بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٩

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة0%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 607

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

مؤلف: الشيخ محمد تقي التّستري
تصنيف:

الصفحات: 607
المشاهدات: 53907
تحميل: 4243


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 607 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 53907 / تحميل: 4243
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 9

مؤلف:
العربية

نوح و امرأة لوط( ١) .

و عنه: عن موسى التغلبي عن عمّه قال: دخلت المسجد فإذا الناس مجتمعون، و إذا كفّ مرتفعة و صاحب الكفّ يقول: «إنّ فيكم فرعون أو مثله» فإذا هي عائشة تعني عثمان( ٢) .

و عن الحسن بن سعيد قال: رفعت عائشة ورقات من ورق المصحف، و عثمان على المنبر، فقالت: يا عثمان، أقم ما في كتاب اللّه إن تصاحب تصاحب غادرا و إن تفارق تفارق عن قلى. فقال عثمان: أما و اللّه لتنتهينّ أو لأدخلنّ عليك حمران الرجال و سودها. قالت: أما إن فعلت لقد لعنك النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثمّ ما استغفر لك( ٣) .

و روي عن عدّة طرق: أنّه لمّا اشتدّ الحصار على عثمان تجهّزت عائشة للحجّ، فجاءها مروان، و عبد الرحمن بن عتاب فسألاها الإقامة و الدفع عنه، فقالت: قد غريت غرائري، و أدنيت ركابي، و فرضت على نفسي الحجّ فلست بالتي أقيم إلى أن قال: فقالت لمروان: لعلّك ترى أنّي إنّما قلت هذا الذي قلته شكّا في صاحبك فو اللّه لوددت أنّ عثمان مخيط عليه في بعض غرائري حتّى أكون أقذفه في اليم. ثمّ ارتحلت حتّى نزلت بعض الطريق، فلحقها ابن عبّاس أميرا على الحجّ، فقالت له: إنّ اللّه قد أعطاك لسانا و علما، فانشدك اللّه أن تخذل عن قتل هذا الطاغية غدا إلى أن قال: قال ابن عبّاس: دخلت عليها بالبصرة، فذكرتها هذا الحديث، فقالت: ذاك المنطق أخرجني، لم أر لي توبة إلاّ الطلب بدم عثمان. فقلت لها: فأنت قتلته بلسانك فأين تخرجين؟ توبي و أنت في بيتك، أو

____________________

(١) نقله عنه العلاّمة المجلسي رحمه اللّه في البحار ٨: ٣٤١، ط الكمباني.

(٢) المصدر نفسه.

(٣) المصدر نفسه.

٣٢١

ارضي ولاة دم عثمان ولده. قالت: دعنا( ١) .

و في (الأغاني) قال الزهري: خرج رهط من أهل الكوفة إلى عثمان في أمر الوليد بن عقبة، و شربه الخمر، و صلاته الصبح أربعا سكران، و تغنّيه في الصلاة، فقال عثمان: أكلّما غضب رجل منكم على أميره رماه بالباطل لئن أصبحت لكم لأنكّلنّ بكم. فاستجاروا بعائشة، و أصبح عثمان فسمع من حجرتها صوتا و كلاما فيه بعض الغلظة، فقال: أما يجد مرّاق أهل العراق ملجأ إلاّ بيت عائشة فسمعت فرفعت نعل النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و قالت: تركت سنّة صاحب هذا النعل. فتسامع الناس فجاؤوا فملأوا المسجد، فمن قائل: أحسنت، و من قائل: ما للنساء و لهذا حتّى تحاصبوا و تضاربوا بالنعال و دخل رهط من الصحابة على عثمان، فقالوا له: اتّق اللّه و لا تعطّل الحدّ، و اعزل أخاك عنهم( ٢) .

و في (أنساب البلاذري): يقال إنّ عايشة أغلظت لعثمان و أغلظ لها و قال: و ما أنت و هذا؟ إنّما امرت أن تقرّي في بيتك. فقال قوم مثل قوله، و قال آخرون: و من أولى بذلك منها. فاضطربوا بالنعال و كان ذلك أوّل قتال بين المسلمين بعد النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ( ٣) .

و بالجملة: إنّ عثمان كان يطعن فيه لأعماله و عمّاله البرّ و الفاجر، إلاّ أنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام و شيعته من أبي ذرّ، و المقداد، و عمّار، و حذيفة، و عمرو بن الحمق، و مالك الأشتر و نظرائهم كانوا يطعنون فيه للّه تعالى فإنّه عزّ و جلّ «أخذ على العلماء ألاّ يقارّوا على كظّة ظالم، و لا سغب مظلوم»( ٤) .

و أمّا عمرو بن العاص، فإنّه كان يطعن فيه لأنّه عزله عن مصر، كما أنّ

____________________

(١) نقله عنه العلامة المجلسي رحمه اللّه في البحار ٨: ٣٤١، ط الكمباني.

(٢) الأغاني ٥: ١٣٠ ١٣١.

(٣) أنساب الأشراف للبلاذري ٥: ٣٤، مكتبة المثنى، بغداد.

(٤) نهج البلاغة ١: ٣٢.

٣٢٢

عبد الرحمن بن عوف كان يطعن فيه لأنّه أعطاه الخلافة ليردّها إليه، و يكون شريكه فيها كما أعطى عمر أبا بكر الخلافة، فردّها إليه بعده، و كان شريكه فيها في وقته. و عثمان لم يرد تولية غير بني امية بني أبيه في حياته و بعد وفاته.

و كذلك سعد بن أبي وقّاص يطعن فيه لأنّه تجافى عن سهمه في الشورى ليولّيه. و كذلك طلحة و الزبير كانا بايعا عثمان طمعا أن يكونا شريكيه في حكومته، و كيف لا و طمعا ذلك من أمير المؤمنينعليه‌السلام الذي كانا هما و غيرهما يعلمون أنّه لا يراقب أحدا غير اللّه تعالى، و كانا يريان أنفسهما فوق عثمان و كانا فوقه فلمّا رأيا أنّه لا ينظر غير بني اميّة سعيا في قتله ليليا الأمر كما عرفت اعترافهما بذلك.

و كذلك عائشة كانت تطمع أن يعطيها عثمان ما كان أبوها و صاحبه يعطيانها زائدا على حقّها في قبال فعّاليّتها لخلافتهما، فلمّا خابت منه طعنت فيه و فطن معاوية بذلك، فكان يعطيها سياسة مثل ما يعطيها أبوها و صاحبه، فلمّا أرادت الطعن فيه بقتل حجر بن عديّ العابد المجاهد قال لها: هل عطاؤك حسن؟ قالت: نعم. قال لها: فخلّيني و حجرا إلى المعاد. فسكتت( ١) .

و أمّا عثمان، فلمّا جبهها بأنّك تدّعين ما ليس لك، حرّضت على قتله طمعا أن يصير الأمر إلى ابن عمّها طلحة فإذا كان صار إليه، كان كأنّه صار إليها كما في أيّام أبيها و أيّام صاحبه، فلمّا سمعت بقتل عثمان و ظنّت صيرورة الأمر إلى طلحة قالت: «أبعد اللّه عثمان بما قدّمت يداه، الحمد للّه الذي قتله»( ٢ ) ، و قالت مشيرة إلى طلحة: «إيها

____________________

(١) ذكر بأعلام الورى بشكل آخر: ٤٤، و نقله المجلسي في بحار الأنوار ١٨: ١٢٦.

(٢) شرح ابن أبي الحديد ٦: ٢١٦.

٣٢٣

ذا الإصبع»( ١ ) فلما بلغها بيعة الناس لأمير المؤمنينعليه‌السلام قالت: «وددت أنّ هذه تعني السماء وقعت على هذه تعني الأرض»( ٢) .

كما أنّ طلحة و الزبير لمّا أيسا من وصول الأمر إليهما ندما، فاتّفقت عائشة معهما و كان طلحة ابن عمّها، و الزبير زوج اختها أسماء على أن يقولوا: «قتل عثمان مظلوما، و إنّ قاتله عليّ» لعلّ الأمر يرجع إليهم( ٣) .

و في (خلفاء ابن قتيبة): بعث عثمان بن حنيف عامل عليعليه‌السلام على البصرة بعمران بن الحصين، و أبي الأسود الدؤلي إلى طلحة و الزبير و عائشة لإتمام الحجّة عليهما فبدئا بطلحة، فقال له أبو الأسود: إنّكم قتلتم عثمان غير مؤامرين لنا في قتله، و بايعتم عليّا غير مؤامرين لنا في بيعته، فلم نغضب لعثمان إذ قتل، و لم نغضب لعليّ إذ بويع، ثمّ بدا لكم.

و قال له عمران: إنّكم قتلتم عثمان و لم نغضب له إذ لم تغضبوا، ثمّ بايعتم عليّا و بايعنا من بايعتم، فإن كان قتل عثمان صوابا فمسيركم لما ذا؟

و إن كان خطأ فحظّكم منه الأوفر، و نصيبكم منه الأوفى.

فقال لهما طلحة: إنّ صاحبكما لا يرى أنّ معه في هذا الأمر غيره، و ليس على هذا بايعناه.

فقال أبو الأسود لعمران: أمّا هذا فقد صرّح أنّه إنّما غضب للملك( ٤) .

و فيه: قال عمّار لأهل الكوفة: إنّ طلحة و الزبير كانا أوّل من طعن [ في عثمان ]، و آخر من أمر [ بقتله ]، و كانا أوّل من بايع عليّاعليه‌السلام ، فلمّا أخطأهما ما

____________________

(١) تاريخ اليعقوبي ٢: ١٨٠، شرح ابن أبي الحديد ٦: ٢١٥.

(٢) الإمامة و السياسة ١: ٥٢، تاريخ اليعقوبي ٢: ١٨٠، شرح ابن أبي الحديد ٦: ٢١٥.

(٣) الإمامة و السياسة ١: ٥١ ٥٢.

(٤) الإمامة و السياسة ١: ٦٤ ٦٥.

٣٢٤

أملاه نكثا بيعتهما من غير حدث( ١) .

هذا، و ما قالته عائشة لعثمان: إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعنه، و شبّهه بنعثل اليهودي( ٢ ) ، و غير ذلك و ما قاله عثمان لعائشة( ٣ ) من أنّ اللّه تعالى ضرب لها و لحفصة المثل المذكور في قوله جلّ و علا: ضرب اللّه مثلا للّذين كفروا امرأة نوح و امرأة لوط...( ٤ ) صحيحان، حيث إنّ عند إخواننا: عثمان إمام، و عائشة صدّيقة، فلا بدّ من صحّة قولهما.

و أيضا انّهما مع شدّة عداوة كلّ منهما للآخر أقرّ بما نسبه إليه، لكن قابله بكون طرفه مثله معيوبا و قالت اليهود ليست النّصارى على شي‏ء و قالت النّصارى ليست اليهود على شي‏ء...( ٥ ) و كلّ منهما صدق.

«فاتيح» أي: قدر.

«له قوم فقتلوه» و في (ابن أبي الحديد و الخطية): «قتلوه»( ٦) .

في (العقد الفريد): إنّ نائلة بنت الفرافصة امرأة عثمان كتبت إلى معاوية كتابا مع النعمان بن بشير، و بعثت إليه بقميص عثمان مخضوبا بالدماء، و كان في كتابها: أنّي أقصّ عليكم خبره، أنّي شاهدة أمره كلّه.

إنّ أهل المدينة حصروه في داره، و حرسوه ليلهم و نهارهم قياما على أبوابه بالسلاح، يمنعونه من كلّ شي‏ء قدروا عليه، حتّى منعوه الماء، فمكث هو و من معه خمسين ليلة، و أهل المصر قد أسندوا أمرهم إلى عليّعليه‌السلام ،

____________________

(١) المصدر نفسه ١: ٦٧.

(٢) أورده العلاّمة المجلسي رحمه اللّه في بحار الأنوار، ط الكمباني ٨: ٣٤١.

(٣) المصدر نفسه.

(٤) التحريم: ١٠.

(٥) البقرة: ١١٣.

(٦) كذا في شرح ابن أبي الحديد ١٤: ٦.

٣٢٥

و محمّد بن أبي بكر، و عمّار، و طلحة، و الزبير، فأمروهم بقتله، و كان معهم من القبائل: خزاعة، و سعد بن بكر، و هذيل، و طوائف من جهينة، و مزينة، و أنباط يثرب إلى أن قالت: و دخل عليه القوم يقدمهم محمّد بن أبي بكر، فأخذ بلحيته و دعوه باللقب، فضربوه على رأسه ثلاث ضربات، و طعنوه في صدره ثلاث طعنات، و ضربوه على مقدم العين [ الجبين ] فوق الأنف ضربة أسرعت في العظم، فسقطت عليه و قد أثخنوه و به حياة، يريدون أن يقطعوا رأسه فيذهبوا به، فأتتني ابنة شيبة فألقت بنفسها عليه معي، فوطئنا وطئا شديدا...( ١) .

«و بايعني الناس غير مستكرهين و لا مجبرين» الاستكراه: عدم الرغبة، و الإجبار: القهر.

«بل طائعين مخيّرين» بل ألجأوهعليه‌السلام إلى البيعة معه، و كانت رغبتهم في بيعته كما وصفها خفاف الطائي لمعاوية قال: تهافت الناس على عليّعليه‌السلام بالبيعة تهافت الفراش حتّى ضلّت النعل، و سقط الرداء، و وطى‏ء الشيخ( ٢) .

و قال الحسنعليه‌السلام : «و اللّه ما دعا إلى نفسه و لقد تداكّ الناس عليه تداكّ الإبل الهيم( ٣ ) [ عند ] ورودها»( ٤) .

«و اعلموا أنّ دار الهجرة قد قلعت بأهلها و قلعوا بها و جاشت» من «جاشت القدر» أي: غلت.

«جيش المرجل» في (الصحاح) في «رجل»: المرجل قدر من نحاس( ٥) .

____________________

(١) العقد الفريد ٥: ٥٠ ٥١، و نقله الشارح بتصرف.

(٢) وقعة صفّين: ٦٥، شرح ابن أبي الحديد ٣: ١١١.

(٣) الهيم: العطاش. (الصحاح ٥: ٢٠٦٣، مادة: هيم).

(٤) شرح ابن أبي الحديد ١٤: ١٢.

(٥) الصحاح ٤: ١٧٠٥، مادة (رجل).

٣٢٦

في (جمل المفيد): روى الواقدي عن عبيد [ عبد ] اللّه بن الحارث بن الفضل [ الفضيل ]، عن أبيه قال: لمّا عزم عليّعليه‌السلام على المسير من المدينة بعث محمّد بن جعفر [ الحنفيّة ] و محمّد بن أبي بكر إلى الكوفة إلى أن قال بعد ذكر رجوعهما، و قولهما: إنّ أبا موسى يمنع الناس عنّا: فبعث عمّارا و الحسنعليه‌السلام و كتب معهما كتابا: أمّا بعد، فإنّ دار الهجرة تقلّعت بأهلها فانقلعوا عنها، و جاشت جيش المرجل، و كانت فاعلة يوما ما فعلت، و قد ركبت المرأة الجمل، و نبحتها كلاب الحوأب، و قامت الفئة [ الفتنة ] الباغية يقودها [ رجال ] يطلبون بدم هم سفكوه، و عرض هم شتموه، و حرمة انتهكوها، و أباحوا ما أباحوا، يعتذرون إلى الناس دون اللّه يحلفون لكم لترضوا عنهم فإن ترضوا عنهم فإنّ اللّه لا يرضى عن القوم الفاسقين( ١ ) ، اعلموا رحمكم اللّه أنّ الجهاد مفترض على العباد، فقد جاءكم في داركم من يحثّكم عليه، و يعرض عليكم رشدكم، و اللّه يعلم أنّي لم أجد بدّا من الدخول في هذا الأمر، و لو علمت أنّ أحدا أولى به منّي لما تقدّمت [ قدمت ] إليه، و قد بايعني طلحة و الزبير طائعين غير مكرهين، ثمّ خرجا يطلبان بدم عثمان، و هما اللذان فعلا بعثمان ما فعلا، و عجبت لهما كيف أطاعا أبا بكر و عمر في الغيبة، و أبيا ذلك عليّ( ٢) .

«و قامت الفتنة على القطب» قال ابن أبي الحديد: قال الطبري: أقبل زيد بن صوحان و معه كتاب من عائشة إليه خاصّة، و كتاب منها إلى أهل الكوفة عامّة، تثبّطهم عن نصرة عليّعليه‌السلام ، و تأمرهم بلزوم الأرض، فقال زيد: انظروا إلى هذه المرأة، امرت أن تقرّ في بيتها، و أمرنا نحن أن نقاتل، حتّى لا تكون

____________________

(١) التوبة: ٩٦.

(٢) الجمل: ٢٥٧ ٢٦٠، بتصرّف و تلخيص، و ذكره ابن شهر آشوب في مناقب آل أبي طالب ٣: ١٥١، مع اختلاف.

٣٢٧

فتنة، فأمرتنا بما امرت به، و ركبت ما امرنا به، إلى أن قال: فقام و شال يده المقطوعة، و أومأ بيده إلى أبي موسى و هو على المنبر: أتردّ الفرات عن أمواجه دع عنك ما لست تدركه. ثم قرأ: ألم. أحَسِب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنّا و هم لا يفتنون. و لقد فتنّا الذين من قبلهم فليعلمنّ اللّه الذين صدقوا و ليعلمنّ الكاذبين( ١) .

قال: و روى أبو مخنف عن الكلبي، عن أبي صالح: أنّ عليّاعليه‌السلام لمّا نزل ذاقار في قلّة من عسكره، صعد الزبير منبر البصرة، فقال: ألا ألف فارس أسير بهم إلى عليّ، فأبيّته بياتا، و اصبّحه صباحا، قبل أن يأتيه المدد فلم يجبه أحد، فنزل واجما، و قال: هذه و اللّه الفتنة التي كنّا نتحدّث بها فقال له بعض مواليه:

تسمّيها فتنة ثمّ تقاتل فيها فقال: ويحك و اللّه إنّا لنبصر ثمّ لا نصبر. فاسترجع المولى ثمّ خرج في الليل فارّا إلى عليّعليه‌السلام فأخبره، فقال: اللهمّ عليك به( ٢) .

و في (العقد): عن الحسن البصري قال الزبير: لقد نزلت: و اتّقوا فتنة لا تُصيبنَّ الذين ظلمُوا منكُمْ خاصّةً...( ٣ ) و ما ندري من يختلف إليها. فقال بعضهم: فلم جئت إلى البصرة؟ فقال: ويحك إنّا ننظر و لا نبصر( ٤) .

و في (الاستيعاب): عن أبي ليلى الغفاري، عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال:

ستكون بعدي فتنة، فإذا كان ذلك فالزموا عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام فإنّه أوّل من يراني، و أوّل من يصافحني يوم القيامة، و هو الصّدّيق الأكبر، و هو فاروق هذه الامّة، يفرّق بين الحقّ و الباطل، و هو يعسوب المؤمنين،

____________________

(١) تاريخ الطبري ٤: ٤٨٣ ٤٨٤، سنة ٣٦، شرح ابن أبي الحديد ١٤: ١٩ ٢٠، و الآية ١ ٣ من سورة العنكبوت.

(٢) شرح ابن أبي الحديد ١٤: ١٤.

(٣) الأنفال: ٢٥.

(٤) العقد الفريد ٥: ٥٦.

٣٢٨

و المال يعسوب المنافقين( ١) .

«فأسرعوا إلى أميركم، و بادروا جهاد عدوّكم» قال ابن أبي الحديد: قال الطبري: قام زيد بن صوحان أي في الخبر المقدّم بعد تلاوته ألم أحَسِبَ الناس أن يُتركوا أن يقولوا آمنّا و هم لا يُفتنون( ٢ ) ثمّ نادى: سيروا إلى أمير المؤمنين، و صراط سيّد المرسلين.

و قام الحسنعليه‌السلام فقال: أيّها الناس، أجيبوا دعوة إمامكم، و سيروا إلى إخوانكم فإنّه سيوجد لهذا الأمر من ينفر إليه، و اللّه لأنّ يليه اولوا النّهى أمثل في العاجلة، و خير في العاقبة فأجيبوا دعوتنا، و أعينونا على أمرنا( ٣) .

و قال: و روى أبو مخنف عن ابن أبي ليلى، قال: لمّا دخل الحسنعليه‌السلام و عمّار الكوفة، قال الحسنعليه‌السلام : أيّها الناس، إنّا جئنا ندعوكم إلى اللّه و إلى كتابه و سنّة رسوله، و إلى أفقه من تفقّه من المسلمين، و أعدل من تعدّلون، و أفضل من تفضّلون، و أوفى من تبايعون، من لم يعيه [ يعبه ] القرآن، و لم تجهّله السنّة، و لم تقعد به السابقة، إلى من قرّبه اللّه تعالى إلى رسوله قرابتين:

قرابة الدين و قرابة الرحم، إلى من سبق الناس إلى كلّ مأثرة، إلى من كفى اللّه به رسوله و الناس متخاذلون فقرب منه و هم متباعدون، و صلّى معه و هم مشركون، و قاتل معه و هم منهزمون، و بارز معه و هم محجمون، و صدّقه و هم مكذّبون [ يكذّبون ] إلى من لم تردّ له راية [ رواية ] و لا تكافأ له سابقة، و هو يسألكم النصر، و يدعوكم إلى الحقّ، و يأمركم بالمسير إليه، لتوازروه و تنصروه على قوم نكثوا بيعته، و قتلوا أهل الصلاح من أصحابه، و مثّلوا

____________________

(١) الاستيعاب بهامش الإصابة ٤: ١٧٠.

(٢) العنكبوت: ١ ٢.

(٣) تاريخ الطبري ٤: ٤٨٤ ٤٨٥، سنة ٣٦، شرح ابن أبي الحديد ١٤: ٢٠.

٣٢٩

بعمّاله، و انتهبوا بيت ماله فأشخصوا إليه رحمكم اللّه فمروا بالمعروف...( ١) .

و عن تميم الناجي قال: قدم علينا الحسنعليه‌السلام و عمّار يستنفران الناس إلى عليعليه‌السلام ، و معهما كتابه، فلمّا فرغا من قراءة كتابه، قام الحسنعليه‌السلام و هو فتى حدث، و إنّي لأرثى له من حداثة سنّه و صعوبة مقامه فرماه الناس بأبصارهم و هم يقولون: اللهمّ سدّد منطق ابن بنت نبيّناصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فوضع يده على عمود يتساند إليه، و كان عليلا من شكوى به، فقال: الحمد للّه العزيز الجبّار، الواحد القهّار، الكبير المتعال، سواءٌ منكم مَنْ أسرَّ القولَ و مَنْ أسرَّ القولَ و مَنْ جهرَ به وَ مَنْ هو مُسْتَخْفٍ بالليل و سارِبٌ بالنّهار( ٢ ) . أحمده على حسن البلاء، و تظاهر النعماء، و على ما أحببنا و كرهنا من شدّة و رخاء إلى أن قال: أمّا بعد، فإنّي لا أقول [ لكم ] إلاّ ما تعرفون، إنّ أمير المؤمنين أرشد اللّه أمره، و أعزّ نصره بعثني إليكم يدعوكم إلى الصواب، و إلى العمل بالكتاب، و الجهاد في سبيل اللّه، فإن كان في عاجل ذلك ما تكرهون، فإنّ في آجله ما تحبّون إن شاء اللّه تعالى و لقد علمتم أنّ عليّاعليه‌السلام صلّى مع الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحده، و أنّه يوم صدّق به لفي عاشرة من سنّه، ثمّ شهد مع الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جميع مشاهده. و كان من اجتهاده في مرضاة اللّه و طاعة رسوله و آثاره الحسنة في الإسلام ما قد بلغكم، و لم يزل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم راضيا عنه، حتّى غمّضه بيده و غسّله وحده، و الملائكة أعوانه، و الفضل ابن عمّه ينقل إليه الماء، ثمّ أدخله حفرته، و أوصاه بقضاء دينه و عداته، و غير ذلك من اموره، كلّ ذلك من منّ اللّه عليه.

____________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ١٤: ١١.

(٢) الرعد: ١٠.

٣٣٠

ثمّ و اللّه ما دعا إلى نفسه...( ١) .

قلت: و روى المفيد في (جمله): أنّ الحسنعليه‌السلام صعد المنبر و قال: أيّها الناس إنّ عليّاعليه‌السلام باب هدى، فمن دخله اهتدى، و من خالفه تردّى.

ثمّ نزل فصعد عمّار و قال بعد الثناء: أيّها الناس إنّا لمّا خشينا على هذا الدين أن يهدم جوانبه، و أن يتعرّى أديمه، نظرنا لأنفسنا و لديننا فاخترنا عليّا خليفة و رضيناه إماما، فنعم الخليفة، و نعم الإمام [ المؤدّب ]، مؤدّب لا يؤدّب، و فقيه لا يعلّم، و صاحب بأس لا ينكر، و ذو سابقة في الإسلام ليس لأحد من الناس غيره، و قد خالفه قوم من أصحابه، حاسدون له، و باغون عليه، و قد توجّهوا إلى البصرة، فاخرجوا إليهم رحمكم اللّه فإنّكم لو شاهدتموهم و حاججتموهم تبيّن لكم أنّهم ظالمون.

ثمّ قام الأشتر و قال بعد ذكر أبي بكر و عمر: ثمّ‏ّ ولي بعدهما رجل نبذ كتاب اللّه وراء ظهره، و عمل في أحكام اللّه بهوى نفسه، فسألناه أن يعتزل لنا نفسه فلم يفعل، فاخترنا هلاكه على هلاك ديننا و دنيانا، و لا يبعد اللّه إلاّ القوم الظالمين، و قد جاءكم اللّه بأعظم الناس مكانا، و أكبرهم في الإسلام سهما، ابن عمّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، و أفقه الناس في الدين، و أقرئهم للكتاب، و أشجعهم عند اللقاء يوم البأس، و قد استنفركم فما تنتظرون؟ أ تنتظرون سعيدا [ الذي جعل سوادكم فطير قريش ]، أم الوليد الذي شرب الخمر و صلّى بكم على سكر [ الصبح أربعا ] و استباح ما حرّمه اللّه فيكم، أيّ هذين تريدون؟ قبّح اللّه من له هذا الرأي فانفروا مع ابن بنت نبيّكم. و إنّي لكم ناصح إن كنتم تعقلون( ٢) .

قال ابن أبي الحديد: قال الطبري: روى الشعبي عن أبي الطفيل، قال

____________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ١٤: ١١ ١٢.

(٢) الجمل: ٢٥٣ ٢٥٥، بتصرّف و تلخيص من الشارح، المعيار و الموازنة: ١١٧ ١٢١.

٣٣١

عليّعليه‌السلام : يأتيكم من الكوفة اثنا عشر ألف [ رجل ] و رجل واحد. قال: فو اللّه لقعدت على نجفة( ١ ) ذي قار، فأحصيتهم واحدا واحدا، فما زادوا رجلا، و لا نقصوا رجلا( ٢) .

قلت: و قال المفيد في (جمله): روى نصر بن مزاحم عن عمرو [ عمر ] بن سعد، عن الأجلح، عن زيد بن عليّ، قال: لمّا أبطأ على عليّعليه‌السلام خبر أهل الكوفة [ البصرة ] قال ابن عبّاس: أخبرت عليّاعليه‌السلام بذلك فقال لي: اسكت، فو اللّه ليأتينا في هذين اليومين من الكوفة ستّة آلاف و ستّمائة رجل، و ليغلبنّ أهل البصرة، و ليقتلنّ طلحة و الزبير. قال: فو اللّه إنّي لأستشرف الأخبار و أستقبلها، حتّى إذا أتى راكب فاستقبلته و استخبرته، فأخبرني بالعدّة التي سمعتها من عليّعليه‌السلام ، لم ينقص رجلا واحدا( ٣) .

و في (إرشاده): و قالعليه‌السلام بذي قار و هو جالس لأخذ البيعة: يأتيكم من قبل الكوفة ألف رجل، لا يزيدون رجلا و لا ينقصون رجلا، يبايعونني على الموت.

قال ابن عبّاس: فجزعت لذلك، و خفت أن ينقص القوم عن العدد أو يزيدوا عليه فيفسد الأمر علينا، فلم أزل مهموما، حتّى ورد أوائلهم، فجعلت أحصيهم فاستوفيت عددهم تسعمائة [ رجل ] و تسعة و تسعين رجلا، ثمّ انقطع مجي‏ء القوم، فقلت: إنّا للّه و إنّا إليه راجعون، ما ذا حمله على ما قال؟ فبينما أنا مفكّر في ذلك إذ رأيت شخصا قد أقبل، حتّى إذا دنا و إذا هو راجل

____________________

(١) النجف و النجفة بالتحريك: مكان لا يعلوه الماء مستطيل منقاد، و الجمع نجاف. (الصحاح ٤: ١٤٢٩، مادة:

نجف).

(٢) تاريخ الطبري ٤: ٥٠٠، سنة ٣٦، شرح ابن أبي الحديد ١٤: ٢١.

(٣) الجمل: ٢٩٣.

٣٣٢

عليه قباء صوف معه سيفه و ترسه و إداوته( ١ ) ، فقرب من أمير المؤمنينعليه‌السلام فقال: امدد يدك أبايعك. فقال عليّعليه‌السلام علام؟ قال: على القتال بين يديك حتّى أموت أو يفتح اللّه عليك. فقال له: ما اسمك؟ قال: أويس. فقالعليه‌السلام : أنت أويس القرني؟ قال: نعم. قال: اللّه أكبر أخبرني حبيبي أنّي أدرك رجلا من امّته يقال له أويس القرني، يكون من حزب اللّه و رسوله، يموت على الشهادة، يدخل في شفاعته مثل ربيعة و مضر( ٢) .

١٣ - الخطبة (١٧٤) و من كلام لهعليه‌السلام في طلحة بن عبيد اللّه( ٣) :

قَدْ كُنْتُ وَ مَا أُهَدَّدُ بِالْحَرْبِ وَ لاَ أُرَهَّبُ بِالضَّرْبِ وَ أَنَا عَلَى مَا قَدْ وَعَدَنِي رَبِّي مِنَ اَلنَّصْرِ وَ اَللَّهِ مَا اِسْتَعْجَلَ مُتَجَرِّداً لِلطَّلَبِ بِدَمِ؟ عُثْمَانَ؟ إِلاَّ خَوْفاً مِنْ أَنْ يُطَالَبَ بِدَمِهِ لِأَنَّهُ مَظِنَّتُهُ وَ لَمْ يَكُنْ فِي اَلْقَوْمِ أَحْرَصُ عَلَيْهِ مِنْهُ فَأَرَادَ أَنْ يُغَالِطَ بِمَا أَجْلَبَ فِيهِ لِيُلْبِسَ اَلْأَمْرُ وَ يَقَعَ اَلشَّكُّ.

وَ وَ اَللَّهِ مَا صَنَعَ فِي أَمْرِ؟ عُثْمَانَ؟ وَاحِدَةً مِنْ ثَلاَثٍ لَئِنْ كَانَ؟ اِبْنُ عَفَّانَ؟ ظَالِماً كَمَا كَانَ يَزْعُمُ لَقَدْ كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُؤَازِرَ قَاتِلِيهِ أَوْ أَنْ يُنَابِذَ نَاصِرِيهِ.

وَ لَئِنْ كَانَ مَظْلُوماً لَقَدْ كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَكُونَ مِنَ اَلْمُنَهْنِهِينَ عَنْهُ وَ اَلْمُعَذِّرِينَ فِيهِ

____________________

(١) الإداوة بالكسر إناء صغير من جلد يتّخذ للماء كالسطيحة و نحوها. (لسان العرب ١: ١٠٠، مادة: أدا).

(٢) الإرشاد ١: ٣١٥ ٣١٦. و أخرجه الكشّي في اختيار معرفة الرجال ١: ٣١٥.

(٣) قال الشيخ محمد عبده: في جميع النسخ المطبوعة من الكتاب «طلحة بن عبد اللّه» و في النسخة التي شرح عليها ابن أبي الحديد «طلحة بن عبيد اللّه» و هذا هو الموافق لما في كتب الصحابة في ترجمة طلحة.... (نهج البلاغة ٢: ١٠٧).

٣٣٣

وَ لَئِنْ كَانَ فِي شَكٍّ مِنَ اَلْخَصْلَتَيْنِ لَقَدْ كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَعْتَزِلَهُ وَ يَرْكُدَ جَانِباً وَ يَدَعَ اَلنَّاسَ مَعَهُ فَمَا فَعَلَ وَاحِدَةً مِنَ اَلثَّلاَثِ وَ جَاءَ بِأَمْرٍ لَمْ يُعْرَفْ بَابُهُ وَ لَمْ تَسْلَمْ مَعَاذِيرُهُ قول المصنّف: «و من كلام لهعليه‌السلام في طلحة بن عبيد اللّه» هكذا في (المصرية)( ١ ) ، و الصواب: «في معنى طلحة» لا «في طلحة» كما في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية)( ٢) .

ثم عند إخواننا كونه أحد العشرة المبشّرة مسلّم( ٣ ) ، و لو صحّ ما قالوا لكان دين الإسلام دينا متناقضا حيث إنّ هذا المبشّر قتل واحدا من العشرة، و قاتل آخر منهم و هما عندهما إمامان، و لعمري إنّه من طائفة بشّرهم اللّه بعذاب أليم على أعمالهم في كتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه...( ٤ ) و صرّح الذي شهد له من لا ينطق بالهوى بكونه مع الحقّ عملا و قولا، بكونه من أهل النار.

ففي (جمل أبي مخنف): مرّ عليّعليه‌السلام بطلحة قتيلا، فقال: أجلسوه.

فأجلس، فقال: ويل امّك طلحة لقد كان لك قدم لو نفعك و لكنّ الشيطان أظلّك فأزلّك فعجّلك إلى النار( ٥) .

____________________

(١) نهج البلاغة ٢: ١٠٧.

(٢) هكذا في شرح ابن أبي الحديد ١٠: ٣ و لكن في شرح ابن ميثم المطبوع ٣: ٣٤٤ «في طلحة بن عبيد اللّه» أيضا.

(٣) انظر الطبقات الكبرى ٣: ٣٨٣، الجرح و التعديل ٤: ٤٧١، المستدرك على الصحيحين ٣: ٣٦٤، أسد الغابة ٣: ٥٩، شرح ابن أبي الحديد ١: ٣٢٥، الإصابة ٢: ٣٢٩.

(٤) فصلت: ٤٢.

(٥) نقله عنه ابن أبي الحديد في شرح النهج ١: ٢٤٨، و قريب منه ما في الشافي ٤: ٣٤٤ و الاحتجاج ١: ١٦٣، و نقله العلاّمة المجلسي رحمه اللّه في البحار ٣٢: ٢٠٠.

٣٣٤

و في (إرشاد محمّد بن محمّد بن النعمان): مرّ عليّعليه‌السلام بطلحة، فقال:

هذا الناكث بيعتي، و المنشى‏ء الفتنة في الامّة، و المجلب عليّ، و الداعي إلى قتلي و قتل عترتي، أجلسوه. فاجلس، فقالعليه‌السلام له: يا طلحة، قد وجدت ما وعدني ربّي حقّا، فهل وجدت ما وعدك ربّك حقّا؟ إلى أن قال: فقال له بعض من كان معه: أ تكلّم كعبا و طلحة بعد قتلهما؟ فقال: أم و اللّه، لقد سمعا كلامي كما سمعوا كلام النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم بدر( ١) .

و كيف كان مبشّرا بما قالوا و لمّا أصاب السهم خنصره في أحد قال:

(حسّ) فقال النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما في (أنساب البلاذري): لو قال «بسم اللّه» و لم يقل حسّ لدخل الجنّة( ٢) .

و فاروقهم، و إن قال أوّلا: إنّ طلحة من ستّة توفّي النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و هو عنهم راض( ٣ ) ، إلاّ أنّه قال له ثانيا: أمّا إنّي أعرفك منذ أصيبت إصبعك يوم احد بالبأ و الذي حدث لك، و لقد مات النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ساخطأ عليك للكلمة التي قلتها يوم انزلت [ آية ] الحجاب و أشار إلى قول طلحة: «ما الذي يغني محمّدا [ يعنيه ] حجاب نسائه اليوم، و سيموت غدا فننكحهنّ».

قال الجاحظ: من كان يجسر أن يقول لعمر: ناقضت( ٤ ) ؟

«قد كنت و ما اهدّد بالحرب، و لا ارهب بالضرب» في (جمل المفيد):

لمّا أرسلعليه‌السلام ابن عبّاس مع مصحف إلى طلحة و الزبير و عائشة يدعوهم إلى ما فيه، نادى طلحة: ناجزوا القوم، فإنّكم لا تقومون لحجّاج ابن أبي طالب.

قال ابن عبّاس: فقلت: يا أبا محمّد، أبا لسيف تخوّف ابن أبي طالب؟ أما

____________________

(١) الإرشاد ١: ٢٥٦ ٢٥٧، الجمل: ٣٩٢، الشافي ٤: ٣٤٤، الاحتجاج ١: ١٦٣ ١٦٤، بحار الأنوار ٣٢: ٢٠٩.

(٢) أنساب الاشراف للبلاذري ١: ٣١٨، تحقيق محمد حميد اللّه، دار المعارف، مصر.

(٣) صحيح البخاري ٣: ١٣٥٥ ح ٣٤٩٧.

(٤) شرح ابن أبي الحديد ١: ١٨٥ ١٨٦، و نقله الشارح بتصرف يسير.

٣٣٥

و اللّه ليعاجلنّك السيف [ للسيف ]( ١) .

و تهديد طلحة لهعليه‌السلام بالحرب و الضرب مضحك.

و في (الطبري): قال الزبير بن الحريث [ الخرّيث ]: قلت لأبي لبيد: لم تسبّ عليّا؟ قال: ألا أسبّ رجلا قتل منّا في الجمل ألفين و خمسمائة، و الشمس ها هنا؟ و قال ابن أبي يعقوب: قتل عليّعليه‌السلام يوم الجمل ألفين و خمسمائة رجل، ألف و ثلثمائة و خمسون من الأزد، و ثمانمائة من بني ضبّة، و ثلاثمائة و خمسون من سائر الناس( ٢) .

و في (خلفاء ابن قتيبة): شقّ عليّعليه‌السلام يوم الجمل في عسكر القوم يطعن و يقتل بعد أخذه الراية من ابنه محمّد، ثمّ خرج و هو يقول: الماء الماء. فأتاه رجل بإداوة فيها عسل، و قال له: لا يصلح لك الماء في هذا المقام. فقالعليه‌السلام له:

هات، فحسا منه حسوة، ثمّ قال له: إنّ عسلك لطائفي. فقال له الرجل: عجبا منك و اللّه لمعرفتك الطائفي من غيره في هذا اليوم، و قد بلغت القلوب الحناجر فقالعليه‌السلام له: يا بن أخي، ما ملأ صدر عمّك شي‏ء و لا أهابه شي‏ء، ثمّ أعطى الراية لابنه، و قال له: هكذا فاصنع( ٣) .

و في (المروج): لمّا أخذ عليّعليه‌السلام في الجمل الراية من ابنه محمّد، حمل و حمل معه الناس، فما كان القوم إلاّ... كرمادٍ اشتدّت به الريح في يومٍ عاصفٍ...( ٤) .

و فيه: نادى عليّعليه‌السلام يا زبير، اخرج إليّ. فخرج شاكّا( ٥ ) في سلاحه، فقيل

____________________

(١) الجمل: ٣٣٦ ٣٣٧، و نقله الشارح بتصرّف.

(٢) تاريخ الطبري ٤: ٥٤٥، سنة ٣٦.

(٣) الإمامة و السياسة ١: ٧٦، و نقله الشارح بتصرّف و تلخيص.

(٤) مروج الذهب ٢: ٣٧٥، و الآية ١٨ من سورة إبراهيم.

(٥) الشاكّ في السلاح: هو اللابس للسلاح التامّ. (الصحاح ٤: ١٥٩٤، مادة: شكك).

٣٣٦

لعائشة، فقالت: و احرباه لأسماء فقيل لها: إنّ عليّا حاسر. فاطمأنت( ١) .

و في (خلفاء ابن قتيبة): ذكروا أنّ عبد اللّه بن أبي محجن الثقفي قدم على معاوية، و قال له: إنّي أتيتك من عند العيي [ الغبيّ ] البخيل الجبان ابن أبي طالب. فقال له معاوية: للّه أنت تدري ما قلت؟ أمّا قولك: العيي [ الغبيّ ]، فو اللّه لو أنّ ألسن الناس جمعت فجعلت لسانا واحدا لكفاها لسان عليّ و أمّا قولك: إنّه بخيل، فو اللّه لو كان له بيتان أحدهما من تبر و الآخر من تبن، لأنفد تبره قبل تبنه و أمّا قولك: إنّه جبان، فثكلتك امّك هل رأيت أحدا بارزه إلاّ قتله؟ فقال الثقفي: فعلام تقاتله إذن؟ قال: على دم عثمان، و على هذا الخاتم الذي جعله في يده جازت طينته، و أطعم عياله، و ادّخر لأهله. فضحك الثقفي ثمّ لحق بعليّعليه‌السلام ، و قال له: لا دنيا أصبت، و لا آخرة غنمت. فضحك عليّعليه‌السلام ثمّ قال له: أنت على رأس أمرك...( ٢) .

و في (صفّين نصر): ذكروا أنّ عتبة بن أبي سفيان، و الوليد بن عقبة، و مروان بن الحكم، و عبد اللّه بن عامر، و ابن طلحة الطلحات اجتمعوا عند معاوية، فقال عتبة: إنّ أمرنا و أمر عليّ لعجيب، ليس منّا إلاّ موتور أمّا أنا فقتل جدّي، و أشرك في دم عمومتي يوم بدر و أمّا أنت يا وليد فقتل أباك، و أيتم إخوتك و أمّا أنت يا مروان فكما قال الأوّل:

و أفلتهنّ علباء جريضا

و لو أدركنه صفر الوطاب( ٣)

فقال لهم معاوية: فهذا الإقرار و أين الغير( ٤ ) ؟ قال مروان: أيّ غير تريد؟

____________________

(١) مروج الذهب ٢: ٣٧١.

(٢) الإمامة و السياسة ١: ١١٤ ١١٥.

(٣) قال في هامش المصدر: ٤١٧: البيت لامرى‏ء القيس، و علباء هذا هو قاتل والد امرى‏ء القيس، و هو علباء بن حارث الكاهلي: و الجريض: الذي يأخذ بريقه. صفر و طابه: قتل.

(٤) الغير: جمع غيور، و الغيور فحول من الغيرة، و هي الحميّة و الأنفة. (تاج العروس ١٣: ٢٨٨، مادة: غير).

٣٣٧

قال: أريد أن يشجر بالرماح. فقال له: و اللّه إنّك لهازل، أو لقد ثقلنا عليك.

و قال الوليد:

يقول لنا معاوية بن حرب

أما فيكم لواتركم طلوب

يشدّ على أبي حسن عليّ

بأسمر لا تهجّنه الكعوب

فيهتك مجمع اللبّات منه

و نقع القوم مطّرد يثوب

فقلت له أ تلعب يا بن هند

كأنّك وسطنا رجل غريب

أ تأمرنا بحيّة بطن واد

إذا نهشت فليس لها طبيب؟

و ما ضبع يدبّ ببطن واد

أتيح له به أسد مهيب

بأضعف حيلة منّا إذا ما

لقيناه و ذا منّا عجيب

و ما لاقاه في الهيجاء لاق

فأخطأ نفسه الأجل القريب

سوى عمرو وقته خصيتاه

نجا و لقلبه منها وجيب

كأنّ القوم لمـّا عاينوه

خلال النقع ليس لهم قلوب( ١)

و فيه: قال جابر بن نمير [ عمير ] الأنصاري قال: لا و اللّه الذي بعث محمّداصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالحقّ نبيّا، ما سمعنا برئيس قوم منذ خلق اللّه السماوات و الأرض أصاب بيده في يوم واحد ما أصاب عليّعليه‌السلام ، إنّه قتل فيما ذكر العادّون زيادة على خمسمائة من أعلام العرب، يخرج بسيفه منحنيا، فيقول:

معذرة إلى اللّه عزّ و جلّ و إليكم من هذا، لقد هممت أن أفلقه [ أصقله ] و لكن حجزني عنه أنّي سمعت الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول كثيرا: «لا سيف إلاّ ذو الفقار و لا فتى إلاّ عليّ». و أنا اقاتل به دونه، فكنّا نأخذه فنقوّمه ثمّ يتناوله من أيدينا فيتقحّم به في عرض الصفّ، و لا و اللّه ما ليث بأشدّ نكاية في عدوّه منهعليه‌السلام ( ٢) .

____________________

(١) وقعة صفين: ٤١٧ ٤١٨.

(٢) وقعة صفين: ٤٧٧ ٤٧٨، شرح ابن أبي الحديد ٢: ٢١٠ ٢١١.

٣٣٨

«و أنا على ما قد وعدني» هكذا في (المصرية)( ١ ) ، و الصواب: «ما وعدني» كما في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم)( ٢) .

«ربّي من النصر» و هذا يدلّ على أنّهعليه‌السلام كان موعودا من اللّه تعالى بالظفر على أهل الجمل. و مرّ أنّهعليه‌السلام لمّا مرّ على طلحة قتيلا قال: أجلسوه.

فاجلس. فقالعليه‌السلام له: يا طلحة، قد وجدت ما وعدني ربّي حقّا، فهل وجدت ما وعدك ربّك حقّا؟( ٣ ) و روى النعماني في (غيبته) عن الصادقعليه‌السلام قال: لمّا التقى أمير المؤمنينعليه‌السلام و أهل البصرة نشر راية النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فتزلزلت أقدامهم فما اصفرت الشمس حتّى قالوا: آمنّا يا بن أبي طالب فعند ذلك قال: لا تقتلوا الاسراء، و لا تجهزوا على جريح، و لا تتبعوا مولّيا، و من ألقى سلاحه فهو آمن، و من أغلق بابه فهو آمن، و لمّا كان يوم صفّين سألوه نشر الراية فأبى عليهم فتحمّلوا عليه بالحسنينعليهما‌السلام ، و عمّار، فقالعليه‌السلام : إنّ للقوم مدّة يبلغونها، و إنّ هذه راية لا ينشرها بعدي إلاّ القائم( ٤) .

«و اللّه ما استعجل [ طلحة ] متجرّدا للطلب بدم عثمان إلاّ خوفا من أن يطالب بدمه لأنّه مظنّته». في (العقد): لمّا رأى مروان يوم الجمل طلحة، قال: لا أنتظر بعد اليوم بثأري في عثمان، فانتزعه بسهم فقتله( ٥) .

و في (الاستيعاب): كان مروان مع طلحة يوم الجمل، فلمّا اشتبكت الحرب قال مروان: لا أطلب بثأري بعد اليوم، ثمّ رماه بسهم فأصاب ركبته

____________________

(١) نهج البلاغة ٢: ١٠٧.

(٢) هكذا في شرح ابن أبي الحديد ١٠: ٣، و لكن في شرح ابن ميثم المطبوع ٣: ٣٤٤ «ما قد وعدني» أيضا.

(٣) الإرشاد ١: ٢٥٦، و الجمل للمفيد: ٣٩٢، الشافي ٤: ٣٤٤، الاحتجاج ١: ١٦٣.

(٤) كتاب الغيبة: ٣٠٧.

(٥) العقد الفريد ٥: ٧٠.

٣٣٩

فما رقأ الدم حتّى مات، فالتفت مروان إلى أبان بن عثمان، فقال: قد كفيناك بعض قتلة أبيك( ١) .

«و لم يكن في القوم أحرص عليه» أي: على قتل عثمان.

«منه» أي: من طلحة قال ابن أبي الحديد: روى الطبري عن ابن عبّاس، قال: لمّا حججت بالناس نيابة عن عثمان و هو محصور، مررت بعائشة بالصّلصل( ٢ ) ، فقالت: يا ابن عباس، انشدك اللّه، فإنّك قد اعطيت لسانا و عقلا، أن تخذّل الناس عن طلحة فقد بانت لهم بصائرهم في عثمان، و رفعت لهم المنار، و تحلّبوا من البلدان لأمر قد حمّ، و إنّ طلحة فيما بلغني قد اتّخذ رجالا على بيوت الأموال و الخزائن، و أظنّه يسير بسيرة ابن عمّه أبي بكر. فقلت: يا أمّه، لو حدث بالرجل حدث ما فزع الناس إلاّ إلى صاحبنا. فقالت: إيها عنك يا بن عبّاس إنّي لست اريد مكابرتك و لا مجادلتك( ٣) .

قال: و روى المدائني في كتاب (مقتل عثمان): أنّ طلحة منع من دفنه ثلاثة أيّام، و أنّ عليّاعليه‌السلام لم يبايعه [ لم يبايع ] الناس إلاّ بعد قتل عثمان بخمسة أيّام، و أنّا حكيم بن حزام، و جبير بن مطعم استنجدا بعليّعليه‌السلام على دفنه، فأقعد لهم طلحة في الطريق ناسا بالحجارة، فخرج به نفر يسير من أهله و هم يريدون به حائطا بالمدينة يعرف بحشّ كوكب( ٤ ) ، كانت اليهود تدفن موتاهم فيه، فلمّا صار هناك رجم سريره، و همّوا بطرحه فأرسل عليّعليه‌السلام إلى الناس

____________________

(١) الاستيعاب بهامش الإصابة ٢: ٢٢٣.

(٢) صلصل: بنواحي المدينة على سبعة أميال منها، نزل بها رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم خرج من المدينة إلى مكّة عام الفتح.

(معجم البلدان ٣: ٤٢١).

(٣) تاريخ الطبري ٤: ٤٠٧، سنة ٣٥، شرح ابن أبي الحديد ١٠: ٦.

(٤) حشّ كوكب: موضع عند بقيع الغرقد، اشتراه عثمان بن عفّان، و زاده في البقيع، و لمّا قتل القي فيه ثمّ دفن في جنبه. (معجم البلدان ٢: ٢٦٢).

٣٤٠