بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٤

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة0%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 639

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

مؤلف: الشيخ محمد تقي التّستري
تصنيف:

الصفحات: 639
المشاهدات: 223629
تحميل: 7055


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 639 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 223629 / تحميل: 7055
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 14

مؤلف:
العربية

الرماح و أسود الصباح ، يعتنقون الأقران و يقتلون الفرسان ، و اما بنو مالك فجمع غير مفلول و عزّ غير مجهول ليوث هرارة و خيول كرارة ، و اما بنو دارم فكرم لا يدانى و شرف لا يسامى و عزّ لا يوازى .

فقال لها معاوية : أنت أعلم الناس بتميم ، فما قولك في علي ؟ قالت : حاز و اللَّه الشرف حدّا لا يوصف و غاية لا تعرف ، و باللَّه أسأل إعفائي ممّا أتخوّف(١) .

و في ( كامل المبرد ) : وجّه الحجاج البراء بن قبيصة إلى المهلب يستحثه في مناجزة القوم ، و كتب إليه انّك لتحبّ بقاءهم لتأكل بهم فقال المهلب لأصحابه : حركوهم فخرج فرسان من أصحابه إليهم فخرج إليهم جمع فاقتتلوا إلى الليل ، فقال لهم الخوارج : أما تملّون فقالوا : لا حتى تملّوا قالوا :

فمن أنتم ؟ قالوا : تميم قالت الخوارج : و نحن بنو تميم فلما أمسوا افترقوا .

فلما كان من الغد خرج عشرة من أصحاب المهلب و خرج إليهم عشرة من الخوارج ، فاحتفر كلّ واحد منهم حفيرة و أثبت قدمه فيها ، فكلّما قتل رجل منهم جاء رجل من أصحابه فاجتره و وقف مكانه حتى اعتموا فقال لهم الخوارج : ارجعوا فقالوا : بل ارجعوا أنتم فقالوا : ويلكم من أنتم ؟ قالوا : تميم .

قالوا : و نحن تميم فرجع براء بن قبيصة إلى الحجاج فقال له : مه ؟ قال : رأيت قوما لا يعين عليهم إلاّ اللَّه(٢) .

و في ( الطبري ) : وفد الأحنف بن قيس و جارية بن قدامة من بني ربيعة بن كعب و الجون بن قتادة العبشمي و الحتات بن يزيد أبو منازل أحد بني حوى بن سفيان بن مجاشع إلى معاوية ، فأعطى كلّ رجل منهم مائة ألف

____________________

( ١ ) بلاغات النساء ، لابن طيفور : ٧٤ .

( ٢ ) الكامل للمبرّد ٣ : ١١٢٨ ١١٢٩ .

٤١

و أعطى الحتات سبعين ألفا ، فلما كانوا في الطريق سأل بعضهم بعضا فأخبروا بجوائزهم ، فكان الحتات أخذ سبعين ألفا ، فرجع إلى معاوية فقال : ما ردّك ؟ قال : فضحتني في بني تميم ، أما حسبي بصحيح ؟ أولست ذا سن ؟

أولست مطاعا في عشيرتي ؟ فقال معاوية بلى قال : فما بالك خسست بي دون القوم ؟ فقال : اني اشتريت من القوم دينهم و وكلتك إلى دينك و رأيك في عثمان و كان عثمانيا فقال : و أنا فاشتر مني ديني فأمر له بتمام جائزة القوم و طعن في جائزته(١) قلت أي طعن بالوباء في إقامته لتحصيل ما أمر به فحبسها معاوية فقال الفرزدق في ذلك :

أبوك و عمي يا معاوية أورثا

تراثا فيحتاز التراث أقاربه

فما بال ميراث الحتات أخذته

و ميراث حرب جامد لك ذائبه

فلو أنّ هذا الأمر في جاهلية

علمت من المرء القليل حلائبه

و لو كان في دين سوى ذا شنأتم

لنا حقّنا أو غصّ بالماء شاربه

و لو كان إذ كنّا و في الكفّ بسطة

لصمم عضب فيك مضاربه

و قد رمت شيئا يا معاوي دونه

خياطيف علود صعاب مراتبه

____________________

( ١ ) تاريخ الطبري ٤ : ١٨٠ .

٤٢

و ما كنت أعطي النصف من غير قدرة

سواك و لو مالت عليّ كتائبه

ألست أعزّ الناس قوما و اسرة

و أمنعهم جارا إذا ضيم جانبه

و ما ولدت بعد النبي و آله

كمثلي حصان في الرجال يقاربه

أبي غالب و المرء ناجية الذي

إلى صعصع ينمي فمن ذا يناسبه

و بيتي إلى جنب الثريا فناؤه

و من دونه البدر المضي‏ء كواكبه

أنا بن الجبال الصم في عدد الحصى

و عرق الثرى عرقي فمن ذا يحاسبه

أنا بن الذي أحيى الوئيد و ضامن

على الدهر اذ عزت لدهر مكاسبه

و كم من أب لي يا معاوي لم يزل

أغرّ يباري الريح ما أزور جانبه

نمته فروغ المالكين و لم يكن

أبوك الذي من عبد شمس يقاربه

تراه كنصل السيف يهتزّ للندى

كريما يلاقي المجد ماطر شاربه

٤٣

طويل نجاد السيف مذ كان لم يكن

قصي و عبد الشمس ممّن يخاطبه(١)

فردّ ثلاثين ألفا على أهله .

و قال ابن أبي الحديد ذكر أبو عبيدة في ( تاجه ) أنّ لبني تميم مآثر لم يشركها فيها غيرهم ، أما بنو سعد بن زيد مناة فلها ثلاث خصال يعرفها العرب : إحداها كثرة العدد حتى ملأت السهل و الجبل ، عدلت مضر كثرة و عامة ، العدد منها في كعب بن سعد و لذلك قال سعد بن معزا :

كعبي من خير الكعاب كعبا

من خيرها فوارسا و عقبا

تعدل جنبا و تميم جنبا

و لذا كانت تسمى سعد الأكثرين و في المثل ( في كل واد بنو سعد ) .

و الثانية : الإفاضة في الجاهلية ، كان ذلك في بني عطارد و هم يتوارثون ذلك كابرا عن كابر حتى قام الاسلام ، و كانوا إذا اجتمع الناس أيام الحج بمنى لم يبرح أحد حتى يجوز القائم بذلك من آل كرب بن صفوان ، قال أوس بن معزا :

و لا يريمون في التعريف موقفهم

حتى يقال أجيزوا آل صفوانا

و الثالثة : أنّ منهم أشرف بيت في العرب الذي شرفته ملوك لخم ، قال المنذر بن المنذر بن ماء السماء ذات يوم و عنده وفود العرب و دعا ببردي أبيه : ليلبس هذين أعزّ العرب و أكرمهم حسبا فأحجم الناس فقال أحيمر بن خلف بن بهدلة : أنا لهما قال الملك : بماذا ؟ قال : بأنّ مضر أكرم العرب و أعزّها و أكثرها عديدا ، و إنّ تميما كأهلها و أكثرها و ان بيتها و عددها في بني بهدلة و هو جدّي قال : هذا في أصلك و عشيرتك ، فكيف في عترتك و أدانيك ؟ قال : أنا

____________________

( ١ ) ديوان الفرزدق ١ : ٥٢ ٥٣ .

٤٤

أبو عشرة و أخو عشرة و عم عشرة فدفعهما إليه و إلى هذا أشار الزبرقان في قوله :

و بردا ابن ماء المزن عمي اكتساهما

بفضل معدّ حيث عدّت محاصله

و لهم في الاسلام خصلة قدم قيس بن عاصم المنقري على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في نفر من بني سعد ، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : هذا سيّد أهل الوبر فجعله سيد خندف و قيس ممّن يسكن الوبر .

و أمّا بنو حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم فلهم خصال كثيرة ، فمن ذلك بيت زرارة بن عدس بن زيد بن دارم بن مالك بن حنظلة ، يقال انّه أشرف البيوت في بني تميم و من ذلك قوس حاجب بن زرارة المرهونة عند كسرى عن مضر كلّها و في ذلك قيل :

أقسم كسرى لا يصالح واحدا

من الناس حتى يرهن القوس حاجب

و من ذلك في صعصعة بن ناجية من مجاشع بن دارم ، و هو أول من أحيى الوئيد قام الإسلام و قد اشترى ثلاثمائة موءودة فأعتقهن و ربّاهن ، و كانت العرب تئد البنات خوف الإملاق .

و من ذلك غالب بن صعصعة أبو الفرزدق ، قرى مائة ضيف و احتمل عشر ديات لقوم لا يعرفهم و كان من حديث ذلك ان بني كلب بن وبرة افتخرت بينها في أنديتها ، فقالت : نحن لباب العرب الذين لا ينازعون حسبا و كرما فقال شيخ منهم : ان العرب غير مقرّة لكم بذلك ، ان لها احسابا و ان لها لبابا و ان لها فعالا ، و لكن ابعثوا مائة منكم في أحسن هيئة و بزة ينفرون من مروا به من العرب و يسألونه عشر ديات و لا ينتسبون له ، فمن قراهم و بذل لهم الديات فهو الكريم الذي لا ينازع فضلا فخرجوا حتى قدموا أرض بني تميم و أسد ، فنفروا الأحياء حيّا حيّا و ماء فماء لا يجدون أحدا على ما يريدون ،

٤٥

حتى مروا على أكثم بن صيفي فسألوه ذلك فقال : من هؤلاء القتلى و من أنتم و ما قصّتكم ، فان لكم لشأنا باختلافكم في كلامكم ؟ فعدلوا عنه ثم مروا بعتيبة بن الحرث بن شهاب اليربوعي فسألوه ذلك ، فقال : من أنتم ؟ قالوا :

فقال : اني لأبغي كلبا بدم فان انسلخ الأشهر الحرم و أنتم بهذه الأرض و أدرككم الخيل نكلت بكم و أثكلتكم امهاتكم فخرجوا من عنده مرعوبين .

فمروا بعطارد بن حاجب بن زرارة فسألوه ذلك فقال : قولوا أبياتا و خذوها .

فقالوا : أما هذا فقد سألكم قبل أن يعطيكم فتركوه و مرّوا ببني مجاشع بن دارم فأتوا على واد قد امتلأ من البعير فيها غالب بن صعصعة يهنأها ، فسألوه القرى و الديات فقال لهم : هاكم البذل قبل النزول ، فابتزوها من البرك و خذوا دياتكم ثم انزلوا فنزلوا و أخبروه بالحال و قالوا : أرشدك اللَّه من سيد قوم لقد أرحتنا من طول النصب و لو علمنا لقصدنا إليك ، فذلك قول الفرزدق :

فللَّه عينا من رأى مثل غالب

قرى ماه ضيفا و لم يتكلّم

و اذ نبحت كلب على الناس أنّهم

أحقّ بتاج الماجد المتكرّم

فلم يجز عن أحسابها غير غالب

جرى بعناني كل أبلج خضرم(١)

و أما بنو يربوع بن حنظلة فمنهم عتاب بن هرمي بن رباح ، كانت له ردافة ملوك آل المنذر ، و الردافة أن يثنى به في الشرب و إذا غاب الملك خلفه في مجلسه و ورث ذلك بنوه كابرا عن كابر حتى قام الإسلام(٢) .

و دخل الفرزدق على سليمان و كان يشنأه لكثرة بأوه و أغلظ في خطابه حتى قال : من أنت لا ام لك ؟ قال : أو ما تعرفني ؟ أنا من حي هم أوفى العرب و أحلم العرب و أسود العرب و أجود العرب و أشجع العرب فقال سليمان : و اللَّه

____________________

( ١ ) ديوان الفرزدق ٢ : ١٩٩ ٢٠٠ و الأصل الا هل علمتم من رأى قبل غالب .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١٥ : ١٢٦ ١٣٠ .

٤٦

لتحجن لما ذكرت أو لاوجعن ظهرك و لأبعدن دارك فقال : أما أوفى العرب فحاجب بن زرارة رهن قوسه عن العرب كلّها و أوفى ، و أمّا أحلم العرب فالأحنف يضرب به المثل حلما ، و أما أسود العرب فالحريش بن هلال السعدي ، و أما أجود العرب فخالد بن عتاب الرياحي ، و أما أشعر العرب فها أنا ذا عندك قال سليمان : فما جاء بك ؟ لا شي‏ء لك عندنا و غمّه ما سمع من عزّه و لم يستطع له ردا(١) .

قال ابن أبي الحديد : و لو ذكر الفرزدق عتيبة بن الحارث بن شهاب اليربوعي و قال انّه أشجع العرب لثقافته بالرمح ، و كان يقال له صيّاد الفوارس ، و سمّ الفوارس و هو الذي أسر بسطام بن قيس فارس ربيعة و شجاعها ، مكث عنده في القيد حتى استوفى فداه و جز ناصيته و خلّى سبيله على أن لا يغزو بني يربوع و لكن لم يذكره الفرزدق لأنّه كان تميميا ، لأن جريرا يفتخر به لأنّه من بني يربوع ، فحمله عداوة جرير على أن عدل عن ذكره(٢) .

قلت : لم يعلم كون وجهه ما ذكر ، لأن الانسان لا يفتخر بعمّه إذا كان في مقابل ابن عمه ، و أمّا إذا كان في مقابل أجنبي فيفتخر به و لو كان من أعدائه ، فهذا معاوية يفتخر ببني هاشم و هو أعدى عدوّهم في قبال ابن الزبير لكون امية و هاشم من عبد مناف .

ثم لم يذكر الفرزدق بدل الأحنف قيس بن عاصم المنقري ، فقيل للأحنف ممّن تعلمت الحلم ؟ قال : من قيس .

ثم ذكر قصّة عجيبة في حلمه و كيف كان ، فنقل ( أجواد التنوخي ) قصّة

____________________

( ١ ) ابن أبي الحديد ١٥ : ١٣٠ ١٣١ .

( ٢ ) ابن أبي الحديد ١٥ : ١٣١ .

٤٧

المنذر مع أحيمر و بدّل الأول بنعمان بن المنذر و الثاني بعامر بن أحيمر و زاد :

ان النعمان قال له : كيف أنت في نفسك ؟ فقال : و أما في نفسي فوضع قدمه في الأرض و قال : من أزالها عن مكانها فلم يقم إليه أحد .

ثم ما ذكره أبو عبيدة في فضائل تميم فضائل دنيوية التي كانت العرب تفتخر بها و لم يكن لهم فضائل دينية ، و كلامهعليه‌السلام لا يقتضي أكثر من فضائل دنيوية ، و كيف نقول بفضائل دينية لهم و قد نزل بذمّهم القرآن ، ففسّر قوله تعالى:( إنّ الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون ) (١) بهم .

ففي ( الطبري ) : قدم في سنة ( ٩ ) وفد تميم على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عطارد بن حاجب بن زرارة بن عدس التميمي في أشراف منهم ، منهم الأقرع بن حابس و الزبرقان بن بدر و عمر بن الأهتم و الحتات بن فلان و نعيم بن زيد و قيس بن عاصم و معهم عيينة بن حصين الفزاري ، فلما دخل وفد تميم المسجد نادوا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من وراء الحجرات أن أخرج إلينا يا محمد فآذى صياحهم النبي فخرج إليهم ، فقالوا : جئناك لتفاخرنا فأذن لشاعرنا و خطيبنا ؟ قال : نعم قد أذنت فقام عطارد بن حاجب فقال : الحمد للَّه الذي له علينا الفضل و هو أهله الذي جعلنا ملوكا ، و وهب لنا أموالا عظاما نفعل فيها المعروف ، و جعلنا أعزّ أهل المشرق و أكثره عددا و أيسره عدّة ، فمن مثلنا في الناس ، ألسنا برؤوس الناس و أولى فضلهم ، فمن يفاخرنا فليعدد مثل ما عددنا ، و انّا لو نشاء لأكثرنا الكلام و لكنّا نحيى من الاكثار فما أعطانا ، أقول هذا الان لتأتونا بمثل قولنا و بأمر أفضل من أمرنا .

إلى أن قال بعد ذكر أمر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ثابت بن قيس الخزرجي أن يجيب خطيبهم ، ثم قالوا : يا محمّد ائذن لشاعرنا فقال : نعم فقام الزبرقان

____________________

( ١ ) الحجرات : ٤ .

٤٨

بن بدر فقال :

نحن الكرام فلا حيّ يعادلنا

منّا الملوك و فينا تنصب البيع

و كم قسرنا من الأحياء كلّها

عند النهاب و فضل العز يتبع

و نحن نطعم عند القحط مطعمنا

من الشواء إذا لم يؤنس القزع

ثم ترى الناس تأتينا سراتهم

من كلّ أرض هويا ثم نصطنع

فننحر الكوم غبطا في أرومتنا

للنازلين إذا ما انزلوا شبعوا

فلا ترانا إلى حيّ نفاخرهم

إلاّ استقادوا و كاد الرأس يقتطع

إنّا أبينا و لا يأبى لنا أحد

إنّا كذلك عند الفخر نرتفع

فمن يقادرنا في ذاك يعرفنا

فيرجع القول و الأخبار تستمع

إلى أن قال بعد ذكر أمر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حسانا أن يجيب شاعرهم و امتثاله ، فلما فرغ حسان قال الأقرع بن حابس و ابي : ان هذا الرجل لمؤتى له ، لخطيبه أخطب من خطيبنا و شاعره أشعر من شاعرنا و أصواتهم أعلى من أصواتنا .

فلما فرغ القوم أسلموا و جوّزهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فأحسن جوائزهم(١) .

و كيف لا و كانوا من أتباع جمل عائشة كما كان ابن عباس يقول لهم .

و في ( الأغاني ) : قال ابن الزبير : ان بني تميم كانوا وثبوا على البيت قبل الاسلام بمائة و خمسين سنة فاستلبوه ، فاجتمعت العرب عليها لما انتهكت منه ما لم ينتهكه أحد قط فأجلتها من أرض تهامة(٢) .

هذا ، و في ( شعراء القتيبي ) : دسّ جرير رجلا إلى الأقيشر و قال له : اذهب إليه و قل له اني جئت لأهجو قومك و تهجو قومي فصار إليه بذلك فقال له الأقيشر : ممّن أنت ؟ قال : من بني تميم فقال الأقيشر :

____________________

( ١ ) تاريخ الطبري ٢ : ٣٧٧ .

( ٢ ) لم نعثر عليه في الأغاني .

٤٩

فلا أسدا نسبّ و لا تميما

و كيف يحلّ سبّ الأكرمينا

و لكن التقارض حلّ بيني

و بينك يابن مضرطة العجينا

فسمّى الرجل ابن مضرطة العجين(١) .

هذا ، و في ( المروج ) : كان سابور لما يقتل العرب أتى على بلاد البحرين و فيها يومئذ بنو تميم فأمعن في قتلهم ، ففروا و شيخهم يومئذ عمرو بن تميم و له يومئذ ثلاثمائة سنة و كان يعلق في عمود البيت في قفة قد اتخذت له فأرادوا حمله فأبى و قال : أنا هالك اليوم أو غدا و ماذا بقي لي من فسحة العمر و لعل اللَّه ينجيكم من صولة هذا الملك المسلّط على العرب فتركوه فصبحت خيل سابور الديار فنظروا ارتحل أهلها و نظروا إلى قفة في شجرة ، فأقبل عمرو لما سمع الصهيل يصيح بصوت ضعيف ، فأخذوه و جاؤوا به إلى سابور ، فنظر إلى دلائل الهرم عليه قيل له : من أنت أيّها الشيخ الفاني ؟ قال : أنا عمرو بن تميم بلغت من العمر ما ترى و قد هرب الناس لإسرافك في القتل و أنا سائلك عن أمر قال : قل قال : ما الذي يحملك على قتل رعيتك و رجال العرب ؟

فقال : أقتلهم لأنّا ملوك الفرس نجد في مخزون علمنا ان العرب ستدال علينا و يكون لهم الغلبة علينا فقال : ان كنت تعلم ذلك فلأن تحسن إليهم ليكافئوك عند ادالة الدولة لهم على قومك بإحسانك فهو أحزم في الرأي ، و ان كان باطلا فلم تستعجل الإثم و تسفك دماء رعيتك فقال : صدقت و نصحت فنادى مناديه بالأمان و رفع السيف(٢) .

« و إنّ لنا بهم رحما ماسة و قرابة خاصّة » الظاهر أنّهعليه‌السلام أشار إلى كون هند بن أبي هالة التميمي أخا فاطمة صلوات اللَّه عليها لامها و خال ابنيه

____________________

( ١ ) الشعراء للقتيبي : ١٣٤ .

( ٢ ) المروج ١ : ٢٨١ .

٥٠

الحسن و الحسينعليهما‌السلام لامّهما .

و قال ابن ميثم قيل تلك القرابة لاتصال هاشم و تميم عند الياس بن مضر و هو كما ترى ، فولد الياس مدركة و طابخة و قمعة ، و من كلّ منهم قبائل كثيرة ، و تميم من طابخة كالرباب و ضبة و مزينة(١) .

و في ( فتوح البلاذري ) : إنّ سياه الأسواري الذي كان على مقدّمة يزدجرد ثم دخل الاسلام و شهد مع أبي موسى حصار تستر لما صار هو و أصحابه إلى البصرة سألوا : أيّ الأحياء أقرب نسبا إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ فقيل : بنو تميم و كانوا على أن يحالفوا الأزد ، فتركوهم و حالفوا بني تميم ، ثم خطت لهم خططهم فنزلوا و حفروا نهرهم المعروف بنهر الأساورة(٢) .

و في ( المعمرون ) لأبي حاتم : قال هشام : أخبرني عن واحد من بني تميم قالوا كانت الأتاوة أي الخراج من مضر في الكبر و القعدد في النسب ، فصارت إلى بني عمرو بن تميم فوليها ربيعة بن عزى بن بزى الأسيدي فطال عمره و هو أبو الحفاد و هو القائل : يا أبا الحفاد أفناك الكبر(٣) .

« نحن مأجورون على صلتها » في ( الكافي ) : عن أبي جعفرعليه‌السلام : ان الرحم متعلقة يوم القيامة بالعرش تقول : اللّهم صل من وصلني و اقطع من قطعني(٤) .

و عن أمير المؤمنينعليه‌السلام : صلوا أرحامكم و لو بالتسليم ، يقول تعالى . .( اتقوا اللَّه الذي تساءلون به و الأرحام ان اللَّه كان عليكم رقيباً ) (٥) .

« و مأزورون » و أصله ( موزورون ) لأنّه من الوزر ، و انّما قالعليه‌السلام

____________________

( ١ ) ابن ميثم ٤ : ٣٩٧ .

( ٢ ) الفتوح للبلاذري : ٥١٩ .

( ٣ ) المعمرون لأبي حاتم : ١٠٣ .

( ٤ ) الكافي ٢ : ١٥١ ح ١٠ .

( ٥ ) النساء : ١ ، و قد أخرج الحديث الكليني ٢ : ١٥٥ ح ٢٢ .

٥١

« مأزورون » لمكان « مأجورون » .

« على قطيعتها » عنهعليه‌السلام : ان الرحم معلقة بالعرش تقول : اللّهم صل من وصلني و اقطع من قطعني .

« فأربع » أي : تحبس .

« أبا العباس » هو كنية ابن عباس .

« رحمك اللَّه » معترضة .

« فيما جرى على لسانك و يدك » هكذا في ( المصرية )(١) و الصواب : « على يدك و لسانك » كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية ) .

« من خير و شر » فإن كان خيرا فاعمله ، و ان كان شرّا فاجتنبه .

« فإنّا شريكان في ذلك » لأنّه لو لا السلطان ما قدر الوالي(٢) .

« و كن عند صالح ظنّي بك » من إجراء الامور على مجاريها الصحيحة .

« و لا يفيلن رأيي فيك » أي : لا يخطى‏ء فراستي فيك يقال فال الرأي يفيل أي ضعف و مما قيل في ذمّهم :

إذا ما تميميّ أتاك مفاخرا

فقل عدّ عن ذا كيف أكلك للضب

و لما راجز أبو النجم العجلي العجاج بن رؤبة من زيد بن تميم قال له فيما قال :

عيشي تميم و اصغري فيمن صغر

و باشري الذل و أعطي من عشر

و أمّري الانثى عليك و الذكر

____________________

( ١ ) الطبعة المصرية : ٥٥٤ .

( ٢ ) ابن أبي الحديد ١٥ : ١٢٥ ، و ابن ميثم ٤ : ٣٩٥ ، كذلك النسخة الخطية : ٢٣٨ .

٥٢

٤ الحكمة ( ٤٥٥ ) و سئل عن أشعر الشعراء فقالعليه‌السلام :

إِنَّ اَلْقَوْمَ لَمْ يَجْرُوا فِي حَلْبَةٍ تُعْرَفُ اَلْغَايَةُ عِنْدَ قَصَبَتِهَا فَإِنْ كَانَ وَ لاَ بُدَّ فَالْمَلِكُ اَلضِّلِّيلُ ( يريد امرأ القيس ) .

أقول : قال ابن أبي الحديد في ( أمالي ابن دريد الحرموزي ) : عن ابن المهلبي عن ابن الكلبي عن شداد بن ابراهيم عن عبيد اللَّه بن الحسن العنبري عن ابن عرادة قال : كان عليعليه‌السلام يعشي الناس في شهر رمضان باللحم و لا يتعشى معهم فإذا فرغوا خطبهم و وعظهم ، فأفاضوا ليلة في الشعراء و هم على عشائهم ، فلما فرغوا خطبهم و قال في خطبته « ان ملاك أمركم الدين و عصمتكم التقوى و زينتكم الأدب و حصون أعراضكم الحلم » ثم قال : يا أبا الأسود قل فيما كنتم تفيضون فيه ، أيّ الشعراء أشعر فقال : الذي يقول :

و لقد اغتدى يدافع ركني

أعوجي ذو ميعة أضريج

مخلط مزيل معن مقن

مفنخ مطرح سيوح خروج

يعني أبا داود الإيادي فقالعليه‌السلام : ليس به قالوا : فمن ؟ فقالعليه‌السلام : لو رفعت للقوم غاية فجروا إليها معا علمنا من السابق منهم ، و لكن ان يكن فالذي لم يقل عن رغبة و لا رهبة قيل : من هو ؟ قال : هو الملك الضليل ذو القروح قيل :

امرؤ القيس ؟ قالعليه‌السلام : هو(١) .

قلت : و رواه أبو الفرج في ( أغانيه ) في ( أبي داود الإيادي ) بإسناده عن شداد لكن فيه « شداد بن عبيد اللَّه » لا « شداد بن إبراهيم » عن عبيد اللَّه بن الحر لا

____________________

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ، في أمالي ابن دريد ٢٠ : ١٥٣ .

٥٣

« ابن الحسن » عن أبي عرادة لا « ابن عرادة » و لا بد أن أحدهما تحريف كلاّ أو بعضا .

و متنه أيضا هكذا : كان علي صلوات اللَّه عليه يفطر الناس في شهر رمضان ، فإذا فرغ من العشاء تكلّم فأقلّ و أوجز فأبلغ ، فاختصم الناس ليلة حتى ارتفعت أصواتهم في أشعر الناس ، فقالعليه‌السلام لأبي الأسود : قل فقال و كان يتعصّب لأبي داود الإيادي أشعرهم الذي يقول :

و لقد اغتدى يدافع ركني

أحوذي ذو ميعة اضريج

مخلط مزيل مكر مفر

منفخ مطرح سبوح خروج

سلهب سرحب كأنّ رماحا

حملته و في السراة دموج

فأقبلعليه‌السلام على الناس و قال : كلّ شعرائكم محسن و لو جمعهم زمان واحد و غاية واحدة و مذهب واحد في القول لعلمنا أيّهم أسبق إلى ذلك ، و كلّهم قد أصاب الذي أراد و أحسن فيه ، و إن يكن أحد أفضلهم فالذي لم يقل رغبة و لا رهبة امرؤ القيس بن حجر فانّه كان أصحّهم بادرة و أجودهم نادرة(١) .

قول المصنّف : « و سئل من أشعر الشعراء » هكذا في ( المصرية )(٢) ، و الصواب : « و سئلعليه‌السلام عن أشعر الشعراء » كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية )(٣) .

و كيف كان فقال ابن أبي الحديد قال أبو الفرج في ( أغانيه ) : لا خلاف أنّ امرأ القيس و زهيرا و النابغة مقدّمون على الشعراء كلّهم ، و إنما اختلف في تقديم بعضهم على بعض ثم نقل عن ( الأغاني ) روايات عن جرير و الأحنف

____________________

( ١ ) الأغاني لأبي الفرج ١٦ : ٣٧٦ .

( ٢ ) الطبعة المصرى : ١٦٧ .

( ٣ ) شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد ٢٠ : ١٥٣ ، و شرح نهج البلاغة لابن ميثم ٥ : ٤٥٨ ، و النسخة لا خطية ٣٣٠ .

٥٤

و الحطيئة في تقديم زهير ، و قال : روي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أيضا : أفضل شعرائكم القائل « و من و من » يعني زهيرا في قصيدته « أمن أم أوفى » ففيها :

و من يك ذا فضل فيبخل بفضله

على قومه يستغن عنه و يذمم

و من لم يذد عن حوضه بسلاحه

يهدم و من لم يظلم الناس يظلم

و من هاب أسباب المنايا ينلنه

و لو نال أسباب السماء بسلّم

و من لم يجعل المعروف من دون عرضه

يفره و من لا يتّق الشتم يشتم

ثم نقل عنه روايات عن عمر و عبد الملك و أبي الأسود و أبي عمرو و الشعبي في تقديم النابغة ، و نقل عن النقيب أيضا تفضيل النابغة في اعتذاره إلى النعمان(١) .

قلت : و بعدهم باقي السبعة صاحب السبع المعلّقات ، و هذا معنى بحث عنه في كلّ زمان عموما و خصوصا و كلّ قال بهواه ، ففي ( الأغاني ) : أنّ المأمون قال لعبد اللَّه بن طاهر : من أشعر من قال الشعر في خلافة بني هاشم ؟

قال : الذي يقول :

أيا قبر معن كنت أوّل حفرة

من الأرض خطّت للسماحة موضعا

فقال أحمد بن يوسف : بل أشعرهم الذي يقول :

وقف الهوى بي حيث أنت فليس لي

متأخر عنه و لا متقدّم

فقال له المأمون : أبيت إلا غزلا أين أنتم عن الذي يقول :

____________________

( ١ ) شرح نهج البلاغة لبن أبي الحديد ٢٠ : ١٥٥ .

٥٥

يا شقيق النفس من حكم

نمت عن عيني و لم أنم(١)

و في ( تاريخ بغداد ) : قيل لأبي حاتم : من أشعر الناس ؟ قال : الذي يقول :

و لها مبتسم كثغر الأقاحي

و حديث كالوشي وشي البرود

نزلت في السواد من حبة القلب

و زادت زيادة المستزيد

عندها الصبر عن لقائي و عندي

زفرات يأكلن صبر الجليد(٢)

يعني بشارا و كان يقدمه على جميع الناس .

و فيه قال خالد الكاتب : بينا أنا مارّ بباب الطاق إذا براكب خلفي على بغلة ، فلما لحقني نخسني بسوطه فقال : أنت القائل « و ليل المحب بلا آخر » ؟

قلت : نعم قال : وصف امرؤ القيس الليل الطويل في ثلاث أبيات و وصفه النابغة في ثلاثة أبيات و وصفه بشّار في ثلاثة أبيات ، و برزت عليهم بشطر قلته ؟ قلت : و بم وصفه امرؤ القيس ؟ قال : بقوله :

و ليل كموج البحر أرخى سدوله

عليّ بأنواع الهموم ليبتلي

فقلت له لمّا تمطّى بصلبه

و أردف أعجازا و ناء بكلكل

ألا أيّها الليل الطويل ألا انجلي

بصبح و ما الإصباح منك بأمثل(٣)

قلت : و بم وصف النابغة ؟ فقال : بقوله :

كليني لهمّ يا اميمة ناصب

و ليل اقاسيه بطي‏ء الكواكب

و صدر أزاح الليل عازب همّه

فضاعف فيه الهمّ من كلّ جانب

تقاعس حتى قلت ليس بمنقض

و ليس الذي يهدي النجوم بآئب

قلت : و بم وصفه بشّار ؟ فقال : بقوله :

____________________

( ١ ) الاغاني ٢٦ : ٤٠٢ .

( ٢ ) تاريخ بغداد ٧ : ١١٧ .

( ٣ ) ديوان امرؤ القيس : ٤٨ ٤٩ .

٥٦

خليلي ما بال الدجى لا تزحزح

و ما بال ضوء الصبح لا يتوضح

أظن الدجى طالت و ما طالت الدجى

و لكن أطال الليل سقم مبرح

أضلّ النهار المستنير طريقه

أم الدهر ليل كلّه ليس يبرح

إلى أن قال : فلما مضى سألت عنه فقيل : هو أبو تمام الطائي .

و هذا مع كونه عن هوى لا يبعد حيث انّه هو راوي مدح بيته وضعه له لترويجه ، و إلا فأين المعاني العالية التي تضمّنها ثلاثة الثلاثة من شطره العامي(١) .

و فيه : قال مسلمة بن مهدي : قلت لأبي العتاهية : من أشعر الناس ؟ فقال :

جاهليا أم إسلاميا أم مولدا ؟ قلت : كل قال : الذي يقول في المديح :

إذا نحن أثنينا عليك بصالح

فأنت كما تثنى و فوق الذي تثنى

و ان جرت الألفاظ منّا بمدحة

لغيرك إنسانا فأنت الذي تعنى

و الذي يقول في الزهد :

و ما الناس إلاّ هالك و ابن هالك

و ذو نسب في الهالكين عريق

إذا امتحن الدّنيا لبيب تكشفت

له عدوّ في ثياب صديق

و لقيت العتابي فسألته عن ذلك ، فردّ علي مثل ذلك(٢) .

و فيه قال مسعود بن بشر : لقيت ابن مناذر بمكّة و كان عالما بالشعر زاهدا في الدنيا فقلت له : من أشعر الناس ؟ فقال : من إذا شبب لعب و إذا أخذ في ماجد قصد قلت : مثل من ؟ قال : مثل جرير إذ يقول :

ان الذين غدوا بلبك غادروا

و شلا بعينك لا يزال معينا

غيضن من عبراتهن و قلن لي

ماذا لقيت من الهوى و لقينا

____________________

( ١ ) تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ٨ : ٣١٢ .

( ٢ ) تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ٧ : ٣٤٤ ، و الأدبيات لأبي نؤاس .

٥٧

ثم قال حين جدّ :

ان الذي حرم الخلافة تغلبا

جعل الخلافة و النبوّة فينا

مضر أبي و أبو الملوك فهل لكم

يا جرو تغلب من أب كأبينا ؟

هذا ابن عمي في دمشق خليفة

لو شئت ساقكم إليّ قطينا(١)

و فيه : قال صدقة بن محمد : اجتمع عند المأمون ذات يوم عدّة من الشعراء ، فقال أيّكم القائل :

فلما تحساها وقفنا كأننا

نرى قمرا في الأرض يبلغ كوكبا(٢)

قالوا : أبو نؤاس قال فالقائل :

إذا نزلت دون اللهاة من الفتى

دعا همه عن صدره برحيل(٣)

قالوا : أبو نؤاس قال فالقائل :

فتمشت في مفاصلهم

كتمشي البرء في السقم(٤)

قالوا : أبو نؤاس قال هو إذن أشعركم(٥) .

و فيه : قال أبو العتاهية : قلت عشرين ألف بيت في الزهد و ودت أنّ لي مكانها أبياتا ثلاثة قالها أبو نؤاس هي :

يا نواسي توقّر

و تعزّ و تصبّر

ان يكن ساءك دهر

ان ما ساءك أكثر

يا كبير الذنب عفو اللَّه

من ذنبك أكبر(٦)

____________________

( ١ ) تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ٧ : ٤٤٤ .

( ٢ ) في الديوان ذكر بيت الشعر بشكل آخر راجع : ٣٧ .

( ٣ ) ديوان أبي نؤاس : ٤٠٩ .

( ٤ ) ديوان أبي نؤاس : ٤٥٧ .

( ٥ ) تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ٧ : ٤٤٥ .

( ٦ ) ديوان أبي نؤاس : ٢٨٨ مع تغيير في بعض الألفاظ .

٥٨

و كانت هذه الأبيات مكتوبة على قبر أبي نؤاس .

و عن المناقب : قيل للأصمعي من أشعر الناس ؟ قال : من قال :

و كأن أكفّهم و الهام تهوي

عن الأعناق تلعب بالكرينا

فقال : هو السيّد الحميري فقال : هو و اللَّه أبغضهم إليّ .

و بالجملة إذا أعجبهم شعر حكموا بأشعرية قائله ، و إنّما يحتاج الحكم إلى الاطلاع على أشعار جميعهم و المقايسة بينها و قالوا : إنّ لبيدا أنشد النابغة قوله :

ألم تلمم على الدمن الخوالي

لسلمى بالمذائب فالقفال

فقال له : أنت أشعر هوازن فأنشده قوله :

عفت الديار محلّها فمقامها

بمنى تأبّد غولها فرجامها

فقال له : اذهب فأنت أشعر العرب(١) .

و في ( الشعراء ) لابن قتيبة : أنشد العتبي مروان بن أبي حفصة لزهير .

فقال : هذا أشعر الناس ، ثم أنشده للأعشى فقال بل هذا أشعر الناس ، ثم أنشده لأمرى‏ء القيس فكأنما سمع غناء على الشراب فقال : امرؤ القيس و اللَّه أشعر الناس(٢) .

و القول الفصل ما قالهعليه‌السلام من كون امرى‏ء القيس أفضلهم على الجملة ، و أما ما روي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّ أفضلهم زهير ، فإن صحّت الرواية فمحمول على أنّ المراد كونه أفضلهم من حيث بيان الكلمات الحكمية كما في قصيدته تلك ، و هو لا ينافي كون امرى‏ء القيس أفضل منه في التشبيهات و المعاني الشعرية ، مع أنّه يأتي أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله جعل امرأ القيس سابق الشعراء و جعله

____________________

( ١ ) مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب ٣ : ٢٢١ .

( ٢ ) الشعر و الشعراء لابن قتيبة : ٩ .

٥٩

الفرزدق مع الحطيئة و اسمه جرول و المخبل السعدي و كنيته أبو يزيد من النوابغ فقال :

وهب القصائد للنوابغ إذ مضوا

و أبو يزيد و ذي القروح و جرول

و أمّا في ( المناقب ) : عن أبي محمد الفحام قال : سأل المتوكل ابن الجهم عن أشعر الناس ؟ فذكر شعراء الجاهلية و الإسلام ثم إنّه سأل الهاديعليه‌السلام فقال : الجماني حيث يقول :

لقد فاخرتنا من قريش عصابة

بمطّ خدود و امتداد أصابع

فلما تنازعنا المقال قضى لنا

عليهم بما يهوى نداء الصوامع

ترانا سكوتا و الشهيد بفضلنا

عليهم جهير الصوت في كلّ جامع

فإنّ رسول اللَّه أحمد جدّنا

و نحن بنوه كالنجوم الطوالع

ل المتوكل : أشهد أنّ محمّدا رسول اللَّه فقالعليه‌السلام : محمّد جدّي أم جدّك ؟ فضحك المتوكل و قال : هو جدّك لا ندفعك عنه(١) .

فلا ينافي كلام جدّهعليه‌السلام ، لأن كلامه في شعراء الجاهلية و كلام الهادي في شعراء الإسلام ، و كلامه من حيث العموم و كلام الهادي من حيث الخصوص .

ثم إنّه كما كان أبو الأسود يعتقد تقدّم أبي داود ، يعتقد ابن عباس تقدم زهير ، فروى الطبري في ذكر شي‏ء من سير عمر عن عكرمة عن ابن عباس قال : بينما عمر و بعض أصحابه يتذاكرون الشعر فقال بعضهم : فلان أشعر .

و قال بعضهم : بل فلان أشعر أقبلت فقال : قد جاءكم أعلم الناس بها فقال لي :

من شاعر الشعراء يابن عباس ؟ قلت : زهير بن أبي سلمى فقال : هلم من شعره ما نستدلّ به على ما ذكرت فقلت : امتدح قوما من بني عبد اللَّه بن غطفان فقال :

____________________

( ١ ) مناقب آل أبي طالب لبن شهر آشوب ٤ : ٤٠٦ .

٦٠