بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٩

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة0%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 607

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

مؤلف: الشيخ محمد تقي التّستري
تصنيف:

الصفحات: 607
المشاهدات: 53906
تحميل: 4243


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 607 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 53906 / تحميل: 4243
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 9

مؤلف:
العربية

من ترك أحدهم امرأة علقها، و أعطاها ما طلبت، و قعد منها مقعد الرجل من امرأته و قيام آخر منهم على أبويه لإطعامهما و كانا غلبهما النّوم و خلّى امرأته و ولده جائعين لئلاّ يستيقظ أبواه، و يبقيا جائعين، و لم ينبهّما لئلاّ يتأذّيا و ردّ ثالثهم ما حصل بيده من زرع أرزّ عيّنه لأجيره إليه، ففرّج اللّه عنهم، و كشف تلك القطعة لتقواهم حتّى نجوا( ١) .

«لا يؤنسنّك إلاّ الحقّ، و لا يوحشنّك إلاّ الباطل» في (تاريخ بغداد): قال المنتصر: و اللّه ما عزّ ذو باطل و لو طلع القمر من جبينه، و لا ذلّ ذو حقّ و لو أطبق العالم عليه( ٢) .

«فلو قبلت دنياهم لأحبّوك» لأنّ محبّ الحبيب محبوب و إن كانت بينهم مخاصمات، و مبغض الحبيب مبغوض و إن لم يكن بينهم مزاحمات. و لذا كانت طوائف قريش على اختلاف مشاربهم لاتّفاقهم على حبّ الدّنيا يتآلفون كمعاوية مع طلحة و الزبير و عائشة، مع كونهم من قتلة عثمان و من أهل البيت عليهم السلام لكونهم ملتزمين بالحقّ متنافرون لعلمهم بأنّهم لو ولّوا لحالوا بينهم و بين دنياهم.

«و لو قرضت منها» أي: قطعت من دنياهم لنفسك قطعة.

«لأمّنوك» في (الكشّي) عن الصادقعليه‌السلام : أرسل عثمان إلى أبي ذرّ موليين و معهما مائتا دينار، فقال لهما: انطلقا إلى أبي ذر و قولا له: إنّ عثمان يقرؤك السلام و يقول لك: هذه مائتا دينار فاستعن بهما على ما نابك. فقال أبو ذرّ: هل اعطي أحد من المسلمين مثل ما أعطاني؟ قالا: لا. قال: فإنّما أنا رجل من المسلمين يسعني ما يسعهم. قالا له: إنّه يقول: هذا من صلب مالي، و باللّه

____________________

(١) الخصال ١: ١٨٤ ١٨٥، قصص الأنبياء: ٢٦٢ ٢٦٣، بحار الأنوار ١٤: ٤٢١.

(٢) لم أجد هذا النصّ في تاريخ بغداد بتتبّع فهارسه.

٣٠١

الذي لا إله إلاّ هو ما خالطها حرام، و لا بعثت بها إليك إلاّ من حلال. فقال: لا حاجة لي فيها، و قد أصبحت يومي هذا و أنا من أغني الناس. فقالا له: ما نرى في بيتك قليلا و لا كثيرا. فقال: بلى تحت هذا الإكاف( ١ ) الذي [ التي ] ترون رغيفا شعير قد أتى عليهما أيّام فما أصنع بهذه الدّنانير، لا و اللّه حتّى يعلم اللّه أنّي لا أقدر على قليل و لا كثير، و قد أ صبحت غنيّا بولاية عليّ بن أبي طالب و عترته الهادينعليهم‌السلام الذين يهدون بالحقّ و به يعدلون.

و كذلك سمعت النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: فإنّه لقبيح بالشيخ أن يكذب. فردّاها عليه، و أعلماه أنّه لا حاجة لي فيها و لا فيما عنده، حتّى ألقى اللّه ربّي فيكون هو الحاكم فيما بيني و بينه( ٢) .

١٢ - بسم اللّه الرّحمن الرحيم. باب المختار من كتب مولانا أمير المؤمنين إلى أعدائه و امراء بلاده. و يدخل في ذلك ما اختير من عهوده إلى عمّاله، و وصاياه لأهله و أصحابه.

الكتاب (١) من كتاب لهعليه‌السلام إلى أهل الكوفة عند مسيره من المدينة إلى البصرة:

مِنْ عَبْدِ اَللَّهِ؟ عَلِيٍّ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ؟ إِلَى أَهْلِ؟ اَلْكُوفَةِ؟ جَبْهَةِ اَلْأَنْصَارِ وَ سَنَامِ اَلْعَرَبِ أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أُخْبِرُكُمْ عَنْ أَمْرِ؟ عُثْمَانَ؟ حَتَّى يَكُونَ سَمْعُهُ كَعِيَانِهِ إِنَّ اَلنَّاسَ طَعَنُوا عَلَيْهِ فَكُنْتُ رَجُلاً مِنَ اَلْمُهَاجِرِينَ أُكْثِرُ اِسْتِعْتَابَهُ وَ أُقِلُّ

____________________

(١) الإكاف ككتاب و غراب: الحمار. (القاموس المحيط ٣: ١١٨، مادة: أكف).

(٢) اختيار معرفة الرجال (الكشّي) ١: ١١٨ ١٢٠.

٣٠٢

عِتَابَهُ وَ كَانَ؟ طَلْحَةُ؟ وَ؟ اَلزُّبَيْرُ؟ أَهْوَنُ سَيْرِهِمَا فِيهِ اَلْوَجِيفُ وَ أَرْفَقُ حِدَائِهِمَا اَلْعَنِيفُ وَ كَانَ مِنْ؟ عَائِشَةَ؟ فِيهِ فَلْتَةُ غَضَبٍ فَأُتِيحَ لَهُ قَوْمٌ فَقَتَلُوهُ وَ بَايَعَنِي اَلنَّاسُ غَيْرَ مُسْتَكْرَهِينَ وَ لاَ مُجْبَرِينَ بَلْ طَائِعِينَ مُخَيَّرِينَ وَ اِعْلَمُوا أَنَّ دَارَ اَلْهِجْرَةِ قَدْ قَلَعَتْ بِأَهْلِهَا وَ قَلَعُوا بِهَا وَ جَاشَتْ جَيْشَ اَلْمِرْجَلِ وَ قَامَتِ اَلْفِتْنَةُ عَلَى اَلْقُطْبِ فَأَسْرِعُوا إِلَى أَمِيرِكُمْ وَ بَادِرُوا جِهَادَ عَدُوِّكُمْ إِنْ شَاءَ اَللَّهُ قول المصنف: «بسم اللّه الرّحمن الرحيم» ليس في (ابن ميثم)( ١) .

«باب المختار من كتب مولانا أمير المؤمنين» ليس في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم) كلمة «مولانا»( ٢) .

«إلى أعدائه و امراء بلاده» و في (ابن أبي الحديد): «باب المختار من كتب أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام ، و رسائله إلى أعدائه و أولياء بلاده»( ٣ ) ، فزاد و بدّل.

«و يدخل في ذلك ما اختير من عهوده إلى عمّاله، و وصاياه لأهله و أصحابه».

قال ابن أبي الحديد: كلامهعليه‌السلام لشريح القاضي، و لشريح بن هانى‏ء لمّا جعله مقدّمته إلى الشام بباب الخطب أشبه( ٤) .

قلت: كلامه كما ترى أمّا الأوّل، فصرّح فيه بأنّه كتاب لكنّه كتاب بيع لا كتاب رسالة، و الثاني من عهودهعليه‌السلام إلى عمّاله التي صرّح بدخولها في الكتب إلحاقا.

____________________

(١) شرح ابن ميثم ٤: ٣٣٧.

(٢) في شرح ابن أبي الحديد ١٤: ٥، و شرح ابن ميثم ٤: ٣٣٧ المطبوعين: «مولانا أمير المؤمنين» أيضا.

(٣) شرح ابن أبي الحديد ١٤: ٥.

(٤) المصدر نفسه.

٣٠٣

و لكن لو لم يسقط من عنوان المصنّف بعد «إلى أعدائه» كلمة «و أوليائه» أو «و غيرهم» خرج من هذا الباب كتبه الثلاثة إلى أهل الكوفة الأوّل و الثاني و السابع و الخمسون، و كتابه إلى أهل الأمصار و هو (٥٨) من الكتب، و كتاباه إلى أهل مصر (٣٨) و (٦٢) منها، و كتابهعليه‌السلام إلى أخيه عقيل (٣٦) منها، و كتابهعليه‌السلام إلى سلمان و هو (٦٨) منها لعدم دخولها في كتبهعليه‌السلام إلى أعدائه، و لا إلى امراء بلاده، و لا في عهودهعليه‌السلام و وصاياه.

أقول: قال ابن أبي الحديد: روى محمّد بن إسحاق عن عمّه عبد الرحمن بن يسار القرشيّ، قال: لمّا نزل عليّعليه‌السلام الربذة متوجّها إلى البصرة بعث إلى الكوفة محمّد بن جعفر و محمّد بن أبي بكر، و كتب إليهم هذا الكتاب، و زاد في آخره:

فحسبي بكم إخوانا، و للدين أنصارا، ف انفروا خِفافاً و ثقالاً و جاهدوا بأموالكم و أنفسكم في سبيل اللّه ذلكم خيرٌ لكم إن كنتم تعلمون( ١) .

قلت: و رواه ابن قتيبة في (خلفائه)( ٢ ) إلاّ أنّه قال: بعث عليّعليه‌السلام أوّلا محمّد بن أبي بكر و عمّارا، فمنعهما أبو موسى فانصرفا، فبعث الحسنعليه‌السلام ، و ابن عبّاس، و عمّارا، و قيس بن سعد، و كتب معهم هذا الكتاب، و فيه زيادة هكذا: أمّا بعد فإنّي اخبركم عن أمر عثمان حتّى يكون سامعه كمن عاينه، إنّ الناس طعنوا على عثمان، فكنت رجلا من المهاجرين أقلّ عيبه، و أكثر استعتابه.

و كان هذان الرجلان طلحة و الزبير أهون سيرهما فيه اللهجة

____________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ١٤: ٨، و الآية ٤١ من سورة التوبة.

(٢) رواه ابن قتيبة في الإمامة و السياسة ١: ٦٦، و الشيخ الطوسي في الأمالي ٢: ٣٢٩، و ابن شهر آشوب في المناقب ٣: ١٥١.

٣٠٤

و الوجيف، و كان من عائشة فيه قول على غضب، فانتحى له قوم فقتلوه، و بايعني الناس غير مستكرهين، و هما أوّل من بايعني على ما بويع عليه من كان قبلي، ثمّ استأذنا إلى العمرة، فأذنت لهما، فنقضا العهد، و نصبا الحرب، و أخرجا عائشة من بيتها ليتّخذاها فتنة، و قد سارا إلى البصرة اختيارا لأهلها، و لعمري ما إيّاي تجيبون، ما تجيبون إلاّ اللّه، و قد بعثت ابني الحسن، و ابن عمّي عبد اللّه بن العبّاس، و عمّار بن ياسر، و قيس بن سعد فكونوا عند ظنّنا بكم، و اللّه المستعان( ١) .

و رواه المفيد في (جمله) مثله إلاّ أنّه لم يذكر ابن عبّاس( ٢) .

قول المصنّف: «من كتاب لهعليه‌السلام لأهل الكوفة عند مسيره من المدينة إلى البصرة».

أقول: قد عرفت من رواية محمّد بن إسحاق أنّه كتبه من الربذة( ٣ ) . و يفهم من (الخلفاء) أنّه كان من قرب الكوفة في مسيره إلى البصرة( ٤) .

قولهعليه‌السلام : «من عبد اللّه عليّ أمير المؤمنين إلى أهل الكوفة جبهة الأنصار» أي: أنصار الحقّ، و ليس المراد أنصار المدينة.

«و سنام العرب» أي: أعلاهم، كما أنّ سنام البعير أعلى أعضائه.

قال ابن أبي الحديد: قال الطبري: كتب عليّعليه‌السلام من الربذة إلى أهل الكوفة: أمّا بعد فإنّي اخترتكم و آثرت النزول بين أظهركم، لما أعرف من مودّتكم و حبّكم للّه و لرسوله، فمن جاءني و نصرني فقد أجاب

____________________

(١) الإمامة و السياسة ١: ٦٥ ٦٧، و نقله الشارح بتصرّف و تلخيص.

(٢) الجمل: ٢٤٤.

(٣) شرح ابن أبي الحديد ١٤: ٨.

(٤) الإمامة و السياسة ١: ٦٥.

٣٠٥

الحقّ، و قضى الذي عليه( ١) .

قلت: و روى النعمانيّ عن أبي هارون: أنّه سأل أبا سعيد الخدري عن السمك الذي يزعم أهل الكوفة أنّه حرام، فقال أبو سعيد: سمعت النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: الكوفة جمجمة العرب، و رمح اللّه تعالى( ٢ ) ، و كنز الإيمان، فخذ عنهم( ٣) .

و في (خلفاء ابن قتيبة) بعد ذكر بعثهعليه‌السلام ابنه الحسنعليه‌السلام و جمع معه و قراءته كتابهعليه‌السلام عليهم ثمّ قام، فقال: أيّها الناس، إنّه قد كان في مسير أمير المؤمنينعليه‌السلام ما قد بلغكم، و قد أتيناكم مستنفرين، لأنّكم جبهة الأنصار، و رؤوس العرب، و قد كان من نقض طلحة و الزبير بعد بيعتهما و خروجهما بعائشة ما بلغكم، و تعلمون أنّ وهن النساء و ضعف رأيهنّ إلى التلاشي، و من أجل ذلك جعل اللّه الرجال قوّامين على النساء( ٤) .

«أمّا بعد فإنّي أخبركم عن أمر عثمان حتّى يكون سمعه كعيانه» في (خلفاء ابن قتيبة): لمّا أقرأهم الحسنعليه‌السلام كتاب أبيهعليه‌السلام و خطبهم في ذلك، قام شريح بن هانى‏ء فقال: لقد أردنا أن نركب إلى المدينة، حتّى نعلم قتل عثمان، فقد أتانا اللّه به في بيوتنا، فلا تخالفوا عن دعوته، و اللّه لو لم يستنصر بنا لنصرناه سمعا و طاعة( ٥) .

«إنّ الناس طعنوا عليه» في (أغاني أبي الفرج): قال مطر الورّاق: قدم رجل

____________________

(١) تاريخ الطبري ٤: ٤٧٧، سنة ٣٦، شرح ابن أبي الحديد ١٤: ١٦.

(٢) قال ابن الأثير في النهاية ١: ٢٩٩، مادة (جمجم) ما نصّه: في الحديث: «ائت الكوفة فإنّ بها جمجمة العرب» أي: ساداتها، لأنّ الجمجمة: الرّأس، و هو أشرف الأعضاء. و قيل: جماجم العرب: التي تجمع البطون فينسب إليها دونهم.

و قال فيه أيضا ٢: ٢٦٢، مادة (رمح): العرب تجعل الرمح كناية عن الدفع و المنع.

(٣) علل الشرائع ٢: ٤٦٠ ٤٦١ الباب ٢٢٢ ح ١.

(٤) الامامة و السياسة ١: ٦٧.

(٥) الإمامة و السياسة ١: ٦٧.

٣٠٦

من أهل الكوفة إلى المدينة فقال لعثمان: إنّي صلّيت صلاة الغداة خلف الوليد، فالتفت في الصلاة إلى الناس فقال: أ أزيدكم فإنّي أجد اليوم نشاطا؟ و شممنا منه رائحة الخمر. فضرب عثمان الرجل. فقال الناس لعثمان: عطّلت الحدود، و ضربت الشهود( ١) .

و في (الطبري): قال عبد الرحمن بن يسار: لمّا رأى الناس ما صنع عثمان كتب من بالمدينة من أصحاب النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى من بالآفاق منهم و كانوا قد تفرّقوا في الثغور: «إنّكم إنّما خرجتم أن تجاهدوا في سبيل اللّه، و تطلبون دين محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإنّ دين محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد أفسد من خلفكم و ترك، فهلّموا فأقيموا دين محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » فأقبلوا من كلّ افق حتّى قتلوه( ٢) .

و في (الطبري) أيضا: قال أبو حبيبة: خطب عثمان فقام إليه جهجاه الغفاري، فصاح: يا عثمان إنّ هذه شارف( ٣ ) قد جئنا بها، عليها عباءة و هذه جامعة، فانزل فلندرّعك العباءة، و لنطرّحك في الجامعة، و لنحمّلك على الشارف، ثمّ نطرحك في جبل الدخان. و لم يكن ذلك منه إلاّ عن ملأ من الناس، و قام إلى عثمان حزبه من بني اميّة فحملوه فأدخلوه الدار. قال: فكان آخر ما رأيته( ٤) .

«فكنت رجلا من المهاجرين» قال ابن أبي الحديد: هو من لطيف الكلام فإنّ فيه من التخلّص و التبرّي ما لا يخفى على المتأمّل، ألا ترى أنّه لم تبق عليه في ذلك حجّة لطاعن، من حيث جعل نفسه كواحد من عرض المهاجرين، الذين بنفر يسير منهم انعقدت خلافة أبي بكر، و هم أهل الحلّ و العقد، و إنّما كان

____________________

(١) الأغاني ١: ٢٠، ٥: ١٣١.

(٢) تاريخ الطبريّ ٤: ٣٦٧، سنة ٣٥.

(٣) الشارف: المسنة من النوق، و الجمع الشرف. (الصحاح ٤: ١٣٨٠، مادة: شرف).

(٤) تاريخ الطبري ٤: ٣٦٦، سنة ٣٥.

٣٠٧

الإجماع حجّة لدخولهم فيه( ١) .

قلت: نعم كلامهعليه‌السلام من لطيف الكلام لكن لا لما قال، بل لأنّه دلّ على أنّ الطاعنين على عثمان و المنكرين لعثمان كان فيهم من المهاجرين الحقيقيين الملتزمين بالشريعة عند الكلّ كأبي ذرّ، و المقداد، و عمّار، و حذيفة و نظرائهم، و لم ينحصروا بالعامّة الغوغاء و لا بالمغرضين، كعمرو بن العاص.

فروى الطبري عن الواقدي: انّ عثمان لمّا عزل عمرو بن العاص عن مصر، و استعمل ابن أبي سرح قدم المدينة و جعل يطعن على عثمان فقال له عثمان: يا بن النابغة، ما أسرع ما قمل جربّان جبّتك إلى أن قال: و لمّا سمع عمرو بن العاص بقتل عثمان قال: إنّي كنت لأحرّض عليه الناس، حتّى إنّي لأحرّض الراعي عليه في رأس الجبل. و فارق عمرو حين عزله عثمان اخت عثمان لأمّه أمّ كلثوم بنت أبي معيط( ٢) .

و قول ابن أبي الحديد: «الذين بنفر يسير منهم انعقدت خلافة أبي بكر»( ٣ ) ممّا يضحك الثكلى، فالمهاجرون الذين جعل أمير المؤمنينعليه‌السلام نفسه أحدهم قلنا: هم أبو ذرّ، و عمّار و نظراؤهما.

و أمّا بيعة أبي بكر فكانت عن توطئة بينه و بين عمر و أبي عبيدة و هم فعلوا أفعال عثمان حيث كانوا السبب لأفعاله لا كانوا من مستعتبيه فكتب عثمان و كان كاتب أبي بكر في غشوة أبي بكر استخلافه لعمر، فكافأه عمر مع علمه بأنّه يفعل ما يفعل بما دبّر في أمر الشورى لصيرورته خليفته.

و أمّا أهل حلّه و عقده فكانوا اولئك الثلاثة، فكان أبو بكر يقول للناس:

____________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ١٤: ٧.

(٢) تاريخ الطبري ٤: ٣٥٦ ٣٥٧، سنة ٣٥، و نقله الشارح بتصرّف و تلخيص.

(٣) شرح ابن أبي الحديد ١٤: ٧.

٣٠٨

بايعوا أحد هذين: عمر أو أبي عبيدة. و هما كانا يقولان: ما كنّا لنتقدّمك( ١) .

و روى الثقفي في (تاريخه) عن رجالهم، و رواه أبو نعيم في (حليته): أنّ رجلا جاء إلى ابيّ بن كعب فقال: يا أبا المنذر، ألا تخبرني عن عثمان، ما قولك فيه؟ فأمسك عنه، فقال له الرجل: جزاكم اللّه شرّا يا أصحاب محمّد شهدتم الوحي و عاينتموه، ثمّ نسألكم التفقّه في الدين فلا تعلّمونا. فقال ابيّ عند ذلك:

«هلك أصحاب العقدة و ربّ الكعبة( ٢ ) أما و اللّه ما عليهم آسي و لكن آسي على من أهلكوا»( ٣ ) و اللّه لئن أبقاني اللّه إلى يوم الجمعة لأقومنّ مقاما أتكلّم فيه بما أعلم، قتلت أو استحييت. فمات يوم الخميس( ٤) .

«اكثر استعتابه» أي: طلب رجوعه عن الباطل.

«و اقلّ عتابه» العتاب: إظهار الموجدة، و قد كان مستحقّا لكلّ عتاب.

و يعبّر عن العتاب في الفارسية ب (سرزنش).

و أمّا المهاجرون، فكانوا يكثرون من عتابه روى الثقفي في (تاريخه):

أنّ أبا ذرّ كان يقول لعثمان: حدّثني النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه يجاء بك و بأصحابك يوم القيامة، فتبطحون على وجوهكم، فتمرّ عليكم البهائم فتطأكم( ٥) .

و ذكر الواقدي في (تاريخه): أنّ أبا ذرّ أظهر عيب عثمان بالشام، فجعل كلّما دخل المسجد أو خرج منه شتم عثمان، و ذكر منها خصالا قبيحة( ٦) .

____________________

(١) تاريخ الطبري ٣: ٢٢١، سنة ١١.

(٢) قال ابن الأثير في النهاية ٣: ٢٧٠: و في حديث ابي: «هلك أصحاب العدة و ربّ الكعبة» يريد البيعة المعقودة للولاة.

(٣) قول أبيّ مذكور في حلية الأولياء ١: ٢٥٢.

(٤) رواه عنه العلاّمة المجلسي رحمه اللّه في البحار ٨: ٣٣٦، ط الكمباني، و قريب منه ما في شرح ابن أبي الحديد ٢٠: ٢٤.

(٥) رواه عنه العلاّمة المجلسي رحمه اللّه في البحار ٨: ٣٣٦، ط الكمباني.

(٦) المصدر نفسه ٨: ٣٣٨.

٣٠٩

و نقل ابن أبي الحديد عن كتاب (أبي مخنف) روايته عن عبد الرحمن بن أبي ليلى [ عن أبيه ]: أنّه سمع عمّارا لمّا جاء إلى الكوفة لاستنفارهم يقول: ما تركت في نفسي حزّة أهمّ إليّ من أن لا نكون نبشنا عثمان من قبره، ثمّ أحرقناه بالنار( ١) .

و قد روى الثقفي في (تاريخه): أنّ رجلا قام إلى أبيّ بن كعب، فقال له: إنّ عثمان كتب للرجل من آل أبي معيط بخمسين ألف درهم من بيت المال. فقال ابيّ: لا تزال تأتوني بشي‏ء ما أدري ما هو. فبينما هو كذلك إذ مرّ به الصكّ، فقام فدخل على عثمان فقال: يا بن الهاوية يا بن النار الحامية أتكتب لبعض آل أبي معيط إلى بيت مال المسلمين بصكّ بخمسين ألف درهم؟ فغضب عثمان( ٢) .

و روى هو أيضا في (تاريخه)، و الواقدي في كتاب (داره) عن عبيدة السلمانيّ قال: سمعت ابن مسعود يلعن عثمان، فقلت له في ذلك. فقال: سمعت النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يشهد له بالنار( ٣) .

و عن خيثمة قال ابن مسعود: بينا نحن في بيت، و نحن اثنا عشر رجلا نتذاكر أمر الدّجال و فتنته، إذ دخل النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: ما تتذاكرون من أمر الدجّال، و الذي نفسي بيده إنّ في البيت لمن هو أشدّ على امّتي من الدّجال.

قال ابن مسعود: و قد مضى من كان في البيت غيري و غير عثمان، [ ثمّ ] قال ابن مسعود: و الذي نفسي بيده لوددت أنّي و عثمان برمل عالج( ٤ ) نتحاثى

____________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ١٤: ١١.

(٢) نقله عنه العلاّمة المجلسي رحمه اللّه في البحار ٨: ٣٣٦، ط الكمباني.

(٣) نقله عنه العلامة المجلسي رضي اللّه في البحار ٨: ٣٣٦، ط الكمباني.

(٤) قال الطريحيّ: نقل أنّ رمل عالج جبال متواصلة يتّصل أعلاها بالدهناء، و الدهناء بقرب يمامة، و أسفلها بنجد.

و في كلام البعض: رمل عالج محيط بأكثر أرض العرب. (مجمع البحرين ٢: ٣١٨ ٣١٩، مادة: علج).

٣١٠

التراب حتّى يموت الأعجز( ١) .

و روى الأول عن جمع من أصحاب ابن مسعود، قالوا: قال ابن مسعود:

لا يعدل عثمان عند اللّه تعالى جناح بعوضة( ٢) .

و روى عن همّام بن الحارث، قال: دخلت مسجد المدينة فإذا الناس مجتمعون على عثمان، و إذا رجل يمدحه، فوثب المقداد و أخذ كفّا من حصى أو تراب فأخذ يرميه به، فرأيت عثمان يتّقيه بيده( ٣) .

و روى عن عيسى بن زيد قال: كان عبد الرحمن بن حنبل القرشي و هو من أهل بدر من أشدّ الناس على عثمان، و كان يذكره في الشعر، و يذكر جوره، و يطعن عليه و يبرأ منه، و يصف صنائعه، فلمّا بلغ ذلك عثمان ضربه مائة سوط، و حمله على بعير، و طاف به في المدينة ثمّ حبسه موثقا في الحديد( ٤) .

و روى عن قيس بن أبي حازم قال: جاءت بنو عبس إلى حذيفة يستشفعون به إلى عثمان، فقال حذيفة: لقد أتيتموني من عند رجل وددت أنّ كلّ سهم في كنانتي في بطنه( ٥) .

و أمّا هوعليه‌السلام فكان أقلّهم عتابا له، و أكثرهم استعتابا، رعاية لكرم الأخلاق، و براءة عن التهم.

روى الواقدي في (شوراه) و نقله ابن أبي الحديد في عنوان «و من كلام لهعليه‌السلام و قد وقعت بينه و بين عثمان مشاجرة» عن ابن عبّاس قال: شهدت

____________________

(١) بحار الأنوار ٨: ٣٣٨، ط الكمباني.

(٢) نقله عن تاريخ الثقفيّ العلاّمة المجلسي رحمه اللّه في بحار الأنوار ٨: ٣٣٨، ط الكمباني.

(٣) المصدر نفسه ٨: ٣٣٩.

(٤) نقله عن تاريخ الثقفي العلامة المجلسي رحمه اللّه في بحار الأنوار ٨: ٣٣٨، ط الكمباني.

(٥) المصدر نفسه.

٣١١

عتاب عثمان لعليّعليه‌السلام يوما، فقال له في بعض ما قاله: نشدتك اللّه أن تفتح للفرقة بابا فلعهدي بك و أنت تطيع عتيقا و ابن الخطّاب إلى أن قال: فإن كنت تزعم أنّ هذا الأمر جعله النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لك، فقد رأيناك حين توفّي النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نازعت ثمّ أقررت، فإن كانا لم يركبا من الأمر جدّا فكيف أذعنت لهما بالبيعة، و بخعت بالطاعة إلى أن قال: فقال عليّعليه‌السلام : أمّا الفرقة، فمعاذ اللّه أن أفتح لها بابا، أو اسهّل إليها سبيلا و لكنّي أنهاك عمّا ينهاك اللّه و رسوله عنه، و أهديك إلى رشدك و أمّا عتيق و ابن الخطاب فإن كانا أخذا ما جعله النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لي، فأنت أعلم بذلك و المسلمون، و مالي و لهذا الأمر و قد تركته منذ حين إلى أن قال: و أمّا التسوية بينك و بينهما، فلست كأحدهما إنّهما ولّيا هذا الأمر، فظلفا( ١ ) أنفسهما و أهلهما عنه، و عمت فيه و قومك عوم السابح في اللجة، فارجع إلى اللّه أبا عمرو، و انظر هل بقي من عمرك إلاّ كظم‏ء الحمار( ٢ ) . فحتى متى و إلى متى لا تنهى [ ألا تنهى ] سفهاء بني أميّة عن أعراض المسلمين و أبشارهم و أموالهم و اللّه لو ظلم عامل من عمّالك حيث تغرب الشمس لكان إثمه مشتركا بينه و بينك.

فقال عثمان: لك العتبى، و افعل و اعزل [ من عمّالي ] كلّ من تكرهه و يكرهه المسلمون ثمّ افترقا فصدّه مروان، و قال: يجترى‏ء عليك الناس، فلم يعزل [ فلا تعزل ] أحدا منهم( ٣) .

«و كان طلحة و الزبير أهون سيرهما فيه الوجيف» الوجيف: ضرب من سير الإبل و الخيل سريع روى (جمل المفيد) عن كتاب (مقتل عثمان) لأبي حذيفة

____________________

(١) ظلف نفسه: كفّها عمّا لا يجمل. (أساس البلاغة: ٢٨٩، مادة: ظلف).

(٢) قال ابن الأثير: و في حديث بعضهم: «حين لم يبق من عمري إلاّ ظم‏ء حمار» أي: شي‏ء يسير، و إنّما خصّ الحمار لأنّه أقلّ الدواب صبرا عن الماء. (النهاية ٣: ١٦٢، مادة: ظمأ).

(٣) شرح ابن أبي الحديد ٩: ١٥ ١٦، و نقله الشارح بتصرّف و تلخيص.

٣١٢

القرشيّ من أهل حديث العامّة: قال عبد الرحمن بن أبي ليلى: و اللّه كأنّي لأنظر إلى طلحة، و عثمان محصور، و هو على فرس، و بيده رمح يجول حول دار عثمان( ١) .

و روى أيضا أنّه لمّا اشتدّ الحصار بعثمان عمد بنو أميّة على إخراجه ليلا إلى مكّة، و عرف الناس ذلك و جعلوا عليه حرسا، و كان على الحرس طلحة و هو أوّل من رمى بسهم في دار عثمان( ٢) .

و في (صفّين نصر بن مزاحم): قدم خفاف الطائي الشام، فقال له معاوية: هات يا أخا طي حدّثنا عن عثمان. قال: حصره المكشوح، و حكم فيه حكيم، و ولي في أمره محمّد و عمّار، و تجرّد في أمره ثلاثة نفر: عديّ بن حاتم، و الأشتر، و عمرو بن الحمق، و جدّ في أمره طلحة و الزبير( ٣) .

و قال عبيد اللّه بن عمر:

و قد كان فيها للزبير عجاجة

و طلحة فيها جاهد غير لاعب( ٤)

و في (أنساب البلاذري): ذكروا أنّ عثمان نازع الزبير، فقال الزبير: إن شئت تقاذفنا. فقال: بماذا أبالبعر؟ قال: لا و اللّه و لكن بطبع خباب و ريش المقعد و كان خباب يطبع السيوف، و كان المقعد يريش النبل( ٥) .

«و أرفق حدائهما» قال الجوهري: الحدو: سوق الإبل، و الغناء لها( ٦) .

«العنيف» أي: الشديد في (الطبري): قال عبد الرحمن بن الأسود: لم أزل

____________________

(١) الجمل: ١٤٦.

(٢) المصدر نفسه، و الرواية عن أبي إسحاق.

(٣) وقعة صفّين: ٦٥، شرح ابن أبي الحديد ٣: ١١١.

(٤) وقعة صفّين: ٨٤، شرح ابن أبي الحديد ٣: ١٠٢.

(٥) أنساب الأشراف للبلاذري ٥: ١٤، مكتبة المثنى، بغداد.

(٦) الصحاح ٦: ٢٣٠٩، مادة (حدا).

٣١٣

أرى عليّاعليه‌السلام منكّبا عن عثمان لمّا أعطى الناس عهدا على المنبر، و دخل بيته فخرج مروان و شتمهم، و فرّقهم عن الباب إلاّ أنّي أعلم أنّه قد كلّم طلحة حين حصر عثمان في أن يدخل عليه الروايا، و غضب في ذلك غضبا شديدا حتّى دخلت الروايا على عثمان( ١) .

و فيه: قال عبد اللّه بن عيّاش بن أبي ربيعة: دخلت على عثمان، فتحدّثت عنده ساعة، فقال: تعال. فأخذ بيدي فأسمعني كلام من على الباب، فسمعنا منهم من يقول: ما تنتظرون به؟ و منهم من يقول: انظروا عسى أن يراجع.

فبينا أنا و هو واقف إذ مرّ طلحة، فقال: أين ابن عديس؟ فقيل: ها هو ذا. فجاءه ابن عديس، فناجاه طلحة بشي‏ء، ثمّ رجع ابن عدى؟ فقال لأصحابه: لا تتركوا أحدا أن يدخل على هذا الرجل، و لا يخرج من عنده( ٢) .

و في (مقتل أبي حذيفة): اطلع عثمان و قد اشتد به الحصار و ظمى‏ء من العطش، فنادى أيها الناس اسقونا شربة من الماء و أطعمونا ممّا رزقكم اللّه.

فناداه الزبير يا نعثل و اللّه لا تذوقه.

و فيه أيضا: قال ثعلبة الحماني: أتيت الزبير و هو عند أحجار الزيت فقلت له: قد حيل بين أهل الدار و بين الماء. فنظر نحوهم و قال: و حيل بينهم و بين ما يشتهون كما فعل بأشياعهم من قبل إنّهم كانوا في شكّ مريب( ٣) .

و فيه أيضا: أنفذ عثمان إلى عليّعليه‌السلام إنّ طلحة و الزبير قد قتلاني من العطش و إنّ الموت بالسلاح أحسن، فخرج معتمدا على يد مسور بن مخرمة الزهري حتّى دخل على طلحة و هو جالس في داره يسوي نبلا و عليه قميص

____________________

(١) تاريخ الطبري ٤: ٣٦٤، سنة ٣٥.

(٢) تاريخ الطبري ٤: ٣٧٨ ٣٧٩، سنة ٣٥.

(٣) سبأ: ٥٤.

٣١٤

هندي، فلما رآه طلحة رحّب به و وسّع له على الوسادة، فقال له عليّعليه‌السلام : إنّ عثمان قد أرسل إليّ أنّكم أهلكتموه عطشا، و أنّ ذلك ليس بحسن، و القتل بالسلاح أحسن، و كنت آليت على نفسي أن لا أردّ عنه أحدا بعد أهل مصر، و أنا أحبّ أن تدخلوا عليه الماء حتّى تروا رأيكم فيه. فقال طلحة: و اللّه لا ننعمه عينا و لا نتركه يأكل و يشرب. فقال عليّعليه‌السلام : ما كنت أظنّ أن أكلّم أحدا من قريش فيردني، دع ما كنت فيه يا طلحة. فقال طلحة: ما كنت أنت يا علي في ذلك من شي‏ء. فقام عليّعليه‌السلام مغضبا و قال: ستعلم يا بن الحضرمية أكون في ذلك من شي‏ء أم لا؟ ثم انصرف( ١) .

و في (خلفاء ابن قتيبة): ذكروا أنّ طلحة و الزبير أتيا عليّاعليه‌السلام بعد خلافته، فقالا له: هل تدري على ما بايعناك؟ و كان الزبير لا يشكّ في ولاية العراق، و طلحة في اليمن إلى أن قال: فلمّا استبان لهما أنّ عليّاعليه‌السلام غير مولّيهما شيئا، أظهرا الشكاية [ الشكاة ]، فتكلّم الزبير في ملأ من قريش، فقال:

هذا جزاؤنا من عليّ قمنا له في أمر عثمان حتّى أثبتنا عليه الذنب، و سبّبنا له القتل و هو جالس في بيته و كفي الأمر. فلمّا نال بنا ما أراد جعل دوننا غيرنا.

فقال طلحة: ما اللوم إلاّ لنا، كنّا ثلاثة من أهل الشورى، كرهه أحدنا و بايعناه، و أعطيناه ما في أيدينا، و منعنا ما في يده، فأصبحنا قد أخطأنا ما رجونا( ٢) .

قلت: و مراد طلحة بكونهم ثلاثة من أهل الشورى: هما مع سعد بن أبي وقّاص فهما بايعاهعليه‌السلام طمعا، و اعتزله سعد يأسا.

و فيه أيضا: و لمّا نزل طلحة و الزبير و عائشة بأوطاس( ٣ ) ، من أرض

____________________

(١) الجمل للمفيد: ٧٤.

(٢) الإمامة و السياسة ١: ٥١.

(٣) قال ياقوت: أوطاس: واد في ديار هوازن، فيه كانت وقعة حنين للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ببني هوازن. (معجم البلدان ١:٢٨١.)

٣١٥

خيبر، أقبل عليهم سعيد بن العاص على نجيب له، فأقبل على مروان و كان مع طلحة و الزبير فقال له: و أين تريد؟ قال: البصرة. قال: و ما تصنع بها؟ قال:

أطلب قتلة عثمان. قال: فهؤلاء قتلة عثمان معك إنّ هذين الرجلين يعني طلحة و الزبير قتلا عثمان و هما يريدان الأمر لأنفسهما، فلمّا غلبا عليه قالا: نغسل الدم بالدم، و الحوبة( ١ ) بالتوبة( ٢) .

و فيه أيضا بعد ذكر دخول طلحة و الزبير البصرة: فبيناهم كذلك أتاهم رجل من أشراف البصرة بكتاب كتبه طلحة في التأليب على قتل عثمان، فقال لطلحة: هل تعرف هذا الكتاب؟ قال: نعم. قال: فما ردّك على ما كنت عليه؟

و كنت أمس تكتب إلينا تؤلّبنا على قتل عثمان، و أنت اليوم تدعونا إلى الطلب بدمه( ٣) .

و عن (تاريخ الواقدي): ما كان أحد من أصحاب محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أشدّ على عثمان من عبد الرحمن بن عوف حتّى مات عبد الرحمن، و من سعد بن أبي وقّاص حتّى مات عثمان، و من طلحة و كان أشدّهم فإنّه لم يزل كهف المصرييّن و غيرهم يأتونه بالليل يتحدّثون عنده إلى أن حاربوه [ جاهدوا ]، فكان وليّ الحرب و القتال، و عمل المفاتيح على بيت المال، و تولّى الصلاة بالناس، و منع عثمان و من معه من الماء، و ردّ شفاعة عليّعليه‌السلام في حمل الماء إليه، و قال: لا و اللّه...( ٤) .

و في (خلفاء ابن قتيبة): أقبل الأشتر من الكوفة في ألف رجل، و أقبل محمّد بن أبي حذيفة من مصر في أربعمائة رجل، فأقام أهل الكوفة و أهل

____________________

(١) الحوبة بالفتح: الخطيئة. (المصباح المنير ١: ١٩٠، مادة: حوب).

(٢) الإمامة و السياسة ١: ٦٣.

(٣) الإمامة و السياسة ١: ٦٨.

(٤) نقله عنه العلاّمة المجلسي رحمه اللّه في بحار الأنوار ٨: ٣٣٩، ط الكمباني.

٣١٦

مصر بباب عثمان ليلا و نهارا، و طلحة يحرّض الفريقين جميعا على عثمان، ثمّ إنّ طلحة قال لهم: إنّ عثمان لا يبالي ما حصرتموه، و هو يدخل إليه الطعام و الشراب فامنعوه الماء أن يدخل عليه( ١) .

و ممّن هيّج على عثمان غير طلحة و الزبير، و سار فيه الوجيف وحدا فيه العنيف عبد الرحمن بن عوف، و هو الذي عيّن عثمان إماما، و لم يذكرهعليه‌السلام ، لأنّ كلامهعليه‌السلام في أصحاب الجمل الذين قاتلوا عثمان حتّى قتلوه، ثمّ حاربوهعليه‌السلام باسم ثأره. فقد عرفت كون عبد الرحمن أيضا ممّن كانوا أشدّاء عليه إلاّ أنّه مات قبل عثمان.

و عن (تاريخ الثقفي): قال طارق بن شهاب: رأيت عبد الرحمن و هو يقول: إنّ عثمان أبي أن يقيم فيكم كتاب اللّه. فقيل له: فأنت أوّل من بايعه، و أوّل من عقد له. قال: إنّه نقض، و ليس لناقض عهد( ٢) .

و عن (تاريخ الواقدي): قال عثمان بن شريد: دخلت على عبد الرحمن بن عوف في شكواه الذي مات فيه أعوده، فذكر عنده عثمان، فقال: عاجلوا طاغيتكم هذه قبل أن يتمادى في ملكه. قالوا: فأنت ولّيته. قال: لا عهد لناقض( ٣) .

و عن (تاريخ الثقفي): قال أبو إسحاق: أصبح الناس يوما حين صلّوا الفجر في خلافة عثمان، فنادوا بعبد الرحمن، فحوّل وجهه إليهم، و استدبر القبلة، ثمّ خلع قميصه عن جيبه فقال: يا معشر أصحاب محمّد، يا معشر المسلمين، أشهد اللّه و اشهدكم أنّي قد خلعت عثمان من الخلافة كما خلعت سربالي هذا. فأجابه مجيب من الصفّ الأوّل: الآن و قد عصيت من قبل،

____________________

(١) الإمامة و السياسة ١: ٣٨.

(٢) نقله عنه العلاّمة المجلسي رحمه اللّه في بحار الأنوار ٨: ٣٤٠، ط الكمباني.

(٣) نقله عنه العلامة المجلسي رحمه اللّه في بحار الأنوار ٨: ٣٤٠، ط الكمباني.

٣١٧

و كنت من المفسدين( ١ ) . فنظروا من الرجل فإذا هو عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ( ٢) .

«و كان من عائشة فيه فلتة غضب» روى الجوهري في (سقيفته)( ٣ ) ، و نقله ابن أبي الحديد في موضع آخر مسندا عن أبي بن كعب الحارثي في خبر طويل، قال: تبعت عثمان حتّى دخل المسجد، فإذا عمّار جالس إلى سارية، و حوله نفر من أصحاب النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يبكون، فقال عثمان: يا وثّاب عليّ بالشرط، فجاؤوا، فقال: فرّقوا هؤلاء. ففرّقوا بينهم.

ثم اقيمت الصلاة، فتقدّم عثمان فصلّى بهم، فلمّا كبّر قالت امرأة من حجرتها: أيّها الناس، و تكلّمت، ثمّ ذكرت النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و ما بعثه اللّه به، ثمّ قالت:

تركتم أمر اللّه و عهده، و نحو هذا، ثم صمتت و تكلّمت اخرى بمثل ذلك، فإذا هما عائشة و حفصة.

فسلّم عثمان ثمّ أقبل على الناس، و قال: إنّ هاتين لفتّانتان، يحلّ لي سبّهما، و أنا بأصلها عالم...( ٤) .

و في (خلفاء ابن قتيبة): ذكروا أنّ عائشة لمّا أتاها أنّه بويع عليّعليه‌السلام و كانت خارجة عن المدينة قالت: ما كنت أبالي أن تقع السماء على الأرض، قتل عثمان و اللّه مظلوما، و أنا طالبة بدمه. فقال عبيد: إنّ أوّل من طعن فيه و أطمع الناس فيه لأنت، و لقد قلت: اقتلوا نعثلا فقد كفر [ فجر ]. فقالت: قلت و قال الناس، و آخر قولي خير من أوّله. فقال عبيد: عذر ضعيف و اللّه. ثمّ قال:

فمنك البداء و منك الغير

و منك الرياح و منك المطر

و أنت أمرت بقتل الإمام

و قلت لنا إنّه قد فجر

____________________

(١) يونس: ٩١.

(٢) المصدر نفسه.

(٣) السقيفة و فدك: ٨٠.

(٤) شرح ابن أبي الحديد ٩: ٥.

٣١٨

فهبنا أطعناك في قتله

و قاتله عندنا من أمر( ١)

و في (الطبري): عن ابن عباس، قال: قال لي عثمان، إنّي قد استعملت خالد بن العاص على مكّة، و قد بلغ أهل مكّة ما صنع الناس، فأنا خائف أن يمنعوه الموقف [ فيأبى ]، فيقاتلهم، فرأيت أن اولّيك أمر الموسم. و كتب معه إلى أهل الموسم بكتاب يسألهم أن يأخذوا له بالحقّ ممّن حصره. فخرج ابن عبّاس، فمرّ بعائشة في الصّلصل( ٢ ) ، فقالت: يا بن عبّاس، انشدك اللّه فإنّك قد أعطيت لسانا ذلقا [ إزعيلا ] أن تجادل [ تخذل ] عن هذا الرجل، و أن تشكّك فيه الناس، فقد بانت لهم بصائرهم و أنهجت، و رفعت لهم المنار، و تحلّبوا من البلدان لأمر قد حمّ، و قد رأيت طلحة قد اتّخذ على بيوت الأموال و الخزائن مفاتيح، فإن يل يسر بسيرة ابن عمّه أبي بكر( ٣ ) و فيه: أقبل غلام من جهينة على محمّد بن طلحة و كان عابدا يوم الجمل، فقال له: أخبرني عن قتلة عثمان. فقال: نعم، دم عثمان على ثلاثة أثلاث، ثلث على صاحبة الهودج يعني عائشة و ثلث على صاحب الجمل الأحمر يعني أباه طلحة و ثلث على عليّ. فضحك الغلام، و قال: أراني على ضلال و لحق بعليّعليه‌السلام ، و قال:

سألت ابن طلحة عن هالك

بجوف المدينة لم يقبر

فقال ثلاثة رهط هم

أماتوا ابن عفّان و استعبر

فثلث على تلك في خدرها

و ثلث على راكب الأحمر

و ثلث على ابن أبي طالب

و نحن بدوّيّة قرقر

____________________

(١) الإمامة و السياسة ١: ٥٢، تاريخ الطبري ٤: ٤٥٨ ٤٥٩، سنة ٣٦.

(٢) قال ياقوت: صلصل: بنواحي المدينة على سبعة أميال، منها نزل بها رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم خرج من المدينة إلى مكّة عام الفتح. (معجم البلدان ٣: ٤٢١).

(٣) تاريخ الطبري ٤: ٤٠٧، سنة ٣٥، و نقله عنه ابن أبي الحديد في شرحه على نهج البلاغة ١٠: ٦.

٣١٩

فقلت صدقت على الأوّلين

و أخطأت في الثالث الأزهر( ١)

و رواه (خلفاء ابن قتيبة)، و زاد: و بلغ طلحة قول ابنه محمّد، و كان من عباد الناس، فقال له: أ تزعم أنّي قاتل عثمان، كذلك تشهد على أبيك؟ كن كعبد اللّه بن الزبير، فو اللّه ما أنت بخير منه، و لا أبوك بدون أبيه، كفّ عن قولك، و إلاّ فارجع فإنّ نصرتك نصرة واحد، و فسادك فساد عامّة. فقال: ما قلت إلاّ حقّا و لا [ لن ] أعود( ٢) .

و عن (تاريخ الثقفي): جاءت عائشة إلى عثمان فقالت: أعطني ما كان يعطيني أبي و عمر. قال: لا أجد له موضعا في الكتاب، و لا في السنّة، و لكن كان أبوك و عمر يعطيانك عن طيبة أنفسهما و أنا لا أفعل.

قالت: فأعطني ميراثي من النّبي. قال: أو لم تجى‏ء فاطمة تطلب ميراثها منه، فشهدت أنت، و مالك بن أوس البصري أنّ النّبيّ لا يورّث، و أبطلت حقّ فاطمة و جئت تطلبين الميراث؟ لا أفعل. فكان عثمان إذا خرج إلى الصلاة أخرجت عائشة قميص النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، و تنادي: أنّ عثمان خالف صاحب هذا القميص( ٣) .

و عنه: انّ عثمان صعد المنبر، فنادته عائشة، و رفعت قميص النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لقد خالفت صاحب هذا. فقال عثمان: إنّ هذه الزعراء( ٤ ) عدوّة اللّه، ضرب اللّه مثلها و مثل صاحبتها حفصة في الكتاب( ٥ ) بامرأة

____________________

(١) تاريخ الطبري ٤: ٤٦٥ ٤٦٦، سنة ٣٦، الإمامة و السياسة ١: ٦٥.

(٢) الإمامة و السياسة ١: ٦٥.

(٣) نقله عنه العلاّمة المجلسي رحمه اللّه في بحار الأنوار ٨: ٣٤١، ط الكمباني.

(٤) زعر الرجل إذا ساء خلقه و قلّ خيره: و هو أزعر و هي زعراء. (أساس الاقتباس ١٩١، مادة: زعر).

(٥) التحريم: ١٠.

٣٢٠