بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٩

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة0%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 607

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

مؤلف: الشيخ محمد تقي التّستري
تصنيف:

الصفحات: 607
المشاهدات: 53915
تحميل: 4250


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 607 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 53915 / تحميل: 4250
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 9

مؤلف:
العربية

و عينه، فلم أر دفعهم إليك و لا إلى غيرك، و لعمري لئن لم تنزع عن غيّك و شقاقك، لتعرفنهم عن قليل يطلبونك لا يكلفونك ان تطلبهم في برّ و لا بحر و لا سهل و لا جبل، و قد كان أبوك أتاني حين ولّى الناس أبا بكر، فقال: أنت أحقّ بمقام محمّد و أولى الناس بهذا الأمر، و أنا زعيم لك بذلك على من خالف، ابسط يدك ابايعك. فلم أفعل، و أنت تعلم أنّ أباك قال ذلك و أراده حتى كنت أنا الذي أبيت، لقرب عهد الناس بالكفر مخافة الفرقة بين أهل الاسلام...( ١) .

«و أمّا ما سألت من دفع قتلة عثمان إليك، فإنّي نظرت في هذا الأمر، فلم أره يسعني دفعهم إليك و لا إلى غيرك» هذا الكلام يدل على كون عثمان عندهعليه‌السلام مهدور الدم، و سقوط القصاص عن قاتليه، و به صرّح شفاها لأبي مسلم الخولاني.

ففي (صفين نصر) في ذاك الخبر: أنّ أبا مسلم الذي جاء بكتاب معاوية إليهعليه‌السلام ، و كتبعليه‌السلام معه هذا الكتاب قال لهعليه‌السلام : إنّك قد قمت بأمر وليته، و ما احب أنّه لغيرك إن أعطيت الحق من نفسك، إنّ عثمان قتل مظلوما فادفع إلينا قتلته و أنت أميرنا، فإن خالفك من الناس أحد كانت أيدينا لك ناصرة، و ألسنتنا لك شاهدة، و كنت ذا عذر و حجّة فقال له عليعليه‌السلام : اغد عليّ غدا فخذ جواب كتابك. فانصرف ثمّ رجع من غد ليأخذ جواب كتابه، فوجد الناس قد بلغهم الذي جاء قبل فلبست الشيعة أسلحتها، ثم غدوا فملؤا المسجد فنادوا كلّنا قتلة عثمان، و أكثروا من النداء بذلك، فقال أبو مسلم لهعليه‌السلام : لقد رأيت قوما مالك معهم أمر. قالعليه‌السلام : و ما ذلك؟ قال: بلغ القوم أنّك تريد أن تدفع إلينا قتلة عثمان، فضجوا و اجتمعوا و لبسوا السلاح، و زعموا أنّهم كلهم قتلة عثمان. فقال عليعليه‌السلام : و اللّه ما أردت أن أدفعهم إليك طرفة عين قط، لقد ضربت هذا الأمر أنفه و عينه، فما رأيته أن ينبغي لي أن أدفعهم إليك و لا إلى غيرك. فخرج أبو

____________________

(١) وقعة صفّين: ٨٥ ٩١، شرح ابن أبي الحديد ١٥: ٧٣ ٧٨، و نقله الشارح بتلخيص.

٤٠١

مسلم و هو يقول: الآن طاب الضراب( ١) .

فترى أنّهعليه‌السلام أنكر أصل كون عثمان قتل ظلما و توجه قصاص على قاتليه، و لفهم أبي مسلم منهعليه‌السلام ذلك قال: الآن طاب الضراب.

و قد عرفت في ما مرّ تصريحهعليه‌السلام لرسل اخر من معاوية إليه، أرادوا إقرارهعليه‌السلام بكون قتل عثمان ظلما، بأني ما أقول: إنّه قتل ظلما. فقالوا: إنّا منك براء. و خرجوا من عندهعليه‌السلام ، فقالعليه‌السلام : إنّك لا تسمع الصم الدعاء اذا ولّوا مدبرين( ٢) .

بل روى الزبير بن بكار في (موفقياته): عن عمر بن أبي بكر الدؤلي، عن عبد اللّه بن أبي عبيدة بن محمّد بن عمار بن ياسر، قال: بلغني أنّ أبا مسلم الخولاني قام إلى معاوية فقال: على ما تقاتل عليا و هو ابن عم رسول اللّه، و له من القدر في الاسلام و السابقة و القرابة ما ليس لك، إنّما أنت رجل طليق ابن طليق؟ فقال معاوية: إنّي و اللّه ما اقاتله و أنا ادعي في الاسلام مثل الذي يدعي، ولي من الاسلام مثل ماله، و لكنّي اقاتله على دم عثمان، فأنا أطلبه بدمه. فخرج أبو مسلم على ناقته فضرب حتى انتهى إلى الكوفة، فأناخها بالكناسة، ثم جاء يمشي حتى دخل على عليعليه‌السلام و الناس عنده، فسلّم ثم قال: من قتل عثمان؟

فقال عليّعليه‌السلام : اللّه قتله و أنا معه. فخرج أبو مسلم و لم يكلّمه، حتى أتى ناقته فركبها حتى أتى الشام...( ٣) .

«و لعمري لئن لم تنزع عن غيّك و شقاقك لتعرفنّهم عن قليل يطلبونك» هو دالّ على أنّه يكون لقاتليه أن يقتلوا أولياءه و طالبي ثأره، فضلا عن

____________________

(١) وقعة صفّين: ٨٥ ٨٦، شرح ابن أبي الحديد ١٥: ٧٣ ٧٥.

(٢) وقعة صفّين: ٢٠٠ ٢٠٢، و الآية ٨٠ من سورة النمل.

(٣) أخبار الموفقيات لابن بكار: ٢٩٩ رقم ١٦١.

٤٠٢

عدم توجه قصاص اليهم.

«و لا يكلفونك طلبهم في برّ و لا بحر و لا جبل و لا سهل إلاّ أنّه طلب يسوؤك وجدانه و زور» بالفتح مصدر زار.

«لا يسرك لقيانه» يناسب كلامهعليه‌السلام قول الشاعر:

رويد بني شيبان بعض وعيدكم

تلاقوا غدا خيلي على سفوان

تلاقوا جبار لا تحيد عن الوغى

إذا ما غدت فى المأزق المتداني

تلاقوهم فلتعرفوا كيف صبرهم

على ما جنت فيهم يد الحدثان

رويد أيضا هد بالعراق جيادنا

كانّك بالضحاك قد قام نادبه

و كنّا إذا دب العدو لسخطنا

و راقبنا في ظاهر لا نراقبه

ركبنا له جهرا بكل مثقب

و أبيض يستسقي الدماء مضاربه

اولئك الالى شقوا العمى بسيوفهم

عن العين حتى أبصر الحق طالبه

١٩ - في الكتاب (٦٤) وَ قَدْ أَكْثَرْتَ فِي قَتَلَةِ؟ عُثْمَانَ؟ فَادْخُلْ فِيمَا دَخَلَ فِيهِ اَلنَّاسُ ثُمَّ حَاكِمِ اَلْقَوْمَ إِلَيَّ أَحْمِلْكَ وَ إِيَّاهُمْ عَلَى كِتَابِ اَللَّهِ تَعَالَى وَ أَمَّا تِلْكَ اَلَّتِي تُرِيدُ فَإِنَّهَا خُدْعَةُ اَلصَّبِيِّ عَنِ اَللَّبَنِ فِي أَوَّلِ اَلْفِصَالِ وَ اَلسَّلاَمُ لِأَهْلِهِ «و قد أكثرت في قتلة عثمان فادخل في ما دخل فيه الناس، ثم حاكم القوم إليّ أحملك و إيّاهم على كتاب اللّه» قال ابن أبي الحديد: هي حجّة صحيحة، إنّهعليه‌السلام لم يسلّم قتلة عثمان إلى معاوية لأن الامام يجب أن يطاع، ثم يتحاكم إليه...( ١) .

____________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ١٨: ٢١.

٤٠٣

قلت: إنّما قالعليه‌السلام : «أحملك و إيّاهم على كتاب اللّه» و لم يقل إذا دخلت في طاعتي اسلّم إليك قتلة عثمان، و كيف و هوعليه‌السلام كان مأواهم و ملجأهم و كانوا خواصهعليه‌السلام ، و معاوية إن لم يدخل في طاعته فبنوا اميّة الذين كانوا بالمدينة حضروا لطاعته، و طلبوا منه ذلك، فصرّحعليه‌السلام بكون عثمان مهدور الدم و سقوط القصاص عن قاتليه؟

فقال أبو جعفر الاسكافي: إنّهعليه‌السلام خطب في أوّل خلافته بأنّه يقسم بينهم بالسوية، و أعلمهم بأن يشهدوا المال يقسمه فيهم. فبينا الناس في المسجد بعد الصبح إذ طلع الزبير و طلحة فجلسا ناحية عن عليعليه‌السلام ، ثم طلع مروان و سعيد و عبد اللّه بن الزبير فجلسوا إليهما، ثم جاء قوم من قريش فانضموا إليهم، فتحدّثوا نجيا ساعة، ثم قام الوليد بن عقبة فجاء إلى عليعليه‌السلام فقال: إنّك قد و ترتنا جميعا، أمّا أنا فقتلت أبي يوم بدر صبرا، و خذلت أخي يوم الدار بالأمس. و أمّا سعيد فقتلت أباه يوم بدر في الحرب و كان ثور قريش. و أمّا مروان فسخفت أباه عند عثمان إذ ضمه إليه، و نحن اخوتك و نظراؤك من بني عبد مناف، و نحن نبايعك اليوم على أن تضع عنّا ما أصبناه من المال أيّام عثمان، و أن تقتل قتلته، و إنّا إن خفناك تركتنا فالتحقنا بالشام. فقالعليه‌السلام : أمّا ما ذكرتم من و تري إيّاكم فالحقّ و تركم. و أمّا وضعي عنكم ما أصبتم فليس لي أن أضع حق اللّه عنكم و لا عن غيركم. و أمّا قتلي قتلة عثمان فلو لزمني قتلهم اليوم لقتلتهم أمس...( ١) .

و قد نقله نفسه عند قولهعليه‌السلام : «دعوني و التمسوا غيري»( ٢) .

____________________

(١) نقله ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ٧: ٣٧ ٣٩، و نقله الشارح بتصرّف و تلخيص.

(٢) نهج البلاغة ١: ١٨٢، الخطبة ٩٢.

٤٠٤

و روى قريبا منه اليعقوبي( ١) .

«و أمّا تلك التي تريد فإنّها خدعة الصبي عن اللبن في أوّل الفصال» روى هذا الكلام (صفين نصر و خلفاء ابن قتيبة و أخبار الدينوري)( ٢ ) ، جزء كتابهعليه‌السلام إلى معاوية مع جرير البجلي كما مرّ في (١٧). و لمّا كتب معاوية إلى شرحبيل بن السمط الكندي بإشارة عمرو بن العاص عليه بذلك ليجمع له كلمة أهل الشام بأن يوطن له ثقاته فيقولوا له: إنّ عليّا قتل عثمان و عزم شرحبيل على المسير إلى معاوية بعث عياض اليمانى و كان ناسكا إلى شرحبيل بهذه الأبيات:

يا شرح يا بن السمط إنّك بائع

بودّ على ما تريد من الأمر

و يا شرح إنّ الشام شامك ما بها

سواك فدع قول المضلل من فهر

فإنّ ابن حرب ناصب لك خدعة

تكون علينا مثل راغية البكر( ٣)

هذا و مما يناسب كلامهعليه‌السلام قول الراجز:

برّح بالعينين خطّاب الكثب

يقول إنّي خاطب و قد كذب

و إنّما بالعينين يخطب عسّا من حلب( ٤)

و المراد أنّه يجي‏ء باسم الخطبة، و مقصوده الطعمة و الكثب: مل‏ء القدح لبنا.

«و السلام لاهله» في (المصرية)( ٥ ) أخذا له من (ابن أبي الحديد) مع قوله: «في أوّل الفصال»، حيث جعل الكل بين قوسين إلاّ أنّ كلمة «لأهله» من متفردات

____________________

(١) تاريخ اليعقوبي ٢: ١٧٨ ١٧٩.

(٢) وقعة صفّين: ٤٤ ٤٥، و الإمامة و السياسة ١: ٩٣، و الأخبار الطوال: ١٥٧.

(٣) وقعة صفّين: ٤٤ ٤٥.

(٤) أورد قول الراجز ابن منظور في لسان العرب ١٢: ٣٤، مادة: (كتب).

(٥) نهج البلاغة ٣: ١١.

٤٠٥

(ابن أبي الحديد)( ١ ) و ليست في (ابن ميثم)( ٢ ) ، (كالخطية).

٢٠ - في الكتاب (٢٨) ثُمَّ ذَكَرْتَ مَا كَانَ مِنْ أَمْرِي وَ أَمْرِ؟ عُثْمَانَ؟ فَلَكَ أَنْ تُجَابَ عَنْ هَذِهِ لِرَحِمِكَ مِنْهُ فَأَيُّنَا كَانَ أَعْدَى لَهُ وَ أَهْدَى إِلَى مَقَاتِلِهِ أَ مَنْ بَذَلَ لَهُ نُصْرَتَهُ فَاسْتَقْعَدَهُ وَ اِسْتَكَفَّهُ أَمْ مَنِ اِسْتَنْصَرَهُ فَتَرَاخَى عَنْهُ وَ بَثَّ اَلْمَنُونَ إِلَيْهِ حَتَّى أَتَى قَدَرُهُ عَلَيْهِ كَلاَّ وَ اَللَّهِ لَ قَدْ يَعْلَمُ اَللَّهُ اَلْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَ اَلْقائِلِينَ لِإِخْوانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنا وَ لا يَأْتُونَ اَلْبَأْسَ إِلاَّ قَلِيلاً ١ ١٦ ٣٣: ١٨( ٣) .

وَ مَا كُنْتُ لِأَعْتَذِرَ مِنْ أَنِّي كُنْتُ أَنْقِمُ عَلَيْهِ أَحْدَاثاً فَإِنْ كَانَ اَلذَّنْبُ إِلَيْهِ إِرْشَادِي وَ هِدَايَتِي لَهُ فَرُبَّ مَلُومٍ لاَ ذَنْبَ لَهُ وَ قَدْ يَسْتَفِيدُ اَلظِّنَّةَ اَلْمُتَنَصِّحُ وَ مَا أَرَدْتُ إِلاَّ اَلْإِصْلاحَ مَا اِسْتَطَعْتُ وَ ما تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَ إِلَيْهِ أُنِيبُ ٢٨ ٤١ ١١: ٨٨( ٤ ) وَ ذَكَرْتَ أَنَّهُ لَيْسَ لِي وَ لِأَصْحَابِي عِنْدَكَ إِلاَّ اَلسَّيْفُ فَلَقَدْ أَضْحَكْتَ بَعْدَ اِسْتِعْبَارٍ مَتَى أَلْفَيْتَ؟ بَنِي عَبْدِ اَلْمُطَّلِبِ؟ عَنِ اَلْأَعْدَاءِ نَاكِلِينَ وَ بِالسَّيْفِ مُخَوَّفِينَ لَبِّثْ قَلِيلاً يَلْحَقِ اَلْهَيْجَا حَمَلْ فَسَيَطْلُبُكَ مَنْ تَطْلُبُ وَ يَقْرُبُ مِنْكَ مَا تَسْتَبْعِدُ وَ أَنَا مُرْقِلٌ نَحْوَكَ فِي جَحْفَلٍ مِنَ اَلْمُهَاجِرِينَ وَ اَلْأَنْصَارِ وَ اَلتَّابِعِينَ لَهُمْ بِالْإِحْسَانِ شَدِيدٍ زِحَامُهُمْ سَاطِعٍ قَتَامُهُمْ مُتَسَرْبِلِينَ سِرْبَالَ اَلْمَوْتِ أَحَبُّ اَللِّقَاءِ إِلَيْهِمْ لِقَاءُ رَبِّهِمْ وَ قَدْ صَحِبَتْهُمْ ذُرِّيَّةٌ بَدْرِيَّةٌ وَ سُيُوفٌ هَاشِمِيَّةٌ قَدْ عَرَفْتَ مَوَاقِعَ نِصَالِهَا فِي أَخِيكَ

____________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ١٤: ٤٨.

(٢) في شرح ابن ميثم المطبوع ٤: ٣٦٠ «و السلام لأهله» أيضا.

(٣) الأحزاب: ١٨.

(٤) هود: ٨٨.

٤٠٦

وَ خَالِكَ وَ جَدِّكَ وَ أَهْلِكَ وَ ما هِيَ مِنَ اَلظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ ٤ ٩ ١١: ٨٣ أقول: نقل ابن أبي الحديد عن شيخه النقيب: أنّه جواب كتاب كتبه معاوية إليهعليه‌السلام مع أبي امامة الباهلي، و في كتاب معاوية: ثم الخليفة الثالث المظلوم الذي نشر المله و طبق الآفاق بالكلمة الحنيفية، فلما استوسق الإسلام و ضرب بجرانه، عدوت عليه فبغيته الغوائل، و نصبت له المكائد و ضربت له بطن الأرض و ظهره، و دسست عليه و أغريت به و قعدت حيث استنصرك عن نصرته، و سألك أن تدركه قبل أن يمزّق فما أدركته. و ما يوم المسلمين منك بواحد، لقد حسدت أبا بكر و التويت عليه، و رمت إفساد أمره، و قعدت في بيتك، و استغويت عصابة من الناس حتى تأخّروا عن بيعته، ثم كرهت خلافة عمر و حسدته و استطلت مدته، و سررت بقتله و أظهرت الشماتة بمصابه، حتى إنّك حاولت قتل ولده، لأنّه قتل قاتل أبيه، ثم لم تكن أشدّ منك حسدا لابن عمّه عثمان، نشرت مقابحه و طويت محاسنه و طعنت في فقهه، ثم في دينه، ثمّ في سيرته، ثم في عقله، و أغريت به السفهاء من أصحابك و شيعتك حتى قتلوه بمحضر منك، لا تدفع عنه بلسان و لا يد، و ما من هؤلاء إلاّ من بغيت عليه و تلكأت عليه، حتّى حملت إليه قهرا، تساق بخزائم الاقتار كما يساق الفحل المخشوش، ثمّ نهضت الآن تطلب الخلافة و قتلة عثمان خلصاؤك و شجراؤك و المحدقون بك، و تلك من أماني النفوس و ضلالات الأهواء، فدع اللجاج و العبث جانبا، و ادفع إلينا قتلة عثمان، و أعد الأمر شورى بين المسلمين، ليتفقوا على من هو للّه رضى، فلا بيعة لك في أعناقنا، و لا طاعة لك علينا، و لا عتبى لك عندنا، و ليس لك و لأصحابك عندي إلاّ السيف، و الذي لا إله إلاّ هو لأطلبنّ قتلة عثمان أين كانوا و حيث كانوا، حتى أقتلهم أو تلحق روحي بالله.

____________________

(١) هود: ٨٣.

٤٠٧

فامّا ما لا تزال تمنّ به من سابقتك و جهادك، فإنّي وجدت اللّه سبحانه يقول:

يمنون عليك أن أسلموا...( ١ ) ، و لو نظرت في حال نفسك لوجدتها أشدّ الأنفس امتنانا على اللّه بعملها، و إذا كان الامتنان على السائل يبطل أجر الصدقة، فالامتنان على اللّه يبطل أمر الجهاد و يجعله ك صفوان على تراب...( ٢) .

«ثم ذكرت» يعني بعد ذكر أبي بكر و عمر، بأنّهعليه‌السلام حسدهما و بغى عليهما.

«ما كان من أمري و أمر عثمان فلك أن تجاب عن هذه» المقالة فيه دون ذينك لعدم ربطهما بك.

«لرحمك منه» يجمعهما امية بن عبد شمس، فعثمان هو ابن عفان بن أبي العاص بن امية، و معاوية هو ابن أبي سفيان بن حرب بن أمية.

«فأيّنا كان أعدى له» أي: أكثر تجاوزا عليه.

«و أهدى إلى مقاتله» مقاتل الانسان المواضع التي اذا اصيبت قتلته.

«أمن بذل له نصرته فاستقعده و استكفه» لأنّ عثمان كان لا يحب أن يحضرهعليه‌السلام ، لأنّه كان إذا حضره ينهاه عن شنائع أعماله، حتى أحب ألاّ يشهد معه المدينة، فكان يأمره بالخروج عن البلد، و إنّما يستغيث به إذا خاف القتل، و بعد نقض عهده مرّات تركهعليه‌السلام أخيرا حتى قتلوه.

«أم من استنصره فتراخى عنه و بث إليه المنون» أي: المنية قال الجوهري: لأنّ المنيّة تقطع المدد و تنقص العدد.

سبحان من اولئك طلحة و الزبير و عايشة سعوا غاية السعي في قتل عثمان، حتى قتل ثم طلبوا دمه من أمير المؤمنينعليه‌السلام و عمرو بن العاص

____________________

(١) الحجرات: ١٧.

(٢) شرح ابن أبي الحديد ١٥: ١٨٦ ١٨٧، و الآية ٢٦٤ من سورة البقرة.

٤٠٨

أغرى الناس به حتى الرعاة على رؤوس الجبال، حتى قتل فافتخر بذلك، و قال:

أنا أبو عبد اللّه، ما نكأت قرحة إلاّ أدميتها و معاوية منع جنده من نصره بعد طلب عثمان منه ذلك، ليقتل و يطلب بدمه الملك ثم يطلبان دمه منهعليه‌السلام .

ففي (خلفاء ابن قتيبة): قال عمرو بن العاص لمعاوية: إنّ لعليّ في الحرب لحظا ما هو لأحد من الناس، و إنّه لصاحب الأمر. فقال معاوية: صدقت، و لكن نلزمه دم عثمان. فقال عمرو: وا سوأتاه إنّ أحق الناس ألاّ يذكر عثمان لأنا و أنت، أمّا أنت فخذلته و معك أهل الشام، و استغاثك فأبطأت عليه. و أمّا أنا فتركته عيانا و هربت إلى فلسطين. قال معاوية: دعني من هذا هلم فبايعني.

قال: لا اعطيك ديني حتى آخذ من دنياك. قال: سل تعط...( ١) .

و فيه ذكروا: إنّه لم يكن أحد أحب إلى معاوية أن يلقاه من أبي الطفيل الكناني فارس أهل صفين و شاعرهم و كان من أخصّ الناس بعليعليه‌السلام فقدم أبو الطفيل الشام يزور ابن أخ له من رجال معاوية، فأخبر بقدومه، فأرسل إليه فأتاه و هو شيخ كبير، فلمّا دخل عليه قال له: أنت أبو الطفيل؟ قال نعم. قال: أ كنت ممّن قتل عثمان؟ قال: لا، و لكن ممّن شهده فلم ينصره. قال:

و لم؟ قال: لأنّه لم ينصره المهاجرون و الأنصار. قال: أما و اللّه إن نصرته كانت عليهم و عليك حقّا واجبا، و فرضا لازما، فإذ ضيعتموه فقد فعل اللّه بكم ما أنتم أهله، و أصاركم إلى ما رأيتم. فقال له أبو الطفيل: فما منعك إذ تربصت به ريب المنون ألاّ تنصره و معك أهل الشام؟ فقال معاوية: أو ما ترى طلبي لدمه؟

فضحك أبو الطفيل، فقال: بلى و لكنّه و إيّاك، كما قال عبيد بن الأبرص:

لا الفينك بعد الموت تندبني

و في حياتي ما زودتني زادي

فدخل مروان بن الحكم و عبد الرحمن بن الحكم و سعيد بن العاص، فلمّا

____________________

(١) الإمامة و السياسة ١: ٩٨.

٤٠٩

جلسوا نظر إليهم معاوية و قال: أ تعرفون هذا الشيخ؟ قالوا: لا. قال: هذا خليل عليّ و فارس صفين و شاعر العراق، هذا أبو الطفيل. قال سعيد: فما يمنعك منه؟ و شتمه القوم فزجرهم معاوية و قال: مهلا، فربّ يوم ارتفع عن الأسباب قد ضقتم به ذرعا. ثم قال له: أ تعرف هؤلاء القوم يا أبا الطفيل؟ قال:

ما أنكرهم من سوء و لا أعرفهم بخير، و أنشد:

فإن تكن العداوة قد أكنت

فشر عداوة المرء السباب

فقال معاوية: ما أبقى لك الدهر من حبّ عليّ؟ قال: حبّ ام موسى، و أشكو إلى اللّه التقصير. فضحك معاوية و قال: و لكن و اللّه هؤلاء الذين حولك لو سئلوا عنّي ما قالوا هذا. فقال مروان: أجل و اللّه لا نقول الباطل( ١) .

و في (صفين نصر): كتب معاوية إلى أبي أيوب كتابا سطرا واحدا، و هو:

«حاجيتك لا تنسى الشيباء أبا عذرها و لا قاتل بكرها». فلم يدر أبو أيوب ما هو، فأتى به علياعليه‌السلام فقال لهعليه‌السلام : إنّ معاوية كهف المنافقين كتب إليّ كتابا لا أدري ما هو. فقالعليه‌السلام له: هذا مثل ضربه لك، الشيباء: المرأة البكر ليلة افتضاضها، يعني لا تنسى بعلها الذي افترعها و بكرها: أول ولدها يعني كما لا تنسى تلك، لا أنسى أنا قاتل عثمان.

فكتب إليه أبو أيوب كتبت «لا تنسى الشيباء أبا عذرها و لا قاتل بكرها» فضربتها مثلا لقتل عثمان، و ما نحن و قتل عثمان، إنّ الذي تربّص بعثمان و ثبط يزيد بن أنس و أهل الشام عن نصرته لأنت( ٢) .

و في (تاريخ اليعقوبي): دخل ابن عباس يوما على معاوية، فقال له: كيف رأيت فعل اللّه بنا و بأبي الحسن؟ فقال: فعل فعلا و اللّه غير مختل عجّله إلى جنّة

____________________

(١) الإمامة و السياسة ١: ١٩٢ ١٩٣.

(٢) وقعة صفّين: ٣٦٦ ٣٦٨، و نقله الشارح بتلخيص.

٤١٠

لن تنالها، و أخّرك إلى دنيا قد كان أمير المؤمنين نالها. قال: و إنّك لتحكم على اللّه؟ قال: أحكم على اللّه بما حكم به على نفسه... و من لم يحكم بما أنزل اللّه فاولئك هم الكافرون( ١) .

قال معاوية: و اللّه لو عاش أبو عمرو يعنى عثمان حتى يراني، لرأى أنّي نعم ابن العمّ له. فقال له ابن عباس: أمّا و اللّه لو رآك أيقن أنّك خذلته حيث كانت النصرة له، و نصرته حيث كانت النصرة لك. قال: و ما دخولك بين العصا و لحائها؟ قال: ما دخلت عليهما إلاّ لهما( ٢) .

«كلاّ و اللّه لقد علم اللّه المعوقين منكم و القائلين لإخوانهم هلمّ إلينا و لا يأتون البأس إلاّ قليلا» الآية في الأحزاب، و فيها قد يعلم اللّه المعوقين منكم...( ٣) ، لكن جعلهاعليه‌السلام جزء كلامه و غيّر بما ناسب، و لعلّه أيضا كانت قراءتهعليه‌السلام .

ثمّ في (ابن ميثم): «لقد علم المعوقين»( ٤) .

«و ما كنت لأعتذر من أنّي أنقم عليه» أي: أعتب عليه.

«أحداثا» أي: امورا منكرة، كعمله مع أبي ذر و عمّار و غيرهما، و في أعمال عمّاله كالوليد و ابن عامر و معاوية و غيرهم.

«فإن كان الذّنب إليه إرشادي و هدايتي له» إلى الحقّ و إلى صراط مستقيم قال الشاعر:

و كم من موقف حسن احيلت

محاسنه فعدّ من الذنوب( ٥)

«فربّ ملوم لا ذنب له» هو كالمثل قال الشاعر:

____________________

(١) المائدة: ٤٤.

(٢) تاريخ اليعقوبي ٢: ٢٢٣ ٢٢٤.

(٣) الأحزاب: ١٨.

(٤) في شرح ابن ميثم المطبوع ٤: ٤٣٤: لقد علم اللّه المعوّقين أيضا.

(٥) أورده أبو هلال العسكري في جمهرة الأمثال ١: ٤٧٥ و البيت للفزاريّ.

٤١١

لعل له عذرا و أنت تلوم( ١)

بل في (أمثال الكرماني): هو مثل من أكثم بن صيفي( ٢) .

«و قد يستفيد الظنّة» أي: التهمة.

«المتنصح» أي: الناصح و عن أكثم: يا بني إيّاكم و كثرة التنصح فإنّه يورث التهمة)( ٣) .

و من البيت و قول أكثر يظهر لك ما في اقتصار الجوهري على قوله: تنصح: أي تشبه بالنصحاء( ٤) .

و قلنا (البيت) لأنه عجز بيت تمثلعليه‌السلام به، و صدره: و كم سقت في آثاركم من نصيحة( ٥) .

قال المبرّد: انشدنيه الرياشي.

«و ما أردت إلاّ الإصلاح ما استطعت و ما توفيقي إلاّ باللّه عليه توكلت و إليه انيب» الأصل فيه قول شعيبعليه‌السلام لقومه:... إن اريد إلاّ الإصلاح ما استطعت و ما توفيقي إلاّ باللّه عليه توكلت و إليه انيب( ٦) .

«و ذكرت أنّه ليس لي و لا لأصحابي إلاّ السيف، فلقد أضحكت بعد استعبار» أي:

بعد جريان الدمع يقال: استعبرت أي: دمعت. و الباكي لا يضحك من كلّ شي‏ء يتعجب منه كغير الباكي، بل من عجيب في غاية الغرابة، و المراد: أتيت بعجب يضحك الباكي، و من شواهده و إن كان من باب الهزل أنّ أبا دلامة الشاعر

____________________

(١) أورده أبو هلال العسكري في جمهرة الأمثال ١: ٤٧٤.

(٢) أورده الميداني في مجمع الأمثال ١: ٣٠٥ تحت الرقم ١٦٢٨ و قال: هذا من قول أكثم بن صيفيّ.

(٣) نقله ابن منظور في لسان العرب ١٤: ١٥٩، مادة: (نصح).

(٤) الصحاح ١: ٤١١، مادة: (نصح).

(٥) أورد البيت ابن ميثم في شرح نهج البلاغة ٤: ٤٤٥.

(٦) هود: ٨٨.

٤١٢

دخل على أم سلمة زوجة السفاح بعد وفاته، فعزاها به و بكى و بكت، و قالت له:

يا أبا دلامة لم أر أحدا أصيب به غيري و غيرك و كان السفاح يعطي أبا دلامة جزيلا فقال لها أبو دلامة: و لا سواء، لك منه ولد و ما ولدت أنا منه فضحكت ام سلمة و لم تكن منذ مات السفاح ضحكت و قالت له: لو حدثت الشيطان لأضحكته.

«متى ألفيت» أي: وجدت.

«بني» هكذا في (المصرية)( ١ ) ، و الصواب: «بنو» كما في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم( ٢ ) و الخطيّة)، و حينئذ «فألفيت» بسكون التاء مجهولا.

«عبد المطلب عن الاعداء ناكلين» أي: جبانين ضعيفين.

«و بالسيف مخوفين» فكانوا عموما شجعان فضلا عنهعليه‌السلام .

و في (خلفاء ابن قتيبة): لمّا أراد الزبير الاعتزال من الجمل، قالت له عايشة:

خفت سيوف بني عبد المطلب طوال حداد يحملها فتية أنجاد( ٣) .

و في (نسب مصعب الزبيري): قال عليعليه‌السلام : رأيت يوم بدر طعيمة بن عدي بن نوفل بن عبد مناف قد علا رأس كثيب، و قد ساواه سعد بن خيثمة، فصمدت له و لم آته حتى قتل سعدا، فلما رآني أصعد الكثيب إليه انحط عليّ و كان رجلا جسيما فخشيت أن يعلو عليّ، فانحططت في السهل، فظنّ أنّي فررت منه فصاح بأعلى صوته: فرّ ابن أبي طالب. قلت له: قريبا مفر ابن الشتراء و هذا مثل تضربه العرب فلمّا استوت قدماي بالأرض وقفت له فانحدر إليّ و أهويت إليه، فسمعت قائلا من خلفي: طأطى‏ء رأسك. فجعلت

____________________

(١) نهج البلاغة ٣: ٣٩.

(٢) في شرح ابن أبي الحديد ١٥: ١٨٣، و شرح ابن ميثم ٤: ٤٣٥: بني أيضا.

(٣) الإمامة و السياسة ١: ٧٣.

٤١٣

رأسي فى صدر طعيمة، و إذا برقة من السيف فأخذت قحف طعيمة فسقط ميتا، و إذا هو حمزة بن عبد المطلب( ١) .

«لبث قليلا يلحق الهيجا» أي: الحرب قال الجوهري: يمد و يقصر( ٢) .

«حمل» قال ابن ميثم: أصل البيت أنّ حمل بن بدر رجل من قشير اغير على إبل له في الجاهلية في حرب داحس و الغبراء، و قال:

لبّث قليلا يلحق الهيجا حمل

ما أحسن الموت إذا الموت نزل

و قيل: أصله أنّ مالك بن زهير توعّد حمل بن بدر فقال حمل: «لبث قليلا يلحق الهيجا حمل»، ثم أتى و قتل مالكا، فظفر أخوه قيس بن زهير به و بأخيه حذيفة فقتلهما، و قال:

شفيت النفس من حمل بن بدر

و سيفي من حذيفة قد شفاني( ٣)

قلت: و في (الاستيعاب): حمل بن سعدانة الكلبي وفد على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و عقد له لواء، و هو القائل: لبّث قليلا يدرك الهيجا حمل. و شهد مع خالد مشاهده كلّها و قد تمثّل بقوله سعد بن معاذ رضى اللّه عنه يوم الخندق حيث قال:

البث قليلا يدرك الهيجا حمل

ما أحسن الموت إذا حان الأجل( ٤)

و قد عنونه الجزري عن أبي موسى أيضا، و لكنه قال: حمل بن سعد. و زاد:

شهد بلوائه صفّين مع معاوية( ٥ ) . و الأظهر كون البيت لحمل بن بدر الجاهلي دون ما قالاه، و قررهما الجزري من حمل بن سعدانة أو سعد الصحابي، و يؤيده تمثل سعد به يوم الخندق، و كيف كان، فنظيره قول آخر:

____________________

(١) قريب منه في المغازي للواقدي ١: ٩٢ ٩٣، و نقله عنه ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ١٤: ١٤٥.

(٢) الصحاح ١: ٣٥٢، مادة: (هيج).

(٣) شرح ابن ميثم ٤: ٤٤٥ ٤٤٦.

(٤) الاستيعاب بهامش الإصابة ١: ٣٦٦.

(٥) أسد الغابة ٢: ٥٢.

٤١٤

لبث قليلا يلحق الداريون

أهل الحباب البدن المكفيون

سوف ترى إن لحقوا ما يبلون

«فسيطلبك من تطلب و يقرب منك ما تستبعد» في (العقد): خرج عليعليه‌السلام إلى معاوية في خمسة و تسعين ألفا، و كان معاوية في بضع و ثمانين ألفا، و كان عسكر عليعليه‌السلام يسمّى الزحزحة لشدة حركته، و عسكر معاوية الخضرية لاسوداده بالسلاح و الدروع( ١) .

و انقضت صفين عن خمسين ألف قتيل من أهل الشام و عشرين ألفا من أهل العراق( ٢) .

«و أنا مرقل» في (الصحاح): الإرقال: ضرب من الخبب، أي: العدو، و لقب هاشم بن عتبة الزهري المرقال، لأنّ علياعليه‌السلام دفع إليه الراية يوم صفين فكان يرقل بها إرقالا( ٣) .

«نحوك» أي: جانبك.

«في جحفل» أي: جيش.

«من المهاجرين و الأنصار و التابعين لهم» كذا في (المصرية)( ٤ ) ، و كلمة (لهم) زائدة لعدم وجودها في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية)( ٥) .

«بإحسان» في (صفين نصر): خرج النعمان بن بشير يوما فدعا قيس بن سعد، فقال له: ألستم معشر الأنصار تعلمون أنّكم أخطأتم في خذل عثمان يوم الدار، و قتلتم أنصاره يوم الجمل، و أقحمتم خيولكم على أهل الشام

____________________

(١) العقد الفريد ٥: ٨٥.

(٢) العقد الفريد ٥: ٩١.

(٣) الصحاح ٤: ١٧١٢ مادة (رقل).

(٤) نهج البلاغة ٣: ٤٠.

(٥) في شرح ابن أبي الحديد ١٥: ١٨٤ و شرح ابن ميثم ٤: ٤٣٥ «التابعين لهم» أيضا.

٤١٥

بصفين؟ فلو كنتم إذ خذلتم عثمان خذلتم عليّا، لكانت واحدة بواحدة، و لكنّكم خذلتم حقّا و نصرتم باطلا إلى أن قال: فقال له قيس: أمّا ذكرك عثمان فإن كانت الأخبار تكفيك فخذها منّي واحدة، قتل عثمان من لست خيرا منه، و خذله من هو خير منك. و أمّا أصحاب الجمل فقاتلناهم على النكث. انظر يا نعمان هل ترى مع معاوية إلاّ طليقا أو أعرابيا أو يمانيا مستدرجا بغرور؟

انظر أين المهاجرون و الأنصار و التابعون بإحسان الذينرضي‌الله‌عنه م؟ ثم انظر هل ترى مع معاوية غيرك و صويحبك و لم يكن مع معاوية من الأنصار غيره و غير مسلمة بن مخلد و لستما و اللّه ببدريين و لا احديين، و لا لكما سابقة في الإسلام و لا آية في القرآن، و لعمري لو شغبت علينا لقد شغب علينا أبوك من قبل( ١) .

«شديد زحامهم» أي: اجتماعهم في الحرب قال الشاعر:

إن تلق عمرا فقد لاقيت مدرعا

و ليس من همه إبل و لا شاء

في جحفل لجم جم صواهله

بالليل يسمع في حافاته آء

«ساطع قتامهم» أي: غبارهم في الحرب قال الشاعر:

في فتية صدأ الحديد عبيرهم

و خلوقهم علق النجيع الأحمر

لا يأكل السرحان شلو عفيرهم

مما عليه من القنا المتكسر

«متسربلين سربال الموت» هكذا في (المصرية)( ٢ ) ، و الصواب: «سرابيل الموت» كما في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم( ٣ ) و الخطية).

و في (صفين نصر): أنّ أبا عرفاء الذهلي أخذ الراية يوم صفين و قال: يا أهل

____________________

(١) وقعة صفّين: ٤٤٨ ٤٤٩.

(٢) نهج البلاغة ٣: ٤٠.

(٣) كذا في شرح ابن أبي الحديد ١٥: ١٨٤، و لكن في شرح ابن ميثم ٤: ٤٣٥: «سربال الموت» أيضا.

٤١٦

هذه الراية إنّ عمل الجنّة كره كلّه، و إنّ عمل النّار خف كلّه، و إنّ الجنّة لا يدخلها إلاّ الصابرون الذين صبروا أنفسهم على فرائض اللّه و أمره، و ليس شي‏ء ممّا افترض اللّه على العباد أشدّ من الجهاد، فإذا رأيتموني قد شددت فشدّوا، و يحكم أما تشتاقون إلى الجنّة؟ فشدّ و شدّوا معه، و قاتل حتى قتل إلى أن قال: فلمّا أصبحوا في اليوم العاشر، أصبحوا و ربيعة محدقة بعليعليه‌السلام إحداق بياض العين بسوادها، و قام خالد بن المعمر فنادى: من يبايع على الموت و يشري نفسه للّه؟ فبايعه سبعة الآف على ألاّ ينظر رجل خلفه حتّى يرد سرادق معاوية، فاقتتلوا قتالا شديدا، و كسروا جفون سيوفهم( ١) .

«أحبّ اللقاء إليهم لقاء ربهم، قد صحبتهم ذريّة بدريّة» في (صفين نصر): قام سعد بن قيس في صفين يخطب أصحابه فقال: إنّ أصحاب محمّد المصطفين الأخيار معنا و في حيزنا، فو اللّه الذي هو بالعباد بصير، لو كان قائدنا حبشيّا مجدعا( ٢ ) ، و معنا من البدرييّن سبعين رجلا، لكان ينبغي لنا أن تحسن بصائرنا، و تطيب أنفسنا، و كيف و إنّما رئيسنا ابن عمّ نبيّنا؟ بدري صدق صلّى مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صغيرا، و جاهد معه كبيرا و معاوية طليق، من وثاق الاسار و ابن طليق، إلاّ أنّه أغوى جفاة، فأوردهم النار، و أورثهم العار، و اللّه محلّ بهم الذل و الصغار( ٣) .

«و سيوف هاشمية» في (صفين نصر) بعد ذكر خطبتهعليه‌السلام أصحابه بصفين: فقالوا له: انهض بنا يا أمير المؤمنين إلى عدوّنا و عدوّك إذا شئت، فو اللّه ما نريد بك بدلا، نموت معك و نحيا معك. فقالعليه‌السلام لهم: و الذي نفسي

____________________

(١) وقعة صفّين: ٣٠٥ ٣٠٦.

(٢) قال في هامش المصدر: ٢٣٦ ما نصّه: هو إشارة إلى حديث أبي ذرّ، قال: إنّ خليلي أوصاني أن أسمع و أطيع و إن كان عبدا حبشيا مجدع الأطراف. انظر صحيح مسلم ٢: ٨٥.

(٣) وقعة صفّين: ٢٣٦ ٢٣٧.

٤١٧

بيده، لنظر إلى رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أضرب قدّامه بسيفي، فقال: لا سيف إلاّ ذو الفقار، و لا فتى إلاّ علي إلى أن قال ثمّ نهض إلى القوم فاقتتلوا من حين طلعت الشمس حتى غاب الشفق، و ما كانت صلاة القوم إلاّ تكبيرا( ١) .

هذا و لما أمر سليمان الفرزدق بضرب عنق أسير من الكفّار فنبا سيفه، و قال جرير له يعيّره:

بسيف أبي رغوان سيف مجاشع

ضربت و لم تضرب بسيف ابن ظالم

قيل: أراد بسيف ابن ظالم، سيف الحارث بن ظالم الغساني، الذي ضرب به ابن السموأل فقطعه نصفين.

«قد عرفت مواقع نصالها» أي: حديدها.

«في أخيك» حنظلة.

«و خالك» الوليد بن عتبة.

«و جدّك» عتبة بن ربيعة أبي امّه.

«و أهلك» شيبة عمّ أمّها، و العاص بن سعيد بن أبي العاص، و معاوية بن المغيرة بن أبي العاص من بني عمّه و عنهعليه‌السلام : تعجبت من جرأة القوم يوم بدر، قد قتلت الوليد بن عتبة، و قتل حمزة عتبة و شركته في قتل شيبة، إذ أقبل إليّ حنظلة بن أبي سفيان، فلمّا دنا ضربته ضربة بالسيف، فسالت عيناه و لزم الأرض قتيلا( ٢) .

و من رثاء هند امّ معاوية لأبيها:

تداعى له رهطه غدوة

بنو هاشم و بنو المطلب

يذيقونه حدّ أسيافهم

يعرونه بعد ما قد شجب

____________________

(١) وقعة صفّين: ٣١٥.

(٢) قريب منه ما في وقعة صفّين: ١٠٢.

٤١٨

و عن سعيد بن العاص: أنّه ذهب إلى مجلس عمر، فجلس ناحية، فقال له عمر: كأنّ في نفسك عليّ شيئا، أ تظنّ أنّي قتلت أباك؟ و اللّه لوددت أني كنت قاتله، مررت به يوم بدر فرأيته يبحث للقتال، كما يبحث الثور بقرنيه، و اذن شدقاه، قد أزبد كالوزغ، فلمّا رأيت ذلك هبته وزغت عنه، فقال لي: إليّ يا بن الخطاب. و صمد له عليّ فو اللّه ما رمت مكاني حتى قتله. و كان عليعليه‌السلام حاضرا، فقال لعمر: مالك تهيج الناس عليّ؟ فكفّ عمر، فقال سعيد بن العاص:

أما انّه ما كان يسرني أن يكون قاتل أبي غير ابن عمّه علي( ١) .

هذا، و ممّا قيل في أثرات السيف، قول الواسطي و الهذلي و ثعلبة الفاتك:

ما أنكر الهام من أسيافه ظبة

و إنّما أنكرت أسيافه القرب

به يدع الكمي على يديه

يخر تخاله نسرا قشيبا

نحن الاولى أردت ظبات سيوفنا

داود بين القرنتين يحارب

و كذاك إنّا لا تزال سيوفنا

تنفي العدى و تفيد رعب الراعب

«و ما هي من الظالمين ببعيد» الأصل فيه قوله تعالى في قرية قوم لوط:

و أمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود. مسومة عند ربك و ما هي من الظالمين ببعيد( ٢) .

و المراد أنّ تلك الحجارة التي امطرت على قوم لوط ليست من الظالمين من امّتك العاملين عملهم ببعيد.

و في الخبر: لا يموت اللاطي حتّى يضرب بحجر من تلك على قلبه( ٣) .

كما أنّ المراد من كلامهعليه‌السلام : أنّ مواقع نصال تلك السيوف الهاشمية،

____________________

(١) قريب منه ما في المغازي للواقدي ١: ٩٢، و نقله عنه ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ١٤: ١٤٣ ١٤٥.

(٢) هود: ٨٢ ٨٣.

(٣) تفسير العياشي ٢: ١٥٨، تفسير القمّي ١: ٣٣٦ ٣٣٧.

٤١٩

و المراد سيفهعليه‌السلام لست ببعيد من معاوية السالك مسالك أسلافه في البغي و العتو، اولئك في قبال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و هو في قبال الوصيّعليه‌السلام ، و كان عمّار يقول في صفين: قاتلت مع هذه الراية أي راية معاوية مرات في غزوات النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في بدر و غيرها، و ما هي اليوم بأبر منها أمس( ١) .

هذا و لهعليه‌السلام كتاب آخر إلى معاوية و قد نقله ابن أبي الحديد في موضع آخر و فيه: و قد أسهبت في ذكر عثمان، و لعمري ما قتله غيرك، و لا خذله سواك، و لقد تربصت به الدوائر، و تمنّيت به الأماني، طمعا في ما ظهر منك و دلّ عليه فعلك، و إنّي لأرجو أن الحقك به على أعظم من ذنبه، و أكبر من خطئيته، فأنا ابن عبد المطلب صاحب السيف، و إنّ قائمته لفي يدي، و قد علمت من قتلت به من صناديد بني عبد شمس، و فراعنة بني سهم و جمح و مخزوم، و أيتمت أبناءهم و أيّمت نساءهم( ٢) .

و في قولهعليه‌السلام : «الحقك به على أعظم من ذنبه» ما لا يخفى.

٢١ - الكتاب (٣٧) و من كتاب لهعليه‌السلام إلى معاوية:

فَسُبْحَانَ اَللَّهِ مَا أَشَدَّ لُزُومَكَ لِلْأَهْوَاءَ اَلْمُبْتَدَعَةِ وَ اَلْحَيْرَةِ اَلْمُتَّبَعَةِ مَعَ تَضْيِيعِ اَلْحَقَائِقِ وَ اِطِّرَاحِ اَلْوَثَائِقِ اَلَّتِي هِيَ لِلَّهِ طِلْبَةٌ وَ عَلَى عِبَادِهِ حُجَّةٌ فَأَمَّا إِكْثَارُكَ اَلْحِجَاجَ فِي؟ عُثْمَانَ؟ وَ قَتَلَتِهِ فَإِنَّكَ إِنَّمَا نَصَرْتَ؟ عُثْمَانَ؟ حَيْثُ كَانَ اَلنَّصْرُ لَكَ وَ خَذَلْتَهُ حَيْثُ كَانَ اَلنَّصْرُ لَهُ وَ اَلسَّلاَمُ

____________________

(١) وقعة صفين: ٣٢١.

(٢) شرح ابن أبي الحديد ١٥: ٨٣ ٨٤.

٤٢٠