بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٤

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة0%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 639

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

مؤلف: الشيخ محمد تقي التّستري
تصنيف:

الصفحات: 639
المشاهدات: 223484
تحميل: 7055


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 639 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 223484 / تحميل: 7055
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 14

مؤلف:
العربية

و الصواب المختار أن تقول : ألقت الدواة ، و حكى عن ابن دريد ألقت و لقت(١) . .

و حينئذ فليقل للجوهري و لمقلده ابن أبي الحديد في نسبة كلامهعليه‌السلام إلى اللّغة القليلة : « إقلب تصب » .

و لعل منشأ توهّم الجوهري أنّه رأى أنّهم قالوا « القنا الدوايا رديئة » و مقصودهم رداءة الدوايا فظن كون مرادهم رداءة الاق ، فقال الصولي : يقال دواة و دوايا و هي رديئة ، قال الشاعر :

إذا نحن وجّهنا إليكم صحيفة

ألقنا الدوايا بالدموع السواجم(٢) .

هذا ، و في ( اليتيمة ) كان كاتب سيف الدولة يعجن مداده بالمسك و لا تليق دواته إلاّ بماء الورد تفاديا من قول القائل :

دعيّ في الكتابة لا رويّ

له يعدّ و لا بديه

كأنّ دواته من ريق فيه

تلاق فريحها أبدا كريه(٣)

« تلاق » المستقبل المجهول من ألاق .

« و أطل جلفة قلمك » في ( الأساس ) : جلفة القلم من مبراه إلى سنّه ، من جلفته بالسيف إذا بضعت من لحمه بضعة(٤) .

في ( تاريخ بغداد ) كان أحمد بن يوسف بن صبيح من أفاضل كتّاب المأمون ، قال : و رآني عبد الحميد بن يحيى أكتب خطّا رديئا ، فقال لي : ان أردت أن يجود خطّك فأطل جلفتك و أسمنها و حرّف قطعتك و أيمنها(٥) .

هذا ، و ممّا لغز في القلم قول الشاعر :

____________________

( ١ ) أدب الكتاب للصولي : ٩٩ .

( ٢ ) المصدر نفسه .

( ٣ ) يتيمة الدهر للثعالبي ١ : ٢٠١ .

( ٤ ) أساس البلاغة للزمخشري : ٦٢ مادة ( ج ل ض ) .

( ٥ ) تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ٥ : ٢١٧ .

٤٨١

عجبت لذي سنّين في الماء نبته

له أثر في كلّ مصر و معمر(١)

و في ( اليتيمة ) قال السري في الفياض كاتب سيف الدولة :

لك القلم الذي يصبح و يمسي

به الاقليم محميّ الحريم(٢)

و في ( طرائف المقدسي ) : كما أقسم اللَّه تعالى بالأشياء الجليلة الأقدار الكبيرة الأخطار في نفوس عباده و عيون بلاده كالشمس و القمر و الليل و النهار و السماء و الأرض ، أقسم بالقلم فقال :( ن و القَلَمِ وَ ما يَسطُرُون ) (٣) و ذاكرت في هذا أبا الفتح البستي فأنشدني لنفسه :

إذا افتخروا يوما بسيفهم

و عدّوه ممّا يكسب المجد و الكرم

كفى قلم الكتّاب فخرا و رفعة

مدى الدهر أنّ اللَّه أقسم بالقلم(٤)

و قال آخر : لم أر باكيا أحسن تبسّما من القلم .

« و فرّج بين السطور » لا تنافي بين التفريج بينها كما هنا و المقاربة بنيها كما في خبر الخصال(٥) كما لا يخفى .

« و قرمط بين الحروف » أي : قارب بينها ، و لا بد ان حروف كلّ كلمة لتكن أقرب إلى نفسها منها إلى حروف كلمة أخرى .

« فان ذلك أجدر بصباحة الخط » في ( الطرائف ) قال إقليدس : الخطّ هندسة روحانية و إن ظهرت بآلة جسمانية .

____________________

( ١ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ١ : ٤٨ .

( ٢ ) يتيمة الدهر و خريدة العصر للثعالبي ١ : ١٠٢ .

( ٣ ) القلم : ١ .

( ٤ ) الطرايف و اللطايف لأحمد المقدسي : ٣١ ، الباب الخامس عشر في مدح الخط و القلم ، و ذكر الآية فقط أما باقي النصّ فالظاهر أنّه إضافة من المؤلف زيادة في التوضيح .

( ٥ ) الخصال للصدوق ١ : ٣١٠ ح ٨٥ ، و قد مرّ في الصفحة ٢٦٥ في بداية شرح الحكمة ٣١٥ فراجع .

٤٨٢

و قال إفلاطون : الخطّ عقال العقل(١) .

قولهعليه‌السلام في ( رواية الخصال ) : و احذفوا من فضولكم و اقصدوا المعاني ، و إيّاكم و الإكثار(٢) .

في ( تاريخ بغداد ) : رئي مروان بن أبي حفصة واقفا بباب الجسر كئيبا آسفا ينكت بسوطه في معرفة دابته ، فقيل : ما الذي نراه بك ؟ قال : أخبركم بالعجب ، مدحت الرشيد فوصفت له ناقتي من خطامها إلى خفّيها و وصفت الفيافي من اليمامة إلى بابه أرضا أرضا و رملة رملة ، حتى إذا أشفيت منه على غناء الدهر جاء ابن بيّاعة النخاخير يعني أبا العتاهية فأنشده بيتين ضعضع بهما شعري و سوّاه في الجائزة بي و هما :

إنّ المطايا تشتكيك لأنّها

تطوي إليك سباسبا و رمالا

فإذا رحلن بنا رحلن مخفّة

و إذا رجعن بنا رجعن ثقالا(٣)

٢٨ الحكمة ( ٦٦ ) و قالعليه‌السلام :

فَوْتُ اَلْحَاجَةِ أَهْوَنُ مِنْ طَلَبِهَا إِلَى غَيْرِ أَهْلِهَا أقول : في الكافي عن الحسنعليه‌السلام : إذا طلبتم الحوائج فاطلبوها من أهلها .

قيل : يا ابن رسول اللَّه من أهلها قال : الذين ذكرهم اللَّه في كتابه فقال( إِنّما يَتذكرُ اُولُو الأَلبابِ ) (٤) و هم أولو العقل(٥) .

____________________

( ١ ) الطرائف و اللطائف لأحمد المقدسي : ٣١ .

( ٢ ) الصدوق : الخصال ١ : ٣١٠ ح ٨٥ و قد مرّ : ٢٦٥ .

( ٣ ) ورد في ديوان أبي العتاهية : ٢١٦ كذلك راجع تاريخ بغداد ٦ : ٢٥٨ ترجمة إسماعيل بن القاسم .

( ٤ ) الزمر : ٩ .

( ٥ ) الكافي للكليني ١ : ١٩٠ ح ٢٢ .

٤٨٣

و لمّا مطل أحمد بن أبي داود أبا الأسد في حاجته قال :

فصرت من سوء ما رميت به

اكنى أبا الكلب لا أبا الأسد(١)

٢٩ الحكمة ( ٦٧ ) و قالعليه‌السلام :

لاَ تَسْتَحِ مِنْ إِعْطَاءِ اَلْقَلِيلِ فَإِنَّ اَلْحِرْمَانَ أَقَلُّ مِنْهُ أقول : في ( تاريخ بغداد ) كتب كلثوم بن عمرو إلى رجل :

إذا تكرّهت أن تعطي القليل و لا

تكون ذا سعة لم يظهر الجود

بثّ النّوال و لا يمنعك قلّته

فكلّ ما سدّ فقرا فهو محمود

فشاطره ماله حتى بعث بنصف خاتمه و فرد نعله(٢) .

٣٠ الحكمة ( ٥ ) و قالعليه‌السلام :

صَدْرُ اَلْعَاقِلِ صُنْدُوقُ سِرِّهِ وَ اَلْبَشَاشَةُ حِبَالَةُ اَلْمَوَدَّةِ وَ اَلاِحْتِمَالُ قَبْرُ اَلْعُيُوبِ أَو وَ اَلْمُسَالَمَةُ خِبَاءُ اَلْعُيُوبِ وَ مَنْ رَضِيَ عَنْ نَفْسِهِ كَثُرَ اَلسَّاخِطُ عَلَيْهِ أقول : كون العنوان إلى هنا في ( الطبعة المصرية )(٣) ، و لكن ابن أبي الحديد جعل(٤) فقرة « و من رضي . » جزء الآتي ، و أمّا ( ابن ميثم )

_ ___________________

( ١ ) ذكر ترجمته و بعض أخباره ابن عبد ربه في العقد الفريد ٤ : ١٣٩ .

( ٢ ) الخطيب البغدادي تاريخ بغداد ١٢ : ٤٩١ .

( ٣ ) النسخة المصرية : ٦٠٩ رقم ٥ ، شرح محمّد عبده .

( ٤ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٩٧ رقم ( ٦ و ٧ ) .

( ٥ ) راجع شرح ابن ميثم ٥ : ٢٣٨ .

٤٨٤

و الخطية(١) فجعلا من العنوان الثاني إلى السادس ، أي من الباب الثالث عنوانا واحدا .

« صدر العاقل صندوق سرّه » في ( أدب كاتب الصولي ) : كان رجل من الكتّاب يهوى مغنّية و يكاتبها ، فكانت تخرّق كتبه و تأمر بتخريق كتبها ، فكتب إليها : إنّي أحتفظ بكتبك و تتهاونين بكتبي فتخرّقينها ، فكتبت إليه :

يا ذا الذي لام في تخريق قرطاس

كم مرّ محلك في الدّنيا على راسي

الحزم تخريقه إن كنت ذا نظر

و إنّما الحزم سوء الظنّ بالناس

إذا أتاك و قد أدّى أمانته

فاجعل كرامته دفنا بأرماس

و شق قرطاس من تهوى و كن حذرا

يا رب ذي ضيعة من حفظ قرطاس

فكتب إليها : « الصواب رأيك » ، و خرّق رقاعها(٢) .

و في ( كامل المبرد ) : أحسن ما سمع في صيانة السر ما يعزى إلى علي بن أبي طالبعليه‌السلام فقائل يقول هو له و قائل يقول قاله متمثلا و لم يختلف في انّه كان يكثر إنشاده :

فلا تفش سرّك إلاّ إليك

فان لكلّ نصيح نصيحا

و إنّي رأيت غواة الرجال

لا يتركون أديما صحيحا(٣)

و قال امرؤ القيس :

إذا المرء لم يخزن عليه لسانه

فليس على شي‏ء سواه بخازن(٤)

و قال آخر :

____________________

( ١ ) النسخة الخطية ( المرعشي ) : ٣٠٦ .

( ٢ ) أدب الكتاب للصولي : ١٠٩ .

( ٣ ) الكامل في الأدب للمبرد ٢ : ١٥ « في صيانة السر » زيادة من المؤلف ، ذكره النخعي في الديوان المنسوب إلى الإمام : ٣٠ .

( ٤ ) ديوان امرى‏ء القيس : ١٧٣ .

٤٨٥

سأكتمه سرّي و أحفظ سرّه

و ما غرّني أنّي عليه كريم

حليم فينسى أو جهول يضيعه

و ما الناس إلاّ جاهل و حليم(١)

أيضا :

إذا ضاق صدر المرء عن سر نفسه

فصدر الذي يستودع السر أضيق(٢)

« و البشاشة حبالة المودة » عنهعليه‌السلام « إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فسعوهم بطلاقة الوجه و حسن اللقاء »(٣) .

و عن علي بن محمد التنوخي :

الق العدوّ بوجه لا قطوب به

يكاد يقطر من ماء البشاشات

فأحزم الناس من يلقى أعاديه

في جسم حقد وثوب من مودّات(٤)

و عن أكثم بن صيفي : الانقباض من الناس مكسبة للعداوة ، و افراط الانس مكسبة لقرناء السوء(٥) .

« و الاحتمال قبر العيوب » قال ابن أبي الحديد و من كلامهعليه‌السلام « وجدت الاحتمال أنصر لي من الرجال » .

و من كلامهعليه‌السلام : من سالم الناس سلم منهم ، و من حاربهم حاربوه ، فإنّ العثرة للكاثر .

و كان يقال : العاقل خادم الأحمق أبدا ، إن كان فوقه لا يجد بدّا من مداراته و إن كان دونه لم يجد من احتماله و استكفاف شرّه بدّا(٦) .

____________________

( ١ ) الكامل في الأدب للمبرد ٢ : ١٨ ، ( المعارف : بيروت ) .

( ٢ ) الكامل في الأدب للمبرّد ٢ : ١٩ .

( ٣ ) نسبها الصدوق للرسول الأكرم صلّى اللَّه عليه و آله من حديث غياث بن إبراهيم : الأمالي : ٢٠ ح ٩ .

( ٤ ) أدب الدنيا و الدين للماوردي : ١٨٣ .

( ٥ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ١ : ٣٢٨ .

( ٦ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٩٩ .

٤٨٦

« أو و المسالمة خباء العيوب » هكذا في ( الطبعة المصرية ) ، و لكن في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم ) : و ( روي أنّهعليه‌السلام قال في العبارة عن هذا المعنى أيضا :

« المسالمة خباء العيوب » و صرّح الثاني بأنّه كلام الرضي ) و هو الصحيح ، و خباء العيوب خفاؤها و استتارها(١) .

و في معنى قوله هذا الاحتمال أو المسالمة قبر العيوب أو خباء العيوب و قولهعليه‌السلام « البشاشة حبالة المودة »(٢) و قولهعليه‌السلام « ليجتمع في قلبك الافتقار إلى النّاس و الاستغناء عنهم ، يكون افتقارك إليهم في لين كلامك و حسن سيرك ، و يكون استغناؤك عنهم في نزاهة عرضك و بقاء عزّك »(٣) .

« و من رضي عن نفسه كثر الساخط عليه » لأنّه يعجب بنفسه ، و من أعجب بنفسه يتنفر الناس عنه و يكثرون السخط عليه .

و قال ابن أبي الحديد مثله قول الشاعر :

إذا كنت تقضي أنّ عقلك كامل

و أنّ بني حوّاء غيرك جاهل

و أنّ مفيض العلم صدرك كلّه

فمن ذا الذي يدري بأنّك عاقل(٤)

لكنه كما ترى معنى آخر .

٣١ الحكمة ( ٢٠ ) و قالعليه‌السلام :

قُرِنَتِ اَلْهَيْبَةُ بِالْخَيْبَةِ وَ اَلْحَيَاءُ بِالْحِرْمَانِ وَ اَلْفُرْصَةُ تَمُرُّ مَرَّ اَلسَّحَابِ فَانْتَهِزُوا فُرَصَ اَلْخَيْرِ

____________________

( ١ ) راجع الهوامش ( ٢ ٤ ) من الصفحة السابقة .

( ٢ ) بحار الأنوار ١٨ : ٩٨ .

( ٣ ) بحار الأنوار ٧٥ : ١٠٦ رواية ٣ .

( ٤ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ١٠١ .

٤٨٧

أقول : و روى الشيخ في ( أماليه ) مسندا عن الرضاعليه‌السلام قال : قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : الهيبة خيبة و الفرصة خلصة و الحكمة ضالّة المؤمن فاطلبوها و لو عند المشرك تكونوا أحقّ بها و أهلها(١) .

و في ( الأغاني ) : قال دعبل : ما حسدت أحدا قط على شعر كما حسدت العتابي على قوله :

هيبة الإخوان قاطعة

لأخي الحاجات عن طلبه

فإذا ما هبت ذا أمل

مات ما أمّلت من سببه(٢)

قال ابن مهرويه : هذا سرقة العتابي من قول علي بن أبي طالب :

الهيبة مقرونة بالخيبة ، و الحياء مقرون بالحرمان ، و الفرصة تمرّ مرّ السّحاب .

حدّثني محمد بن داود عن محمد بن أبي الأزهر عن عيسى بن الحسن بن داود الجعفري عن أخيه عن علي بن أبي طالب بذلك(٣) .

« قرنت الهيبة بالخيبة » قال ( ابن أبي الحديد ) : كانت العرب إذا أوفدت وافدا قالت له : إيّاك و الهيبة فإنّها خيبة ، و لا تبت عند ذنب الأمر و بت عند رأسه(٤) . . و قال الشاعر :

من راقب الناس مات غمّا

و فاز باللذة الجسور(٥)

« و الحياء بالحرمان » في ( المعجم ) قال البلاذري : كانت بيني و بين عبيد اللَّه بن يحيى بن خاقان حرمة منذ أيام المتوكل ، و ما كنت أكلفه حاجة

____________________

( ١ ) أمالي الطوسي : ٦٢٥ رقم ١٢٩٠ ( بنياد بعثت ) .

( ٢ ) ذكر التبيين ابن قتيبة في عيون الأخبار ٣ : ١٢٠ .

( ٣ ) الأغاني للأصفهاني ١٣ : ١١٦ .

( ٤ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ١٣١ .

( ٥ ) القائل هو سلم بن عمرو ، نهاية الأرب ٣ : ٨١ .

٤٨٨

لاستغنائي عنه ، فنالتني في أيّام المعتمد إضاقة ، فدخلت عليه و هو جالس للمظالم فشكوت إليه تأخّر رزقي و ثقل ديني و قلت : إنّ عيبا على الوزير حاجة مثلي في أيامه و غض طرفه عنّي فوقّع لي بعض ما أردت و قال : إنّ حياءك المانع لك من الشكوى عن الاستبطاء فقلت له : غرس البلوى يثمر الشكوى .

و انصرفت و كتبت إليه :

لحاني الوزير المرتضى في شكايتي

زمانا احّلت للجدوب محارمه

و قال لقد جاهرتني بملامة

و من لي بدهر كنت فيه اكاتمه

فقلت : حياء المرء ذي الدّين و التّقى

يقلّ إذا قلّت لديه دراهمه(١)

و قال ( ابن أبي الحديد ) : قال الشاعر :

ليس للحاجات إلاّ

من له وجه وقاح

و لسان طرمذيّ

و غدوّ و رواح

فعليه السعي فيها

و على اللَّه النجاح(٢)

« و الفرصة تمرّ مرّ السحاب » قال ( ابن أبي الحديد ) : قال ابن المقفع : إنتهز الفرصة في إحراز المآثر ، و اغتنم الإمكان باصطناع الخير ، و لا تنتظر ما تعامل فتجازي عنه بمثله ، فإنّك إن عوملت بمكروه و اشتغلت ترصد المكافأة عنه قصر العمر بك عن اكتساب فائدة و اقتناء منقبة .(٣) .

« فانتهزوا فرص الخير » أي : إغتنموها و لا تدعوها تفوت فتندموا .

____________________

( ١ ) معجم الأدباء لياقوت الحموي ٥ : ١٠٠ في ترجمة أحمد بن يحيى البلاذري .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ١٣١ .

( ٣ ) المصدر نفسه .

٤٨٩

٣٢ الحكمة ( ٢١١ ) و قالعليه‌السلام :

اَلْجُودُ حَارِسُ اَلْأَعْرَاضِ وَ اَلْحِلْمُ فِدَامُ اَلسَّفِيهِ وَ اَلْعَفْوُ زَكَاةُ اَلظَّفَرِ وَ اَلسُّلُوُّ عِوَضُكَ مِمَّنْ غَدَرَ وَ اَلاِسْتِشَارَةُ عَيْنُ اَلْهِدَايَةِ وَ قَدْ خَاطَرَ مَنِ اِسْتَغْنَى بِرَأْيِهِ وَ اَلصَّبْرُ يُنَاضِلُ اَلْحِدْثَانَ وَ اَلْجَزَعُ مِنْ أَعْوَانِ اَلزَّمَانِ وَ أَشْرَفُ اَلْغِنَى تَرْكُ اَلْمُنَى وَ كَمْ مِنْ عَقْلٍ أَسِيرٍ تَحْتَ هَوَى أَمِيرٍ وَ مِنَ اَلتَّوْفِيقِ حِفْظُ اَلتَّجْرِبَةِ وَ اَلْمَوَدَّةُ قَرَابَةٌ مُسْتَفَادَةٌ وَ لاَ تَأْمَنَنَّ مَلُولاً « الجود حارس الأعراض » في ( شعراء ابن قتيبة ) : جاور الحطيئة الزبرقان بن بدر ، فتحوّل عنه إلى بغيض فأحسن إليه ، فقال الحطيئة يمدح البغيض و يهجو الزبرقان :

ما كان ذنب بغيض أن رأى رجلا

ذا فاقة عاش في مستوغر(١) شاس

جار لقوم أطالوا هون منزله

و غادروه مقيما بين أرماس(٢)

ملّوا قراه و هدّته كلابهم

و جرّحوه بأنياب و أضراس

و قال للزبرقان :

دع المكارم لا تنهض لبغيتها

و اقعد فإنّك أنت الطاعم الكاسي(٣)

فاستعدى الزبرقان عليه عمر بن الخطاب و أنشده البيت ، فقال له عمر :

ما أراد هجاءك ، أما ترضى أن تكون طاعما كاسيا قال : إنّه لا يكون في الهجاء أشدّ من هذا فبعث إلى حسّان يسأله عن ذلك فقال : ما هجاه و لكن

____________________

( ١ ) مستوغر : مكان شديد القيظ ، شاس : الخشن من الحجارة .

( ٢ ) أرماس : جمع رمس و هو القبر .

( ٣ ) ذكر البيت بالإضافة إلى ابن قتيبة المبرد في الكامل ٢ : ٥٣٧ ، و النويري في نهاية الارب ٣ : ٧٢ .

٤٩٠

سلح عليه فحبسه عمر(١) .

و قال بعضهم : كفى بالبخيل عارا أنّ اسمه لم يقع في حمد قط ، و كفى بالجواد مجدا أنّ اسمه لم يقع في ذمّ قط .

و قال آخر : لا أردّ سائلا إنّما هو كريم أسدّ خلّته أو لئيم أشتري عرضي منه ، و قال الشاعر :

و من يجعل المعروف من دون عرضه

يفره و من لا يتّق الشتم يشتم(٢)

« و الحلم » و ما في ( الطبعة المصرية ) « و العلم » غلط واضح .

« فدام السفيه » الفدام ما يوضع في فم الإبريق ليصفي ما فيه(٣) .

و في ( كامل المبرد ) : دخل شامي المدينة فرأى رجلا راكبا على بغلة لم ير أحسن وجها و لا سمنا و لا ثوبا و لا دابة منه ، فمال قلبه إليه ، فسأل عنه قيل له هو الحسن بن علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، قال : فامتلأ قلبي له بغضا و حسدت عليّا أن يكون له ابن مثله ، فصرت إليه و قلت له : أنت ابن أبي طالب فقال : إبن ابنه فقلت : فبك و بأبيك أسبهما فلمّا انقضى كلامي قال لي : أحسبك غريبا .

قلت : أجل قال : فمل بنا فإن احتجت إلى منزل أنزلناك أو إلى مال آسيناك أو إلى حاجة عاونّاك فانصرفت عنه و و اللَّه ما على الأرض أحد أحبّ إليّ منه(٤) .

« و العفو زكاة الظفر » هو نظير قولهعليه‌السلام في ( ١٠ ) : إذا قدرت على عدوّك فاجعل العفو عنه شكرا للقدرة عليه(٥) .

____________________

( ١ ) الشعر و الشعراء لابن قتيبة : ١١٠ ١١٤ .

( ٢ ) القائل هو زهير بن أبي سلمى في ديوانه : ٨٧ ، و نقله ابن عبد ربّه في العقد الفريد ١ : ٣٠٤ .

( ٣ ) راجع الطبعة المصرية : ٧٠٥ النسخة المنقحة بلفظ و الحلم و ليس العلم .

( ٤ ) الكامل في الأدب للمبرد ١ : ٢٣٥ ( مكتبة المعارف ) .

( ٥ ) من الكلمات في المعجم القصار برقم ( ١١ ) .

٤٩١

و في ( العقد ) أمر عمر بن عبد العزيز بعقوبة رجل ، فقال له رجاء بن حيوه : إنّ اللَّه قد فعل ما تحبّ من الظّفر فافعل ما يحبّه من العفو(١) .

و قال مبارك بن فضالة : كنت عند المنصور فأمر بقتل رجل ، فقلت : قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله « إذا كان يوم القيامة نادى مناد : ألا من كانت له عند اللَّه يد فليتقدّم فلا يتقدّم إلاّ من عفا عن مذنب » فأمر بإطلاقه(٢) .

« و السلوّ عوضك ممّن غدر » يعني ان الغدر من الصديق يستعقب السلوّ عن تعلق القلب به ، و هو المراد من قول الشاعر :

أعتقني سوء ما صنعت من الرقّ

فيا بردها على كبدي(٣)

« و الاستشارة عين الهداية » يكفي في فضلها قوله تعالى لنبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ( وَ شاورهُم في الأَمرِ ) (٤) .

« و قد خاطر » أي : أشرف على الهلاك .

« من استغنى برأيه » قولهعليه‌السلام هنا في الاستشارة و الاستبداد نظير قولهعليه‌السلام في ( ١٦١ ) : « من استبد برأيه هلك و من شاور الرجال شاركها في عقولها »(٥) .

« و الصبر يناضل الحدثان » أي : يرامي حوادث الدهر .

« و الجزع من أعوان الزمان » على بوار الإنسان ، ذكرعليه‌السلام فائدة الصبر و مضرّة الجزع تحريضا و تحذيرا .

« و أشرف الغنى ترك المنى » سها المصنف فذكر هذه الفقرة في

____________________

( ١ ) العقد الفريد لابن عبد ربّه ٢ : ١٥٧ .

( ٢ ) العقد الفريد لابن عبد ربّه ٢ : ١٥٩ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ١٩ : ٢٠٧ .

( ٤ ) آل عمران : ١٥٩ .

( ٥ ) مرّ ذكره في الصفحة ٢٢٤ من هذا الكتاب .

٤٩٢

عنوانه ( ٣٤ )(١) .

« و كم من عقل أسير تحت هوى أمير » هو نظير قولهعليه‌السلام في كتاب اشتراء شريح لداره « شهد على ذلك العقل إذا خرج من أسر الهوى » فكل انسان يعلم بعقله بقاء الآخرة و فناء الدّنيا و وجوب العمل بالحقّ و التجنّب عن الباطل ، إلاّ أنّ هواه لا يدعه يعمل بمقتضاه .

« و من التوفيق حفظ التجربة » فالتجارب تحصل منها فوائد كثيرة ، فمن لم يحفظها حرم منها فلا يكون موفقا .

« و المودة قرابة مستفادة » و في العنوان ( ٣٠٨ ) « مودّة الآباء قرابة بين الابناء ، و القرابة إلى المودة أحوج من المودة إلى القرابة »(٢) ، و من كون المودة قرابة مستفادة تكون المصاهرة كنسب جديد ، و لذا أردفه اللَّه تعالى في قوله عز و جل( فَجَعَلَهُ نَسَباً و صهراً ) (٣) .

« و لا تأمننّ ملولا » فعول من الملالة ، و مصداق كلامهعليه‌السلام أصحابه في صفّين ، فقد كانوا ملّوا من الحرب فكانوا منتظرين لمكيدة من العدو و يكون عذرا لهم في ترك القتال .

٣٣ الحكمة ( ٥٢ ) و قالعليه‌السلام :

أَوْلَى اَلنَّاسِ بِالْعَفْوِ أَقْدَرُهُمْ عَلَى اَلْعُقُوبَةِ في ( العيون ) : قال رجل لبعض الأمراء : أسألك بالذي أنت بين يديه أذلّ

____________________

( ١ ) سيأتي ذكره في شرح الحكمة ١١٦ في الصفحة ٢٨٠ من هذا الكتاب .

( ٢ ) راجع الحكمة ( ٣٠٨ ) : ١٧٨ من نسخة المعجم .

( ٣ ) الفرقان : ٥٤ .

٤٩٣

منّي بين يديك ، و هو على عقابك أقدر منك على عقابي ، إلاّ نظرت في أمري نظر من برئي أحبّ إليه من سقمي و براءتي أحبّ إليه من جرمي .

و أمر عبد الملك بقتل رجل فقال له : إنّك أعزّ ما تكون أحوج ما تكون إلى اللَّه تعالى ، فاعف عنّي له فإنّك به تعان و إليه تعود فخلّى سبيله(١) .

و قالوا : وقف رجل جنى جناية بين يدي المأمون ، فقال له : و اللَّه لأقتلنّك .

فقال الرجل : تأنّ عليّ فإنّ الرفق نصف العفو قال : و كيف و قد حفت ؟ فقال : ت لأن تلقى اللَّه حانثا خير من أن تلقاه قاتلا فخلّى سبيله(٢) .

٣٤ الحكمة ( ١١٦ ) و قالعليه‌السلام :

كَمْ مِنْ مُسْتَدْرَجٍ بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهِ وَ مَغْرُورٍ بِالسَّتْرِ عَلَيْهِ وَ مَفْتُونٍ بِحُسْنِ اَلْقَوْلِ فِيهِ وَ مَا اِبْتَلَى اَللَّهُ أَحَداً بِمِثْلِ اَلْإِمْلاَءِ لَهُ الحكمة ( ٤٦٢ ) و قالعليه‌السلام :

رُبَّ مَفْتُونٍ بِحُسْنِ اَلْقَوْلِ فِيهِ أقول : كرره بعينه بنقل ( ابن أبي الحديد ) و الخطية(٣) في ( ٢٦٠ ) زائدا « و قد مضى هذا الكلام فيما تقدم إلاّ أنّ فيه ها هنا زيادة جيّدة » بنقل ابن أبي الحديد و « زيادة مفيدة » بنقل ( النسخة الخطية و الطبعة المصرية )(٤) جمعت

____________________

( ١ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ١ : ١٠٢ .

( ٢ ) ذكره البيهقي بالمعنى و نسبه إلى المنصور .

( ٣ ) انظر شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٢٨١ رقم ( ١١٢ ) و ١٩ : ١٠٣ رقم ( ٢٥٨ ) ، و راجع النسخة الخطية ( المرعشي ) : ٣١٩ .

( ٤ ) راجع النسخة المصرية شرح محمّد عبده : ١٨٣ و ٧١٤ رقم ( ١٧ ) و رقم ( ٢٦٢ ) .

٤٩٤

بينهما ، لكن ليس في ( ابن ميثم )(١) تكرار ، لكن أواخر نسخته لا تخلو من السقم فلعلّه من سقط النسخة ، و لو كان نقل الأوّلين صحيحا لم يصح قول المصنف و قد مضى . ، بعد كونه بعينه بلا زيادة و لا نقصان .

و كيف كان فكرّر الفقرة الثالثة مستقلة في ( ٤٦٢ ) اتفاقا بلفظ « رب مفتون بحسن القول فيه » كما عرفت من العنوان ، و قد عرفت في أوّل الكتاب تصريح ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم ) بختم المصنف الكتاب أولا به(٢) .

« كم من مستدرج بالإحسان إليه »( أَيحسَبُون أَنّما نُمدُّهم بهِ مِن مَالٍ و بَنينَ نُسارِعُ لهُم فِي الخَيراتِ بل لا يشعُرون ) (٣) ( فلمّا نَسُوا ما ذكرُوا به فتحنا عليهم أَبواب كلّ شي‏ءٍ حتى إذا فرحوا بما اُوتُوا أَخذناهم بغتةً فإذا هم مبلسون فقطع دابرُ القوم الَّذين ظَلَموا و الحمدُ للَّه ربّ العالَمين ) (٤) .( سنَستَدرجهم من حَيثُ لا يعلَمُونَ ) (٥) .

« و مغرور بالستر عليه » و ورد أنّه لو لا ستر اللَّه على الناس لكانوا يطرحون كثيرا من الناس على المزابل و لا يدفنونهم .

« و مفتون بحسن القول فيه » كخلفاء الباطل و المتملّقين لهم ، فكانوا يقولون لبيعة معاوية لابنه يزيد و بيعة هارون لبنيه و بيعة المتوكل لبنيه :

« إنها بيعة مثل بيعة الشجرة » .

و قال ابن قتيبة في ( خلفائه ) بعد ذكر أنّ فاطمةعليها‌السلام قالت لأبي بكر و عمر بعد تقريرهما بقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فيها « رضا فاطمة من رضاي و سخط

____________________

( ١ ) راجع شرح ابن ميثم ٥ : ٣٠٣ رقم ١٠٧ .

( ٢ ) راجع المصادر السابقة النسخة المصرية ، ابن أبي الحديد ، ابن ميثم ، الخطية .

( ٣ ) المؤمنون : ٥٥ ٥٦ .

( ٤ ) الأنعام : ٤٤ ٤٥ .

( ٥ ) الأعراف : ١٨٢ .

٤٩٥

فاطمة من سخطي ، و من أرضى فاطمة فقد أرضاني و من أسخط فاطمة فقد أسخطني » إنّي اشهد اللَّه و ملائكته أنّكما أسخطتماني و ما أرضيتماني ، و لئن لقيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لأشكونّكما إليه فانتحب أبو بكر يبكي و فاطمةعليها‌السلام تقول :

و اللَّه لأدعونّ اللَّه عليك في كلّ صلاة اصلّيها ، فخرج باكيا و اجتمع إليه الناس فقال لهم : لا حاجة لي في بيعتكم أقيلوني بيعتي قالوا : إنّ هذا الأمر لا يستقيم و أنت أعلمنا بذلك ، إنّه إن كان هذا لم يقم للَّه دين فقال : و اللَّه لو لا ذلك و ما أخافه من رخاوة هذه العروة ما بت ليلة و لي في عنق مسلم بيعة بعد ما سمعت و رأيت من فاطمة .(١) .

فلو لا فتنته بحسن قولهم فيه لكان اللازم أن نقول : إنّ كلام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كان جزافا و باطلا ، و هوى نفس لبنته و رضاه بخراب الدين لأجلها .

و قال ابن قتيبة أيضا : إنّ عمر دعا في احتضاره ابن عباس و قال له : لو أنّ لي ما طلعت عليه الشمس و ما غربت لافتديت به من هول المطلع فقال له ابن عباس : أسلمت و كان إسلامك عزّا ، و هاجرت و كانت هجرتك فتحا ، و وازرت الخليفة و قبض الخليفة عنك راضيا ، و مصر اللَّه بك الأمصار وجبى بك الأموال و أوصل بك على أهل بيت كلّ مسلم توسعة في دينهم و توسعة في أرزاقهم ثم ختم لك بالشهادة فقال له عمر : أتشهد لي بهذا يا عبد اللَّه عند اللَّه يوم القيامة قال : نعم فقال عمر : اللّهم لك الحمد .(٢) .

فهل اللَّه محتاج إلى شهادة ابن عباس لو لا فتنته بمثل تلك الأقوال ؟

« و ما ابتلى اللَّه أحدا بمثل الإملاء له » قال تعالى في موضعين من كتابه :

____________________

( ١ ) تاريخ الخلفاء لابن قتيبة : ١٤ .

( ٢ ) ابن قتيبة ، الامامة و السياسة : ٢٢ ٢٣ .

٤٩٦

و اُملي لهم إِنّ كيدي متينٌ(١) .

٣٥ الحكمة ( ٤٦٦ ) و قالعليه‌السلام :

اَلْعَيْنُ وِكَاءُ اَلسَّهِ أقول : أيّ حبل يسد به الاست ، فالوكاء الذي يشد به رأس القربة و ( السّه ) الاست ، أي : الدّبر و أصل سه « سته » لأن جمعه أستاه و قال الجوهري في سته إذا أردت الهاء الّتي هي لام الفعل و حذفت العين أي : من الاست قلت ( سه ) بالفتح قال الشاعر :

و أنت السّه السّفلى

إذا دعيت نصر(٢)

أي : أنت فيهم بمنزلة الاست ، و في الحديث : « العين وكاء السّه » .

في ( العيون ) : كان سليمان بن عبد الملك يأخذ الوليّ بالوليّ و الجار بالجار ، فدخل عليه رجل و على رأسه وصيفة روقة(٣) ، فنظر إليها فقال سليمان : أأعجبتك ؟ قال : بارك اللَّه للخليفة فيها قال : هات سبعة أمثال في الاست و خذها فقال : « صرّ عليه الغزو استه » قال : واحد ، قال : « است البائن أعلم » قال : إثنان ، قال : « أست لم تعوّد المجمر تحترق » قال : ثلاثة ، قال : « الحرّ يعطي و العبد ييجع باسته » قال : أربعة ، قال : « أستي أخبثي » قال : خمسة ، قال :

« عاد سلاها في استها » قال : ستة ، قال « لا مائك أبقيت و لا حرك أنفيت » قال :

ليس هذا من ذاك قال : أخذت الجار بالجار كما يفعل الخليفة قال : خذها(٤) .

____________________

( ١ ) الأعراف : ١٨٣ ، و القلم : ٤٥ .

( ٢ ) الصحاح للجوهري ٦ : ٢٢٣٣ مادة ( سته ) .

( ٣ ) الوصيفة : الجارية ، و الروقة : الحسناء الجميلة .

( ٤ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ٢ : ١٣٠ .

٤٩٧

قلت : و لو ذكر السابع شعر جعفر بن الزبير في الفرزدق و امرأته نوار لمّا وكّلته في تزويجها فزوجها من نفسه فأبت و ما رضيته و حاكمته إلى ابن الزبير :

لقد أصبحت عرس الفرزدق ناشزا

و لو رضيت رمح استه لاستقرّت(١)

كان وجها ، و الظاهر أنّه تعمّد التبديل و إلاّ فقولهم « أخطأت استه الحفرة » مثل معروف .

و في الأساس : و في مثل « إني لأعلم من المائح باست الماتح » و الثاني من ينزح من البئر و الأول من ينزل في البئر فيملا الدلوله(٢) .

هذا ، و في ( الأغاني ) كانت امرأة من عقيل يقال لها ليلى يتحدّث إليها الشبّان ، فدخل عليها الفرزدق فجعل يحادثها ، و أقبل فتى من قومها فأقبلت عليه ، فغاظ ذلك الفرزدق فقال للرجل أ تصارعني ؟ قال : ذاك إليك فقام إليه فصرعه الفتى و جلس على صدره ، فخرج من الفرزدق صوت فقام الرجل و قال : ما أردت بك ما جرى فقال : ما بي إن صرعتني ، و لكن كأنك بجرير بلغه خبري فقال فيّ :

جلست إلى ليلى لتحظى بقربها

فخانك دبر لا يزال يخون

فلو كنت ذا حزم شددت و كاءها

كما شدّ خرتا للدّلاص قيون(٣)

فما مضت أيام حتى بلغ جرير الخبر فقال فيه البيتين(٤) .

و من أمثالهم كما في ( الأغاني ) « أريها استها و تريني القمر »(٥) .

____________________

( ١ ) الأغاني لأبي فرج الأصفهاني ٣ : ٣٦٤ .

( ٢ ) أساس البلاغة للزمخشري : ٤٤٠ مادة ( م ى ح ) .

( ٣ ) الوكاء : الخيط الذي تربط به الصرة ، الخرت : الثقب ، الدلاص : الدرع اللينة ، قيون : جمع قين و هو الحداد .

( ٤ ) الأغاني لأبي فرج الأصفهاني ٢١ : ٣٤٠ .

( ٥ ) الأغاني لأبي فرج الأصفهاني ١٦ : ٣٧٨ .

٤٩٨

و من أمثالهم كما في ( الكرماني ) « مالك است مع استك »(١) و قال : قال أبو زيد : يضرب لمن لم تكن له ثروة من مال و لا عدة من رجال .

و منها كما فيه « في أست المغبون عود »(٢) أيضا « في استها ما لا ترى »(٣) .

و في الأساس : « لقيت منه است الكلبة »(٤) أي ما كرهته و « أضيق استا من ذاك »(٥) أي : عاجز و « تركته باست الأرض »(٦) أي : عديما لا شي‏ء له و « يا ابن استها »(٧) كناية عن احماض امه اياه و « على است الدهر »(٨) أي : على وجهه و « باست فلان » إذا استخف به(٩) .

هذا ، و في ( القاموس المحيط ) الحماء الاست جمعه حم .

و في ( الأغاني ) : حكى ابن الكلبي أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لمّا افتتح مكة قدمت عليه وفود العرب ، فكان فيمن قدم قيس بن عاصم و عمرو بن أهتم ابن عمّه ، فلمّا صارا عنده تسابّا ، فقال قيس لعمرو : و اللَّه ما هم منّا ، و إنّهم لمن أهل الحيرة .

فقال عمرو : هو و اللَّه من الروم و ليس منّا ثم قال له :

____________________

( ١ ) ذكره الميداني في مجمع الأمثال و هو ( المعتمد ) الميداني ٢ : ١٦٧ ، يضرب لمن لم تكن له ثروة من مال و لا عدة من رجال .

( ٢ ) المصدر نفسه ٢ : ١٨ و يضرب فيمن غبن .

( ٣ ) المصدر نفسه ٢ : ١٢ ، و يضرب للباذل الهيئة يكون مخبره أكثر من مرآة و يضرب لمن خفي عليه شي‏ء و هو يظن انه عالم به .

( ٤ ) المصدر نفسه ٢ : ٩٥ .

( ٥ ) أساس البلاغة للزمخشري : ٢٠٢ .

( ٦ ) في مجمع الأمثال ١ : ٨٢ ، ذكره الميداني بلفظ تركته باست المتن ، و المتن ما طلب من الأرض أي تركته وحيدا ، و في أساس البلاغة : ٢٠٢ بلفظ الأرض .

( ٧ ) أورده الميداني بلفظ يا ابن استها إذا أخمظت خمارها ٢ : ٥٠٠ .

( ٨ ) للفيروز آبادي ٤ : ١٠١ .

( ٩ ) الزمخشري ، أساس البلاغة : ٢٠٢ مادة ( س ت ه ) .

٤٩٩

ظللت مفترش الهلباء تشتمني

عند الرسول فلم تصدق و لم تصب

الهلباء يعني استه ، يعيّره بذلك و بأن عانته وافية قال : و إنّما نسبه إلى الروم لأنّه كان أحمر ، فيقال : إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله نهاه عن هذا القول في قيس ، و قال :

إسماعيل بن إبراهيم كان أحمر(١) .

و في ( القاموس ) « و ام العزم و عزمه و ام عزمه مكسورات الاست »(٢) .

و في ( النهاية ) : قال الأشعث لعمرو بن معد يكرب : لئن دنوت لاضرّطنّك .

فقال عمرو : كلاّ إنّها لعزوم مفرّغة ، يريد أنّ استه ذات عزم و قوّة(٣) .

و في ( بديع ابن المعتز ) : قال عبد اللَّه بن أياد لسويد بن منجوف : اقعد على است الأرض فقال سويد : ما أعلم للأرض استا(٤) .

و في ( الصحاح ) : الوباعة بالعين و الغين : الاست(٥) .

و في ( تقريب المعاهد ) : قال المنصور الخالدي كنت ليلة عند التنوخي في ضيافة فأغفى إغفاء فخرجت منه ، فضحك بعض القوم فانتبه لضحكه فقال :

إذا نامت العينان من متيقّظ

تراخت بلا شكّ تشاريح فقحته

فمن كان ذا عقل فيعذر نائما

و من كان ذا جهل ففي جوف لحيته(٦)

و ذكروا أن المأمون وضع رأسه في حجر بوران بنت الحسن بن سهل

____________________

( ١ ) الأغاني ١٤ : ٨٨ .

( ٢ ) القاموس المحيط للفيروز آبادي ٤ : ١٥٠ .

( ٣ ) النهاية ١ : ٢٣٢ .

( ٤ ) البديع لابن المعتز : ٢٣ و في النسخة عبيد اللَّه و ليس عبد اللَّه بن أياد .

( ٥ ) الصحاح للجوهري ٣ : ١٢٩٤ مادة ( وبع ) .

( ٦ ) معاهد التنصيص ، لعبد الرحيم العباس : ١٨١ .

٥٠٠