بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٩

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة0%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 607

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

مؤلف: الشيخ محمد تقي التّستري
تصنيف:

الصفحات: 607
المشاهدات: 53859
تحميل: 4240


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 607 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 53859 / تحميل: 4240
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 9

مؤلف:
العربية

و دروس الشريعة، فلمّا بطل الوجهان ثبت الثالث بالاضطرار، و هو أن بعضها حقّ و بعضها باطل، فإذا كان كذلك فلا بد من دليل على ما يحقّ منها ليعتقد و ينفى خلافه.

و روايتك هذه من الأخبار التي أدلّتها باطلة في أنفسها، و ذلك أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحكم الحكماء، و أولى النّاس بالصدق، و أبعد النّاس من الأمر بالمحال، و حمل النّاس على التديّن بالخلاف إلى أن قال: فإن كان أبو بكر و عمر مختلفين فكيف يجوز الاقتداء بهما؟ و هذا تكليف ما لا يطاق، لأنّك إذا اقتديت بواحد فقد خالفت الآخر.

و الدليل على اختلافهما: أنّ أبا بكر سبى أهل الردة و ردّهم عمر أحرارا، و أشار عمر على أبي بكر بعزل خالد و قتله بمالك بن نويرة، فأبى أبو بكر عليه، و حرم عمر المتعتين و لم يفعل ذلك أبو بكر إلى أن قال:

فقال آخر: إنّ النبيّ قال: (لو كنت متّخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا).

فقال المأمون: هذا مستحيل من قبل أنّ رواياتكم ان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمّا آخى بين أصحابه آخى عليّاعليه‌السلام و قال له: (ما أخّرتك إلاّ لنفسي).

فقال الآخر: إنّ عليّا قال على المنبر: (خير هذه الامّة بعد نبيّها أبو بكر و عمر).

قال المأمون: هذا مستحيل من قبل أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لو علم أنّهما أفضل، ما ولّى عليهما مرّة عمرو بن العاص و مرّة اسامة بن زيد. و ممّا يكذب هذه الرواية قول عليّعليه‌السلام لمّا قبض النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا أولى بمجلسه منّي بقميصي، و لكنّي أشفقت أن يرجع النّاس كفّارا.

فقال آخر: فإنّ أبا بكر أغلق بابه و قال: (هل من مستقيل فأقيله)؟ فقال عليّ:

(قدّمك النبيّ فمن ذا يؤخرك).

٥٠١

فقال المأمون: هذا باطل من قبل أنّ عليّاعليه‌السلام قعد عن بيعة أبي بكر. و رويتم حتّى قبضت فاطمةعليها‌السلام ، و أنّها أوصت أن تدفن ليلا لئلاّ يشهدا جنازتها.

و أيضا: إن كان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم استخلفه فكيف كان له أن يستقيل، و كيف يقول للأنصار: قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين أبا عبيدة و عمر؟

فقال آخر: إنّ عمرو بن العاص قال: يا نبيّ اللّه من أحب النساء إليك من النساء؟ قال عايشة، فقال: من من الرجال؟ فقال: أبوها.

فقال: هذا باطل من قبل أنّكم رويتم أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان بين يديه طائر مشوي فقال: اللهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك، فكان عليّعليه‌السلام .

فقال آخر: فإنّ عليّاعليه‌السلام قال: من فضّلني على أبي بكر و عمر جلدته حدّ المفتري.

فقال المأمون: كيف يجوز أن يقول عليّعليه‌السلام : أجلد الحد على من لا يجب حدّ عليه، فيكون متعديا لحدود اللّه عاملا بخلاف أمره؟ و ليس تفضيل من فضله عليهما فرية، و قد رويتم عن إمامكم أنّه قال: وليّتكم و لست بخيركم.

فقال آخر: إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: أبو بكر و عمر سيّدا كهول أهل الجنّة.

قال المأمون: هذا الحديث محال، لأنّه لا يكون في الجنّة كهل.

فقال آخر: جاء أنّ النبيّ قال: لو لم ابعث فيكم لبعث عمر.

فقال المأمون: هذا محال لأن اللّه تعالى يقول: إنّا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح و النبييّن من بعده...( ١ ) و قال: و اذ أخذنا من النبيين ميثاقهم و منك و من نوح و ابراهيم و موسى و عيسى بن مريم...( ٢ ) فهل يجوز أن يكون من لم يؤخذ ميثاقه مبعوثا و من اخذ مؤخّرا؟

____________________

(١) النساء: ١٦٣.

(٢) الأحزاب: ٧.

٥٠٢

قال آخر: إنّ النبيّ نظر إلى عمر يوم عرفة فتبسم فقال: إنّ اللّه باهى بعباده عامّة و بعمر خاصّة.

فقال المأمون: هذا مستحيل من قبل أنّ اللّه لم يكن ليباهي بعمر و يدع نبيّه.

فقال آخر: قال النبيّ: لو نزل العذاب ما نجا إلاّ عمر.

فقال المأمون: هذا خلاف الكتاب لأن اللّه تعالى يقول: و ما كان اللّه ليعذبهم و أنت فيهم...( ١) .

فقال آخر: فقد شهد النبيّ لعمر بالجنّة في عشرة من أصحابه.

فقال المأمون: لو كان هذا كما زعمتم لكان عمر لا يقول لحذيفة: نشدتك اللّه أمن المنافقين أنا؟ فان كان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد قال له إنّك من أهل الجنّة و لم يصدقه حتّى زكّاه حذيفة، فصدّق حذيفة و لم يصدّق النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فهو على غير الإسلام، و ان كان قد صدّق النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلم سأل حذيفة؟

قال الآخر: قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : وضعت في كفّة الميزان و وضعت امّتي في كفّة اخرى فرجحت بهم، ثم وضع مكاني أبو بكر فرجح بهم، ثم عمر فرجح بهم ثم رفع الميزان.

فقال المأمون: إن كانت أجسامهما فمحال أن ترجح بأجسام الامّة، و إن كانت أعمالهما فلم تكن بعد فكيف يرجح بما ليس الخ( ٢) .

ثمّ أنّهم كما رووا عنهعليه‌السلام الثناء عليه، رووا عن ابن عباس أيضا الثناء عليه، فقال ابن قتيبة في (خلفائه) بعد ذكر طعن أبي لؤلؤ لعمر: قال عمر لابن عبّاس: لو أنّ لي ما طلعت عليه الشمس و ما غربت لافتديت به من هول

____________________

(١) الأنفال: ٣٣.

(٢) عيون الأخبار للصدوق ٢: ١٨٣ ١٨٨، و عنه البحار ٤٩: ١٨٩ ١٩٥، العقد الفريد ٥: ٣٤٩ ٣٥٩، و النقل بتصرّف و تلخيص.

٥٠٣

المطلع، فقال له ابن عبّاس: فإن يك ذاك فجزاك اللّه عنّا خيرا، أ ليس قد دعا النبي أن يعزّ اللّه بك الدين و المسلمون محتبسون بمكة، فلمّا أسلمت كان إسلامك عزّا أعزّ اللّه به الإسلام و ظهر النبيّ و أصحابه، ثم هاجرت إلى المدينة فكانت هجرتك فتحا، ثم لم تغب عن مشهد شهده النبي من قتال، و مات و هو عنك راض، ثم ارتد النّاس بعد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الإسلام فوازرت الخليفة على منهاج النبيّ، و ضربتم من أدبر بمن أقبل حتّى دخل النّاس في الإسلام طوعا و كرها، ثم قبض الخليفة و هو عنك راض، ثم ولّيت بخير ما يلي أحد من النّاس، مصر بك الأمصار و جبى بك الأموال و نفى بك العدو، و أدخل اللّه على أهل كل بيت من المسلمين توسعة في أرزاقهم، ثم ختم اللّه لك بالشهادة فهنيئا لك فصبّ اللّه الثناء عليك صبّا فقال له عمر: أ تشهد لي بهذا يا عبد اللّه عند اللّه يوم القيامة؟

قال: نعم، فقال عمر: اللّهمّ لك الحمد( ١) .

و لا نقول إنّه حتما موضوع مثل ما رووه عن أمير المؤمنينعليه‌السلام فيه، فإنّ ابن عبّاس لم يكن معصوما و كان يستعمل السياسة، و قد كان أشار على أمير المؤمنينعليه‌السلام أن يبقي معاوية على الشام، و يولّي طلحة البصرة و الزبير الكوفة حتى يستقر أمر خلافته، فأنكرهعليه‌السلام ، و خدع أبا موسى بوضع كتاب على لسانهعليه‌السلام إليه بإبقائه على الإمارة. ففي (جمل المفيد): أنّهعليه‌السلام كتب إلى أبي موسى مع ابن عبّاس كتابا غلظ فيه، قال ابن عبّاس: فقلت في نفسي: اقدم على رجل و هو أمير بمثل هذا الكتاب، ألا ينظر في كتابي هذا، و نظرت أن أشقّ كتاب أمير المؤمنينعليه‌السلام و كتبت من عندي كتابا عنهعليه‌السلام لأبي موسى: (أما بعد فقد عرفت مودّتك إيّانا أهل البيت و انقطاعك إلينا، و انّما نرغب إليك لمّا نعرف من حسن رأيك فينا، فإذا أتاك كتابي هذا فبايع لنا النّاس) فدفع إليه

____________________

(١) الإمامة و السياسة ١: ٢١ ٢٣، و النقل بتلخيص.

٥٠٤

الكتاب، فلمّا قرأه قال لي: أنت الأمير، قلت: بل أنت، فدعا النّاس إلى بيعة عليعليه‌السلام فلمّا بايع النّاس قمت و صعدت المنبر فرام إنزالي الخ( ١) .

و ابن عباس هو الذي كان يحاجّ عمر و يفحمه في كون الأمر لأمير المؤمنينعليه‌السلام و غاصبيته فكيف يثني عليه لو لا استعماله السياسة.

و من محاجاته معه ما في (الطبري) و غيره عن ابن عمر قال: كنت عند أبي يوما فجرى ذكر الشعر فقال: من أشعر العرب؟ فقالوا فلان و فلان، فطلع ابن عبّاس فقال عمر: قد جاء الخبير، من أشعر النّاس يا عبد اللّه؟ قال: زهير بن أبي سلمى. قال: فأنشدني له ممّا تستجيده. فقال: إنّه مدح قوما من غطفان يقال لهم بنو سنان، فقال فيهم:

لو كان يقعد فوق الشمس من كرم

قوم بأولهم أو آخرهم قعدوا

قوم سنان أبوهم حين تنسبهم

طابوا و طاب من الأولاد ما ولدوا

إنس إذا أمنوا جن إذا فزعوا

مزراون بها ليل إذا جهدوا

محسدون على ما كان من نعم

لا ينزع اللّه عنهم ما له حسدوا

فقال عمر: قاتله اللّه لقد أحسن، و لا أرى هذا البيت يصلح إلاّ لهذا البيت من هاشم لقرابتهم من رسول اللّه. فقال له ابن عباس: وفّقك اللّه فلم تزل موفّقا، قال: يا بن عبّاس أ تدري ما منع النّاس منكم؟ قال: لا. قال: لكنّي أدري. قال: ما هو؟ قال: كرهت قريش أن تجمع لكم النبوّة و الخلافة فتجحفوا النّاس جحفا، فنظرت قريش لأنفسها فاختارت و وفقت فأصابت. فقال ابن عباس: أ يميط الخليفة عنّي غضبه فيسمع. قال: قل ما تشاء. قال: أمّا قولك (إنّ قريشا كرهت) فإنّ اللّه تعالى قال لقوم: ذلك بأنّهم كرهوا ما أنزل اللّه فأحبط أعمالهم( ٢) .

____________________

(١) الجمل للمفيد: ٢٦٥.

(٢) محمّد: ٩.

٥٠٥

و أمّا قولك: إنّا نجحف بالخلافة، فلو جحفنا بالخلافة جحفنا بالقرابة، و لكننا قوم أخلاقنا مشتقة من خلق رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، الذي قال تعالى فيه:

و إنّك لعلى خلق عظيم( ١ ) ، و قال له: و اخفض جناحك لمن اتّبعك من المؤمنين( ٢) .

و أمّا قولك إنّ قريشا اختارت فإنّ اللّه تعالى يقول: و ربّك يخلق ما يشاء و يختار ما كان لهم الخيرة...( ٣ ) ، و قد علمت أنّ اللّه اختار من خلقه لذلك من اختار، فلو نظرت قريش من حيث نظر اللّه لها لوفّقت و أصابت.

فقال عمر: على رسلك يا بن عبّاس أبت قلوبكم يا بني هاشم إلاّ غشّا لقريش لا يزول، و حقدا عليها لا يحول.

فقال ابن عباس له: مهلا لا تنسب قلوب بني هاشم إلى الغشّ فإنّ قلوبهم من قلب رسول اللّه الذي طهّره و زكّاه، و هم أهل البيت الذين قال تعالى فيهم:

إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهركم تطهيرا( ٤) .

و أمّا قولك (حقدا) فكيف لا يحقد من غصب شيئه و يراه في يد غيره؟

فقال عمر: أمّا أنت يا عبد اللّه فقد بلغني عنك كلام أكره أن اخبرك به فتزول منزلتك عندي.

قال: و ما هو أخبرني به؟ فان يك باطلا فمثلي أماط الباطل عن نفسه، و إن يك حقّا فإن منزلتي عندك لا تزول به.

قال: بلغني أنّك لا تزال تقول: اخذ هذا الأمر منّا حسدا و ظلما.

قال: أمّا قولك حسدا فقد حسد إبليس آدم فأخرجه من الجنّة، فنحن بنو

____________________

(١) القلم: ٤.

(٢) الشعراء: ٢١٥.

(٣) القصص: ٦٨.

(٤) الأحزاب: ٣٣.

٥٠٦

آدم المحسودون، و أمّا قولك ظلما فإنّ الخليفة يعلم صاحب الحقّ من هو.

فقال عمر: قم الآن فارجع إلى منزلك.

فقام، فلمّا ولى هتف به عمر: أيّها المنصرف إنّي على ما كان منك لراع حقّك.

فالتفت ابن عباس فقال: إنّ لي عليك و على كلّ المسلمين حقّا برسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فمن حفظه فحقّ نفسه حفظ، و من أضاعه فحقّ نفسه أضاع( ١) .

ثم مضى، فقال عمر لجلسائه: واها لابن عبّاس ما رأيته لاحى أحدا قط إلاّ خصمه( ٢) .

فكيف يثني عليه هذا الثناء مع وضوح عدم واقعية تلك الفقرات، أمّا كون إسلامه عزّا للإسلام فهل كان ذا شجاعة أو عشيرة؟ انّما كانت شجاعته على الاسراء لا في الحروب كما قال: اسد عليّ و في الحروب نعامة.

و لم لم يذهب إلى مكة لمّا أراد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يرسله قبل الشجرة، مع عدم قتله أحدا من قريش أو غيرهم؟ فاعتذر بخوفه و عدم عشيرة له تمنعه كما تكون بنو اميّة لعثمان، و انّما كان عزّ الإسلام أوّلا بأمير المؤمنينعليه‌السلام ، فمر كتاب محمّد بن أبي بكر إلى معاوية و آثر عليّعليه‌السلام النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على كلّ حميم و وقاه كلّ هول، و واساه بنفسه في كل حرب، فحارب حربه و سالم سلمه، فلم يزل مبتذلا لنفسه ساعات الازل و مقامات الروع. و مع أن قريشا كانوا ينظرون إليه نظر الثور إلى الجازر، أخذعليه‌السلام سورة (براءة) من أبي بكر، و ذهب بها إلى مكّة وحده، و بلّغ آياتها، و كانت قريش معهعليه‌السلام كما قال القائل:

(لو يشربون دمي لم يرو شاربهم). ثم بعده حمزة أسد اللّه و أسد رسوله، الذي

____________________

(١) تاريخ الطبري ٤: ٢٢٢ ٢٢٤، سنة ٢٣، شرح ابن أبي الحديد ١٢: ٥٢ ٥٤.

(٢) شرح ابن أبي الحديد ١٢: ٥٥.

٥٠٧

كان له تلك الشجاعة المعروفة و تلك العزّة الهاشميّة، حتّى كان يقدر على ضرب أبي جهل الذي كان أكبر جبّاري قريش.

فإن قالوا إسلامه كان سببا لنجاة المسلمين من شرّه فلعل.

فقالوا: أصحّ ما روي في إسلامه رواية أنس عنه، قال: خرجت متقلّدا سيفي فلقيت رجلا من بني زهرة، فقال: أين تعمد؟ قلت: أقتل محمّدا، قال: و كيف تأمن في بني هاشم و بني زهرة؟ فقلت: ما أراك إلاّ صبوت، قال: أ فلا أدلّك على العجب، إنّ اختك و زوجها قد صبوا، فمشى عمر فدخل عليهما و عندهما رجل من الصحابة يقال له خباب بن الارت، فلمّا سمع حس عمر توارى، فقال عمر:

ما هذه الهينمة التي سمعتها عندكم؟ و كانوا يقرؤون (طه) على خباب، فقالا:

ما عندنا شي‏ء إنّما هو حديث كنّا نتحدّثه بيننا، قال: فلعلّكما قد صبوتما، فقال له ختنه: «أ رأيت يا عمر إن كان الحق في غير دينك». فوثب على ختنه فوطأه وطأ شديدا، فجاءت اخته فدفعته عن زوجها، فنفحها بيده فأدمى وجهها، فجاهرته فقالت: ان الحقّ في غير دينك...

ثمّ إنّ من المضحك قوله: (فكانت هجرتك فتحا)، فهل كانت المدينة حربا حتّى تكون هجرته فتحا. كما أن قوله: (لم تغب عن مشهد)، أي فائدة فيه؟ إذ كان لم يظهر فيها أثرا سوى الفرار و تولية الدبر.

كما أنّ قوله: (مات النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و هو عنك راض) كيف يصح؟ و قد اعترض عمر على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الحديبية، و في مرض موته حتّى أغضبه فأخرجه من عنده، و بعد خروجه مات النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

كما أنّ قوله: (فوازرت الخليفة على منهاج الرسول) كيف يصح؟ و عمر كان معتقدا أنّ الخليفة خالف الرسول في قضية خالد بن الوليد مع مالك بن نويرة، و أما قبض الخليفة راضيا عنه فلا ننكره، و كيف لا يكون راضيا عنه

٥٠٨

و قد جعله خليفة و شكره فردّه عليه جزاء فعله.

كما أنّ قوله: (و مصّر بك الأمصار)، أي أثر فيه؟ و كان الأكاسرة و القياصرة أكثر آثارا منه في ذلك.

و قوله: (ثم ختم اللّه لك بالشهادة)، فيه أنّ الشهادة المحقّقة القتل في غزوات النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و قوله: (صبّ اللّه عليك الثناء صبّا) فيه أنّه فرع ما عرفت أصله.

كما أنّ قول عمر: (و تشهد لي بهذا عند اللّه يا عبد اللّه) فيه دلالة على انّه كان شاكّا في نفسه، ثم هل يحتاج اللّه إلى شاهد و هو حاكم شاهد؟ و اذا كانت شهادة الاتباع نافعة لم يهلك أحد من الجبابرة.

و من المضحك أنّ ابن أبي الحديد نقل خبرا: ان ابن عباس قال: قلت لعمر «كنت تقضي بالكتاب و تقسم بالسويّة»( ١ ) ، فأعجبه قولي، فاستوى جالسا، فقال: أ تشهد لي بهذا يا بن عباس؟ فكفعت أي: جبنت فضرب عليّ بين كتفي و قال: اشهد.

فالرجل لم يكن عارفا بالكتاب حتى يقض به، و قد ردّت عليه امرأة في أنفها فطس، لمّا حظر على النّاس الزيادة على مهر السنّة، بكون حكمه مخالف الكتاب فقال تعالى:... و أتيتم إحداهنّ قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا...( ٢) ، فقال عمر: ألا تعجبون من امرأة أصابت و إمام أخطأ.

و من أين قسم بالسويّة؟ و من مطاعنه عدم تقسيمه بالسوية، قبّح اللّه دينا كلّه كذب و افتراء و تناقض و تخليط، و خلاف مقتضى العقول، و ضد كلام اللّه تعالى و نص الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ثم كيف يقول أمير المؤمنينعليه‌السلام لابن عباس: اشهد له بما قلت له، ثم

____________________

(١) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٨: ٥٣ باب ٧٠.

(٢) النساء: ٢٠.

٥٠٩

يقولعليه‌السلام في أوّل خلافته: غصبونا سلطان نبيّنا فصارت الإمرة لغيرنا، و صرنا سوقة يطمع فينا الضعيف، و يتعزّز علينا الذليل، فبكت الأعين منّا لذلك، و خشنت الصدور و جزعت النفوس.

و قد كان ينبغي عند سماع هذا الكلام منهعليه‌السلام ، ان يشق الجيوب و يلطم الخدود لمّا جرى عليهم، فهل ماتت فاطمة التي كانت بضعة من الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كمدا إلاّ من عمر؟ و هل قتل أمير المؤمنينعليه‌السلام الذي هو بمنزلة نفس الرسول، و الحسنان اللذان ابنا الرسول، و شهد القرآن بعصمة جميعهم و طهارتهم من كلّ رجس، إلاّ من عمل عمر؟

٢٧ - الحكمة (٤٦٧) و قالعليه‌السلام في كلام له:

وَ وَلِيَهُمْ وَالٍ فَأَقَامَ وَ اِسْتَقَامَ حَتَّى ضَرَبَ اَلدِّينُ بِجِرَانِهِ قول المصنف:

«و قالعليه‌السلام في كلام لهعليه‌السلام » قال ابن أبي الحديد: هذا الكلام من خطبة لهعليه‌السلام طويلة، يذكر فيها قربه من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و اختصاصهعليه‌السلام بهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، و إفضائهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأسراره إليهعليه‌السلام ، حتى قالعليه‌السلام فيها: «فاختار المسلمون بآرائهم رجلا منهم، فقارب و سدّد حسب استطاعته على ضعف وجد كانا فيه، ثم وليهم بعده وال فأقام و استقام، حتى ضرب الدين بجرانه على عسف و عجرفية كانا فيه، ثم استخفلوا ثالثا لم يكن يملك في أمر نفسه شيئا غلب عليه أهله، فقادوه إلى اهوائهم كما تقود الوليدة البعير المخطوم، فلم يزل الأمر بينه و بين النّاس يبعد تارة و يقرب اخرى، حتى نزوا عليه فقتلوه ثم جاؤوني

٥١٠

مدب الدبا يريدون بيعتي» و تمام الخطبة معروف( ١) .

«فاقام و استقام» أي: لم يكن عمر مثل عثمان لم يكن يملك أمر نفسه، و كان عمر بالضدّ، كان مستبدا.

«على عسف و عجرفية كانا فيه» كقولهعليه‌السلام في الشقشقية: «حوزة خشناء يغلظ كلمها و يخشن مسّها و يكثر العثار فيها، فصاحبها كراكب الصعبة، ان أشفق لها خرم و ان أسلس لها تقحم( ٢) .

و العسف: الأخذ على غير طريق و العجر فيه الخرق، «حتى ضرب الدين بجرانه» أي: الفتوحات الواقعة في أيّامه، في فارس و الروم فإن السلطة سبب لاستحكام الأمر.

و جران البعير و الفرس مقدم عنقهما.

____________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ٢٠: ٢١٨.

(٢) نهج البلاغة ١: ٢٨، الخطبة ٣.

٥١١

الفصل الثلاثون في بيعتهعليه‌السلام

٥١٢

١ - الخطبة (٥٤) و من خطبة لهعليه‌السلام :

فَتَدَاكُّوا عَلَيَّ تَدَاكَّ اَلْإِبِلِ اَلْهِيمِ يَوْمَ وُرُوْدِهَا قَدْ أَرْسَلَهَا رَاعِيهَا وَ خُلِعَتْ مَثَانِيهَا حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُمْ قَاتِلِيَّ أَوْ بَعْضُهُمْ قَاتِلُ بَعْضٍ لَدَيَّ وَ قَدْ قَلَّبْتُ هَذَا اَلْأَمْرَ بَطْنَهُ وَ ظَهْرَهُ فَمَا وَجَدْتُنِي يَسَعُنِي إِلاَّ قِتَالُهُمْ أَوِ اَلْجُحُودُ بِمَا جَاءَ بِهِ؟ مُحَمَّدٌ ص؟ فَكَانَتْ مُعَالَجَةُ اَلْقِتَالِ أَهْوَنَ عَلَيَّ مِنْ مُعَالَجَةِ اَلْعِقَابِ وَ مَوْتَاتُ اَلدُّنْيَا أَهْوَنَ عَلَيَّ مِنْ مَوْتَاتِ اَلْآخِرَةِ و الخطبة (٢٢٩) و من كلام لهعليه‌السلام في وصف بيعته بالخلافة، و قد تقدم مثله بألفاظ مختلفة:

وَ بَسَطْتُمْ يَدِي فَكَفَفْتُهَا وَ مَدَدْتُمُوهَا فَقَبَضْتُهَا ثُمَّ تَدَاكَكْتُمْ عَلَيَّ تَدَاكَّ اَلْإِبِلِ اَلْهِيمِ عَلَى حِيَاضِهَا يَوْمَ وُرُودِهَا حَتَّى اِنْقَطَعَتِ اَلنَّعْلُ وَ سَقَطَ

٥١٣

اَلرِّدَاءُ وَ وُطِئَ اَلضَّعِيفُ وَ بَلَغَ مِنْ سُرُورِ اَلنَّاسِ بِبَيْعَتِهِمْ إِيَّايَ أَنِ اِبْتَهَجَ بِهَا اَلصَّغِيرُ وَ هَدَجَ إِلَيْهَا اَلْكَبِيرُ وَ تَحَامَلَ نَحْوَهَا اَلْعَلِيلُ وَ حَسَرَتْ إِلَيْهَا اَلْكِعَابُ أقول: قال ابن أبي الحديد بعد الأوّل: ذكر أبو مخنف في كتاب (الجمل):

أنّ الأنصار و المهاجرين اجتمعوا في مسجد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لينظروا من يولّونه أمرهم حتّى غص المسجد بأهله، فاتفق رأي عمار و أبي الهيثم بن التهيان و رفاعة بن رافع و مالك بن عجلان و أبي أيوب على إقعاد أمير المؤمنينعليه‌السلام في الخلافة، و كان أشدهم تهالكا عليه عمّار فقال لهم: «أيّها الأنصار قد سار فيكم عثمان بالأمس بما رأيتموه، و أنتم على شرف من الوقوع في مثله إن لم تنظروا لأنفسكم، و إنّ عليّاعليه‌السلام أولى الناس بهذا الأمر لفضله و سابقته» فقالوا حينئذ بأجمعهم لبقيّة الناس من الأنصار و المهاجرين: «أيّها الناس إنّا لن نألوكم خيرا و أنفسنا إن شاء اللّه، و إنّ عليّاعليه‌السلام من قد علمتم، و ما نعرف مكان أحد أحمل لهذا الأمر منه، و لا أولى به». فقال الناس بأجمعهم: قد رضينا و هو عندنا على ما ذكرتم و أفضل و قاموا كلّهم فأتوا عليّاعليه‌السلام فاستخرجوه من داره و سألوه بسط يده فقبضها، فتداكوا عليه تداك الإبل الهيم على ورودها حتى كاد بعضهم يقتل بعضا، فلمّا رأى ما رأى سألهم أن تكون بيعته في المسجد ظاهرة للناس، و قالعليه‌السلام : إن كرهني رجل واحد لم أدخل في هذا الأمر.

فنهض الناس معه حتّى دخل المسجد، فكان أوّل من بايعه طلحة، فقال قبيصة بن ذؤيب الأسدي: تخوفت ألاّ يتم أمره لأنّ أوّل يد بايعته شلاء، ثم بايعه الزبير و بايعه المسلمون بالمدينة، إلاّ محمّد بن مسلمة و عبد اللّه بن عمر و اسامة بن زيد و سعد بن أبي وقاص و كعب بن مالك و حسان بن ثابت و عبد

٥١٤

اللّه بن سلام، فأمر بإحضار عبد اللّه بن عمر فقال له: بايع. قال: لا ابايع حتّى يبايع جميع الناس. فقال له عليعليه‌السلام : فأعطني حميلا أن لا تبرح. قال: لا اعطيك.

فقال الأشتر لهعليه‌السلام : إنّ هذا قد أمن سوطك و سيفك، فدعني أضرب عنقه.

فقالعليه‌السلام : لست اريد ذلك منه على كره، خلوا سبيله، لقد كان صغيرا و هو سيى‏ء الخلق، و هو في كبره أسوأ خلقا. ثم اتي بسعد بن أبي وقاص، فقال لهعليه‌السلام : بايع، فقال له: خلّني فاذا لم يبق غيري بايعتك، فو اللّه لا يأتيك من قبلي أمر تكرهه أبدا. فقالعليه‌السلام : صدق، خلوا سبيله. ثم بعث إلى محمّد بن مسلمة، فلمّا أتاه قال له: بايع. قال: إنّ النّبي أمرني اذا اختلف الناس و صاروا هكذا و شبّك بين أصابعه أن أخرج بسيفي فأضرب عرض أحد، فإذا تقطع اتيت منزلي فكنت فيه، لا أبرحه حتّى تأتيني يد خاطفة أو منيّة قاضية. فقالعليه‌السلام له:

فانطلق اذن فكن كما امرت به. ثم بعث إلى اسامة بن زيد، فلمّا جاء قال له: بايع.

فقال له: إنّي مولاك و لا خلاف منّي عليك، و ستأتيك بيعتي إذا سكن الناس.

فأمره بالانصراف، و لم يبعث إلى أحد غيرهم.

و قيل له: ألا تبعث إلى حسان بن ثابت و كعب بن مالك و عبد اللّه بن سلام؟ فقالعليه‌السلام : لا حاجة لنا في من لا حاجة له فينا.

ثم قال ابن أبي الحديد: فأمّا أصحابنا أي المعتزلة فإنّهم يذكرون في كتبهم أنّ هؤلاء الرهط إنّما اعتذروا بما اعتذروا به لمّا ندبهم إلى الشخوص معه في حرب الجمل، و إنّهم لم يتخلفوا عن البيعة، و إنّما تخلّفوا عن الحرب( ١) .

ثم نقل ابن أبي الحديد خبرا شاهدا لقولهم( ٢) .

قلت: و روى ذلك (جمل المفيد) عن (جمل أبي مخنف) و عن غيره. و في آخر خبره: أنّهعليه‌السلام قال لسعد و ابن عمر و اسامة: أ لستم على بيعتي؟ قالوا:

____________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ٤: ٨ ١٠.

(٢) المصدر نفسه ٤: ١٠.

٥١٥

بلى. قال: انصرفوا فسيغني اللّه عنكم( ١) .

و قال ابن أبي الحديد أيضا: و روى أبو مخنف عن ابن عباس، قال: لمّا دخل عليّ المسجد و جاء الناس ليبايعوه، خفت أن يتكلّم بعض أهل الشنآن لعليعليه‌السلام ممّن قتل أباه أو أخاه، أو ذا قرابته في حياة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فيزهد عليعليه‌السلام في الأمر و يتركه. فكنت أرصد ذلك و أتخوفه، فلم يتكلّم أحد حتّى بايعه الناس كلهم راضين مسلّمين غير مكرهين( ٢) .

قول المصنف في الأوّل: «و من خطبة لهعليه‌السلام » هكذا في (المصرية)( ٣) ، و الصواب: (و من كلام لهعليه‌السلام ) كما في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم)( ٤ ) و (الخطيّة).

ثم إنّ ابن أبي الحديد زاد: (في ذكر البيعة)( ٥ ) . قوله في الثاني: «و من كلام لهعليه‌السلام في وصف بيعتهعليه‌السلام بالخلافة» هكذا في (المصرية و ابن أبي الحديد)( ٦ ) ، و لكن ليس في (ابن ميثم) كلمة (بالخلافة)( ٧) .

«و قد تقدم مثله بألفاظ مختلفة» و مراده في الخطبة (٥٤) كما مرّ هنا، و في الخطبة (١٣٣) كما يأتي في الآتي.

ثمّ الأصل في الأوّل رواية أبي مخنف عن زيد بن صوحان، قال: شهدت عليّاعليه‌السلام بذي قار و هو معتمّ بعمامة سوداء، فقال في خطبة: الحمد للّه على كلّ أمر و حال في الغدوّ و الآصال إلى أن قال ثم استخلف الناس عثمان فنال

____________________

(١) الجمل للمفيد: ٨٩ ٩٦.

(٢) شرح ابن أبي الحديد ٤: ١٠.

(٣) نهج البلاغة ١: ٩٩.

(٤) شرح ابن أبي الحديد ٤: ٦، شرح ابن ميثم ٢: ١٤٣.

(٥) شرح ابن أبي الحديد ٤: ٦.

(٦) نهج البلاغة ٢: ٢٤٩، شرح ابن أبي الحديد ١٣: ٣.

(٧) في شرح ابن ميثم المطبوع ٤: ٩٩ «بالخلافة» أيضا.

٥١٦

منكم و نلتم منه، حتى إذا كان من أمره ما كان أ تيتموني لتبايعوني، فقلت: لا حاجة لي في ذلك، و دخلت منزلي فاستخرجتموني، فقبضت يدي فبسطتموها، و تداككتم عليّ حتّى ظننت أنّكم قاتلي، و أنّ بعضكم قاتل بعض، فبايعتموني و أنا غير مسرور بذلك و لا جذل الخ و رواه (الإرشاد)( ١) .

و الأصل في الثاني: ما رواه الكليني في (رسائله) في ما كتبعليه‌السلام بعد النهروان، لمّا سألوه عن قولهعليه‌السلام في الثلاثة ليقرأ على الناس إلى أن قال:

فلمّا قتلتموه أتيتموني لتبايعوني فأبيت عليكم و أبيتم عليّ، فقبضت يدي فبسطتموها، و بسطتها فمددتموها.

ثم تداككتم عليّ تداكّ الإبل الهيم على حياضها يوم ورودها، حتّى ظننت أنّكم قاتلي، و أنّ بعضكم قاتل بعض، حتى انقطعت النعل و سقطت الرداء، و وطى‏ء الضعيف، و بلغ من سرور الناس ببيعتهم أن حمل اليها الصغير و هدج إليها الكبير، و تحام اليها العليل و حسرت إليها الكعاب.

و رواه ابن قتيبة في (خلفائه)، و إبراهيم الثقفي في (غاراته)، و ابن رستم الطبري في (مسترشده) باختلاف يسير( ٢) .

قولهعليه‌السلام في الأوّل: «فتداكوا عليّ»، و في الثاني: «ثمّ تداككتم عليّ» الدك:

الدق.

«تداك الإبل الهيم يوم ورودها» في الأوّل. و «تداك الإبل الهيم على حياضها يوم ورودها» في الثاني الأصل فيه قوله تعالى: فشاربون شرب الهيم( ٣ ) أي: الإبل العطاش.

قولهعليه‌السلام في الأوّل:

____________________

(١) الإرشاد ١: ٢٤٤ ٢٤٥، الاحتجاج ١: ١٦١، العقد الفريد ٤: ١٦٢ و ٥: ٦٧، شرح ابن أبي الحديد ١: ٣٠٩.

(٢) الإمامة و السياسة لابن قتيبة ١: ١٥٦، و الغارات للثقفي ١: ٣١٠، المسترشد: ١٠٠ طبع الحيدرية، النجف.

(٣) الواقعة: ٥٥.

٥١٧

«قد أرسلها راعيها» زيادة كما بعده في بيان تداك الإبل الهيم.

«و خلعت مثانيها» المراد بالمثاني هنا و هي جمع المثناة بالكسر:

العقالات.

«حتّى ظننت أنّهم قاتلي أو بعضهم قاتل بعض لديّ» من شدة ازدحامهم للتسابق على البيعة معي.

«و قد قلبت هذا الأمر بطنه و ظهره» زاد ابن ميثم و ابن أبي الحديد: (حتى منعني النوم)( ١ ) ، و نسختهما الصحيحة، فتركه في (المصرية)( ٢ ) نقص.

«فما وجدتني يسعني إلاّ قتالهم أو الجحود بما جاءني» هكذا في (المصرية)( ٣ ) ، و الصواب: (جاء) كما في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم)( ٤) .

«به محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » هكذا في (المصرية)( ٥ ) ، و لكن في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم)( ٦ ) و (الخطية):صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

«فكانت معالجة القتال» أي: مزاولته.

«أهون عليّ من معالجة القتال» أي: مزاولته.

«أهون عليّ من معالجة العقاب» فيمكن الغلبة في القتال، و لا يمكن الغلبة على عقاب اللّه تعالى.

«و موتات الدّنيا أهون عليّ من موتات الآخرة» الموتات بالضم: جمع الموتة بالضم و هي: الصرع و الغشوة.

و في (صفين نصر): خرج رجل من أهل الشام ينادي بين الصفين: يا أبا الحسن ابرز لي. فخرج عليعليه‌السلام إليه فقال له الرجل: إن لك قدما في الإسلام و هجرة، فهل لك في أمر أعرضه عليك يكون فيه حقن هذه الدماء و تأخير هذه

____________________

(١) كذا في شرح ابن أبي الحديد ٤: ٦، و ليست هذه الفقرة في شرح ابن ميثم ٢: ١٤٣.

(٢) نهج البلاغة ١: ٩٩.

(٣) نهج البلاغة ١: ٩٩.

(٤) كذا في شرح ابن أبي الحديد ٤: ٦، و لكن في شرح ابن ميثم ٢: ١٤٤ «جاءني» أيضا.

(٥) نهج البلاغة ١: ٩٩.

(٦) كذا في شرح ابن ميثم ٢: ١٤٤، و لكن في شرح ابن أبي الحديد ٤: ٦ أيضا:.

٥١٨

الحروب، حتى ترى من رأيك فترجع إلى عراقك و نرجع إلى شامنا؟ فقالعليه‌السلام له: «لقد عرفت أنّه إنّما عرضت هذا نصيحة و شفقة، و لقد أهمّني هذا الأمر و أسهرني، و ضربت أنفه و عينه فلم أجد إلاّ القتال أو الكفر بما انزل على محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أنّ اللّه تعالى لم يرض من أوليائه أن يعصى في الأرض و هم سكوت مذعنون، لا يأمرون بالمعروف و لا ينهون عن المنكر، فوجدت القتال أهون عليّ من معالجة الأغلال في جنهم». فرجع الشامي و هو يسترجع( ١) .

قولهعليه‌السلام في الثاني: «حتى انقطعت» هكذا في (المصرية)( ٢ ) ، و الصواب:

(انقطع) كما في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم)( ٣ ) ، و إن كان (انقطعت) أيضا صحيحا لكون النعل مؤنثا.

«النعل و سقطت» هكذا في (المصرية)( ٤ ) ، و الصواب: (و سقط) كما في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم)( ٥ ) أيضا.

«الرداء و وطى‏ء الضعيف» في (صفين نصر) بعد ذكر شرح خفاف بن عبد اللّه لمعاوية قتل عثمان فقال له معاوية: ثم مه؟ قال: ثمّ تهافت الناس على عليّعليه‌السلام بالبيعة، تهافت الفراش حتى ضلت النعل و سقط الرداء و وطى‏ء الشيخ( ٦) .

«و بلغ من سرور الناس ببيعتهم إيّاي أن ابتهج» أي: سرّ.

«بها الصغير و هدج» الهدج: مشي الشيخ في ارتعاش قال: (و هدجانا

____________________

(١) وقعة صفّين لنصر بن مزاحم: ٤٧٤ ٤٧٥.

(٢) نهج البلاغة ٢: ٢٤٩.

(٣) في شرح ابن أبي الحديد ١٣: ٣: «انقطعت» في المتن و «انقطع» في الشرح، و لكن في شرح ابن ميثم ٤: ٩٩ «انقطعت» أيضا.

(٤) في نهج البلاغة ٢: ٢٤٩ «سقط» أيضا.

(٥) في شرح ابن ميثم ٤: ٩٩، و شرح ابن أبي الحديد ١٣: ٣ «سقط» أيضا.

(٦) وقعة صفّين لنصر بن مزاحم: ٦٥.

٥١٩

لم يكن من مشيتي)( ١) .

«إليها الكبير و تحامل» أي: حمل نفسه على المشي.

«نحوها» أي: جانبها.

«العليل و حسرت» أي: كشفت.

«إليها» هكذا في (المصرية)( ٢ ) ، و يصدقه (ابن أبي الحديد)( ٣ ) ، و لكن في (ابن ميثم)( ٤ ) : «عن ساقها».

«الكعاب» بالتفح قال الجوهري: و هي الجارية حين يبدو ثديها للنهود كالكالب( ٥) .

و الكل الثلاثة و الأربعة بيان لوصف شدّة شوق الناس إلى بيعتهعليه‌السلام .

٢ - من الخطبة (١٣٧) منها:

فَأَقْبَلْتُمْ إِلَيَّ إِقْبَالَ اَلْعُوذِ اَلْمَطَافِيلِ عَلَى أَوْلاَدِهَا تَقُولُونَ اَلْبَيْعَةَ اَلْبَيْعَةَ قَبَضْتُ يَدِي فَبَسَطْتُمُوهَا وَ نَازَعْتُكُمْ يَدِي فَجَذَبْتُمُوهَا اَللَّهُمَّ إِنَّهُمَا قَطَعَانِي وَ ظَلَمَانِي وَ نَكَثَا بَيْعَتِي وَ أَلَّبَا اَلنَّاسَ عَلَيَّ فَاحْلُلْ مَا عَقَدَا وَ لاَ تُحْكِمْ لَهُمَا مَا أَبْرَمَا وَ أَرِهِمَا اَلْمَسَاءَةَ فِيمَا أَمَّلاَ وَ عَمِلاَ وَ لَقَدِ اِسْتَثَبْتُهُمَا قَبْلَ اَلْقِتَالِ وَ اِسْتَأْنَيْتُ بِهِمَا أَمَامَ اَلْوِقَاعِ فَغَمَطَا اَلنِّعْمَةَ وَ رَدَّا اَلْعَافِيَةَ

____________________

(١) لسان العرب ١٥: ٤٨ مادة (هدج).

(٢) نهج البلاغة ٢: ٢٥٠.

(٣) شرح ابن أبي الحديد ١٣: ٣.

(٤) في شرح ابن ميثم ٤: ٩٩ «إليها» أيضا.

(٥) الصحاح ١: ٢١٣، مادة: (كعب).

٥٢٠