بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٩

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة0%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 607

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

مؤلف: الشيخ محمد تقي التّستري
تصنيف:

الصفحات: 607
المشاهدات: 53925
تحميل: 4251


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 607 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 53925 / تحميل: 4251
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 9

مؤلف:
العربية

عليه الحدّ. فلمّا حضر الوليد دعاهما عثمان فأقاما الشهادة عليه، و لم يدل بحجّة، فألقى عثمان السوط إلى عليّعليه‌السلام ، فقالعليه‌السلام لابنه الحسنعليه‌السلام : قم يا بني فأقم عليه ما أوجب اللّه عليه. فقال: يكفيه بعض من ترى. فلمّا نظر إلى امتناع الجماعة عن إقامة الحد عليه، توقّيا لغضب عثمان لقرابته منه، أخذ السوط و دنا منه، فلمّا أقبل نحوه، سبّه الوليد، و قال: يا صاحب مكس. فقال عقيل و كان ممّن حضر: إنّك لتتكلم يا ابن أبي معيط كأنّك لا تدري من أنت، إنّما أنت علج من أهل صفورية، قرية بين عكا و اللجون من أعمال الاردن من بلاد طبرية، ذكر أنّ أباه كان يهوديّا منها فأقبل الوليد يروغ من عليعليه‌السلام ، فاجتذبه و ضرب به الأرض و علاه بالسوط، فقال عثمان: ليس لك أن تفعل به هذا. قال: بلى و شرّ من هذا، إذا فسق و منع أن يؤخذ حقّ اللّه منه إلى أن قال:

و بلغ الوليد عن رجل من اليهود من ساكني قرية ممّا يلي جسر بابل، يقال له:

زارة، يعمل أنواع من الشعبذة و السحر، يعرف بمطروي، فأحضر فأراه في المسجد ضربا من التخاييل، فأظهر له في الليل فيلا عظيما على فرس في صحن المسجد، ثم صار اليهودي ناقة يمشي على جبل، ثم أراه صورة حمار دخل من فيه ثم خرج من دبره، ثم ضرب عنق رجل ففرّق بين جسده و رأسه، ثم أمر السيف عليه فقام الرجل، و كان جماعة من أهل الكوفة حضورا منهم جندب بن كعب الأزدي، فجعل يستعيذ باللّه من فعل الشيطان، و من عمل يبعد من الرحمن، و علم أنّ ذلك هو ضرب من التخييل و السحر، فاخترط سيفه فضرب به اليهودي ضربة أدار رأسه ناحية من بدنه، و قال:... جاء الحق و زهق الباطل إنّ الباطل كان زهوقا( ١ ) ، فأنكر عليه الوليد ذلك و أراد أن يقيده به، فمنعه الأزد فحبسه و أراد قتله غيلة، و نظر السجّان إلى قيامه ليله إلى

____________________

(١) الإسراء: ٨١.

٤٤١

الصبح، فقال له: انج نفسك. فقال جندب: تقتل بي. قال: ليس ذلك بكثير في مرضاة اللّه و الدفع عن وليّ من أولياء اللّه. فلمّا أصبح الوليد، دعا به و قد استعدّ لقتله، فأخبره السجّان بهربه، فضرب عنق السجّان، و صلبه بالكناس( ١) .

«و إنّ منهم من لم يسلم حتّى رضخت له على الإسلام الرضائخ» جمع الرضيحة و في (الجمهرة) يقال: رضخ فلان لفلان من ماله إذ: أعطاه قليلا من كثير. و الاسم الرضيخة يقال: أعطاه رضيخة من ماله و رضاخة( ٢) .

قال ابن أبي الحديد: قال الراوندي: «يعني عمرو بن العاص» و ليس بصحيح لأنّ عمرا لم يسلم بعد الفتح، و أصحاب الرضائخ كلّهم بعد الفتح صونعوا على الإسلام بغنائم، و إنّما يعني به معاوية( ٣) .

قلت: و في (الطبري) في غنائم حنين عن عبد اللّه بن أبي بكر قال: أعطى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المؤلفة قلوبهم و كانوا من أشراف الناس يتألّفهم، فأعطى أبا سفيان مائة بعير، و أعطى ابنه معاوية مائة بعير إلى أن قال: قال أبو سعيد الخدري: لمّا أعطى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما أعطى من تلك العطايا في قريش و قبائل العرب، و لم يكن في الأنصار منها شي‏ء، وجدوا في أنفسهم حتى كثرت منهم القالة إلى أن قال: فقال لهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : وجدتم في أنفسكم معشر الأنصار في لعاعة من الدّنيا، تألّفت بها قوما ليسلموا، و وكلتكم إلى إسلامكم، أ فلا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس بالشاة و البعير، و ترجعوا برسول اللّه إلى رحالكم؟ فو الذي نفس محمّد بيده لو لا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار، و لو سلك الناس شعبا و سلك الأنصار شعبا لسلكت شعب الأنصار، اللهمّ

____________________

(١) مروج الذهب ٢: ٣٤٤ ٣٤٨، و النقل بتصرّف و تلخيص.

(٢) جمهرة اللغة ١: ٥٨٧، مادة: (رضخ).

(٣) شرح ابن أبي الحديد ١٧: ٢٢٦ ٢٢٧.

٤٤٢

ارحم الأنصار و أبناء الأنصار و أبناء أبناء الأنصار. فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم و قالوا: رضينا برسول اللّه قسما و حظا( ١) .

«فلو لا ذلك ما أكثرت تأليبكم» أي: تحريضكم.

«و تأنيبكم» أي: لومكم.

«و جمعكم و تحريضكم» أي: حثّكم.

«و لتركتكم إذ أبيتم و ونيتم» أي: ضعفتم في (صفين نصر): حرّض يزيد بن قيس الأرحبي الناس، فقال: إنّ هؤلاء القوم و اللّه ما ان يقاتلوا على إقامة دين رأونا ضيعناه، و لا إحياء عدل رأونا أمتناه، و لن يقاتلونا إلاّ على إقامة الدنيا، ليكونوا جبابرة ملوكا. فلو ظهروا عليكم لا أراهم اللّه ظهورا إذن ألزموكم مثل سعيد و الوليد و عبد اللّه بن عامر السفيه، الذي يحدث أحدهم في مجلسه بذيت و ذيت، و يأخذ مال اللّه و يقول: هذا لي و لا إثم عليّ فيه، كأنّما أعطى تراثه من أبيه، قاتلوا عباد اللّه القوم الظالمين، الحاكمين بغير ما أنزل اللّه، و لا تأخذكم في جهادكم لومة لائم، إنّهم إن يظهروا عليكم يفسدوا عليكم دينكم و دنياكم، و هم من قد عرفتم و جرّبتم( ٢) .

«ألا ترون إلى أطرافكم قد انتقضت» فكان معاوية يبعث الجيوش إلى الأطراف و الثغور، فيقتل الناس و يغير عليهم.

«و إلى أمصاركم قد افتتحت» و منها مصر، و هي كانت قسمة مهمة من المملكة.

«و إلى ممالككم تزوى» أي: تجمع و تقبض.

«و إلى بلادكم تغزى» فأغزى جيوش معاوية اليمن و الحجاز و أكثر

____________________

(١) تاريخ الطبري ٣: ٩٣ ٩٤، سنة ٨.

(٢) وقعة صفّين: ٢٤٧ ٢٤٨.

٤٤٣

بلاد العراق.

«انفروا» أي: اشخصوا.

«رحمكم اللّه إلى قتال عدوّكم و لا تثّاقلوا» قال ابن أبي الحديد: بالتشديد، أصله «تتثاقلوا»( ١) .

قلت: إنّما قال ذلك لأنّ في القرآن... اثّاقلتم...( ٢ ) ، إلاّ أنّه يجوز أن يكون بالتخفيف حذفت إحدى تاءيه تخفيفا.

«إلى الأرض» قال تعالى: يا أيّها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل اللّه اثاقلتم إلى الأرض...( ٣) .

«فتقروا بالخسف» أي: النقيصة.

«و تبوءوا» أي: ترجعوا «بالذل».

«و يكون نصيبكم الأخس» أي: الدني‏ء في (صفّين نصر): كتب عقبة بن مسعود عاملهعليه‌السلام على الكوفة إلى سليمان بن صرد و هو معهعليه‌السلام بصفين: أمّا بعد، فإنهم... إن يظهروا عليكم يرجموكم أو يعيدوكم في ملّتهم و لن تفلحوا إذن أبدا فعليك بالجهاد و الصبر( ٤) .

«و إنّ» هكذا في (المصرية)( ٥ ) ، و الصواب: «ان» كما في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم( ٦ ) و الخطية).

«أخا الحرب الأرق» أي: لم ينم بالليل.

«و من نام لم ينم عنه» يعنى إن نمت عن العدوّ فالعدو لا ينام عنك لكن عرفت

____________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ١٧: ٢٢٦.

(٢) التوبة: ٣٨.

(٣) التوبة: ٣٨.

(٤) وقعة صفّين: ٣١٣، و الآية ٢٠ من سورة الكهف.

(٥) نهج البلاغة ٣: ١٣٢.

(٦) في شرح ابن أبي الحديد ١٧: ٢٢٥، و شرح ابن ميثم ٥: ٢٠٢ «و إنّ» أيضا.

٤٤٤

أنّ (رسائل الكليني) رواه: (إن نام لم تنم عينه)، فجعله بيانا للأرق، و هو صفة الذئب، قالوا: ينام بإحدى مقلتيه و الاخرى يقظى.

قال حميد بن ثور:

و نمت كنوم الذئب في ذي حفيظة

أكلت طعاما دونه و هو جائع

ينام بإحدى مقلتيه و يتقي

باخرى الأعادي فهو يقظان هاجع( ١)

هذا و من كتبهعليه‌السلام إلى معاوية لمّا كتب معاوية إليهعليه‌السلام يذكر اعتراضاتهعليه‌السلام على عثمان، و أنّه قصر في اللّه فيه: بلغني كتابك تذكر مشاغبتي، و تستقبح مؤازرتي، و تزعمني متحيّرا، و عن حق اللّه مقصّرا، فسبحان اللّه كيف تستجيز الغيبة و تستحسن العضيهة؟ إنّي لم اشاغب إلاّ في أمر بمعروف أو نهي عن منكر، و لم أضجر إلاّ على باغ مارق، أو ملحد منافق، و لم آخذ في ذلك إلاّ بقول اللّه سبحانه: لا تجد قوما يؤمنون باللّه و اليوم الآخر يوادّون من حادّ اللّه و رسوله و لو كانوا آباءهم أو أبناءهم( ٢ ) . و أمّا التقصير في حق اللّه، فمعاذ اللّه، و المقصّر في حقّ اللّه من عطّل الحقوق المؤكّدة، و ركن إلى الأهواء المبتدعة، و أخلد إلى الضلالة المحيّرة( ٣) .

٢٣ - الخطبة (١٥٩) و من خطبة لهعليه‌السلام :

وَ لَقَدْ أَحْسَنْتُ جِوَارَكُمْ وَ أَحَطْتُ بِجُهْدِي مِنْ وَرَائِكُمْ وَ أَعْتَقْتُكُمْ مِنْ رِبَقِ اَلذُّلِّ وَ حَلَقِ اَلضَّيْمِ شُكْراً مِنِّي لِلْبِرِّ اَلْقَلِيلِ وَ إِطْرَاقاً عَمَّا أَدْرَكَهُ

____________________

(١) أورد البيتين الجاحظ في كتاب الحيوان ٦: ٤٦٧، و ٤٧٢.

(٢) المجادلة: ٢٢.

(٣) نقله ابن ميثم و عنه العلاّمة المجلسي رحمه اللّه في البحار ٨: ٥٤٠، ط الكمباني.

٤٤٥

اَلْبَصَرُ وَ شَهِدَهُ اَلْبَدَنُ مِنَ اَلْمُنْكَرِ اَلْكَثِيرِ أقول: الظاهر أنّها إشارة إلى دفاعهعليه‌السلام عن الناس أيّام عثمان، و إذلال بني اميّة للناس ففي (الطبري) قال الواقدي: كتب الصحابة في سنة (٣٤) بعضهم إلى بعض: إن كنتم تريدون الجهاد فعندنا الجهاد إلى أن قال: فاجتمع الناس و كلّموا عليّاعليه‌السلام فدخل على عثمان فقال: الناس ورائي و قد كلّموني فيك إلى أن قال: ثم خرج عليّعليه‌السلام من عنده و خرج عثمان على أثره فجلس على المنبر، فقال: أمّا بعد فإنّ لكل شي‏ء آفة، و لكل أمر عاهة، و إنّ آفة هذه الامّة و عاهة هذه النعمة عيّابون طعّانون، يرونكم ما تحبّون و يسرّون ما تكرهون، يقولون لكم و يقولون، أمثال النعام يتبعون أوّل ناعق، أحبّ مواردها إليها البعيد، لا يشربون إلاّ نغصا و لا يرون إلاّ عكرا، لا يقوم لهم رائد، و قد أعيتهم الامور و تعذّرت عليهم المكاسب إلى أن قال: فقام مروان فقال: إن شئتم حكّمنا بيننا و بينكم السيف( ١) .

و عن الواقدي أيضا: جاء عليّعليه‌السلام إلى عثمان بعد انصراف المصريين فقال له: تكلّم كلاما يسمعه الناس منك، و يشهدون عليه، و تشهد اللّه على ما في قلبك من النزوع إلى أن قال: فقال عثمان لمروان: اخرج إلى الناس فكلّمهم، فإني أستحيي أن اكلّمهم. فخرج مروان إلى الناس فقال: ما شأنكم قد اجتمعتم كأنّكم قد جئتم لنهب، جئتم تريدون أن تنزعوا ملكنا من أيدينا اخرجوا عنّا؟

أما و اللّه لئن رمتمونا ليمرّن عليكم منّا أمر لا يسرّكم، و لا تحمدوا غبّ رأيكم.

ارجعوا فو اللّه ما نحن بمغلوبين على ما في أيدينا. فرجع الناس و أتى بعضهم عليّاعليه‌السلام فأخبره، فدخل مغضبا على عثمان فقال له: أما رضيت من مروان و لا رضي منك إلاّ بتحرفك عن دينك و عقلك، مثل جمل الظعينة يقاد حيث

____________________

(١) تاريخ الطبري ٤: ٣٣٦ ٣٣٩، سنة ٣٤.

٤٤٦

يسار به، و اللّه ما مروان بذي رأي في دينه، و إنّي لأراه سيوردك ثمّ لا يصدرك، و ما أنا بعائد بعد مقامي هذا لمعاتبتك( ١) .

و فيه: أنّ عثمان صعد المنبر، فقام رجل و قال له: أقم كتاب اللّه إلى أن قال: فتحاثّوا بالحصباء حتى ما ترى السّماء، و سقط عثمان عن المنبر و حمل إلى داره مغشيّا عليه، و دخل عليه عليّعليه‌السلام و بنو اميّة حوله، فأقبلت بمنطق واحد على عليّعليه‌السلام و قالوا له: أهلكتنا و صنعت هذا الصنيع به، أما و اللّه لئن بلغت الذي تريد لتمرّن عليك الدّنيا. فقامعليه‌السلام مغضبا( ٢) .

و يفهم من هذه الروايات درايات و منها: أنّ اعتقاد كون أمر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ملكا، لم ينحصر بيزيد بن معاوية الذي قال: لعبت هاشم بالملك فلا خبر جاء و لا وحي نزل. و لا بالوليد بن يزيد الذي قال: تلعّب بالخلافة هاشمي و لا بمعاوية بن أبي سفيان الذي تلهف للمغيرة بعدم استطاعته بإزالته اسم أخي هاشم أي: النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن المأذنات، بل الأصل فيهم عثمان، فيوم نال الأمر قال أبو سفيان بمشهده: يا بني اميّة اجعلوا هذا الأمر كرة بينكم فلا جنّة و لا نار و قال أيضا أبو سفيان أيّام عثمان و قد مرّ بقبر حمزة و ضربه برجله:

يا حمزة إنّ الأمر الذي اجتلدنا عليه بالسيف أمس، في يد غلماننا اليوم يتلعّبون به.

و يقول مروان الذي كان سفير عثمان و بمنزلة روحه بل فوقه، حيث رضى بقتله دون أن يصل أذى بمروان، و كان من الخبث فوق يزيد: أ تريدون أن تنزعوا ملكنا من أيدينا؟

بل يظهر حال المؤسّس له و لهم.

____________________

(١) تاريخ الطبري ٤: ٣٦٠ ٣٦٢، سنة ٣٥، و نقله الشارح بتصرّف و تلخيص.

(٢) المصدر نفسه ٤: ٣٦٤ ٣٦٥، سنة ٣٥، و نقله الشارح بتلخيص.

٤٤٧

«و لقد أحسنت جواركم» في (القاموس): الجوار: كسحاب الماء الكثير القعر، و بالكسر أن تعطي الرجل ذمة فيكون بها جارك فتجيره( ١) .

«و أحطت بجهدي من ورائكم» في (الصحاح) قال الفرّاء: الجهد بالضم: الطاقة، و بالفتح: من قولك: اجهد جهدك. أي: ابلغ غايتك( ٢) .

«و أعتقتكم من ربق الذل» في (الصحاح) الربق: حبل فيه عدّة عرى، يشدّ به البهم، الواحدة ربقة( ٣) .

«و حلق» جمع حلقة.

«الضيم» أي: الذلّ، قد كان الناس أيّام عثمان أرقّاء أذلاّء، في ربق ذلّ بني اميّة و حلق ضيمهم حسبما أخبر به النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في قوله: إذا بلغ آل أبي العاص ثلاثين رجلا اتخذوا عباد اللّه خولا و دينه دغلا، و ماله خولا( ٤ ) . فأطلقهم أمير المؤمنينعليه‌السلام في أيّامه و أعتقهم بطرد بني أميّة.

«شكرا منّي للبرّ القليل» من لجأهم إليهعليه‌السلام أيّام عثمان، و اتفاقهم على بيعته بعده.

«و إطراقا عمّا أدركه البصر» في (الصحاح) قال يعقوب: أطرق الرجل إذا سكت فلم يتكلّم، و أطرق أي: أرخى عينيه ينظر إلى الأرض( ٥) .

«و شهده البدن» من تركهم لهعليه‌السلام و خذلانهم إيّاه، مع كونه بمنزلة نفس النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بنص القرآن علما و عملا و تعيين النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لهعليه‌السلام من يوم بعثته إلى وقت وفاته قولا و فعلا، يوم السقيفة و يوم الشورى.

____________________

(١) القاموس المحيط ١: ٣٩٤، مادة: (جور).

(٢) الصحاح ٢: ٤٦٠، مادة: (جهد).

(٣) المصدر نفسه ٢: ١٤٨٠، مادة: (ربق).

(٤) مضت مداركه في هذا الفصل.

(٥) الصحاح ٤: ١٥١٥، مادة: (طرق).

٤٤٨

٢٤ - الخطبة (١٦٨) و من كلام لهعليه‌السلام بعد ما بويع له بالخلافة، و قد قال له قوم من الصحابة: لو عاقبت قوما ممن أجلب على عثمان. فقالعليه‌السلام :

يَا إِخْوَتَاهْ إِنِّي لَسْتُ أَجْهَلُ مَا تَعْلَمُونَ وَ لَكِنْ كَيْفَ لِي بِقُوَّةٍ وَ اَلْقَوْمُ اَلْمُجْلِبُونَ عَلَى حَدِّ شَوْكَتِهِمْ يَمْلِكُونَنَا وَ لاَ نَمْلِكُهُمْ وَ هَا هُمْ هَؤُلاَءِ قَدْ ثَارَتْ مَعَهُمْ عِبْدَاؤُكُمْ وَ اِلْتَفَّتْ إِلَيْهِمْ أَعْرَابُكُمْ وَ هُمْ خِلاَلَكُمْ يَسُومُونَكُمْ مَا شَاءُوا وَ هَلْ تَرَوْنَ مَوْضِعاً لِقُدْرَةٍ عَلَى شَيْ‏ءٍ تُرِيدُونَهُ وَ إِنَّ هَذَا اَلْأَمْرَ أَمْرُ جَاهِلِيَّةٍ وَ إِنَّ لِهَؤُلاَءِ اَلْقَوْمِ مَادَّةً إِنَّ اَلنَّاسَ مِنْ هَذَا اَلْأَمْرِ إِذَا حُرِّكَ عَلَى أُمُورٍ فِرْقَةٌ تَرَى مَا تَرَوْنَ وَ فِرْقَةٌ تَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ وَ فِرْقَةٌ لاَ تَرَى هَذَا وَ لاَ ذَاكَ فَاصْبِرُوا حَتَّى يَهْدَأَ اَلنَّاسُ وَ تَقَعَ اَلْقُلُوبُ مَوَاقِعَهَا وَ تُؤْخَذَ اَلْحُقُوقُ مُسْمَحَةً فَاهْدَءُوا عَنِّي وَ اُنْظُرُوا مَا ذَا يَأْتِيكُمْ بِهِ أَمْرِي وَ لاَ تَفْعَلُوا فَعْلَةً تُضَعْضِعُ قُوَّةً وَ تُسْقِطُ مُنَّةً وَ تُورِثُ وَهْناً وَ ذِلَّةً وَ سَأُمْسِكُ اَلْأَمْرَ مَا اِسْتَمْسَكَ وَ إِذَا لَمْ أَجِدْ بُدّاً فَآخِرُ اَلدَّوَاءِ اَلْكَيُّ أقول: كما نسبوا الخطبة (٣١) من الكتاب و هي: «أيّها الناس قد أصبحنا في دهر عنود و زمن كنود...» إلى معاوية و هي من كلامهعليه‌السلام قطعا فقال المصنّف ثمّة: إنّ الجاحظ قال في (بيانه): هي بكلام عليعليه‌السلام أشبه، و بمذهبه في تصنيف الناس و بالإخبار عمّا هم عليه من القهر و الإذلال، و من التقيّة و الخوف أليق، و متى وجدنا معاوية في حال من الأحوال يسلك في كلامه مسلك الزّهاد( ١ ) كذلك هذا الكلام نسبوه إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام ، و هو

____________________

(١) نهج البلاغة ١: ٧٦.

٤٤٩

بكلام معاوية أشبه و بمذهبه في انتهازه الفرصة من قتلة عثمان، و لو كان مثل عمّار و عمرو بن الحمق أليق، و متى وجدنا أمير المؤمنينعليه‌السلام في حال من الأحوال يذمّ قتلة عثمان؟ اللهمّ إلاّ قتلوه قتوله و طلبوا دمه كطلحة و الزبير و عايشة.

و ممّا يوضّح كونه كلام معاوية ما قاله ابن عبد ربّه في (عقده): إنّ معاوية قدم المدينة بعد عام المجاعة فدخل دار عثمان، فصاحت عايشة ابنة عثمان و بكت و نادت أباها، فقال معاوية: يا ابنة أخي إنّ الناس أعطونا طاعة و أعطيناهم أمانا، و أظهرنا لهم حلما تحته غضب، و أظهروا لنا ذلاّ تحته حقد، و مع كلّ إنسان سيفه و يرى موضوع أصحابه، فإن نكثنا بهم نكثوا بنا، و لا ندري أ علينا تكون أم لنا، و إن تكوني ابنة عمّ الخليفة، خير من أن تكوني امرأة من عرض الناس( ١) .

و قد رواه الجاحظ في (بيانه): عن عيسى بن يزيد عن أشياخه.

و كيف يمكن أن يكون هذا كلامهعليه‌السلام و الدراية بخلافة؟ فقد عرفت كلامهعليه‌السلام في عناوين هذا الفصل و في مواضع اخر من النهج، و في غير النهج، و كلام شيعتهعليه‌السلام في قتله و قتلته، و كلّها بالضد لمّا هنا.

و كيف يمكن أن يكون هذا كلامهعليه‌السلام ، و قد ثبت بالتواتر أنّهعليه‌السلام آوى قتلته، و كان يدافع عنهم لمّا كان معاوية يطلبهم؟ ثم من كان الطالب ذلك منهعليه‌السلام أولياؤه، فكلّهم كانوا من قاتلي عثمان و خاذليه، أم أعداؤه فلم يبايعوه، بل هربوا منه، فإن كان طلب منه ذلك أحد فليكن طلحة الذي كان على باب عثمان لحصره حتى قتل، و منع من إدخال الماء عليه، و من دخول أحد عليه و منع الناس من دفنه، و أعدّ رجالا يرمون جنازته.

____________________

(١) العقد الفريد ٥: ١١٣.

٤٥٠

و كيف يمكن أن يكون هذا كلامه؟ و من قتلته كان عمّار و محمّد بن أبي بكر و مالك الأشتر؟

و في (خلفاء ابن قتيبة) في عنوان قدوم أبي هريرة و أبي الدرداء على معاوية، ذكروا أنّ أبا هريرة و أبا الدرداء قدما على معاوية من حمص و هو بصفين، فوعظاه و قالا له: علام تقاتل عليّا و هو أولى بهذا الأمر منك في الفضل و السابقة، لأنّه رجل من المهاجرين الأوّلين السابقين، و أنت طليق و أبوك من الأحزاب؟ فقال: لست أزعم أنّي أولى بهذا الأمر من عليّ، و لكنّي اقاتله حتى يدفع إليّ قتلة عثمان. فقالا: إذا دفعهم إليك ما ذا يكون؟ قال: أكون رجلا من المسلمين إلى أن قال: فأتيا عليّاعليه‌السلام فقالا له: إنّ لك فضلا لا يدفع، و قد سرت مسير فتى إلى سفيه من السفهاء، و معاوية يسألك أن تدفع إلينا قتلة عثمان، فإن فعلت ثم قاتلك كنّا معك. فقال لهما عليعليه‌السلام : أ تعرفانهم؟ قالا:

نعم. قال: فخذاهم. فأتيا محمّد بن أبي بكر و عمّار بن ياسر و الأشتر، فقالا: أنتم من قتلة عثمان و قد امرنا بأخذكم. فخرج إليهما أكثر من عشرة آلاف رجل، فقالوا: نحن قتلنا عثمان. فقالا: نرى أمرا شديدا، البس علينا أمر الرجل.

فانصرفا إلى منزلهما بحمص، فلمّا قدما حمص لقيهما عبد الرحمن بن عثمان فسألهما عن مسيرهما، فقصّا عليه القصّة، فقال: العجب منكما أنّكما من صحابة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أما و اللّه لئن كففتما أيديكما ما كففتما ألسنتكما، أ تأتيان عليّا و تطلبان إليه قتلة عثمان؟ و قد علمتما أنّ المهاجرين و الأنصار لو حرموا دم عثمان نصروه و بايعوا عليّا على قتلته فهل فعلوا؟ إلى أن قال: ففشى قوله و قولهما، فهمّ معاوية بقتله، ثم راقب عشيرته( ١) .

ثم من يطلب منهعليه‌السلام عقوبة المجلبين على عثمان، و لم يكن في

____________________

(١) الإمامة و السياسة ١: ١٠٨ ١٠٩، و النقل بتلخيص.

٤٥١

أصحابهعليه‌السلام من كان له هوى في عثمان، و لم يكن يطلب يومئذ دم عثمان إلاّ من كان عدوّا لهعليه‌السلام ، و هم بنو اميّة و اتباعهم، و قد طلب ذلك منه مروان و الوليد بن عقبة و سعيد بن العاص فنهرهم؟

قال اليعقوبي في (تاريخه): و بايع الناس عليّاعليه‌السلام إلاّ ثلاثة نفر من قريش:

مروان بن الحكم و سعيد بن العاص و الوليد بن عقبة و كان لسان القوم فقال: يا هذا إنّك قد وترتنا جميعا إلى أن قال: فبايعنا على أن تضع عنّا ما اصبنا، و تعفي لنا عمّا في أيدينا، و تقتل قتلة صاحبنا. فغضب عليّعليه‌السلام و قال:

أمّا ما ذكرت من وتري إيّاكم، فالحقّ و تركم إلى أن قال: و أمّا قتلي قتلة عثمان فلو لزمني اليوم قتلهم، لزمني قتالهم، و لكن لكم أن أحملكم على كتاب اللّه و سنّة نبيّه، فمن ضاق عليه الحق، فالباطل عليه أضيق، و إن شئتم فالحقوا بملاحقكم( ١) .

و لم يرو ما نقل إلاّ سيف الذي يقول الطبري: «كتب إلى السّريّ عن شعيب عن سيف»( ٢ ) و رواياته كلّها كذب و خلاف أهل السير. و من أكاذيبه أنّه قال: إنّ أبا ذر خرج بنفسه إلى الربذة( ٣ ) ، و إنّ عثمان نهاه عن ذلك، و قال له: إنّ خروجك إلى الربذة تعرّب بعد الهجرة. و روى أنّ سعد بن عبادة بايع أبا بكر( ٤ ) ، مع تواتر الأخبار بعدم بيعته.

و من خبثه أنّه يقلب الأشياء مثل بدل كون (بيعة أبي بكر فلتة)، بأنّ عمل سعد كان فلتة قام دونها أبو بكر( ٥) .

____________________

(١) تاريخ اليعقوبي ٢: ١٧٨ ١٧٩.

(٢) تاريخ الطبري ٤: ٢٨٤ ٢٨٥، سنة ٣٠.

(٣) المصدر نفسه.

(٤) تاريخ الطبري ٣: ٢٢٣، سنة ١١.

(٥) تاريخ الطبري ٣: ٢٦٣ ٢٦٤، سنة ١١.

٤٥٢

و بدّل قصّة (نبح كلاب حوأب عايشة) بنبح كلاب حوأب أمّ زمل التي كانت عند عائشة( ١) .

و من أكاذيبه: أنّ عثمان لمّا بايع أهل الشورى خرج و هو أشدّهم كآبة، فأتى منبر النبي فخطب الناس و قال: إنّكم في دار قلعة، و في بقيّة اعمار...( ٢ ) فإنّ السير رووا: أنّ عثمان لمّا بويع خرج إلى داره في غاية السرور، و بنو اميّة حوله، و قال أبو سفيان: لازلت أرجو لكم الخلافة يا بني امية، اجعلوها كرة بينكم، فإنّما هي الملك، فلا جنّة و لا نار. و لمّا أراد خطبته الاولى حصر و قال:

إنّ أبا بكر و عمر كانا يعدان للمنبر و أنا ما أعددت( ٣) .

و روى أنّ ابن الهرمزان قال: «إنّ عثمان لمّا ولّي دعاني فأمكنني من عبيد اللّه بن عمر قاتل أبي فعفوت عنه»( ٤ ) ، مع أنّ أوّل طعن طعنوا به حتى أدّى إلى قتله تركه عبيد اللّه بلا قصاص( ٥) .

و روى أنّ الوليد بن عقبة ما شرب الخمر، و إنّما اتّهموه بذلك، و أنّ زهير بن جندب و مورع بن أبي مورع و شبيل بن أبي زينب نقبوا على رجل فقتلوه فقتلهم الوليد، فكان آباؤهم حاقدين على الوليد منذ قتل أبنائهم، و أشاعوا ذلك، و لم يكن على بيت الوليد باب فاقتحموا عليه من المسجد، فدخلوا عليه و كان بين يدي الوليد تفاريق عنب، فاستحيى أن يروه فأدخله تحت السرير( ٦) .

و أنّ عثمان أحدث القسامة ليصدّ الناس عن القتل، و أنّ الوليد أتى بساحر

____________________

(١) المصدر نفسه ٣: ٢٦٣ ٢٦٤، سنة ١١.

(٢) المصدر نفسه ٤: ٢٤٣ سنة ٢٤.

(٣) الإمامة و السياسة ١: ٢٧، تاريخ اليعقوبي ٢: ١٦٢ ١٦٣.

(٤) تاريخ الطبري ٤: ٢٤٣ ٢٤٤، سنة ٢٤.

(٥) الشافي في الإمامة ٤: ٣٠٣ ٣٠٥، شرح ابن أبي الحديد ٣: ٥٩.

(٦) تاريخ الطبري ٤: ٢٧٣ ٢٧٤، سنة ٣٠.

٤٥٣

فأرسل إلى ابن مسعود يسأله عن حدّه، فما أمهله جندب، و جاء فقتله، فاجتمع ابن مسعود و الوليد على حبسه، و كتب الوليد فيه إلى عثمان، فتقدم عثمان إلى الناس ألاّ يعملوا بالظنون، و لا يقيموا الحدود دون السلطان، و أن يستحلفوا جندبا أنّه صادق في ما ظنّ من تعطيل الحدود، و يقرره و يطلقه، فغضب لجندب أصحابه، فخرجوا إلى المدينة فاستعفوه من الوليد، فقال لهم عثمان:

تعملون بالظنون و تخطئون في الإسلام، ارجعوا. فرجعوا فعملوا في عزل الوليد، فدخل أبو زينب و أبو مورد الأسدي عليه و هو نائم، فأخرجا خاتمه و ذهبا به إلى عثمان، فقالا: دخلنا عليه و هو يقي‏ء الخمر. فطلبه عثمان فحلف الوليد أنّ الأمر ما كان كذا، فقال عثمان: نقيم الحدود و يبوء شاهد الزور بالنار( ١) .

فتراه وضع في مقابل كلّ شي‏ء شيئا، لكنّه لم يدر كيف يصنع بصلاته الصبح و بقوله في الصلاة ازيدكم، فسكت.

و قد قال صاحب (الاستيعاب) مع نصبه: كان الأصمعي و أبو عبيدة بن الكلبي و غيرهم يقولون: كان الوليد فاسقا شرّيب خمر، و أخباره في شرب الخمر و منادمته أبا زيد الطائي مشهورة كثيرة يسمج بنا ذكرها، و خبر صلاته بهم و هو سكران و قوله: أ أزيدكم؟ بعد أن صلّى الصبح أربعا مشهور من رواية الثقات، من نقل أهل الحديث و أهل الأخبار( ٢) .

و لا خلاف بين أهل العلم بتأويل القرآن، أنّ قوله تعالى:... إن جاءكم فاسق بنبأ... نزل في الوليد( ٣ ) ، و رواية الطبري: و أشار إلى روايته عن

____________________

(١) المصدر نفسه ٤: ٢٧٥ ٢٧٦، سنة ٣٠، و النقل بتلخيص.

(٢) الاستيعاب بهامش الإصابة ٣: ٦٣٣ ٦٣٤.

(٣) الاستيعاب بهامش الاصابة ٣: ٦٣٢، و الآية ٩ من سورة الحجرات.

٤٥٤

سيف المتقدّمة أنّه تعصّبت عليه قوم من أهل الكوفة لا تصح عند أهل الحديث، و لا لها عند أهل العلم أصل...( ١) .

و الأصل في قصّة الساحر ما عرفته من (مروج المسعودي)( ٢ ) في العنوان (٢٢) عند قولهعليه‌السلام : «و إنّ منهم الّذي شرب فيكم الحرام و جلد حدّا في الإسلام»( ٣) .

و قد وضع في مقابل خبر الإمامية: (أنّ الناس ارتدوا بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلاّ ثلاثة أو أربعة)( ٤ ) ، و يصدقه قوله تعالى:... أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم...( ٥ ) أنّه ما تخلّف عن بيعة أبي بكر إلاّ مرتد( ٦) .

و قد وضع في مقابل ما رووه أنفسهم: أنّ عمر لمّا وقف على باب بيت فاطمةعليها‌السلام و قال: «لتخرجن أو لاحرقنّها على من فيها»( ٧ ) ، فخرجوا و بايعوا إلاّ عليّاعليه‌السلام فإنّه قال: حلفت ألاّ أخرج و لا أضع ثوبي على عاتقي حتى أجمع القرآن، و أنّه لمّا أحضروه للبيعة قهرا، لحق بقبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و صاح: يا بن أمّ إنّ القوم استضعفوني و كادوا يقتلونني( ٨ ) أنّ عليّا لمّا سمع بجلوس أبي

____________________

(١) المصدر نفسه ٣: ٦٣٥.

(٢) مروج الذهب ٢: ٣٤٨.

(٣) نهج البلاغة ٣: ١٣٢.

(٤) انظر الكافي ٢: ٢٤٤، و ٨: ٢٤٥، اختيار معرفة الرجال للكشّي ١: ٢٦ ٢٧، الاختصاص: ٦.

(٥) آل عمران: ١٤٤.

(٦) تاريخ الطبري ٣: ٢٠٧، سنة ١١.

(٧) انظر: الإمامة و السياسة ١: ١٢، العقد الفريد ٥: ١٣، مروج الذهب (من منشورات دار الهجرة بقم) ٣: ٧٧، الشافي في الإمامة ٤: ١١٩ ١٢٠، الاحتجاج ١: ٨٠، كشف المحجّة: ٦٧، روضة المناظر في أخبار الأوائل و الأواخر: ١١٣.

(٨) الإمامة و السياسة ١: ١٢ ١٣، العقد الفريد ٥: ١٣ ١٤، الاحتجاج ١: ٨٠.

٤٥٥

بكر للبيعة، خرج عجلا بلا إزار و رداء كراهة أن يؤخّر عنها( ١) .

و وضع في مقابل قولهعليه‌السلام في ابن عمر لمّا تخلّف عن بيعتهعليه‌السلام «إنّه ضعيف»( ٢ ) ، أنّه قال: إنّه ثقة( ٣) .

و وضع في مقابل ركوب عايشة البغل لمنع دفن الحسنعليه‌السلام ( ٤ ) ، ركوب امّ كلثوم البغل لمنع أبيها عليّ عن تعاقب ابن عمر( ٥) .

و روى في تسيير عثمان أهل الكوفة و أهل البصرة إلى الشام أيضا غير ما ذكره باقي أهل السير، دفعا للطعن عن عثمان( ٦) .

و روى في مسير أهل البصرة إلى ذي خشب أشياء مضحكة، و أنّ ابن سبأ قدم مصر و وضع لهم رجعة النبيّ، و أنّ عليّا وصيّه، و بثّ دعاته يكتبون إلى الأمصار بكتب في عيوب ولاتهم، فأرسل عثمان محمّد بن مسلمة إلى الكوفة و اسامة إلى البصرة، و ابن عمر إلى الشام، و عمّارا إلى مصر، فرجع الجميع و قالوا: امراؤهم يقسطون بينهم إلاّ عمّار، فكتب ابن أبي سرح: إنّه استماله قوم بمصر، منهم ابن سبأ، و أنّ السبائية توافوا بالمدينة فقالوا لرجلين: نريد أن نذكر لعثمان أشياء زرعناها في قلوب الناس، و نرجع إليهم و نقول: إنّا قررناه بها، فلم يخرج منها، و لم يتب. فنخرج فنخلعه أو نقتله. فخطب عثمان الناس و أخبرهم خبر القوم فقالوا جميعا: اقتلهم فإنّ النبيّ قال: من دعا إلى

____________________

(١) تاريخ الطبري ٣: ٢٠٧، سنة ١١.

(٢) الإمامة و السياسة ١: ٥٣ ٥٤.

(٣) تاريخ الطبري ٤: ٤٤٧، سنة ٣٦.

(٤) انظر: تاريخ اليعقوبي ٢: ٢٢٥، مقاتل الطالبيين: ٤٩، الإرشاد ٢: ١٧ ١٩، شرح ابن أبي الحديد ١٦: ٤٩ ٥١، بحار الأنوار ٤٤: ١٥٦ ١٥٧.

(٥) تاريخ الطبري ٤: ٤٤٦ ٤٤٧، سنة ٣٦.

(٦) المصدر نفسه ٤: ٣٢٦ ٣٢٩، سنة ٣٣.

٤٥٦

نفسه أو إلى أحد و على الناس إمام، فعليه لعنة اللّه فاقتلوه. و قال عمر: لا أحل لكم إلاّ ما قبلتموه و أنا شريككم( ١ ) إلى أن قال: و في سنة (٣٥) خرج أهل مصر على أربعة امراء، و كانوا يشتهون عليّا، و خرج أهل الكوفة في أربعة رفاق و عليهم زيد بن صوحان و الأشتر، و كانوا يشتهون الزبير، و خرج أهل البصرة في أربع رفاق و عليهم حكيم بن جبلة العبدي و كانوا يشتهون طلحة، فنزل أهل البصرة ذا خشب، و أهل الكوفة الأعوص، و أهل مصر بذي المروة، فجاء جمع من المصريين عليّا و قد أرسل ابنه الحسن إلى عثمان، و جاء البصريون طلحة و قد أرسل ابنيه إلى عثمان، و قد جاء الكوفيون إلى الزبير و قد أرسل ابنه إلى عثمان، فصاحوا بهم و أطردوهم و قالوا: لقد علم المؤمنون أنّ جيش ذي مروة و ذي خشب و الأعوص ملعونون على لسان محمّد، فخرجوا و أروا الناس أنّهم يرجعون فكرّوا مع عساكرهم، فقال لهم علي: ما ردّكم بعد ذهابكم؟ قالوا: أخذنا مع بريد كتابا بقتلنا. فقال لهم: كيف علمتم يا أهل الكوفة و أهل البصرة بما لقي أهل مصر؟ و خطب عثمان فقال: ادخلت في الشورى عن غير علم و لا مسألة، ثم أجمع أهل الشورى عن ملأ منهم، و من الناس على غير طلب منّي و لا محبّة، فعملت فيهم ما يعرفون و لا ينكرون، تابعا غير مستتبع، متبعا غير مبتدع، مقتديا غير متكلّف، فلمّا انتهت الامور و انتكث الشّرّ بأهله، بدت ضغائن و أهواء على غير اجرام و لا ترة في ما مضى، إلاّ امضاء الكتاب، فطلبوا أمرا و أعلنوا غيره بغير حجّة و لا عذر، فعابوا عليّ أشياء ممّا كانوا يرضون، و أشياء عن ملأ من أهل المدينة لا يصلح غيرها، فصبرت لهم نفسي و كففتها عنهم منذ سنين و أنا أرى و أسمع، فازدادوا على اللّه جرأة، حتى أغاروا علينا في جوار الرسول و حرمه و أرض الهجرة، و ثابت

____________________

(١) المصدر نفسه ٤: ٣٤٠ ٣٤٦، سنة ٣٥، و النقل بتصرّف و تلخيص.

٤٥٧

إليهم الأعراب، فهم كالأحزاب أيّام الأحزاب أو من غزانا باحد( ١) .

فإنّه من ابن سبأ بمصر و ما فعل، و حيث إنّ بني اميّة كانوا يعبّرون عن الشيعة تهجينا لهم بالسبأية أي: أتباع ابن سبأ القائل: بالهية أمير المؤمنينعليه‌السلام ، صنع هذا الواضع هذا الخبر هكذا، و لم يكن لابن سبأ اسم في أيّام عثمان في كلام غيره.

ثم كيف كان هوى الكوفيين في الزبير و رئيسهم الأشتر؟ و حاله معلوم و زيد ابن صوحان الذي قيل فيه: دينه دين عليّ؟ و كيف كان هوى أهل البصرة في طلحة و رئيسهم حكيم بن جبلة الذي حارب طلحة قبل قدوم أمير المؤمنينعليه‌السلام البصرة، حتى استشهد و جمع كانوا معه حالهم حاله؟

و الأصل في وضعه: أنّ الزبير بايع أمير المؤمنينعليه‌السلام طمعا في الكوفة، و بايعه طلحة طمعا في البصرة. و حديثه في الأحوص و ذي خشب و ذي المروة من الكذب الركيك يكاد يحصل الغثيان منه.

و قد وضعه في مقابل ما روي بطرق عن أمير المؤمنينعليه‌السلام في أهل الجمل: و اللّه لقد علمت صاحبة الهودج أنّ أهل الجمل ملعونون على لسان النبي الامّي، و قد خاب من افترى( ٢) .

كما أنّ قوله: إنّهم أرسلوا أبناءهم لمعاونة عثمان( ٣ ) . كذب محض أمّا أمير المؤمنينعليه‌السلام فكان يمنع الحسنينعليه‌السلام عن الحرب في الجمل و صفين، لئلاّ ينقطع بهما نسل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . و كيف لم ينقل أحد أنّهعليه‌السلام أجاب معاوية عن نسبة قتل عثمان إليه، بأنّه أرسل ابنيه لمدده. و كيف يقول عمرو بن العاص

____________________

(١) تاريخ الطبري ٤: ٣٤٨ ٣٥٢، سنة ٣٥، و النقل بتصرّف و تلخيص.

(٢) رواه فرات الكوفي في تفسيره: ١٤١، في تفسير الآية ٤٠ من سورة الأعراف، و الآية ٦١ من سورة طه.

(٣) تاريخ الطبري ٤: ٣٥٠، سنة ٣٥.

٤٥٨

للحسنعليه‌السلام و قد رآه يطوف بالبيت: أو من الحق أن تطوف بالبيت كما يدور الجمل بالطحن، و عليك ثياب كغرقى البيض و أنت قاتل عثمان؟

و أمّا طلحة فكان محرّضا على عثمان إلى ساعة قتله، و منع من دفنه، فكيف يرسل ابنه و لم يكن ابنه مخالفا له، حتى يروح بنفسه؟ فمع كونه من العبّاد حضر لمحاربة أمير المؤمنينعليه‌السلام برا له بأبيه، حتى قالعليه‌السلام : قتله برّه بأبيه.

نعم، ابن الزبير ذهب من قبل نفسه لمساعدته طمعا أن يحصل له سبب لادعاء الخلافة، و قد كان ادّعى أنّ عثمان أوصى إليه عند قتله. و بغضا لأن يصل الأمر لأمير المؤمنينعليه‌السلام ، إن قتل عثمان كما قال له ذلك معاوية. و أمّا إرسال أبيه له فلا، و كيف و هو قال: إنّه يود أن يقتل عثمان، و لو قتل ابنه قبله، و لم يكن تابع أبيه حتى يمنعه، بل كان أبوه تابعا له، فالزبير قبل نشوئه كان صالحا و معدودا في عداد أهل البيت و الهاشميين و ما وضع له في خطبته من إجماع أهل الشورى على بيعته أيضا خلاف المقطوع، فطلحة لم يكن وقت بيعته حاضرا، و الزبير كان هواه في أمير المؤمنينعليه‌السلام ، و محاجّتهعليه‌السلام ذاك اليوم كيوم السقيفة ممّا ملأ الخافقين، حتى اكرهوه على البيعة، و قد كان عمر أعدّ الأمر لعثمان و وكّل أبا طلحة مع خمسين لقتلهعليه‌السلام لو خالف.

و من العجب عدم حيائه في قوله له: «إنّهم أجمعوا عليه كالأحزاب و يوم احد»( ١ ) . فمؤسس الأحزاب كان حزبه بنو اميّة، و يوم احد يوم فرار عثمان.

و روى سيف أيضا: أنّ سعدا ممّن استقتل لعثمان( ٢ ) . مع أنّه كان باتفاق السير ممّن يطعن في عثمان إلى أن قتل.

و وضع لمغيرة بن الأخنس المنافق الذي مرّ كلام أمير المؤمنينعليه‌السلام فيه:

____________________

(١) تاريخ الطبري ٤: ٣٥٢، سنة ٣٥.

(٢) تاريخ الطبري ٤: ٣٥٣، سنة ٣٥.

٤٥٩

رؤيا في كون قاتله من أهل النار( ١) .

و وضع للزبير: أنّه لمّا سمع بقتل عثمان قال في قتلته: و حيل بينهم و بين ما يشتهون...( ٢ ) . مع أنّ الزبير قال ذلك في عثمان لمّا منع الماء، و لا مناسبة لأن يقوله في قتلته حين قتله لأنّهم كانوا غالبين.

و وضع لطلحة: أنّه لمّا سمع بقتل عثمان قال في قتلته: تبّا لهم فلا يستطيعون توصية و لا إلى أهلهم يرجعون( ٣ ) . مع أنّه أعدّ رجالا يرمون جنازته و يقولون: نعثل نعثل، و لا يخلونه يدفنونه في مقابر المسلمين، مع أنّه لا مناسبة لمّا قال أيضا.

و روى: أنّ عايشة خرجت ممتلئة غيظا على أهل مصر لمّا جاؤوا إلى عثمان( ٤ ) . مع أنّها في طريق الحجّ لمّا رأت ابن عبّاس صار أميرا على الموسم، قالت له: اعطيت لسانا و إيّاك أن تدفع عنه( ٥) .

و روى: أنّ مروان طلب من عايشة الدفاع عن عثمان فقالت: أخاف أن يفعل بي كما فعل بام حبيبة لمّا أرادت الدفاع عنه( ٦ ) . مع أنّ عايشة قالت لمروان:

وددت أنّ صاحبك في غرائري فألقيه في البحر.

و روى: أنّه جعل الزبير وصيّه، و إنّما كان ابنه يدعيها( ٧ ) ، مع أنّ عثمان لمّا اشتد به الحصار نادى اسقونا الماء و أطعمونا ممّا رزقكم اللّه. فناداه

____________________

(١) تاريخ الطبري ٤: ٣٩٠، سنة ٣٥.

(٢) تاريخ الطبري ٤: ٣٩٢، سنة ٥، ٣ و الآية ٥٤ من سورة سبأ.

(٣) تاريخ الطبري ٤: ٣٩٢، سنة ٣٥، و الآية ٥٠ من سورة يس.

(٤) تاريخ الطبري ٤: ٣٨٧، سنة ٣٥.

(٥) تاريخ الطبري ٤: ٤٠٧، سنة ٣٥.

(٦) تاريخ الطبري ٤: ٣٨٧، سنة ٣٥.

(٧) تاريخ الطبري ٤: ٣٨٩، سنة ٣٥.

٤٦٠