بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٤

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة0%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 639

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

مؤلف: الشيخ محمد تقي التّستري
تصنيف:

الصفحات: 639
المشاهدات: 223477
تحميل: 7055


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 639 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 223477 / تحميل: 7055
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 14

مؤلف:
العربية

و قال آخر :

لعمرك ما المكروه إلاّ ارتقابه

و أعظم ممّا حلّ ما يتوقع(١)

أيضا :

صعوبة الرزء تلقى في توقعه

مستقبلا و انقضاء الرزء أن يقعا(٢)

و كان يقال « توسط الخوف تأمن »(٣) .

و من الأمثال العامية : أم المقتول تنام و ام المهدّد لا تنام(٤) .

و كان يقال : كلّ أمر من خير أو شر فسماعه أعظم من عيانه(٥) .

١٠ الحكمة ( ١٧٦ ) و قالعليه‌السلام :

آلَةُ اَلرِّيَاسَةِ سَعَةُ اَلصَّدْرِ أقول : في ( الاستيعاب ) قال معاوية لخير بن أوس الطائي : من سيّدكم اليوم ؟ قال : من أعطى سائلنا ، و أغضى عن جاهلنا ، و اغتفر زلتنا(٦) .

و قيل للأحنف بن قيس : ممّن تعلمت الحلم ؟ قال : من قيس بن عاصم المنقري ، رأيته يوما قاعدا بفناء داره محتبيا بحمائل سيفه يحدث قومه ، إذ اتى برجل مكتوف و آخر مقتول فقيل له : هذا ابن أخيك قد قتل ابنك فو اللَّه ما حلّ حبوته و لا قطع كلامه ، فلمّا أتمّه التفت إلى ابن أخيه فقال : يا ابن أخي بئس ما

____________________

( ١ ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١٨ : ٤٠٦ .

( ٢ ) المصدر نفسه .

( ٣ ) المصدر نفسه .

( ٤ ) المصدر نفسه .

( ٥ ) المصدر نفسه .

( ٦ ) لم يأت في الاستيعاب على ترجمة خير بن أوس الطائي و لم يذكر في ترجمة معاوية .

٤٤١

فعلت ، أثمت بربّك و قطعت رحمك و قتلت ابن عمك و رميت نفسك بسهمك ، ثم قال لابن له آخر : قم يا بنيّ فوار أخاك و حلّ كتاف ابن عمك و سق إلى امك مائة ناقة دية ابنها فإنّها غريبة .

و قال الحسن أي البصري لمّا حضرت قيس بن عاصم الوفاة دعا بنيه فقال : يا بنيّ احفظوا عنّي فلا أجد أنصح لكم مني ، إذا مت فسوّدوا كباركم و لا تسوّدوا صغاركم فيسفه الناس كباركم و تهونون عليهم ، و عليكم بإصلاح المال فإنّه منبهة للكريم و يستغنى به عن اللئيم ، و إيّاكم و مسألة الناس فإنّه أخزى كسب الرجل .

و قدم في وفد بني تميم على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلما رأه قال : هذا سيد أهل الوبر(١) .

و في ( كتب العامة ) : قيل سأل عليّعليه‌السلام يوما الحسنعليه‌السلام : يا بنيّ ما السداد ؟ فقال : دفع المنكر بالمعروف قال : فما الشرف ؟ قال : إصطناع العشيرة و الاحتمال للجريرة قال : فما السّماح ؟ قال : البذل في العسر و اليسر قال : فما اللّؤم ؟ قال : إحراز المرء ماله و بذل عرضه قال : فما الجبن ؟ قال : الجرأة على الصديق و النكول عن العدو قال : فما الغنى ؟ قال : رضى النفس بما قسم اللَّه لها و إن قلّ قال : فما الحلم ؟ قال : كظم الغيظ و ملك النفس قال : فما النعمة ؟ قال :

شدّة البأس و منازعة أعزّ الناس قال : فما الذلّ ؟ قال : الفزع عند الصدمة قال :

فما الكلفة ؟ قال : كلامك في ما لا يعنيك قال : فما المجد ؟ قال : أن تعطي في الغرم و تعفو في الجرم قال : فما السّفه ؟ قال : اتّباع الدّناءة و محبة الغواية قال :

فما الغفلة ؟ قال : ترك المسجد و طاعة المفسد قال : فما السّؤدد ؟ قال : إتيان

____________________

( ١ ) مرّ ذكره في الفصل التاسع و الخمسين ( في إبليس ) : ١٧٧ ١٧٨ من هذا الكتاب نقلا عن الاستيعاب في معرفة الأصحاب ٣ : ١٢٩٥ ، في ترجمة قيس بن عاصم رقم الترجمة ( ١٢٤٠ ) .

٤٤٢

الجميل و ترك القبيح(١) .

و في ( أخلاق الوزيرين ) قال أبو الأسود : لن تسود حتى تصبر على سرار الشيوخ البخر ، و قال الشاعر :

لا تحسب المجد تمرا أنت آكله

لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرا(٢)

و قيل لعدي بن حاتم : من السيّد ؟ قال : الأحمق في ماله ، الذّليل في عرضه المطرح لحقده المعنيّ بأمر جماعته ، فليس يسود المرء إلاّ بعد أن يسهر من أول ليله إلى آخره فكرا في قضاء الحقوق و كفّ السفاه(٣) و ازدراع المحبّة في القلوب و بعث الألسنة على الشكر(٤) .

١١ الحكمة ( ٢١٧ ) و قالعليه‌السلام :

فِي تَقَلُّبِ اَلْأَحْوَالِ عِلْمُ جَوَاهِرِ اَلرِّجَالِ أقول : هو جزء خطبة الوسيلة رواه ( الروضة ) و بعده : و الأيام توضح لك السرائر الكامنة ، و ليس في البرق الخاطف مستمتع لمن يخوض في الظلمة ، و من عرف بالحكمة لحظته العيون بالوقار و الهيبة(٥) .

و قريب منه كلامهعليه‌السلام الآخر المذكور في الحكمة « ٤٤١ » من الباب « الولايات مضامير الرجال » ، و المراد منه أنّ في بعض الناس غرائز كامنة لا تظهر إلاّ بالحوادث المتجدّدة و الأحوال المختلفة ، لا ما قال ابن أبي الحديد : أنّه

____________________

( ١ ) حلية الأولياء لأبي نعيم الأصفهاني ٢ : ٣٦ .

( ٢ ) أخلاق الوزيرين للتوحيدي : ٩٢ .

( ٣ ) السفاه : السفه و الجهل .

( ٤ ) أخلاق الوزيرين للتوحيدي : ٩٢ .

( ٥ ) روضة الكافي : ٢٣ ح ٤ .

٤٤٣

لا تعلم أخلاق الناس إلاّ بالتجربة ثم ذكر أبياتا :

لا تحمدنّ امرأ حتى تجرّبه

و لا تذمنّه إلاّ بتجريب

و قديما قيل :

ترى الفتيان كالنخل

و ما يدريك ما الدخل

و قال الشاعر يمدح :

ما زال يحلب هذا الدهر أشطره

يكون متّبعا طورا و متّبعا

حتى استمرت على شزر مريرته

مستحكم الرأي لا قحما و لا ضرعا(١)

فإنّه كما ترى لا ربط بكلامهعليه‌السلام و بعيد عن مرامه .

و إنّما يناسب كلامهعليه‌السلام قول أمير العرب قرواش الحجازي :

للَّه در النائبات فإنّها

صدأ اللئام و صيقل الأحرار

ما كنت إلاّ زبرة فطبعنني

سيفا و أطلق صرفهن غراري(٢)

و في ( الأغاني ) : دخل عامر بن مالك بن جعفر بن كلاب ملاعب الأسنة و إخوته طفيل و معاوية و عبيدة و معهم لبيد و هو غلام على النعمان بن المنذر ، فوجدوا عنده الربيع بن زياد العبسي و كان إذا خلا بالنعمان طعن فيهم فصدّه عنهم فدخلوا عليه يوما فرأوا منه جفاء و كان يكرمهم قبل ذلك ، فخرجوا من عنده غضابا و لبيد في رحالهم يحفظ أمتعتهم و يغدو بإبلهم كلّ صباح فيرعاها فإذا أمسى انصرف بإبلهم ، فأتاهم ذات ليلة فألفاهم يتذاكرون أمر الربيع و ما يلقون منه ، فسألهم فكتموه فقال لهم : و اللَّه لا أحفظ لكم متاعا و لا أرعى لكم بعيرا أو تخبروني و كانت ام لبيد يتيمة من عبس في حجر الربيع فقالوا : خالك غلبنا على الملك و صدّ عنا وجهه فقال لهم : هل تقدرون

____________________

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١٩ : ٣٨ ، في شرح الحكمة ( ٢١٣ ) .

( ٢ ) وفيات الأعيان لابن خلّكان ٥ : ٢٦٤ .

٤٤٤

أن تجمعوا بيني و بينه فأزجره عنكم بقول ممضّ لا يلتفت النعمان إليه أبدا .

قالوا : و هل عندك من ذلك شي‏ء ؟ قال : نعم قالوا : فإنّا نبلوك بشتم هذه البقلة لبقلة قدامهم دقيقة القضبان قليلة الورق لا صقة فروعها بالأرض تدعى التربة فقال : هذه التربة التي لا تذكي نارا و لا تؤهل دارا و لا تسرّ جارا ، عودها ضئيل و فرعها كليل و خيرها قليل ، بلدها شاسع و نبتها خاشع و آكلها جائع و المقيم عليها ضائع ، أقصر البقول فرعا و أخبثها مرعى و أشدها قلعا ، فتعسا لها و جدعا ، القوابي أخا بني عبس ارجعه عنكم بتعس و نكس و أتركه من أمره في لبس .

فقالوا : نصبح و نرى فيك رأينا فقال لهم عامر : ارعوا غلامكم فإن رأيتموه نائما فليس أمره بشي‏ء و إنّما يتكلّم بما جاء على لسانه ، و إذا رأيتموه ساهرا فهو صاحبكم ، فرمقوه بأبصارهم فوجدوه قد ركب رحلا و هو يكدم بأوسطه حتى أصبح ، فقالوا له : أنت و اللَّه صاحبنا فحلقوا رأسه و تركوا له ذؤابتين و ألبسوه حلّة ثم غدوا به معهم على النعمان فوجدوه يتغدّى مع الربيع ، و الدّار مملوة من الوفود ، فلما فرغ من الغداء أذن لهم فدخلوا عليه و ذكروا له حاجتهم فاعترض الربيع في كلامهم فقام لبيد يرتجز و يقول :

يا ربّ هيجا هي خير من دعه

أكلّ يوم هامتي مقزّعه

نحن بنو امّ البنين الأربعة

و من خيار عامر بن صعصعه

المطعمون الجفنة المذعذعه

و الضاربون الهام تحت الخيضعه

يا واهب الخير الكثير من سعه

إليك جاوزنا بلادا مسبعه

مخبرا(١) عن هذا خبيرا(٢) فاسمعه

مهلا أبيت اللّعن لا تأكلّ معه

____________________

( ١ ) نسخة التحقيق يخبر ، بدلا من خبرا .

( ٢ ) نسخة التحقيق خبير ، بدلا من خبيرا .

٤٤٥

إنّ استه من برص ملمّعه

و إنه يدخل فيها إصبعه

يدخلها حتى يواري أشجعه

كأنّما يطلب شيئا أطمعه

فالتفت النعمان إلى الربيع شزرا يرمقه فقال : أكذا أنت ؟ قال : لا و اللَّه لقد كذب عليّ فقال النعمان : افّ لهذا الغلام لقد خبث عليّ طعامي ، فأمر النعمان الربيع بالانصراف إلى أهله ، فقال الربيع : إني قد تخوّفت أن يكون قد وقر في صدرك ما قاله لبيد ، و لست برائم حتى تبعث من يجردني فيعلم من حضرك من الناس أنّي لست كما قال ، فأرسل إليه : إنّك لست صانعا بانتفائك ممّا قال لبيد شيئا و لا قادرا على ما زلّت به الألسن فالحق بأهلك(١) .

١٢ الحكمة ( ٢١٣ ) و قالعليه‌السلام :

أَغْضِ عَلَى اَلْقَذَى وَ اَلْأَلَمِ تَرْضَ أَبَداً أقول : قال الجوهري : الإغضاء إدناء الجفون ، و القذى ما يسقط في الشراب و في العين(٢) ، و قال بشار :

إذا كنت في كلّ الأمور معاتبا

صديقك لم تلق الذي لا تعاتبه

فعش واحدا أو صل أخاك فإنّه

مقارف ذنب مرة و مجانبه

إذا أنت لم تشرب مرارا على القذى

ظمئت و أي الناس تصفوا مشاربه(٣)

و في ( الأغاني ) قال محمد بن الحجّاج : قلت لبشار : إنّي أنشد قولك :

إذا أنت لم تشرب مرارا على القذى

ضمئت و أيّ النسا تصفو مشاربه

____________________

( ١ ) الأغاني للأصفهاني ١٧ : ١٨٣ ١٨٦ .

( ٢ ) الصحاح للجوهري ٦ : ٢٤٦٠ مادة ( قذى ) .

( ٣ ) ديوان بشار بن برد ١ : ٣٠٩ .

٤٤٦

لفلان ، فقال ما أظنه إلاّ لرجل كبير ، فقال بشّار : ويلك أفلا قلت له : هو لأكبر الجن و الانس(١) .

و قال ابن أبي الحديد : قال شاعر :

و من لم يغمّض عينه عن صديقه

و عن بعض ما فيه يمت و هو عاتب

و من يتتبّع جاهدا كلّ عثرة

يجدها و لا يسلم له الدهر صاحب(٢)

١٣ الحكمة ( ١٩٦ ) و قالعليه‌السلام :

لَمْ يَذْهَبْ مِنْ مَالِكَ مَا وَعَظَكَ أقول : و في وصيتهعليه‌السلام إلى ابنه : « و خير ما جرّبت ما وعظك »(٣) و قال ابن جبلة :

و أرى الليالي ما طوت من قوّتي

ردّته في عظتي و في إفهامي(٤)

هذا ، و في ( العيون ) دخل رجل على زياد فقال له : إنّ أبينا قد هلك ، و إنّ أخينا غصبنا ميراثنا من أبانا فقال له زياد : ما ضيّعت من نفسك أكثر ممّا ضاع من مالك(٥) .

____________________

( ١ ) الأغاني للأصفهاني ٣ : ١٥٤ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١٩ : ٣٤ .

( ٣ ) من وصيته لولده الحسن برقم ٣١ .

( ٤ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ٣ : ٨٩ .

( ٥ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ٢ : ١٥٨ ، و ذكره الجاحظ في البيان و التبيين ٢ : ١١٥ بلفظ : « الذي أضعت من لسانك أضرّ عليك ممّا أضعت من مالك » .

٤٤٧

١٤ الحكمة ( ٢١٤ ) و قالعليه‌السلام :

مَنْ لاَنَ عُودُهُ كَثُفَتْ أَغْصَانُهُ أقول : هو نظير قولهعليه‌السلام المذكور في ( ١٢٢ ) « و من تلن حاشيته يستدم من قومه المودة » .

و قال ابن أبي الحديد : يكاد أن يكون كلامهعليه‌السلام إيماء إلى قوله تعالى :

و البَلَدُ الطيّبُ يَخرُج نَباتُه بإذن ربِّه(١) .

قلت : الآية من حيث استعداد التراب و جنسه ، و كلامهعليه‌السلام من حيث طبيعة الشجرة و جنسها .

١٥ الحكمة ( ٢٢٠ ) و قالعليه‌السلام :

لَيْسَ مِنَ اَلْعَدْلِ اَلْقَضَاءُ عَلَى اَلثِّقَةِ بِالظَّنِّ أقول : قال ابن أبي الحديد : الثقة هنا مرادف العلم ، فكأنّه قالعليه‌السلام لا يجوز أن يزال ما علم بطريق قطعية لأمر ظنّيّ(٢) .

و قال ابن ميثم : المعنى من كان عندك ثقة معروفا بالأمانة فحكمك عليه بالخيانة عن ظن خروج عن العدل(٣) .

قلت : هما جعلا قوله : « بالظن » متعلقا بقوله : « القضاء » بتقديم و تأخير في

____________________

( ١ ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١٩ : ٣٥ و الآية ٥٨ من سورة الأعراف .

( ٢ ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١٩ : ٤٢ .

( ٣ ) شرح ابن ميثم ، شرح نهج البلاغة ٥ : ٣٥٤ .

٤٤٨

الكلام ، و الأصل « القضاء بالظن على الثقة » .

و يمكن أن يكون الكلام على أصله ، بأن يكون « بالظن » متعلقا بقوله « على الثقة » فيصير المعنى قضاؤك على وثوقك بظنّك كما هو شأن كثير من الناس ليس من العدل و الحق ، و قد قال تعالى :( و ما يتّبعُ أَكثرهم إِلاّ ظنّاً إِنّ الظنّ لا يُغني من الحقِ شيئاً إِن اللَّه عليم بما يفعلُون ) (١) ( إِن الَّذينَ لا يؤمنون بالأَخرة ليسمُّون الملائكة تسميةَ الاُنثى و ما لهم به من علمٍ إِن يتبعُون إِلاّ الظنَّ و إِنّ الظنَّ لا يُغني من الحق شيئاً ) (٢) .

هذا و قال البحتري :

و ما هو غير خوض الشك ترمي

إليه حيث لا تجد اليقينا(٣)

١٦ الحكمة ( ٢٦٣ ) و قالعليه‌السلام :

صَاحِبُ اَلسُّلْطَانِ كَرَاكِبِ اَلْأَسَدِ يُغْبَطُ بِمَوْقِعِهِ وَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَوْضِعِهِ أقول : أخذه ابن المقفع مع تصرّف في لفظه فقال : مثل صاحب السلطان مثل راكب الأسد يهابه الناس و هو لمركبه أهيب(٤) .

و من ( فصول ابن المعتز ) : أشقى الناس بالسلطان صاحبه ، كما أنّ

____________________

( ١ ) يونس : ٣٦ .

( ٢ ) النجم : ٢٧ ٢٨ .

( ٣ ) ديوان البحتري ٢ : ١٠٦ .

( ٤ ) لفظ ابن المقفع كما جاء في الأدب الصغير و الكبير أما النصّ الذي أورده العلاّمة التستري فهو الذي أورده ابن قتيبة في عيون الأخبار ١ : ٢٠ و قد نقله العلاّمة دون ان يشير إلى الواسطة : « و إنّما أنت في ذلك كراكب الأسد الذي يهابه من نظر إليه ، و هو لمركبه أهيب » .

٤٤٩

أقرب الأشياء إلى النّار أشدّ احتراقا(١) .

و قال بعض الحكماء : إيّاك و السلطان فإنّه يغضب غضب الصبيّ و يأخذ أخذ السبع .

أيضا : خاطر من ولج البحر ، و أشدّ مخاطرة منه خادم السلطان(٢) .

أيضا : إن الملوك إذا خدمتهم ملّوك و إن لم تخدمهم أذلّوك ، و إنّهم يستعظمون في الثواب رد الجواب ، و يستقلون في العقاب ضرب الرقاب ، و إنهم ليعثرون على العثرة من خدمهم فيبنون لهم منارا ثم يوقدون نارا و يعتقدونها ثارا .

أيضا : كن مكانك من الملوك مكانك من الشمس ، إنّها لتؤذيك و السماء لها مدار و الأرض لك دار ، فكيف لو أسفت لك قليلا و تدانت يسيرا ، و إنّ العاقل ليطلب منها مزيد بعد فيتخذ سربا لواذا منها و هربا ، و يبتغي في الأرض نفقا فرارا منها و فرقا(٣) .

و في ( البيان ) : كان ابن عمّار الطائي خطيب مذحج كلّها ، فبلغ النعمان بن المنذر حسن حديثه فحمله على منادمته و كان النعمان أحمر العينين أحمر الجلد أحمر الشعر ، و كان شديد العربدة قتّالا للندماء فنهاه أبو قردودة الطائي عن منادمته فلم يسمع منه ، فصار نديما للنعمان فقتله فقال أبو قردودة :

إنّي نهيت ابن عمّار و قلت له

لا تأمنن أحمر العينين و الشعره

إنّ الملوك متى تنزل بساحتهم

تطر بنارك من نيرانهم شرره

____________________

( ١ ) لم نعثر على النصّ في كتاب فصول التماثيل لابن المعتز ، و قد وقع ذلك سهوا من العلاّمة أو ممّن نقل عنه فالنصّ موجود في رسائل ابن المتز : ٦٧ .

( ٢ ) ذكر النويري في نهاية الارب ٦ : ١٥٠ .

( ٣ ) نهاية الأرب ٦ : ١٥٠ .

٤٥٠

يا جفنة كأزاء الحوض قد هدموا

و منطقا مثل و شي‏ء اليمنة الحبره(١)

و في ( الأغاني ) : كان علوية يغنّي بين يدي الأمين ، فغنّى في بعض غنائه :

ليت هندا أنجزتنا ما تعد

و شفت أنفسنا ممّا تجد(٢)

و كان الفضل بن الربيع يطعن عليه فقال للأمين إنّما يعرّض بك و يستبطى‏ء المأمون في محاربته ، فأمر به فضرب خمسين سوطا و جرّ برجله و جفاه مدّة حتى ألقى نفسه على كوثر فترضّاه له و ردّه إلى خدمته ، فلمّا قدم المأمون تقرّب علوية إليه بذلك فلم يقع له بحيث يحب و قال له المأمون : إن الملك بمنزلة الأسد أو النار فلا تتعرّض لمّا يغضبه فإنّه ربما جرى منه ما يتلفك ثم لا تقدر بعد على تلافي ما فرط منك و لم يعطه شيئا(٣) .

قلت : لم يقع له من المأمون ، لأنّ إنشاد البيت في مجلس الأمين لا يناسب ما قاله الفضل عنادا و قبله الأمين سفها و حمقا .

و من حمقه الذي نظير ذلك ما عن إسحاق بن إبراهيم الموصلي قال :

دخلت على الأمين فرأيته مغضبا ، فقلت له : ما للخليفة تم اللَّه سروره ؟ قال :

غاظني أبوك الساعة لا رحمه اللَّه ، و اللَّه لو كان حيّا لضربته خمسمائة سوط و لولاك انبشت الساعة قبره و أحرقت عظامه فقمت على رجلي و قلت : و من أبي و ما مقداره حتى تغتاظ منه و ما الذي غاظك فلعلّ فيه عذرا ؟ فقال : شدّة محبته للمأمون و تقديمه إيّاه عليّ حتى قال في الرشيد شعرا قدّمه عليّ و غنّاه فيه و غنّيته الساعة فأورثني هذا الغيظ فقلت : و اللَّه ما سمعت بهذا قطّ و لا لأبي غناء إلاّ و أنا أرويه ، ما هو ؟ فقال قوله :

____________________

( ١ ) البيان و التبيين للجاحظ ١ : ٣٤٩ .

( ٢ ) ديوان عمر بن أبي ربيعة : ٣٢٠ ، مرّ في الصفحة ١٨٤ .

( ٣ ) الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني ٥ : ١٩٩ .

٤٥١

أبو المأمون فينا و الأمين

له كنفان من كرم و لين

فقلت له : لم يقدم المأمون في الشعر لتقديمه إيّاه في الموالاة و لكن الشعر لم يصح وزنه إلاّ هكذا فقال : كان ينبغي له إذا لم يصح الشعر إلاّ هكذا أن يدعه إلى لعنة اللَّه ، فلم أزل اداريه و أرفق به حتى سكن ، فلمّا قدم المأمون سألني عن هذا الحديث فحدثته به فجعل يعجب و يضحك منه(١) .

و قيل : من تحسّى مرقة السلطان احترقت شفتاه و لو بعد حين .

و كان إبراهيم بن العباس يقول : أصحاب السلطان كقوم رقوا جبلا ثم وقعوا منه ، فكان أقربهم إلى الردى أبعدهم في المرقى(٢) .

و كان إبراهيم بن المدبر(٣) إذا عرضت عليه الوزارة أنشد قول العتابي في هارون و البرامكة :

تلوم على ترك الغنى باهليّة

لوى الدهر عنها كلّ طرف و تالد

رأت حولها النسوان يرفلن كالدمى

مقلّدة أجيادها بالقلائد

فقلت لها لمّا رأيت دموعها

يحدّرن فوق الخدّ مثل الفرائد

أسرّك أنّي نلت ما نال جعفر

من المال أو ما نال يحيى بن خالد

و ان أمير المؤمنين أعضّني

معضّهما بالمرهفات البوارد

ذريني تجئني منيتي مطمئنّة

و لم أتجشّم هول تلك الموارد

فإنّ عليّات الأمور مشوبة

بمستودعات في بطون الأساود(٤)

و قال البستي :

____________________

( ١ ) أبو الفرج الاصفهاني ، الأغاني ١١ : ٣٤٠ .

( ٢ ) ربيع الأبرار للزمخشري ٥ : ٢١٥ .

( ٣ ) معجم الأدباء لياقوت الحموي ١ : ٢٢٦ ، يلاحظ لم يوجد هامش لإبراهيم في ملزمة الهامش إلاّ انه أشار المستخرج في حاشية الأصل ١٩٧ إليه .

( ٤ ) ذكرها باختلاف ابن عبد ربه في العقد الفريد ٣ : ٢٠٥ ٢٠٦ .

٤٥٢

حرّضوني على وزارة بست

و رأوها من أعظم الدرجات

قلت لا أشتهي وزارة بست

إنّني لم أملّ بعد حياتي(١)

و قالوا : أوّل من وقع عليه اسم الوزارة في دولة بني العباس أبو سلمة الخلاّل ، كان يقال له : وزير آل محمّد ، فقتله أبو مسلمة غيلة في زمن السفاح ، فقال بعضهم :

إنّ الوزير وزير آل محمد

أودى فمن يشناك كان وزيرا(٢)

و قتل من الوزراء أبو أيوب المورياني(٣) و أبو مسلم الخراساني(٤) أيام المنصور ، و يعقوب بن داود(٥) زمن المهدي ، و البرامكة زمان هارون ، و الفضل بن سهل(٦) زمن المأمون ، و الفضل بن مروان(٧) زمن المعتصم ، و الكتاب زمن الواثق ، و محمد بن عبد الملك الزيات(٨) زمان المتوكل و من العجب وزراء المتوكل ، فإنّه كلّ يوم ينكّل بواحد و يختار آخر ، و لربما نكّل بكثير منهم مرتين أو ثلاثا كابن الفرات .

و في ( أخبار حكماء القفطي ) في الحسن بن هيثم المهندسي البصري نزيل مصر ، ولاّه الحاكم بمصر بعض الدواوين و كان الحاكم مريقا للدماء بغير سبب أو بأضعف سبب فأجال فكره في أمر يتخلص به فلم يجد طريقا إلاّ إظهار الجنون ، فاعتمد ذلك و شاع فأحيط بموجوداته على يد الحاكم و قيد

____________________

( ١ ) لم نعثر على الأبيات في التراجم .

( ٢ ) وفيات الأعيان لابن خلكان ٢ : ١٩٦ .

( ٣ ) ترجم له ابن خلكان في وفيات الأعيان ٢ : ٤١٠ .

( ٤ ) ترجم له ابن خلكان في وفيات الأعيان ٣ : ١٤٥ .

( ٥ ) ترجم له ابن خلكان في وفيات الأعيان ٧ : ٢٩ .

( ٦ ) راجع ترجمة الفضل بن سهل ذو الرئاستين في وفيات الأعيان لابن خلكان ٣ : ٤١ .

( ٧ ) ترجم له ابن خلكان في وفيات الأعيان ٤ : ٤٤٥ .

( ٨ ) ترجم له ابن خلكان في وفيات الأعيان ٥ : ٩٤ .

٤٥٣

و ترك في موضع من منزله إلى أن مات الحاكم ، فأظهر بعد ذلك بيسير العقل و أقام متنسّكا متقنعا و اشتغل بالتصنيف و النسخ و اعيد ماله إليه(١) .

و في ( الحلية ) عن سفيان الثوري : لم أر للسلطان إلاّ مثلا ضرب على لسان الثعلب ، قال الثعلب : عرفت للكلب نيّفا و سبعين دستانا ليس منها دستان خيرا من أن لا أرى الكلب و لا يراني(٢) .

و في ( الطبري ) : ان أبا مسلم لمّا توحش من المنصور كتب إليه : لم يبق لك عدوّ إلاّ أمكنت منه و قد كنّا نروي عن ملوك آل ساسان أنّ أخوف ما يكون الوزراء إذا سكنت الدهماء فنحن نافرون من قربك .

( فيه ) أيضا : دخل إسماعيل بن علي على المنصور ، فقال : إنّي رأيت في ليلتي هذه كأنّك ذبحت كبشا و إنّي توطأته برجلي فقال : قم فصدّق رؤياك قد قتل الفاسق ، فقام اسماعيل إلى الموضع الذي قتل فيه أبو مسلم فتوطأه(٣) .

و لمّا حاصر طاهر من قبل المأمون بغداد كتب إليه الأمين بخطّه :

إعلم أنّه ما قام لنا مذ قمنا قائم بحقنا و كان جزاؤه إلاّ السيف ، فانظر لنفسك أو دع(٤) .

في ( الطبري ) : اختلف في الذي قتل به ابن الزيّات ، فقيل بطح فضرب على بطنه خمسين مقرعة ثم قلب فضرب على استه مثلها فمات و هو يضرب و هم لا يعلمون إلى أن قال : قال مبارك العرني ما أظنّه أكل طول حبسه إلاّ رغيفا واحدا ، و كان يأكل العنبة و العنبتين ، و كان يقول لنفسه : يا محمد بن عبد الملك

____________________

( ١ ) أخبار العلماء بأخبار الحكماء ، لجمال الدين القفطي : ١١٥ .

( ٢ ) حلية الأولياء لأبي نعيم الأصفهاني ٧ : ٤٤ ، في ترجمة سفيان الثوري ، و دستان أصلها داستان و هي فارسية و معناها :

قصة أو حكاية .

( ٣ ) تاريخ الامم و الملوك للطبري ٦ : ١٣٠ .

( ٤ ) مروج الذهب للمسعودي ٣ : ٤٠٤ .

٤٥٤

لم يقنعك النعمة و الدواب الفره و الدار النظيفة و الكسوة الفاخرة و أنت في عافية حتى طلبت الوزارة ذق ما عملت بنفسك كان يكرّر ذلك على نفسه(١) .

و في ( وزراء الجهشياري ) : قال خلاّد بن يزيد : كنّا يوما جلوسا عند أبي أيوب في مجلسه فأتاه رسول المنصور ، فامتقع لونه و تغيّر و مضى إليه ثم رجع ، فقال له بعض أصحابه في ذلك فقال : سأضرب لكم مثلا : تقوله العامة ، و هو أن البازي قال للديك : ما شي‏ء أقلّ وفاء منك لأن أهلك أخذوك في بيضة فحضنوك و خرجت على أيديهم فأطعموك في أكفّهم و نشأت بينهم حتى إذا كبرت جعلت لا يدنو واحد منهم منك إلاّ طرت يمنة و يسرة و صحت و صوّت ، و أنا اخذت من الجبال كبيرا فعلّموني و ألّفوني ، ثم يخلّون عني فآخذ صيدي و أجي‏ء إلى صاحبي فقال له الديك : لو رأيت في سفائدهم(٢) من البزاة مثل الذي رأيت فيها من الديكة كنت شرّا منّي ، و لكنّكم لو كنتم تعلمون ما أعلمه أي : من الملوك و وزرائهم لم تتعجّبوا من خوفي مع ما ترون من تمكّني(٣) .

( فيه أيضا ) : لمّا غضب المنصور على أبي أيّوب ذكر صالح بن سليمان انّه سيقتله و جميع أسبابه ، لأنّه سمع المنصور يتحدّث أنّ ملكا من الملوك كان يساير وزيرا له ، فضربت دابة الوزير رجل الملك فغضب و أمر بقطع رجل الوزير فقطعت ثم ندم فأمر بمعالجته حتى برأ ثم قال الملك في نفسه :

هذا لا يحبّني أبدا و قد قطعت رجله فقتله ، ثم قال : و أهل هذا الوزير لا يحبّونني أبدا و قد قتلته ، فقتلهم جميعا فعلمت أنّه سيفعل ذلك في المورياني ، ففعله و ما عدا ظنّي(٤) ، فأخذه و أخذ أخاه و بني أخيه و قتلهم .

____________________

( ١ ) تاريخ الامم و الملوك للطبري ٧ : ٣٤٢ .

( ٢ ) « سفائد » في الأصل و هو محرّف و بدله « السفافيد » جمع سفود و هو ما يشوى به اللحم .

( ٣ ) الوزراء للجهشياري : ١٢٣ .

( ٤ ) الوزراء للجهشياري : ١٠١ ١٠٢ .

٤٥٥

هذا ، و في الأمثال « فرج في جبهة الأسد » و ان غفلوا عنه في كتب الأمثال(١) .

هذا ، و روى الشيخ عن ميسرة بن شريح قال : تقدّمت إلى شريح امرأة فقالت : إنّي امرأة لي إحليل و لي فرج تزوجها ابن عم لي و أخذ مني خادما فوطئتها فأولدتها ، و إنّما جئتك لمّا ولد لي لتفرّق بيني و بين زوجي فقام من مجلس القضاء فدخل على عليعليه‌السلام فأخبره بما قالت ، فأمر بها فأدخلت و سألها فقالت : هو الذي أخبرك فأحضرعليه‌السلام زوجها ابن عمّها فقال له هذه امرأتك و ابنة عمك ؟ قال : نعم قال : قد علمت ما كان قال : قد أخدمتها خادما فوطأتها فأولدتها قالعليه‌السلام : ثم وطأتها بعد ذلك ؟ قال : نعم قالعليه‌السلام له : لأنت أجرأ من خاصي الأسد(٢) . .

و في آخر انهعليه‌السلام أمر بتعداد أضلاع جنبيها فكانت أضلاع الأيسر أقل فألحقها بالرجال ، فقال الرجل : ألحقت ابنة عمي بالرجال ، ممّن أخذت هذه القضية ؟ فقالعليه‌السلام : ورثتها من أبي آدم خلقت حواء من ضلعه و أضلاع الرجال أقل .

١٧ الحكمة ( ٢٦٤ ) و قالعليه‌السلام :

أَحْسِنُوا فِي عَقِبِ غَيْرِكُمْ تُحْفَظُوا فِي عَقِبِكُمْ أقول : العقب بكسر القاف و في لغة بالسكون الولد و ولد الولد ، و الأصل فيها مؤخر القدم .

____________________

( ١ ) لم نعثر عليه في كتب الأمثال و اللغة و الأدب .

( ٢ ) وسائل الشيعة للحرّ العاملي ٢٦ : ٢٨٧ ، رواية ( ٣٣٠١٦ ) كذا ٢٧ : ١٧٣ ، رواية ( ٣٣٥٣٥ ) .

٤٥٦

و الأصل في كلامهعليه‌السلام قوله تعالى :( وَ ليَخشَ الَّذين لو تَركوا من خلفهم ذُريّة ضعافاً خافوا عليهم فليتَّقُوا اللَّه و ليقولوا قولاً سديداً ) (١) .

و في ( الكافي ) عن الصادقعليه‌السلام : من ظلم سلّط اللَّه عليه من يظلمه أو على عقبه أو على عقب عقبه قيل لهعليه‌السلام : يظلم فيسلّط على عقبه أو على عقب عقبه ؟

فقالعليه‌السلام : إنّ اللَّه تعالى يقول : و ليخش الَّذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافاً خافوا عليهم فليتَّقوا اللَّه و ليقولوا قولاً سديداً(٢) .

بل الإحسان مطلقا يوجب الحفظ في العقب ، قال تعالى( في قصّة موسى عليه‌السلام ) ( و صاحبه فانطَلقا حتَّى إِذا أتَيا أَهل قريةٍ استطعما أَهلَها فأَبوا أَن يُضيِّفُوهما فَوَجدا فيها جداراً يُريد أَن ينقضَّ فأَقامهُ قال لو شِئتَ لاتَّخذت علَيه أَجراً . و أَما الجدارُ فكان لغُلامين يتيمين في المدينة و كانَ تحتهُ كنزٌ لهما و كانَ أَبُوهُما صالحاً فأراد رَبُّكَ أَن يَبلُغا أَشدَّهما و يستَخرجا كنزَهما رَحمةً من ربَّك و ما فعلتهُ عن أَمري ذلك تأويلُ مَا لَم تسطِع عليه صَبرا ) (٣) .

و في آخر رسالة أبي غالب إلى ابن ابنه أبي طاهر الزراري : و إيّاه أسأل أن يحفظني فيك و يحفظ صالح أجدادك من بكير إليّ كما حفظ الغلامين بصلاح أبويهما ، فقد مرّ في بعض الحديث أنّه كان بين أبيهما الذي حفظا له و بينهما سبعمائة سنة(٤) .

هذا و في الخبر : برّوا آباءكم يبرّكم أبناؤكم ، و عفّوا عن الناس يعفّ عن نسائكم(٥) .

____________________

( ١ ) النساء : ٩ .

( ٢ ) الكافي للكليني ٢ : ٣٣٢ ح ١٣ و الآية ٩ من سورة النساء .

( ٣ ) الكهف : ٧٧ ٨٢ .

( ٤ ) رسالة أبي غالب : ١٥٥ .

( ٥ ) عن الصادقعليه‌السلام من حديث أبي بكر الحضرمي ، الصدوق ، الأمالي : ٢٣٨ ح ٦ .

٤٥٧

١٨ الحكمة ( ٢٦٧ ) و قالعليه‌السلام :

يَا اِبْنَ آدَمَ لاَ تَحْمِلْ هَمَّ يَوْمِكَ اَلَّذِي لَمْ يَأْتِكَ عَلَى يَوْمِكَ اَلَّذِي قَدْ أَتَاكَ فَإِنَّهُ إِنْ يَكُ مِنْ عُمُرِكَ يَأْتِ اَللَّهُ فِيهِ بِرِزْقِكَ ( ٣٧٩ ) :

و قالعليه‌السلام :

اَلرِّزْقُ رِزْقَانِ رِزْقٌ تَطْلُبُهُ وَ رِزْقٌ يَطْلُبُكَ فَإِنْ لَمْ تَأْتِهِ أَتَاكَ فَلاَ تَحْمِلْ هَمَّ سَنَتِكَ عَلَى هَمِّ يَوْمِكَ كَفَاكَ كُلَّ يَوْمٍ مَا فِيهِ فَإِنْ تَكُنِ اَلسَّنَةُ مِنْ عُمُرِكَ فَإِنَّ اَللَّهَ سَيُؤْتِيكَ فِي كُلِّ غَدٍ جَدِيدٍ مَا قَسَمَ لَكَ وَ إِنْ لَمْ تَكُنِ اَلسَّنَةُ مِنْ عُمُرِكَ فَمَا تَصْنَعُ بِالْهَمِّ لِمَا لَيْسَ لَكَ وَ لَنْ يَسْبِقَكَ إِلَى رِزْقِكَ طَالِبٌ وَ لَنْ يَغْلِبَكَ عَلَيْهِ غَالِبٌ وَ لَنْ يُبْطِئَ عَنْكَ مَا قَدَرَ لَكَ قال الرضي : و قد مضى هذا الكلام فيما تقدّم من هذا الباب إلاّ انّه هاهنا أوضح و أشرح ، فلذلك كررناه على القاعدة المقررة في أوّل الكتاب « يا ابن آدم » قال المبرد في ( كامله )(١) و ابن قتيبة(٢) في ( عيونه )(٣) و المسعودي في مروجه قال عليعليه‌السلام : يا ابن آدم لا تحمل همّ يومك الذي لم يأت على يومك الذي أنت فيه ، فإن يك من أجلك يأت فيه رزقك ،

____________________

( ١ ) الكامل للمبرد ١ : ٩٢ مع تغير طفيف عند المبرد بدل ( فان يك من أجلك ) .

( ٢ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ٢ : ٣٧١ .

( ٣ ) مروج الذهب للمسعودي ٤ : ٢٦٤ ، عن إبراهيم بن جابر القاضي قبل ولايته القضاء : هذا الكلام عن الإمام عليعليه‌السلام ابن آدم ، الا تحمل همّ يومك الّذي لم يأت على يومك الذي أنت فيه ، فإنّه إن يكن من أجلك يأتي اللَّه فيه برزقك ، و اعلم أنّك لن تكتسب شيئا فوق قوتك إلاّ كنت خازنا فيه لغيرك .

٤٥٨

و اعلم أنّك لا تكسب من المال شيئا فوق قوتك إلاّ كنت فيه خازنا لغيرك .

« الرزق رزقان : رزق تطلبه و رزق يطلبك فإن لم تأته أتاك » كان بعض الشعراء وصف نفسه في أشعاره بأنّه لا يطلب رزقه بل رزقه يأتيه ، فمدح بعض الملوك فلم يعطه شيئا و قال له : أما وصفت نفسك بما وصفت فرجع ثم ندم الملك و بعث إليه بعطية فلم يلحقه الرسول إلاّ على بابه ، فقال للرسول : قل للملك ألم يكن الأمر كما قلت ؟

« فلا تحمل همّ سنتك على همّ يومك ، كفاك كلّ يوم على » هكذا في ( الطبعة المصرية ) و كلمة « على » زائدة لعدم وجودها في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم ) و الخطية(١) .

« ما فيه » إنّما نهىعليه‌السلام عن حمل همّ السّنة على همّ اليوم إذا لم يتيسر له إحراز قوت سنته ، لأنّ مورد كلامهعليه‌السلام من كان همّه تحصيل قوت يومه ، و معلوم أنّ من لم يكن عنده قوت يوم كيف يمكنه تحصيل قوت سنته ، و أمّا من تمكّن فإحرازه حسن .

روى ( الكافي ) أن الصادقعليه‌السلام قال لسفيان الثوري و من معه من الصوفية الذين كانوا يأمرون الناس بإلقاء أمتعتهم بعد الاستدلال على ضلال طريقتهم بالكتاب و السنة ثم من قد علمتم من فضله و زهده سلمان و أبو ذر ، فأمّا سلمان فكان إذا أخذ عطاءه رفع منه قوته لسنته حتى يحضر عطاؤه من قابل ، فقيل له : أنت في زهدك تصنع هذا و أنت لا تدري لعلّك تموت اليوم أو غدا ؟ فكان جوابه أن قال : ما لكم لا ترجون لي البقاء كما خفتم عليّ الفناء أما علمتم يا جهلة أنّ النفس قد تلتاث

____________________

( ١ ) في النسخة المصرية المنقحة « على » محذوفة : ٧٤٧ رقم ٣٧٨ .

٤٥٩

على صاحبها إذا لم يكن لها من العيش ما تعتمد عليه فإذا هي أحرزت معيشتها اطمأنّت(١) . .

و روى ( الكافي ) أيضا عن الرضاعليه‌السلام : إن الانسان إذا أدّخر طعام سنته خفّ ظهره و استراح(٢) .

و كان أبو جعفر و أبو عبد اللَّهعليهما‌السلام لا يشتريان عقدة حتى يحرزا طعام سنتهما(٣) .

« فإن تكن السّنة من عمرك فإنّ اللَّه تعالى » ليس كلمة « تعالى » في نسخة ( ابن أبي الحديد ) و لكن في ( ابن ميثم ) و الخطية : « تعالى جده »(٤) .

« سيؤتيك في كلّ غد جديد ما قسم لك ، و إن لم تكن السنة من عمرك فما تصنع بالهمّ لمّا ليس لك » روي أنّ محمد بن الفرج كتب إلى الهاديعليه‌السلام يسأله الدعاء لرد ضياعه عليه و قد كان السلطان أخذها منه فكتبعليه‌السلام إليه : سوف تردّ عليك ضياعك و ما يضرّك ألاّ تردّ عليك ، فكتب السلطان بردّ ضياعه و مات و لم يتصرّف فيها(٥) .

« و لن يسبقك إلى رزقك طالب و لن يغلبك عليه غالب و لن يبطى‏ء عنك ما قدر لك » روى ( الكافي ) أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : أيّها الناس إنّي لم ادع شيئا يقرّبكم إلى الجنّة و يباعدكم من النار إلاّ و قد أنبأتكم به ، ألا و إنّ الروح القدس نفث في روعي و أخبرني أن لا تموت نفس حتى تستكمل رزقها ، فاتّقوا اللَّه عزّ و جل

____________________

( ١ ) الكافي للكليني ، من حديث طويل ٥ : ٦٨ ح ١ .

( ٢ ) الكافي للكليني ٥ : ٨٩ ح ١ من حديث الحسن بن الجهم .

( ٣ ) الكافي ٥ : ٨٩ رواية ١ .

( ٤ ) لا وجود للفظ « تعالى جده » في شرح ابن ميثم انظر ٥ : ٤٣٢ ( نسخة محققة ) أما الخطية فقد سقطت منها هذه ( الحكمة ) .

( ٥ ) بحار الأنوار ٥٠ : ١٤٠ رواية ٢٥ .

٤٦٠