بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٩

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة0%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 607

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

مؤلف: الشيخ محمد تقي التّستري
تصنيف:

الصفحات: 607
المشاهدات: 53949
تحميل: 4255


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 607 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 53949 / تحميل: 4255
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 9

مؤلف:
العربية

دفن الحسنعليه‌السلام عند جدّه( ١) .

و روى الواقدي كما في (جمل المفيد): أنّ أبا بكرة أقبل يريد أن يدخل مع طلحة و الزبير، فلمّا رأى تدبير عايشة لهما رجع عنهما و قال: سمعت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: و قد ذكر ملكة سبأ لا أفلح قوم تدبرهم امرأة( ٢) .

«و الشبهة المغدقة» أي: الوسيعة الغزيرة.

«و إنّ الأمر لواضح و قد زاح» من زاح يزيح أي: بعد و ذهب.

«الباطل عن نصابه» أي: أصله.

«و انقطع لسانه عن شغبه» أي: تهييجه للشر في (جمل المفيد): لمّا سارعليه‌السلام من ذي قار قدّم صعصعة بكتاب إلى طلحة و الزبير و عايشة يعظّم عليهم حرمة الاسلام، و يخوفهم في ما صنعوا من قتل من قتلوا و يدعوهم إلى الطاعة قال صعصعة: فبدأت بطلحة و أعطيته الكتاب، فقال: الآن حين عض ابن أبي طالب الحرب ترقق لنا. ثم جئت إلى الزبير فوجدته ألين من طلحة، ثم جئت إلى عايشة فوجدتها أسرع الناس إلى الشّرّ، فقالت: نعم قد خرجت للطلب بدم عثمان و اللّه لأفعلن و أفعلن. فعدت فلقيتهعليه‌السلام قبل أن يدخل البصرة فقال لي: ما وراءك؟ قلت: رأيت قوما لا يريدون إلاّ قتالك. قال: اللّه المستعان.

ثم دعا ابن عباس و قال له: انطلق إليهم و ذكّرهم العهد الذي في رقابهم.

قال: فبدأت بطلحة فقال: لقد بايعت و اللج على رقبتي. قال: فقلت: أنا رأيتك بايعت طائعا، أو لم يقل لك قبل بيعتك إن أحببت أبايعك؟ فقلت: لا بل نحن نبايعك. فقال: إنّما قال ذلك لي و قد بايعه قوم فلم أستطع خلافهم، أما علمت أنّي جئت إليه و الزبير و لنا من الصحبة ما لنا و القدم في الإسلام، و قد أحاط به

____________________

(١) صحيح البخاري ٨: ٩٥، صحيح مسلم ٨: ١٨١.

(٢) الجمل للمفيد: ٢٩٧، و قريب منه ما في تلخيص الشافي ٤: ١٦٤، و شرح ابن أبي الحديد ٦: ٢٢٧.

٣٨١

الناس قياما على رأسه بالسيف فقال لنا يهزل: إن أحببتما بايعت لكما. فلو قلنا: نعم، أفتراه يفعل و قد بايع الناس له، يخلع نفسه و يبايعنا، لا و اللّه ما كان يفعل و حتى ان يغرى بنا من لا يرى لنا حرمة فبايعناه كارهين، و قد جئنا نطلب بدم عثمان، فقل لابن عمّك: إن يريد حقن الدماء و إصلاح أمر الامّة فليمكّنّا من قتلة عثمان، فهم معه، و يخلع نفسه و يرد الأمر ليكون شورى، و إن أبى أعطيناه السيف. قال: فقلت له: لست تنصف، ألم تعلم أنّك حصرت عثمان حتّى مكث عشرة أيام يشرب ماء بئره، حتى كلّمك عليعليه‌السلام في أن تخلّي الماء له و أنت تأبى ذلك، و لمّا رأى أهل مصر فعلك و أنت من الصحابة، دخلوا عليه بسلاحهم فقتلوه؟

ثمّ بايع الناس رجلا له من السابقة و الفضل و القرابة من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و البلاء العظيم ما لا يدفع، و جئت أنت و صاحبك طائعين غير مكرهين حتى بايعتما ثم نكثتما، فعجب و اللّه إقرارك لأبي بكر و عمر و عثمان بالبيعة، و وثبك على عليّعليه‌السلام ، فو اللّه ما عليعليه‌السلام دون أحد منكم، و أمّا قولك: يمكّنني من قتلة عثمان. فما يخفى عليك من قتل عثمان؟ و أمّا قولك: إن أبى عليّ فالسيف. فو اللّه إنّك لتعلم أنّ عليّاعليه‌السلام لا يتخوّف. فقال طلحة: دعنا من جدالك. فخرجت إلى عليعليه‌السلام و قد دخل البيوت، فقال: ما وراءك؟ فأخبرته، فقال:... اللهمّ افتح بيننا و بين قومنا و أنت خير الفاتحين( ١) .

قولهعليه‌السلام في الثالث: «و ايم اللّه لأفرطن» من (أفرطت المزادة ملاتها).

«لهم حوضا» قال العماني:

و ابن السقاة إذا الحجيج تفارطوا

حوضا بمكة واسع الأركان

«أنا ماتحه» أي: مستقيه، و الماتح: الذي ينزع الدلو، و بئر متوح: قريبة

____________________

(١) الجمل للمفيد: ٣١٤ ٣١٦، و نقله الشارح بتصرّف، و الآية ٨٩ من سورة الأعراف.

٣٨٢

المنزع كأنها تمتح بنفسها.

«لا يصدرون عنه و لا يعودون إليه» و قولهعليه‌السلام في الثاني. «و أيم اللّه لأفرطن حوضا أنا ماتحه لا يصدرون بري» في (الصحاح): يقال: من أين ريتكم مفتوحة الراء أي: من أين ترتوون الماء( ١ ) ؟

«و لا يعبّون» العب: شرب الماء بغير مص.

«بعده في حسي» بالكسر قال الجوهري: الحسي: ما تنشفه الأرض من الرمل فإذا صار إلى صلابة امسكته، فيحفر عنه الرمل فيستخرج( ٢) .

في (العقد): كان عدي بن حاتم فقئت عينه يوم الجمل فقال له ابن الزبير:

متى فقئت عينك؟ قال: يوم قتل أبوك و هربت عن خالتك، و أنا للحق ناصر و أنت له خاذل( ٣) .

و روى الجاحظ: أنّ الحسنعليه‌السلام دخل على معاوية و عنده ابن الزبير، و كان معاوية يحب أن يغري بين قريش، فقال: يا أبا محمّد أيّهما أكبر سنّا عليّعليه‌السلام أم الزبير؟ فقالعليه‌السلام : ما أقرب بينهما و عليعليه‌السلام أسنّ من الزبير رحم اللّه عليا. فقال ابن الزبير: رحم اللّه الزبير و هناك أبو سعيد بن عقيل فقال: يا عبد اللّه و ما يهيجك من أن يترحّم الرجل على أبيه؟ قال: و أنا أيضا ترحمت على أبي. قال: أ تظنّه ندا له و كفوا؟ قال: و ما يقعد به من ذلك، كلاهما من قريش، كلاهما دعا إلى نفسه و لم يتم له. قال: دع ذا يا عبد اللّه إنّ عليّاعليه‌السلام من قريش و من الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيث تعلم، و لمّا دعا إلى نفسه اتبع فيه و كان رأسا. و دعا الزبير إلى أمر كان الرأس فيه امرأة، و لما تراءت الفئتان نكص على عقبيه

____________________

(١) الصحاح ٦: ٢٣٦٤، مادة: (روى).

(٢) الصحاح ٦: ٢٣١٣، مادة: (حسا).

(٣) العقد الفريد ٤: ١٢٠.

٣٨٣

و ولى مدبرا قبل أن يظهر الحقّ فيأخذه الحق، أو يدحض الباطل فيتركه، فأدركه رجل لو قيس ببعض أعضائه لكان أصغر، فضرب عنقه و أخذ سلبه و جاء برأسه، و مضى عليعليه‌السلام قدما كعادته مع ابن عمه الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رحم اللّه عليا. فقال ابن الزبير: أما لو غيرك يا أبا سعيد تكلّم بهذا لعلم، فقال: إنّ الذي تعرض به يعني الحسنعليه‌السلام يرغب عنك.

و اخبرت عايشة بمقالتهم، و مر أبو سعيد بفنائها، فنادته: أنت القائل لابن اختي كذا؟ فالتفت أبو سعيد فلم ير شيئا، فقال: إنّ الشيطان يراك و لا تراه. فضحكت و قالت: للّه أبوك ما أذلق لسانك( ١) .

و روى كتاب مصعب إلى عبد الملك و جواب عبد الملك له، و في جوابه: ثم دعا الناس إلى علي و بايعه أبوك، فلما دانت له امور الامّة، و أجمعت له الكلمة أدركه الحسد القديم لبني عبد مناف، فنقض عهده و نكث بيعته بعد توكيدها، ففكّر و قدر و قتل كيف قدر، و مزّقت لحمه السباع بوادي الضباع( ٢) .

و في (الطبري) عن ابن عباس قال: خرج أصحاب الجمل في ستمائة معهم عبد الرحمن بن أبي بكرة و عبد اللّه بن صفوان الجمحي، فلمّا جازوا بئر ميمون إذا هم بجزور قد نحرت، و نحرها ينثعب فتطيروا( ٣) .

و في (خلفاء ابن قتيبة): أنّ علياعليه‌السلام دعا طلحة و الزبير و أتمّ عليهما الحجّة، ثم سئلعليه‌السلام بم كلمتهما؟ فقالعليه‌السلام : إنّ شأنهما لمختلف، أمّا الزبير فزاده اللجاج و لن يقاتلكم، و أمّا طلحة فسألته عن الحق فأجابني بالباطل، و لقيته باليقين فلقيني بالشك، فو اللّه ما نفعه حقي و لا ضرّني باطله، مقتول غدا

____________________

(١) نقله ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ١١: ١٩ ٢٠.

(٢) نقله ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ١١: ١٨ ١٩، و نقله الشارح بتلخيص.

(٣) تاريخ الطبري ٤: ٤٥٤، سنة ٣٦.

٣٨٤

في الرعيل الأوّل( ١) .

و روى أبو مخنف عن جندب بن عبد اللّه قال: مررت بطلحة و معه عصابة يقاتل بهم، و قد فشت فيهم الجراح و كثرهم الناس، فرأيته جريحا و السيف في يده و أصحابه يتصدعون عنه رجلا فرجلا و اثنين فاثنين، و هو يقول: الصبر الصبر فإن بعد الصبر النصر و الأجر. فقلت له: النجا ثكلتك امّك، فو اللّه ما اجرت و لا نصرت، و لكنّك هزمت و خسرت. ثم صحت بأصحابه فانزعروا عنه إلى أن قال: قلت له: و إنّ دمك لحلال...( ٢) .

و روى المدائني قال: لمّا أدبر طلحة و هو جريح يرتاد منزلا، و جعل يقول لمن يمرّ به من أصحاب عليعليه‌السلام : أنا طلحة من يجيرني يكررها.

فكان الحسن البصري إذا ذكر ذلك قال: لقد كان في جوار عريض( ٣) .

و روى الكلبي: أنّ العرق الذي أصابه السهم من طلحة إذا أمسكه بيده استمسك، و إذا رفع يده عنه سال، فقال طلحة: هذا سهم أرسله اللّه، و كان أمر اللّه قدرا مقدورا، ما رأيت كاليوم دم قرشي أضيع. و كان الحسن البصري إذا حكي له هذا يقول: ذق عقق( ٤) .

هذا و في (الأغاني): نهض النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في بدر بإشارة الحباب بن منذر عليه بأن يأتي أدنى ماء من مياه القوم ينزله و يعوّر( ٥ ) ما سواه من القلب، ثم يبني عليه حوضا فيملؤه ماء، ثم يقاتلهم فيشرب و لا يشربون و فعل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما قال فأقبل نفر من قريش حتى وردوا الحوض إلى أن قال:

____________________

(١) الإمامة و السياسة ١: ٧١ ٧٢، و نقله الشارح بتصرّف و تلخيص.

(٢) أورده ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ٩: ١١٤ ١١٥.

(٣) المصدر نفسه ٩: ١١٥.

(٤) المصدر نفسه ٩: ١١٤.

(٥) عوّر عين الركيّة إذا كبسها و أفسدها حتّى نضب الماء. (أساس البلاغة: ٣١٦، مادة: عور).

٣٨٥

و خرج الأسود بن عبد الأسد المخزومي حين الحرب، فقال: أعاهد اللّه لأشربنّ من حوضهم أو لأهدمنّه أو لأموتنّ دونه.

فلما خرج خرج له حمزة( ١ ) فلمّا التقيا ضربه حمزة فأبان قدمه بنصف ساقه و هو دون الحوض، فوقع على ظهره، تشخب( ٢ ) رجله دما، ثم حبا إلى الحوض حتى اقتحم فيه يريد أن يبرّ يمينه، و أتبعه حمزة فضربه حتى قتله في الحوض( ٣) .

١٦ - الكتاب (٥٥) و من كتاب لهعليه‌السلام إلى معاوية:

أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ اَللَّهَ سُبْحَانَهُ قَدْ جَعَلَ اَلدُّنْيَا لِمَا بَعْدَهَا وَ اِبْتَلَى فِيهَا أَهْلَهَا لِيَعْلَمَ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَ لَسْنَا لِلدُّنْيَا خُلِقْنَا وَ لاَ بِالسَّعْيِ فِيهَا أُمِرْنَا وَ إِنَّمَا وُضِعْنَا فِيهَا لِنُبْتَلَي بِهَا وَ قَدِ اِبْتَلاَنِي اَللَّهُ بِكَ وَ اِبْتَلاَكَ بِي فَجَعَلَ أَحَدَنَا حُجَّةً عَلَى اَلْآخَرِ فَعَدَوْتَ عَلَى اَلدُّنْيَا بِتَأْوِيلِ؟ اَلْقُرْآنِ؟ فَطَلَبْتَنِي بِمَا لَمْ تَجْنِ يَدِي وَ لاَ لِسَانِي وَ عَصَبْتَهُ أَنْتَ وَ أَهْلُ؟ اَلشَّامِ؟ بِي وَ أَلَّبَ عَالِمُكُمْ جَاهِلَكُمْ وَ قَائِمُكُمْ قَاعِدَكُمْ فَاتَّقِ اَللَّهَ فِي نَفْسِكَ وَ نَازِعِ اَلشَّيْطَانَ قِيَادَكَ وَ اِصْرِفْ إِلَى اَلْآخِرَةِ وَجْهَكَ فَهِيَ طَرِيقُنَا وَ طَرِيقُكَ وَ اِحْذَرْ أَنْ يُصِيبَكَ اَللَّهُ مِنْهُ بِعَاجِلِ قَارِعَةٍ تَمَسُّ اَلْأَصْلَ وَ تَقْطَعُ اَلدَّابِرَ فَإِنِّي أُولِي لَكَ بِاللَّهِ أَلِيَّةً غَيْرَ فَاجِرَةٍ لَئِنْ جَمَعَتْنِي وَ إِيَّاكَ جَوَامِعُ اَلْأَقْدَارِ لاَ أَزَالُ بِبَاحَتِكَ حَتَّى يَحْكُمَ

____________________

(١) هو حمزة بن عبد المطلّب.

(٢) شخب المائع: درّ و سال. المصباح المنير ١: ٣٦٩، مادة: (شخب).

(٣) الأغاني ٤: ١٨٣ ١٨٩، سيرة ابن هشام ٢: ٢٧٢ ٢٧٧، بتصرّف و تلخيص من الشارح.

٣٨٦

اَللَّهُ بَيْنَنا وَ هُوَ خَيْرُ اَلْحاكِمِينَ ١٥ ٢٢ ٧: ٨٧ «أمّا بعد فإن اللّه سبحانه قد جعل» هكذا في (المصرية)( ١ ) ، و الصواب:

(جعل) كما في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية)( ٢ ) ، إلاّ أنّ المصرية جعلت (قد) بين قوسين، و هو دأبها فيما تأخذه من (شرح ابن أبي الحديد) و ليس فيه، و لعل نسختها كانت مشتملة عليه.

«الدنيا لما بعدها» لأنّها مزرعتها و متزودتها.

«و ابتلى فيها أهلها ليعلم أيّهم أحسن عملا» الذي خلق الموت و الحياة ليبلوكم أيّكم أحسن عملا...( ٣) .

«و لسنا للدنيا خلقنا و لا بالسعي فيها» أي: لها.

«امرنا» بل بالسعي للآخرة... و ابتغ فيما آتاك اللّه الدار الآخرة و لا تنس نصيبك من الدنيا...( ٤) .

«و قد ابتلاني اللّه بك» هكذا في (المصرية)( ٥ ) ، و الصواب: (و قد ابتلاني بك) كما في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية)( ٦ ) ، و الضمير راجع إلى اللّه في قوله: «فإن اللّه».

«و ابتلاك بي» كابتلاء موسى بفرعون و فرعون بموسى و محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأبي جهل و أبي جهل بمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

«فجعل أحدنا حجّة على الآخر» كون المعصوم حجّة على الناس يجب عليهم

____________________

(١) نهج البلاغة ٣: ١٢٣.

(٢) شرح ابن أبي الحديد ١٧: ١٣٥، شرح ابن ميثم ٥: ١٩٠.

(٣) الملك: ٢.

(٤) القصص: ٧٧.

(٥) نهج البلاغة ٣: ١٢٣.

(٦) في شرح ابن أبي الحديد ١٧: ١٣٥ و شرح ابن ميثم ٥: ١٩٠: «و قد ابتلاني اللّه بك» أيضا.

٣٨٧

اتباعه معلوم، و أمّا كون غيره حجّة عليه فبمعنى أنّه إن سكت عن عطفه إلى الحق و كفّه عن الباطل يكن مؤاخذا عند اللّه.

روى الكّشّي في أبي الخطاب عن مصادف قال: دخلت على أبي عبد اللّهعليه‌السلام لمّا لبى القوم الذين لبوا بالكوفة لهعليه‌السلام ، فأخبرته بذلك فخّر ساجدا و دق جؤجؤه بالأرض و بكى و يقول: بل عبدقنّ صاغر مرارا كثيره ثمّ رفع رأسه و دموعه تسيل على لحيته، فقلت: جعلت فداك و ما عليك أنت من ذا؟

فقال: يا مصادف إنّ عيسىعليه‌السلام لو سكت عمّا قالت النصارى فيه، لكان حقّا على اللّه أن يصمّ سمعه و يعمي بصره، و لو سكت عمّا قال فيّ أبو الخطاب لكان حقّا على اللّه أن يصمّ سمعي و يعمي بصري( ١) .

«فعدوت على الدنيا» هكذا في (المصرية)( ٢ ) ، و الصواب: (على طلب الدنيا) كما في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية)( ٣ ) قال ابن أبي الحديد:

«عدوت» بمعنى: تعديت و ظلمت. و «على الدنيا»: متعلّق بمحذوف، أي:

مثابرا على طلب الدنيا( ٤) .

قلت: بل الظاهر أنّ «عدوت» هنا من قولهم (ذئب عدوان)، أي: يعدو على الناس فلا يحتاج إلى تقدير.

«بتأويل القرآن» قال ابن أبي الحديد: أرادعليه‌السلام به ما كان يموّه به معاوية على أهل الشام بأنّه ولي عثمان، و قال تعالى:... و من قتل مظلوما فقد جعلنا لوليّه سلطانا...( ٥ ) ، ثم يعدهم الظفر على العراق بقوله تعالى:

____________________

(١) اختيار معرفة الرجال (رجال الكشّي) ٢: ٥٨٧ ٥٨٨ ح ٥٣١.

(٢) نهج البلاغة ٣: ١٢٣.

(٣) هكذا في شرح ابن أبي الحديد ١٧: ١٣٥، و لكن في شرح ابن ميثم المطبوع ٥: ١٩٠ «على الدّنيا» أيضا.

(٤) شرح ابن أبي الحديد ١٧: ١٣٦.

(٥) الإسراء: ٣٣.

٣٨٨

فلا يسرف في القتل إنّه كان منصورا( ١) .

قلت: و مع ذلك أشارعليه‌السلام إلى قوله تعالى:... فأمّا الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة و ابتغاء تأويله...( ٢) .

و في (صفين نصر): أنّ عمّارا قام بصفين فقال: امضوا عباد اللّه إلى قوم يطلبون في ما يزعمون بدم الظالم لنفسه، الحاكم على عباد اللّه بغير ما في كتاب اللّه، إنّما قتله الصالحون المنكرون للعدوان، الآمرون بالإحسان، فقال هؤلاء الذين لا يبالون إذا سلمت لهم دنياهم لو درس هذا الدين: لم قتلتموه؟ فقلنا: لأحداثه. فقالوا: ما أحدث شيئا، و ذلك لأنّه مكّنهم من الدنيا، فهم يأكلونها و يرعونها و لا يبالون لو انهدت عليهم الجبال، و اللّه ما أظنّهم يطلبون اللّه، إنّهم ليعلمون إنّه لظالم، و لكن القوم ذاقوا الدنيا فاستحبوها و استمرؤوها، و علموا لو أنّ الحق لزمهم لحال بينهم و بين ما يرعون فيه منها، و لم يكن للقوم سابقة في الإسلام يستحقون بها الطاعة و الولاية، فخدعوا أتباعهم بأن قالوا: قتل إمامنا مظلوما ليكونوا بذلك جبابرة و ملوكا، و تلك مكيدة قد بلغوا بها ما ترون، و لو لا هي ما بايعهم من الناس رجلان( ٣) .

«فطلبتني بما لم تجن» بكسر النون، من (جنى يجني) من الجناية.

«يدي» بمباشرة لقتل.

«و لا لساني» بالأمر لآخر بالقتل، و معلوم أنّهعليه‌السلام لم يباشره، و لا أمر به كما فعل طلحة و الزبير، بل جلس في بيته و اعتزل الناس. و لمّا خدع معاوية

____________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ١٧: ١٣٦، و الآية ٣٣ من سورة الاسراء.

(٢) آل عمران: ٧.

(٣) وقعة صفّين: ٣١٩.

٣٨٩

شرحبيل و هيّأ له رجالا يشهدون عنده أن علياعليه‌السلام قتل عثمان، كتب جرير إلى شرحبيل أبياتا منها:

و قال ابن هند في عليّ عضيهة

و للّه في صدر ابن أبي طالب أجل

و ما لعليّ في ابن عفّان سقطة

بأمر و لا جلب عليه و لا قتل

و ما كان إلاّ لازما قعر بيته

إلى أن أتى عثمان في بيته الأجل

فمن قال قولا غير هذا فحسبه

من الزور و البهتان قول الذي احتمل

وصيّ رسول اللّه من دون أهله

و فارسه الأولى به يضرب المثل( ١)

«و عصبته» أي: شددته.

«أنت و أهل الشام بي» في (صفين نصر): بعث معاوية الى عمرو بن العاص و قال له: إنّي أدعوك الى جهاد هذا الرجل الذي قتل الخليفة، و أظهر الفتنة و فرّق الجماعة و قطع الرحم. قال عمرو: إلى جهاد من؟ قال: إلى جهاد علي.

فقال عمرو: و اللّه يا معاوية ما أنت و علي بعكمى بعير( ٢ ) ، مالك هجرته و لا سابقته و لا صحبته و لا جهاده و لا فقهه و لا علمه، و لكن لك مع ذلك جدّا و جدودا و حظّا و حظوة، فما تجعل لي إن شايعتك على حربه، و أنت تعلم ما فيه من الغرر و الخطر؟ قال: حكمك. قال: مصر طعمة إلى أن قال: فقال له عمرو إنّ رأس أهل الشام شرحبيل بن السمط الكندي، و هو عدوّ جرير الذي أرسله علي إليك، فأرسل إليه و وطّن له ثقاتك، فليفشوا في الناس أنّ عليّا قتل عثمان، و ليكونوا أهل الرضا عند شرحبيل، فإنّها كلمة جامعة لك أهل الشام على ما تحب، و أن تعلّق بقلبه لم يخرجه شي‏ء أبدا.

____________________

(١) وقعة صفّين: ٤٦ ٤٩.

(٢) العكمان: عدلان يشدّان على جانبي الهودج بثوب، و من أمثالهم قولهم: هما كعكمي البعير. يقال: للرجلين يتساويان في الشرف. لسان العرب ٩: ٣٤٤، مادة: (عكم).

٣٩٠

فكتب معاوية الى شرحبيل: أنّ جريرا قدم علينا من عند علي بأمر فظيع فاقدم. و دعا يزيد بن أسد و بسر بن أرطاة و عمر بن سفيان و مخارق بن الحرث و حمزة بن مالك و حابس بن سعد و هم رؤساء قحطان و اليمن، و كانوا ثقات معاوية و خاصته و بني عمّ شرحبيل فأمرهم أن يلقوه و يخبروه أنّ عليا قتل عثمان، فلما قدم قال له معاوية: إنّ جريرا يدعونا إلى بيعة عليّ، و عليّ خير الناس لو لا أنّه قتل عثمان و حبست نفسي عليك، و إنّما أنا رجل من أهل الشام، أرضى ما رضوا و أكره ما كرهوا. فقال شرحبيل: أنا أخرج فانظر. فخرج فلقيه هؤلاء النفر الموطئون له، فكلّهم يخبره أنّ عليا قتل عثمان. فخرج مغضبا إلى معاوية، فقال: يا معاوية أبى الناس إلاّ أنّ عليا قتل عثمان. و اللّه لئن بايعت له لنخرجنّك من الشام أو لنقتلنّك. قال معاوية: ما كنت لاخالف عليكم، إن أنا إلاّ رجل من أهل الشام. قال: فاردد هذا الرجل إلى صاحبه. فعرف معاوية أنّ شرحبيل قد نفذت بصيرته في حرب أهل العراق، و أنّ الشام كله مع شرحبيل( ١) .

«و ألّب» و التأليب: التحريض.

«عالمكم جاهلكم و قائمكم قاعدكم» في (صفين نصر): بعث معاوية الى شرحبيل: إنه قد كان من إجابتك الحق و قبله عنك صلحاء الناس ما علمت، و أن هذا الأمر لا يتمّ إلاّ برضاء العامة، فسر في مدائن الشام و ناد فيهم: بأنّ عليا قتل عثمان، و أنّه يجب على المسلمين أن يطلبوا بدمه. فسار فبدأ بأهل حمص، فقام خطيبا و كان مأمونا في أهل الشام ناسكا متألّها فقال: أيّها الناس إنّ عليّا قتل عثمان، و قد غضب له قوم فقتلهم عليّ و هزم الجميع و غلب على الأرض، فلم يبق إلاّ الشام، و هو واضع سيفه على عاتقه، ثم

____________________

(١) وقعة صفّين: ٣٧ ٤٧، و نقله الشارح بتصرّف و تلخيص.

٣٩١

خائض به غمار الموت حتى يفنيكم أو يحدث اللّه له أمرا، و لا نجد أحدا أقوى على قتاله من معاوية، فجدّوا فأجابه الناس الانساك من حمص.

و جعل يستنهض مدائن الشام حتى استفرغها، لا يأتي قوم إلاّ قبلوا ما أتاهم به( ١) .

«فاتق اللّه في نفسك و نازع الشيطان قيادك» و لا تدعه يقودك حيث شاء و (القياد): حبل يقاد به الدابة.

«و اصرف الى الآخرة وجهك فهي طريقنا و طريقك» إنّك ميت و إنّهم ميتون.

ثم إنّكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون( ٢) .

«و احذر أن يصيبك اللّه منه بعاجل قارعة» أي: شديدة.

«تمسّ» هكذا في النسخ( ٣ ) ، و الظاهر كونه محرّف (تحس) أي: تستأصل.

«الأصل» قال ابن أبي الحديد: «تمسّ الأصل» أي: تقطعه. و منه ماء مسوس، أي: يقطع الغلة( ٤) .

قلت: لم يقل أحد: إنّ المس يجي‏ء بمعنى القطع و أمّا الماء المسوس فقال الجوهري: هو الذي بين العذب و الملح قال الشاعر:

لو كنت ماء كنت لا

عذب المذاق و لا مسوسا( ٥)

«و تقطع الدابر» أي: الآخر و الباقي، و قطع دابر أمر معاوية بأخذ اللّه تعالى لابنه يزيد أخذ عزيز مقتدر.

«فإنّي اولي» من الايلاء، أي: اقسم.

____________________

(١) المصدر نفسه: ٥٠ ٥١.

(٢) الزمر: ٣٠ ٣١.

(٣) نهج البلاغة ٣: ١٢٤، شرح ابن أبي الحديد ١٧: ١٣٥، شرح ابن ميثم ٥: ١٩٠.

(٤) شرح ابن أبي الحديد ١٧: ١٣٧.

(٥) الشاعر هو ذو الإصبع العدوانيّ، و البيت في الصحاح ٣: ٩٧٩ ٩٧٨، مادة: (مسس).

٣٩٢

«لك باللّه أليّة» أي: قسما قال الشاعر:

قليل الألايا حافظ ليمينه

و إن سبقت منه الأليّة برّت( ١)

و الألايا: جمع الأليّة.

«غير فاجرة» أي: كاذبة قال الجوهري: فجر أي: كذب، و أصله الميل، قال الشاعر( ٢ ) : و إن أخّرت فالكفل فاجر.

أي: مقعد الرديف مائل( ٣) .

«لئن جمعتني و إياك جوامع الأقدار لا أزال» أي: دائما.

«بباحتك» أي: ساحتك، و في (ابن ميثم)( ٤ ) (ساحتك).

«حتى يحكم اللّه بيننا و هو خير الحاكمين» و لمّا قال معاوية لجرير: اكتب الى صاحبك يجعل لي الشام و مصر جباية، و اكتب إليه بالخلافة، كتب إليه الوليد بن عقبة:

و إنّ كتابا يا بن حرب كتبته

على طمع يزجي إليك الدواهيا

سألت عليّا فيه ما لن تناله

و لو نلته لم تبق إلاّ لياليا

و سوف ترى منه الذي ليس بعده

بقاء فلا تكثر عليك الأمانيا

أمثل علي تعتريه بخدعة

و قد كان ما جربت من قبل كافيا؟

و لو نشبت أظفاره فيك مرة

حداك ابن هند منه ما كنت حاذيا( ٥)

____________________

(١) أورده الجوهري في الصحاح ٦: ٢٢٧١، مادة: (ألا).

(٢) هو لبيد يخاطب عمّه أبا مالك.

(٣) الصحاح ٢: ٧٧٨، مادة: (فجر).

(٤) في شرح ابن ميثم المطبوع ٥: ١٩٠ «بباحتك» أيضا.

(٥) وقعة صفّين: ٥٢ ٥٣.

٣٩٣

١٧ - الكتاب (٦) و من كتاب لهعليه‌السلام إلى معاوية:

إِنَّهُ بَايَعَنِي اَلْقَوْمُ اَلَّذِينَ بَايَعُوا؟ أَبَا بَكْرٍ؟ وَ؟ عُمَرَ؟ وَ؟ عُثْمَانَ؟ عَلَى مَا بَايَعُوهُمْ عَلَيْهِ فَلَمْ يَكُنْ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَخْتَارَ وَ لاَ لِلْغَائِبِ أَنْ يَرُدَّ وَ إِنَّمَا اَلشُّورَى لِلْمُهَاجِرِينَ وَ اَلْأَنْصَارِ فَإِنِ اِجْتَمَعُوا عَلَى رَجُلٍ وَ سَمَّوْهُ إِمَاماً كَانَ ذَلِكَ لِلَّهِ رِضًا فَإِنْ خَرَجَ عَنْ أَمْرِهِمْ خَارِجٌ بِطَعْنٍ أَوْ بِدْعَةٍ رَدُّوهُ إِلَى مَا خَرَجَ مِنْهُ فَإِنْ أَبَى قَاتَلُوهُ عَلَى اِتِّبَاعِهِ غَيْرَ سَبِيلِ اَلْمُؤْمِنِينَ وَ وَلاَّهُ اَللَّهُ مَا تَوَلَّى وَ لَعَمْرِي يَا؟ مُعَاوِيَةُ؟ لَئِنْ نَظَرْتَ بِعَقْلِكَ دُونَ هَوَاكَ لَتَجِدَنِّي أَبْرَأَ اَلنَّاسِ مِنْ دَمِ؟ عُثْمَانَ؟ وَ لَتَعْلَمَنَّ أَنِّي كُنْتُ فِي عُزْلَةٍ عَنْهُ إِلاَّ أَنْ تَتَجَنَّى فَتَجَنَّ مَا بَدَا لَكَ وَ اَلسَّلاَمُ أقول: الذي يفهم من (صفين نصر) و (أخبار الدينوري) أنّ أوّل ما في المتن إلى قوله: «أبرأ الناس من دم عثمان»، كتابهعليه‌السلام إلى معاوية مع جرير البجلي في أوّل الأمر، و قولهعليه‌السلام بعد: «و لتعلمن أنّي كنت في عزلة عنه إلاّ أن تتجنى فتجن ما بدا لك»، جزء كتابهعليه‌السلام إليه أخيرا مع أبي مسلم الخولاني( ١) .

ففي (أخبار الدينوري): فسار جرير إلى معاوية بكتاب عليعليه‌السلام ، فقدم عليه فألفاه و عنده وجوه أهل الشام، فناوله كتاب عليعليه‌السلام و قال: هذا كتاب عليّعليه‌السلام إليك و إلى أهل الشام، يدعوكم إلى الدخول في طاعته، فقد اجتمع له الحرمان و المصران و الحجازان و اليمن و البحران و عمان و اليمامة و مصر و فارس و الجبل و خراسان، و لم يبق إلاّ بلادكم هذه، و إن سال عليها

____________________

(١) وقعة صفّين: ٢٩، الأخبار الطوال: ١٥٧.

٣٩٤

و أدمن من أوديته غرقها.

و فتح معاوية الكتاب ففيه: أمّا بعد، فقد لزمك و من قبلك من المسلمين بيعتي، و أنا بالمدينة و أنتم بالشام لأنّه بايعني الذين بايعوا أبا بكر و عمر و عثمان، فليس للشاهد أن يختار و لا للغائب أن يرد، و إنّما الأمر في ذلك للمهاجرين و الأنصار، فإذا اجتمعوا على رجل مسلم فسمّوه إماما كان ذلك للّه رضى، فإن خرج من أمرهم أحد بطعن فيه أو رغبة عنه، رد إلى ما خرج منه، فإن أبى قاتلوه على اتباعه غير سبيل المؤمنين، و ولاّه اللّه ما تولّى و يصله جهنم و ساءت مصيرا، فادخل فيما دخل فيه المهاجرون و الأنصار، فإنّ أحب الامور إليّ فيك و في من قبلك العافية، فإن قبلتها و إلاّ فأذن بحرب. و قد أكثرت في قتلة عثمان، فادخل ما دخل فيه الناس ثم حاكم القوم إليّ أحملك و إيّاهم على كتاب اللّه، فأمّا تلك التي تريد فخدعة الصبي عن الرضاع( ١) .

و مثله (صفين نصر) و زاد بعد «و ساءت مصيرا»: و أنّ طلحة و الزبير بايعاني ثم نقضا بيعتي و كان نقضهما كردتهما، فجاهدتهما على ذلك حتى جاء الحق و ظهر أمر اللّه و هم كارهون و زاد في آخره و لعمري لئن نظرت بعقلك دون هواك لتجدني أبرأ قريش من دم عثمان. و اعلم أنّك من الطلقاء الذين لا تحل لهم الخلافة، و لا تعرض فيهم الشورى( ٢ ) . و مثله (خلفاء ابن قتيبة)( ٣) .

و روى (اخبار الدينوري) بعد ذكر كتاب معاوية إليهعليه‌السلام مع أبي مسلم الخولاني أنّهعليه‌السلام كتب جوابه معه: أمّا بعد فإنّ أخا خولان قد قدم عليّ

____________________

(١) الأخبار الطوال: ١٥٦ ١٥٧.

(٢) وقعة صفّين: ٢٩.

(٣) الإمامة و السياسة ١: ٩٣.

٣٩٥

بكتاب منك، تذكر فيه قطع رحمي عثمان و تأليبي الناس عليه، و ما فعلت ذلك غير أنّه عتب الناس عليه، فمن بين قاتل و خاذل، فجلست في بيتي و اعتزلت أمره إلاّ أن تتجنى، فتجنّ ما بدا لك( ١) .

و رواه (صفين نصر) مع إضافات( ٢) .

و في (العقد) في عنوان (أخبار علي و معاوية): و كتب عليّعليه‌السلام إلى معاوية بعد وقعة الجمل: أمّا بعد، فإنّ بيعتي بالمدينة لزمتك و أنت بالشام لأنّه بايعني الذين بايعوا أبا بكر و عمر و عثمان على ما بايعوا عليه، فلم يكن للشاهد أن يختار، و لا للغائب أن يرد الى لتجدني أبرأ قريش من دم عثمان، و اعلم أنّك من الطلقاء... الخ بدون قوله (و لتعلمن...)( ٣) .

و في (خلفاء القتيبي) في عنوان (كتاب عليعليه‌السلام إلى معاوية مرة ثانية) أيضا ذكره مثل (العقد)( ٤) .

«إنّه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر و عمر و عثمان على ما بايعوهم عليه» قال ابن أبي الحديد: هذا الفصل دال على كون الاختيار طريقا إلى الإمامة، لأنه احتجّ ببيعة أهل الحل و العقد لأبي بكر، لأنّه لم يبايعه سعد بن عبادة و لا أحد من أهل بيته و ولده، و لأنّ علياعليه‌السلام و بني هاشم و من انضوى إليهم لم يبايعوه في مبدأ الأمر، و امتنعوا و هذا دليل على صحّة الاختيار و كونه طريقا الى الإمامة فأمّا الإمامية فتحمل هذا الكتاب منهعليه‌السلام على التقيّة، و تقول: إنّه ما كان يمكنه أن يصرح لمعاوية في مكتوبه بباطن الأمر، و بقوله أنا منصوص عليّ من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، و معهود الى المسلمين أن أكون خليفته فيهم بلا فصل،

____________________

(١) الأخبار الطوال: ١٦٣.

(٢) وقعة صفّين: ٨٨ ٩١.

(٣) العقد الفريد ٥: ٨٠.

(٤) الإمامة و السياسة ١: ٩٣.

٣٩٦

فيكون في ذلك طعن على الأئمة المتقدمين، و يفسد حاله مع الذين بايعوه من أهل المدينة. و هذا القول من الامامية لو عضدها دليل لوجب أن يقال بها و لكن لا دليل لهم( ١) .

قلت: دليلهم منع فارقوهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن كتابة وصيته، لأنّه علم كما أقرّ أنّه أراد أن يكتب ما قاله شفاها، من حين بعثته الى ساعة وفاته من كونهعليه‌السلام وصيّه و خليفته، فمنع عنها و قال: إنّ الرجل ليهجر، و لا نحتاج إلى وصيته، و إنّ القرآن يكفينا. و دليلهم أيضا تخلّف فاروقهم و صدّيقهم عن جيش اسامة، مع لعن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم متخلّفيه كرارا، فإنّهما علما لو نفرا و لم يتخلّفا لبايع الناس من استخلفه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فإن أراد ابن أبي الحديد بالدليل أن ينزل تعالى عليهم كتابا من السماء كما قالوا للنبي... و لن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه...( ٢ ) فلا دليل كذا لهم، و إلاّ فلا دليل لهم إذا فرض عدم صحة نبوّة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، و لا صحة أقواله، و لا حجية أفعاله، و مع عدم صحة الفرض يكون دليلهم بينا، كالدليل على وجود الصانع، و لا يصح مذهبهم إلاّ إذا بطلت العقول و انفك الملزوم عن اللازم، و ارتفع اللازم و بقي الملزوم، و اجتمع الضدان، و صح النقيضان، و كان لا أثر للتواتر. و بالجملة قالعليه‌السلام ما قال جدلا، فالحكيم يجادل الخصم بما يسكته و يلزمه.

«فلم يكن للشاهد أن يختار و لا للغائب أن يرد» كما في بيعة اولئك حتى إنّ طلحة مع كونه أحد ستّة الشورى، كان غائبا وقت بيعة الناس لعثمان بعد اختيار ابن عوف له، و لم يستطع أن يرد بيعته، مع أنّه قالعليه‌السلام ذلك ردّا على معاوية حيث كتب إليهعليه‌السلام كما في (خلفاء ابن قتيبة): لو بايعك القوم الذين

____________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ١٤: ٣٦ ٣٧.

(٢) الإسراء: ٩٣.

٣٩٧

بايعوك و أنت بري‏ء من دم عثمان كنت كأبي بكر و عمر و عثمان، و لكنك أغريت بعثمان المهاجرين و خذلت عنه الأنصار، فأطاعك الجاهل و قوى بك الضعيف، و قد أبى أهل الشام إلاّ قتالك، حتى تدفع إليهم قتلة عثمان، فإذا دفعتهم كانت شورى بين المسلمين، و قد كان أهل الحجاز أعلى الناس و في أيديهم الحقّ، فلمّا تركوه صار الحقّ في أيدي أهل الشام. و لعمري ما حجّتك على أهل الشام كحجّتك على أهل البصرة، و لا حجتك عليّ كحجّتك على طلحة و الزبير، لأنّ أهل البصرة بايعوك و لم يبايعك أحد من أهل الشام، و أنّ طلحة و الزبير بايعاك و لم ابايعك. و أمّا فضلك في الإسلام و قرابتك من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلعمري ما أدفعه و لا أنكره( ١) .

«و إنّما الشورى للمهاجرين و الأنصار فإن اجتمعوا على رجل و سمّوه إماما، كان ذلك للّه رضى فإن خرج عن» هكذا في (المصرية و ابن أبي الحديد)( ٢ ) ، و الصواب:

(من) كما في (ابن ميثم و الخطّيّة)( ٣) .

«أمرهم خارج بطعن أو بدعة» قال ابن أبي الحديد: المشهور المروي «فإن خرج من أمرهم خارج بطعن أو رغبة» أي: رغبة عن ذلك الإمام الذي وقع الاختيار له( ٤) .

قلت: و عليه فكلمة (بدعة) محرّفة (رغبة) و هو الأنسب.

«ردوه إلى ما خرج منه، فإن أبى قاتلوه على اتباعه غير سبيل المؤمنين و ولاّه اللّه ما تولى» ما قالهعليه‌السلام من قوله: «فإن اجتمعوا على رجل و سمّوه اماما...» و إن كان قاله جدلا، إلاّ انه عبّرعليه‌السلام بما يكون حقّا، واقعا فإنّ الاجماع حجّة لا من

____________________

(١) الإمامة و السياسة ١: ١٠١ ١٠٢.

(٢) نهج البلاغة ٣: ٨ شرح ابن أبي الحديد ١٤: ٣٥.

(٣) في شرح ابن ميثم المطبوع ٤: ٣٥٢ «عن» أيضا.

(٤) شرح ابن أبي الحديد ١٤: ٣٦.

٣٩٨

حيث هو، بل من حيث دخول المعصوم المأمون من الخطأ فيهم، فممن اجتمع من المهاجرين عليهعليه‌السلام ، و وافقه المهاجرون و الأنصار المؤمنون في تسميتهعليه‌السلام إماما النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . و سبحان اللّه من اولئك الناس و اف لهم، لم يراعوا في هذا الرجل الجليل لا فضائله النفسانية الموجبة بتقدمه بشهادة العقول، و لا قول اللّه تعالى فيهعليه‌السلام في كتابه في آيات، و لا نص رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليه في موضع بعد موضع، و لا بيعتهم التي ابتدعوها، فبايعه طلحة و الزبير ثم نكثاها بادعائهما عدم بيعتهما، و أبى معاوية الطليق من بيعته بكونه خليفة عمر و ولي عثمان في دمه.

«و لعمري يا معاوية لئن نظرت بعقلك دون هواك لتجدني أبرأ الناس من دم عثمان، و لتعلمن أنّي كنت في عزلة عنه» قال ابن أبي الحديد: نهى عليعليه‌السلام أهل مصر و غيرهم عن قتل عثمان قبل قتله مرارا، و نابذهم بيده و لسانه و بأولاده، فلم يغن شيئا( ١) .

قلت: سبحان اللّه من الرجل إنّهعليه‌السلام يقول: «كنت في عزلة عنه»، و هو يقول:

نهى عنه و نابذهم بيده و لسانه و بأولاده. فلم ما أجابعليه‌السلام معاوية بذلك، و قد كان في مقام الدفاع عن تهمة قتله لعثمان؟ و كيف يكتب إليهعليه‌السلام معاوية كما في (أخبار الدينوري) أنّ عثمان قتل معك في المحلة و أنت تسمع من داره الهيعة، فلا تدفع عنه بقول و لا بفعل، و اقسم باللّه قسما صادقا لو كنت قمت في أمره مقاما صادقا فنهنهت عنه، ما عدل بك من قبلنا من الناس أحدا( ٢ ) ؟ إلاّ أنّهم وضعوا أخبارا في دفاعهعليه‌السلام عنه، حتى لا يكون إمامهم مهدور الدم (و هل يصلح العطار ما أفسد الدهر) و كل يقول بهواه دون عقله؟

____________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ١٤: ٣٧ ٣٨.

(٢) الأخبار الطوال: ١٦٢.

٣٩٩

«إلاّ أن تتجنى فتجن ما بدا لك» التجني: نسبة الجناية إلى غيرك كذبا قال:

و اذا ما الجفاء جهز جيشا

سبقته طليعة من تجن

و في (مفاخرات الزبير بن بكار): اجتمع عند معاوية عمرو بن العاص و الوليد بن عقبة و عتبة بن أبي سفيان و المغيرة بن شعبة، و قد كان بلغهم عن الحسنعليه‌السلام قوارص إلى أن قال: قال لهم معاوية: و اعلموا أنّهم أهل بيت لا يعيبهم العائب، و لا يلصق بهم العار، و لكن اقذفوا الحسن بحجره، و قولوا له:

إنّ أباك قتل عثمان و كره خلافة الخلفاء( ١) .

١٨ - في الكتاب (٩) وَ أَمَّا مَا سَأَلْتَ مِنْ دَفْعِ قَتَلَةِ؟ عُثْمَانَ؟ إِلَيْكَ فَإِنِّي نَظَرْتُ فِي هَذَا اَلْأَمْرِ فَلَمْ أَرَهُ يَسَعُنِي دَفْعُهُمْ إِلَيْكَ وَ لاَ إِلَى غَيْرِكَ وَ لَعَمْرِي لَئِنْ لَمْ تَنْزِعْ عَنْ غَيِّكَ وَ شِقَاقِكَ لَتَعْرِفَنَّهُمْ عَنْ قَلِيلٍ يَطْلُبُونَكَ لاَ يُكَلِّفُونَكَ طَلَبَهُمْ فِي بَرٍّ وَ لاَ بَحْرٍ وَ لاَ جَبَلٍ وَ لاَ سَهْلٍ إِلاَّ أَنَّهُ طَلَبٌ يَسُوءُكَ وِجْدَانُهُ وَ زَوْرٌ لاَ يَسُرُّكَ لُقْيَانُهُ أقول: روى (صفين نصر) و نقله ابن أبي الحديد أيضا عن عمر بن سعد عن أبي ورق قال: جاء أبو مسلم الخولاني في ناس من قراء أهل الشام إلى معاوية قبل مسيره، فقالوا له: علام تقاتل علياعليه‌السلام و ليس لك مثل صحبته و لا هجرته و لا قرابته و لا سابقته؟ فقال: إنّي لا ادّعي ذلك و لكن خبّروني، ألستم تعلمون أنّ عثمان قتل مظلوما؟ قالوا: بلى. قال: فليدفع إلينا قتلته و لا قتال معه.

قالوا: فاكتب إليه. فكتب مع أبي مسلم إليهعليه‌السلام إلى أن قال في جوابهعليه‌السلام :

و أمّا ما ذكرت من أمر قتلة عثمان فإنّي نظرت في هذا الأمر و ضربت أنفه

____________________

(١) نقله عنه ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ٦: ٢٨٥ ٢٨٦، و نقله الشارح بتصرّف و تلخيص.

٤٠٠