بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٤

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة0%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 639

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

مؤلف: الشيخ محمد تقي التّستري
تصنيف:

الصفحات: 639
المشاهدات: 223460
تحميل: 7051


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 639 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 223460 / تحميل: 7051
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 14

مؤلف:
العربية

أشراف اليمن و عظماء ربيعة و قرأ عليهم نسخة الحلف ، و كانت النسخة :

« بسم اللَّه العلي العظيم الماجد المنعم ، هذا ما احتلف عليه آل قحطان و ربيعة الأخوان ، إحتلفوا على السّواء السّواء و الأواصر و الإخاء ، ما احتذى رجل حذا و ما راح راكب و اغتدى ، يحمله الصغار على الكبار و الأشرار على الأخيار ، آخر الدهر و الأبد إلى انقضاء مدّة الأمد و انقراض الآباء و الولد ، حلف يوطأ و يثب ما طلع نجم و غرب ، خلطوا عليه دماهم عند ملك أرضاهم خلطها بخمر و سقاهم ، جزّ من نواصيهم أشعارهم و قلّم عن أناملهم أظفارهم فجمع ذلك في صبر و دفنه تحت ماء غمر في جوف قعر بحر آخر الدهر ، لا سهو فيه و لا نسيان و لا غدر و لا خذلان ، بعقد مؤكّد شديد إلى آخر الدهر الأبيد ، ما دعا صبيّ أباه و ما حلب عبد في إناه ، تحمل عليه الحوامل و تقبل عليه القوابل ، ما حلّ بعد عام قابل ، عليه المحيا و الممات حتى ييبس الفرات ، و كتب في شهر الأصم عند ملك أخي ذمم تبّع بن ملكيكرب معدن الفضل و الحسب ، عليهم جميعا كفل و شهد اللَّه الأجل الذي ما شاء فعل ، عقله من عقل و جهله من جهل .

فلما قرى‏ء عليهم هذا الكتاب توافقوا على أن ينصر بعضهم بعضا و يكون أمرهم واحدا(١) .

و وقع الاختلاف بين اليمن و ربيعة بحصول العصبيّة بين قحطان و عدنان و ربيعة منهم ، قال المسعودي في ( مروجه ) : إن عبد اللَّه بن معاوية بن جعفر بن أبي طالب قال للكميت : رأيت أن تقول شيئا تعصب به بين الناس لعل فتنة تحدث فيخرج من بين أصابعها بعض ما يحب ، فابتدأ الكميت و قال قصيدته التي يذكر فيها مناقب قومه مضر و ربيعة و أياد و أنمار بني نزار بن معد بن عدنان و يكثر فيها من تفضيلهم و يطنب في وصفهم و أنهم أفضل من

____________________

( ١ ) أخبار الطوال للدينوري : ٣٠١ ٣٠٢ .

٤٢١

قحطان ، فعصب بها بين اليمانية و النزارية يقول في قصيدته :

لنا قمر السماء و كلّ نجم

تشير إليه أيدي المهتدينا

وجدت اللَّه قد أسمى نزارا

و أسكنهم بمكة قاطنينا

لنا جعل المكارم خالصات

و للناس القفا و لنا الجبينا

و ما ضربت هجائن من نزار

ثوالح من فحول الأعجمينا

و ما حملوا الحمير على عتاق

مظهّرة فيلفوا مبغلينا

و ما وجدت بنات بني نزار

حلائل أسودين و أحمرينا

و نمى قوله في النزارية و اليمانية ، و افتخرت نزار على اليمن و اليمن على نزار ، و أدلى كلّ فريق منه بماله من المناقب ، و تحزّبت الناس و ثارت العصبية في البدو و الحضر ، فنتج بذلك أمر مروان بن محمد الجعدي و تعصّبه لقومه من نزار على اليمن ، و انحرف اليمن عنه إلى الدعوة العباسية و تغلغل الأمر عن انتقال الدولة عن بني امية .

ثم ماتلا ذلك من قصة معن بن زائدة باليمن و قتله أهلها تعصّبا لقومه من ربيعة و غيرها من نزار ، و قطعه الحلف الذي كان بين اليمن و ربيعة في القدم ، و فعل عقبة بن سالم بعمان و البحرين و قتله عبد القيس و غيرهم من ربيعة كيادا لمعن و تعصّبا منه لقومه قحطان(١) .

و في ( الأغاني ) : قال المنصور لمعن بن زائدة : قد أمّلتك لأمر فكيف تكون فيه ؟ قال : كما تحب قال : ولّيتك اليمن فابسط السيف فيهم حتى تنقض حلف ربيعة و اليمن قال : أبلغ من ذلك ، فولاّه و توجّه إلى اليمن فبسط السيف فيهم حتى أسرف(٢) .

____________________

( ١ ) مروج الذهب ٣ : ٢٣٠ .

( ٢ ) الأغاني للأصفهاني ١٠ : ٨٦ .

٤٢٢

و ربيعة كانوا مع أمير المؤمنينعليه‌السلام في غزواته ، و أما اليمن فأكثرهم كانوا مع معاوية ، و همدان منهم كانوا معهعليه‌السلام كالأنصار مع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله .

و في ( صفّين نصر ) : جمع عليّعليه‌السلام همدان و قال : أنتم درعي و رمحي ما نصرتم إلاّ اللَّه و لا أجبتم غيره ، و في هذا اليوم قال عليعليه‌السلام :

و لو كنت بوّابا على باب جنّة

لقلت لهمدان ادخلي بسلام(١)

« و نقل » هكذا في ( الطبعة المصرية )(٢) و لكن في ابن أبي الحديد(٣) و ابن ميثم ( نقل )(٤) بدون واو فهو الصحيح ( من خط هشام بن الكلبي ) أما هشام فقال النجاشي و له الحديث المشهور قال : اعتللت علّة عظيمة نسيت علمي ، فجلست إلى جعفر بن محمدعليهما‌السلام فسقاني العلم في كأس فعاد إليّ علمي(٥) .

و روى الخطيب عنه انّه قال : حفظت ما لم يحفظه أحد و نسيت ما لم ينسه أحد ، دخلت بيتا و حلفت ألاّ أخرج منه حتى أحفظ القرآن فحفظته في ثلاثة أيام ، و نظرت يوما في المرآة فقبضت على لحيتي لآخذ ما دون القبضة فأخذت ما فوق القبضة(٦) .

و في ( الطبري ) : ورد على المهدي كتاب من صاحب الأندلس يعني الخليفة الاموي ثلبه فيه ثلبا عجيبا ، فأراه هشاما فقال له هشام : الثلب فيه و في آبائه و امّهاته ثم اندرأ يذكر مثالبهم ، فسرّ المهدي بذلك و أمره أن يملي

____________________

( ١ ) صفّين لنصر بن مزاحم : ٤٣٦ .

( ٢ ) راجع : ٦٤٩ في شرح محمّد عبده .

( ٣ ) راجع ١٨ : ٦٦ من شرح ابن أبي الحديد .

( ٤ ) راجع ٥ : ٢٣١ من شرح ابن ميثم إذ ورد بإضافة ( و ) خلافا لمّا ذكره العلاّمة .

( ٥ ) الطوسي النجاشي ، ترجمة هشام بن محمد ( رقم ١١٦٦ ) : ٤٣٤ .

( ٦ ) تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ١٤ : ٤٦ .

٤٢٣

المثالب على كاتبه ليجيب صاحب الأندلس(١) .

و له كتاب في مثالب قريش ينقل عنه علي بن طاوس في طرائفه كثيرا ، و أمّا أبوه الكلبي و هو محمد بن السائب فقال ( الطبري في ذيله ) : كان عالما بالتفسير و الأنساب و أحاديث العرب ، شهد الجماجم مع ابن الأشعث(٢) .

قولهعليه‌السلام « هذا ما اجتمع عليه أهل اليمن حاضرها و باديها و ربيعة حاضرها و باديها » قال الجوهري : يقال : فلان حضري و فلان بدوي ، الحاضرة المدن ، و القرى و الريف و البادية خلاف ذلك(٣) .

« انّهم على كتاب اللَّه » قال ابن أبي الحديد : متعلق بمجتمعون محذوف(٤) .

قلت : « على كتاب اللَّه » ليس بظرف لغو حتى يحتاج إلى ما ذكر .

« يدعون إليه و يأمرون به و يجيبون من دعا إليه و أمر به » قال ابن أبي الحديد : عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : كلّ حلف كان في الجاهلية فلا يزيده الإسلام إلاّ شدّة و لا حلف في الإسلام لكن فعل أمير المؤمنينعليه‌السلام أي : كتابته الحلف بين اليمن و ربيعة في الإسلام أولى بالاتّباع من خبر الواحد(٥) .

قلت : الحلف إذا كان مثل جعلهعليه‌السلام من كونهم على كتاب اللَّه يدعون إليه و يأمرون به و يجيبون من دعا إليه و أمر به يكون واجبا بالذات و يزيده الحلف تأكيدا ، فإنّ البشر جميعهم مكلّفون على أن يكونوا على كتاب اللَّه و العمل به كما قالعليه‌السلام ، فيكون هذا الحلف نظير بيعة الأنصار للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في العقبة

____________________

( ١ ) تاريخ الامم و الملوك للطبري ٦ : ٣٩٥ .

( ٢ ) الطرائف : يعتمد الطوسي على كتاب المثالب لابن منذر هشام بن محمد الكلبي في وصف أعمال بني امية ، انظر صفحة ١٥٣ ١٥٦ من الطرائف .

( ٣ ) الصحاح للجوهري ٢ : ٦٣٢ مادة ( حضر ) .

( ٤ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٦٧ .

( ٥ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٦٧ .

٤٢٤

و بيعتهم مع المهاجرين لهصلى‌الله‌عليه‌وآله تحت الشجرة ، و بيعة الناس لأمير المؤمنينعليه‌السلام بعد الثلاثة و بعد تحكيم الحكمين ، و مثل أن ينذر أحد أو يعهد اللَّه تعالى أو يحلف به على فعل الواجبات و ترك المحرمات ، و الأحلاف الجاهلية إذا كانت مشتملة على أمور غير مشروعة ، يحلّها الإسلام لا يؤكدها .

و الخبر وجدته بغير لفظه ، فروى أبو الفرج في قيس بن عاصم أنّه سأل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عن الحلف فقال : لا حلف في الإسلام و لكن تمسّكوا بحلف الجاهلية(١) .

و أفضل أحلاف الجاهلية حلف الفضول ، قال المسعودي : كان رجل من زبيد باع سلعة له من العاص بن وائل السهمي فمطله بالثمن حتى يئس ، فعلا جبل أبي قبيس و قريش في مجالسها حول الكعبة فنادى بشعر يصف ظلامته رافعا صوته :

يا للرجال لمظلوم بضاعته

ببطن مكة نادى الحي و النفر

ان الحرام لمن تمت حرامته

و لا حرام كيومي لابس الغدر

فمشت قريش بعضها إلى بعض و كان أول من سعى في ذلك ، ة الزبير بن عبد المطلّب و اجتمعت قريش في دار الندوة و كانت للحلّ و العقد و كان ممّن اجتمع بها من قريش بنو هاشم و بنو المطلّب و بنو زهرة و تيم بن كلاب

____________________

( ١ ) ذكره الأصفهاني في الأغاني ٤ : ٩٠ ، و جاء في النهاية في غريب الحديث و الأثر ١ : ٢٤٩ ، « لا حلف في الإسلام » أصل الحلف المعاقدة و المعاهدة على التعاضد و التساعد و الإتفاق فما كان منه في الجاهلية على الفتن و القتال بين القبائل و الغارات فذلك الذي ورد النهي عنه في الإسلام بقوله صلّى اللَّه عليه و آله « لا حلف في الإسلام » و ما كان منه في الجاهليه على نصر المظلوم و صللاة الأرحام كحلف المطيبين ، و ما جرى مجراه فذلك الذي قال فيه صلّى اللَّه عليه و آله : و أي حلف كان في الجاهلية لم يزده الإسلام إلاّ شدة ، يريد من المعاقدة على الخير و نصرة الحق و بذلك يجتمع الحديثان و هذا هو الحفف الذي يقتضيه الإسلام ، و الممنع منه ما خالف حكم الإسلام و قيل : المخالفة كانت قبل الفتح ، و قوله : « لا حلف في الإسلام » قاله زمن الفتح فكان ناسخا .

٤٢٥

و بنو الحرث بن فهر ، فاتّفقوا على أنّهم ينصفون المظلوم من الظالم ، فساروا إلى دار عبد اللَّه بن جدعان فتحالفوا هنالك ، ففي ذلك يقول الزبير بن عبد المطلّب . .(١) و قال الجزري : قال ابن إسحاق كان نفر من جرهم و قطورا يقال لهم الفضيل ابن الحرث الجرهمي و المفضل بن فضالة الجرهمي و الفضيل بن وداعة القطوري اجتمعوا و تحالفوا أن لا يقروا ببطن مكة ظالما ، فقال عمرو بن عوف الجرهمي :

إنّ الفضول تحالفوا و تعاقدوا

ألاّ يقرّ ببطن مكّة ظالم

أمر عليه تعاهدوا و تواثقوا

فالجار و المعترّ فيهم سالم

ثم درس ذلك فلم يبق إلاّ ذكره في قريش .

ثم إنّ قبائل من قريش تداعت إلى ذلك الحلف فتحالفوا و كانوا بني هاشم و بني المطلب و بني أسد بن عبد العزّى و زهرة و تيم بن مرّة ، فتحالفوا و تعاقدوا ألاّ يجدوا بمكّة مظلوما من أهلها أو من غيرهم إلاّ قاموا معه و كانوا على ظالمه حتى تردّ عليه مظلمته ، فسمّت قريش ذلك الحلف ، حلف الفضول و شهده النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال حين بعث : لقد شهدت مع عمومتي حلفا في دار عبد اللَّه بن جدعان ما أحب ان لي به حمر النعم و لو دعيت به في الإسلام لأجبت . .(٢) و المستفاد من كلام ابن إسحاق أنّ تسميته بحلف الفضول لأن عاقديه الأولين كانوا مسمّين بفضيل و مفضل و فضيل .

« لا يشترون به ثمنا » الأصل فيه قوله تعالى :( و إِذ أَخذ اللَّه ميثاق الذين اُوتوا الكتاب لتبيننُّهُ للناس و لا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم و اشتروا به

____________________

( ١ ) مروج الذهب للمسعودي ٢ : ٢٧٠ .

( ٢ ) الكامل في التاريخ لابن الأثير ١ : ٤١ و ذكره البيهقي في سننه ٩ : ٦٧ ، و القرطبي في تفسيره ٦ : ٣٣ .

٤٢٦

ثَمناً قليلاً فبئسَ ما يشترون ) (١) « و لا يرضون به بدلا » في معنى الأول .

« و أنّهم يد واحدة على من ترك ذلك و خالفه » كونهم يدا واحدة كناية عن اتّفاقهم .

و قال الجوهري : ضبّة و ثور و عكل و تيم و عديّ تجمّعوا فصاروا يدا واحدة و سمّوا ربابا بالكسر لأنّهم غمسوا أيديهم لتحالفهم في ربّ ، و قيل لأنّهم تربّبوا أي : تجمّعوا(٢) هذا ، و قال الزمخشري : القوم عليّ يد واحدة و ساق واحدة إذا اجتمعوا على عداوته ، و قال البحتري و كان من طي من اليمن في أبي سعيد محمد بن يوسف و كان من ربيعة مشيرا إلى هذا الحلف :

نحن في خلة الصفاء و أنتم

كاليدين اصطفت شمال يمينا

ضمّنا الحلف فاتّصلنا ديارا

في المقامات و التففنا غصونا

لم تقلّب قلوبنا يوم هيجاء

و ليست أيدي سبا أيدينا(٣)

« أنصار بعضهم لبعض » و في ( ابن أبي الحديد ) « و إنهم أنصار بعضهم لبعض »(٤) « دعوتهم واحدة » إلى الكتاب و حكمه .

« لا ينقضون عهدهم » في ( الجمهرة ) : و كتاب يكتب بين القوم يسمّى العهد(٥)

___________________

( ١ ) آل عمران : ١٨٧ .

( ٢ ) الصحاح للجوهري ١ : ١٣٢ مادة ( رأب ) .

( ٣ ) الزمخشري : أساس البلاغة : ٥١٢ مادة ( ي د ي ) و الأبيات للبحتري في ديوانه : ١٦٢ .

( ٤ ) انظر النصّ في ابن أبي الحديد ١٨ : ٦٦ رقم ( ٧٤ ) .

( ٥ ) الجمهرة ٢ : ٦٦٨ مادة ( د ع ه ) .

٤٢٧

« لمعتبة عاتب » قال الخليل : العتاب مخاطبة الادلال و مذاكرة الموجدة(١) « و لا لغضب غاضب » قال الجوهري : يقال « غضبت لفلان » إذا كان فلان حيّا و « بفلان » إذا كان ميتا(٢) « و لا لاستذلال قوم قوما » الاستذلال و التذليل و الاذلال بمعنى .

هذا ، و زاد ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم ) : « و لا لمسبة قوم قوما » ثم قال ( ابن ميثم ) و روي « و لا لمشية قوم قوما » و كيف كان فلا بدّ من سقوط فقرة من ( الطبعة المصرية ) بلفظ « لمسبة »(٣) أو « لمشية » .

« على ذلك شاهدهم و غائبهم » هو و معطوفاه المثناة كنايات تأكيدية عن الجميع ، و الكل بلا استثناء .

« و سفيههم و عالمهم و حليمهم و جاهلهم » هكذا في ( الطبعة المصرية ) و لكن في نسخة ( ابن أبي الحديد ) : « و حليمهم و عالمهم و جاهلهم » و في نسخة ( ابن ميثم ) « و حليمهم و جاهلهم » ، و لا يبعد أن يكون الأصل « و حليمهم و سفيههم و عالمهم و جاهلهم » كما لا يخفى .

« ثم إنّ عليهم بذلك عهد اللَّه و ميثاقه » و في نسخة ( ابن أبي الحديد ) « ميثاق اللَّه و عهده » بدل عهد اللَّه و ميثاقه .

« إنّ عهد اللَّه كان مسؤولا » الأصل(٤) فيه قوله تعالى( و كان عَهدُ

_ ___________________

( ١ ) لا وجود له في العين و قد نقله في الفيّومي : ٣٩٠ ، مادة ( عتب ) .

( ٢ ) الصحاح للجوهري ١ : ١٩٤ ، مادة ( غضب ) .

( ٣ ) في النسخة المصرية المنقحة وردت عبارة « لمسبة » : ٦٤٩ ، و انظر أيضا شرح ابن ميثم ٥ : ٢٣١ ، و شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٦٦ .

( ٤ ) لفظ « حليمهم » جاء قبل لفظ « سقيههم » في المصرية المنقحه ، انظر من ٦٥ و ما يراه المؤلف صحيحا ، جاء في عبارة النسخة المصرية ، كذلك انظر شرح ابن ميثم ٥ : ٢٣١ ، و شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٦٦ .

٤٢٨

اللَّه مسئولاً ) (١) هذا ، و في ( رسائل الصاحب ) : وصل كتاب مولانا بذكر الحلف الذي رسم مولانا عقده عند وروده البصرة بين سعد و ربيعة أخذا بسنّة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في الأوس و الخزرج حين وافي المدينة ، و الكتاب الذي أنشأه مولاي عقيلة الدهر ، فعقيلة و يتيمة الفضل ، و زبدة الأحقاب و فصل الخطاب ، أقول ذلك متحقّقا لا متجوّزا قول من أتقن شروط الاحلاف بين الأسلاف و الأخلاف ، فدرى كيف كان حلف المطيّبين و حلف الفضول و حلف الأحابيش و حلف الأحلاف(٢) « و كتب علي بن أبي طالب » قال ( ابن ميثم ) : و في رواية : « و كتب علي بن أبو طالب » و هي المشهورة عنهعليه‌السلام ، و وجهها انّه جعل هذه الكنية علما بمنزلة لفظة واحدة لا يتغيّر إعرابها(٣) قلت : بل ما قاله رواية شاذة ، كيف و التعبير عنهعليه‌السلام بعلي بن أبي طالب و خطاب المخالفين له بابن أبي طالب متواتر .

هذا ، و في ( اسد الغابة ) في ( ابيّ ) عن الواقدي : كان أول من كتب للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مقدمه المدينة أبيّ ، فإذا لم يحضر كتب زيد بن ثابت ، و كان من المواظبين على كتاب الرسائل عبد اللَّه بن أرقم الزهري ، و كان الكاتب لعهود النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا عاهد و صلحه إذا صالح علي بن أبي طالبعليه‌السلام . .(٤) ( و فيه ) في أحمر بن معاوية : كان وافد بني تميم كتب له و لأبنه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كتابا « هذا كتاب لأحمر بن معاوية و شعبل بن أحمر في رحالهم

____________________

( ١ ) الأحزاب : ١٥ .

( ٢ ) الصاحب بن عباد رسائل الصاحب : ١٠٧ ١٠٨ .

( ٣ ) شرح ابن ميثم بلفظ و كتب علي بن أبي طالب .

( ٤ ) اسد الغابة ١ : ٤٩ .

٤٢٩

و أموالهم ، فمن آذاهم فذمة اللَّه منه خلية إن كانوا صادقين و كتب علي بن أبي طالب ، و ختم الكتاب بخاتم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله (١) و في بديل والد عبد اللَّه بن بديل الخزاعي ان كتاب عهد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله له كان بخطهعليه‌السلام ، و كذلك في جميل بن ردام العذري الذي أقطعه النبي الردماء(٢) .

٢ الحكمة ( ١٥٥ ) و قالعليه‌السلام :

اِعْتَصِمُوا بِالذِّمَمِ فِي أَوْتَادِهَا أقول : قال ابن أبي الحديد : هذه كلمة قالهاعليه‌السلام بعد انقضاء أمر الجمل و حضور قوم من الطلقاء بين يديه ليبايعوه منهم مروان بن الحكم ، فقالعليه‌السلام له : و ما ذا أصنع ببيعتك ؟ ألم تبايعني بالأمس ؟ يعني بعد قتل عثمان ثم أمر بإخراجهم و رفع نفسه عن بيعة أمثالهم ، و تكلّم بكلام ذكر فيه ذمام العربية و ذمام الإسلام ، و ذكر أن من لا دين له فلا ذمام له ، ثم قال في أثناء الكلام :

فاعتصموا بالذمم في أوتادها ، أي : إذا صدرت عن ذوي الدين فمن لا دين له لا عهد له(٣) .

قلت : لم ينقل سابق كلامهعليه‌السلام و لا لاحقه حتى يتّضح مرادهعليه‌السلام ، و لعلّ المراد عدم عقد العهد مع من ليس عليه اعتماد ، لا عدم وجوب الوفاء بعهد غير المعتمدين إلاّ مع إعلامهم بحل العقد ، قال تعالى :( و إِمّا تخافنَ من قومٍ خيانَة فانبذ إليهم على سواءٍ إِنّ اللَّه لا يُحبُّ الخآئنين ) (٤) .

____________________

( ١ ) اسد الغابة ١ : ٦٧ .

( ٢ ) المصدر نفسه ١ : ٢٠٣ و هو بديل بن ورقاء و كذلك في الاستيعاب ١ : ١٥٠ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٣٧٢ .

( ٤ ) الأنفال : ٥٨ .

٤٣٠

هذا ، و قال شاعر في مدح بعضهم بوفائه بذمته و عهده خلاف بعض آخر :

أنت الوفي بما تذم و بعضهم

تودي بذمته عقاب ملاع

٣ الحكمة ( ١٥٤ ) و قالعليه‌السلام :

اَلرَّاضِي بِفِعْلِ قَوْمٍ كَالدَّاخِلِ فِيهِ مَعَهُمْ وَ عَلَى كُلِّ دَاخِلٍ فِي بَاطِلٍ إِثْمَانِ إِثْمُ اَلْعَمَلِ بِهِ وَ إِثْمُ اَلرِّضَى بِهِ « و الرّاضي بفعل قوم كالداخل فيه معهم » يشهد له قوله تعالى في ثمود :

فعقَرُوها فَدمدم علَيهم ربُهُم بِذنبِهم فَسَواها( و لا يَخافُ عُقباها ) (١) نسب العقر إلى الجميع و أهلك الجميع مع كون العاقر واحدا و هو قيدار لكون الباقين راضين بفعله .

« و على كلّ داخل في باطل إثمان : إثم العمل به و إثم الرّضى به » قالعليه‌السلام ذلك لأنّه قد يدخل الإنسان في باطل مع كرهه و بدون رضاه .

قال الطبري بعد ذكر إباء شبث بن ربعي عن رمي خيل الحسينعليه‌السلام و ما زالوا يرون من شبث الكراهة لقتال الحسينعليه‌السلام ، قال أبو زهير العبسي :

سمعت شبثا في إمارة مصعب يقول : لا يعطي اللَّه أهل هذا المصر خيرا أبدا و لا يسدّدهم لرشد ، ألا تعجبون أنّا قاتلنا مع علي بن أبي طالب و مع ابنه بعده آل أبي سفيان خمس سنين ثم عدونا على ابنه و هو خير أهل الأرض فقاتل مع آل معاوية و ابن سمية الزانية ضلال يا لك من ضلال(٢) .

____________________

( ١ ) الشمس : ١٤ ١٥ .

( ٢ ) تاريخ الامم و الملوك للطبري ٤ : ٣٣٢ .

٤٣١

٤ الحكمة ( ١٥١ ) و قالعليه‌السلام :

لِكُلِّ اِمْرِئٍ عَاقِبَةٌ حُلْوَةٌ أَوْ مُرَّةٌ أقول : « عاقبة » في كلامهعليه‌السلام أعمّ من العاقبة في قوله تعالى :( و العاقبةُ للمُتّقين في الأعراف ، فقبله إِنّ الأرض للَّه يورثها من يشاء من عباده ) (١) و في هود ، فقبله « فاصبر » و في القصص فقبله بعد ذكر خسف الأرض بقارون( تِلكَ الدَّارُ الأَخِرَةُ نَجعَلُها لِلَّذِينَ لاَ يُرِيُدُونَ عُلُوّاً فِي الأَرض وَ لاَ فَساداً ) (٢) و في قوله تعالى :( و العاقَبةُ لِلتَّقوَى ) (٣) فإنّ المراد بها العاقبة الحسنة ، كما أنّها أعمّ من عاقبة في قوله تعالى :( أَفلم يسيروا في الأَرض فينظروا كيفَ كانَ عاقِبةُ الّذين من قَبلهِم ) (٤) فالمراد العاقبة السيئة .

هذا ، و ابن ميثم قرر العنوان و كذا ابن أبي الحديد إلاّ أنّه قال : و في كثير من النسخ بدون قوله « حلوة أو مرة »(٥) .

٥ الحكمة ( ١٦٠ ) و قالعليه‌السلام :

مَنْ مَلَكَ اِسْتَأْثَرَ

____________________

( ١ ) الأعراف : ١٢٨ .

( ٢ ) القصص : ٨٣ .

( ٣ ) طه : ١٣٢ .

( ٤ ) يوسف : ١٠٩ .

( ٥ ) انظر شرح شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٣٦١ ، و شرح ابن ميثم ٥ : ٣٣٢ .

٤٣٢

و الحكمة ( ٢١٦ ) و قالعليه‌السلام :

مَنْ نَالَ اِسْتَطَالَ أقول : هما بمعنى واحد ، و الشواهد لكلامهعليه‌السلام كثيرة ، منها ما في ( الطبري ) في حوادث سنة ( ٢٢٩ ) : حبس الواثق الكتّاب و ألزمهم أموالا ، و سببه ما عن عزون الأنصاري قال : كنّا ليلة عند الواثق فقال : لست أشتهي الليلة النبيذ و لكن هلمّوا نتحدّث الليلة ، فجلس في رواقه الأوسط و كان في أحد شقي ذلك الرواق قبّة مرتفعة في السماء بيضاء كأنّها بيضه الاقدر ذراع فيما ترى العين حولها في وسطها ساج منقوش مغشّى باللاّزورد و الذهب و كانت تسمّى قبة المنطقة فتحدثنا فقال الواثق : من منكم يعلم السبب الذي به وثب جدّي الرشيد على البرامكة ؟ فقلت : أنا و اللَّه احدّثك إن الرشيد ذكرت له جارية لعون الخيّاط فأرسل إليها فاعترضها فرضي جمالها و عقلها و حسن أدبها ، فقال لعون : ما تقول في ثمنها قال : أمر ثمنها واضح مشهور حلفت بعتقها و عتق رقيقي جميعا و صدقة مالي الأيمان المغلّظة التي لا مخرج لي منها و أشهدت عليّ بذلك العدول ان لا أنقص ثمنها عن مائة ألف دينار و لا أحتال في ذلك بشي‏ء من الحيل فقال الرشيد : قد أخذتها منك بمائة ألف دينار ثم أرسل إلى يحيى البرمكي يخبره بخبر الجارية و يأمره أن يرسل إليه بمائة ألف دينار فقال يحيى : هذا مفتاح سوء فأرسل يخبره أنّه لا يقدر على ذلك ، فغضب عليه الرشيد و قال : ليس في بيت مالي مائة ألف دينار ، فأعاد عليه لا بدّ منها فقال يحيى : إجعلوها دراهم ليراها فيستكثرها فلعلّه يردّها ، فأرسل بها دراهم و قال هذه قيمة مائة ألف دينار ، و أمر أن يوضع في رواقه الذي يمرّ فيه إذا أراد التوضؤ لصلاة الظهر ، فخرج في ذلك الوقت فإذا جبل من بدر فقال : ما

٤٣٣

هذا ؟ قالوا : ثمن الجارية لم تحضر دنانير أرسل قيمتها دراهم ، فاستكثر ذلك و دعا خادما له فقال : اضمم هذه إليك و اجعل لي بيت مال لأضمّ إليه ما أريده و سمّاه بيت مال العروس و أمر بردّ الجارية إلى عون ، و أخذ في التفتيش عن المال فوجد البرامكة قد استملكوه ، فأقبل يهمّ بهم و يمسك ، فكان يرسل إلى قوم فيسامرهم و يتعشّى معهم فكان فيهم إنسان يعرف بأبي العود ، فحضر ليلة فيهم فأعجبه حديثه فأمر خادما له أن يأتي يحيى إذا أصبح يأمره أن يعطيه ثلاثين ألف درهم ففعل فقال يحيى لأبي العود : أفعل و ليس بحضرتنا اليوم مال ، يجي‏ء المال و نعطيك ، ثم دافعه حتى طال به الأيام فأقبل أبو العود يحتال أن يجد من الرشيد وقتا يحرّضه على البرامكة و قد كان شاع في الناس ما كان يهمّ به الرشيد في أمرهم فدخل عليه ليلة فتحدّثوا فلم يزل أبو العود يحتال للحديث حتى وصله بقول عمر بن أبي ربيعة :

وعدت هند و ما كانت تعد

ليت هندا أنجزتنا ما تعد

و استبدّت مرّة واحدة

إنّما العاجز من لا يستبد(١)

فقال الرشيد : أجل و اللَّه إنّما العاجز من لا يستبد حتى انقضى المجلس و كان يحيى قد اتخذ من خدم الرشيد خادما يأتيه بأخباره و أصبح يحيى غاديا ، فلما رآه قال : أردت البارحة أن أرسل إليك بشعر أنشدنيه بعض من كان عندي ثم كرهت أن أزعجك ، فأنشده البيتين و فطن لمّا أراد ، فلما انصرف أرسل إلى ذلك الخادم فسأله عمّن أنشد ذلك الشعر فقال أنشده أبو العود ، فدعا يحيى بأبي العود فقال له : إنّا كنّا قد لويناك بمالك و قد جاءنا مال ، ثم قال

____________________

( ١ ) في ديوان عمر بن أبي ربيعة بلفظ آخر :

ليت هندا أنجزتنا ما تعد

وشفت أنفسنا ممّا تجد

ديوان عمر بن أبي ربيعة : ٣٢٠ .

٤٣٤

لبعض خدمه إذهب فأعطه ثلاثين ألف دينار من بيت مال الخليفة و أعطه من عندي عشرين ألف درهم لمطلنا إيّاه و إذهب به إلى الفضل و جعفر و قل لهما هذا رجل مستحق ان يبر و قد كان الخليفة أمر له بمال فأطلت مطله ثم حضر المال فأمرت أن يعطى و وصلته من عندي صلة و قد أحببت أن تصلاه ، فسألاه : وصله بكم ؟ قال بعشرين ألف ، فوصله كلّ واحد منهما بعشرين ألف درهم ، فانصرف بذلك المال كلّه إلى منزله ، و جدّ الرشيد في أمرهم حتى وثب عليهم و قتل جعفرا و صنع ما صنع .

فقال الواثق صدق جدّي و اللَّه ، إنّما العاجز من لا يستبد و أخذ في ذكر الخيانة و ما يستحقه أهلها فقلت أحسبه سيوقع بكتّابه ، فما مضى اسبوع حتى أوقع بهم و أخذ إبراهيم بن رباح و سليمان بن وهب و أبا الوزير و أحمد بن الخصيب و جماعتهم ، و دفع أحمد بن إسرائيل إلى صاحب الحرس و أمر بضربه كلّ يوم عشرة أسواط ، فضربه فيما قيل نحوا من ألف سوط ، فأدى ثمانين ألف دينار ، و أخذ من سليمان بن وهب اربعمائة ألف دينار و من الحسن بن وهب أربعة عشر ألف دينار و من أحمد بن الخصيب و كتّابه ألف ألف دينار و من إبراهيم بن رباح و كتّابه مائة ألف دينار و من نجاح ستين ألف دينار و من أبي الوزير مائة و أربعين ألف دينار ، و ذلك سوى ما أخذ من العمّال بسبب عمالتهم(١) .

٦ الحكمة ( ١٦١ ) و قالعليه‌السلام :

مَنِ اِسْتَبَدَّ بِرَأْيِهِ هَلَكَ وَ مَنْ شَاوَرَ اَلرِّجَالَ شَارَكَهَا فِي عُقُولِهَا

____________________

( ١ ) تاريخ الامم و الملوك للطبري ٧ : ٣١٩ .

٤٣٥

« من استبد برأيه هلك » في ( كامل الجزري ) غزا سيف الدولة سنة ( ٣٤٩ ) بلاد الروم في جمع كثير ، فأثّر فيها آثارا كثيرة و أحرق و فتح عدّة حصون و أخذ من السبي و الغنائم و الاسارى شيئا كثيرا ، و بلغ إلى خرشنه .

ثم إنّ الروم أخذوا عليه المضايق ، فلمّا أراد الرجوع قال له من معه من أهل طرسوس : إنّ الروم قد خلّفوا الدرب خلف ظهرك فلا تقدر على العود منه و الرأي أن ترجع معنا ، فلم يقبل منهم و كان معجبا برأيه يحب أن يستبد و لا يشاور أحدا لئلاّ يقال : إنّه أصاب برأي غيره و عاد في الدرب الذي دخل منه ، فظهر الروم عليه و استردّوا ما كان معه من الغنائم و أخذوا أثقاله و وضعوا السيف في أصحابه فأتوا عليهم قتلا و أسرا ، و تخلّص هو في ثلاثمائة رجل بعد جهد و مشقة ، و هذا من سوء رأي كلّ من يجهل آراء الناس العقلاء(١) .

« و من شاور الرجال شاركها في عقولها » في ( الأغاني ) قال بشار في قصيدته التي مدح أولا بها إبراهيم بن عبد اللَّه بن الحسن و هجا منصورا ، ثم لمّا قتل إبراهيم بدّل في الأبيات من أبي جعفر أبا مسلم و حذف الأبيات التي لا تنطبق إلاّ على إبراهيم فجعلها في مدح المنصور و هجو أبي مسلم :

إذا بلغ الرأي المشورة(٢) فاستعن

برأي(٣) نصيح أو نصيحة حازم

و لا تجعل الشّورى عليك غضاضة

فإنّ(٤) الخوافي قوة للقوادم

و ما خير كيف أمسك الغل أختها

و ما خير سيف لم يؤيّد بقائم(٥)

و روى عن الأصمعي قال : قلت لبشّار : إنّ الناس يعجبون من أبياتك في

____________________

( ١ ) الكامل في التاريخ لابن الأثير ٨ : ٥٣١ ٥٣٢ .

( ٢ ) نسخة التحقيق « النصيحة » بدل من « المشورة » .

( ٣ ) نسخة التحقيق « بعزم » بدلا من « برأي » .

( ٤ ) نسخة التحقيق « مكان » بدلا من « فان » .

( ٥ ) الأغاني للأصفهاني ٣ : ٢١٤ ، و ذكره ابن قتيبة في عيون الأخبار ١ : ٣٣ .

٤٣٦

المشورة ، فقال : إنّ المشاور بين صواب يفوز بثمرته أو خطأ يشارك في مكروهه فقلت : أنت و اللَّه في قولك هذا أشعر منك في شعرك(١) .

و في ( العيون ) : قال أعرابيّ : ما غبنت حتى يغبن قومي قيل : و كيف ؟

قال : لا أفعل شيئا حتى اشاورهم(٢) .

و قيل لرجل من بني عبس : ما أكثر صوابكم ؟ فقال : نحن ألف رجل و فينا حازم واحد نطيعه فكأنّا ألف حازم(٣) .

هذا ، و في ( المروج ) قال عيسى بن علي : ما زال المنصور يشاوره في جميع أموره حتى امتدحه ابن هرمة بقوله :

إذا ما أراد الأمر ناجى ضميره

فناجى ضميرا غير مختلف العقل

و لم يشرك الأدنين في سر أمره

إذا انتقضت بالأصبعين قوى الحبل

قلت : ابن هرمة خلط بين السر الذي يستر و المشورة التي تظهر تملقا و قبله المنصور عجبا .

هذا ، و في ( مشاورة العيون ) قال معاوية : لقد كنت ألقى الرجل من العرب أعلم أنّ في قلبه عليّ ضغنا فأستشيره فيثير(٤) إليّ بقدر ما يجده في نفسه ، فلا يزال يوسعني شتما و أوسعه حلما حتى يرجع صديقا أستعين به فيعينني و أستنجده فينجدني(٥) .

قلت : و هو خبط من ابن قتيبة في نقل الخبر في المشورة ، و وجه خبطه

____________________

( ١ ) مرّ ذكره في الصفحة ٤١ .

( ٢ ) مرّ ذكره في الصفحة ٤١ .

( ٣ ) العيون ١ : ٣٢ .

( ٤ ) في نسخة اخرى « فيثور » بدلا من « فيثير » .

( ٥ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ١ : ٣٠ .

٤٣٧

أنّه حرّف قوله في الخبر « فأستثيره » بالثاء بقوله « فأستشيره » بالشين ، يوضح تحريفه أن في الخبر بعد « فيثير إليّ بقدر ما يجده في نفسه » و حينئذ فالخبر شاهد للرفق بالعدو حتى يصير صديقا و ليس من المشورة في شي‏ء(١) .

٧ الحكمة ( ١٧٣ ) و قالعليه‌السلام :

مَنِ اِسْتَقْبَلَ وُجُوهَ اَلْآرَاءِ عَرَفَ مَوَاقِعَ اَلْخَطَإِ أقول : رواه ( روضة الكافي ) مسندا عن أبي جعفرعليه‌السلام جزء خطبة الوسيلة التي خطبعليه‌السلام بها بعد سبعة أيام من وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حين فرغ من جمع القرآن ، و بعده : و من أمسك عن الفضول عدلت رأيه العقول ، و من حصن شهوته فقد صان قدره ، و من أمسك لسانه أمنه قومه و نال حاجته .(٢) .

في ( عيون القتيبي ) : كتب أبرويز إلى ابنه شيرويه و هو في حبسه : عليك بالمشاورة فإنّك واجد في الرجال من ينضج(٣) لك الكيّ و يحسم عنك الداء و يخرج لك المستكنّ و لا يدع لك في عدوّك فرصة إلاّ انتهزها و لا لعدوك فيك فرصة إلاّ حصّنها ، و لا يمنعك شدّة رأيك في ظنّك و لا علوّ مكانك في نفسك من

____________________

( ١ ) في فحوى النصّ الّذي أورده ابن قتيبة يفهم منه ان كلمة « فاستشيره » صحيحة و في مكانها و لربّما خلط على العلاّمة هذا اللفظ و لفظ « فيثيره » فاعتقد ان تحريفا وقع في الكلام بينما مقصود معاوية واضح من هذا النصّ و هو إن الاستشارة في الطريق إلى الصداقة فكلّما يواجهه الرجل بالإثارة فهو يستشيره فيخف عداؤه و هذه هي أهم فائدة من فوائد الاستشارة و قد ذكر العلماء استشارة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله انها لتطييب خواطر الأصحاب .

( ٢ ) الروضة من الكافي للكليني : ١٨ ح ٤ .

( ٣ ) في الأصل ينصح لك .

٤٣٨

أن تجمع إلى رأيك رأي غيرك ، فإن أحمدت اجتنيت و إن ذممت نقيّت(١) ، فإنّ في ذلك خصالا منها أنّه إن وافق رأيك ازداد رأيك شدّة عنك و إن خالف رأيك عرضته على نظرك ، فإن رأيته معتليا لمّا رأيت قبلت و ان رأيته متضعا عنه استغنيت ، و منها أن يجدد لك النصيحة ممّن شاورت و إن اخطأ و يمحض لك مودته و إن قصر(٢) .

٨ الحكمة ( ١٦٢ ) و قالعليه‌السلام :

مَنْ كَتَمَ سِرَّهُ كَانَتِ اَلْخِيَرَةُ بِيَدِهِ أقول : رواه ( الروضة )(٣) عنهعليه‌السلام ، و في ( عيون ابن قتيبة ) كان علي بن أبي طالبعليه‌السلام يتمثل بهذين البيتين :

فلا تفش سرّك إلاّ إليك

فإنّ لكلّ نصيح نصيحا

ألم تر أنّ غواة الرجال

لا يتركون أديما صحيحا(٤)

( و فيه ) أيضا : كانت الحكماء تقول « سرّك من دمك »(٥) .

و قيل لأعرابي : كيف كتمانك للسر ؟ قال : قلبي له قبر(٦) ، و قال :

و لو قدرت على نسيان ما اشتملت

منّي الضلوع من السرر

____________________

( ١ ) المناسب كما قيل : أذممت .

( ٢ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ١ : ٣٠ .

( ٣ ) الروضة من الكافي للكليني : ١٥٢ ح ١٣٧ .

( ٤ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ١ : ٣٩ ، و في نسخة المحقق مطلع البيت الأول « و لا تفش » و مطلع البيت الثاني « فاني رأيت » و ذكر البيتين المبرد في الكامل ٢ : ٦٩٨ و كذا النوري في نهاية الأرب ٨ : ٨٢ .

( ٥ ) العقد الفريد لابن عبد ربّه ١ : ٨٣ .

( ٦ ) المصدر نفسه ١ : ٨٣ .

٤٣٩

لكنت أول من تنسى سرائره

إذ كنت من نشرها يوما على خطر(١)

أيضا :

إذا أنت لم تحفظ لنفسك سرّها

فسرّك عند الناس أفشى و أضيع(٢)

أيضا :

إذا ما ضاق صدرك عن حديث

فأفشته الرجال فمن تلوم

إذا عاتبت من أفشى حديثي

و سري عنده فانا الظلوم

و إنّي حين أسأم حمل سرّي

و قد ضمّنته صدري سؤوم(٣)

و عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : استعينوا على الحوائج بالكتمان ، فإنّ كلّ ذي نعمة محسود(٤) .

٩ الحكمة ( ١٧٥ ) و قالعليه‌السلام :

إِذَا هِبْتَ أَمْراً فَقَعْ فِيهِ فَإِنَّ شِدَّةَ تَوَقِّيهِ أَعْظَمُ مِمَّا تَخَافُ مِنْهُ أقول : « هبت » من الهيبة بمعنى المخافة ، و « قع » أمر من الوقوع و التوقّي الاتّقاء .

قال ابن أبي الحديد ما أحسن ما قال المتنبي في المعنى :

و إذا لم يكن من الموت بدّ

فمن العجز أن تكون جبانا

كل ما لم يكن من الصّعب في الأ

نفس سهل فيها إذا هو كانا(٥)

____________________

( ١ ) أدب الدنيا و الدين للماوردي : ٢٩٧ .

( ٢ ) المحاسن و المساوى‏ء للبيهقي ٢ : ٥٨ ، و كذا الفاضل للمبرّد : ١٠١ .

( ٣ ) ابن قتيبة ، عيون الأخبار ١ : ٣٥ .

( ٤ ) تحف العقول للحراني : ٣٤ ، و كذلك الماوردي في أدب الدنيا و الدين : ٢٩٥ .

( ٥ ) ديوان المتنبي ٢ : ٤٧٣ ، و ذكره ابن أبي الحديد في ١٨ : ٤٠٦ .

٤٤٠