بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٤

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة0%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 639

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

مؤلف: الشيخ محمد تقي التّستري
تصنيف:

الصفحات: 639
المشاهدات: 223466
تحميل: 7054


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 639 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 223466 / تحميل: 7054
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 14

مؤلف:
العربية

المعروف له الطلب إليهم و حظر عليهم قضاءه كما يحرّم الغيث على الأرض المجدبة ليهلكها و يهلك أهلها(١) .

و قال ابن أبي الحديد رأى العباس بن مأمون يوما بحضرة المعتصم خاتما في يد إبراهيم بن المهدي ، فاستحسنه فقال له : ما فص هذا الخاتم و من أين حصلته ؟ قال : هذا خاتم رهنته في دولة أبيك و افتككته في دولة الخليفة .

فقال له العباس : إن لم تشكر أبي على حقنه دمك ، فأنت لا تشكر الخليفة على فكّه خاتمك و قال الشاعر :

لعمرك ما المعروف في غير أهله

و في أهله إلاّ كبعض الودائع

فمستودع ضاع الذي كان عنده

و مستودع ما عنده غير ضائع

و ما النّاس في شكر الصنيعة عندهم

و في كفرها إلاّ كبعض المزارع

فمزرعة طابت و أضعف نبتها

و مزرعة أكدت على كلّ زارع(٢)

٥٩ الحكمة ( ٢٠٨ ) و قالعليه‌السلام :

مَنْ حَاسَبَ نَفْسَهُ رَبِحَ وَ مَنْ غَفَلَ عَنْهَا خَسِرَ وَ مَنْ خَافَ أَمِنَ وَ مَنِ اِعْتَبَرَ أَبْصَرَ وَ مَنْ أَبْصَرَ فَهِمَ وَ مَنْ فَهِمَ عَلِمَ « من حاسب نفسه ربح » في ( الكافي ) عن الكاظمعليه‌السلام : ليس منّا من لم يحاسب نفسه في كلّ يوم ، فإن عمل حسنة استزاد اللَّه تعالى ، و إن عمل سيّئة استغفر اللَّه منها و تاب إليه(٣) .

____________________

( ١ ) الكافي للكليني ٤ : ٢٥ ح ٢ ، عن أبي حمزة الثمالي .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١٩ : ٢٤ .

( ٣ ) الكافي للكليني ٢ : ٤٥٣ .

٥٤١

« و من غفل عنها خسر » عن الباقرعليه‌السلام : لا يغرّنّك الناس من نفسك ، فإنّ الأمر يصل إليك دونهم ، و لا تقطع نهارك بكذا و كذا ، فإنّ معك من يحفظ عليك عملك .(١) .

« و من خاف أمن » و أمّا من خافَ مقامَ ربِّه و نهى النّفس عن الهوى .

( فإنّ الجنَّةَ هي المأوى ) (٢) .

« و من اعتبر أبصر » الاعتبار سبب لابصار جديد ، و إن كان هو بإبصار تليد ، قال تعالى :( فاعتبروا يا اُولي الأَبصار ) (٣) .

« و من أبصر فهم و من فهم علم » حمل الفهم على معرفة المقدّمات ، و العلم على معرفة النتيجة الّتي هي الثمرة الشريفة .

٦٠ الحكمة ( ٢٤٠ ) و قالعليه‌السلام :

اَلْحَجَرُ اَلْغَصِيبُ فِي اَلدَّارِ رَهْنٌ عَلَى خَرَابِهَا أقول هكذا في ( الطبعة المصرية ) بلفظ « الغصيب »(٤) و الصواب :

( الغصب ) كما في ابن أبي الحديد(٥) و ابن ميثم(٦) و النسخة الخطية(٧) ، و الغصب هنا بمعنى المغصوب كما في قولهم : « شي‏ء غصب » .

____________________

( ١ ) الاختصاص للمفيد : ٢٣١ .

( ٢ ) النازعات : ٤٠ ٤١ .

( ٣ ) الحشر : ٢ .

( ٤ ) النسخة المصرية شرح محمّد عبده : ٧١٠ رقم ( ٢٤٢ ) .

( ٥ ) في شرح ابن أبي الحديد ١٩ : ٧٢ رقم ( ٢٣٧ ) بلفظ « الغصب » .

( ٦ ) شرح ابن ميثم النسخة المنقحة ٥ : ٣٦١ رقم ( ٢٢٦ ) بلفظ « الغصيب » .

( ٧ ) سقط النصّ من النسخة الخطية ( المرعشي ) .

٥٤٢

في ( كامل الجزري ) : و في سنة ( ٥٠٠ ) عزل الوزير أبو القاسم عليّ بن جهير و أمر الخليفة بنقض داره التي بباب العامّة و فيها عبرة ، فإنّ أباه أبا نصر بن جهير بناها بأنقاض أملاك الناس و أخذ بسببها أكثر ما دخل فيها فخربت عن قريب(١) .

و قال ابن أبي الحديد : قال ابن بسّام لابن مقلة لمّا بنى داره بالزاهر ببغداد من الغصب و ظلم الرعية :

بجنبك داران مهدومتان

و دارك ثالثة تهدم

و أشار بالدارين المهدومتين إلى دار ابن الفرات و دار ابن الجرّاح أي :

الوزيرين و قال أيضا :

قل لابن مقلة مهلا لا تكن عجلا

فإنّما أنت في أضغاث أحلام

تبني بأنقاض دور النّاس مجتهدا

دارا ستنقض أيضا بعد أيّام

و صار كما قال ، فنقضت داره في أيام الراضي حتى سوّيت بالأرض(٢) .

« قال الرضي و يروى هذا الكلام عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله » هكذا في ( الطبعة المصرية )(٣) لكن في ابن أبي الحديد « قال الرضي : و قد روي ما يناسب هذا الكلام عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله »(٤) و في ابن ميثم : « و نحو هذا الكلام قول الرسول : اتقوا الحرام في البنيان فإنّه أسباب الخراب »(٥) .

« و لا عجب أن يشتبه الكلامان لأن مستقاهما من قليب » أي : بئر واحدة ، قال أبو عبيد « قليب » البئر العادية القديمة .

____________________

( ١ ) الكامل في التاريخ لابن الأثير الجزري ١٠ : ٤٣٨ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١٩ : ٧٢ .

( ٣ ) النسخة المصرية المنقحة : ٧١٠ .

( ٤ ) شرح ابن أبي الحديد ١٩ : ٧٢ ٧٣ .

( ٥ ) شرح ابن ميثم ٥ : ٣٦٢ .

٥٤٣

« و مفرغهما » من فرغ الماء بالكسر ، أي : انصبّ « من ذنوب » بالفتح ، قال ابن السّكّيت : ذنوب ، دلو فيها ماء قريب من الملا تؤنث و تذكر(١) ، و لا يقال لها ذنوب و هي فارغة .

و في معنى قول المصنف قول البحتري :

عودهما من نبعة و ثراهما

من تربة و صفاهما من مقطع(٢)

٦١ الحكمة ( ٢٤١ ) و قالعليه‌السلام :

إِذَا كَثُرَتِ اَلْمَقْدِرَةُ قَلَّتِ اَلشَّهْوَةُ عشق رجل جارية و كان يتحرّق في ذلك ، فقيل له : لم لا تشتريها فإنّها ليست كالحرّة عسرة المطلب ؟ قال : إنّي إن ملكتها تذهب شهوتها و في ذلك أجد لذّة .

٦٢ الحكمة ( ٢٤٧ ) و قالعليه‌السلام :

اَلْكَرَمُ أَعْطَفُ مِنَ اَلرَّحِمِ قال البحتري في إبراهيم بن الحسن بن سهل :

بنعمتكم يا آل سهل تسهّلت

عليّ نواحي دهري المتوعّر

شكرتكم حتى استكان عدوّكم

و من يول ما أوليتموني يشكر

____________________

( ١ ) اصلاح المنطق لابن السكيت : ١٦٤ .

( ٢ ) ديوان البحتري ٢ : ٢١٩ .

٥٤٤

ألست ابنكم دون البنين و أنتم

أحباء أهلي دون معن و بحتر(١)

و كانت خنساء إلى أخيها من أبيها صخر أعطف منها إلى أخيها من أبويها معاوية لكرم صخر إليها(٢) .

و في ( شعراء ابن قتيبة ) : لم تزل خنساء تبكي صخرا حتى عميت و دخلت على عائشة و عليها صدار من شعر ، فقالت لها : ما هذا فو اللَّه لقد مات النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فلم ألبس عليه صدارا قالت لها : إن له حديثا ، إنّ أبي زوّجني سيّدا من سادات قومي متلافا معطافا ، فأنفد ماله فقال لي : إلى أين يا خنساء ، فقلت :

إلى أخي صخر ، فأتيناه فقاسمنا ماله و أعطانا خير النصفين ، فأقبل زوجي يعطي و يهب و يحمل حتى أنفده ثم قال لي : إلى أين يا خنساء ؟ قلت : إلى أخي صخر ، فأتيناه و قاسمنا ماله و أعطانا خير النصفين إلى الثالثة ، فقالت له امرأته : أما ترضى أن تقاسمهم مالك حتى تعطيهم خير النصفين فقال لها :

و اللَّه لا أمنحها شرارها

و لو هلكت قدّدت خمارها

و اتّخذت من شعرها صدارها

فذلك الّذي دعاني إلى لبس الصدار(٣) .

ثم كما أن الكرم أعطف من الرحم كذلك المودّة أعطف منها ، قال العتابي :

إنّي بلوت الناس في حالاتهم

و خبرت ما وصلوا من الأسباب

فإذا القرابة لا تقرّب قاطعا

و إذا المودة أقرب الأنساب(٤)

____________________

( ١ ) ديوان البحتري ١ : ١٨٥ .

( ٢ ) أعلام النساء لعمر رضا كحالة : ٣٦٥ .

( ٣ ) الشعر و الشعراء لابن قتيبة : ١٢٤ ١٢٥ .

( ٤ ) الأغاني للأصفهاني ١٧ : ١١٧ .

٥٤٥

٦٣ الحكمة ( ٢٥٤ ) و قالعليه‌السلام :

يَا اِبْنَ آدَمَ كُنْ وَصِيَّ نَفْسِكَ فِي مَالِكَ وَ اِعْمَلْ فِيهِ مَا تُؤْثِرُ أَنْ يُعْمَلَ فِيهِ مِنْ بَعْدِكَ هكذا في ( الطبعة المصرية )(١) ، و لفظ « في مالك » زائدة ، فليس في ابن أبي الحديد(٢) و ابن ميثم(٣) و النسخة الخطية(٤) ، و لا يحتاج المعنى إليه .

« و اعمل فيه ما تؤثر أن يعمل فيه من بعدك » هكذا في ( الطبعة المصرية )(٥) و الصواب ما في الثلاثة ( و اعمل في مالك ما تؤثر أن يعمل فيه من بعدك ) فبعد عدم وجود « في مالك » أوّلا كما عرفت ، لا بدّ من ذكره هنا ، يعني أن أغلب الأوصياء لا يعملون و يبدلون ، فإن كنت ناصح نفسك فكن أنت المتصدّي لنفسك .

و في ( سبب وقف غيبة الشيخ ) عن الحسين بن أحمد بن فضّال قال :

كنت أرى عند عمّي علي بن فضّال شيخا من أهل بغداد و كان يهازل عمي فقال له يوما : ليس شرّا منكم يا معشر الشيعة قال له : لم لعنك اللَّه ؟ قال : أنا زوج بنت أحمد بن أبي بشر السرّاج قال لي لمّا حضرته الوفاة : كان عندي عشرة آلاف دينار وديعة لموسى بن جعفرعليه‌السلام فدفعت ابنه عنها بعد موته و شهدت أنّه لم يمت ، فاللَّه اللَّه خلّصوني من النار و سلّموها إلى الرّضا قال :

____________________

( ١ ) النسخة المصرية : ٧١٣ رقم ( ٢٥٦ ) .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١٩ : ٩٥ .

( ٣ ) شرح ابن ميثم ٥ : ٥٦٣ رقم ( ٢٤٠ ) النسخة المنقحة مطابقة للنسخة المصرية : ٧١٣ رقم ( ٢٥٦ ) .

( ٤ ) سقط النصّ من النسخة الخطية ( المرعشي ) .

( ٥ ) راجع المصدرين السابقين فهما متطابقين أيضا في التكملة .

٥٤٦

فو اللَّه ما أخرجنا حبة و لقد تركناه يصلى في نار جهنم(١) .

و كان السجادعليه‌السلام : كلّما مرض أوصى بوصية فإذا برى‏ء أجرىعليه‌السلام بنفسه ما أوصى به(٢) .

هذا ، و في كنز الكراجكي قال المفيد : دخل رجل صحيح على مريض فقال له : أوص فقال له : بم أوصي و انّما يرثني زوجتاك و اختاك و خالتاك و عمتاك و جدتاك .

و قال في شرح الكلام : إنّ ذاك المريض كان تزوج جدّتي ذاك الصحيح امّ أمّه و امّ أبيه ، فأولد كلّ واحدة منهما ابنتين فابنتاه من جدته امّ أمّه خالتا ذاك الصحيح و ابنتاه من جدّته امّ أبيه عمتا ذاك ، و تزوج الصحيح جدتي المريض و تزوج أبو المريض ام الصحيح فأولدها ابنتين ، و حينئذ فقد ترك المريض إذا مات أربع بنات هما عمتا الصحيح و خالتاه و ترك جدتيه زوجتي الصحيح و ترك زوجتيه جدتي الصحيح و ترك اختيه لأبيه و هما اختا الصحيح لامه ، فلبناته الثلثان و لزوجتيه الثمن و لجدتيه السدس و لاختيه لأبيه ما بقي .

و هذه القسمة على مذهب العامة دون الخاصة(٣) .

____________________

( ١ ) الغيبة للطوسي : ٦٦ و ٦٧ ، و نقله عنه المجلسي في بحار الأنوار ٤٨ : ٢٥٥ ح ٩ .

( ٢ ) ورد في وسائل الشيعة ٦ : ٣٨٥ في باب جواز رجوع الموصي في الوصية قال علي بن الحسين : لرجل ان يغير وصيته فيعتق من كان أمر بملكه و يملك من كان أمر بعتقه و يعطي من كان حرمه ، و يحرم من كان اعطاء ما لم يمت ، لم نعثر على ما ذكر المؤلف في تراجم الإمام السجادعليه‌السلام .

( ٣ ) كنز الفوائد للكراجكي ١ : ١٠٢ ١٠٣ ، لم يورد العلاّمة التستري الأبيات الشعرية على لسان المريض و هي :

٥٤٧

اتيت الوليد ضحى عائدا

و قد خامر اللكب منه السقاما

فقلت له أوحي فيما تركت

فقال الا قد كفيت الكلاما

ففي عمتيك و في جدتيك

و في خالتيك تركت السواما

و زوجاك حقهما ثابت

و اختاك منه تجوز التماما

هنالك يا ابن أبي خالد

ظفرت بعشر حديث السهاما

٥٤٨

و في ( شعراء القتيبي ) : قيل للحطيئة حين احتضاره : أوص ، فقال : مالي للذكور من ولدي دون الإناث قالوا : فإنّ اللَّه لم يأمر بذلك قال : فإنّي آمر به .

قيل له : قل « لا إله إلاّ اللَّه » قال : ويل للشعر من راوية السوء قيل له : ألا توصي بشي‏ء للمساكين قال : أوصيهم بالمسألة ما عاشوا فإنّها تجارة لن تبور قيل له : أعتق عبدك يسارا قال : هو مملوك ما بقي عبسي قيل له : فلان اليتيم ما توصي له بشي‏ء ؟ قال : أوصيكم أن تأخذوا ماله و تنيكوا امه قيل له : ليس إلاّ هذا قال : إحملوني على حمار فإنّه لم يمت عليه كريم لعلّي أنجو ، ثم قال :

لكلّ جديد لذّة غير أنّني

وجدت جديد الموت غير لذيذ

له خبطة في الحلق ليس بسكّر

و لا طعم راح يشتهى و نبيذ

و مات مكانه(١) .

٦٤ من غريب كلامه رقم ( ٢ ) و في حديثهعليه‌السلام :

هَذَا اَلْخَطِيبُ اَلشَّحْشَحُ أقول : قال ابن أبي الحديد(٢) قال ابن ميثم(٣) : هذه الكلمة لصعصعة بن صوحان العبدي ، و كفى صعصعة بها فخرا أن يكون مثل عليعليه‌السلام يثني عليه بالمهارة و فصاحة اللسان ، و كان صعصعة من أفصح الناس ذكر ذلك الجاحظ(٤) .

____________________

( ١ ) الشعر و الشعراء لابن قتيبة : ١١٠ ١١١ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١٩ : ١٠٦ .

( ٣ ) شرح ابن ميثم ٥ : ٣٧١ رقم « ٢ » .

( ٤ ) نقل الجاحظ في البيان و التبيين ١ : ٣٢٧ قول عبيد اللَّه بن زياد بن ظبيان لأشيم بن شقيق بن ثور : أنت يوم القيامة أخطب من صعصعة بن صوحان إذا تكلمت الخوارج ، ثم يقول الجاحظ : فما ظنك ببلاغة رجل عبيد اللَّه بن زياد

٥٤٩

قلت : بل قالعليه‌السلام هذه الكلمة ان صح كونها كلامهعليه‌السلام في شاب من قيس غير معروف ، ففي تاريخ الطبري بعد ذكره خبرا عن كليب الجرمي في أصحاب الجمل إلى أن قال قال كليب و نادىعليه‌السلام بعد ظفره : ألا لا تتبعوا مدبرا و لا تجهزوا على جريح و لا تدخلوا الدور ثم بعث إليهم ان أخرجوا للبيعة ، فبايعهم على الرايات و قال : من عرف شيئا فليأخذه حتى ما بقي في العسكرين شي‏ء إلاّ قبض ، فانتهى إليه قوم من قيس شبان فخطب خطيبهم فقال عليعليه‌السلام :

أين امراؤكم ؟ فقال الخطيب : أصيبوا تحت نظار الجمل ثم أخذ في خطبته فقال عليعليه‌السلام أما ان هذا لهو الخطيب الشحشح .(١) .

و ممّا يشهد انّهعليه‌السلام قال ذلك في خطيب غير معروف الاسم ان الجاحظ قال في الجزء الثاني من بيانه : في حديث عليعليه‌السلام حين رأى فلانا يخطب قال هذا الخطيب الشحشح(٢) .

و قال ابن الأثير في نهايته : في حديث عليعليه‌السلام انّه رأى رجلا يخطب فقال « هذا الخطيب الشحشح » أي : الماهر الماضي في الكلام .(٣) .

و لو كانعليه‌السلام قال هذا الكلام في معروف مثل صعصعة لقالا : رأى صعصعة ، و ابن الأثير رأى كتب جميع من صنف في الغريب و ذكر هذا الحديث فيه فيعلم انّه لم يعينه أحد .

و أما ما قاله ابن أبي الحديد من قوله « ذكر ذلك الجاحظ » مشيرا إلى يضرب به المثل ، ثم قال : و إنّما أردنا بهذا الحديث خاصة ، الدلالة على تقديم صعصعة بن صوحان في الخطب .

____________________

( ١ ) تاريخ الامم و الملوك للطبري : كان في سيرة على أن لا يقتل مدبرا و لا يذفف على جريح و لا يكشف سترا و لا يأخذ مالا . إلى آخره ٣ : ٢٢٣ ، و ذكر في ٣ : ٢٢٢ قول الإمام عليعليه‌السلام أن من عرف شيئا فليأخذه الاّ سلاحا . إلى آخره أما بقية ما أورده العلاّمة التستري فهو زيادة على النصّ المذكور راجع الطبري ٣ : ٢٢٢ ٢٢٣ .

( ٢ ) لم يوجد في الهوامش يراجع : ٢٦٧ في الأصل .

( ٣ ) نهاية ابن الأثير ٢ : ٤٤٩ .

٥٥٠

جميع ما قاله(١) ، فإنّما يصح منه ان الجاحظ قال : ان صعصعة كان من أفصح الناس و كفاه فخرا ان يكون مثل عليعليه‌السلام يثنى عليه بالمهارة ، دون كون الجاحظ قال إنّهعليه‌السلام قال تلك الكلمة لصعصعة ، و هذا نص الجاحظ في بيانه في الجزء الأول : قال أشيم بن شقيق بن ثور لعبيد اللَّه بن زياد بن ظبيان : ما أنت قائل لربّك و قد حملت رأس مصعب إلى عبد الملك ؟ قال : اسكت فأنت يوم القيامة أخطب من صعصعة إذا تكلمت الخوارج ، فما ظنّك ببلاغة رجل مثل عبيد اللَّه بن زياد بن ظبيان يضرب به المثل(٢) ، و إنّما أردنا بهذا الحديث خاصة الدلالة على تقديم صعصعة في الخطب ، و أولى من كلّ دلالة استنطاق عليعليه‌السلام له .

فترى الجاحظ إنّما قال : إن قاتل مصعب ضرب المثل بخطيبية صعصعة ثم قال أولى من كلّ دلالة على خطيبية صعصعة استنطاقهعليه‌السلام له لا أنّهعليه‌السلام قال فيه « هو خطيب شحشح » ، و قد روى قول قاتل مصعب ( الأغاني ) أيضا فقال : قال رجل لعبيد اللَّه : بما ذا تحتجّ عند ربك من قتلك لمصعب فقال :

ان تركت أحتجّ رجوت أن أكون أخطب من صعصعة بن صوحان(٣) .

ثم الظاهر أصحية رواية ( الأغاني ) أن يكون قاتل مصعب قال : أنا أخطب من صعصعة ، من رواية البيان : أنت أخطب من صعصعة ، بشهادة السياق .

ثم الظاهر أن مراد الجاحظ من قوله : « و أولى من كلّ دلالة استنطاق عليعليه‌السلام له » ما رواه ( المروج ) أنّهعليه‌السلام بعد الجمل قال لصعصعة و نفرين

____________________

( ١ ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١٩ : ١٠٦ .

( ٢ ) البيان و التبيين للجاحظ ١ : ٣٢٧ .

( ٣ ) مروج الذهب للمسعودي ٣ : ٣٨ .

٥٥١

آخرين معه : أشيروا عليّ في أمر معاوية فقال صعصعة : الرأي أن ترسل إليه عينا من عيونك وثقة من ثقاتك بكتاب تدعوه إلى بيعتك ، فإن أجاب و إلاّ جاهدته فقال عليعليه‌السلام : عزمت عليك يا صعصعة إلاّ كتبت الكتاب بيدك و توجّهت به إلى معاوية و اجعل صدر الكتاب تحذيرا و تخويفا و عجزه استتابة و استنابة إلى أن قال ثم اكتب ما أشرت به عليّ و اجعل عنوان الكتاب( ألا إلى اللَّه تصير الاُمور ) (١) قال : اعفني من ذلك قال : عزمت عليك لتفعلن قال : أفعل ، فخرج بالكتاب إلى أن قال فقال معاوية لشي‏ء ما سوّده قومه ، وددت و اللَّه أنّي من صلبه ثم التفت إلى بني اميّة فقال هكذا فلتكن الرجال(٢) .

و بالجملة لا ريب في أنّ هذا الكلام إنّما قالهعليه‌السلام إن ثبت صحّة نسبته إليهعليه‌السلام في خطيب من أعدائه من أصحاب الجمل كما عرفت ، كما لا ريب في أنّ الجاحظ إنّما قال بتقديم صعصعة في الخطب لضرب المثل به و لأنّهعليه‌السلام استنطقه و استكتبه دون أن يقول : إنّهعليه‌السلام قال ذلك الكلام فيه .

و ممّا يشهد لمسلّميّة مقام صعصعة في الخطابة ما في ( الطبري ) في قصة خروج المستورد الخارجي على المغيرة أيام امارته على الكوفة من قبل معاوية و تعيين المغيرة أوّلا معقل بن قيس من الشيعة لحربه قال مرّة بن منقذ فقال صعصعة بعد معقل و قال : إبعثني إليهم أيّها الأمير فأنا و اللَّه لدمائهم مستحل و بحملها مستقل فقال المغيرة : إجلس فإنّما أنت خطيب فكان أحفظه ذلك و إنّما قال المغيرة ذلك لأنّه بلغه أن صعصعة يعيب عثمان و يكثر ذكر عليعليه‌السلام و يفضّله و قد كان دعاه و قال له : إيّاك أن يبلغني عنك أنّك تعيب

____________________

( ١ ) الشورى : ٥٣ .

( ٢ ) مروج الذهب للمسعودي ٣ : ٣٨ .

٥٥٢

عثمان عند أحد من الناس ، و إيّاك أن يبلغني عنك أنّك تظهر شيئا من فضل علي علانية ، فإنّك لست بذاكر من فضل عليّ شيئا أجهله بل أنا أعلم بذلك ، و لكن هذا السلطان قد ظهر و قد أخذنا بإظهار عيبه للناس فنحن ندع كثيرا ممّا أمرنا به و نذكر الشي‏ء الذي لا نجد بدا منه ندفع هؤلاء القوم عن أنفسنا تقيّة ، فإن كنت ذاكرا فضله فاذكره بينك و بين أصحابك و في منازلكم سرّا ، و أمّا علانية في المسجد فإنّ هذا لا يحتمله الخليفة لنا و لا يعذرنا فيه .

فكان صعصعة يقول : نعم افعل ، ثم يبلغه أنّه قد عاد إلى ما نهاه عنه ، فلمّا قام إليه و قال له : إبعثني إليهم ، و جد المغيرة قد حقد عليه خلافه إيّاه ، فقال له ما قال « إجلس ، فإنّما أنت خطيب » فقال له صعصعة : أو ما أنا إلاّ خطيب ، أجل و اللَّه أنا الخطيب الصليب الرئيس ، أما و اللَّه لو شهدتني تحت راية عبد القيس يوم الجمل حيث اختلف القنا فشؤن تفرى و هامة تختلى لعلمت أنّي أنا اللّيث الهزبر فقال له المغيرة : حسبك الآن ، لعمري لقد أوتيت لسانا فصيحا(١) .

و في ( ديوان معاني العسكري ) : تكلّم صعصعة عند معاوية بكلام أحسن فيه ، فحسده عمرو بن العاص فقال : هذا بالتمر أبصر منه بالكلام فقال صعصعة ، أجل أجوده ما دق نواه و رق سحاؤه و عظم لحاؤه و الريح تنفجه و الشمس تنضجه و البرد يدمجه ، و لكنك يابن العاص لا تمرا تصف و لا الخير تعرف بل تحسد فتقرف(٢) فقال معاوية لعمرو : رغما لك فقال عمرو :

و أضعاف الرغم لك و ما بي إلاّ بعض ما بك(٣) .

و في ( عقد ابن عبد ربه ) : قال عبد الملك في عبد القيس : أشد الناس

____________________

( ١ ) تاريخ الامم و الملوك للطبري ٤ : ١٤٤ .

( ٢ ) أي تقذف .

( ٣ ) ديوان المعاني للعسكري ٢ : ٤١ .

٥٥٣

و أسخى الناس و أطوع الناس في قومه و أحلم الناس و أحضرهم جوابا و أخطب الناس ، أمّا أحضرهم جوابا فصعصعة .(١) .

و فيه دخل صعصعة على معاوية و ابن العاص جالس معه على سريره فقال له : وسع له على ترابيّة فيه فقال صعصعة : إني و اللَّه لترابي ، منه خلقت و إليه أعود و منه ابعث ، و إنّك لمارج من نار فقال له معاوية : إنّما أنت هاتف بلسانك لا تنظر في أود الكلام و استقامته ، فإن كنت تنظر في ذلك فأخبرني عن أفضل المال ، فقال : و اللَّه إنّي لأدع الكلام حتى يختمر في صدري ثم أذهب و لا أهتف به حتى أقيم أوده و اجيز متنه ، و ان أفضل المال لبرة سمراء في برية غبراء ، أو نعجة صفراء في نبعة خضراء ، أو عين فوّارة في أرض خوّارة فقال معاوية : للَّه أنت فأين الذهب و الفضة ؟ قال : حجران يصطكّان ، إن أقبلت عليهما نفدا و إن تركتهما لم يزيدا(٢) .

و في ( المروج ) : حبس معاوية صعصعة و ابن الكوّاء و رجالا من أصحاب عليعليه‌السلام مع رجال من قريش ، فدخل عليهم يوما فقال : نشدتكم باللَّه إلاّ ما قلتم حقّا و صدقا ، أيّ الخلفاء رأيتموني إلى أن قال فقال صعصعة :

تكلّمت يا ابن أبي سفيان فأبلغت و لم تقصر عمّا أردت و ليس الأمر على ما ذكرت ، أنّى يكون خليفة من ملك الناس قهرا و دانهم كبرا و استولى بأسباب الباطل كذبا و مكرا ، أما و اللَّه مالك في يوم بدر مضرب و لا مرمى ، و ما كنت فيه إلاّ كما قال القائل « لا حلّي و لا سيري » ، و لقد كنت و أبوك في العير و النفير ممّن أجلب على الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، و إنّما أنت طليق ابن طليق أطلقكما الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله

____________________

( ١ ) العقد الفريد لابن عبد ربه ٤ : ٣٦٧ ، أما أشد الناس فحكم بن جبل ، و أمّا أسخى الناس فعبد اللَّه بن سوار و أمّا أطوع الناس فالجارود بشر بن العلاء .

( ٢ ) العقد الفريد لابن عبد ربه ٥ : ١١٥ ( دار الكتب العلمية ) .

٥٥٤

و أنّى تصلح الخلافة لطليق(١) .

( و فيه ) قال معاوية يوما و عنده صعصعة و كان قدم عليه بكتاب عليعليه‌السلام و عنده وجوه الناس : الأرض للَّه و أنا خليفة اللَّه ، فما آخذ من مال اللَّه فهو لي و ما تركت منه كان جايزا لي فقال صعصعة :

تمنيّك نفسك ما لا يكون

جهلا معاوي لا تأثم

فقال معاوية : يا صعصعة تعلمت الكلام قال صعصعة : العلم بالتعلّم و من لا يعلم يجهل قال معاوية : ما أحوجك إلى أن اذيقك و بال أمرك قال : ليس ذلك بيدك ، ذاك بيد الذي لا يؤخّر نفسا إذا جاء أجلها قال : و من يحول بيني و بينك ؟ قال : الذي يحول بين المرء و قلبه قال معاوية : إتّسع بطنك للكلام كما اتّسع بطن البعير للشعير قال صعصعة : إتّسع بطن من لا يشبع و دعا عليه من لا يجمع(٢) .

( و فيه ) إن معاوية قال لابن عباس : ميّز لي أصحاب عليّعليه‌السلام و ابدأ بآل صوحان فإنّهم مخاريق الكلام قال : أمّا صعصعة فعظيم الشأن عضب اللّسان قائد فرسان قاتل أقران ، يرتق ما فتق و يفتق ما رتق قليل النظير(٣) .

و يكفيه أنّ مثل ابن عباس مع مقامه في الخطابة و الأدب كان يسأله عن أمور كثيرة و يجيبه ، فقال له : أنت يا ابن صوحان باقر علم العرب و لمّا سأله عن السؤدد و المروة فأجابه و أنشده أبياتا في ذلك من مرّة بن ذهل بن شيبان قال ابن عباس : لو أنّ رجلا ضرب آباط الإبل مشرقا و مغربا لفائدة هذه الأبيات ما عنّقته(٤) .

____________________

( ١ ) مروج الذهب للمسعودي ٣ : ٥٠ .

( ٢ ) مروج الذهب للمسعودي ٣ : ٥٠ .

( ٣ ) مروج الذهب للمسعودي ٣ : ٤٦ .

( ٤ ) مروج الذهب للمسعودي ٣ : ٤٦ .

٥٥٥

هذا و في ( بيان الجاحظ ) ذكر عليعليه‌السلام أكتل(١) فقال : « الصبيح الفصيح »(٢) .

و في ( الاستيعاب ) : أكتل من شماخ ، نسبه ابن الكلبي إلى عوف بن عبد مناة بن طابخة ، و قال : كان عليعليه‌السلام إذا نظر إليه قال : من أحبّ أن ينظر إلى الصبيح الفصيح فلينظر إلى أكتل بن شماخ(٣) .

قال المصنف ( يريد : الماهر بالخطبة الماضي فيها ، و كل ماض في كلام أو سير فهو شحشح ) قلت : أو في طيران فيقال قطاة شحشح أي سريع الطيران .

( و الشحشح في غير هذا الموضع البخيل الممسك ) .

قلت : و الفيروز آبادي ذكر للشحشح غير ما ذكر معاني اخر ، فقال :

الشحشح الفلاة الواسعة و السيّ‏ء الخلق و الشجاع و الغيور ، و من الغربان :

الكثير الصوت ، و من الأرض : ما لا تسيل إلاّ من مطر كثير و التي تسيل من أدنى مطر ضد ، و من الحمير : الخفيف ، و من القطا السريعة و الطويل(٤) .

٦٥ من غريب كلامه رقم ( ٣ ) و في حديثهعليه‌السلام :

إِنَّ لِلْخُصُومَةِ قُحَماً أقول : قال ابن أبي الحديد : هذه الكلمة قالهاعليه‌السلام حين وكّل عبد اللَّه بن

____________________

( ١ ) و هو أكتل بن شماخ بن زيد بن شداد العكلي ، شهد الجسر مع أبي عبيدة ، و أسر يومئذ و ضرب عنقه ، و شهد القادسية ، الإصابة في تمييز الصحابة ١ : ٤٨١ .

( ٢ ) البيان و التبيين للجاحظ ٢ : ١٧٢ .

( ٣ ) الاستيعاب لابن عبد البرّ ١ : ٤٣ ، الترجمة رقم ( ١٥٨ ) .

( ٤ ) القاموس المحيط للفيروز آبادي ١ : ٢٣٠ .

٥٥٦

جعفر في الخصومة عنه(١) .

و قال ابن ميثم : يروى أنّهعليه‌السلام وكّل أخاه في خصومة و قال : إن لها تقحّما و إنّ الشيطان يحضرها(٢) .

و في ( المستجاد ) دخل عمارة بن حمزة على المنصور فقعد في مجلسه ، فقام رجل فقال للمنصور : مظلوم قال : من ظلمك قال عمارة :

غصبني ضيعتي فقال المنصور : قم يا عمارة فاقعد مع خصمك فقال : ما هو لي بخصم قال : و كيف ذلك ؟ قال : ان كانت الضيعة له فلست انازعه و ان كانت لي فهي له ، و لا أقوم من مجلس قد شرّفني به الخليفة أمير المؤمنين و أقعد في أدنى منه بسبب ضيعة(٣) .

قال المصنف : ( يريد بالقحم المهالك لأنّها تقحم أصحابها في المهالك و المتالف في الأكثر ) في ( النهاية ) : اقتحم الأمر العظيم و تقحّمه ، إذا رمى نفسه فيه من غير رويّة ، و القحمة الورطة و الهلكه ، و منه حديث عليعليه‌السلام « ان للخصومة قحما »(٤) .

« و من ذلك قحمة الاعراب و هو ان تصيبهم السنة » أي : سنة القحط .

« فتتعرق أموالهم » هكذا في ( الطبعة المصرية )(٥) و الصواب ما في ابن أبي الحديد(٦) و ابن ميثم(٧) ( فتتقرف أموالهم ) .

____________________

( ١ ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١٩ : ١٠٧ .

( ٢ ) شرح نهج البلاغة لابن ميثم ٥ : ٣٧٢ .

( ٣ ) المستجاد للتنوخي : ١٩٣ ١٩٤ .

( ٤ ) النهاية لابن الأثير ١ : ١٨ .

( ٥ ) النسخة المصرية : ٧١٥ شرح محمّد عبده .

( ٦ ) في شرح ابن أبي الحديد ١٩ : ١٠٧ بلفظ « فتتفرق » .

( ٧ ) نسخة ابن ميثم المنقحة مطابقة للنسخة المصرية ٥ : ٣٧٢ .

٥٥٧

« فذلك تقحمها » أي : تقحّم السنة .

« فيهم » أي : في الاعراب .

« و قيل فيه » أي : في قول قحمة الاعراب .

« وجه آخر و هو أنّها تقحمهم » أي : تدخلهم .

« بلاد الريف » أي : الخصب .

« أي تحوجهم إلى دخول الحضر عند محول البدو » أي : قحط البادية .

قلت : و يشهد لكونه هو الوجه قولهم : « أقحمت السنة نابغة بني جعدة » أي : أخرجته من البادية و أدخلته الحضر .

٦٦ الحكمة ( ٢٩٨ ) و قالعليه‌السلام :

مَنْ بَالَغَ فِي اَلْخُصُومَةِ أَثِمَ وَ مَنْ قَصَّرَ فِيهَا ظُلِمَ وَ لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَتَّقِيَ اَللَّهَ مَنْ خَاصَمَ أقول : قال ابن أبي الحديد هذا مثل قولهعليه‌السلام في موضع آخر : « الغالب بالشرّ مغلوب »(١) و كان يقال : ما تسابّ اثنان إلاّ غلب ألامهما(٢) .

قلت : و أين ما ذكره ممّا قالهعليه‌السلام و إنّما كلامه هنا مثل قوله قبل : « إنّ للخصومة قحما » ، و كأنّ هذا تفصيل لإجمال ذاك ، و المراد بالخصومات التي ترفع إلى القضاة لا التسابّ الخارجي و يصير الرجل في خصومات القضاة موهونا اضافة إلى ما ذكره ، و لذا كان بعض الشرفاء يتركون حقّهم مع كون ادعائهم حقّا و يخسرون مع كون الادعاء باطلا حتى يخلصوا من الخصومة .

____________________

( ١ ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١٩ : ٢٠٤ ، و هو من الكلمات القصار .

( ٢ ) المصدر نفسه .

٥٥٨

٦٧ الحكمة ( ٢٦٥ ) و قالعليه‌السلام :

إِنَّ كَلاَمَ اَلْحُكَمَاءِ إِذَا كَانَ صَوَاباً كَانَ دَوَاءً وَ إِذَا كَانَ خَطَأً كَانَ دَاءً أي : إن صواب كلامهم دواء لباقي الناس من أمراضهم الباطنية ، كما أنّ خطأ كلامهم يولّد فيهم أمراضا حادثة ، فإنّ عامة الناس ينظرون إلى القائل و ليسوا هم أهل التمييز .

و مثل قول الحكماء علم العلماء ، فإنّه إذا كان مقرونا بالعمل يكون دواء و إذا كان عاريا عنه كان داء(١) .

و في ( الكافي ) قال عيسىعليه‌السلام للحواريين : بالتواضع تعمر الحكمة لا بالتكبّر ، و كذلك في السهل ينبت الزرع لا في الجبل(٢) ، و قالت الحواريون لعيسىعليه‌السلام : من نجالس ؟ قال : من يذكّركم اللَّه رؤيته و يزيدكم في علمكم منطقه ، و يرغّبكم في الآخرة عمله(٣) .

و أوحى اللَّه تعالى إلى داودعليه‌السلام : لا تجعل بيني و بينك عالما مفتونا بالدنيا فيصدّك عن طريق محبتي ، فإنّ اولئك قطّاع طريق عبادي المريدين ، إنّ أدنى ما أنا صانع بهم أن أنزع حلاوة مناجاتي من قلوبهم(٤) .

و عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : الفقهاء أمناء الرسل ما لم يدخلوا في الدّنيا باتّباع السلطان ، فإذا فعلوا ذلك فاحذروهم على دينكم(٥) .

____________________

( ١ ) ذكر ابن أبي الحديد في شرحه ١٩ : ٢٠٤ ما يشابه ذلك .

( ٢ ) الكافي للكليني ١ : ٣٧ ح ٦ .

( ٣ ) الكافي للكليني ١ : ٣٩ ح ٣ و هو عن أبي عبد اللَّه عن الرسول صلّى اللَّه عليه و آله .

( ٤ ) الكافي للكليني ١ : ٤٦ ح ٤ .

( ٥ ) الكافي للكليني ١ : ٤٦ ح ١ .

٥٥٩

و عن الصادقعليه‌السلام : إنّ العالم إذا لم يعمل بعلمه زلّت موعظته عن القلوب كما يزل المطر عن الصفا(١) .

٦٨ الحكمة ( ٢٩٦ ) وَ قَالَ ع لِرَجُلٍ يَسْعَى

 عَلَى عَدُوٍّ لَهُ بِمَا فِيهِ إِضْرَارٌ بِنَفْسِهِ إِنَّمَا أَنْتَ كَالطَّاعِنِ نَفْسَهُ لِيَقْتُلَ رِدْفَهُ أقول : الظاهر أنّ الأصل في هذا الكلام ما رواه الطبري عن سيف باسناده : أنّ الناس كانوا في الوليد فرقتين : العامة معه و الخاصة عليه ، حتى كانت صفّين فولّى معاوية فجعلوا يقولون : عيب عثمان بالباطل ، فقال لهم علي : إنّكم و ما تعيّرون به عثمان كالطّاعن نفسه ليقتل ردفه ، و ما ذنب عثمان في رجل قد ضربه بقوله و عزله عن عمله ، و ما ذنب عثمان فيما صنع عن أمرنا(٢) .

و الخبر كما ترى محرّف لا يفهم منه محصل ، ثم جميع ما يرويه الطبري عن سيف أمور منكرة خلاف ما يرويه الخاصة و العامّة(٣) ، و منها هذا الخبر فإنّ ضرب عثمان الوليد بن عقبة أخاه الرضاعي لمّا شكا أهل الكوفة صلاته بهم سكران و صلاته بهم الصبح أربعا و تغنّيه في الصّلاة إنّما كان بإجبار أمير المؤمنينعليه‌السلام له ، و كيف يعقل أن يعيب أحد عثمان بضربه الحدّ حتى ينكرعليه‌السلام ذلك ، و إنّما عابوا عثمان بتوليته مثل الوليد و آبائه عن إجراء الحد عليه حتى أنّبهعليه‌السلام بتضييعه حد اللَّه ، و تصدّىعليه‌السلام لضربه رغما لعثمان

____________________

( ١ ) الكافي للكليني ١ : ٤٤ ح ٣ .

( ٢ ) تاريخ الامم و الملوك للطبري ٢ : ٦١٢ .

( ٣ ) للسيد مرتضى العسكري بحث مطولة في هذا المضمار راجع كتابه « عبد اللَّه بن سبأ » .

٥٦٠