بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٩

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة0%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 607

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

مؤلف: الشيخ محمد تقي التّستري
تصنيف:

الصفحات: 607
المشاهدات: 53923
تحميل: 4251


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 607 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 53923 / تحميل: 4251
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 9

مؤلف:
العربية

قالعليه‌السلام ذلك لأنّها كانت بمنزلة بيعة الأنصار للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليلة العقبة، و بيعة المؤمنين لهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تحت الشجرة.

و قال اليعقوبي: لمّا بايعوا عليّاعليه‌السلام قام عقبة بن عمرو فقال: من له يوم كبيعة الرضوان و الإمام الهدى الذي لا يخاف جوره، و العالم الذي لا يخاف جهله( ١) .

هذا و في (تذكرة) سبط ابن الجوزي: ذكر صاحب كتاب (عقلاء المجانين)، عن أبي هذيل العلاف قال: سافرت مع المأمون إلى الرقة فبينا أنا أسير في الفرات إذ مررنا بدير فيه مجنون يتكلّم بالحكمة إلى أن قال: قال أبو الهذيل قال ذاك المجنون لي: أخبرني عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هل أوصى؟ قلت: لا.

قال: فكيف ولّي أبو بكر مجلسه من غير وصيّة؟ فقلت: اختاره المهاجرون و الأنصار و رضي به النّاس، فقال: كيف اختاره المهاجرون و قد قال الزبير لا ابايع الاّ عليّا و كذا العباس، و كيف اختاره الأنصار و قد قالوا: منّا أمير و منكم أمير و ولوا سعد بن عبادة و قال عمر اقتلوا سعدا قتله اللّه و كيف تقول رضي به النّاس و قد قال سلمان الفارسي (كرديد نكرديد)، فوجئت عنقه، و قال أبو سفيان لعليّعليه‌السلام : مد يدك ابايعك، و ان شئت ملأتها خيلا و رجالا، ثم قعد بنو هاشم عن بيعة أبي بكر ستة أشهر، فأين الإجماع؟ و لمّا قتل عثمان جاء المسلمون و الصحابة ارسالا إلى عليّ ليبايعوه، فلم يفعل حتى قالوا: و اللّه لئن لم تفعل لنلحقنّك بعثمان، فأخبرني أيما آكد من ضرب سعدا و وجاء عنق سلمان كمن جاء النّاس إليه يكرهونه على البيعة معه؟ قال أبو الهذيل فلم أحر جوابا و سقط في يدي، فحدثت المأمون حديثه فاستطرفه و بقي زمانا يستعيده منّي( ٢) .

____________________

(١) تاريخ اليعقوبيّ ٢: ١٧٩.

(٢) تذكرة الخواصّ: ٦٠ ٦٢، و نقله الشارح بتصرّف.

٥٦١

«و ليس أمري و أمركم واحدا إنّي اريدكم للّه» في (تاريخ اليعقوبي): لمّا بويع عليّعليه‌السلام قام صعصعة بن صوحان فقال لهعليه‌السلام : و اللّه لقد زينت الخلافة و ما زانتك، و رفعتها و ما رفعتك، و لهي إليك أحوج منك إليها.

و قام خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين فقال لهعليه‌السلام : ما أصبنا لأمرنا هذا غيرك، و لا كان المنقلب إلاّ إليك، و لئن صدقنا أنفسنا فيك لأنت أقدم النّاس ايمانا، و أعلم النّاس باللّه و أولى المؤمنين بالرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لك ما لهم و ليس لهم ما لك.

و قام ثابت بن قيس خطيب الأنصار فقال لهعليه‌السلام : و اللّه لئن كانوا تقدموك في الولاية فما تقدموك في الدين، و لقد كانوا و كنت لا يخفى موضعك و لا يجهل مكانك، يحتاجون إليك فيما لا يعلمون و ما احتجت إلى أحد مع علمك.

و قام الأشتر فقال: أيّها النّاس هذا وصيّ الأوصياء، و وارث علم الأنبياء، العظيم البلاء، الحسن العناء، الذي شهد له كتاب اللّه بالإيمان، و رسوله بجنّة الرضوان، من كملت فيه الفضائل، و لم يشك في سابقته و علمه و فضله الأواخر و الأوائل( ١) .

«و أنتم تريدوني» هكذا في (المصرية)( ٢ ) ، و الصواب: (تريدونني) كما في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم( ٣ ) و الخطيّة).

«لأنفسكم» قال عمّار للناس قبل بيعتهم لهعليه‌السلام : أيّها النّاس رأيتم سيرة عثمان بالأمس، فان لم تنظروا لأنفسكم تقعون في مثله.

«أيّها النّاس أعينوني على أنفسكم، و ايم اللّه لأنصفن المظلوم من ظالمه»

____________________

(١) تاريخ اليعقوبيّ ٢: ١٧٩.

(٢) نهج البلاغة ٢: ٢٦.

(٣) كذا في شرح ابن أبي الحديد ٩: ٣١، و لكن في شرح ابن ميثم ٣: ١٦٤ «تريدوني» أيضا.

٥٦٢

هكذا في (المصرية)( ١ ) ، و الصواب: زيادة كلمة (من ظالمه) و كونها حاشية خلطت بالمتن، لعدم وجودها في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية)( ٢) .

«و لأقودن الظالم بخزامة» الخزامة: حلقة من شعر تجعل في وترة أنف البعير يشد بها الزمام قال الجوهري: و يقال لكل مثقوب مخزوم، و الطير كلّها مخزومة لأن وترات انوفها مثقوبة( ٣) .

«حتّى اورده منهل» المنهل: موضع الورود على الماء.

«الحقّ و إن كان كارها» في (تاريخ اليعقوبي): بايع النّاس عليّاعليه‌السلام إلاّ ثلاثة من قريش، مروان بن الحكم و سعيد بن العاص و الوليد بن عقبة و كان لسانهم فقال: يا هذا إنّك وترتنا جميعا أما أنا فقتلت أبي يوم بدر صبرا، و أما سعيد فقتلت أباه يوم بدر حربا، و أما مروان فشتمت أباه و عبت على عثمان حين ضمّه إليه، فبايعنا على أن تضع عنّا ما أصبنا، و تعفي لنا عمّا في أيدينا و تقتل قتلة صاحبنا. فغضب عليّعليه‌السلام و قال: أمّا ما ذكرت من وتري إيّاكم فالحقّ و تركم، و أما قتلي قتلة عثمان، فلو لزمني اليوم قتلهم لزمني غدا قتالهم، و أما وضعي عنكم ما أصبتم، فليس لي أن أضع حقّ اللّه، و أمّا إعفائي عمّا في أيديكم فما كان للّه و للمسلمين فالعدل يسعكم( ٤) .

٨ - الخطبة (٩٢) و من خطبة لهعليه‌السلام لمّا اريد على البيعة بعد قتل عثمان:

دَعُونِي وَ اِلْتَمِسُوا غَيْرِي فَإِنَّا مُسْتَقْبِلُونَ أَمْراً لَهُ وُجُوهٌ وَ أَلْوَانٌ لاَ تَقُومُ لَهُ

____________________

(١) نهج البلاغة ٢: ٢٦.

(٢) كلمة «من ظالمه» ليست في شرح ابن أبي الحديد ٩: ٣١، و لكن كانت في شرح ابن ميثم ٣: ١٦٤.

(٣) الصحاح ٥: ١٩١١، مادة: (خزم).

(٤) تاريخ اليعقوبيّ ٢: ١٧٨ ١٧٩.

٥٦٣

اَلْقُلُوبُ وَ لاَ تَثْبُتُ عَلَيْهِ اَلْعُقُولُ وَ إِنَّ اَلْآفَاقَ قَدْ أَغَامَتْ وَ اَلْمَحَجَّةَ قَدْ تَنَكَّرَتْ. وَ اِعْلَمُوا إِنْ أَجَبْتُكُمْ رَكِبْتُ بِكُمْ مَا أَعْلَمُ وَ لَمْ أُصْغِ إِلَى قَوْلِ اَلْقَائِلِ وَ عَتْبِ اَلْعَاتِبِ وَ إِنْ تَرَكْتُمُونِي فَأَنَا كَأَحَدِكُمْ وَ لَعَلِّي أَسْمَعُكُمْ وَ أَطْوَعُكُمْ لِمَنْ وَلَّيْتُمُوهُ أَمْرَكُمْ وَ أَنَا لَكُمْ وَزِيراً خَيْرٌ لَكُمْ مِنِّي أَمِيراً أقول: الأصل في العنوان رواية سيف الذي قد عرفت في (٢٤) من فصل عثمان، ان رواياته كذب و افتعال، إمّا كلاّ و إمّا جزءا، و أنّه يدخل في كل شي‏ء شيئا و يضع في مقابل أمر أمرا.

و مما يوضح تصرفه في هذا الخبر إدخاله فيه إكراه طلحة و الزبير على بيعتهعليه‌السلام ، مع وضوح أنّهعليه‌السلام لم يكن يجبر أحدا. و أيضا إدخاله فيه أنّ أهل البصرة أرادوا جعل الأمر لطلحة، و أنّ أهل الكوفة أرادوا جعل الأمر للزبير، و لم يرد الأمر لهعليه‌السلام غير أهل مصر، و هو أيضا واضح البطلان، فأهل البصرة جاؤوا كأهل الكوفة جاؤوا كلّهم كانوا شيعتهعليه‌السلام ، كيف لا؟ و رئيس البصريين حكيم بن جبلة العبدي و رئيس الكوفيين الأشتر النخعي.

و هذه رواية سيف في (الطبري) كتب إلى السري، عن شعيب عن سيف، عن محمّد و طلحة قالا: قالوا أي أهل الكوفة و البصرة و مصر الذين شهدوا قتل عثمان لأهل المدينة: أجلناكم يومين، فو اللّه لئن لم تفرغوا لنقتلنّ غدا عليّاعليه‌السلام و طلحة و الزبير و اناسا كثيرا، فغشى النّاس عليّا فقالوا: نبايعك فقد ترى ما نزل بالإسلام و ما ابتلينا به من ذوى القربى، فقال عليّ: «دعوني و التمسوا غيري فإنّا مستقبلون أمرا له وجوه و له ألوان، لا تقوم له القلوب، و لا تثبت عليه العقول» فقالوا: ننشدك اللّه ألا ترى ما نرى، ألا ترى الإسلام، ألا ترى الفتنة، ألا تخاف اللّه؟ فقال: «قد أجبتكم لمّا أرى، و اعلموا إن أجبتكم ركبت

٥٦٤

بكم ما أعلم، و إن تركتموني فأنا كأحدكم إلاّ أنّي أسمعكم و أطوعكم لمن وليتموه أمركم».

ثم افترقوا على ذلك و اتعدوا الغد، و تشاور النّاس في ما بينهم و قالوا:

إن دخل طلحة و الزبير فقد استقامت، فبعث البصريون إلى الزبير بصريا و قالوا: احذر لا تحابه و كان رسولهم حكيم بن جبلة العبدي فجاؤوا به يحدونه بالسيف و إلى طلحة كوفيّا و قالوا له: احذر لا تحابه، فبعثوا الأشتر في نفر فجاؤا به يحدونه، و أهل الكوفة و أهل البصرة شامتون بصاحبهم، و أهل مصر فرحون بما اجتمع عليه أهل المدينة، و قد خشع أهل الكوفة و أهل البصرة أن صاروا أتباعا لأهل مصر و حشوة فيهم إلى أن قال: و جاء القوم بطلحة فقالوا: بايع، فقال: إنّي إنّما ابايع كرها. فبايع إلى أن قال ثمّ جي‏ء بالزبير فقال مثل ذلك و بايع، و في الزبير اختلاف يعني هل بايع أو لا( ١ ) ؟

و أخذ قوله: «و أنا لكم وزيرا» من خبر آخر.

و العجب من المصنّف كيف يأخذ من رواياته و يرى اشتمالها على مقطوع الكذب، ألم ينقل كلامهعليه‌السلام في ١٤ ٢ في كتابهعليه‌السلام إلى طلحة و الزبير:

«أنّي لم أرد النّاس حتى أرادوني، و لم ابايعهم حتّى بايعوني، و إنّكما ممّن أرادني و بايعني»؟ إلى غير ذلك ممّا نقل.

قول المصنف:

«و من خطبة لهعليه‌السلام » هكذا في (المصرية)( ٢ ) ، و الصواب: (و من كلام لهعليه‌السلام ) كما في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم)( ٣ ) و (الخطية)، و لأنّه واضح أنّ كلامهعليه‌السلام لم يكن خطبة، بل على فرض صحّة نسبته يكون جوابا منهعليه‌السلام

____________________

(١) تاريخ الطبريّ ٤: ٤٣٤، سنة ٣٥.

(٢) نهج البلاغة ١: ١٨٢.

(٣) كذا في شرح ابن أبي الحديد ٧: ٣٣، و لكن في شرح ابن ميثم ٢: ٣٨٥ «و من خطبة له» أيضا.

٥٦٥

لهم لمّا قالوا له: نبايعك.

«لمّا أريد على البيعة بعد قتل عثمان» هكذا في (المصرية)( ١ ) ، و يصدقه (ابن ميثم و الخطية)( ٢ ) و لكن في (ابن أبي الحديد)( ٣ ) بدله: (لمّا أراده النّاس على البيعة)، و قال: و في بعض النسخ (لمّا أداره النّاس على البيعة)( ٤) .

«رضي‌الله‌عنه » هكذا في (المصرية)( ٥ ) ، و هو زائد لعدم وجوده في (ابن ميثم)( ٦ ) و (الخطية)، و كذا (ابن أبي الحديد)( ٧ ) على ما عرفت نقله، و أيضا واضح أنّ المصنّف لا يقول ذلك، كما أنّ في (المصرية) في المتن: (إن أجبتكم)( ٨ ) ، و الأصل (أنّي إن أجبتكم) كما في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم( ٩ ) و الخطية).

ثمّ قد عرفت عدم تحقّق العنوان في كلامهعليه‌السلام ، فلا نحتاج إلى شرحه أو تأويله، و لكن قال ابن أبي الحديد: يحمل أصحابنا كلامهعليه‌السلام على ظاهره و يقولون إنّه لم يكن منصوصا عليه، و إن كان أولى النّاس بها، لأنّه لو كان منصوصا عليه لمّا جاز أن يقول: «دعوني و التمسوا غيري»، و لا أن يقول:

«و لعلّي أسمعكم و أطوعكم لمن ولّيتموه أمركم» و لا أن يقول: «و أنا لكم وزيرا خير منّي لكم أميرا» و تحمله الإمامية على وجه آخر فيقولون: إنّ الذين أرادوه على البيعة هم كانوا عاقدين بيعة الخلفاء من قبل، و كان عثمان منعهم

____________________

(١) نهج البلاغة ١: ١٨٢.

(٢) شرح ابن ميثم ٢: ٣٨٥.

(٣) شرح ابن أبي الحديد ٧: ٣٣.

(٤) المصدر نفسه.

(٥) نهج البلاغة ١: ١٨٢.

(٦) شرح ابن ميثم ٢: ٣٨٥.

(٧) في شرح ابن أبي الحديد ٧: ٣٣ «رضي‌الله‌عنه » أيضا.

(٨) نهج البلاغة ١: ١٨٢.

(٩) كذا في شرح ابن أبي الحديد ٧: ٣٣، و لكن في شرح ابن ميثم ٢: ٣٨٥ إن أجبتكم أيضا.

٥٦٦

أو منع كثيرا منهم عن حقّه من العطاء، لأن بني اميّة استأصلوا الأنام في أيّام عثمان، فلمّا قتل قالوا لعليّعليه‌السلام نبايعك على أن تسير فينا بسيرة أبي بكر و عمر، فاستعفاهم و سألهم أن يطلبوا غيره ممّن يسير بسيرتهما، و قالعليه‌السلام للناس كلاما تحته رمز و هو قولهعليه‌السلام : «إنّا مستقبلون أمرا له وجوه و ألوان، لا تقوم له القلوب، و لا تثبت عليه العقول، و إنّ الآفاق قد أغامت و المحجّة قد تنكّرت» قالوا: هذا كلام له باطن و غور عميق، معناه الإخبار عن غيب يعلمه هو و يجهلون هم، و هو الإنذار بحرب المسلمين بعضهم لبعض، و اختلاف الكلمة و ظهور الفتنة.

و معنى قولهعليه‌السلام «الآفاق قد أغامت و المحجة قد تنكرت»: أنّ الشبهة استولت على العقول و القلوب، و جهل أكثر النّاس محجّة الحق أين هي، فأنا لكم وزيرا عن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أفتي فيكم بشريعته و أحكامه، خير لكم منّي أميرا محجورا عليه، مدبرا بتدبيركم، فإنّي أعلم أنّه لا قدرة لي أن أسير فيكم بسيرة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أصحابه، مستقلا بالتدبير لفساد أحوالكم و تعذّر صلاحكم.

و معنى قولهعليه‌السلام : «له وجوه و ألوان» أنّه موضع شبهة و تأويل، فمن قائل يقول: (أصاب عليّ) و آخر يقول: (أخطأ).

و كذلك القول في تصويب محاربيه من الجمل و صفين و النهروان، و تخطئتهم فإنّ المذاهب فيه و فيهم تشعّبت و تفرّقت جدا. قال: و حمل بعضهم كلامهعليه‌السلام على محمل آخر، فقال: هذا كلام مستريب شاكّ من أصحابه، يقول لهم: «دعوني و التمسوا غيري» على طريق الضجر منهم، و التبرّم بهم، و التسخّط لأفعالهم، لأنّهم كانوا عدولا عنه من قبل و اختاروا عليه، فلمّا طلبوه بعد أجابهم جواب المتسّخط العاتب.

٥٦٧

و حمله بعضهم على محمل آخر فقالوا: إنّه أخرجه مخرج التهكم و السخرية أي: «أنا لكم وزيرا خير لكم منّي أميرا» في ما تعتقدونه، كما قال سبحانه: ذق إنّك أنت العزيز الكريم( ١ ) أي: تزعم ذلك لنفسك و تعتقده. و ما ذكروه من المحامل ليس ببعيد لو كان الدليل عليه دل( ٢) .

قلت: قد عرفت عدم معلوميّة كونه كلامهعليه‌السلام و على فرض كونه كلامهعليه‌السلام فنقول: أمّا ما نقله عن أصحابه أنّه لو كان منصوصا عليه لمّا جاز أن يقول: (دعوني و التمسوا غيري و لعلّي أسمعكم و أطوعكم لمن وليتموه أمركم، و أنا لكم وزيرا خير لكم منّي أميرا) فهل الإمامة هي السلطنة و الرّياسة، فالإمام كالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سواء كان له بسط يد أم لا، و السّلطنة و إن كانت حقّهما إلاّ أنّ تلك السلطنة أيضا من اللّه، و هم يريدون أن يجعلوه سلطانا من قبلهم و ببيعتهم، و لم يكونوا يعتقدوا أنّ طاعتهعليه‌السلام طاعة اللّه، و معصيتة معصية اللّه كالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلم يكن واجبا عليهعليه‌السلام قبول رياستهم، فأي مانع أن يقول دعوني و التمسوا غيري لإمامتكم المصنوعة، و أمّا طاعته لمن ولوه فلوجوب التقيّة.

و أمّا كون كونه وزيرا لهم خيرا لهم من إمارته، لأنّ بامارته كانوا يخرجون عليه فيكفروا، فإنّ طلحة و الزبير صارا بسبب إمارتهعليه‌السلام في غاية الخزي و الشقاوة، مع أنّ تكلّم الإنسان في مثله على عقيدة خصمه فقالوا: ان طائفة بجيلة في صفين قالوا لأبي شداد قيس بن مكشوح: خذ رايتنا. فقال:

غيري خير لكم منّي، قالوا: ما نريد غيرك. قال: فو اللّه لئن أعطتيمونيها لا أنتهي بكم دون صاحب الترس المذهب يعني معاوية فكان على رأسه رجل معه ترس مذهب يستره من الشمس.

____________________

(١) الدخان: ٤٩.

(٢) شرح ابن أبي الحديد ٧: ٣٣ ٣٥.

٥٦٨

و أمّا ما نقل عن الإمامية من المحامل، و قال ليست ببعيدة لو دلّ عليها دليل، فيدلّ على المحمل الأوّل من عدم قبولهعليه‌السلام العمل بسيرة أبي بكر و عمر:

إنّه لمّا قال له ابن عوف يوم الدار: ابايعك على أن تعمل بسنّتهما أنكر عليه، و قال: لا أعمل إلاّ بكتاب اللّه تعالى و سنّة نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، و لمّا بايعهعليه‌السلام أصحابه بيعة ثانية بعد التحكيم، أراد رجل خثعمي بيعته على شرط ذلك فأنكر عليه أيضا، و كونهعليه‌السلام وزيرا عن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمر معلوم بالضرورة، لا ينكره أحد حتّى انّ معاوية كان مقرّا به، كما في كتابه إلى محمّد بن أبي بكر، و تواتر به الخبر في حديث المنزلة( ١) .

و يدلّ على الثاني: أنّ تسخطهعليه‌السلام على النّاس و عتابه لهم في عدولهم عنه أمر مقطوع من الواضحات، و قد كان يصرّح به في أيّام الثلاثة في غير مقام و يخطب به في أيّامه مقاما بعد مقام، بل كانعليه‌السلام قلمّا يرقى المنبر إلاّ و يشكو من مظلوميته.

و يدلّ على الثالث: أنّ كونهعليه‌السلام رائي نفسه بمنزلة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيضا أمر معلوم، فكانعليه‌السلام يقول: «و أنا من رسول اللّه كالصنو من الصنو و الذراع من العضد»( ٢ ) ، و كان يقول: «إنّا صنائع اللّه و النّاس صنائع لنا»( ٣ ) و كيف لا يقولعليه‌السلام ذلك و القرآن في قوله تعالى:... و أنفسنا و أنفسكم...( ٤ ) و إنّما وليّكم اللّه و رسوله و الّذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة و يؤتون الزكاة و هم راكعون( ٥ ) يشهد له بذلك؟ و كانعليه‌السلام لا يرى الإمامة لغيره و غير المعصومين من عترته، و لذا

____________________

(١) انظر في مصادر هذا الحديث إحقاق الحقّ ٧: ٤٢٨، بحار الأنوار ٣٧: ٢٥٤ الباب ٥٣، الغدير ٣: ١٩٩ ٢٠١.

(٢) نهج البلاغة ٣: ٨١، الكتاب ٤٥.

(٣) نهج البلاغة ٣: ٣٦، الكتاب ٢٨.

(٤) آل عمران: ٦١.

(٥) المائدة: ٥٥.

٥٦٩

أجمعت قريش على طوائفها إجماع رجل واحد على صرف الأمر عنه يوم السقيفة و يوم الدار، ليكون لكلّ منهم نصيب من الأمر و كانوا يريدون أنّ يجعلوه كواحد من عرض النّاس، خواصهم عنادا و حسدا و عامّتهم قلّة معرفة، فكان حدّ معرفتهم أنّ أهل الشام لمّا رفعوا المصاحف، بأنّا حكمنا القرآن لم يعرفوا انّهعليه‌السلام مع سوابقه تلك في الإسلام و التقى أحقّ بالخلافة من معاوية مع سوابقه تلك في الكفر و الفجور، ثم كفّرهعليه‌السلام جمع منهم بمعاهدته في ذلك مع شرطه.

ثمّ إنّ ابن أبي الحديد قال: نذكر ها هنا قصّة بيعتهعليه‌السلام عن كتاب (نقض عثمانية) أبي جعفر الاسكافي قال: لمّا أجمعت الصحابة في مسجد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد قتل عثمان للنظر في أمر الإمامه، أشار أبو الهيثم بن التيهان و رفاعة بن رافع و مالك بن العجلان و أبو أيوب الأنصاري و عمّار بن ياسر بعليّعليه‌السلام ، و ذكروا فضله و سابقته و جهاده و قرابته، فأجابهم النّاس إليه، فقام كلّ واحد منهم خطيبا يذكر فضل عليّعليه‌السلام ، فمنهم من فضّله على أهل عصره خاصّة، و منهم من فضّله على المسلمين كافة، ثم بويع و صعد المنبر في اليوم الثاني من يوم البيعة و هو يوم السبت لاحدى عشرة ليلة بقيت من ذي الحجة. فحمد اللّه و أثنى عليه و ذكر محمّدا فصلّى عليه، ثم ذكر نعمة اللّه على أهل الإسلام، ثم ذكر الدنيا فزهّدهم فيها و ذكر الآخرة فرغّبهم إليها ثم قال: أمّا بعد فإنّه لمّا قبض رسول اللّه استخلف النّاس أبا بكر، ثم استخلف أبو بكر عمر فعمل بطريقة ثم جعلها شورى بين ستة، فأفضى الأمر منهم إلى عثمان فعمل ما أنكرتم و عرفتم، ثم حصر و قتل، ثم جئتموني فطلبتم إليّ و إنّما أنا رجل منكم لي ما لكم و عليّ ما عليكم، و قد فتح اللّه الباب بينكم و بين أهل القبلة و أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم، و لا يحمل هذا الأمر إلاّ أهل الصبر و النصر و العلم

٥٧٠

بمواقع الأمر، و إنّي حاملكم على منهج نبيّكمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و منفّذ فيكم ما أمرت به، إن استقمتم لي و باللّه المستعان ألا إنّ موضعي من رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد وفاته كموضعي منه أيّام حياته، فامضوا لمّا تؤمرون وقفوا عند ما تنهون عنه، و لا تعجلوا في أمر حتّى نبيّنه لكم، فإنّ لنا عن كل أمر تنكرونه عذرا، ألا و إنّ اللّه عالم من فوق سمائه و عرشه أنّي كنت كارها للولاية على امّة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، حتّى اجتمع رأيكم على ذلك لأنّي سمعتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: أيما والّ ولّي الأمر من بعدي اقيم على حدّ الصراط و نشرت الملائكة صحيفته، فإن كان عادلا أنجاه اللّه بعدله، و إن كان جائرا انتفض به الصراط تتزايل مفاصله، ثم يهوي إلى النّار فيكون أوّل ما يتقيها به أنفه و حر وجهه، و لكنّي لمّا اجتمع رأيكم لم يسعني ترككم ثم التفتعليه‌السلام يمينا و شمالا فقال: ألا لا يقولن رجل منكم غدا: قد غمرتهم الدّنيا فاتّخذوا العقار و فجّروا الأنهار، و ركبوا الخيول الفارهة و اتخذوا الوصائف الروقة، فصار ذلك عليهم عارا و شنارا، إذا ما منعتهم ما كانوا يخوضون فيه، و أصرتهم إلى حقوقهم التي كانوا يعلمون، فينقمون ذلك و يستنكرون و يقولون: حرمنا ابن أبي طالب حقوقنا، ألا و أيّما رجل من المهاجرين و الأنصار من أصحاب الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يرى أنّ الفضل له على من سواه لصحبته، فإنّ الفضل النيّر غدا عند اللّه و ثوابه و أجره على اللّه، و أيّما رجل استجاب للّه و للرسول فصدّق ملتنا و دخل في ديننا و استقبل قبلتنا، فقد استوجب حقوق الإسلام و حدوده، فأنتم عباد اللّه، و المال مال اللّه، يقسم بينكم بالسويّة لا فضل فيه لأحد على أحد، و للمتّقين غدا عند اللّه أحسن الجزاء و أفضل الثواب، لم يجعل اللّه الدّنيا للمتّقين أجرا و ثوابا و ما عند اللّه خير للأبرار...( ١) .

____________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ٧: ٣٦ ٣٧.

٥٧١

قلت: و رواه ابن عقدة الحافظ، كما نقله محمّد بن الحسن الطوسي في أواخر (أماليه)( ١) .

هذا، و في قولهعليه‌السلام فيه: و سمعت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: «ايّما وال...» تعريض بهلاك المتقدمين عليه، أمّا كون عثمان جائرا فواضح، كونه معدن كلّ خطيئة، و أمّا عمر فمعلوم أنّه جار في تفضيل العربي على العجمي و الصحابي على التابعي.

ففي ذيل هذا الخبر: أنّهعليه‌السلام قال لطلحة و الزبير: «ما الذي كرهتما من أمري»؟ قالا: خلافك عمر في القسم، فقالعليه‌السلام لهما: «قد وجدت أنا و أنتما رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يحكم بذلك و كتاب اللّه ناطق به». و أمّا أبو بكر فواضح جوره في قضية مالك بن نويرة، و تعطيله حدود اللّه تعالى في حق خالد بن الوليد كما اعترف به عمر إنّ في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع و هو شهيد( ٢ ) و لو لم يكن لشيخيهم إلاّ تفويض خلافة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى أعداء النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لكفاهم هلاكه.

٩ - الكتاب (٧٥) و من كتاب لهعليه‌السلام إلى معاوية في أول ما بويع له ذكره الواقديّ في كتاب (الجمل):

مِنْ عَبْدِ اَللَّهِ؟ عَلِيٍّ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ؟ إِلَى؟ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ؟ أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ عَلِمْتَ إِعْذَارِي فِيكُمْ وَ إِعْرَاضِي عَنْكُمْ حَتَّى كَانَ مَا لاَ بُدَّ مِنْهُ وَ لاَ دَفْعَ لَهُ وَ اَلْحَدِيثُ طَوِيلٌ وَ اَلْكَلاَمُ كَثِيرٌ وَ قَدْ أَدْبَرَ مَا أَدْبَرَ وَ أَقْبَلَ مَا أَقْبَلَ فَبَايِعْ مَنْ قِبَلَكَ وَ أَقْبِلْ إِلَيَّ فِي وَفْدٍ مِنْ أَصْحَابِكَ

____________________

(١) الأمالي للطوسيّ ٢: ٣٣٦ ٣٤٢.

(٢) ق: ٣٧.

٥٧٢

قول المصنّف:

«و من كتاب لهعليه‌السلام إلى معاوية» هكذا في (المصرية)( ١ ) و فيها سقط، و الأصل: (و من كتاب لهعليه‌السلام إلى معاوية من المدينة) كما في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم)( ٢ ) و (الخطيّة).

«في أوّل ما بويع له» هكذا في (المصرية)( ٣ ) ، و فيها أيضا سقط و الأصل:

(في أوّل مابويع له» هكذا في (المصرية( ٣ ) ، و فيها أيضا سقط و الأصل:

(في أوّل مابويع به بالخلافة) كما في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم)( ٤ ) و (الخطيّة) أيضا.

«ذكره» و في نسخة (ابن ميثم)( ٥ ) : (و ذكره).

«الواقدي» محمّد بن عمر بن واقد.

«في كتاب (الجمل)» و له كتب كثيرة.

قولهعليه‌السلام : «أمّا بعد فقد علمت إعذاري فيكم و إعراضي عنكم، حتّى كان ما لا بد منه و لا دفع له» قال ابن أبي الحديد: كتابهعليه‌السلام لمعاوية و لكن مخاطبته لبني اميّة جميعا، و المعنى علمت كوني ذا عذر لو لمتكم و ذممتكم في أيّام عثمان، و مع ذلك أعرضت عن إساءتكم إليّ حتّى كان ما لا بد منه من قتل عثمان( ٦) .

قلت: في (الطبري) كتب أهل المدينة إلى عثمان يدعونه إلى التوبة، و يقسمون له لا يمسكون عنه أبدا حتى يقتلوه، أو يعطيهم ما يلزمه من حق اللّه. فلمّا خاف القتل شاور نصحاءه و أهل بيته، فأشاروا عليه أن يرسل إلى عليّعليه‌السلام ليردّهم عنه حتى يأتيه إمداد، فقال لهم عثمان: إنّهم لن يقبلوا التعليل

____________________

(١) نهج البلاغة ٣: ١٤٩.

(٢) كذا في شرح ابن أبي الحديد ١٨: ٦٨، و لكن ليست في شرح ابن ميثم ٥: ٢٣٢ عبارة «من المدينة».

(٣) نهج البلاغة ٣: ١٤٩.

(٤) كذا في شرح ابن أبي الحديد ١٨: ٦٨، و لكن ليست كلمة «بالخلافة» في شرح ابن ميثم ٥: ٢٣٢ عبارة «من المدينة».

(٥) في شرح ابن ميثم ٥: ٢٣٢ «ذكره» أيضا.

(٦) شرح ابن أبي الحديد ١٨: ٦٨.

٥٧٣

و قد كان منّي في قدمتهم الاولى ما كان. فقال مروان: مقاربتهم حتّى تقوى أمثل من مكاثرتهم على القرب، فطاولهم ما طاولوك، فإنّهم بغوا عليك، فلا عهد لهم. فأرسل إلى عليّعليه‌السلام و قال له: يا أبا الحسن قد كان من النّاس ما رأيت، و كان منّي ما قد علمت، و لست آمنهم فارددهم عنّي، فإنّ لهم أن اعطيهم الحقّ من نفسي و من غيري. فقال له عليّعليه‌السلام : قد كنت أعطيتهم في قدمتهم الاولى عهدا من اللّه لترجعنّ عن جميع ما نقموا فرددتهم عنك، ثم لم تف لهم بشي‏ء فلا تغرّني هذه المرّة إلى أن قال: فقال له عثمان: أجّلني في ما بالمدينة ثلاثة أيّام. فخرج عليّعليه‌السلام إلى النّاس فأخبرهم بذلك، فكفّوا عنه و رجعوا، فجعل يتأهب للقتال، و قد كان اتّخذ جندا عظيما من رقيق الخمس، فلمّا مضت الايّام الثلاثة و هو على حاله لم يغيّر شيئا، و لم يعزل عاملا ثار به النّاس و خرجوا إلى المصريين بذي خشب فأخبروهم فقدموا المدينة إلى أن قال: و جاء محمّد بن أبي بكر و جماعة حتّى انتهى إلى عثمان، و أخذ بلحيته و قال له: ما أغنى عنك معاوية، ما أغنى عنك ابن عامر، ما أغنت عنك كتبك. فقام رجل من القوم بمشقص حتى وجأبه في رأسه ثمّ تغادوا عليه حتّى قتلوه( ١) .

«و الحديث طويل و الكلام كثير» أي: في قتل عثمان و معاملته مع النّاس حتى اضطروا إلى قتله.

«و قد أدبر ما أدبر و أقبل ما أقبل» هكذا في (المصرية)( ٢ ) ، و صدقها ابن أبي الحديد ففسّره بأنه أدبر ذلك الزمان و أقبل زمان آخر( ٣ ) ، و نقله (ابن ميثم): (و قد أدبر من أدبر و أقبل من أقبل) و فسّره بأنه يمكن أن يكون المراد خروج طلحة و الزبير، و أن يكون المعنى صار ذا إدبار (من أدبر عنّي)

____________________

(١) تاريخ الطبريّ ٤: ٣٦٩ ٣٧٢، سنة ٣٥، و نقله الشارح بتصرّف و تلخيص.

(٢) نهج البلاغة ٣: ١٤٩.

(٣) شرح ابن أبي الحديد ١٨: ٦٨.

٥٧٤

و ذا إقبال (من أقبل عليّ)( ١) .

و الظاهر أنّ صحيحه ما في (ابن ميثم)( ٢ ) لكون نسخته بخط مصنّفه.

«فبايع من قبلك و أقبل إليّ في وفد من أصحابك» قال ابن أبي الحديد: لكن معاوية لم يبايع و لا قدم، و كيف يبايع و عينه طامحة إلى الملك و الرياسة منذ أمّره عمر على الشام؟ و كان عالي الهمّة تواقا إلى معالي الامور...( ٣) .

قلت: و كان عليه أن يقول و أمّره عمر ليستطيع بذلك أن يقوم في قبال أمير المؤمنينعليه‌السلام إن وصل الأمر إليه يوما، و أن يستأصل أهل بيت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فكان يصفه بأنّه فتى قريش و ابن كريمها الذي لا ينام إلاّ على الرضا، و أنّه يضحك عند الغضب، و أنّه يتناول ما فوقه من تحته، و أنّه أدهى من كلّ كسرى و قيصر، يصفه النّاس بالدهاء، و قد شكره أبو سفيان في توليته، و لم يكتف بتأميره بل أكمل له الأمر بتدبيره الشورى لعثمان.

و من المضحك أنّه بشوراه جعل طلحة و الزبير و سعدا و ابن عوف مستعدين للخلاف عليهعليه‌السلام ، بجعلهم نظيره في الشورى، فقام عليه الأولان و تخلف عنه الثالث، و لو كان الرابع حيّا لتخلّف عنه أيضا، و مع ذلك يقول لهم:

إن اختلفتم في أمر الشورى غلبكم معاوية.

روى معمّر بن سليمان عن أبيه عن سعيد بن المسيب عن ابن عبّاس قال: سمعت عمر يقول لأهل الشورى: إنّكم إن تعاونتم و توازرتم و تناصحتم أكلتموها و أولادكم، و إن تحاسدتم و تقاعدتم و تقاطعتم و تدابرتم و تباغضتم غلبكم على هذا الأمر معاوية و كان معاوية حينئذ أمير الشام( ٤) .

____________________

(١) شرح ابن ميثم ٥ ٢٣٣.

(٢) شرح ابن ميثم ٥ ٢٣٣.

(٣) شرح ابن أبي الحديد ١٨: ٦٨ ٦٩.

(٤) شرح ابن أبي الحديد ١: ١٨٧.

٥٧٥

و كلامه هذا أيضا كان محرّكا آخر لمعاوية، و كان عمر يعلم أنّه كان موافقة أمير المؤمنينعليه‌السلام الذي كان لا يرعى غير اللّه معهم محالا، كما أنّه يعلم أنّ الجماعة الذين جعلهم في مقابلهعليه‌السلام و حرّضهم عليهعليه‌السلام بكون خلافة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طعمة لهم، و لأعقابهم و إن كان بينهم اختلاف، إلاّ انّهم متّفقون على خلافهعليه‌السلام ، فهل كان فعله و قوله إلاّ نصبا لمعاوية.

و أما قول ابن أبي الحديد( ١ ) : و كان معاوية عالي الهمّة، تواقا إلى معالي الامور، فالأمر كما ذكر فمن علو همّته حربه كانت محاربته كأبيه مع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى آخر أيّامه، و ما أسلم و لكن استسلم اضطرارا، و أسرّ كفره حتّى وجد أعوانا ممّا مهد له صدّيقهم و فاروقهم و ذو نوريهم، فأخذوا من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثأر من قتل منهم ببدر و احد.

١٠ - الحكمة (١٧) و قالعليه‌السلام في الّذين اعتزلوا القتال معه:

خَذَلُوا اَلْحَقَّ وَ لَمْ يَنْصُرُوا اَلْبَاطِلَ قول المصنف: «و قالعليه‌السلام في الذين اعتزلوا القتال معه» قال ابن أبي الحديد: هم ابن عمر و سعد بن أبي وقاص و سعيد بن زيد و اسامة بن زيد و محمّد بن مسلمة و أنس بن مالك و جمع آخر، و قال أبو الحسين من شيوخ المعتزلة في كتاب (غرره): إنّهعليه‌السلام لمّا دعاهم إلى القتال معه، و اعتذروا بما اعتذروا به قال لهم: أ تنكرون هذه البيعة؟ قالوا: لا لكنّا لا نقاتل فقال: «إذا بايعتم فقد قاتلتم» قال: فسلموا من الذم( ٢) .

قلت: مع أنّ أصل بيعتهم غير معلومة و الروايات فيها مختلفة، روايته

____________________

(١) مضى آنفا.

(٢) شرح ابن أبي الحديد ١٨: ١١٥.

٥٧٦

رواية باطلة فكيف يعقل أن يقولعليه‌السلام لهم: «إذا بايعتم فقد قاتلتم»؟ بدون عذر صحيح و هم الذين ذكر اللّه تعالى عذرهم في الجهاد في قوله: ليس على الضعفاء و لا على المرضى و لا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا للّه و رسوله ما على المحسنين من سبيل و اللّه غفور رحيم. و لا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولّوا و أعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا يجدوا ما ينفقون( ١ ) ، و اولئك كان لهم معاذير كاذبة فهم مصاديق قوله تعالى: و جاء المعذرون من الاعراب ليؤذن لهم و قعد الذين كذبوا اللّه و رسوله سيصيب الذين كفروا منهم عذاب أليم( ٢) .

و كيف يصح ما روى؟ و من بايعهعليه‌السلام كان الواجب عليه إطاعته، حتّى عند العامّة في جميع اموره و أوامره، و كيف سلموا من الذم و قد خذلوا الحق؟

و يكفيهم ذلك خزيا.

و قلنا: إنّ الروايات في أصل بيعتهم مختلفة، و الأصح روايات العدم لكثرتها و شهرتها، بل ليس بالبيعة إلاّ خبر واحد قابل للتأويل. فروى الطبري:

أنّهم جاؤوا بسعد فقال عليّعليه‌السلام : بايع، قال: لا ابايع حتّى يبايع النّاس و اللّه ما عليك منّي بأس، قال: خلوا سبيله، و جاؤوا بابن عمر فقال: بايع، قال: لا ابايع حتّى يبايع النّاس، قال: إنّني بحميل. قال: لا أرى حميلا، قال الأشتر: خل عنّي أضرب عنقه. قال عليّعليه‌السلام : دعوه أنا حميله إنّه ما علمت لسيى‏ء الخلق صغيرا و كبيرا( ٣) .

و روى أبو مخنف في (جمله) في خبر: أنّ المسلمين بايعوا عليّاعليه‌السلام إلاّ محمّد بن مسلمة و عبد اللّه بن عمر و اسامة بن زيد و سعد و كعب بن مالك

____________________

(١) التوبة: ٩١ ٩٢.

(٢) التوبة: ٩٠.

(٣) تاريخ الطبريّ ٤: ٤٢٨، سنة ٣٥.

٥٧٧

و حسّان بن ثابت و عبد اللّه بن سلام، فأمر بإحضار ابن عمر فقال له: بايع، فقال: لا ابايع حتّى يبايع جميع النّاس إلى أن قال: فلمّا انصرف قالعليه‌السلام : لقد كان صغيرا و هو سيى‏ء الخلق و هو في كبره أسوأ خلقا، ثم أتي بسعد فقال له:

بايع، فقال له: خلني فإذا لم يبق غيري بايعتك، فو اللّه لا يأتيك من قبلي أمر تكرهه أبدا، فقال: صدق خلوا سبيله.

ثم بعث إلى محمّد بن مسلمة فلمّا أتاه قال له: بايع، قال: إنّ النبيّ أمرني إذا اختلف النّاس و صاروا هكذا و شبك بين أصابعه أن أضرب بسيفي فأضرب به عرض (أحد) فإذا انقطع أتيت منزلي لا أبرحه. فقالعليه‌السلام له: فانطلق إذن فكن كما امرت. ثم بعث إلى اسامة فلمّا جاء قال له: بايع، فقال: إنّي مولاك و لا خلاف منّي عليك و ستأتيك بيعتي إذا سكن النّاس. فأمرهعليه‌السلام بالانصراف و لم يبعث إلى أحد غيرهم، فقيل له ألا تبعث إلى حسّان بن ثابت و كعب بن مالك و عبد اللّه بن سلام فقالعليه‌السلام : لا حاجة لنا في من لا حاجة له فينا.

و روى أيضا أنّهعليه‌السلام لمّا تكلم ابن عمر في البيعة فامتنع عليه، أتاه في اليوم الثاني فقال له: إنّي لك ناصح إنّ بيعتك لم يرض بها كلّهم فلو نظرت لدينك و رددت الأمر شورى بين المسلمين. فقالعليه‌السلام له: ويحك و هل كان ما كان عن طلب منّي، ألم يبلغك صنيعهم بي، قم عني يا أحمق ما أنت و هذا الكلام...

و روى (الإرشاد) عن الشعبي قال: لمّا اعتزل سعد و من معه و توقفوا عن بيعتهعليه‌السلام قالعليه‌السلام في جملة كلام له: «و هذه بيعة عامّة من رغب عنها رغب عن دين الإسلام، و اتبع غير سبيل أهله إلى أن قال:

و قد بلغني عن سعد و ابن مسلمة و أسامة و عبد اللّه و حسّان امور

٥٧٨

كرهتها و الحق بيني و بينهم»( ١) .

و روى المسعودي في (مروجه): أنّ سعدا و اسامة و ابن عمر و محمّد بن مسلمة ممّن قعد عن عليّعليه‌السلام ، و أبوا أن يبايعوه هم و غيرهم ممّن ذكرنا من القعاد عن بيعته و ذلك أنّهم قالوا: إنّها فتنة، و منهم من قال لعليّعليه‌السلام : أعطنا سيوفا نقاتل بها معك فإذا ضربنا بها المؤمنين لم تعمل فيهم و نبت عن أجسامهم، فإذا ضربنا بها الكافرين سرت في أبدانهم. فأعرض عنهم عليّعليه‌السلام و قال: و لو علم اللّه فيهم خيرا لأسمعهم و لو أسمعهم لتولّوا و هم معرضون( ٢) .

و في (خلفاء ابن قتيبة): ذكروا أنّ عمّار قام إلى عليّعليه‌السلام فقال: ايذن لنا آت ابن عمر لعلّه يخف معنا في هذا الأمر. فقالعليه‌السلام : نعم. فأتاه و قال له: قد بايع عليّا المهاجرون و الأنصار و من إن فضّلناه عليك لم يسخطك، و إن فضّلناك عليه لم يرضك، و قد أنكرت السيف في أهل الصلاة، و قد علمت أنّ على القاتل القتل و على المحصن الرجم.

فقال له ابن عمر: إنّ أبي جمع أهل الشورى فكان أحقّهم بها عليّ، غير أنّه جاء أمر فيه السيف و لا أعرفه، لكن ما احبّ أنّ لي الدنيا و ما عليها و أنّي أضمرت عداوة علي. فانصرف عنه و أخبر عليّاعليه‌السلام بقوله، فقال له: لو أتيت محمّد بن مسلمة. فأتاه فقال له محمّد بن مسلمة: لو لا ما في يدي من النبيّ لبايعت عليّا، و لكن كان منه أمر ذهب فيه الرأي فقال له عمّار: كيف؟ قال: قال النبيّ إذا رأيت المسلمين يقتتلون أو إذا رأيت أهل الصلاة فقال عمار: فإن كان قال لك (إذا رأيت المسلمين) فو اللّه لا ترى مسلمين يقتتلان بسيفهما أبدا، و إن كان قال (أهل الصلاة)، فمن سمع هذا معك إنّما أنت أحد الشاهدين،

____________________

(١) الإرشاد ١: ٢٤٤ ٢٤٣، بحار الأنوار ٣٢: ٣٣.

(٢) الأنفال: ٢٣، مروج الذهب ٣: ٢٤ ٢٥.

٥٧٩

أ فتريد من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قولا بعد يوم حجّة الوداع: «دماؤكم و أموالكم عليكم حرام إلاّ بحدث»؟ فنقول أنت يا محمّد بن مسلمة لا تقاتل المحدثين. فقال له:

حسبك.

ثم أتى سعدا فكلّمه فأظهر الكلام القبيح. فانصرف إليهعليه‌السلام فقال له عليّعليه‌السلام : دع هؤلاء الرهط، أمّا ابن عمر فضعيف، و أمّا سعد فحسود، و أما محمّد بن مسلمة فذنبي إليه انّي قتلت أخاه يوم خيبر( ١) .

و في (أخبار الطوال) للدينوري بعد ذكر بيعة النّاس له: ثمّ إنّ عليّاعليه‌السلام نادى في النّاس بالتّأهّب للمسير إلى العراق، فدخل عليه سعد و ابن عمر و محمّد بن مسلمة فقال لهم: قد بلغني عنكم هنات كرهتها لكم. فقال سعد: قد كان ما بلغك فأعطني سيفا يعرف المسلم من الكافر إلى أن قال:

فقال الأشتر لهعليه‌السلام : إنّا و إن لم نكن من المهاجرين و الأنصار فإنّا من التابعين بإحسان، و إنّ القوم و إن كانوا أولى بما سبقونا إليه فليسوا بأولى ممّا شركناهم فيه و هذه بيعة عامّة، الخارج منها طاعن مستعتب، فعظ هؤلاء الذين يريدون التخلّف عنك باللسان فإن أبوا فأدّبهم بالحبس. فقال عليّعليه‌السلام :

بل أدعهم و رأيهم الذي هم عليه( ٢) .

و في (الاستيعاب): قيل لنافع: ما بال ابن عمر بايع معاوية و لم يبايع عليّا؟ فقال: كان ابن عمر لا يعطي يدا في فرقه و لا يمنعها من جماعة، و لم يبايع معاوية حتّى اجتمعوا عليه( ٣) .

قلت: قبح اللّه دينا يستلزم كون عدو النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أولى بالولاية من

____________________

(١) الإمامة و السياسة ١: ٥٣ ٥٤.

(٢) أخبار الطوال: ١٤٠ ١٤٣، و النقل بتصرّف و تلخيص.

(٣) ابن عبد البر: الاستيعاب في معرفة الأصحاب ١: ٢٦٢ في ترجمة معاوية بن أبي سفيان، دائرة المعارف، حيدر آباد ١٣١٨ للهجرة.

٥٨٠