بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٤

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة0%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 639

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

مؤلف: الشيخ محمد تقي التّستري
تصنيف:

الصفحات: 639
المشاهدات: 223470
تحميل: 7054


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 639 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 223470 / تحميل: 7054
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 14

مؤلف:
العربية

قلب الاحمق في فيه ، و لسان العاقل في قلبه و معناهما واحد .

أقول : و مرّ في فصل الخوارج رواية اخرى عنهعليه‌السلام في نظيره ، و هو :

« و إنّ لسان المؤمن من وراء قلبه ، و إنّ قلب المنافق من وراء لسانه »(١) .

و قال ابن أبي الحديد ثمّة مرادهعليه‌السلام بالمؤمن العاقل و بالمنافق الأحمق(٢) و قلنا ثمّة بل هما معنيان ، و أغلب المنافقين في غاية الفطانة ، و إنّما قالعليه‌السلام ثمة : « إنّ لسان المؤمن من وراء قلبه » يعني في أمر دينه ، بدليل قولهعليه‌السلام بعد : « لأنّ المؤمن إذا أراد أن يتكلّم بكلام تدبّره في نفسه فإن كان خيرا أبداه و إن كان شرّا و اراه » .

و قالعليه‌السلام : « و ان قلب المنافق من وراء لسانه » يعني في عدم مبالاته بالدّين حتى يتجنّب من كذب أو غيبة بشهادة قولهعليه‌السلام بعد : « و ان المنافق يتكلّم بما أتى على لسانه لا يدري ما ذا له و ما ذا عليه » .

« لسان العاقل وراء قلبه » قالت الحكماء : لسان المرء من خدم الفؤاد(٣) .

إذا قلت قدّر أنّ قولك عرضة

لبادرة أو حجّة لمخاصم

و إنّ امرأ لم يخش قبل كلامه

الجواب فينهى نفسه غير حازم

و في ( العقد ) : دخل صعصعة بن صوحان على معاوية و ابن العاص جالس معه على سريره ، فقال له : وسّع له على ترابيّة فيه فقال صعصعة : إنّي و اللَّه لترابيّ ، منه خلقت ، و إليه أعود ، و منه ابعث ، و إنّك لمارج من مارج من نار .

فقال له معاوية : إنّما أنت هاتف بلسانك لا تنظر في أود الكلام و استقامته ، فإن كنت تنظر في ذلك فأخبرني عن أفضل المال فقال : و اللَّه إنّي لأدع الكلام حتى

____________________

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١٠ : ٢٨ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١٠ : ٢٩ بتصرف .

( ٣ ) ورد في أدب الدنيا و الدين للماوردي : ٢٧٠ بلفظ : « اللسان وزير الإنسان » .

٢٠١

يختمر في صدري ثم أهبّ و لا أهتف به حتى أقيم أوده و اجيز متنه ، و إنّ أفضل المال لبرة سمراء في بريّة غبراء ، أو نعجة صفراء في نبعة خضراء ، أو عين فوّارة في أرض خوّارة فقال معاوية : للَّه أنت فأين الذهب و الفضة ؟ قال :

حجران يصطكّان ، إن أقبلت عليهما نفدا و إن تركتهما لم يزيدا(١) .

« و قلب الأحمق وراء لسانه » في بيان الجاحظ ، كان ابن ضحيان الازدي يقرأ( قل يا أيها الكافرين ) (٢) فقيل له في ذلك ، فقال : قد عرفت القراءة في ذلك و لكنّي لا أجلّ أمر الكفّار(٣) .

و في ابن أبي الحديد : أرسل ابن لعجل بن لجيم فرسا له في حلبة فجاء سابقا ، فقيل له : سمّه باسم يعرف به فقام ففقا عينه و قال : سميته أعور فقال شاعر يهجوه :

رمتني بنو عجل بداء أبيهم

و أيّ عباد اللَّه أنوك من عجل

أليس أبوهم عار عين جواده

فأضحت به الأمثال تضرب بالجهل(٤)

و كتب مسلمة بن عبد الملك إلى يزيد بن المهلب لمّا خرج عليهم : إنّك لست بصاحب هذا الأمر ، ان صاحبه مغمور موتور ، و أنت مشهور غير موتور فقال له رجل من الأزد : قدّم ابنك مخلدا حتى يقتل فتصير موتورا .

قال : و مدح رجل من الأزد المهلب فقال :

نعم أمير الرفقة المهلّب

أبيض وضّاح كتيس الحلّب

____________________

( ١ ) العقد الريد ٤ : ٣٣٦ .

( ٢ ) الكافرون : ١ .

( ٣ ) البيان و التبيين للجاحظ ٤ : ٢٠ .

( ٤ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ١٦١ .

٢٠٢

فقال له حسبك(١) .

قال : و خرج كلاب بن صعصعة مع اخوته ، فاشترى اخوته خيلا و جاء كلاب بعجل يقوده ، فقيل له : ما هذا ؟ قال : فرس اشتريته قالوا : يا مائق هذه بقرة ، أما ترى قرنيها ، فرجع إلى منزله فقطع قرنيها ثم قادها فقال : أعددتها فرسا كما تريدون ، فأولاده يدعون بني فارس البقرة(٢) .

و قال : و شرد بعير من هبنقة ، فجعل ينادي من أتى به له بعيران قيل له :

تبذل بعيرين في بعير قال : لحلاوة الوجدان(٣) .

و قال : و سرق من أعرابي حمار فحمد اللَّه على أنّه لم يكن عليه(٤) .

و قال : و قال المأمون يوما لثمامة : ما جهد البلاء ؟ قال : عالم يجري عليه حكم جاهل ، حبسني الرشيد عند مسرور الكبير فسمعته يوما يقرأ :( ويلٌ يومئذٍ للمكذّبين ) (٥) بفتح الذال قلت له : المكذبين الأنبياء قل المكذبين بكسر الذال فقال لي : يقال لي عنك إنّك قدريّ فلا نجوت إن نجوت منّي الليلة ، فعاينت منه تلك الليلة الموت من شدّة ما عذّبني(٦) .

و قال : و دخل كعب البقر الهاشمي على محمد بن عبد اللَّه بن طاهر يعزّيه في أخيه ، فقال له : أعظم اللَّه مصيبة الأمير فقال : أما فيك فقد فعل .

و قال : و قال أبو كعب القاصّ في قصصه : إنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال في كبد حمزة : ما فعلتم فادعوا اللَّه أن يطعمنا من كبد حمزة .

____________________

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ١٦٣ ١٦٤ ، بتصرف .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ١٦٥ بتصرف .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ١٠ : ١٦٦ .

( ٤ ) المصدر نفسه .

( ٥ ) المرسلات : ١٥ ، و المطفّفين : ١٠ .

( ٦ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ١٦٤ بتصرف .

٢٠٣

و قال : و قال أيضا مرة اسم الذئب الذي أكل يوسف كذا و كذا فقيل له : ان يوسف لم يأكله الذئب فقال : إنّ هذا اسم الذئب الذي لم يأكله .

و قال : وطار لبكار بن عبد الملك بازي فقال لصاحب الشرطة : أغلق أبواب دمشق لئلا يخرج البازي .

و قال : و وقف معاوية بن مروان على باب طحان و حماره يدور بالرحى و في عنقه جلجل ، فقال للطحان : لم جعلت هذا في عنقه ؟ فقال : إذا لم أسمع الصوت علمت أنّه قد نام فصحت به ، فقال : أرأيته إن قام و حرّك رأسه ما علمك به أنّه قائم ؟ قال : و أين لحماري بمثل عقل الأمير(١) .

قلت : ما ذكره أمثلة لأعمال الحمقاء فعلا و قولا لا شواهد لكلامهعليه‌السلام .

« و قد روى عنهعليه‌السلام هذا المعنى بلفظ آخر ، و هو قوله : قلب الأحمق في فيه و لسان العاقل في قلبه » في ( بلاغات نساء البغدادي ) قال المدائني : قالت خالدة بنت هاشم ابن عبد مناف لأخ لها و قد سمعته تجهّم(٢) صديقا له أي أخي لا تطلع من الكلام إلاّ ما قد روّأت(٣) فيه قبل ذلك و مزجته بالحلم و داويته بالرفق ، فإنّ ذلك أشبه بك فسمعها أبوها فقام إليها فاعتنقها و قال : واها لك يا قبّة الديباج فكانت تلقّب بذلك(٤) .

« و معناهما واحد » هذا الكلام زائد بعد قوله أولا « و قد روى عنهعليه‌السلام هذا المعنى بلفظ آخر » .

____________________

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد : ١٦١ ١٦٢ .

( ٢ ) أي : استقبله بوجه كريه .

( ٣ ) من روأ في الأمر تروئة ، انظر فيه و تعقّبه و لم يعجل بجواب .

( ٤ ) بلاغات النساء : ١٩٩ ٢٠٠ .

٢٠٤

٤ الحكمة ( ٣٠١ ) و قالعليه‌السلام :

رَسُولُكَ تَرْجُمَانُ عَقْلِكَ وَ كِتَابُكَ أَبْلَغُ مَا يَنْطِقُ عَنْكَ أقول : في ( الطبري ) أراد معن بن زائدة أن يوفد إلى المنصور قوما يسلّون سخيمته و يستعطفون قلبه عليه ، و قال : قد أنفقت عمري في طاعته و اتعبت نفسي و أفنيت رجالي في حرب اليمن ثم يسخط عليّ أن أنفقت المال في طاعته ، فانتخب جماعة من عشيرته من أفناء ربيعة ، فكان فيمن اختار مجاعة ابن الأزهر ، فجعل يدعو اولئك الجماعة واحدا واحدا و يقول : ماذا أنت قائل للخليفة إذا وجّهتك ؟ فيقول : أقول و أقول حتى جاءه مجاعة فقال : تسألني عن مخاطبة رجل بالعراق و أنا باليمن أقصد لحاجتك حتى أن تأتي لها كما يمكن و ينبغي فقال : أنت صاحبي ثم التفت إلى عبد الرحمن بن عتيق المزني فقال له : شدّ على عضد ابن عمّك و قدّمه أمامك فإن سها عن شي‏ء فتلافه .

و اختار من أصحابه ثمانية نفر معهما حتّى تمّوا عشرة و ودّعهم حتى مضوا و صاروا إلى المنصور ، فابتدأ مجاعة بحمد اللَّه تعالى و الثناء عليه حتى ظنّ القوم أنّه إنّما قصد لذلك ، ثم كرّ على ذكر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله و كيف اختاره اللَّه من بطون العرب و نشر من فضله حتى تعجّب القوم ثم كرّ على ذكر المنصور و ما شرّف به و ما قلّد ، ثم كرّ على حاجته في ذكر صاحبه ، فلما انتهى من كلامه قال له المنصور : أمّا ما وصفت من حمد اللَّه تعالى فاللَّه أجلّ و أكبر من أن تبلغه الصفات ، و أمّا ما ذكرت من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقد فضّله اللَّه بأكثر ممّا قلت ، و أمّا ما وصفت به الخليفة فإنّه فضّله اللَّه تعالى بذلك و هو معينه على طاعته ، و أمّا ما ذكرت من صاحبك فكذبت لؤمت أخرج فلا يقبل ما ذكرت قال : صدق

٢٠٥

الخليفة و و اللَّه ما كذبت في صاحبي فأخرجوا فلما صاروا إلى آخر الايوان أمر بردّه مع أصحابه فقال : ما ذكرت ، فكرّر عليه الكلام حتى كأنّه يقرؤه في صحيفة فقال له : مثل القول الأول ، فاخرجوا حتى برزوا جميعا و أمر بهم فوقفوا ثم التفت إلى من حضر من مضر فقال : هل تعرفون فيكم مثل هذا ؟ و اللَّه لقد تكلّمم حتى حسدته و ما منعني أن أتمّ على ردّه إلاّ أن يقال : إنّه تعصب عليه لأنه ربعي ، و ما رأيت كاليوم رجلا أربط جأشا و لا أظهر بيانا ردّه يا غلام ، فلمّا صار بين يديه أعاد السّلام و أعاد أصحابه ، فقال له : اقصد لحاجتك و حاجة صاحبك قال : أيها الخليفة معن بن زائدة عبدك و سيفك و سهمك ، رميت به عدوّك فضرب و طعن و رمى حتى سهل ما حزن و ذلّ ما صعب و استوى ما كان معوّجا من اليمن ، فأصبحوا من خول الخليفة ، فإن كان في نفس الخليفة هنة من ساع أو واش أو حاسد فالخليفة أولى بالتفضّل على عبده و من أفنى عمره في طاعته فقبل وفادتهم و قبل العذر من معن و أمر بصرفهم إليه ، فلمّا صاروا إلى معن و قرأ الكتاب بالرضا ، قبّل بين عينيه و شكر أصحابه و خلع عليهم على أقدارهم(١) .

و قالوا : أرسل عبد الملك إلى الحجّاج رسولا فدخل عليه في ساعة مات صديق له فقال الحجاج : ليت إنسانا يعزّيني بأبيات فقال الرسول : أقول ؟ قال :

قل فقال : كلّ خليل يفارق خليله يموت أو يصلب أو يقع من فوق البيت أو يقع البيت عليه أو يقع في بئر أو يكون شيئا لا نعرفه .

فقال الحجّاج : لقد سليتني عن مصيبتي بأعظم منها في الخليفة إذ وجه رسولا مثلك .

« و كتابك أبلغ ما ينطق عنك » في ( المعجم ) قدم طاهر بن الحسين الكوفة

____________________

( ١ ) تاريخ الملوك و الامم للطبري ٦ : ٣١٠ .

٢٠٦

و العباس بن محمد بن موسى عليها ، فوجّه العباس كاتبه إليه ، فلمّا دخل على طاهر قال : أخيك أبي موسى يقرأ عليك السّلام قال : و ما أنت منه ؟ قال : كاتبه الذي يطعمه الخبز فدعا طاهر بكاتبه و قال له : اكتب و أنت قائم بصرف العباس عن الكوفة إذ لم يتخذ كاتبا يحسن الاداء عنه(١) .

و في ( ابن أبي الحديد ) قال الشاعر :

تخيّر إذا ما كنت في الأمر مرسلا

فمبلغ آراء الرجال رسولها

و روّ و فكّر في الكتاب فانّما

بأطراف أقلام الرجال عقولها(٢)

هذا ، و في ( الجهشياري ) : كتب كاتب مصعب « من المصعب » فقال مصعب : ما هاتان الزائدتان ؟ يعني الألف و اللام(٣) .

٥ الحكمة ( ٤٠٧ ) و قالعليه‌السلام :

مَا اِسْتَوْدَعَ اَللَّهُ اِمْرَأً عَقْلاً إِلاَّ اِسْتَنْقَذَهُ بِهِ يَوْماً مَا أقول : هكذا في الطبعة ( المصرية )(٤) ، و لكن في ابن ميثم(٥) و الخطية(٦) « إلاّ ليستنقذه به يوما ما » و مثله ( ابن أبي الحديد ) لكنه قال : و رويت « استنقذه به يوما ما »(٧) .

____________________

( ١ ) معجم الأدباء لياقوت الحموي ١ : ٨٦ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١٩ : ٢٠٧ .

( ٣ ) تاريخ الوزراء للجهشياري : ٤٦ .

( ٤ ) انظر الطبعة المصرية : ٧٥٢ رقم ٣٩٢ .

( ٥ ) انظر ابن ميثم النسخة المنقحة فالنص مماثل لمّا ورد في الطبعة المصرية ٥ : ٤٤١ رقم ٣٨٣ .

( ٦ ) النسخة الخطية ( مرعشي ) : ٣٢٥ .

( ٧ ) شرح ابن أبي الحديد ٢٠ : ٤٠ .

٢٠٧

و كيف كان فمصداق ما قالهعليه‌السلام امرأة فاجرة استودعها اللَّه تعالى عقلا استنقذها به من هلكة عملها ، ففي ( روضة الكافي ) عن الصادقعليه‌السلام : كان عابد في بني اسرائيل لم يقارف شيئا من أمر الدنيا ، فنخر ابليس نخرة ، فاجتمع إليه جنوده ، فقال : من لي بفلان ، فقال بعضهم أنا ، فقال من أين تأتيه ؟

قال : من ناحية النساء ، قال : لست له فقال له آخر : فأنا ، فقال فمن أين تأتيه ، قال من ناحية الشراب و اللّذّات قال : لست له ، ليس هذا بهذا قال آخر : فأنا له ، قال :

من أين تأتيه ؟ قال من ناحية البر قال : أنت صاحبه فانطلق إلى موضع الرجل فأقام يصلّي ، و كان الرجل ينام و يصلّي و الشيطان يصلّي و لا ينام ، و الرجل يستريح و الشيطان لا يستريح ، فتحوّل إليه الرجل و قد تقاصرت إليه نفسه فقال : يا عبد اللَّه بأيّ شي‏ء قويت على ما رأيت من الصلاة ، فلم يجبه ثم أعاد عليه فلم يجبه ثم أعاد فقال : يا عبد اللَّه إنّي أذنبت ذنبا و أنا تائب منه ، فإذا ذكرت الذنب قويت على الصلاة قال بصّرني ذنبك حتى أعمل و أتوب ، فإذا فعلته قويت على الصلاة قال : ادخل المدينة فسل عن فلانة البغية فأعطها درهمين و نل منها قال : و من أين لي درهمان ما أدري ما الدرهمان ؟ فتناول الشيطان من تحت قدميه درهمين فناوله .

فقام فدخل المدينة بجلابيبه يسأل عن منزل فلانة البغية ، فأرشدوه و ظنّوا أنّه جاء يعظها ، فجاء إليها و رمى بالدرهمين إليها و قال قومي فقامت و دخل منزلها و قالت ادخل . فقالت : إنّك جئتني في هيئة ليس يؤتى مثلي في مثلها ، فأخبرني بخبرك ، فأخبرها فقالت : يا عبد اللَّه إنّ ترك الذنب أهون من طلب التوبة و ليس كلّ من طلب التوبة وجدها ، و إنما ينبغي أن يكون هذا شيطانا مثل لك ، فانصرف فإنّك لا ترى شيئا فانصرف و ماتت المرأة من ليلتها ، فأصبحت فاذا على بابها مكتوب : « إحضروا فلانة فإنّها من أهل الجنّة »

٢٠٨

فارتاب الناس فمكثوا ثلاثا ارتيابا في أمرها ، فأوحى اللَّه تعالى إلى نبيّ من الأنبياء لا أعلمه إلاّ موسى أن ائت فلانة فصلّ عليها و أمر الناس أن يصلّوا عليها فإنّي غفرت لها و أوجبت لها الجنّة بتثبيطها عبدي فلانا عن معصيتي(١) .

و في ( كامل الجزري ) : استوزر عبد المؤمن صاحب المغرب في سنة ( ٥٤٥ ) ابا جعفر بن أبي أحمد الأندلسي و كان مأسورا عنده فوصف له بالعقل وجودة الكتابة ، فأخرجه من الحبس و استوزره و هو أول وزير كان للموحدين(٢) .

٦ الحكمة ( ٤٢١ ) و قالعليه‌السلام :

كَفَاكَ مِنْ عَقْلِكَ مَا أَوْضَحَ لَكَ سَبِيلَ غَيِّكَ مِنْ رُشْدِكَ أقول : العنوان ليس في ( الطبعة المصرية الاولى ) ، و إنّما موجود في الطبعة الثانية بين قوسين(٣) علامة في أخذه عن ( ابن أبي الحديد )(٤) ، و الحق ثبوته ، لتصديق ( ابن ميثم )(٥) الذي نسخته بخط مصنفه و النسخة الخطية له .

ثم المراد أنّ ذلك المقدار من العقل يكفي في تنجّز التكليف و في المسؤولية ، كما أن ما أتى به النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عن اللَّه تعالى يكفي في إتمام الحجّة قال تعالى :( لا إكراه في الدين قد تبيّن الرُّشد من الغيّ ) (٦) و في الخبر : انما

____________________

( ١ ) روضة الكافي للكليني ٢ : ٣٥٣ .

( ٢ ) الكامل في التاريخ لابن الأثير الجزري ١١ : ١٥٢ .

( ٣ ) الطبعة المصرية التي لدى المحقق ورد العوان دون قوسين انظر : ٧٥٥ رقم ( ٤٠٧ ) .

( ٤ ) شرح ابن أبي الحديد ٢٠ : ٦٥ .

( ٥ ) شرح ابن ميثم ٥ : ٤٤٦ .

( ٦ ) البقرة : ٢٥٦ .

٢٠٩

يداق اللَّه العباد في القيامة على قدر عقولهم(١) .

و في ( الكافي ) عن الباقرعليه‌السلام : لمّا خلق اللَّه تعالى العقل استنطقه ثم قال له : أقبل فأقبل ، ثم قال له : أدبر فأدبر ، ثمّ قال : و عزّتي و جلالي ما خلقت خلقا أحبّ إليّ منك ، و لا أكملتك إلاّ في من احبّ ، أما إنّي إيّاك آمر و إيّاك أنهى ، و إيّاك اعاقب و إيّاك اثيب(٢) .

و عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ما قسم اللَّه تعالى للعباد شيئا أفضل من العقل ، فنوم العاقل أفضل من سهر الجاهل ، و إقامة العاقل أفضل من شخوص الجاهل ، و لا بعث اللَّه نبيّا حتى يستكمل له العقل و يكون عقله أفضل من عقول جميع امّته إلى أن قال و لا بلغ جميع العابدين في فضل عبادتهم ما بلغ العاقل ، و العقلاء هم أولو الألباب الذين قال تعالى : . و ما يذَّكَّر إلاّ أولو الألباب(٣) .

و عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إذا رأيتم الرجل كثير الصلاة كثير الصيام فلا تباهوا به حتى تنظروا كيف عقله(٤) .

و في الديوان المنسوب إليهعليه‌السلام :

و أفضل قسم اللَّه للمرء عقله

فليس من الخيرات شي‏ء يقاربه

إذا أكمل الرحمن للمرء عقله

فقد كملت أخلاقه و مآربه

يعيش الفتى في الناس بالعقل إنّه

على العقل يجري علمه و تجاربه

____________________

( ١ ) أورده البرقي في المحاسن : ١٤٩ ، عن الحسن بن علي بن يقطين عن محمّد بن سنان عن أبي الجارود عن أبي جعفرعليه‌السلام بلفظ : إنّما يداق اللَّه العباد في حساب يوم القيامة على قدر ما آتاهم من العقول في الدنيا .

( ٢ ) الكافي للكليني ١ : ١٠ ح ١ .

( ٣ ) ذكره البرقي في المحاسن : ١٤٨ بلفظ : « ما تم اللَّه للعباد شيئا أفضل من العقل ، فنوم العاقل أفضل من سهر الجاهل ، و افطار العاقل أفضل من صوم الجاهل . ، و ذكره القمي في سفينة البحار ٢ : ٢١٤ ، و ذكره الزبيدي في إتحاف السادة ٨ : ٤٩٠ و الآية ٢٦٩ من سورة البقرة .

( ٤ ) الكافي للكليني ١ الحديث ( ٢٨ ) أخرجه عن أحمد بن محمّد .

٢١٠

يزين الفتى في الناس صحّة عقله

و إن كان محظورا عليه مكاسبه

يشين الفتى في الناس قلّة عقله

و إن كرمت أعراقه و مناصبه

و من كان غلاّبا بعقل و نجدة

فذو الجدّ في أمر المعيشة غالبه(١)

٧ الحكمة ( ٤٢٤ ) و قالعليه‌السلام :

اَلْحِلْمُ غِطَاءٌ سَاتِرٌ وَ اَلْعَقْلُ حُسَامٌ قَاطِعٌ فَاسْتُرْ خَلَلَ خُلُقِكَ بِحِلْمِكَ وَ قَاتِلْ هَوَاكَ بِعَقْلِكَ أقول : رواه ( الكافي ) مع تغيير و زيادة ، روى في ( ١٣ ) من أخبار كتاب عقله و جهله عنهعليه‌السلام : العقل غطاء ستير(٢) ، و الفضل جمال ظاهر ، فاستر خلل خلقك بفضلك ، و قاتل هواك بعقلك ، تسلم لك المودة و تظهر لك المحبة(٣) .

« الحلم غطاء ساتر » في ( الكافي ) عن الصادقعليه‌السلام : كظم الغيظ عن العدو في دولاتهم تقية حزم(٤) لمن أخذ به ، و تحرّز من التعرّض للبلاء في الدنيا(٥) .

« و العقل حسام » أي : سيف .

« قاطع » في ( الكافي ) عن الكاظمعليه‌السلام : إن العاقل لا يحدّث من يخاف تكذيبه ، و لا يسأل من يخاف منعه ، و لا يعد ما لا يقدر عليه ، و لا يرجو ما يعنّف

____________________

( ١ ) ديوان أمير المؤمنين جمع محمّد جواد النجفي : ١٢ .

( ٢ ) الستير : الغطاء ، و كل ما يستتر به ، و الستير : فصل بمعنى فاعل أي : ساتر .

( ٣ ) الكافي للكليني ١ : ٢٠ ح ١٣ .

( ٤ ) الحزم ضبط الأمر و الأخذ فيه بالثقة .

( ٥ ) الكافي للكليني ٢ : ١٠٩ ح ٤ .

٢١١

برجائه(١) ، و لا يقدم على ما يخاف فوته بالعجز عنه(٢) .

« فاستر خلل خلقك بحلمك » قد عرفت أن ( الكافي ) رواه « بفضلك » بدل « بحلمك » ، و كل منهما صحيح ، فكل من الحلم و الفضل أي الأفضال يستر كل خلل في الخلق ، إلاّ أنّ الحلم يمنع عن ظهوره و الافضال عن تأثيره .

« و قاتل هواك بعقلك » في ( الكافي ) عن الصادقعليه‌السلام : اعرفوا العقل و جنده و الجهل و جنده تهتدوا إلى أن قال و جعل للعقل خمسة و سبعون جندا و للجهل مثله ، فكان ممّا اعطي العقل ، الخير و هو وزيره ، و جعل ضده الشر و هو وزير الجهل ، و الايمان و ضده الكفر ، و التصديق و ضده الجحود ، و الرجاء و ضده القنوط ، و العدل و ضده الجور إلى أن قال و لا تجتمع هذه الخصال كلّها من أجناد العقل إلاّ في نبيّ أو وصيّ نبي أو مؤمن قد امتحن اللَّه قلبه للايمان ، و اما باقي موالينا فلا يخلون من أن يكون فيهم بعض هذه . .

٨ في الكتاب ( ٣ ) من عناوين فصل الموت :

شَهِدَ عَلَى ذَلِكَ اَلْعَقْلُ إِذَا خَرَجَ مِنْ أَسْرِ اَلْهَوَى وَ سَلِمَ مِنْ عَلاَئِقِ اَلدُّنْيَا و في أخلاق الوزيرين قال الشاعر :

كم من أسير في يدي شهواته

ظفر الهوى منه بحزم ضائع

و قال أعرابي :

لم أر كالعقل صديقا معقوقا ، و لا كالهوى عدوا معشوقا ، و من وفّقه اللَّه للخير

____________________

( ١ ) أي العاقل لا يرجو فوق ما يستحقه .

( ٢ ) الكافي للكليني ١ : ٢٠ ٢٣ ح ١٤ .

٢١٢

جعل هواه مقموعا و رأيه مرفوعا(١) .

و لبعض العرب ، و يقال هو عامر بن الظرب : الرأي نائم و الهوى يقظان فأرقدوا الهوى بفظاظة ، و أيقظوا الرأي بلطافة(٢) .

و مرّ في فصل الجمل قولهعليه‌السلام : « كم من عالم قتله جهله و معه علمه لا ينفعه » و المراد من العلم فيه ، العلم المستفاد من العقل ، و من الجهل ، ملكات الصفات السيئة .

و يأتي في ٥ ٥٦ قولهعليه‌السلام : « لا غنى كالعقل و لا فقر كالجهل »(٣) .

____________________

( ١ ) أخلاق الوزيرين للتوحيدي : ١٨ .

( ٢ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ١ : ٣٧ .

( ٣ ) شرح الحكمة ( ٤٥ ) في الفصل ( ٥٦ ) من هذا المجلّد .

٢١٣

الفصل الخامس و الخمسون كلامهعليه‌السلام في القلوب

٢١٤

١ الحكمة ( ٩١ ) و قالعليه‌السلام :

إِنَّ هَذِهِ اَلْقُلُوبَ تَمَلُّ كَمَا تَمَلُّ اَلْأَبْدَانُ فَابْتَغُوا لَهَا طَرَائِفَ اَلْحِكْمَةِ أقول : و كرره في ١٩٧ ٣ أيضا غفلة ، و رواه مرفوعا حفص بن البحتري عنهعليه‌السلام هكذا : « روّحوا أنفسكم ببديع الحكمة ، فإنّها تكلّ كما تكل الأبدان » .

و رواه الحموي في أدبائه هكذا : « أجمّوا هذه القلوب و التمسوا لها طرائف الحكمة ، فإنّها تملّ كما تملّ الأبدان »(١) .

ثم ان في ( النهج ) كليهما بلفظ « الحكمة » و نقل الطبعة ( المصرية )(٢) الأول بلفظ « الحكم » تصحيف ، و في نسخة غير مصحّحة من ( ابن ميثم )(٣)

___________________

( ١ ) معجم الأدباء الحموي ١ : ٩٤ .

( ٢ ) شرح محمد عبده : ٦٧٦ .

( ٣ ) في شرح ابن ميثم ، ورد بلفظ « الحكم » في نسخة صححها عدّة من الأفاضل ٥ : ٢٨٦ .

٢١٥

ليس الثاني ، و كأنّه سقط من النسخة ، كما أن في ( النسخة الخطية )(١) ليس في الثاني لفظ « هذه » و لكنه موجود في ( ابن أبي الحديد )(٢) .

و كيف كان ففي ( كامل المبرد ) قال أنو شروان : القلوب تحتاج إلى أقواتها من الحكمة كاحتياج الأبدان إلى أقواتها من الغذاء(٣) .

( و فيه ) : قال اردشير : إنّ للآذان مجّة و للقلوب مللا ففرّقوا بين الحكمتين يكن ذلك استجماما(٤) .

و قال الحسن : جاذبوا هذه القلوب فإنّها سريعة الدثور(٥) .

و في ( المروج ) : قال أبو العتاهية : بعث إليّ المأمون فصرت إليه فألفيته مطرقا متفكّرا مغموما ، فأحجمت ، فأطرق مليا ثم رفع رأسه فقال : شأن الناس حبّ الاستطراف قلت : أجل و لي في هذا بيت شعر و هو :

لا يصلح النفس إذ كانت مطرفة

إلاّ التنقّل من حال إلى حال(٦)

و في ( الأغاني ) : قيل لبشّار : إنّك لتجي‏ء بالشي‏ء الهجين المتفاوت بينما تقول شعرا و تخلع به القلوب مثل قولك :

إذا ما غضبنا غضبة مضرية

هتكنا حجاب الشمس أو تمطر الدما

إذا ما أعرنا سيدا من قبيلة

ذرى منبر صلّى علينا و سلّما

تقول :

ربابة ربّة البيت

تصب الخلّ في الزيت

____________________

( ١ ) سقط هذا النصّ من النسخة المحفوظة التي لدى المحقق و هي نسخة آية اللَّه المرعشي .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٢٤٦ .

( ٣ ) الكامل للمبرد ٢ : ٣ .

( ٤ ) ابن عبد ربه ، العقد الفريد ٢ : ٢٣٨ و هو اردشير بن بابك .

( ٥ ) هو الحسن البصري ، العقد الفريد ٢ : ٢٣٨ .

( ٦ ) مروج الذهب ٣ : ٤٢٩ .

٢١٦

لها عشر دجاجات

و ديك حسن الصوت

فقال : لكل موضع ، فالقول الأول جدّ ، و هذا قلته في ربابة جاريتي و أنا لا آكل البيض من السوق ، و ربابة لها عشر دجاجات و ديك فهي تجمع لي البيض فهذا عندي من قولي أحسن من :

قفا نبك من ذكرى حبيب و منزل

بسقط اللوى بين الدخول فحومل(١)

في ( عيون الأخبار ) : قيل لعطاء بن مصعب : كيف غلبت على البرامكة و عندهم من هو آدب منك ؟ قال : ليس للقرباء ظرافة الغرباء ، كنت بعيد الدار ، غريب الاسم عظيم الكبر صغير الجرم ، كثير الالتواء شحيحا بالاملاء ، فقرّبني إليهم تباعدي منهم ، و رغّبهم فيّ رغبتي عنهم(٢) .

و في ( الأغاني ) : لمّا قال علي بن اميّة :

يا ريح ما تصنعين بالدمن ؟

كم لك من محو منظر حسن

كثر الناس إنشاده و غنّاه عمرو الغزال ، فقال أبو موسى الأعمى :

يا رب خذني و خذ عليا و خذ

يا ريح ما تصنعين بالدّمن

عجّل إلى النّار بالثلاثة

و الرابع عمرو الغزال في قرن

ثم ندم و قال هؤلاء أهل بيت و هم إخوتي و لا أحب أن أنشب بيني و بينهم شرّا ، فأتى امية فقال : قد أذنبت فيما بيني و بينكم ذنبا و قد جئتك مستجيرا بك من فتيانك فدعا بعليّ بن اميّة فقال : يا هذا عمك أبو موسى قد أتاك معتذرا من الشعر الذي قاله قال : و ما هو ؟ فأنشده فقال له : قد ضجرنا نحن و اللَّه منه كما ضجرت أنت و أكثر ، و أنت آمن من أن يكون منّا جواب(٣) .

____________________

( ١ ) الأغاني ٣ : ١٦٣ .

( ٢ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ٢ : ١٢٨ .

( ٣ ) الأغاني ٢٣ : ١٣٤ ١٣٥ .

٢١٧

و في ( تاريخ بغداد ) : قال روح بن عبادة : كنّا عند شعبة فضجر من الحديث ، فرمى بطرفه فرأى أبا زيد سعيد بن أوس في أخريات الناس ، فقال : يا أبا زيد

استعجمت دارميّ ما تكلّمنا

و الدار لو كلّمتنا ذات أخبار

إليّ يا أبا زيد فجعلا يتناشدان الأشعار(١) .

٢ الحكمة ( ١٩٣ ) و قالعليه‌السلام :

إِنَّ لِلْقُلُوبِ شَهْوَةً وَ إِقْبَالاً وَ إِدْبَاراً(٢) فَإِنَّ اَلْقَلْبَ إِذَا أُكْرِهَ عَمِيَ أقول : روى المبرد ذيله : « القلب إذا أكره عمي » في كتاب كامله(٣) .

ثم إنّ الشهوة و الإقبال إحدى القوى المحركة للإنسان على الأعمال ، و لو لا من اللَّه تعالى به على عباده لاختل نظام العالم و فسد كثير من الامور .

مثلا : إذا لم يكن بين الزوجين تقارب القلوب ، من يلتام بينهما كما قد يتفق ؟

و لذا قال تعالى منّا على عباده :( و من آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها و جعل بينكم مودّة و رحمة إنّ في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ) (٤) .

و قصة إقبال ابن الملك المهمل على كسب الأدب بعد افتتانه بابنة الوزير و شرط الوزير عليه في إجابته في ابنته بدستور الملك تحصيل الأدب و شروعه به لذلك معروفة .

و لو لا عاطفة جعلها تعالى في الامّهات من الإنسان و الوحش و الطير ،

____________________

( ١ ) تاريخ بغداد ٩ : ٧٨ .

( ٢ ) في ابن أبي الحديد ١٩ : ١١ هنا إضافة « فأتوها من قبل شهوتها و إقبالها » .

( ٣ ) الكامل في الأدب للمبرّد ٢ : ٢ ، ١١ .

( ٤ ) الروم : ٢١ .

٢١٨

من يربّي أولادهن ؟ و كذلك لو لا عشق كلّ إنسان إلى صناعة و عمل من أعمال الدنيا عاليها و سافلها ، لبقي كثير منها معطلا .

٣ الحكمة ( ٥٠ ) و قالعليه‌السلام :

قُلُوبُ اَلرِّجَالِ وَحْشِيَّةٌ فَمَنْ تَأَلَّفَهَا أَقْبَلَتْ عَلَيْهَا أقول : في ( كامل ابن الأثير )(١) في حروب عبد المؤمن المغربي مع عرب كانت هناك في سنة ( ٥٤٨ ) : ثم جهّز عبد المؤمن من الموحّدين ما يزيد على ثلاثين ألف فارس و كان العرب أضعافهم فاستجرّهم الموحدون و تبعهم العرب إلى أن وصلوا إلى أرض شطيف ، فحمل عليهم عسكر عبد المؤمن و العرب على غير أهبة ، و التقى الجمعان و اقتتلوا أشد قتال ، فانجلت المعركة عن انهزام العرب و نصرة الموحّدين ، و ترك العرب جميع ما لهم من أهل و ولد و أثاث و نعم ، فأخذ الموحّدون جميع ذلك ، فقسّم عبد المؤمن جميع الأموال على عسكره و ترك النساء و الأولاد تحت الاحتياط ، و وكّل بهم من الخدم الخصيان من يخدمهم و يقوم بحوائجهم و أمر بصيانتهم ، فلما وصلوا معه إلى مراكش أنزلهم في المساكن الفسيحة و أجرى لهم النفقات الواسعة ، و أمر ابنه محمدا أن يكاتب أمراء العرب و يعلمهم أن نساءهم و أولادهم تحت الحفظ و الصيانة و أنّه قد بذل لهم الأمان و الكرامة فلما وصل الكتاب إلى العرب سارعوا إلى المسير إلى مراكش ، فأعطاهم عبد المؤمن نساءهم و أموالهم و أحسن إليهم و أعطاهم أموالا جزيلة ، فاسترقّ قلوبهم بذلك و أقاموا عنده و كان بهم حفيا ، و استعان بهم على ولاية ابنه محمد للعهد

____________________

( ١ ) في شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ١٧٨ ، و صبحي الصالح : « عليه » بدلا من « عليها » و هو أوفق .

٢١٩

على ما سنذكره في سنة ( ٥٥١ )(١) .

و قال ابن أبي الحديد : من لان استمال ، و من قسا نفّر ، و ما استعبد الإنسان بمثل الإحسان إليه و قال الشاعر :

و إنّي لوحشيّ إذا ما زجرتني

و إنّي إذا ألّفتني لألوف

و أمّا قول عمارة بن عقيل :

تبحّثتم سخطي فكدّر بحثكم

نخيلة نفس كان صفوا ضميرها

و لم يلبث التخشين نفسا كريمة

على قومها ان يستمرّ مريرها

و ما النّفس إلاّ نطفة بقرارة

إذا لم تكدّر كان صفوا غديرها

فيكاد يخالف قولهعليه‌السلام ، لأنّهعليه‌السلام جعل أصل طبيعة القلوب التوحّش و إنّما تستمال لأمر من خارج و هو التألّف و الإحسان ، و عمارة جعل أصل طبيعة النفس الصفو و السلامة و إنّما تتكدّر لأمر خارج(٢) .

قلت : ما قاله ( ابن أبي الحديد ) من مخالفة شعر عمارة لكلامهعليه‌السلام خلاف الصواب ، فإنّ شعر عمارة في مقام ، و كلام أمير المؤمنين في مقام آخر ، فأمير المؤمنين يقول : القلوب متوحّشة ممّن لا تعرفه و لا يوصل نفعا إليها ، و من تألّفها بالمعروف و بذل المال أو حسن الفعال و المقال ، أقبلت عليه .

و أمّا عمارة فيقول : السخط يحتاج إلى سبب و الأصل في النفوس عدم السخط و العداوة و كلاهما صحيحان ، فكلّ شي‏ء يحتاج إلى سبب ، فالمودّة تحتاج إلى سبب كما أنّ العداوة تحتاج إلى سبب ، و شعره الأول تضمّن المعنيين .

____________________

( ١ ) الكامل في التاريخ لابن الأثير الجزري ١١ : ١٨٥ ١٨٦ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ١٨٠ .

٢٢٠