بتلخيص.

(٢) ثوب فضل، تقول: خرجت في فضل أي: في ثوب واحد ملحفة أو نحوها. أساس البلاغة: ٣٤٣، مادة (فضل).

(٣) شرح ابن أبي الحديد ٩: ١٠ ١١.

٢٤٦

الهاجرة( ١ ) ، فتقنّعت بثوبي، فأتيته، فدخلت عليه و هو على سريره، و في يده قضيب، و بين يديه مال دثر( ٢ ) : صبرتان من ورق و ذهب، فقال: دونك خذ من هذا حتّى تملأ بطنك فقد أحرقتني. فقلت: وصلتك رحم إن كان هذا المال ورثته، أو أعطاكه معط، أو اكتسبته من تجارة، كنت أحد رجلين: إمّا آخذ و أشكر، أو أفرّ و أجهد، و إن كان من مال اللّه و فيه حقّ المسلمين و اليتيم و ابن السبيل، فو اللّه مالك عليّ أن تعطينيه، و لا لي أن آخذه. فقال: أبيت و اللّه إلاّ ما أبيت. ثمّ قام إليّ بالقضيب فضربني، و اللّه ما أردّ يده حتّى قضى [ حاجته ]، فتقنّعت بثوبي، و رجعت إلى منزلي، و قلت: اللّه بيني و بينك إن كنت أمرتك بمعروف أو نهيتك عن منكر( ٣) .

و روى الثقفي في (تاريخه) عن داود بن الحصين الأنصاري أنّ محمّد بن مسلمة الأنصاري قال يوم قتل عثمان: ما رأيت يوما قطّ أقرّ للعيون و لا أشبه بيوم بدر من هذا اليوم.

و روى عن أبي سفيان قال: أتيت محمّد بن مسلمة فقلت: قتلتم عثمان؟

قال: نعم، و أيم اللّه ما وجدت رائحة هي أشبه برائحة يوم بدر من رائحة هذا اليوم( ٤) .

قلت: صدق، ففي بدر قتل جمع من الجبابرة، و اسر جمع من الجبابرة، و في ذاك اليوم قتل رئيس الجبابرة عثمان رئيس بني اميّة الشجرة الملعونة، فذلّوا و خزيوا.

ثمّ تشبيه أمر محبوب متوقّع بمطر بعد جدب، كما في كلامهعليه‌السلام ، أمر

____________________

(١) الهجر و الهاجرة: نصف النهار عند اشتداد الحرّ. (الصحاح ٢: ٨٥١، مادة: هجر).

(٢) الدثر بالفتح: المال الكثير. يقال: مال دثر و أموال دثر. (الصحاح ٢: ٦٥٥، مادة: دثر).

(٣) أخبار الموفقيات للزبير بن بكار: ٦١٢ رقم ٣٩٥، مطبعة العاني، بغداد، شرح ابن أبي الحديد ٩: ١٦.

(٤) نقله عنه العلاّمة المجلسي رحمه اللّه في بحار الأنوار ٨: ٣٤٠ ط الكمباني.

٢٤٧

شائع قال الفرزدق:

إنّي و إيّاك إذ حلّت بأرحلنا

كمن بواديه بعد المحل ممطور( ١)

و قال آخر:

و حديثها كالغيث يسمعها

راعي سنين تتابعت جدبا

فأصاخ يرجو أن يكون حيا

و يقول من فرح هياربا( ٢)

و لمّا كثر عبث هشام بن عبد الملك بالوليد بن يزيد و بند مائه، قال أحدهم:

لعلّ الوليد دنا ملكه

فأمسى إليه قد استجمعا

و كنّا نؤمّل في ملكه

كتأميل ذي الجدب أن يمرعا( ٣)

قلت: لكنّ الوليد وعد ذلك من نفسه إلاّ أنّه لم يفعل كعثمان الذي وعد الناس الخير في أوّل خلافته لما حصل له العيّ في خطبته، و لم يفعل إلاّ الشّرّ.

قال أبو الفرج في (أغانيه): لمّا خرج زيد بن عليّ على هشام منع أهل مكّة و المدينة أعطياتهم، فلمّا ولي الوليد بعده كتب إلى أهل مكّة و المدينة:

ضمنت لكم إن لم تصابوا بمهجتي

بأنّ سماء الضرّ عنكم ستقلع

فلمّا فعل خلاف ما قال، قال حمزة بن بيض ردّا عليه:

وصلت سماء الضرّ بالضرّ بعد ما

زعمت سماء الضرّ عنّا ستقلع

فليت هشاما كان حيّا يسوسنا

و كنّا كما كنّا نرجّي و نطمع( ٤)

هذا، و بعضهم بدل في التشبيه، المطر بعد المحل بقرب الغريق إلى

____________________

(١) أورده أبو الفرج الاصبهاني في الأغاني ٢١: ٣٠٨ هكذا:

إنّا و إيّاك إن بلّغن أرحلنا

كمن بواديه بعد المحل ممطور

 (٢) عيون الأخبار لابن قتيبة ٤: ٨٢، دار الكتاب العربي.

(٣) الأغاني ٧: ٨ ٩.

(٤) الأغاني ٧: ٢١ ٢٢.

٢٤٨

الساحل فقال:

إذا قلت أي فتى تعلمون

أهش إلى الطعن بالذابل

و أضرب للقرن يوم الوغى

و أطعم في الزمن الماحل

أشارت إليك أكفّ الورى

اشارة غرقى إلى الساحل

ثمّ إنّ ابن أبي الحديد قال: كلامهعليه‌السلام «و انتظرنا الغير، انتظار المجدب المطر» يدلّ على أنّهعليه‌السلام كان يتربّص بعثمان الدوائر، و يرتقب حلول الخطوب بساحته.

فإن قلت: أ يجوز على مذهب المعتزلة أن يقال: إنّهعليه‌السلام كان ينتظر قتل عثمان، انتظار المجدب المطر، و هل هذا إلاّ محض مذهب الشيعة قلت: إنّهعليه‌السلام و إن قال: «انتظر الغير» يجوز أن يكون أراد انتظار خلعه و عزله عن الخلافة، فإنّ عليّاعليه‌السلام عند أصحابنا كان يذهب إلى أنّ عثمان يستحقّ الخلع بأحداثه، و لم يستحقّ القتل.

فإن قلت: أ تقول المعتزلة أنّ عليّاعليه‌السلام كان يذهب إلى فسق عثمان المستوجب لأجله الخلع؟

قلت: كلاّ حاش للّه أن تقول المعتزلة ذلك و إنّما تقول: إنّ عليّاعليه‌السلام كان يرى أنّ عثمان يضعف عن تدبير الخلافة، و أنّ أهله غلبوا عليه، و استبدّوا بالأمر دونه، و استعجزه المسلمون، و استسقطوا رأيه، فصار حكمه حكم الإمام إذا عمي، أو أسره العدوّ، فإنّه ينخلع من الإمامة( ١) .

قلت: هب أنّ الأمر كما ذكر، فإذا كان عثمان بالغا درجة الانخلاع فضلا عن استحقاقه الخلع، هل صار قتله موجبا لاستحقاق الخلافة،

____________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ٩: ١٥٣ ١٥٤، و نقله الشارح بتصرّف و تلخيص.

٢٤٩

فكيف يقولون بإمامته؟

ثمّ لم أعلم أيّ شي‏ء يجعلون معنى الفسق، فإن لم يكن عثمان بتلك الأحداث فاسقا فلا فاسق في الدّنيا.

ثمّ كيف لم يكن فاسقا بها و قد قال تعالى:... و من لم يحكم بما أنزل اللّه فأولئك هم الفاسقون( ١ ) ؟

و قال جلّ و علا:... و مَن لم يحكُم بما أنزل اللّه فاولئك هم الظالمون( ٢) .

و قال عزّ اسمه:... و مَنْ لم يحكم بما أنزل اللّه فأولئك هم الكافرون( ٣) .

و كان عمّار يقول: هذه الثلاثة تشهد بكفره و أنا الرابع( ٤) .

و سبحان اللّه هل حبّ الشي‏ء يعمي الإنسان و يصمّه بدرجة يسلبه فطرياته و ضروريّات العقول؟ و إلاّ فمن قال بإمامة أبي بكر و عمر في عصر عثمان كفّر عثمان، و أباح دمه، و إنّما حمل معاوية عدوّ الاسلام و لعين النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في غير موطن الناس بالسيف على القول به.

ثمّ كيف يقول ابن أبي الحديد: إنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام لم يقل بفسقه، و لا باستحقاقه القتل( ٥ ) و الأشتر يصيح بين يديه في صفّين:

لا يبعد اللّه سوى عثمانا

مخالف قد خالف الرحمانا

____________________

(١) المائدة: ٤٧.

(٢) المائدة: ٤٥.

(٣) المائدة: ٤٤.

(٤) تفسير العيّاشي ١: ١٢٣ ٣٢٣، الشافي في الإمامة ٤: ٢٩١.

(٥) شرح ابن أبي الحديد ٩: ١٥٣.

٢٥٠

نصرتموه عابدا شيطانا( ١)

و عمّار يصيح بين يديه كما في (صفّين نصر بن مزاحم): امضوا عباد اللّه إلى قوم يطلبون فيما يزعمون بدم الظالم لنفسه، الحاكم على عباد اللّه بغير ما في كتاب اللّه، إنّما قتله الصالحون المنكرون للعدوان، الآمرون بالإحسان و يقول هؤلاء الذين لا يبالون إذا سلمت لهم دنياهم لو درس هذا الدين: لم قتلتموه؟ فقلنا: لإحداثه. فقالوا: إنّه ما أحدث شيئا. و ذلك لأنّه مكّنهم من الدّنيا فهم يأكلونها و يرعونها و لا يبالون لو انهدّت عليهم الجبال. و اللّه ما أظنّهم يطلبون دمه، إنّهم ليعلمون أنّه كان ظالما، و لكنّ القوم ذاقوا الدّنيا فاستحبّوها و استمروها و علموا لو أنّ الحقّ لزمهم لحال بينهم و بين ما يرعون فيه منها. و لم يكن للقوم سابقة في الاسلام يستحقّون بها الطاعة و الولاية، فخدعوا أتباعهم بأن قالوا: قتل إمامنا مظلوما، ليكونوا بذلك جبابرة( ٢) .

و روى الثقفي أنّ رجلا قال لعمّار يوم صفّين: علام تقاتلهم؟ قال: على أنّهم زعموا أنّ عثمان مؤمن و نحن نزعم أنّه كافر( ٣) .

و روى الواقدي كما في (تقريب الحلبي): أنّه قيل لحذيفة:

ما تقول في قتلة [ قتل ] عثمان؟ فقال: هل هو إلاّ كافر قتل كافرا أو مسلم قتل كافرا؟ فقالوا: ما جعلت لعثمان مخرجا. قال: إنّ اللّه لم يجعل له مخرجا( ٤) .

____________________

(١) وقعة صفين: ١٧٨.

(٢) وقعة صفين: ٣١٩.

(٣) نقله عنه العلاّمة المجلسي رحمه اللّه في بحار الأنوار ٨: ٣٣٨ ط الكمباني.

(٤) المصدر نفسه ٨: ٣٣٩.

٢٥١

٩ - الخطبة (٢٤) و من كلام لهعليه‌السلام قاله لعبد اللّه بن عباس، و قد جاءه برسالة من عثمان، و هو محصور يسأله فيها الخروج إلى ماله بينبع، ليقلّ هتف الناس باسمه للخلافة، بعد أن كان سأله مثل ذلك من قبل.

فقالعليه‌السلام :

يَا؟ اِبْنَ عَبَّاسٍ؟ مَا يُرِيدُ؟ عُثْمَانُ؟ إِلاَّ أَنْ يَجْعَلَنِي جَمَلاً نَاضِحاً بِالْغَرْبِ أَقْبِلْ وَ أَدْبِرْ بَعَثَ إِلَيَّ أَنْ أَخْرُجَ ثُمَّ بَعَثَ إِلَيَّ أَنْ أَقْدُمَ ثُمَّ هُوَ اَلْآنَ يَبْعَثُ إِلَيَّ أَنْ أَخْرُجَ وَ اَللَّهِ لَقَدْ دَفَعْتُ عَنْهُ حَتَّى خَشِيتُ أَنْ أَكُونَ آثِماً أقول: هذا العنوان في (المصرية) قبل عنوان واحد من آخر باب الخطب( ١ ) و الصواب جعله قبل خمسة عناوين، أي قبل عنوان: «و من كلام لهعليه‌السلام اقتصّ فيه ذكر ما كان منه بعد هجرة النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » كما في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم)( ٢) .

قول المصنّف: «و من كلام لهعليه‌السلام قاله لعبد اللّه بن عبّاس و قد جاءه برسالة من عثمان» هكذا في (المصرية)( ٣ ) ، و في (ابن ميثم): «من عند عثمان»( ٤ ) ، و في (ابن أبي الحديد): «من عثمان بن عفّان»( ٥ ) ، و الصواب ما في (ابن ميثم)، لكون نسخته بخطّ المصنّف.

«و هو محصور» أي: حاصره الناس.

____________________

(١) نهج البلاغة ٢: ٢٦٠.

(٢) شرح ابن أبي الحديد ١٣: ٢٩٦، و شرح ابن ميثم ٤: ٣٢٢.

(٣) نهج البلاغة ٢: ٢٦٠.

(٤) في شرح ابن ميثم المطبوع ٤: ٣٢٢: «من عثمان» أيضا.

(٥) في شرح ابن أبي الحديد المطبوع ١٣: ٢٩٦: «من عثمان» أيضا.

٢٥٢

«يسأله فيها» ليس «فيها» في (ابن ميثم)( ١) .

«الخروج إلى ماله بينبع»، قال (الصحاح): ينبع بلد( ٢ ) . و قال في (القاموس): ينبع حصن له عيون و نخيل و زروع بطريق حاجّ مصر( ٣) .

و قال ابن دريد: ينبع بين مكّة و المدينة( ٤) .

و قال غيره: ينبع من أرض تهامة غزاها النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلم يلق كيدا و هي قريبة من طريق الحاجّ الشامي، و قال الشريف الينبعي: عددت بها مائة و سبعين عينا( ٥) .

و قال الحموي في (بلدانه): قال عرّام السلمي: ينبع عن يمين رضوى لمن كان منحدرا من المدينة إلى البحر على ليلة من رضوى من المدينة على سبع مراحل، و هي لبني حسن بن عليّ، و كان يسكنها الأنصار و جهينة و ليث، و فيها عيون عذاب غزيرة، و واديها يليل، و بها منبر، و هي قرية غنّاء و واديها يصبّ في غيقة، و قال غيره: ينبع حصن به ماء و نخيل و زرع، و بها وقوف لعليّعليه‌السلام يتولاّها ولده( ٦) .

«ليقل هتف الناس» أي: تصويتهم و صيحتهم.

«باسمه للخلافة» و في نسخة (ابن ميثم)( ٧ ) : «بالخلافة».

«بعد أن كان» أي: عثمان.

____________________

(١) في شرح ابن ميثم المطبوع ٤: ٣٢٢: «فيها» أيضا.

(٢) الصحاح ٣: ١٢٨٨: مادة (نبع).

(٣) القاموس المحيط ٣: ٨٧ مادة (نبع).

(٤) جمهرة اللغة ١: ٣٦٨ مادة (نبع).

(٥) معجم البلدان ٥: ٤٥٠.

(٦) المصدر نفسه ٥: ٤٤٩ ٤٥٠.

(٧) في شرح ابن ميثم المطبوع ٤: ٣٣٢: «للخلافة» أيضا.

٢٥٣

«سأله مثل ذلك» أي: خروجه إلى ينبع.

«من قبل» هذه المرّة.

«فقالعليه‌السلام » الكلمة تأكيد، و إلاّ فلا حاجة إليها بعد قوله: «و من كلام لهعليه‌السلام ».

قولهعليه‌السلام : «يا بن عبّاس ما يريد عثمان إلاّ أن يجعلني جملا» هكذا في (المصرية)( ١ ) و الصواب: «ما يريد عثمان أن يجعلني إلاّ جملا» كما في (ابن ميثم و الخطية)( ٢) .

«ناضحا» أي: مستقيا عليه.

«بالغرب» أي: الدلو العظيم.

«اقبل» بلفظ المتكلّم من الإقبال.

«و ادبر» كما يقبل و يدبر الجمل الناضح بالغرب.

«بعث إليّ أن أخرج ثمّ بعث إليّ أن اقدم، ثمّ هو الآن يبعث إليّ أن أخرج» و في (ابن ميثم): «ثمّ هو يبعث الآن إليّ أن أخرج»( ٣) .

في (العقد الفريد): قال ابن عبّاس: أرسل إليّ عثمان فقال لي: اكفني ابن عمّك فقلت: إنّ ابن عمّي ليس بالرجل يرى له و لكنّه يرى لنفسه، فأرسلني إليه بما أحببت. قال: قل له: فليخرج إلى ماله بينبع، فلا أغتمّ به و لا يغتمّ بي. فأتيته فأخبرته، فقال: ما اتّخذني عثمان إلاّ ناضحا، ثمّ أنشد يقول:

فكيف به أنّي اداوي جراحه

فيدوى فلا ملّ الدواء و لا الداء

إلى أن قال: فخرج عليعليه‌السلام إلى ينبع، فكتب إليه عثمان حين اشتدّ

____________________

(١) نهج البلاغة ٢: ٢٦١.

(٢) في شرح ابن ميثم المطبوع ٤: ٣٣٢: «إلاّ أن يجعلني جملا» أيضا.

(٣) في شرح ابن ميثم المطبوع ٤: ٣٣٢ «ثمّ هو الآن هو يبعث إليّ أن أخرج».

٢٥٤

عليه الأمر: أمّا بعد فقد بلغ السيل الزّبى، و جاوز الحزام الطّبيين، و طمع فيّ من كان يضعف عن نفسه.

و إنّك لم يفخر عليك كفخر

ضعيف و لم يغلبك مثل مغلّب

فأقبل إليّ، و كن لي أم عليّ، صديقا كنت أم عدوّا.

فإن كنت مأكولا فكن خير آكل

و إلاّ فأدركني و لمـّا امزّق( ١)

و في (خلفاء ابن قتيبة): ذكروا أنّه لمّا اشتدّ الطعن على عثمان، استأذنه عليّعليه‌السلام في بعض بواديه ينتحي إليها، فأذن له، فلمّا اشتدّ الأمر عليه بعد خروج عليّعليه‌السلام ، و رجا الزبير و طلحة أن يميلا إليهما قلوب الناس، و يغلبا عليهم، و اغتنما غيبة عليّعليه‌السلام كتب عثمان إلى عليّعليه‌السلام : أمّا بعد فقد بلغ السيل الزّبي، و جاوز الحزام الطبيين، و ارتفع أمر الناس في شأني فوق قدره، و زعموا أنّهم لا يرضون دون دمي، و طمع فيّ من لا يدفع عن نفسه.

و إنّك لم يفخر عليك البيت و قد كان يقال: أكل السبع خير من افتراس الثعلب( ٢) .

«و اللّه لقد دفعت عنه حتّى خشيت أن أكون آثما» بالدفاع عن ظالم.

في (الطبري): قال أبو حبيبة: نظرت إلى سعد يوم قتل عثمان دخل عليه ثمّ خرج و هو يسترجع ممّا يرى على الباب، فقال له مروان: الآن تندم أنت أشعرته( ٣ ) إلى أن قال: فقال له مروان: إن كنت تريد أن تذبّ عنه، فعليك بابن أبي طالب فإنّه متستّر، و هو لا يجبه فخرج حتّى أتى عليّاعليه‌السلام و هو بين القبر و المنبر إلى أن قال فقال له عليّعليه‌السلام : و اللّه ما زلت أذبّ عنه حتّى إنّي

____________________

(١) العقد الفريد ٥: ٥٩ ٦٠.

(٢) الإمامة و السياسة ١: ٣٤.

(٣) قال الزمخشري: أشعرت أمر فلان: جعلته معلوما مشهورا، و أشعرت فلانا: جعلته علما بقبيحة أشدتها عليه. (أساس البلاغة: ٢٣٦، مادة: شعر).

٢٥٥

لأستحيي، و لكنّ مروان و معاوية و عبد اللّه بن عامر و سعيد بن العاص هم صنعوا به ما ترى، فإذا نصحته و أمرته أن ينحّيهم استغشّني حتّى جاء ما ترى. فبيناهم كذلك إذ جاء محمّد بن أبي بكر، فسارّ عليّاعليه‌السلام ، فأخذ عليّعليه‌السلام بيدي، و نهض و هو يقول: أيّ خير توبته هذه فو اللّه ما بلغت داري حتّى سمعت الهائعة( ١ ) أنّ عثمان قد قتل( ٢) .

و في (الطبري) أيضا: لمّا خرج ابن عديس من مصر في خمسمائة إلى عثمان و جاؤوا حتّى نزلوا اذا خشب، قال عثمان لعليّعليه‌السلام : احبّ أن تركب إليهم فتردّهم عنّي، فإنّي لا احبّ أن يدخلوا عليّ فإنّ ذلك جرأة منهم عليّ، و يسمع [ ليسمع ] بذلك غيرهم.

فقال عليّعليه‌السلام له: علام أردّهم؟ قال: على أن أصير إلى ما أشرت به عليّ و رأيته لي، و لست أخرج من يديك. فقال عليّعليه‌السلام له: إنّي قد كنت كلّمتك مرّة بعد مرّة، فكلّ ذلك تخرج و تكلّم، و تقول و تقول، و ذلك كلّه فعل مروان و سعيد بن العاص و ابن عامر و معاوية، أطعتهم و عصيتني. قال عثمان: فإنّي أعصيهم و أطيعك.

فركب عليعليه‌السلام إلى أهل مصر، فردّهم عنه، فانصرفوا راجعين( ٣) .

و روى أيضا: أنّهعليه‌السلام جاء إلى عثمان بعد انصراف المصريّين، و قال له:

تكلّم كلاما يسمعه الناس منك و يشهدون عليه، و تشهد [ يشهد ] اللّه على ما في قلبك من النزوع و الإنابة، فإنّ البلاد قد تمخّضت عليك، فلا آمن ركبا آخرين يقدمون من الكوفة، فتقول: اركب إليهم. و يقدم ركب آخرون من البصرة،

____________________

(١) الهائعة: الصوت الشديد (الصحاح ٣: ١٣٠٩، مادة: هيع).

(٢) تاريخ الطبري ٤: ٣٧٧ ٣٧٨، سنة ٣٥.

(٣) تاريخ الطبري ٤: ٣٥٧ ٣٥٩، سنة ٣٥، و نقله الشارح بتصرّف و تلخيص.

٢٥٦

فتقول: اركب إليهم، فإن لم أفعل رأيتني قد قطعت رحمك. فخرج فخطب الخطبة التي نزع فيها إلى أن قال: فخرج مروان إلى الباب و الناس يركب بعضهم بعضا، فقال: ما شأنكم قد اجتمعتم كأنّكم قد جئتم لنهب شاهت الوجوه تريدون أن تنزعوا ملكنا من أيدينا فإنّا و اللّه ما نحن بمغلوبين على ما في أيدينا.

فرجع الناس و خرج بعضهم حتّى أتى عليّاعليه‌السلام فأخبره الخبر، فجاء مغضبا حتّى دخل على عثمان، فقال له: أما رضيت من مروان و لا رضي منك إلاّ بتحرّفك عن دينك و عن عقلك، مثل جمل الظعينة يقاد حيث يسار به و اللّه ما مروان بذي رأي في دينه و لا في نفسه، و ايم اللّه إنّي لأراه سيوردك ثمّ لا يصدرك، و ما أنا بعائد بعد مقامي هذا لمعاتبتك، أذهبت شرفك، و غلبت على أمرك.

فلمّا خرج دخلت عليه نائلة ابنة الفرافصة امرأته، فقالت: قد سمعت قول علي لك، و إنّه ليس يعاودك، و قد أطعت مروان يقودك حيث شاء. قال: فماذا [ فما ] أصنع؟ قالت: تتّقي اللّه، و تتّبع سنّة صاحبيك من قبلك، فإنّك متى أطعت مروان قتلك، و مروان ليس له عند الناس قدر و لا هيبة و لا محبّة، و إنّما تركك الناس لمكان مروان، فأرسل إلى عليّ فاستصلحه. فأرسل إليه فأبى أن يأتيه، و قال: قد أعلمته أنّي لست بعائد( ١) .

و روى الطبريّ أيضا: عن عبد الرحمن بن الأسود، قال: جاء رسول عثمان إلى عليّعليه‌السلام أن ائتني. فقال بصوت مرتفع عال مغضب: قل له: ما أنا بداخل عليك و لا عائد إلى أن قال: قال عبد الرحمن: فغدوت فجلست معهعليه‌السلام ، فقال: جاءني عثمان البارحة، فجعل يقول: إنّك [ إنّي ] غير عائد، و إنّي

____________________

(١) تاريخ الطبري ٤: ٣٦٠ ٣٦٣، سنة ٣٥، و نقله الشارح بتصرّف و تلخيص.

٢٥٧

فاعل. فقلت له: بعد ما تكلّمت به على منبر النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، و أعطيت من نفسك، ثمّ دخلت بيتك، و خرج مروان إلى الناس فشتمهم على بابك، فرجع عثمان و هو يقول: قطعت رحمي، و خذلتني، و جرأت الناس عليّ.

فقلت: و اللّه إنّي لأذبّ الناس عنك، و لكنّي كلّما جئت بهنة أظنّها لك رضا جاء باخرى، فسمعت قول مروان عليّ، و استدخلت مروان.

قال عبد الرحمن: فلم أزل أرى عليّاعليه‌السلام منكّبا عنه لا يفعل ما كان يفعل، إلاّ أنّي أعلم أنّه قد كلّم طلحة حين حصر في أن يدخل عليه الروايات و غضب في ذلك غضبا شديدا، حتّى دخلت الروايا على عثمان( ١) .

و روى أبو حذيفة في كتابه مقتل عثمان كما في (جمل المفيد) عن ابن إسحاق عن الزهريّ قال: لمّا قدم أهل مصر في ستّمائة راكب، عليهم عبد الرحمن بن عديس البكري [ البلويّ ] فنزلوا ذا خشب و فيهم كنانة بن بشر الكناني [ الكنديّ ]، و ابن بديل الخزاعيّ، و أبو عروة الليثي، و اجتمع معهم حكيم بن جبلة العبدي في طائفة من أهل البصرة، و كميل بن زياد، و مالك الأشتر، و صعصعة بن صوحان، و حجر بن عدي، في جماعة من قرّاء الكوفة الذين كانوا سيّرهم عثمان من الكوفة إلى الشام حين شكوا أحداثه التي أنكرها عليه المهاجرون و الأنصار، فاجتمع فاجتمع القوم على عيب عثمان، و جهروا بذكر أحداثه، فمرّ بهم نفران، فقالا لهم: إن شئتم بلّغنا عنكم أزواج النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإن أمرنّكم أن تقدموا فأقدموا. فقالا لهم: افعلا و اقصدا عليّاعليه‌السلام آخر الناس.

فانطلقا فبدأ بعائشة و باقي أزواجه، ثمّ بأصحاب النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأمروا أن يقدموا المدينة و صارا إلى عليّعليه‌السلام فأخبراه، فقال: هل أتيتما أحدا قبلي؟ قالا:

نعم، أزواج النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و أصحابه من المهاجرين و الأنصار، فأمروا أن يقدموا.

____________________

(١) تاريخ الطبري ٤: ٣٦٤، سنة ٣٥، و نقله الشارح بتصرّف.

٢٥٨

فقالعليه‌السلام : لكنّي لا آمرهم، بل يستغيثون بمن [ يستعتبونه ممّن ] قرب، فإن أغاثهم [ أعتبهم ] فهو خير لهم، و إن أبى فهم أعلم.

فخرجا إليهم و تسرّع جماعة من المدينة إليهم و اجتمعوا مع أهل ذي خشب و ذي مروة [ أهل الحسب و ذوي المروّات ].

فلمّا بلغ عثمان اجتماعهم أرسل إلى عليّعليه‌السلام و قال: يا أبا الحسن اخرج إلى هؤلاء القوم و ردّهم. فخرجعليه‌السلام إليهم، فلمّا رأوه رحّبوا به و قالوا له: قد علمت ما أحدثه هذا الرجل من الأعمال الخبيثة، و ما يلقاه المسلمون منه و من عمّاله، و كنّا لقيناه و استعتبناه فلم يعتبنا، و كلّمناه فلم يصغ إلى كلامنا و أغراه ذلك بنا، و قد جئناه نطالبه بالاعتزال عن إمرة المسلمين، و استأذنا في ذلك المهاجرين و الأنصار و أزواج النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأذنوا لنا في ورود المدينة و نحن على ذلك.

فقالعليه‌السلام لهم: يا هؤلاء، تلبّثوا [ تريّثوا ] و لا تسرعوا إلى شي‏ء لا تعرفون عاقبته. فقالوا: هيهات لا نقنع منه إلاّ بالاعتزال عن هذا الأمر ليقوم به من يوثق به. فرجععليه‌السلام إلى عثمان و أخبره بمقالتهم.

فخرج عثمان فخطب و جعل يدعو إلى نصرته، فقام إليه عمرو بن العاص فقال: إنّك قد ركبت الناس بالتهمة [ بالنهابير ]، فتب إلى اللّه. فقال له:

و إنّك لهاهنا يا بن النابغة، ثمّ رفع يده إلى السماء و قال: أتوب إلى اللّه، اللهمّ إنّي أتوب إليك.

فأنفذ عليّعليه‌السلام إلى القوم بما صار إليه من التوبة و الإقلاع، و مع ذلك ساروا إليه بأجمعهم، و سار إليه عمرو بن معدى كرب في ناس كثيرين و جعل يحرّض على عثمان، و انضمّ إليهم من المهاجرين و الأنصار طلحة و الزبير و جمهور الأنصار، فخرج عليعليه‌السلام إليهم و قال لهم: اتّقوا اللّه ما لكم و للرجل؟

٢٥٩

أما رجع عمّا أنكرتموه، أما تاب على المنبر توبة جهر بها؟ و لم يزل يلطف بهم حتّى سكنت فورتهم.

ثمّ سأله أهل مصر أن يلقاه في عزل ابن أبي سرح، و أهل الكوفة في عزل سعيد بن العاص، و أهل البصرة في عزل ابن كريز، و يعدل عمّا كان عليه من منكر الأفعال. فدخلعليه‌السلام عليه، و لم يزل به حتّى أعطاه ما أراد القوم، و بذل لهم العهود و الأيمان. فخرج عليّعليه‌السلام إليهم بما ضمنه له، و لم يزل بهم حتّى تفرّقوا.

فلمّا سار أهل مصر ببعض الطريق إلى أن قال: رأوا كتابا من عثمان إلى ابن أبي سرح: إذا أتاك كتابي فاضرب عنق عمرو بن بديل، و عبد الرحمن البكري [ البلوي ]، و اقطع أيدي علقمة، و كنانة، و عروة و أرجلهم، ثمّ دعهم يتشحّطون في دمائهم، فإذا ماتوا فأوقفهم على جذوع النخيل [ النخل ].

فدخل عليّعليه‌السلام على عثمان و قال له: إنّك وسطتني أمرا بذلت الجهد فيه لك، أمّا أنا فمعتز لك و شأنك و أصحابك. و خرج من عنده و دخل داره و أغلق عليه بابه( ١) .

١٠ - الخطبطة (١٣٥)

و من كلام لهعليه‌السلام :

يَا اِبْنَ اَللَّعِينِ اَلْأَبْتَرِ وَ اَلشَّجَرَةِ اَلَّتِي لاَ أَصْلَ لَهَا وَ لاَ فَرْعَ أَنْتَ تَكْفِينِي فَوَ اللَّهِ مَا أَعَزَّ اَللَّهُ مَنْ أَنْتَ نَاصِرُهُ وَ لاَ قَامَ مَنْ أَنْتَ مُنْهِضُهُ اُخْرُجْ عَنَّا أَبْعَدَ اَللَّهُ نَوَاكَ ثُمَّ اُبْلُغْ جَهْدَكَ فَلاَ أَبْقَى اَللَّهُ عَلَيْكَ إِنْ أَبْقَيْتَ

____________________

(١) تاريخ المدينة المنوّرة ٣: ١١٢٦، و ٤: ١١٥١ ١١٦١، الإمامة و السياسة ١: ٣٦ ٣٨، أنساب الأشراف، الجمل للمفيد: ١٣٧ ١٤١، و نقله الشارح عن الجمل بتصرّف و تلخيص.

٢٦٠