بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٩

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة0%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 607

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

مؤلف: الشيخ محمد تقي التّستري
تصنيف:

الصفحات: 607
المشاهدات: 53910
تحميل: 4249


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 607 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 53910 / تحميل: 4249
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 9

مؤلف:
العربية

الزبير: يا نعثل، و اللّه لا تذوقه.

و روى و هو من المضحك الركيك: أنّ الناس لمّا قتلوا عثمان جاء المصريون إلى عليّ، و الكوفيون إلى الزبير، و البصريون إلى طلحة، لبيعتهم و هم يأبون و ينشدون أرجازا( ١ ) ، مع أنّ طلحة و الزبير حرّضا على قتل عثمان لينالا الخلافة، و هوعليه‌السلام يكرّر الشكاية من غصبهم حقّه.

و روى: أنّ طلحة و الزبير بايعاه مكرهين( ٢ ) . مع أنّهما كانا مقرّين بأنّهما بايعاه طوعا، و إنّما كانا مدعيين أنّهما خافا على أنفسهما لو لم يبايعاه، فقالعليه‌السلام : «أقرّا بالبيعة و ادّعيا الوليجة»( ٣ ) . و إنّما وضع ذلك ليصحّح بيعة أبي بكر.

و روى: أنّ طلحة و الزبير اصطلحا مع عثمان بن حنيف على أن يرسلوا كعب بن سور إلى المدينة، هل بايعا طوعا أو مكرها؟ فلم يجبه أحد خوفا من سهل بن حنيف عامل عليّعليه‌السلام سوى اسامة، فقال: بايعاه كارهين. فضربوه حتى أطلقه جمع( ٤ ) . وضع ذلك في مقابل أنّ طلحة و الزبير ضربا عثمان بن حنيف، و نتفا لحيته و أرادا قتله، و لم يقتلوه خوفا على مخلفيهما من أخيه سهل بن حنيف( ٥) .

و روى: أنّ طلحة و الزبير ما غدرا بعثمان بن حنيف، بل هو غدر بهما( ٦) ،

____________________

(١) تاريخ الطبري ٤: ٣٤٩، سنة ٣٥.

(٢) تاريخ الطبري ٤: ٤٣٠، سنة ٣٥.

(٣) قال في نهج البلاغة: و من كلام لهعليه‌السلام يعني به الزبير في حال اقتضت ذلك: يزعم انّه قد بايع بيده و لم يبايع بقلبه فقد أقرّ بالبيعة، و ادّعى الوليجة. انظر نهج البلاغة ١: ٣٨، الخطبة ٨.

(٤) تاريخ الطبري ٤: ٤٦٧ ٤٦٨، سنة ٣٦.

(٥) شرح ابن أبي الحديد ٩: ٣٢٠ ٣٢١.

(٦) تاريخ الطبري ٤: ٤٦٣، سنة ٣٦.

٤٦١

على خلاف جميع السير إلى غير ذلك من أكاذيبه.

و من أكاذيبه العجيبة ما قاله: انّ عليّا لمّا أراد الجمل خطب، فقال: لا يرتحلنّ أحد أعان على عثمان بشي‏ء في شي‏ء من امور الناس. فاجتمع علباء، و عدي بن حاتم و سالم بن ثعلبة، و شريح بن أوفى، و الأشتر ممّن سار إلى عثمان فقال الأشتر: إن يصطلح طلحة و الزبير و علي نغل دمائنا، فهلمّوا فلنتوائب على عليعليه‌السلام فنلحقه بعثمان و تكلّم كلّ منهم بشي‏ء من قبيل الأشتر و تكلّم ابن السوداء فقال: إنّ عزّكم في خلطة الناس فصانعوهم، و إذا التقى الناس غدا فانشبوا القتال، و لا تفرغوهم للنظر و يشغل اللّه عليّا و طلحة و الزبير و من رأى رأيهم عمّا تكرهون( ١) .

و إنّ طلحة و الزبير و عليّا لم يريدوا القتال، و إنّما هؤلاء أنشبوا القتال، فقال طلحة و الزبير لمّا رأيا ذلك: علمنا أنّ عليّا غير منته حتّى نسفك الدماء. و قال عليّ لمّا رأى ذلك: علمت أنّ طلحة و الزبير غير منتهيين حتّى يسفكا الدماء و إن رأى كلّ منهم ألاّ يبدأ بالقتال. و إنّهم قالوا لعايشة: أدركي الناس، فأبوا إلاّ القتال. فبرزت من البيوت فسمعت ضجّة فقالت: «المهزوم من كانت منه الضجّة» فما مجيئها إلاّ الهزيمة فمضى الزبير في وجهه و جاء طلحة سهم غرب( ٢) .

و روى: أنّ عليّا سئل عن حالهم إن ابتلوا بالقتل؟ قال: أرجو أن لا يقتل أحد منّا و منهم نقى قلبه للّه إلاّ أدخله اللّه الجنّة( ٣) .

و روى: أنّ عليّا و عايشة قال كلّ منهما: وددت أنّي متّ قبل الجمل

____________________

(١) تاريخ الطبري ٤: ٤٩٣ ٤٩٤، سنة ٣٦، و النقل بتلخيص.

(٢) تاريخ الطبري ٤: ٥٠٧ ٥٠٨، سنة ٣٦.

(٣) تاريخ الطبري ٤: ٥٣٧، سنة ٣٦.

٤٦٢

بعشرين عاما( ١) .

و روى: أنّ عليّا أمر لرجل قال لعايشة: «توبي فقد خطيت» بضرب مائة مجرّدا( ٢) .

و كذا أمر بضرب آخر قال لها: «جزيت الأم عقوقا» أيضا بالضرب مائة مجردا( ٣) .

و روى: أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سيّر الحكم بن أبي العاص من مكّة إلى الطائف، و هو أيضا ردّه( ٤ ) و ما استحيى أن يقول خلاف المتواتر، و لم يكفه جعل امامه، فإنّه لمّا اعترضوا عليه في ردّه، قال: إنّ النبيّ أجازني في ردّه.

و لقد أغرب في وضع خبر في مقابل قصّة عمرو بن العاص في قتل عثمان، فروى الواقدي: أنّ عمرا لمّا عزله عثمان عن مصر و استعمل ابن أبي سرح، يأتي عليّاعليه‌السلام مرّة فيؤلّبه على عثمان، و يأتي الزبير مرّة فيؤلّبه على عثمان، و يأتي طلحة مرّة فيؤلّبه على عثمان، و يعترض الحاجّ فيخبرهم بما أحدث عثمان، فلمّا كان حصر عثمان الحصر الأوّل خرج من المدينة حتّى انتهى إلى أرض له بفلسطين يقال له السبع، فنزل في قصر له يقال له العجلان و هو يقول: العجب ما يأتينا عن ابن عفّان خبر. فبينا هو جالس في قصره ذلك و معه ابناه محمّد و عبد اللّه و سلامة بن روح الجذامي إذ مرّ بهم راكب فناداه عمرو:

من أين قدم الرجل؟ فقال: من المدينة. فقال: ما فعل الرجل يعني عثمان قال:

تركته محصورا شديد الحصار. قال عمرو: أنا أبو عبد اللّه قد يضرط العير و المكواة في النار. فلم يبرح مجلسه ذلك حتّى مرّ به راكب آخر، فناداه عمرو:

____________________

(١) تاريخ الطبري ٤: ٥٣٧، سنة ٣٦.

(٢) تاريخ الامم و الملوك للطبري ٣: ٥٨، دار الكتب العلمية، بيروت.

(٣) المصدر نفسه ٣: ٥٨.

(٤) تاريخ الطبري ٤: ٣٤٧، سنة ٣٥.

٤٦٣

ما فعل الرجل؟ قال: قتل. قال: أنا أبو عبد اللّه إذا حككت قرحة نكأتها. إن كنت احرّض عليه حتّى إنّي لاحرّض عليه الراعي في غنمه في رأس الجبل. فقال له سلامة بن روح: يا معشر قريش كان بينكم و بين العرب باب فكسرتموه، فما حملكم على ذلك؟ فقال: أردنا أن نخرج الحقّ من خاصرة الباطل، و أن يكون النّاس في الحقّ شرعا سواء( ١) .

فقال سيف: قالوا: لمّا احيط بعثمان، خرج عمرو بن العاص من المدينة نحو الشام، و قال: و اللّه يا أهل المدينة ما يقيم بها أحد فيدركه قتل هذا الرجل إلاّ ضربه اللّه بذل، و من لم يستطع نصره فليهرب. فسار مع ابنيه و خرج بعده حسّان، فبينا عمرو جالس بعجلان و معه ابناه إذ مرّ بهم راكب، قال له: من أين قدمت؟ قال: من المدينة. قال: ما اسمك؟ قال حصيرة. قال عمرو: حصر الرجل فما الخبر؟ قال: تركته محصورا. ثم مكثوا أيّاما فمرّ بهم راكب، فقال:

ما اسمك؟ قال: حرب. قال عمرو: يكون حرب، فما الخبر؟ قال: قتل عثمان و بويع لعليّ. قال عمرو: أنا أبو عبد اللّه يكون حرب من حك فيها قرحة نكأها...( ٢ ) وضع في مقابل ذاك هذا.

ثم إنّه بدل على وضع خبر العنوان خصوصا، سوى ما قلنا من وضع أخباره عموما صدره و ذيله، ففي صدر الخبر: اجتمع إلى عليّ بعد ما دخل طلحة و الزبير في عدّة من الصحابة فقالوا: يا عليّ إنّا قد اشترطنا إقامة الحدود، و إنّ هؤلاء القوم قد اشتركوا في دم الرجل، و أحلّوا بأنفسهم( ٣) .

____________________

(١) تاريخ الطبري ٤: ٣٥٦ ٣٥٧، سنة ٣٥.

(٢) تاريخ الطبري ٤: ٣٥٧، سنة ٣٥.

(٣) تاريخ الطبري ٤: ٤٣٧، سنة ٣٥.

٤٦٤

و في ذيله: و اشتد عليّ على قريش و حال بينهم و بين الخروج على حالها، و إنّما هيّجه على ذلك هرب بني اميّة، و تفرّق القوم و بعضهم يقول: و اللّه لئن ازداد الأمر لا قدرنا على انتصار من هؤلاء الأشرار لترك هذا إلى ما قال علي أمثل و بعضهم يقول: نقضي الذي علينا و لا نؤخّره، و اللّه إنّ عليّا لمستغن برأيه و أمره عنّا، و لا نراه إلاّ سيكون على قريش أشدّ من غيره. فذكر ذلك لعليّ، فقام و ذكر فضلهم و حاجته إليهم، و نظره لهم و قيامه دونهم، و أنّه ليس لعليّ، فقام وذكر فضلهم و حاجته إليهم، و نظره لهم و قيامه دونهم، و أنّه ليس له من سلطانهم إلاّ ذلك و الأجر من اللّه، و نادى: برئت الذمة من عبد لم يرجع إلى مواليه، فتذامرت السبائية و الأعراب، و قالوا: لنا غدا مثلها( ١) .

فكل منهما واضح الجعل، أمّا صدره فبيعتهعليه‌السلام إنّما كانت بتداك الناس عليه حتى كاد يقتل بعضهم بعضا، و طلحة و الزبير قال، أوّلا: إنّهما بايعا إكراها، فمن يبايع مكرها كيف يشترط شيئا؟ و هما كانا مدعيين أنّهما بايعا خوفا، و المبايع خوفا أيضا لا يمكنه، ثم دخالتهما في دمه كانت أمرا معلوما، و كيف لا و قتل مروان لطلحة إنّما كان بثأر عثمان، فكيف يعقل اشتراطهما؟

ثم أمير المؤمنينعليه‌السلام كان قبل خلافته يجري الحدّ الذي يجب إجراؤه، كما حدّ الوليد أخا عثمان لشربه، و أراد قود عبيد اللّه بن عمر بهرمزان لمّا امتنع عثمان من إجراء الحدّ عليه و القصاص منه، حتّى فرّ منه و خرج من المدينة إلى كوفان، فلم يكن محتاجا إلى اشتراط. فيدل تركهعليه‌السلام القصاص من قتلة عثمان، كونه مباح الدم عنده، و إنّما قال الوليد بن عقبة من قبله و قبل مروان و سعيد له بعد: نبايعك على أن تقتل قتلة عثمان. فانتهره و قال له: لزمني ذلك لفعلته أوّلا. و أمّا ذيله فمن قريش التي يقولعليه‌السلام : ليس له من سلطانهم إلاّ ذلك. و إنّما كانعليه‌السلام يقول: أجمعوا على حربي كإجماعهم على حرب

____________________

(١) المصدر نفسه ٤: ٤٣٧ ٣٤٨، سنة ٣٥.

٤٦٥

النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . و الخبيث سمع من بني اميّة سبائية فإنّهم كانوا يعبّرون عن شيعتهعليه‌السلام بالسبائية تهجينا لهم، بأنّهم مثل ابن سبأ في الغلو فيه و القول بالإلهية له، لا ان فرقة سبائية كانت موجودة.

و بالجملة هذا الخبر كباقي أخبار سيف، التي ينقلها الطبري عن السدي عن شعيب عنه، كذب و افتعال، إلاّ أنّ المصنف عفا اللّه عنه، كان مغرما على جمع كلام فصيح منسوب إليهعليه‌السلام ، مع أنّه ليس بتلك الفصاحة مع أنّ خطبة نسبها إلى عثمان التي نقلناها عنه أفصح، فالرجل كان أديبا تاريخيا شاعرا و كان خبيثا داهيا، فكان يقلب كلّ شي‏ء و يموهه بكلمات أدبيّة، و يضع له أراجيز حتّى يلبس الحقّ بالباطل، لكنّ الباطل زهوق، فكل أهل السير من الواقدي و المدائني و صاحب (المغازي) و غيرهم و كلهم من رجالهم أظهروا كذبه، و اللّه يفضح الكاذب فقال: «إنّ طلحة كان من المدافعين عن عثمان»( ١ ) ، و قال:

«لمّا أصاب طلحة سهم قال: اللهمّ خذ منّي لعثمان حتّى ترضى»( ٢ ) إلى غير ذلك من تناقضاته.

و كيف غرّ المصنف به؟ و قد نقل في باب كتبه في التاسع كتابهعليه‌السلام إلى معاوية: و أمّا ما سألت من دفع قتلة عثمان إليك، فإنّي نظرت في هذا الأمر و ضربت أنفه و عينه، فلم أر دفعه إليه، و لا إلى غيرك، و لعمري لئن لم تنزع عن غيّك و شقاقك لتعرفنّهم عن قليل يطلبونك...( ٣) .

و حيث إنّ العنوان مفتعل و ليس من كلامهعليه‌السلام قطعا، لم نتعرّض لشرح فقراته و لكن (سأستمسك) في (المصرية)( ٤ ) محرّف (و سأمسك) بشهادة (ابن

____________________

(١) تاريخ الطبري ٤: ٤٥١، و ٤٦٢، سنة ٣٦.

(٢) المصدر نفسه ٤: ٥٢٧، سنة ٣٦.

(٣) نهج البلاغة ٣: ١١ الكتاب ٩.

(٤) في نهج البلاغة ٢: ٩٩ «و سأمسك» أيضا.

٤٦٦

أبي الحديد و ابن ميثم( ١ ) و الخطيّة).

هذا و في آخر خبر (الطبري): «فاهدؤوا عنّي و انظروا ما ذا يأتيكم ثمّ عودوا»( ٢ ) ، و الظاهر أن الرضيرضي‌الله‌عنه أخذ قوله «و لا تفعلوا فعله...»، من موضع آخر مناسب كما هو دأبه، فيجمع ما روي عنهعليه‌السلام في موضعين و معناهما واحد.

هذا و في (المصرية) التحريف في موضعين أحدهما: في قوله: «و إنّ هذا الأمر»( ٣ ) و ثانيهما: في قوله: «و لا ذاك»( ٤ ) ففي (ابن أبي الحديد و ابن ميثم( ٥ ) و الخطيّة): «إنّ هذا الامر» بدون واو و فيها «و لا هذا».

٢٥ - الكتاب (٥٨) و من كتاب لهعليه‌السلام كتبه إلى أهل الأمصار يقتصّ فيه ما جرى بينه و بين أهل صفّين:

وَ كَانَ بَدْءُ أَمْرِنَا أَنَّا اِلْتَقَيْنَا وَ اَلْقَوْمُ مِنْ أَهْلِ؟ اَلشَّامِ؟ وَ اَلظَّاهِرُ أَنَّ رَبَّنَا وَاحِدٌ وَ نَبِيَّنَا وَاحِدٌ وَ دَعْوَتَنَا فِي اَلْإِسْلاَمِ وَاحِدَةٌ لاَ نَسْتَزِيدُهُمْ فِي اَلْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَ اَلتَّصْدِيقِ بِرَسُولِهِ ص وَ لاَ يَسْتَزِيدُونَنَا اَلْأَمْرُ وَاحِدٌ إِلاَّ مَا اِخْتَلَفْنَا فِيهِ مِنْ دَمِ؟ عُثْمَانَ؟ وَ نَحْنُ مِنْهُ بَرَاءٌ فَقُلْنَا تَعَالَوْا نُدَاوِ مَا لاَ يُدْرَكُ اَلْيَوْمَ بِإِطْفَاءِ اَلنَّائِرَةِ وَ تَسْكِينِ اَلْعَامَّةِ حَتَّى يَشْتَدَّ اَلْأَمْرُ

____________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ٩: ٢٩١، شرح ابن ميثم ٣: ٣٢١.

(٢) تاريخ الامم و الملوك ٢: ٧٠٢، دار الكتب العلميّة بيروت.

(٣) نهج البلاغة ٢: ٩٨.

(٤) نهج البلاغة ٢: ٩٩.

(٥) كذا شرح ابن أبي الحديد ٩: ٢٩١، و لكن في شرح ابن ميثم ٣: ٣٢٠ «و إنّ هذا الأمر» أيضا، مع الواو و «و لا ذاك» كما في النهج.

٤٦٧

وَ يَسْتَجْمِعَ فَنَقْوَى عَلَى وَضْعِ اَلْحَقِّ فِي مَوَاضِعِهِ فَقَالُوا بَلْ نُدَاوِيهِ بِالْمُكَابَرَةِ فَأَبَوْا حَتَّى جَنَحَتِ اَلْحَرْبُ وَ رَكَدَتْ وَ وَقَدَتْ نِيرَانُهَا وَ حَمِشَتْ فَلَمَّا ضَرَّسَتْنَا وَ إِيَّاهُمْ وَ وَضَعَتْ مَخَالِبَهَا فِينَا وَ فِيهِمْ أَجَابُوا عِنْدَ ذَلِكَ إِلَى اَلَّذِي دَعَوْنَاهُمْ إِلَيْهِ فَأَجَبْنَاهُمْ إِلَى مَا دَعَوْا وَ سَارَعْنَاهُمْ إِلَى مَا طَلَبُوا حَتَّى اِسْتَبَانَتْ عَلَيْهِمُ اَلْحُجَّةُ وَ اِنْقَطَعَتْ مِنْهُمُ اَلْمَعْذِرَةُ فَمَنْ تَمَّ عَلَى ذَلِكَ مِنْهُمْ فَهُوَ اَلَّذِي أَنْقَذَهُ اَللَّهُ مِنَ اَلْهَلَكَةِ وَ مَنْ لَجَّ وَ تَمَادَى فَهُوَ اَلرَّاكِسُ اَلَّذِي رَانَ اَللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ وَ صَارَتْ دَائِرَةُ اَلسَّوْءِ عَلَى رَأْسِهِ أقول: لم أقف على سند له، و لا يبعد كونه مثل سابقه من روايات سيف الموضوعة، و الطبري و إن لم ينقله لكن لا يبعد أخذ المصنف له من أصل كتاب سيف، و إلاّ فكيف يقولعليه‌السلام : الأمر واحد إلاّ ما اختلفنا فيه من دم عثمان، و نحن منه برآء؟ فإن المراد بقوله (و نحن) هوعليه‌السلام و أهل الحجاز و أهل العراق، في مقابل أهل الشام، مع أنّ من المقطوع أنّه كان في أصحابه المجلبون على عثمان و المباشرون لقتله، و انّما الاختلاف بينهم أنّ أصحابه المجلبون على عثمان و المباشرون لقتله، و انّما الاختلاف بينهم أنّ أصحابه كانوا يقولون مثلهعليه‌السلام ان عثمان كان حلال الدم، لا يستحق قاتله قصاصا، و أهل الشام كانوا يقولون: كان عثمان خليفة حقّا، يجب قتال قاتليه و قتال المحامين عنهم، و إن لم يكونوا من القاتلين، كأمير المؤمنينعليه‌السلام و أهل بيته.

ففي (صفين نصر): قال زيد بن وهب الجهني: إنّ عمّارا نادى يومئذ: أين من يبتغي رضوان ربه، و لا يؤب إلى مال و لا ولد؟ فأتته عصابة، فقال:

اقصدوا بنا نحو هؤلاء القوم الذين يبغون دم عثمان، و يزعمون أنّه قتل مظلوما، و اللّه إن كان إلاّ ظالما لنفسه، الحاكم بغير ما أنزل اللّه( ١) .

____________________

(١) وقعة صفّين: ٣٢٦.

٤٦٨

و روى عن عبد الرحمن بن جندب عن أبيه، قال: قام عمّار بصفّين فقال:

امضوا عباد اللّه إلى قوم يطلبون في ما يزعمون بدم الظالم لنفسه، الحاكم على عباد اللّه بغير ما في كتاب اللّه، إنّما قتله الصالحون المنكرون للعدوان، الآمرون بالإحسان، فقال هؤلاء الذين لا يبالون إذا سلمت لهم دنياهم لو درس هذا الدين: لم قتلتموه؟ فقلنا: لأحداثه. فقالوا: إنّه ما أحدث شيئا، و ذلك لأنّه مكّنهم من الدّنيا، فهم يأكلونها و يرعونها، و لا يبالون لو انهدت عليهم الجبال، و اللّه ما أظنّهم يطلبون دمه، إنّهم ليعلمون إنه لظالم، و لكن القوم ذاقوا الدّنيا فاستحبوها و استمرؤها، و علموا لو أن الحقّ لزمهم، لحال بينهم و بين ما يرعون فيه منها، و لم يكن للقوم سابقة في الإسلام يستحقون بها الطاعة و الولاية، فخدعوا أتباعهم بأن قالوا: قتل إمامنا مظلوما، ليكونوا بذلك جبابرة و ملوكا( ١) .

و عن الأفريقي بن أنعم في حديث جمع ذي الكلاع بين عمّار و عمرو بن العاص، لحديث سمعه ذو الكلاع من عمرو في أيام عمر، ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: عمّار تقتله الفئة الباغية( ٢) .

قال عمرو لعمّار: فما ترى في قتل عثمان؟ قال: فتح لكم باب كلّ سوء. قال عمرو: فعليّ قتله؟ قال عمّار: بل اللّه ربّ عليّ قتله، و عليّ معه. قال عمرو: فلم قتلتموه؟ قال عمّار: أراد أن يغيّر ديننا فقتلناه( ٣) .

و روى في حديث مشي القرّاء بين معاوية و بين أمير المؤمنينعليه‌السلام ، أنّ القرّاء قالوا لهعليه‌السلام : إنّ معاوية يقول لك: إن كنت صادقا في أنّك لم تأمر بقتل

____________________

(١) وقعة صفّين: ٣١٩.

(٢) وقعة صفّين: ٣٣٢ ٣٣٥، و النقل بتصرّف و تلخيص.

(٣) وقعة صفّين: ٣٣٨ ٣٣٩.

٤٦٩

عثمان، و لم تمالى‏ء على قتله، فادفع إلينا قتلته أو أمكنا منهم؟ فقال عليعليه‌السلام :

القوم تأوّلوا عليه القرآن، و وقعت الفرقة و قتلوه في سلطانه، و ليس على ضربهم قود( ١) .

و روى في حديث بعث معاوية حبيب بن مسلمة و شرحبيل بن السمط إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام أنّهما قالا لعليعليه‌السلام : أ تشهد أنّ عثمان قتل مظلوما؟ فقال لهما: إنّي لا أقول ذلك. قالا: فمن لم يشهد أنّ عثمان قتل مظلوما فنحن منه برآء. ثم قاما و انصرفا، فقال عليعليه‌السلام : إنّك لا تسمع الموتى و لا تسمع الصمّ الدّعاء إذا ولّوا مدبرين. و ما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم إن تسمع إلاّ من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون( ٢) .

و روى في حديث بعث معاوية أبا إمامة الباهلي و أبا الدرداء إليهعليه‌السلام لمّا كانا قالا لمعاوية: علام تقاتل عليّا؟ فو اللّه لهو أقدم منك إسلاما و أقرب إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و أحقّ بالأمر. و قال لهما معاوية: على دم عثمان و إيوائه قتلته، فإن يقدني من قتلته أكن أوّل من يبايعه من أهل الشام. فقدما عليهعليه‌السلام و أبلغاه كلام معاوية: أنّ علياعليه‌السلام قال لهما: هم الذين ترون. فخرج عشرون ألفا أو أكثر مسربلين في الحديد، لا يرى منهم إلاّ الحدق، فقالوا: كلّنا قتله فإن شاؤوا فليروموا ذلك منّا( ٣) .

و روى في حديث بعث معاوية أبا مسلم الخولاني بكتاب إليهعليه‌السلام : فقال أبو مسلم لعليّعليه‌السلام : إنّك قد قمت بأمر ولّيته، و اللّه ما احب أنّه لغيرك إن أعطيت الحق من نفسك، إنّ عثمان قتل مسلما محروما مظلوما، فادفع إلينا قتلته و أنت

____________________

(١) وقعة صفّين: ١٨٨ ١٨٩.

(٢) وقعة صفّين: ٢٠٠ ٢٠٢، و النقل بتلخيص، و الآيات ٥٢ ٥٣ من سورة الروم.

(٣) وقعة صفّين: ١٩٠.

٤٧٠

أميرنا، فإن خالفك من الناس أحد كانت أيدينا لك ناصرة، و ألسنتنا لك شاهدة، و كنت ذا عذر و حجّة.

فقال له عليعليه‌السلام : اغد عليّ غدا فخذ جواب كتابك. فانصرف ثم رجع من غد ليأخذ جواب كتابه، فوجد الناس قد بلغهم الذي جاء فيه قبل، فلبست الشيعة أسلحتها، ثم غدوا فملؤوا المسجد فنادوا: كلّنا قتلة عثمان. و أكثروا من النداء بذلك، فقال أبو مسلم لعليّعليه‌السلام : لقد رأيت قوما مالك معهم أمر. قال: و ما ذاك؟

قال: بلغ القوم أنّك تريد أن تدفع إلينا قتلة عثمان، فضجّوا و اجتمعوا و لبسوا السلاح و زعموا أنّهم كلهم قتلة عثمان. فقال عليعليه‌السلام : و اللّه ما أردت أن أدفعهم إليك طرفة عين قط، لقد ضربت هذا الأمر أنفه و عينه، فما رأيته ينبغي لي أن أدفعهم إليك و لا إلى غيرك.

فخرج أبو مسلم و هو يقول: الآن طاب الضراب( ١) .

و روى في حديث الفتى الشامي الذي حمل على هاشم المرقال و أصحابه القرّاء و جعل يلعن و يشتم: أنّ هاشما قال له: اتّق اللّه فإنّك راجع إلى ربّك فسائلك عن هذا الموقف و ما أردت به، فقال: اقاتلكم لأنّ صاحبكم قتل خليفتنا، و أنتم وازرتموه على قتله. فقال له هاشم: و ما أنت و ابن عفان، إنّما قتله أصحاب محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و قرّاء الناس، حين أحدث أحداثا و خالف حكم الكتاب؟

و أصحاب محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هم أصحاب الدين و أولى بالنظر في امور المسلمين( ٢) .

و روى في أراجيز الشاميين:

ان عليا قتل ابن عفّان

خليفة اللّه على تبيان

____________________

(١) وقعة صفّين: ٨٥ ٨٦.

(٢) وقعة صفّين: ٣٥٤ ٣٥٥.

٤٧١

ردوا علينا شيخنا كما كان( ١)

و في أراجيز العراقيين رجز بعضهم:

أبت سيوف مذحج و همدان

بأن نرد نعثلا كما كان

خلقا جديدا بعد خلق الرحمن( ٢)

و رجز بعضهم:

نحن قتلنا صاحب المرّاق

و قائد البغاة و الشقاق

عثمان يوم الدار و الإحراق( ٣)

و رجز بعضهم:

نحن قتلنا نعثلا بالسيرة

إذ صدّ عن أعلامنا المنيره

يحكم بالجور على الشعيره

نحن قتلنا قبله المغيره( ٤)

و المراد بالمغيرة ابن عمّ عثمان، الذي كسر أسنان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم احد و شجّ رأسه، و لمّا انهزم الكفار في الأحزاب كان المغيرة نائما فأيقظته الشمس و كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أهدر دمه فاستجار بعثمان، فشفع له عثمان، فأمهله بشرط ألاّ يرى بعد ثلاثة، فبقي بعدها، فبعث النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقتله.

و روى: أنّ رجلا من أهل الشام صاح:

ردّوا علينا شيخنا ثم بجل

و لا تكونوا جزرا من الأسل

فأجابه رجل من العراق:

كيف نردّ نعثلا و قد قحل

نحن ضربنا رأسه حتى انجفل

____________________

(١) وقعة صفّين: ٢٢٨.

(٢) وقعة صفّين: ٢٢٨.

(٣) وقعة صفّين: ٣٨٣، و القائل: همّام بن الأغفل الثقفي.

(٤) وقعة صفّين: ٣٨٣، و القائل: محمّد بن أبي سبرة بن أبي زهير القرشيّ.

٤٧٢

لمـّا حكم حكم الطواغيت الأول

و جار في الحكم و جار في العمل( ١)

و روى في حديث التحكيم: أنّ حمرة بن مالك خطيب الشام قام بين الصفّين، فقال: انشدكم اللّه يا أهل العراق ألاّ أخبرتمونا لم فارقتمونا؟ قالوا:

لأنّ اللّه عزّ و جلّ أحلّ البراءة ممّن حكم بغير ما أنزل اللّه، فتولّيتم الحاكم بغير ما أنزل اللّه، و قد أمر اللّه بعداوته و حرّمتم دمه و قد أمر اللّه بسفكه، فعاديناكم لأنّكم حرّمتم ما أحل اللّه و حلّلتم ما حرم اللّه، و عطّلتم أحكام اللّه و اتبعتم هواكم بغير هدى من اللّه.

فقال حمرة: قتلتم خليفتنا و نحن غيّب عنه، بعد أن استتبتموه فتاب، فعجلتم عليه فقتلتموه، فنذكركم اللّه لمّا أنصفتم الغائب المتّهم لكم، فإنّ قتله لو كان عن ملأ من الناس و مشورة كما كانت إمرته، لم يحل لنا الطلب بدمه، و قد رضينا أن تعرضوا ذنوبه على كتاب اللّه أوّلها و آخرها، فإن أحلّ الكتاب دمه برئنا منه و ممّن تولاّه و من يطلب بدمه، و كنتم اجرتم في أوّل يوم و آخره. و إن كان كتاب اللّه يمنع دمه و يحرّمه تبتم إلى اللّه ربكم، و أعطيتم الحق من أنفسكم في سفك دم بغير حلّه، بعقل أو قود أو براءة ممّن فعل ذلك و هو ظالم، و نحن قوم نقرأ القرآن و ليس يخفى علينا منه شي‏ء، فأفهمونا الأمر الذي استحللتم عليه دماءنا إلى أن قال: فقالوا له: قد قبلنا من عثمان حين دعي إلى اللّه و التوبة من بغيه و ظلمه، و قد كان منّا عنه كف حين أعطانا أنّه تائب، حتى جرى علينا حكمه بعد تعريفه ذنوبه، فلمّا لم يتم التوبة و خالف بفعله عن توبته، قلنا: اعتزلنا نولّ أمر المسلمين رجلا يكفيك و يكفينا، فإنّه لا يحل لنا أن نولّي أمرهم رجلا نتّهمه في دمائنا و أموالنا. فأبى ذلك و أصرّ،

____________________

(١) وقعة صفّين: ٢٢٨ ٢٢٩.

٤٧٣

فلمّا ان رأينا ذلك قتلناه( ١) .

و بالجملة، فرض صحّة قوله (و نحن منه برآء)، يستلزم أن يكون قاتل عثمان الجن أو الملائكة.

ثمّ يظهر ممّا مرّ أنّ طريقة عامّة الأعصار المتأخرة عن عصر أمير المؤمنينعليه‌السلام ، في قولهم بأبي بكر و عمر و عثمان و بهعليه‌السلام ، خلاف إجماع الامّة في عصرهعليه‌السلام ، لأنّ جمهور أهل السّنة كانوا يقولون بأبي بكر و عمر و بهعليه‌السلام ، و الاموية و من كان هواه هواهم، كأهل الشام عموما و معدود من ساير البلاد خصوصا، كانوا يقولون بأبي بكر و عمر و عثمان دونهعليه‌السلام .

و أما الجمع بينهعليه‌السلام و بين عثمان فكان كالجمع بين الضدّين. و لمّا حملت الاموية في مدّة سلطنتهم القول بعثمان على رقاب الناس بالسيف، حتى صار دينا عند متأخريهم وضعوا الجمع تصحيحا لمذهبهم.

و أما قوله: (لا نستزيدهم في الإيمان باللّه و التصديق برسوله) فإنّ اوّل بجعله مربوطا بقوله: (و الظاهر أنّ ربّنا واحد، و نبيّنا واحد، و دعوتنا في الإسلام واحدة)، بمعنى أنّ الظاهر أنّا لا نستزيدهم لأنّهم يقولون: أشهد ألاّ إله إلاّ اللّه كما نقول، و يقولون: أشهد أنّ محمّدا رسول اللّه كما نقول، و إلاّ فعدم استزادة الإيمان و التصديق مذهب أبي حنيفة ففي (تاريخ بغداد): قال شريك:

كفر أبو حنيفة بآيتين من كتاب اللّه تعالى... و يقيموا الصلاة و يؤتوا الزكاة و ذلك دين القيّمة( ٢ ) ، و و ليزدادوا ايمانا مع إيمانهم...( ٣ ) ، و زعم أبو حنيفة أنّ الإيمان لا يزيد و لا ينقص. و زعم أنّ الصلاة ليست من دين اللّه( ٤) .

____________________

(١) وقعة صفّين: ٥١٤ ٥١٦.

(٢) البيّنة: ٥.

(٣) الفتح: ٤.

(٤) تاريخ بغداد ١٣: ٣٧٦.

٤٧٤

و عن الفزاري، قال أبو حنيفة: إيمان آدم و إيمان إبليس واحد قال إبليس:

ربّ بما أغويتني...( ١ ) و قال:... ربّ فأنظرني إلى يوم يبعثون( ٢ ) ، و قال آدم:... ربنا ظلمنا أنفسنا...( ٣) .

و عن القاسم بن عثمان: مرّ أبو حنيفة بسكران يبول قائما، فقال له أبو حنيفة: لو بلت جالسا. فنظر السكران في وجهه و قال: ألا تمرّ يا مرجى‏ء؟ فقال أبو حنيفة: هذا جزائي منك صيّرت إيمانك كإيمان جبرئيل( ٤) .

مع أنّ معاوية و أصحابه لم يكونوا من الإسلام في شي‏ء، فروى (صفين نصر): عن شيخ من بكر بن وائل: كنّا مع عليّعليه‌السلام بصفّين إلى أن قال فقالعليه‌السلام : و الذي فلق الحبة، و برأ النسمة، ما أسلموا و لكن استسلموا، و أسرّوا الكفر حتّى وجدوا عليه أعوانا، رجعوا إلى عداوتهم منّا إلاّ أنّهم لم يدعوا الصلاة( ٥) .

و عن أبي إسحاق الشيباني، قال: قرأت كتاب الصلح عند سعيد بن أبي بردة، في صحيفة صفراء عليها خاتمان، خاتم من أسفلها و خاتم من أعلاها، في خاتم عليعليه‌السلام محمّد رسول اللّه و في خاتم معاوية محمّد رسول اللّه فقيل لعليعليه‌السلام حين أراد أن يكتب الكتاب بينه و بين معاوية و أهل الشام: أ تقرّ أنّهم مؤمنون مسلمون؟ فقال: ما أقرّ لمعاوية و لا لأصحابه أنّهم مؤمنون و لا مسلمون، و لكن يكتب معاوية ما شاء و يسمّي نفسه و أصحابه ما شاء( ٦) .

____________________

(١) الحجر: ٣٩.

(٢) الحجر: ٣٦.

(٣) تاريخ بغداد ١٣: ٣٣٧، و الآية ٢٣ من سورة الاعراف.

(٤) المصدر نفسه.

(٥) وقعة صفّين: ٢١٥.

(٦) وقعة صفّين: ٥٠٩ ٥١٠.

٤٧٥

و عن الأصبغ قال: جاء رجل إلى عليعليه‌السلام فقال: هؤلاء القوم الذين نقاتلهم، الدعوة واحدة، و الرسول واحد، و الصلاة واحدة، و الحج واحد، فبم نسمّيهم؟

قالعليه‌السلام : بما سمّاهم اللّه في كتابه. قال: ما كلّ في الكتاب أعلمه. قال: أما سمعت اللّه عزّ و جلّ قال: تلك الرسل فضّلنا بعضهم على بعض... و لو شاء اللّه ما اقتتل الذين من بعدهم من بعد ما جاءتهم البيّنات. و لكن اختلفوا فمنهم من آمن و منهم من كفر...( ١ ) فلمّا وقع الاختلاف كنّا نحن أولى باللّه و بالكتاب و بالنبي و بالحق؟ فنحن الذين آمنوا و هم الذين كفروا، و شاء اللّه قتالهم فقاتلناهم هدى بمشية اللّه ربّنا، و إرادته( ٢) .

و عن أسماء بن الحكم الفزاري قال: كنّا مع عليّعليه‌السلام بصفّين تحت راية عمّار ارتفاع الضحى و استظللنا ببرد أحمر، إذ أقبل رجل يستقرى‏ء الصف حتّى انتهى إلينا، فقال: أيّكم عمّار؟ فقال عمّار: أنا. قال: أبو اليقظان؟ قال: نعم. قال:

إنّ لي إليك حاجة فأنطق بها سرّا أو علانية؟ قال: اختر لنفسك أيّ ذلك شئت.

قال: لا بل علانية. قال: فانطق. قال: إنّي خرجت من أهلي مستبصرا في الحق الذي نحن عليه، لا أشك في ضلالة هؤلاء القوم، و أنّهم على الباطل، و لم أزل على ذلك مستبصرا، حتى كان ليلتي هذه، فتقدّم منادينا فشهد ألاّ إله إلاّ اللّه، و أن محمّدا رسول اللّه، و نادى بالصلاة فنادى مناديهم بمثل ذلك، ثمّ أقيمت الصلاة فصلّينا صلاة واحدة، و دعونا دعوة واحدة، و تلونا كتابا واحدا، فأدركني الشّك، فبتّ بليلة لا يعلمها إلاّ اللّه حتى أصبحت فأتيت أمير المؤمنينعليه‌السلام فذكرت ذلك له، فقال: هل لقيت عمّارا؟ قلت لا. قال: فالقه فانظر ما يقول لك فاتبعه فجئتك لذلك. فقال له عمّار: هل تعرف صاحب الراية

____________________

(١) البقرة: ٢٥٣.

(٢) وقعة صفّين: ٣٢٢ ٣٢٣.

٤٧٦

السوداء؟ لمقابلتي فإنّها راية عمرو بن العاص، قاتلتها مع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثلاث مرّات و هذه الرابعة، ما هي بخيرهنّ و لا أبرّهنّ، بل هي شرّهنّ و أفجرهنّ.

أشهدت بدرا و احدا و حنينا، أو شهدها أب لك فيخبرك عنها؟ قال: لا. قال: فإنّ مراكزنا على مراكز رايات النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم بدر و يوم احد و يوم حنين. و إنّ هؤلاء على مراكز رايات المشركين من الأحزاب، هل ترى هذا العسكر و من فيه؟ فو اللّه لوددت أنّ جميع من أقبل مع معاوية كانوا خلقا واحدا فقطعته و ذبحته...( ١) .

و روى: أنّ عمّارا خرج في اليوم الثالث من أيّام صفين و جعل يقول: يا أهل الإسلام أ تريدون أن تنظروا إلى من عادى اللّه و رسوله؟ و جاهدهما و بغى على المسلمين و ظاهر المشركين فلمّا أراد اللّه أن يظهر دينه و ينصر رسوله أتى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأسلم، و هو و اللّه في ما يرى راهب غير راغب، و قبض اللّه رسوله و إنّا و اللّه لنعرفه بعداوة المسلم و مودة المجرم؟ ألا و إنّه معاوية فالعنوه لعنه اللّه و قاتلوه فإنّه ممّا يطفى‏ء نور اللّه و يظاهر أعداء اللّه( ٢) .

و روى عن منذر الثوري قال: قال عمار: و اللّه ما أسلم القوم و لكن استسلموا، و أسروا الكفر حتّى وجدوا علينا أعوانا( ٣) .

و روى المسعودي تأسفه على عدم قدرته على محو اسم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و عدم سكون غليله بما فعل بعترته، مع وصوله السلطنة بواسطته( ٤) .

و كما عرفت أنّ قوله (و نحن منه برآء) لكونه خلاف الواقع دالّ على وضع العنوان كذلك على ما رتب عليه من قوله: (فقلنا تعالوا نداو ما لا يدرك

____________________

(١) وقعة صفّين: ٣٢١.

(٢) وقعة صفّين: ٢١٤.

(٣) وقعة صفّين: ٢١٦.

(٤) لا وجود له في مروج الذهب للمسعودي و لا التنبية و الاشراف للمسعودي.

٤٧٧

اليوم بإطفاء النائرة و تسكين العامّة، حتى يشتدّ الأمر و يستجمع فنقوى على وضع الحقّ مواضعه)، فأيّ وقت قالعليه‌السلام : أمهلوني حتّى يستحكم أمري فأطلب القصاص من قتلة عثمان و قتلة عثمان خواصهعليه‌السلام .

و قوله: (فقالوا بل نداويه بالمكابرة فأبوا)، مختل فإنّما بالمناسب أن يقال:

(فأبوا و قالوا: بل نداويه بالمكابرة).

كما أنّ قوله: (حتّى جنحت الحرب و ركدت و وقدت نيرانها و حمشت) ليست ألفاظه بتلك السلاسة و (جنح) يستعمل للميل إلى المحبوب كما في قوله تعالى: و إن جنحوا للسلم فاجنح لها...( ١ ) ، و لم يعلم استعماله للميل إلى المكروه كما فيه، و إنّما يصحّ أن يقال: (جنح البعير) إذا انكسرت جوانحه و أضلاعه من الحمل، و لا مناسبة لذلك المعنى هنا.

و أما قوله (فلمّا ضرّستنا و إيّاهم و وضعت مخالبها فينا و فيهم أجابوا عند ذلك إلى الذي دعوناهم إليه) فأيّ حكيم يتكلّم كذلك؟ فكلمة (لمّا) تفيد العلّية، فهل إجابة معاوية إن فرضت إجابة كانت لتضريس الحرب لأمير المؤمنينعليه‌السلام ؟ و إنّما كانت لانهزامه حتى أراد الفرار، مع أنّ تسميته إجابة غلط واضح، و إنّما كانت دعوتهم إلى القرآن حيلة ليوقعوا بها الاختلاف بين أصحابهعليه‌السلام ففي (صفين نصر): أنّ عليّاعليه‌السلام لمّا خطب و قال: «و أنا غاد عليهم احاكمهم إلى اللّه عزّ و جلّ»، بلغ ذلك معاوية فدعا عمرو بن العاص، فقال: يا عمرو إنّما هي الليلة حتى يغدو علينا عليّ بالفيصل، فما ترى؟ قال:

أرى أنّ رجالك لا يقومون لرجاله، و لست مثله، هو يقاتلك على أمر، و أنت تقاتله على غيره، أنت تريد البقاء و هو يريد الفناء، و أهل العراق يخافون منك إن ظفرت بهم، و أهل الشام لا يخافون عليّا إن ظفر بهم، و لكن الق إليهم أمرا إن

____________________

(١) الأنفال: ٦١.

٤٧٨

قبلوه اختلفوا، و إن ردّوه اختلفوا ادعهم إلى كتاب اللّه حكما فيما بينك و بينهم، فإنّك بالغ به حاجتك في القوم، فإنّي لم أزل اؤخر هذا الأمر لحاجتك إليه.

فعرف ذلك معاوية، فقال: صدقت( ١) .

و فيه: قال تميم بن حذيم: لمّا أصبحنا من ليلة الهرير نظرنا فإذا أشباه الرايات أمام صف أهل الشام وسط الفيلق من حيال موقف معاوية، فلمّا إن أسفرنا، فإذا هي المصاحف قد ربطت على أطراف الرماح، و هي عظام مصاحف العسكر، و قد شدوا ثلاثة رماح جميعا و قد ربطوا عليها مصحف المسجد الأعظم، يمسكه عشرة رهط.

و قال أبو جعفر و أبو الطفيل: استقبلوا عليّا بمائة مصحف، و وضعوا في كلّ مجنبة مائتي مصحف، و كان جميعها خمسمائة مصحف. قال أبو جعفر:

ثمّ قام الطفيل بن أدهم حيال عليّعليه‌السلام ، و قام أبو شريح الجذامي حيال الميمنة، و قام ورقاء المعمّر حيال الميسرة، ثمّ نادوا: يا معشر العرب اللّه اللّه في نسائكم و بناتكم، فمن للروم و الأتراك و أهل فارس غدا إذا فنيتم؟ اللّه اللّه في دينكم، هذا كتاب اللّه بيننا و بينكم. فقال عليعليه‌السلام : اللهمّ إنّك تعلم أنّهم ما الكتاب يريدون، فاحكم بيننا و بينهم إنّك أنت الحق المبين. فاختلف أصحاب عليعليه‌السلام في الرأي، طائفة قالت: القتال. و طائفة قالت: لا يحلّ لنا الحرب، و قد دعينا إلى حكم الكتاب. فعند ذلك بطلت الحروب و وضعت أوزارها( ٢) .

كما أنّ قوله: (فأجبناهم إلى ما دعوا و سارعناهم إلى ما طلبوا) إفتراء محض، فقد عرفت أنّهعليه‌السلام قال: «اللهمّ انّك تعلم أنّهم ما الكتاب يريدون، فاحكم بيننا و بينهم إنّك أنت الحق المبين». فكيف يصحّ هذا الكلام؟ و قالعليه‌السلام

____________________

(١) وقعة صفّين: ٤٧٦ ٤٧٧.

(٢) وقعة صفّين: ٤٧٨ ٤٧٩.

٤٧٩

لمّا أراد المسير إليهم: سيروا إلى بقيّة الأحزاب، سيروا إلى أعداء السنن و القرآن.

و كيف سارععليه‌السلام إلى ما طلبوا و أجابهم إلى ما دعوا، أو يكون سارع أصحابه المستقيمون؟ و إنّما سارع الذين صاروا خوارج و الأشعث.

و في (صفين نصر) و غيره من السير: لمّا رفع أهل الشام المصاحف على الرماح يدعون إلى حكم القرآن، قال عليعليه‌السلام : عباد اللّه أنا أحقّ من أجاب إلى كتاب اللّه، و لكنّ معاوية و عمرو بن العاص و ابن أبي معيط، و حبيب بن مسلمة، و ابن أبي سرح، ليسوا بأصحاب دين و لا قرآن، إنّي أعرف بهم منكم، صحبتهم أطفالا و صحبتهم رجالا، فكانوا شرّ أطفال و شر رجال، إنّها كلمة حقّ يراد بها باطل، إنّهم و اللّه ما رفعوها لأنّهم يعرفونها و لا يعملون بها، و ما رفعوها لكم إلاّ خديعة و مكيدة، أعيروني سواعدكم و جماجمكم ساعة واحدة، فقد بلغ الحقّ مقطعه و لم يبق إلاّ أن يقطع دابر الذين ظلموا.

فجاءه زهاء عشرين ألفا مقنّعين في الحديد، شاكي السلاح سيوفهم على عواتقهم، و قد اسودت جباههم من السجود، يتقدّمهم مسعر بن فدكي و زيد بن حصين، و عصابة من القرّاء الذين صاروا خوارج من بعد، فنادوه باسمه لا بإمرة المؤمنين: يا عليّ أجب القوم إلى كتاب اللّه إذ دعيت إليه، و إلاّ قتلناك كما قتلنا ابن عفّان، فو اللّه لنفعلنّها إن لم تجبهم. فقالعليه‌السلام لهم: ويحكم أنّا أوّل من دعا إلى كتاب اللّه، و أوّل من أجاب إليه، و ليس يحلّ لي و لا يسعني في ديني أن ادعى إلى كتاب اللّه فلا أقبله، إنّي إنّما اقاتلهم ليدينوا بحكم القرآن، فإنّهم قد عصوا اللّه في أمرهم و نقضوا عهده، و نبذوا كتابه، و لكنّي قد أعلمتكم أنّهم قد كادوكم، و أنّهم ليس العمل بالقرآن يريدون. قالوا: فابعث إلى الأشتر ليأتينّك.

٤٨٠