بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٤

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة9%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 639

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤
  • البداية
  • السابق
  • 639 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 246414 / تحميل: 8596
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٤

مؤلف:
العربية

كتاب بهج الصباغة

في شرح نهج البلاغة

المجلد الثالث عشر

الشيخ محمد تقي التّستري

١

المجلد الرابع عشر

٢

الفصل الخمسون في وصف الانصار و طوائف قريش و تميم و في الشعراء

٣

١ الحكمة ( ٤٦٥ ) و قالعليه‌السلام في مدح الأنصار :

هُمْ وَ اَللَّهِ رَبَّوُا اَلْإِسْلاَمَ كَمَا يُرَبَّى اَلْفِلْوُ مَعَ غَنَائِهِمْ بِأَيْدِيهِمُ اَلسِّبَاطِ وَ أَلْسِنَتِهِمُ اَلسِّلاَطِ قول المصنّف : « و قالعليه‌السلام في مدح الأنصار » في ( الأغاني ) : حضرت وفود الأنصار باب معاوية فقيل له : استأذن للأنصار و كان عنده عمرو بن العاص فقال له : ما هذا اللقب ارددهم إلى أنسابهم إلى أن قال فدخلوا يقدمهم النعمان بن بشير و هو يقول :

يا سعد لا تجب الدعاء فما لنا

نسب نجيب به سوى الأنصار

نسب تخيره الإله لقومنا

أثقل به نسبا على الكفار

ان الذين ثووا ببدر منكم

يوم القليب هم وقود النار

٤

فقال معاوية لعمرو بن العاص : قد كنّا لأغنياء عن هذا(١) .

و فيه : روى الزهري أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : من كان يؤمن باللَّه و اليوم الآخر فلا يبغض الأنصار .

و عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله : بنو هاشم و الأنصار حلفان ، و بنو امية و ثقيف حلفان(٢) .

و في ( المجازات النبوية ) للمصنف : قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله للأنصار « أنتم الشعار و الناس الدثار »(٣) و قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله « الأنصار كرشي و عيبتي »(٤) .

و في ( كامل الجزري ) : قال أبو سعيد الخدري : لمّا أعطى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من غنائم حنين قريشا و قبائل العرب و لم تعط الأنصار شيئا وجدوا في أنفسهم حتى قال قائلهم : لقي النبي قومه فأخبر سعد بن عبادة النبي بذلك فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله :

له : فأين أنت من ذلك يا سعد ؟ قال : ما أنا إلاّ من قومي قال : فاجمع لي قومك .

فجمعهم فأتاهم النبي فقال : ما حديث بلغني عنكم ، ألم آتكم ضلاّلا فهداكم اللَّه بي و فقراء فأغناكم اللَّه بي و أعداء فألّف اللَّه بين قلوبكم بي ؟ قالوا : بلى و اللَّه ، و للَّه و لرسوله المنّ و الفضل فقال : ألا تجيبوني ؟ قالوا : بماذا نجيبك ؟ فقال :

و اللَّه لو شئتم لقلتم فصدقتم « أتيتنا مكذّبا فصدّقناك و مخذولا فنصرناك و طريدا فآويناك و عائلا فواسيناك » أوجدتم يا معشر الأنصار في أنفسكم في لعاعة من الدنيا تألّفت بها قوما ليسلموا و وكلتكم إلى إسلامكم ، أفلا ترضون أن يذهب الناس بالشاة و البعير و ترجعوا برسول اللَّه إلى رحالكم ، و الذي نفسي بيده لو لا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار ، و لو سلك الناس شعبا و سلكت الأنصار شعبا لسلكت شعب الأنصار ، اللّهم ارحم الأنصار و أبناء

____________________

( ١ ) الأغاني ١٦ : ٤٨ .

( ٢ ) لم نعثر عليه في كتب الصحاح المعبّرة .

( ٣ ) المجازات النبوية : ٤١ .

( ٤ ) المجازات النبوية : ٧١ .

٥

الأنصار و أبناء أبناء الأنصار فبكى القوم حتى اخضلو الحاهم و قالوا : رضينا برسول اللَّه قسما و حظا ، و تفرقوا(١) .

و قال كعب بن زهير فيهم :

من سرّه كرم الحياة فلا يزل

في مقنب من صالحي الأنصار

ورثوا المكارم كابرا عن كابر

ان الخيار هم بنو الأخيار

الناظرون بأعين محمرة

كالجمر غير كليلة الأبصار

الباذلون نفوسهم و دماءهم

يوم الهياج و سطوة الجبار

يتطهّرون يرونه نسكا لهم

بدماء من قتلوا من الكفار

فكساه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بردة كانت عليه ، و هي البردة التي عند الخلفاء الآن اشتراها معاوية من ولده(٢) .

و في ( الطبري ) : لما مات أبو امامة أسعد بن زرارة اجتمعت بنو النجار إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقالوا : ان هذا الرجل كان منّا فاجعل منّا رجلا مكانه يقيم من أمرنا ما كان يقيمه فقال لهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : أنتم أخوالي و أنا منكم و أنا نقيبكم .

كره النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يخص بها بعضهم دون بعض ، فكان من فضل بني النجار الذي يعدّ على قومهم ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كان نقيبهم(٣) .

و قال ابن أبي الحديد قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله للأنصار : إنّكم لتكثرون عند الفزع و تقلّون عند الطمع(٤) .

و قالصلى‌الله‌عليه‌وآله لعامر بن الطفيل لما توعده : يكفي اللَّه ذلك و أبناء قيلة(٥) .

____________________

( ١ ) الكامل لابن الأثير ٢ : ٢٧١ ٢٧٢ .

( ٢ ) الكامل لابن الأثير ٢ : ٢٧٦ .

( ٣ ) تاريخ الطبري ٢ : ٩ .

( ٤ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ١٠٥ .

( ٥ ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٢٠ : ١٨٤ .

٦

و قالت الأنصار : لو لا عليعليه‌السلام لأنفنا أن يذكر المهاجرون معنا أو أن يقرنوا بنا ، و لكن ربّ واحد كألف بل كألوف(١) .

و قال الوزير المغربي و كان شديد العصبية للأنصار و لقحطان قاطبة ، و كان ينتمي إلى ازد شنؤة :

ان الذي أرسى دعائم أحمد

و علا بدعوته على كيوان

ابناء قيلة وارثو شرف العلى

و عراعر الأقيال من قحطان

بسيوفهم يوم الوغى و أكفّهم

ضربت مصاعب ملكه بجران

لو لا مصارعهم و صدق قراعهم

خرّت عروش الدين للأذقان

فليشكرنّ محمد أسياف من

لولاه كان كخالد بن سنان(٢)

و قال ابن أبي الحديد و هذا إفراط قبيح منه ، و لا سيما في البيت الأخير(٣) .

قلت : بل ليشكرنّ الأنصار لهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال تعالى .( بل اللَّه يمنّ عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين ) (٤) .

قولهعليه‌السلام « هم و اللَّه ربوا » بفتح الباء من التربية .

« الإسلام كما يربى الفلو » بتشديد الواو و ضم الفاء أو فتحها ، أي : المهر لأنّه يفتلى أي يفطم .

في ( المروج ) في ورود النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله المدينة و إحداق الأنصار به يقول صرمة النجاري :

ثوى في قريش بضع عشرة حجّة

يذكر لا يلقى صديقا مواتيا

و يعرض في أهل المواسم نفسه

فلم ير من يوفي و لم ير داعيا

____________________

( ١ ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٢٠ : ١٨٥ .

( ٢ ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٢٠ : ١٨٥ .

( ٣ ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٢٠ : ١٨٥ .

( ٤ ) الحجرات : ١٧ .

٧

فلما أتانا أظهر اللَّه دينه

و أصبح مسرورا بطيبة راضيا

و أصبح لا يخشى من الناس واحدا

بعيدا و لا يخشى من الناس دانيا

بذلنا له الأموال في كل ملكنا

و أنفسنا عند الوغى و التآسيا

و نعلم أنّ اللَّه لا ربّ غيره

و أنّ رسول اللَّه للحق رائيا

نعادي الذي عادى من الناس كلّهم

جميعا و إن كان الحبيب المصافيا(١)

و في ( الاستيعاب ) : اختلف إليه ابن عباس حتى تعلّم منه هذه الأبيات(٢) .

« مع غنائهم بأيديهم السباط » قال الجوهري : شعر سبط و سبط :

مسترسل و رجل سبط الجسم إذا كان حسن القد و الاستواء ، قال جندح :

فجاءت به سبط العظام كأنّما

عمامته بين الرجال لواء(٣)

في ( الطبري ) : كان ممّا صنع اللَّه به لرسوله أنّ هذين الحيين الأوس و الخزرج من الأنصار كانا يتصاولان مع النبي تصاول الفحلين ، لا تصنع الأوس شيئا فيه عن النبي غناء إلاّ قالت الخزرج و اللَّه لا يذهبون بهذه فضلا علينا عند النبي في الاسلام حتى يوقعوا مثلها ، و إذا فعلت الخزرج شيئا قالت الأوس مثل ذلك ثم ذكر غيلة الأوس لكعب بن الأشرف الذي كان شديدا في عداوة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثم ذكر غيلة الخزرج في قبالهم لسلام بن أبي الحقيق الخيبري الذي كان أيضا شديدا في عداوته قال : و كان المتصدون لقتله ثمانية ، و كان نهاهم أن يقتلوا وليدا أو امرأة ، و كانت امرأته تصيح فيرفعون السيف عليها فيذكرون نهي النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فيكفّون أيديهم عنها ثم كلّ منهم يدّعي قتله لما رجعوا ، فنظر النبي إلى أسيافهم فقال : أرى أثر العظام في سيف

____________________

( ١ ) المروج ٢ : ٢٨٧ .

( ٢ ) الاستيعاب ١ : ٣٣٤ .

( ٣ ) الجوهري ٢ : ١١٢٨ مادة سبط .

٨

عبد اللَّه بن أنيس رجل من الثمانية .

و فيه في مجي‏ء قريش إلى بدر : فبعثوا عمير الجمحي و قالوا له احزر لنا أصحاب محمد فاستجال بفرسه حول العسكر ثم رجع إليهم فقال ثلاثمائة يزيدون أو ينقصون ، و لكن يا معشر قريش رأيت الولايا تحمل المنايا نواضح يثرب تحمل الموت الناقع ، قوم ليس لهم منعة و لا ملجأ إلاّ سيوفهم ، و اللَّه ما أرى يقتل رجل منهم حتى يقتل رجل منكم . .

و فيه في مسير النبي إلى بدر ثم قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : أشيروا عليّ أيّها الناس و إنّما يريد الأنصار لأنّهم كانوا عدد الناس و كانوا لما بايعوهصلى‌الله‌عليه‌وآله بالعقبة قالوا له : إذا وصلت إلينا نمنعك مما نمنع منه أبناءنا و نساءنا فكان النبي يتخوّف ألا ترى الأنصار نصرته إلاّ من عدو دهمه بالمدينة ، فقال له سعد بن معاذ : و اللَّه لكأنّك تريدنا يا رسول اللَّه قال : أجل قال : فقد آمنّا بك و صدّقناك فامض لما أردت ، فو الذي بعثك بالحق إن استعرضت بنا هذا البحر لخضناه معك ، إنّا لصبر عند الحرب صدق عند اللقاء فسرّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بقوله فقال :

سيروا و ابشروا ، و اللَّه لكأنّي الآن أنظر إلى مصارع القوم(١) .

و في ( المروج ) : دخل قيس بن سعد بن عبادة بعد وفاة عليعليه‌السلام و وقوع الصلح في جماعة من الأنصار على معاوية فقال لهم معاوية : يا معشر الأنصار بم تطلبون ما قبلي ، فو اللَّه لقد كنتم قليلا معي كثيرا عليّ ، و لفللتم حدي يوم صفين حتى رأيت المنايا تلظى في أسنتكم ، و هجوتموني في أسلافي بأشدّ من وقع الأسنة حتى إذا أقام اللَّه ما حاولتم ميله قلتم « ارع وصيّة النبي فينا » هيهات يأبى الحقير الغدرة فقال قيس : نطلب ما قبلك بالإسلام الكافي به اللَّه لا بما تمت إليه الأحزاب ، و أما عداوتنا لك فلو شئت كففنا ، و أما هجاؤنا إيّاك

____________________

( ١ ) تاريخ الطبري ٢ : ١٨٤ .

٩

فقول يزول باطله و يثبت حقّه ، و اما استقامة الأمر لك فعلى كره كان منّا ، و اما فلّنا حدّك يوم صفين فانّا كنّا مع رجل طاعته طاعة اللَّه ، و أما وصيّة النبي بنا فمن آمن بالنبي رعاها بعده(١) .

و في ( صفين نصر ) : دعا معاوية النعمان بن بشير و مسلمة بن مخلد و لم يكن معه من الأنصار غيرهما فقال : يا هذان لقد غمّني ما لقيت من الأوس و الخزرج ، صاروا واضعي سيوفهم على عواتقهم يدعون إلى النزال ، حتى و اللَّه جبنوا أصحابي الشجاع و حتى ما أسأل عن فارس من أهل الشام إلاّ قالوا قتله الأنصار ، أما و اللَّه لألفينهم بحدّي و حديدي و لأعبين لكلّ فارس منهم فارسا ينشب في حلقه ، ثم لأرمينهم بأعدادهم من قريش رجال لم يغذهم التمر و الطفيشل ، آووا و نصروا و لكن أفسدوا حقّهم بباطلهم فغضب النعمان و قال : يا معاوية لا تلومن الأنصار بسرعتهم في الحرب ، فانّهم كانوا كذلك في الجاهلية ، و أما دعاؤهم إلى النزال فقد رأيتهم مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، و اما لقاؤك إيّاهم في أعدادهم من قريش فان أحببت ان ترى فيهم مثل ما رأيت آنفا فافعل ، و اما التمر فانّه كان لنا فلما ان ذقتموه شاركتمونا فيه ، و أما الطفيشل فكان لليهود فلما أكلناه غلبناهم عليه كما غلب قريش على السخينة .

إلى أن قال : و انتهى الكلام إلى الأنصار ، فجمعهم قيس بن سعد و خطبهم فقال : ان معاوية قال ما قد بلغكم و أجاب عنكم صاحبكم ، فلعمري لئن غظتم اليوم معاوية لقد غظتموه بالأمس ، و ان وترتموه في الاسلام لقد وترتموه في الشرك ، و ما لكم اليه ذنب غير نصر هذا الدين أنتم عليه ، فجدوا اليوم جدا تنسونه ما كان أمس ، وجدوا غدا فتنسوه ما كان اليوم ، و أنتم مع هذا الذي كان عن يمينه جبرئيل يقاتل و عن يساره ميكائيل يقاتل و القوم مع

____________________

( ١ ) مروج الذهب للمسعودي ٣ : ١٧ .

١٠

لواء أبي جهل و الأحزاب(١) .

و في ( جمل المفيد ) : قال محمد بن الحنفية : فوقفت بين يدي أبي باللواء ، فقال قيس بن سعد بن عبادة :

هذا اللواء الذي كنّا نحفّ به

مع النبي و جبريل لنا مددا

ما ضرّ من كانت الأنصار عيبته

ألاّ يكون له من غيرهم أحدا

قوم إذا حاربوا طالت أكفّهم

بالمشرفية حتى يفتحوا البلدا(٢)

« و ألسنتهم السلاط » أي : الحداد .

في ( طبقات كاتب الواقدي ) : أقام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بمكّة ما أقام يدعو القبائل إلى اللَّه و يعرض نفسه عليهم نفسه كلّ سنة بمجنة و عكاظ و منى أن يؤووه حتى يبلغ رسالة ربه و لهم الجنّة ، فلا يستجيب له قبيلة بل يؤذى و يشتم ، حتى أراد اللَّه إظهار دينه ساقه إلى هذا الحي من الأنصار ، فانتهى إلى نفر منهم و هم يحلقون رؤوسهم ، فجلس إليهم فدعاهم إلى اللَّه و قرأ عليهم القرآن ، فاستجابوا له و أسرعوا ، فآمنوا و صدقوا و آووا و نصروا و واسوا ، و كانوا أطول الناس ألسنة و أحدّهم سيوفا(٣) .

هذا ، و في ( كامل المبرّد ) : قال رجل من بني مخزوم قلت و هم قوم أبي جهل لرجل من الأنصار : أتعرف الذي يقول :

ذهبت قريش بالمكارم كلّها

و اللؤم تحت عمائم الأنصار

قال : لا و لكن أعرف الذي يقول :

الناس كنوه أبا حكم

و اللَّه كنّاه أبا جهل

____________________

( ١ ) وقعة صفين لنصر بن مزاحم : ٤٤٥ .

( ٢ ) جمل المفيد : ١٨٢ ١٨٣ .

( ٣ ) الطبقات لابن سعد ١ : ٢١٧ .

١١

أبقت رئاسته لأسرته

لؤم الفروع و دقّة الأصل

و كان يزيد عتب على قوم من الأنصار ، فأمر كعب بن جعيل بهجائهم فقال : أهجو الأنصار فأردّ إلى الكفر ، أدلّك على غلام من الحي نصراني كأن لسانه لسان ثور يعني الأخطل فأمره فقال ذاك البيت ، فدخل النعمان بن بشير على معاوية ، فحسر عمامته عن رأسه ثم قال : يا معاوية أترى لؤما ؟

فقال : ما أرى إلاّ كرما فقال له :

فما لي ثار دون قطع لسانه .

و دونك من يرضيه عنك الدراهم(١) .

و روى ( سنن أبي داود ) عن أنس : أنّ المهاجرين قالوا للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ذهبت الأنصار بالأجر كلّه قال : لا ما دعوتم اللَّه لهم و أثنيتم عليهم(٢) .

هذا ، و في ( سيرة ابن هشام ) : أسعد أبو كرب تبع الآخر لما قاتل أهل المدينة تزعم الأنصار أنّهم كانوا يقاتلونه بالنهار و يقرونه بالليل ، فيعجبه ذلك منهم و يقول : و اللَّه ان قومنا لكرام(٣) .

و فيه : بلغني عن يحيى بن سعيد أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حين افتتح مكة و دخلها قام على الصفا يدعو و قد أحدقت به الأنصار ، فقالوا فيما بينهم : أترون النبي إذ فتح اللَّه عليه أرضه و بلده يقيم بها فلما فرغ من دعائه قال : ما ذا قلتم ؟ قالوا : لا شي‏ء فلم يزل بهم حتى أخبروه فقال النبي : معاذ اللَّه ، المحيى محياكم و الممات مماتكم .

____________________

( ١ ) الكامل للمبرّد ١ : ١٥٣ .

( ٢ ) سنن أبي داود ٢ ٣٤٩ حديث ٤٨١٢ .

( ٣ ) سيرة ابن هشام ١ : ١١ .

١٢

٢ الحكمة ( ١٢٠ ) و سئلعليه‌السلام عن قريش فقال :

أَمَّا ؟ بَنُو مَخْزُومٍ ؟ فَرَيْحَانَةُ ؟ قُرَيْشٍ ؟ تُحِبُّ حَدِيثَ رِجَالِهِمْ وَ اَلنِّكَاحَ فِي نِسَائِهِمْ وَ أَمَّا ؟ بَنُو عَبْدِ شَمْسٍ ؟ فَأَبْعَدُهَا رَأْياً وَ أَمْنَعُهَا لِمَا وَرَاءَ ظُهُورِهَا وَ أَمَّا نَحْنُ فَأَبْذَلُ لِمَا فِي أَيْدِينَا وَ أَسْمَحُ عِنْدَ اَلْمَوْتِ بِنُفُوسِنَا وَ هُمْ أَكْثَرُ وَ أَمْكَرُ وَ أَنْكَرُ وَ نَحْنُ أَفْصَحُ وَ أَنْصَحُ وَ أَصْبَحُ أقول : و في ( رسالة الجاحظ ) كما في ( ينابيع مودة سليمان الحنفي ) قال عليعليه‌السلام حين سئل عن بني هاشم و بني امية « نحن أنجد و أمجد و أجود و هم أنكر و أمكر و أغدر »(١) .

و قالعليه‌السلام أيضا : نحن أطعم للطعام و أضرب للهام(٢) .

و روى ( موفقيات ابن بكار ) عن عبد اللَّه بن إبراهيم الجمي عن نوفل بن عمارة : قال رجل من قريش لعليعليه‌السلام : أخبرنا عنكم و عن بني عبد شمس قال :

نحن أصبح و أفصح و أسمح فقال الرجل : ما أبقيت للقوم شيئا قال : بلى هم أكثر و أمكر و أنكر(٣) .

و في ( العقد ) : قيل لعليعليه‌السلام : أخبرنا عنكم و عن بني امية فقال : بنو امية أنكر و أمكر و أفجر ، و نحن أصبح و أنصح و أسمح .

و قال الشعبي : قال عليعليه‌السلام : أما بنو هاشم فأطعمها للطعام و أضربها للهام ، و أمّا بنو أمية فأشدّها حجرا و أطلبها للأمر الذي لا ينال فينالونه(٤) .

____________________

( ١ ) ينابيع المودة : ١٥٤ .

( ٢ ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١٥ : ٢٠٨ .

( ٣ ) موفقيات ابن بكار : ٣٤٣ .

( ٤ ) العقد الفريد ٣ : ٣١٥ .

١٣

و في ( العيون ) : قال عليعليه‌السلام : خصصنا بخمس بصباحة و فصاحة و سماحة و رجاحة و حظوة يعني عند النساء(١) .

و سئلعليه‌السلام فقال : هم أغدر و أفجر و أمكر ، و نحن أفصح و أصبح و أسمح .

قول المصنّف : « و سئلعليه‌السلام عن قريش » في ( المروج ) : قريش خمسة و عشرون بطنا : بنو هاشم ، بنو المطلب ، بنو أسد بن عبد العزى ، بنو عبد الدار بن قصي ، بنو زهرة بن كلاب ، بنو تيم بن مرة ، بنو مخزوم ، بنو يقظة ، بنو عدي بن كعب ، بنو سهم ، بنو جمح و هم قريش البطاح ، بنو مالك بن حنبل ، بنو معيص ، بنو عامر ، بنو أسامة بن لؤي ، بنو الأدرم و هم تيم بن غالب ، بنو محارب بن فهم ، بنو الحرث بن عبد اللَّه ، بنو عائذة و هم خزيمة بن لؤي بنو بنانة و هم سعد بن لؤي قريش الظواهر(٢) .

و في ( المعارف ) : النضر بن كنانة أبو قريش ، و ولده مالك و الصلت و صار الصلت في اليمن و رجعت قريش إلى مالك بن النضر فهو أبوها كلّها ، و ولده فهر و الحارث ، و من الحارث أبو عبيدة ، و أما فهر فمنه تفرّقت قبائل قريش و ولده غالب و محارب ، و من محارب ضرار بن الخطاب شاعر قريش في الجاهلية ، و ولد غالب لؤي و تيم و من تيم الأدرم من أعرابهم قال :

ان بني الأدرم ليسوا من أحد

ليسوا إلى قيس و ليسوا من أسد

و لا توفاهم قريش في العدد

و أمّا لؤي فإليه ينتهي عدد قريش و شرفها ، و ولده كعب و عامر و سعد و خزيمة و الحارث و عوف ، و ولد عامر حسل و معيص ، و من معيص ابن ام

____________________

( ١ ) العيون ٤ : ٢٥ .

( ٢ ) المروج ٢ : ٣٢ .

١٤

كلثوم ، و من حسل سهل و سهيل و السكران بنو عمرو و سامة بن لؤي وقع بعمان ، و أما سعد بن لؤي فمنهم عائذة و هم في بني شيبان و مقاس العائذي الشاعر و أمّا كعب بن لؤي فولده مرة و هصيص و عدي ، و من هصيص بنو سهم و بنو جمح و أما عدي فمنهم عمر ، و أما مرة فمنهم تيم رهط أبي بكر و طلحة ، و منهم مخزوم و من مخزوم أبو جهل بن هشام ، و في هشام قالوا :

و أصبح بطن مكّة مقشعرا

كأنّ الأرض ليس بها هشام

و منهم كلاب و ولد كلاب زهرة و قصي ، و زهرة أخوال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، و أمّا قصي و اسمه زيد فسمّي مجمعا لأنّه جمع قبائل قريش و أنزلها مكّة و بنى دار الندوة و أخذ المفتاح من خزاعة و ولده عبد مناف و اسمه المغيرة و عبد الدار و عبد العزى و عبد و قد باد و من عبد العزى خويلد بن أسد أبو خديجة و جد الزبير ، و من عبد الدار آل أبي طلحة قتلوا يوم أحد إلاّ عثمان بن طلحة أسلم فدفع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إليه مفتاح الكعبة و شيبة بن عثمان في ولده المفتاح ، و ولد عبد مناف هاشم و عبد شمس و المطلب و نوفل و من نوفل جبير بن مطعم(١) .

« فقال أمّا بنو مخزوم » بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب قال الجوهري : يقال لكلّ مثقوب مخزوم .

و في ( البيان ) : قال خالد بن صفوان لعبدري : هشمتك هاشم و أمتك امية و خزمتك مخزوم ، و أنت من عبد دارها و منتهى عارها تفتح لها الأبواب إذا أقبلت و تغلقها إذا أدبرت(٢) .

« فريحانة قريش » و في ( البيان ) : سأل معاوية دغفلا عن بني مخزوم

____________________

( ١ ) المعارف : ٦٧ .

( ٢ ) البيان و التبيين ١ : ٣٣٦ .

١٥

فقال : معزى مطيرة ، عليها قشعريرة ، إلاّ بني المغيرة ، فإنّ فيهم تشادق الكلام و مصاهرة الكرام(١) .

و في ( البيان ) : قال معاوية : لا ينبغي أن يكون الهاشمي غير جواد ، و لا الاموي غير حليم ، و لا الزبيري غير شجاع ، و لا المخزومي غير تياه فبلغ ذلك الحسن بن عليعليهما‌السلام فقال : قاتله اللَّه أراد أن يجود بنو هاشم فينفد ما بأيديهم ، و يحلم بنو امية فيتحببوا إلى الناس ، و يتشجع آل الزبير فيفنوا ، و يتيه بنو مخزوم فيبغضهم الناس(٢) .

« تحب حديث رجالهم » قد عرفت أن دغفلا النسابة قال في بني المغيرة :

تشادق الكلام .

هذا ، و من المحبوبين حديثا مالك بن نويرة اليربوعي الذي قتله خالد بن الوليد من قبل أبي بكر غدرا و زنا بامرأته حتى أنكر ذلك عليه عمر ، قال أخوه متمم لعمر : أسرني بنو تغلب في الجاهلية فبلغ ذلك مالكا فجاء ليفتديني ، فلما رآه القوم أعجبهم جماله و حدّثهم فأعجبهم حديثه فأطلقوني له بغير فداء .

« و النكاح في نسائهم » و من نسائهم ام سلمة زوج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله و منهن ام سلمة زوجة السفاح .

في ( المروج ) : كانت ام سلمة بنت يعقوب بن سلمة بن عبد اللَّه بن الوليد بن المغيرة المخزومي عند عبد العزيز بن الوليد بن عبد الملك فهلك عنها ، ثم كانت عند هشام فهلك عنها ، فبينا هي ذات يوم إذ مر بها أبو العباس السفاح و كان جميلا وسيما فسألت عنه فنسب لها ، فأرسلت مولاة لها تعرض عليه أن يتزوجها و قالت لها : قولي له : هذه سبعمائة دينار وجه بها إليّ و كان معها

____________________

( ١ ) البيان و التبيين ١ : ١٢١ .

( ٢ ) البيان و التبيين ٤ : ٦١ .

١٦

مال عظيم و جوهر و حشم فأتته المولاة فعرضت عليه ذلك فقال : أنا مملق لا مال عندي فدفعت إليه المال فأنعم لها و أقبل إلى أخيها فسأله التزويج فزوجه إيّاها ، فأصدقها خمسمائة دينار و أهدى مائتي دينار و دخل عليها من ليلته ، فإذا هي على منصة ، فصعد عليها فإذا كلّ عضو منها مكلّل بالجوهر فلم يصل إليها ، فدعت بعض جواريها فنزلت و غيّرت لبسها و لبست ثيابا مصبغة و فرشت له فراشا على الأرض دون ذلك ، فلم يصل إليها فقالت : لا يضرّك هذا ، كذلك كان يصيبهم مثل ما أصابك فلم تزل به حتى وصل إليها من ليلته و حظيت عنده ، و حلف ألا يتزوج عليها و لا يتسرى ، فولدت له محمدا و ريطة ، و غلبت عليه غلبة شديدة حتى ما كان يقطع أمرا إلاّ بمشورتها و بتدبيرها .(١) .

و في ( نسب قريش مصعب الزبيري ) : بعث عبد الملك بن مروان إلى المغيرة ابن عبد الرحمن المخزومي أن يقدم عليه أراد أن يزوجه اخته زينب فقدم المغيرة أيلة و بها يحيى بن الحكم ، فخطب إليه اخته زينب و جعل له أربعين ألف دينار فزوّجه إيّاها و لما قدم دمشق على عبد الملك خطب إليه زينب فقال له : مررت بعمّك يحيى فخطبها إليّ فزوجتها منه و لم أعلم أن لك فيها حاجة فغضب عبد الملك على عمّه و أخذ كلّ شي‏ء له ، فقال يحيى « كعكتان و زينب » يعني لا ابالي إذا وجدت كعكتين و عندي زينب و كانت زينب تسمى من حسنها الموصولة ، لأنّ كل رب منها كأنّما حسن خلقه ثم وصل إلى الإرب الآخر(٢) .

هذا ، و ورد مدح مطلق نساء قريش ، روى ( الكافي ) عن أحدهماعليهما‌السلام قال :

خطب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ام هاني بنت أبي طالب فقالت : يا رسول اللَّه اني مصابة في

____________________

( ١ ) المروج ٣ : ٢٦٠ .

( ٢ ) نسب قريش : ٣٠٧ .

١٧

حجري أيتام و لا يصلح لك إلاّ امرأة فارغة فقال النبي : ما ركب الإبل مثل نساء قريش أحناها على ولد و لا أرعى على زوج في ذات يديه(١) .

هذا ، و أتى ابن أبي الحديد بما يضحك الثكلى ، فاقتصر في شرح العنوان على عد رجال مخزوم في الجاهلية و الاسلام و ما قيل فيهم من الأشعار ثم ان ابن أبي الحديد كأنّه كان من أكبر رجال مخزوم و أنف من قولهعليه‌السلام فيهم ، فقال : و يمكن أن يقال قالت مخزوم ما أنصفنا من اقتصر في ذكرنا على أن قال « مخزوم ريحانة قريش تحب حديث رجالهم و النكاح في نسائهم » و لنا في الجاهلية و الإسلام مآثر عظيمة و رجال كثيرة ثم عدّ منهم المغيرة و الوليد بن المغيرة و هشام بن المغيرة و أبا جهل بن هشام و عكرمة بن أبي جهل و عمر بن أبي ربيعة و خالد بن الوليد و ابنه عبد الرحمن و هشام بن إسماعيل و جمعا آخر ، و قال : ينبغي أن يقال إنّهعليه‌السلام لم يقل هذا الكلام احتقارا لهم ، و لكن لما كان أكثر همّه يوم المفاخرة أن يفاخر بني عبد شمس لما بينه و بينهم فلما مر ذكر مخزوم بالعرض قال فيهم ما قال ، و لو كان يريد مفاخرتهم لما اقتصر على ما قال على أن أكثر هؤلاء إسلاميون بعده و علي إنّما يذكر من قبله(٢) .

فإنّ هذا الرجل يدّعي المعرفة و يتكلّم بمثل هذا الكلام ، إلاّ انّه لما كان كثير من الذين قال بامامتهم سابّين لهعليه‌السلام لا غرو منه ان يقتصر على هذا المقدار ، و كان يمكنه اذ أنف لمخزوم أن يقول انّه غير معلوم كون هذا من كلامهعليه‌السلام فقد عرفت ان ( رسالة الجاحظ ) و ( عقد ابن عبد ربه ) و ( عيون ابن قتيبة ) اقتصرت على نقل وصفهعليه‌السلام لهاشم و امية دون مخزوم .

ثم أيّ قيمة لرجال كفار و منافقين و مخالفين عند اللَّه تعالى و عند

____________________

( ١ ) الكافي ٥ : ٣٢٦ ح ٣ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٢٨٥ .

١٨

رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله و عندهعليه‌السلام ، و قد قال الجاحظ فيما نقل نفسه عنه ان في مخزوم نزل قوله تعالى( و ذرني و المكذِّبين أولي النّعمة ) .(١) و قوله تعالى .( و تركتم ما خوّلناكم وراء ظهوركم ) .(٢) و في الوليد نزل قوله تعالى( ذرني و من خلقتُ وحيداً و جعلت له مالاً ممدوداً و بنين شهوداً ثم يطمع أن أزيد كلا انّه كان عنيداً سأُرهقه صعوداً انّه فكّر و قدّر فقُتل كيف قدّر ثم قُتل كيف قدّر ثم نظر ثم عبس و بسر ثم أدبر و استكبر فقال ان هذا إلا سحرٌ يؤثر ان هذا إلاّ قول البشر سأُصليه سقر و ما أدراك ما سقر لا تبقي و لا تذر لواحة للبشر ) (٣) و قوله تعالى أما من استغنى .

( فأنت له تصدى و ما عليك ألاّ يزّكى ) (٤) و في أبي جهل نزل قوله تعالى( ذق انّك أنت العزيز الكريم ) (٥) و قوله تعالى( فليدع ناديه سندع الزبانية ) (٦) .

و كان أبو جهل أعتى من فرعون ، ففرعون لما أدركه الغرق قال . .

( آمنت أنّه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل ) .(٧) ( حتى قال له جبرئيل الان ) ( و قد عصيت قبل ) .(٨) و أما أبو جهل فحين قتله ادّعى أنّه غلب على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله .

و عكرمة بن أبي جهل كان سرّ أبيه ، فروى الزبير بن بكار أنّه لما بويع أبو بكر ندم قوم من الأنصار و ذكروا عليّاعليه‌السلام و هتفوا باسمه و أنّه في داره لم

____________________

( ١ ) المزمل : ١١ .

( ٢ ) الأنعام : ٩٤ .

( ٣ ) المدثر : ١٠ ٢٩ .

( ٤ ) عبس : ٤ ٧ .

( ٥ ) الدخان : ٤٩ .

( ٦ ) العلق : ١٦ ١٨ .

( ٧ ) يونس : ٩٠ .

( ٨ ) يونس : ٩١ .

١٩

يخرج إليهم ، و كان أشدّ قريش على الأنصار نفر سهيل بن عمرو العامري و الحرث بن هاشم و عكرمة بن أبي جهل المخزوميان و هؤلاء أشراف قريش الذين حاربوا النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ثم دخلوا في الاسلام و كلّهم موتور قد وتره الأنصار إلى أن قال : فلما بلغ الأنصار قول هؤلاء الرهط قام ثابت بن قيس بن شماس فقال : يا معشر الأنصار إنّما يكبر عليكم هذا القول لو قاله أهل الدين من قريش ، فأما إذ كان من أهل الدّنيا لا سيما من أقوام كلّهم موتور فلا يكبرن عليكم ، فان تكلمت رجال قريش الذين هم أهل الآخرة مثل كلام هؤلاء فعند ذلك قولوا ما أحببتم و إلا فأمسكوا(١) .

و أما خالد بن الوليد فعمدة آثاره فراره بالمسلمين يوم موتة فصار عارا للإسلام ، و لما رجعوا إلى المدينة كان المسلمون يصيحون بهم يا فرار و يحثّون عليهم التراب ، و غدره بجمع من المسلمين زمان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله و قتله لهم بغير حق ، فتبرأ منه و من فعله النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله و بعث لإرضاء أوليائهم ، و غدره بجمع من المسلمين زمان أبي بكر كما مر و قرره أبو بكر و دافع عنه فعزله عمر ساعة وفاة أبي بكر و قيامه بالأمر لذلك(٢) .

و أما ابنه عبد الرحمن فأحد أعوان معاوية ، و كانعليه‌السلام يلعنه بعد صفين كما يلعن معاوية بعد صلاة غداته و مغربه(٣) .

و أما عمر بن أبي ربيعة فهو الهتاك للمحصنات حتى سمّي بالفاسق و أحرقه اللَّه في الدنيا قبل الآخرة(٤) .

و أما هشام بن اسماعيل فهو أحد من كان يسبّهعليه‌السلام ، فلما عزله الوليد

____________________

( ١ ) أخبار الموفقيات للزبير بن بكار : ٥٨٣ .

( ٢ ) المغازي للواقدي ٢ : ٧٦٤ .

( ٣ ) الغارات : ١٧٤ .

( ٤ ) الأغاني لأبي الفرج الإصفهاني ١ : ٢٤٨ .

٢٠

كما قد وجدنا من ذلك في حجج الله المتقدِّمة من عصر وفاة آدمعليه‌السلام إلى حين زماننا هذا منهم المستخفون ومنهم المستعلنون، بذلك جاءت الاثار ونطق الكتاب.

فمن ذلك ما:

حدثنا به أبيرحمه‌الله قال: حدّثنا سعد بن عبد الله قال: حدّثنا أحمد بن - محمّد بن خالد البرقيُّ، عن أبيه، عن محمّد بن سنان، عن إسحاق بن جرير، عن عبد الحميد ابن أبى الدِّيلم قال: قال الصادق جعفر بن محمّدعليهما‌السلام : يا عبد الحميد إنَّ لله رسلاً مستعلنين ورسلا مستخفين فإذا سألته بحقِّ المستعلنين فسله بحق المستخفين.

وتصديق ذلك من الكتاب قوله تعالى: «ورسلاً قد قصصناهم عليك من قبل ورسلاً لم نقصصهم عليك وكلم الله موسى تكليماً »(١) فكانت حجج الله تعالى كذلك من وقت وفاة آدمعليه‌السلام إلى وقت ظهور إبراهيمعليه‌السلام أوصياء مستعلنين ومستخفين، فلمّا كان وقت كون إبراهيمعليه‌السلام ستر الله شخصه وأخفى ولادته، لان الامكان في ظهور الحجّة كان متعذِّراً في زمانه، وكان إبراهيمعليه‌السلام في سلطان نمرود مستترا لامره وكان غير مظهر نفسه، ونمرود يقتل أولاد رعيّته وأهل مملكته في طلبه إلى أن دلّهم إبراهيمعليه‌السلام على نفسه، وأظهر لهم أمره بعد أن بلغت الغيبة أمدها ووجب إظهار ما أظهره للذي أراده الله في إثبات حجته وإكمال دينه، فلمّا كان وقت وفاة إبراهيمعليه‌السلام كان له أوصياء حججاً لله عزَّ وجلَّ في أرضه يتوارثون الوصيّة كذلك مستعلنين ومستخفين إلى وقت كون موسىعليه‌السلام فكان فرعون يقتل أولاد بنى إسرائيل في طلب موسىعليه‌السلام الّذي قد شاع من ذكره وخبر كونه، فستر الله ولادته، ثمّ قذفت به أمّه في اليمِّ كما أخبر الله عزَّ وجلَّ في كتابه «فالتقطه آل فرعون »(٢) وكان موسىعليه‌السلام في حجر فرعون يربيه وهو لا يعرفه، وفرعون يقتل أولاد بني إسرائيل في طلبه، ثمّ كان من أمره بعد أنَّ أظهر دعوته ودلّهم على نفسه ما قد قصه الله عزَّ وجلَّ في كتابه، فلمّا كان وقت

__________________

(١) النساء: ١٦٤.

(٢) القصص: ٧.

٢١

وفاة موسىعليه‌السلام كان له أوصياء حججاً لله كذلك مستعلنين ومستخفين إلى وقت ظهور عيسىعليه‌السلام .

فظهر عيسىعليه‌السلام في ولادته، معلناً لدلائله، مظهراً لشخصه، شاهراً لبراهينه، غير مخف لنفسه لان زمانه كان زمان إمكان ظهور الحجّة كذلك.

ثمَّ كان له من بعده أوصياء حججاً لله عزَّ وجلَّ كذلك مستعلنين ومستخفين إلى وقت ظهور نبيناصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال الله عزَّ وجلَّ له في الكتاب: «ما يقال لك إلّا ما قد قيل للرسل من قبلك »(١) ثمّ قال عزَّ وجلَّ: «سنة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا »(٢) فكان ممّا قيل له ولزم من سنّته على إيجاب سنن من تقدمه من الرُّسل إقامة الاوصياء له كاقامة من تقدّمه لاوصيائهم، فأقام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أوصياء كذلك وأخبر بكون المهديِّ خاتم الأئمّةعليهم‌السلام ، وأنه يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، نقلت الاُمّة ذلك بأجمعها عنه، وأنَّ عيسىعليه‌السلام ينزل في وقت ظهوره فيصلي خلفه، فحفظت ولادات الأوصياء ومقاماتهم في مقام بعد مقام إلى وقت ولادة صاحب زمانناعليه‌السلام المنتظر للقسط والعدل، كما أوجبت الحكمة باستقامة التدبير غيبة من ذكرنا من الحجج المتقدمة بالوجود.

وذلك أنَّ المعروف المتسالم بين الخاصِّ والعامِّ من أهل هذه الملّة أنَّ الحسن ابن علىٍّ والد صاحب زمانناعليهما‌السلام قد كان وكلّ به طاغية زمانه إلى وقت وفاته، فلمّا توفّيعليه‌السلام وكل بحاشيته وأهله وحبست جواريه وطلب مولوده هذا أشدَّ الطلب وكان أحد المتوليّين عليه عمّه جعفر أخو(٣) الحسن بن عليٍّ بما ادّعاده لنفسه من الامامة ورجا أن يتمّ له ذلك بوجود ابن أخيه صاحب الزَّمانعليه‌السلام فجرت السنة في غيبته بما جرى من سنن غيبة من ذكرنا من الحجج المتقدِّمة، ولزم من حكمة غيبةعليه‌السلام ما لزم من حكمة غيبتهم.

__________________

(١) فصلت: ٤٣.

(٢) الاسراء: ٧٧.

(٣) كذا.

٢٢

رد اشكال:

وكان من معارضة خصومنا أن قالوا: ولم أوجبتم في الائمّة ما كان واجباً في الانبياء، فما أنكرتم أنَّ ذلك كان جائزاً في الانبياء وغير جائز في الائمّة فإنَّ الائمّة ليسوا كالانبياء فغير جائز أن يشبه حال الائمّة بحال الانبياء فأوجدونا دليلا مقنعا على أنَّه جائز في الائمّة ما كان جائزاً في الانبياء والرسل فيما شبهتم من حال الائمّة الّذين ليسوا بأشباه الانبياء والرُّسل، وإنما يقاس الشكل بالشكل والمثل بالمثل، فلن تثبت دعواكم في ذلك، ولن يستقيم لكم قياسكم في تشبيهكم حال الائمّة بحال الانبياءعليهم‌السلام إلّا بدليل مقنع.

فأقول - وبالله أهتدي -: أنَّ خصومنا قد جهلوا فيما عارضونا به من ذلك ولو أنّهم كانوا من أهل التمييز والنظر والتفكّر والتدبر باطراح العناد وإزالة العصبيّة لرؤسائهم ومن تقدّم من إسلافهم لعلموا أنَّ كلَّ ما كان جائزاًً في الأنبياء فهو واجبٌ لازم في الائمّة حذو النّعل بالنّعل والقذَّة بالقذة وذلك أنَّ الأنبياء هم أصول الائمّة ومغيضهم(١) والائمّة هم خلفاء الأنبياء وأوصياؤهم والقائمون بحجة الله تعالى على من يكون بعدهم كيلا تبطل حجج الله وحدود (ه و) شرايعه مادام التكليف على العباد قائماً والامر لهم لازماً، ولو وجبت المعارضة لجاز لقائل أن يقول: أنَّ الأنبياء هم حجج الله فغير جائز أن يكون الائمّة حجج الله إذ ليسوا بالانبياء ولا كالانبياء، وله أن يقول أيضا: فغير جائز أن يسمّوا أئمّة لأنّ الأنبياء كانوا أئمّة وهؤلاء ليسوا بأنبياء فيكونوا أئمّة كالانبياء، وغير جائز أيضاً أن يقوموا بما كان يقوم به الرسل من الجهاد والامر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى غير ذلك من أبواب الشّريعة إذ ليسوا كالرّسول ولا هم برسل. ثمّ يأتي بمثل هذا من المحال ممّا يكثر تعداده ويطول الكتاب بذكره، فلمّا فسد هذا كله كانت هذه المعارضة من خصومنا فاسدة كفساده.

__________________

(١) المغيض: مجتمع الماء ومدخله في الأرض والمراد بالفارسية (انبياء نسخه أصل وسر چشمهء امامانند). وفى بعض النسخ « ومفيضهم » من الافاضة.

٢٣

ثمَّ نحن نبيّن الان ونوضح بعد هذا كلّه أنَّ التشاكل بين الأنبياء والائمّة بيّنٌ واضٌ فيلزمهم أنّهم حجج الله على الخلق كما كانت الأنبياء حججه على العباد، وفرض طاعتهم لازم كلزوم فرض طاعة الأنبياء، وذلك قول الله عزَّ وجلَّ: «أطيعوا الله وأطيعوا الرَّسول وأولي الأمر منكم »(١) وقوله تعالى: «ولو ردُّوه إلى الرَّسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الّذين يستنبطونه منهم »(٢) فولاة الامرهم الاوصياء والائمّة بعد الرَّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد قرن الله طاعتهم بطاعة الرَّسول وأوجب على العباد من فرضهم ما أوجبه من فرض الرَّسول كما أوجب على العباد من طاعة الرَّسول ما أوجبه عليهم من طاعته عزَّ وجلَّ في قوله: «أطيعوا الله وأطيعوا الرَّسول » ثمّ قال: «من يطع الرَّسول فقد أطاع الله (٣) » وإذا كانت الائمّةعليهم‌السلام حجج الله على من لم يلحق بالرَّسول ولم يشاهده وعلى من خلفه من بعده كما كان الرَّسول حجّة على من لم يشاهده في عصره لزم من طاعة الائمّة ما لزم من طاعة الرَّسول محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقد تشاكلوا واستقام القياس فيهم وإن كان الرَّسول أفضل من الائمّة فقد تشاكلوا في الحجّة والاسم والفعل(٤) والفرض، إذ كان الله جل ثناؤه قد سمّى الرُّسل أئمّة بقوله لابراهيم: «إنّي جاعلك للنّاس إماماً »(٥) وقد أخبرنا الله تبارك وتعالى أنَّه قد فضّل الأنبياء والرُّسل بعضهم على بعض فقال تبارك وتعالى: «تلك الرُّسل فضلّنا بعضهم على بعض منهم من كلّم الله - الآية »(٦) وقال: «ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض - الآية »(٧) فتشاكل الأنبياء في النبوَّة وإن كان بعضهم أفضل من بعض، وكذلك تشاكل الأنبياء والاوصياء، فمن قاس حال الائمّة بحال الأنبياء واستشهد بفعل الأنبياء على فعل الائمّة فقد أصاب في قياسه واستقام له استشهاده بالّذي وصفناه من تشاكل الأنبياء والاوصياءعليهم‌السلام .

__________________

(١) النساء: ٥٩.

(٢) النساء: ٨٣.

(٣) النساء: ٨٠.

(٤) في بعض النسخ « والعقل ».

(٥) البقرة: ١١٩.

(٦) البقره: ٢٥٤.

(٧) الاسراء: ٥٦.

٢٤

وجه آخر لاثبات المشاكلة:

ووجه آخر من الدّليل على حقيقة ما شرحنا من تشاكل الائمّة والأنبياءعليهم‌السلام أنَّ الله تبارك وتعالى يقول في كتابه: «لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة »(١) وقال تعالى: «ما آتيكم الرَّسول فخذوه وما نهيكم عنه فانتهوا »(٢) فأمرنا الله عزَّ وجلَّ أن نهتدي بهدى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونجري الاُمور (الجارية) على حدِّ ما أجراها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من قول أو فعل، فكان من قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المحقّق لما ذكرنا من تشاكل الأنبياء والائمّة أن قال: « منزلة عليٍّ عليه‌السلام منّي كمنزلة هارون من موسى إلّا أنَّه لانبي بعدي » فأعلمنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنَّ عليا ليس بنبي وقد شبهه بهارون وكان هارون نبيّاً ورسولاً ( و ) كذلك شبّهه بجماعة من الأنبياءعليهم‌السلام .

حدثنا محمّد بن موسى بن المتوكّلرحمه‌الله قال: حدّثنا علىٌ بن الحسين السّعد آباديُّ قال: حدّثنا أحمد بن أبي عبد الله البرقيُّ، عن أبيه محمّد بن خالد قال: حدّثنا عبد الملك بن هارون بن عنترة الشّيبانيُّ، عن أبيه، عن جدِّه(٣) عن عبد الله ابن عباس قال: كنّا جلوساً عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه وإلى نوح في سِلمه وإلى إبراهيم في حلمه وإلى موسى في فطانته وإلى داود في زهده، فلينظر إلى هذا. قال: فنظرنا فإذا علىُّ بن أبي طالب قد أقبل كأنما ينحدر

__________________

(١) الاحزاب: ٢١.

(٢) الحشر: ٧.

(٣) هارون بن عنترة بن عبد الرحمن الشيباني عامى ذكره ابن حبان في الثقات، وقال ابن سعد: ثقة، وقال أبو زرعة: لا بأس به، مستقيم الحديث. وابنه عبد الملك عنونه النجاشي وقال: كوفي ثقة عين روى عن أصحابنا ورووا عنه، ولم يكن متحققاً بأمرنا، له كتاب يرويه محمّد بن خالد. وأما أبوه عنترة بن عبد الرحمن فعنونه العسقلاني في النقريب والتهذيب وقال: ذكره ابن حبان في الثقات وذكر ابن أبي حاتم عن أبي زرعة: أنَّه كوفي ثقة.

٢٥

من صبب(١) ، فإذا استقام أن يشبّه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحداً من الائمّة علهيم السلام بالأنبياء والرُّسل استقام لنا أن نشبّه جميع الائمّة بجميع الأنبياء والرُّسل، وهذا دليل مقنعٌ وقد ثبت شكل صاحب زمانناعليه‌السلام في غيبته بغيبة موسىعليه‌السلام وغيره ممّن وقعت بهم الغيبة، وذلك أنَّ غيبة صاحب زماننا وقعت من جهة الطواغيت لعلّة التدبير من الّذي قدَّمنا ذكره في الفصل الأوَّل.

ومما يفسد معارضة خصومنا في نفي تشاكل الأئمّة والأنبياء أنَّ الرُّسل الّذين تقدَّموا قبل عصر نبيناصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان أوصياؤهم أنبياء، فكلُّ وصيٍّ قام بوصيّة حجّة تقدّمه من وقت وفاة آدمعليه‌السلام إلى عصر نبيّناصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان نبيّاً، وذلك مثل وصي آدم كان شببث ابنه، وهو هبة الله في علم آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكان نبيّاً، ومثل وصي نوحعليه‌السلام كان سام ابنه وكان نبيّاً، ومثل إبراهيمعليه‌السلام كان وصيه إسماعيل(٢) ابنه وكان نبيّاً، ومثل موسىعليه‌السلام كان وصيّه يوشع بن نون وكان نبيّاً، ومثل عيسىعليه‌السلام كان وصيّه شمعون الصفا وكان نبيّاً، ومثل داودعليه‌السلام كان وصيه سليمانعليه‌السلام ابنه وكان نبيّاً. وأوصياء نبيّناعليهم‌السلام لم يكونوا أنبياء، لأنَّ الله عزَّ وجلَّ جعل محمّداً خاتماً لهذه الامم(٣) كرامة له وتفضيلاً، فقد تشاكلت الائمّة والأنبياء بالوصية كما تشاكلوا فيما قدّمنا ذكره من تشاكلهم فالنبيُّ وصيٌّ والامام وصيٌّ، والوصيُّ إمام والنبي إمام، والنبيُّ حجّة والامام حجّة(٤) ، فليس في الاشكال أشبه من تشاكل الائمّة والانبياء.

و كذلك أخبرنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بتشاكل أفعال الاوصياء فيمن تقدّم وتأخّر من قصّة يوشع بن نون وصيِّ موسىعليه‌السلام مع صفراء بنت شعيب زوجة موسى وقصّة

____________

(١) أي يرفع رجليه رفعاً بيناً بقوة دون احتشام وتبختر. والصبب: ما انحدر من الأرض أو الطريق.

(٢) في بعض النسخ « اسحاق ».

(٣) في بعض النسخ « لهذا الاسم » أي النبوة.

(٤) في بعض النسخ « والوصي حجّة ».

٢٦

أمير المؤمنينعليه‌السلام وصىّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع عائشة بنت أبى بكر، وإيجاب غسل الأنبياء أوصيائهم بعد وفاتهم.

حدثنا عليُّ بن أحمد الدَّقاقرحمه‌الله قال: حدّثنا حمزة بن القاسم قال: حدّثنا أبو الحسن علي بن الجنيد الرازيُّ قال: حدّثنا أبو عوانة قال: حدّثنا الحسن ابن عليٍّ(١) ، عن عبد الرّزاق، عن أبيه، عن مينا مولى عبد الرّحمن بن عوف، عن عبد الله بن مسعود قال: قلت للنبىّعليه‌السلام : يا رسول الله من يغسّلك إذا متَّ؟ قال: يغسّل كلّ نبيٍّ وصيّه، قلت: فمن وصيك يارسول الله؟ قال: عليُّ بن أبي طالب قلت: كم يعيش بعدك يا رسول الله؟ قال: ثلاثين سنة، فإنَّ يوشع بن نون وصيُّ موسى عاش بعد موسى ثلاثين سنة، وخرجت عليه صفراء بنت شعيب زوجة موسىعليه‌السلام فقالت: أنا أحقُّ منك بالامر فقاتلها فقتل مقاتليها وأسرها فأحسن أسرها، وأن ابنة أبي بكر ستخرج على عليِّ في كذا وكذا ألفاً من امّتي فتقاتلها فيقتل مقاتليها ويأسرها فيحسن أسرها، وفيها أنزل الله عزَّ وجلَّ: «وقرن في بيوتكنَّ ولا تبرجنَّ تبرُّج الجاهليّة الاولى »(٢) يعنى صفراء بنت شعيب، فهذا الشكل قد ثبت بين الائمّة والأنبياء بالاسم والصفة والنعت والفعل، وكلُّ ما كان جائزاً في الأنبياء فهو جائز يجري في الائمّة حذو النّعل بالنّعل والقذَّة بالقذَّة، ولو جاز أن تجحد إمامة صاحب زماننا هذا لغيبته بعد وجود من تقدّمه من الائمّةعليهم‌السلام لوجب أن تدفع نبوَّة موسى بن عمرانعليه‌السلام لغيبته إذ لم يكن كلًّ الأنبياء كذلك، فلمّا لم تسقط نبوة موسى لغيبتة وصحت

__________________

(١) هو الحسن بن علي الخلال أبو علي - وقيل أبو محمّد - الحلواني نزيل مكة ثقة ثبت يروى عن عبد الرزاق بن همام بن نافع الحميري مولاهم أبي بكر الصنعانى، قال أحمد ابن صالح المصرى: قلت لاحمد بن حنبل: رأيت أحدا أحسن حديثاً من عبد الرزاق؟ قال: لا. ويرموه القوم بالتشيع. يروى عن أبيه همام وهو ثقة يروى عن مينا بن أبى مينا الزهري الخزاز مولى عبد الرحمن بن عوف وهو شيعي جرحه العامة لتشيعه. وما في النسخ من الحسين بن علي بن عبد الرزاق، فهو تصحيف.

(٢) الاحزاب: ٣٢.

٢٧

نبوَّته مع الغيبة كما صحّت نبوَّة الأنبياء الّذين لم تقع بهم الغيبة فكذلك صحّت إمامة صاحب زماننا هذا مع غيبته كما صحت إمامة من تقدّمه من الائمّة الّذين لم تقع بهم الغيبة.

وكما جاز أن يكون موسىعليه‌السلام في حجر فرعون يُربيّه وهو لا يعرفه ويقتل أولاد بني إسرائيل في طلبه فكذلك جائز أن يكون صاحب زماننا موجوداً بشخصه بين النّاس، يدخل مجالسهم ويطأ بسطهم ويمشي في أسواقهم، وهم لا يعرفونه إلى أن يبلغ الكتاب أجله.

فقد روي عن الصّادق جعفر بن محمّدعليهما‌السلام أنَّه قال: في القائم سنّة من موسى، وسنّة من يوسف، وسنّة من عيسى، وسنّة من محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فأمّا سنة موسى فخائف يترقب، وأما سنة يوسف فإنَّ إخوته كانوا يبايعونه ويخاطبونه ولا يعرفونه، وأما سنة عيسى فالسياحة، وأما سنة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فالسيف.

رد اشكال:

فكان من الزِّيادة لخصومنا أن قالوا: ما أنكرتم إذ قد ثبت لكم ما ادَّعيتم من الغيبة كغيبة موسىعليه‌السلام ومن حلّ محله من الائمّة(١) الّذين وقعت بهم الغيبة أن تكون حجّة موسى لم تلزم أحداً إلّا من بعد أنَّ أظهر دعوته ودلَّ على نفسه وكذلك لا تلزم حجّة إمامكم هذا لخفاء مكانه وشخصه حتّى يظهر دعوته ويدل على نفسه [ كذلك ] فحينئذ تلزم حجّته وتجب طاعته، وما بقي في الغيبة فلا تلزم حجّته، ولا تجب طاعته.

فأقول - وبالله أستعين -: إنَّ خصومنا غفلوا عما يلزم من حجّة حجج الله في ظهورهم واستتارهم وقد ألزمهم الله تعالى الحجّة البالغة في كتابه ولم يتركهم سدى في جهلهم وتخبّطهم ولكنّهم كما قال الله عزَّ وجلَّ: «أفلا يتدبّرون القرآن أم على قلوب أقفالها »(٢) أنَّ الله عزَّ وجلَّ قد أخبرنا في قصّة موسىعليه‌السلام أنَّه كان له شيعة

__________________

(١) في بعض النسخ « من الأنبياء ».

(٢) سوره محمّد (ص): ٢٤.

٢٨

وهم بأمره عارفون وبولايته متمسّكون ولدعوته منتظرون قبل إظهار دعوته، ومن قبل دلالته على نفسه حيث يقول: «ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته وهذا من عدوِّه فاستغاثه الّذي من شيعته على الّذي من عدوِّه »(١) وقال عزَّ وجلَّ حكاية عن شيعة: «قالوا اُوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا - الآية »(٢) فأعلمنا الله عزَّ وجلَّ في كتابه أنَّه قد كان لموسىعليه‌السلام شيعة من قبل أن يظهر من نفسه نبوّة، وقبل أن يظهر له دعوة يعرفونه ويعرفهم بموالاة موسى صاحب الدَّعوة ولم يكونوا يعرفون أنَّ ذلك الشخص هو موسى بعينه، وذلك أنَّ نبوّة موسى إنّما ظهرت من بعد رجوعه من عند شعيب حين سار بأهله من بعد السنين التي رعى فيها لشعيب حتّى استوجب بها أهله فكان دخوله المدينة حين وجد فيها الرَّجلين قبل مسيره إلى شعيب، وكذلك وجدنا مثل نبيّنا محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد عرف أقوامٌ أمره قبل ولادته وبعد ولادته، وعرفوا مكان خروجه ودار هجرته من قبل أن يظهر من نفسه نبوّة، ومن قبل ظهور دعوته وذلك مثل سلمان الفارسيِّرحمه‌الله ، ومثل قُسّ بن ساعدة الاياديِّ، ومثل تبّع الملك، ومثل عبد المطّلب، وأبي طالب، ومثل سيف بن ذي - يزن، ومثل بحيرى الرّاهب، ومثل كبير الرهبان في طريق الشام، ومثل أبي مويهب الراهب، ومثل سطيح الكاهن، ومثل يوسف اليهوديِّ، ومثل ابن حوّاش الحبر المقبل من الشام، ومثل زيد بن عمرو بن نفيل، ومثل هؤلاء كثير ممّن قد عرف النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بصفته ونعته واسمه ونسبه قبل مولده وبعد مولده، والاخبار في ذلك موجودة عند الخاصّ والعامّ، وقد أخرجتها مسندة في هذا الكتاب في مواضعها، فليس من حجّة الله عزَّ وجلَّ نبي ولا وصي إلّا وقد حفظ المؤمنون وقت كونه وولادته وعرفوا أبويه ونسبه في كل عصر وزمان حتّى لم يشتبه عليهم شيء من أمر حجج الله عزَّ وجلَّ في ظهورهم وحين استتارهم، وأغفل ذلك أهل الجحود والضّلال والكنود فلم يكن عندهم [ علم ] شيء من أمرهم، وكذلك سبيل صاحب زمانناعليه‌السلام حفظ أولياؤه المؤمنون من أهل

__________________

(١) القصص: ١٥.

(٢) الاعراف: ١٢٩.

٢٩

المعرفة والعلم وقته وزمانه وعرفوا علاماته وشواهد أيّامه(١) وكونه ووقت ولادته ونسبه، فهم على يقين من أمره في حين غيبته ومشهده، وأغفل ذلك أهل الجحود والانكار والعنود، وفي صاحب زمانناعليه‌السلام قال الله عزَّ وجلَّ: «يوم يأتي بعض آيات ربّك لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل »(٢) وسئل الصادقعليه‌السلام عن هذه الآية فقال: الايات هم الائمّة، والآية المنتظرة هو القائم المهديُّعليه‌السلام فإذا قام لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل قيامه بالسّيف وإن آمنت بمن تقدَّم من آبائهعليهم‌السلام ». حدّثنا بذلك أحمد بن زياد بن جعفر الهمدانيُّرضي‌الله‌عنه قال: حدّثنا علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن محمّد بن أبي عمير؛ والحسن بن محبوب، عن علي ابن رئاب وغيره، عن الصادق جعفر بن محمّدعليهما‌السلام .

وتصديق ذلك (أنَّ الايات هم الحجج) من كتاب الله عزَّ وجلَّ قول الله تعالى: «وجعلنا ابن مريم وأمّه آية »(٣) يعني حجّة، وقوله عزَّ وجلَّ لعزير(٤) حين أحياه الله من بعد أنَّ أماته مائة سنة «فانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للنّاس »(٥) يعني حجّة فجعله عزَّ وجلَّ حجّة على الخلق وسمّاه آية. وإنّ النّاس لمّا صحَّ لهم عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمر الغيبة الواقعة بحجّة الله تعالى ذكره على خلقه وضع كثير منهم الغيبة غير موضعها أوّلهم عمر بن الخطّاب فانه قال لما قبض النبيُّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : والله ما مات محمّد وإنّما غاب كغيبة موسىعليه‌السلام عن قومه وإنّه سيظهر لكم بعد غيبته.

حدثنا أحمد بن محمّد بن الصقر الصائغ العدل قال: حدّثنا أبو جعفر محمّد بن العباس ابن بسّام قال: حدّثنا أبو جعفر محمّد بن يزداد قال: حدّثنا نصر بن سيار بن داود

__________________

(١) في بعض النسخ « وشواهد آياته ».

(٢) الانعام: ١٥٨.

(٣) المؤمنون: ٥٠.

(٤) في بعض النسخ « لارميا ».

(٥) البقرة: ٢٥٩.

٣٠

الاشعريُّ قال: حدّثنا محمّد بن عبد ربّه(١) ، وعبد الله بن خالد السلّولي أنّهما قالا: حدّثنا أبو معشر نجيح المدنيُّ قال: حدّثنا محمّد بن قيس، ومحمد بن كعب القرظيِّ، وعمارة بن غزّية، وسعيد بن أبي سعيد المقبري(٢) ، وعبد الله بن أبي مليكة وغيرهم من مشيخة أهل المدينة قالوا: لما قبض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أقبل عمر بن الخطاب يقول: والله مامات محمّد وإنّما غاب كغيبة موسى عن قومه وإنّه سيظهر بعد غيبته فما زال يردّد هذا القول ويكرّره حتّى ظنّ النّاس أنَّ عقله قد ذهب، فأتاه أبو بكر وقد اجتمع النّاس عليه يتعجّبون من قوله فقال: اربع على نفسك يا عمر(٣) من يمينك الّتى تحلف بها، فقد أخبرنا الله عزَّ وجلَّ في كتابه فقال: يا محمّد «إنّك ميّت وإنّهم ميّتون (٤) » فقال عمر: وإنّ هذه الآية لفي كتاب الله يا أبا بكر؟ فقال: نعم أشهد بالله لقد ذاق محمّد

__________________

(١) محمّد بن يزداد الرازي قال أبو النضر العياشي: لا بأس به. ونصر بن سيار لم أجد من ذكره وليس هو بنصر بن سيار والى خراسان من قبل هشام بن عبد الملك، ومحمّد بن عبد ربّه الانصاري اجاز التلعكبرى جميع حديثه وكان يروى عن سعد بن عبد الله وعبد الله بن جعفر الحميرى ونظرائهما كما في منهج المقال. وأما عبد الله بن خالد فلم أعرفه.

(٢) أبو معشر نجيح بن عبد الرحمن السندي - بكسر المهملة وسكون النون - المدني مولى بني هاشم مشهور بكنيته وليس بقوى في الحديث، ومحمّد بن قيس شيخه ضعيف كما في التقريب. وأما محمّد بن كعب القرظي فثقة عالم ولد سنة أربعين على الصحيح ومات سنة ١٢٠ وقيل قبل ذلك. وأما عمارة بن غزية المدني فوثقه أحمد وأبو زرعة وقال يحيى بن معين: صالح وقال أبو حاتم: ما بحديثه بأس، وكان صدوقاً. وأما سعيد بن أبي سعيد فاسمه كيسان المقبري أبو سعد المدنى، والمقبري نسبة إلى مقبرة بالمدينة كان مجاوراً لها فهو ثقة صدوق كما في التهذيب. واما عبد الله بن أبي مليكة فهو عبد الله بن عبيد الله وأبو ملكية بالتصغير ثقة فقيه.

(٣) أي ارفق بنفسك وكف عن هذا القول واليمين.

(٤) الزمر: ٣٠.

٣١

الموت، ولم يكن عمر جمع القرآن(١) .

الكيسانية:

ثم غلطت الكيسانيّة بعد ذلك حتّى ادَّعت هذه الغيبة لمحمّد بن الحنفية - قدَّس الله روحه - حتّى أنَّ السيّد بن محمّد الحميريَّرضي‌الله‌عنه (٢) اعتقد ذلك وقال فيه:

ألا إنَّ الائمّة من قريش

ولاة الامر أربعة سواء

عليٌّ والثلاثة من بنيه

هُمُ أسباطنا والأوصياء(٣)

فسبطٌ سبط إيمان وبرٍّ

وسبطٌ قد حوته كربلاء(٤)

وسبط لا يذوق الموت حتّى

يقود الجيش يقدمه اللّواء(٥)

يغيب فلا يرى عنّا زماناً(٦)

برضوى عنده عسلٌ وماء

 وقال فيه السيّد - رحمة الله عليه - أيضا:

أيا شعب رضوى ما لمن بك لا يرى

فحتّى متى يخفى وأنت قريب

فلو غاب عنّا عمر نوح لا يقنت

منّا النّفوس بأنّه سيؤوب(٧)

__________________

(١) أي لم يقرء أو يحفظ جميع القرآن.

(٢) هو اسماعيل بن محمّد الحميري، سيد الشعراء. كان يقول أولا بامامة محمّد بن الحنفية ثمّ رجع إلى الحق، وأمره في الجلالة والمجد ظاهر لمن تتبع كتب التراجم. قيل: توفى ببغداد سنة ١٧٩ فبعثت الاكابر والشرفاء من الشيعة سبعين كفناً له، فكنفه الرشيد من ماله ورد الاكفان إلى أهلها.

(٣) في « الفرق بين الفرق » لعبد القاهر بن طاهر البغدادي الاسفراييني « هم الاسباط ليس بهم خفاء » وكذا في الملل والنحل للشهرستاني.

(٤) في الفرق « وسبط غيبته كربلاء ». وكذا في اعلام الورى المنقول من كمال الدين.

(٥) في الفرق والملل « يقود الخيل يقدمها اللواء ».

(٦) في الفرق « تغيب لا يرى فيهم زماناً ».

(٧) هذا المصراع في بعض النسخ هكذا « نفوس البرايا أنَّه سيؤوب ».

٣٢

وقال فيه السيّد أيضاً:

ألاحيّ المقيم بشعب رضوى

واهد له بمنزله السّلاما

وقل: يا ابن الوصيِّ فدتك نفسي

أطلت بذلك الجَبَل المقاما

فمرَّ بمعشر والوك منا

وسمّوك الخليفة والاماما

فما ذاق ابن خولة طعم موت

ولاوارت له أرض عظاما

فلم يزل السيّد ضالّاً في أمر الغيبة يعتقدها في محمّد بن الحنفيّة حتّى لقى الصادق جعفر بن محمّدعليهما‌السلام ورأى منه علامات الامامة وشاهد فيه دلالات الوصية، فسأله عن الغيبة، فذكر له أنّها حقٌّ ولكنّها تقع في الثاني عشر من الائمّةعليهم‌السلام وأخبره بموت محمّد بن الحنفيّة وأن أباه شاهد دفنه، فرجع السيّد عن مقالته واستغفر من اعتقاده ورجع إلى الحق عند اتّضاحه له، ودان بالامامة.

حدثنا عبد الواحد بن محمّد العطّار النيسابوريُّرضي‌الله‌عنه قال: حدّثنا علي بن محمّد قتيبة النيسابوري، عن حمدان بن سليمان، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع عن حيان السراج قال: سمعت السيّد بن محمّد الحميري يقول: كنت أقول بالغلو وأعتقد غيبة محمّد بن علي - ابن الحنفيّة - قد ضللت في ذلك زماناً، فمن الله علي بالصادق جعفر بن - محمّدعليهما‌السلام وأنقذني به من النّار، وهداني إلى سواء الصراط، فسألته بعد ما صحَّ عندي بالدّلائل التي شاهدتها منه أنَّه حجّة الله علي وعلى جميع أهل زمانه وإنّه الامام الّذي فرض الله طاعته وأوجب الاقتداء به، فقلت له،: يا ابن رسول الله قد روي لنا أخبار عن آبائكعليهم‌السلام في الغيبة وصحّة كونها فأخبرني بمن تقع؟ فقالعليه‌السلام : إنَّ الغيبة ستقع بالسادس من ولدي وهو الثاني عشر من الائمّة الهداة بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أوَّلهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وآخرهم القائم بالحقِّ بقية الله في الأرض وصاحب الزَّمان، والله لو بقى في غيبته ما بقى نوح في قومه(١) لم يخرج من الدُّنيا حتّى يظهر فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جوراً وظلماً. قال السيّد: فلمّا

__________________

(١) في بعض النسخ « في الأرض ».

٣٣

سمعت ذلك من مولاي الصادق جعفر بن محمّدعليهما‌السلام تبت إلى الله تعالى ذكره على يديه، وقلت قصيدتي التي أولها:

فلمّا رأيت النّاس في الدِّين قد غووا

تجعفرت باسم الله فيمن تجعفروا(١)

وناديت باسم الله والله اكبر

وأيقنت أن يعفو ويغفر

ودنت بدين الله ماكنت ديّناً(٢)

به ونهاني سيّد النّاس جعفر

فقلت: فهبني قد تهودت برهة

وإلا فديني دين من يتنصر

وإني إلى الرحمن من ذاك تائب

إني قد أسلمت والله أكبر

فلست بغال ما حييت وراجع

إلى ما عليه كنت اُخفي واظهر

ولا قائل حيّ برضوى محمّد

وإن عاب جهّال مقالي وأكثروا

ولكنّه ممن مضى لسبيله

على أفضل الحالات يقفي ويخبر

مع الطيبين الطاهرين الاُولى لهم

من المصطفى فرعٌ زكيٌ وعنصر

إلى آخر القصيدة، (وهي طويلة) وقلت بعد ذلك قصيدة اخرى:

أيا راكباً نحو المدينة جسرة

عذافرة يطوى بها كلّ سبسب(٣)

إذا ما هداك الله عاينت جعفراً

فقل لوليِّ الله وابن المهذَّب

ألا يا أمين الله وابن أمينه

أتوب إلى الرَّحمن ثمّ تأوَّبي

إليك من الامر الّذي كنت مطنباً(٤)

أحارب فيه جاهداً كلَّ معرب

وما كان قولي في ابن خولة مطنباً

معاندة منّي لنسل المطيب

ولكن روينا عن وصيِّ محمّد

وما كان فيما قال بالمتكذّب

بأنَّ وليَّ الامر يفقد لا يرى

ستيراً(٥) كفعل الخائف المترقّب

__________________

(١) في بعض النسخ « باسم الله والله اكبر ».

(٢) في بعض النسخ « ودنت بدين غير ما كنت دينا ».

(٣) الجسرة: البعير الذى أعيا وغلظ من السير. والعذافرة: العظمة الشديدة من الابل، والناقة الصلبة القوية. والسبب: المفازة، أو الأرض المستوية البعيدة.

(٤) في بعض النسخ « كنت مبطنا ».

(٥) في بعض النسخ « سنين ». وفى بعضها « كمثل الخائف ».

٣٤

فتقسم أموال الفقيد كأنّما

تغيّبه بين الصفيح المنصّب(١)

فيمكث حينا ثمّ ينبع نبعة

كنبعة جدي من الافق كوكب(٢)

يسير بنصر الله من بيت ربّه

على سودد منه وأمر مسبّب(٣)

يسير إلى أعدائه بلوائه

فيقتلهم قتلا كحران مغضب(٤)

فلما روى أنَّ ابن خولة غائب

صرفنا إليه قولنا لم نكذِّب

وقلنا هو المهديُّ والقائم الّذي

يعيش به من عدله كلُّ مجدب

فان قلت لا فالحقُّ قولك والذي

أمرت(٥) فحتمٌ غير ما متعصّب

واشهد ربي أنَّ قولك حجة

على النّاس طرا من مطيع ومذنب

بأنَّ وليَّ الامر والقائم الذي

تطلّع نفسي نحوه بتطرُّب

له غيبة لابدَّ من أن يغيبها

فصلّى علهى الله من متغيّب

فيمكث حيناً ثمّ يظهر حينه(٦)

فيملك من في شرقها والمغرَّب(٧)

بذاك أدين الله سرّاً وجهرة

ولست وإن عوتبت فيه بمعتب(٨)

وكان حيّان السّراج الراوي لهذا الحديث من الكيسانية، ومتى صح موت

__________________

(١) الصفيح: من أسماء السماء، ووجه كل شيء عريض. والمنصب المرتفع. ولعل المراد بالصفيح هنا موضع بين حنين وأنصاب الحرم. كما يظهر من بعض اللغات.

(٢) كذا وفى بعض نسخ الحديث:

« فيمكث حينا ثمّ يشرق شخصه

مضيئاً بنور العدل اشراق كوكب »

وهكذا في اعلام الورى المنقول من كمال الدين. وليس هذا البيت في ارشاد المفيد ولا كشف الغمة للاربلي.

(٣) في بعض النسخ « وأمر مسيب ».

(٤) فرس حرون: الذى لا ينقاد والاسم الحران.

(٥) في الارشاد وكشف الغمة « تقول فحتم ».

(٦) في الارشاد « يظهر أمره » ولعله هو الصواب.

(٧) في اعلام الورى « فيملاء عدلا كل شرق ومغرب ».

(٨) « بمعتب » خبر ليست. يعنى عتابهم اياى ليس بموقع.

٣٥

محمّد بن عليٍّ ابن الحنفيّة بطل أن تكون الغيبة الّتي رويت في الأخبار واقعة به.

فمما روى في وفاة محمّد بن الحنفيّةرضي‌الله‌عنه (١)

ما حدّثنا به محمّد بن عصامرضي‌الله‌عنه قال: حدّثنا محمّد بن يعقوب الكلينيُّ قال: حدّثنا القاسم بن العلاء قال: حدثني إسماعيل بن عليِّ القزوينيُّ قال: حدثني عليُّ بن إسماعيل، عن حمّاد بن عيسى، عن الحسين بن المختار(٢) قال: دخل حيّان السّراج على الصادق جعفر بن محمّدعليهما‌السلام فقال له: يا حيّان ما يقول أصحابك في محمّد بن الحنفية؟ قال: يقولون: إنَّه حي يرزق، فقال الصادقعليه‌السلام : حدثني أبيعليه‌السلام أنَّه كان فيمن عاده في مرضه وفيمن غمضه وأدخله حفرته وزوج نسائه وقسم ميراثه، فقال: يا أبا عبد الله إنّما مثل محمّد بن الحنفيّة في هذه الاُمّة كمثل عيسى بن مريم شُبّه أمره للنّاس، فقال الصادقعليه‌السلام : شُبّه أمره على أوليائه أو على أعدائه؟ قال: بل على أعدائه فقال: أتزعم أنَّ أبا جعفر محمّد بن عليِّ الباقرعليهما‌السلام عدوُّ عمّه محمّد بن الحنفية؟ فقال: لا، فقال الصادقعليه‌السلام : يا حيّان إنّكم صدفتم عن أيات الله، وقد قال الله تبار ك وتعالى: «سنجزي الّذين يصدفون عن آياتنا سوء العذاب بما كانوا يصدفون »(٣) .

وقال الصادقعليه‌السلام : ما مات محمّد بن الحنفيّة حتّى أقرَّ لعليِّ بن الحسينعليهما‌السلام . وكانت وفاة محمّد بن الحنفيّة سنة أربع وثمانين من الهجرة.

حدثنا أبيرضي‌الله‌عنه قال: حدّثنا أحمد بن إدريس، عن محمّد بن أحمد بن - يحيى: عن إبراهيم بن هاشم، عن عبد الصمد بن محمّد، عن حنان بن سدير، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: دخلت على محمّد بن الحنفيّة وقد اعتقل لسانه فأمرته بالوصيّة، فلم

__________________

(١) هذا العنوان للمؤلف وموجود في جميع النسخ.

(٢) هو الحسين بن المختار القلانسى الكوفى ثقة واقفى من أصحاب الكاظمعليه‌السلام . وما في بعض النسخ من « جعفر بن مختار » فهو تصحيف، وعلي بن اسماعيل الظاهر هو على بن السندي الثقة. وأما حيان السراج فهو كيساني متعصب.

(٣) الانعام: ١٥٧. والصدف الرجوع عن الشيء.

٣٦

يجب، قال: فأمرت بطست فجعل فيه الرَّمل، فوضع فقلت له: خطَّ بيدك، قال: فخطّ وصيّته بيده في الرَّمل، ونسخت أنا في صحيفة.

ابطال قول الناووسية والواقفة في الغيبة

ثم غلطت الناووسيّة بعد ذلك في أمر الغيبة بعد ما صحَّ وقوعها عندهم بحجّة الله على عباده فاعتقدوها جهلاً منهم بموضعها في الصادق بن محمّدعليهما‌السلام حتّى أبطل الله قولهم بوفاتهعليه‌السلام وبقيام كاظم الغيظ الأوّاه الحليم، الامام أبي إبراهيم موسى ابن جعفرعليهما‌السلام بالامر مقام الصادقعليه‌السلام .

وكذلك ادَّعت الواقفيّة ذلك في موسى بن جعفرعليهما‌السلام فأبطل الله قولهم باظهار موته وموضع قبره، ثمّ بقيام الرِّضا عليِّ بن موسىعليهما‌السلام بالامر بعده، وظهور علامات الامامة فيه مع ورود النصوص عليه من آبائهعليهم‌السلام .

فمما روى في وفاة موسى بن جعفر عليهما السلام(١)

ما حدّثني به محمّد بن إبراهيم بن إسحاقرضي‌الله‌عنه قال: حدّثنا أحمد بن - محمّد بن عمار، قال: حدثني الحسن بن محمّد القطعيُّ، عن الحسن بن علي النخّاس العدل عن الحسن بن عبد الواحد الخزّاز، عن عليِّ بن جعفر، عن عمر بن واقد قال: أرسل إليَّ السنديُّ بن شاهك في بعض اللّيل وأنا ببغداد فاستحضرني فخشيت أن يكون ذلك لسوء يريده بي، فأوصيت عيالي بما احتجت إليه وقلت: إنّا لله وإنّا إليه راجعون، ثمّ ركبت إليه، فلمّا رآني مقبلاً قال: يا أبا حفص لعلّنا أرعبناك وأفزعناك، قلت: نعم قال: فليس ههنا إلّا خيرٌ، قلت: فرسول تبعثه إلى منزلي يخبرهم خبري؟ فقال: نعم ثمّ قال: يا أبا حفص أتدري لم أرسلت إليك؟ فقلت: لا فقال: أتعرف موسى بن جعفر؟ فقلت: اي والله إنّي لاعرفه وبيني وبينه صداقة منذ دهر، فقال: من ههنا ببغداد يعرفه ممّن يقبل قوله؟ فسمّيت له أقواما ووقع في نفسي أنَّهعليه‌السلام قد مات، قال: فبعث إليهم وجاء بهم كما جاء بي، فقال: هل تعرفون قوماً يعرفون موسى بن -

__________________

(١) العنوان من المؤلف.

٣٧

جعفر؟ فسمّوا له قوماً، فجاء بهم، فأصبحنا ونحن في الدّار نيف وخمسون رجلاً ممن يعرف موسى وقد صحبه، قال: ثمّ قام ودخل وصلّينا، فخرج كاتبه ومعه طومارٌ فكتب أسماءنا ومنازلنا وأعمالنا وخلانا، ثمّ دخل إلى السنديِّ، قال: فخرج السندي فضرب يده إليَّ فقال: قم يا أبا حفص، فنهضت ونهض أصحابنا ودخلنا وقال لي: يا أبا حفص اكشف الثوب عن وجه موسى بن جعفر، فكشفته فرأيته ميتاً فبكيت واسترجعت، ثمّ قال للقوم: انظروا إليه، فدنا واحد بعد واحد فنظروا إليه ثمّ قال: تشهدون كلّكم أنَّ هذا موسى بن جعفر بن محمّد؟ قالوا: نعم نشهد أنَّه موسى بن - جعفر بن محمّد، ثمّ قال: يا غلام اطرح على عورته منديلاً واكشفه، قال: ففعل، فقال: أترون به أثراً تنكرونه؟ فقلنا: لا ما نرى به شيئا ولا نراه إلّا ميتاً، قال: لا تبرحوا حتّى تغسلوه واكفنّه وأدفنه، قال: فلم نبرح حتّى غسّل وكفن وحمل فصلى عليه السنديُّ بن شاهك، ودفناه ورجعنا، فكان عمر بن - واقد يقول: ما أحد هو أعلم بموسى بن جعفرعليهما‌السلام منّي، كيف تقولون: إنَّه حيٌّ وأنا دفنته.

حدثنا عبد الواحد بن محمّد العطّاررحمه‌الله قال: حدّثنا عليُّ بن محمّد بن - قتيبة، عن حمدان بن سليمان النيسابوريِّ، عن الحسن بن عبد الله الصيرفيِّ، عن أبيه قال: توّفي موسى بن جعفرعليهما‌السلام في يد السنديِّ بن شاهك فحملم على نعش ونودي عليه هذا إمام الرّافضة فاعرفوه، فلمّا اتي به مجلس الشرطة أقام أربعة نفر فنادوا الأمن أراد أن ينظر إلى الخبيث بن الخبيث موسى بن جعفر فليخرج، فخرج سليمان بن - أبي جعفر(١) من قصره إلى الشطِّ فسمع الصياح والضوضاء(٢) فقال لولده وغلمانه: ما هذا؟ قالوا: السنديُّ بن شاهك ينادي على موسى بن جعفر على نعش، فقال لولده وغلمانه: يوشك أن يفعل به هذا في الجانب الغربيِّ، فإذا عبر به فأنزلوا مع غلمانكم

__________________

(١) هو عم الرشيد أحد أركان الدولة العباسية.

(٢) الضوضاء: الغوغاء وزنا - ومعنى - وأصوات النّاس في الحرب.

٣٨

فخذوه من أيديهم فإنَّ مانعوكم فاضربوهم واخرقوا ما عليهم من السّواد، قال: فلمّا عبروا به نزلوا إليهم فأخذوه من أيديهم وضربوهم وخرقوا عليهم سوادهم ووضعوه في مفرق أربع طرق(١) وأقام المنادين ينادون: الأمن أراد أن ينظر إلى الطيّب بن الطيّب موسى بن جعفر فليخرج، وحضر الخلق وغسّله وحنّطه بحنوط وكفنه بكفّن فيه حبرة استعملت له بألفي وخمسمائة دينار، مكتوباً عليها القرآن كلّه، واحتفى(٢) ومشى في جنازته، متسلّباً مشقوق الجيب إلى مقابر قريش فدفنهعليه‌السلام هناك، وكتب بخبره إلى الرَّشيد، فكتب إلى سليمان بن أبي جعفر: وصلت رحمك يا عمّ وأحسن الله جزاك، والله، ما فعل السّنديُّ بن شاهك - لعنه الله - ما فعله عن أمرنا.

حدثنا أحمد بن زياد الهمدانيُّرضي‌الله‌عنه قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم عن أبيه إبراهيم بن هاشم، عن محمّد بن صدقة العنبريُّ قال: لمّا توّفي أبو إبراهيم موسى ابن جعفرعليهما‌السلام جمع هارون الرَّشيد شيوخ الطالبيّة وبني العباس وسائر أهل المملكة والحكّام وأحضر أبا إبراهيم موسى بن جعفرعليهما‌السلام فقال: هذا موسى بن جعفر قد مات حتف أنفه(٣) وما كان بيني وبينه ما استغفر الله منه في أمره يعني في قتله فانظروا إليه فدخل عليه سبعون رجلاً من شيعته فنظروا إلى موسى بن جعفرعليهما‌السلام وليس به أثر جراحة ولاسمٍّ ولاخنق، وكان في رجله أثر الحنّاء فأخذه سليمان بن أبي جعفر وتولّى غسله وتكفينه واحتفى وتحسّر في جنازته(٤) .

حدثنا جعفر بن محمّد بن مسروررحمه‌الله قال: حدّثنا الحسين بن محمّد بن عامر عن المعلّى بن محمّد البصريِّ قال: حدّثني عليّ بن رباط قال: قلت لعليِّ بن موسى الرِّضاعليهما‌السلام : أنَّ عندنا رجلاً يذكر أنَّ أباكعليه‌السلام حيٌّ وأنّك تعلم من ذلك ما تعلم؟ فقالعليه‌السلام : سبحان الله مات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولم يمت موسى بن جعفر؟! بلى والله

__________________

(١) يعنى الموضع الذى يتشعب منه الطرق ويقال له بالفارسية (چهار راه).

(٢) أي مشى حافيا بلا نعل. وقوله: « متسلبا » أي بلا رداء ولازينة.

(٣) أي مات من غير قتل ولا ضرب، بل مات بأجله.

(٤) تحسر إي تلهف أو مشى بلا رداء وعمامة.

٣٩

لقد مات وقسمت أمواله ونكحت جواريه.

ادعاء الواقفة الغيبة على العسكري (ع)

ثم ادَّعت الواقفة على الحسن بن عليّ بن محمّدعليهم‌السلام أنَّ الغيبة وقعت به لصحّة أمر الغيبة عندهم وجهلهم بموضعها وأنّه القائم المهديُّ، فلمّا صحت وفاتهعليه‌السلام بطل قولهم فيه وثبت بالاخبار الصحيحة الّتي قد ذكرناها في هذا الكتاب أنَّ الغيبة واقعة بابنهعليه‌السلام دونه.

فمما روى في صحة وفاة الحسن بن على بن محمّد العسكري (ع)(١)

ما حدّثنا به أبي، ومحمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد - رضي الله عنهما - قالا: حدّثنا سعد بن عبد الله، قال: حدّثنا من حضر موت الحسن بن عليّ بن محمّد العسكريِّعليهم‌السلام ودفنه ممّن لا يوقف على إحصاء عددهم ولا يجوز على مثلهم التواطؤ بالكذب. وبعد فقد حضرنا في شعبان سنة ثمان وسبعين ومائتين وذلك بعد مضيِّ أبي محمّد الحسن ابن عليٍّ العسكريِّعليهما‌السلام بثمانية عشرة سنة أو أكثر مجلس أحمد بن عبيد الله بن يحيى ابن خاقان(٢) وهو عامل السّلطان يومئذ على الخراج والضياع بكورة قمّ، وكان من أنصب خلق الله وأشدَّهم عداوة لهم، فجرى ذكر المقيمين من آل أبي طالب بسرَّ - من رأى ومذاهبهم وصلاحهم وأقدارهم عند السّلطان، فقال أحمد بن عبيد الله: ما رأيت ولا عرفت بسرِّ من رأى رجلاً من العلويّة مثل الحسن بن عليّ بن محمّد بن علي الرضاعليهم‌السلام ، ولا سمعت به في هديه وسكونه وعفافه ونبله وكرمه عند أهل بيته والسلطان وجميع بني هاشم، وتقديمهم إيّاه على ذوي السنِّ منهم والخطر، وكذلك القواد والوزراء والكتّاب وعوام النّاس فانّي كنت قائماً ذات يوم على رأس ابي وهو يوم مجلسه للنّاس إذ دخل عليه حجابه فقالوا له: إنَّ ابن الرضا على الباب، فقال بصوت عال: ائذنوا له(٣) فدخل رجلٌ أسمر أعينٌ حسن القامة، جميل الوجه، جيّد البدن

__________________

(١) العنوان من المؤلف.

(٢) في أعلام الورى « أحمد بن عبد الله بن يحيى بن خاقان ».

(٣) زاد في الكافي ج ١ ص ٥٠٣ « فتعجبت ممّا سمعت منهم أنهم جسروا يكنون رجلاً على أبي بحضرته ولم يكنّ عنده إلّا خليفة أوولى عهد أو من أمر السلطان أن يكنى ».

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639