بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٤

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة0%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 639

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

مؤلف: الشيخ محمد تقي التّستري
تصنيف:

الصفحات: 639
المشاهدات: 223492
تحميل: 7055


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 639 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 223492 / تحميل: 7055
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 14

مؤلف:
العربية

و قال الحطيئة « و القول ينفذ ما لا ينفذ الابر »(١) .

و في ( أنساب البلاذري ) : كان خالد بن يزيد يقاتل قرقيسا مع كلب و هم أخواله لأن ام يزيد ميسون بنت بجدل من كلب ، فألخّ عليهم بالقتال و الرمي حتى كاد يظفر ، فقال رجل من بني كلاب : لاسمعنّه قولا لا يعود بعده إلى ما يصنع ، و لأكسرنه به ، فلمّا غدا خالد للمحاربة أشرف الكلابي عليه و هو يقول :

ماذا ابتغاء خالد و همّه

إذ سلب الملك و نيكت امّه

فأنكر و استحى و لم يعد إلى الحرب حتى انقضى .

و تقاذف عبد الرحمن بن حسّان و يحيى بن الحكم في امارة أخيه مروان ، فضرب مروان أخاه عشرين و عبد الرحمن ثمانين ، فقال عبد الرحمن :

ضربني مروان ضرب حر و ضرب أخاه حد نصف عبد ، فكان هذا القول أشد على يحيى من سبّه و أنفذ من صوله(٢) .

و في ( صفّين نصر ) : ذكروا أنّ عليّاعليه‌السلام أظهر أنه مصبح غدا معاوية و مناجزه ، ففزع أهل الشام لذلك و انكسروا و كان معاوية بن الضحّاك صاحب راية بني سليم مع معاوية و كان مبغضا له ، و كان يكتب بالأخبار إلى عبد اللَّه بن الطفيل العامري و يبعث بها إلى عليعليه‌السلام ، فبعث إلى عبد اللَّه إنّي قائل شعرا إذ عرّبه أهل الشام ، و كان معاوية لا يتهمه ، فقال ليلا ليسمع أصحابه :

ألا ليت هذا الليل أطبق سرمدا

علينا و انا لا نرى بعده غدا

و يا ليتنا ان جاءنا بصباحه

وجدنا إلى مجرى الكواكب مصعدا

حذار عليّ إنّه غير مخلف

مدى الدهر ما لبّى الملبّون موعدا

____________________

( ١ )

( ٢ ) لا وجود له في أنساب البلاذري ، ذكره ابن الأثير في الكامل ٤ : ٣٣٧ ٣٣٨ .

٦٠١

فاما فراري في البلاد فليس لي

مقام و لو جاوزت جابلق مصعدا

كأني به في الناس كاشف رأسه

على ظهر خوّار الرحالة أجردا

يخوض غمار الموت في مرجحنة

ينادون في نقع العجاج محمدا

فوارس بدر و النضير و خيبر

و احد يروّون الفصيح المهندا

و يوم حنين جالدوا عن نبيّهم

فريقا من الأحزاب حتى تبدّدا

هنالك لا تلوي عجوز على ابنها

و إن أكثرت في القول نفسي لك الفدا

فقل لابن حرب ما الّذي أنت صانع

أتثبت أم ندعوك في الحرب قعددا

و ظنّي بألاّ يصبر القوم موقفا

يقفه و ان لم نجر في الدهر للمدا

فلا رأي إلاّ تركنا الشام جهرة

و ان أبرق الفجفاح فيها و أرعدا

فلمّا سمع أهل الشام شعره أتوا به معاوية ، فهم بقتله ثم راقب فيه قومه و طرده عن الشام فلحق بمصر ، و قال معاوية : لقول السلمي أشدّ على أهل الشام من لقاء علي ، ما له قاتله اللَّه لو أصاب خلف جابلق مصعدا نفذه و جابلق مدينة بالمشرق و جابلص بالمغرب ليس بعدهما شي‏ء .

و قال هارون : لمّا سمع من وراء الستر محاجّة هشام بن الحكم مع المذاهب في اثبات أمير المؤمنينعليه‌السلام إلى موسى بن جعفرعليه‌السلام ببراهين بيّنة :

لكلام هذا أشدّ عليّ من مائة ألف سيف ، و العجب كيف بقيت خلافتي مع وجود مثل هذا الرجل في الناس ، و همّ بقتله لكن توارى هشام و انصدع قلبه من الخوف فمات(١) .

و قد نقل شرحه ( الإكمال ) في آخر بابه الرابع و الثلاثين .

____________________

( ١ )

٦٠٢

٩٠ الحكمة ( ٣٩٥ ) و قالعليه‌السلام :

كُلُّ مُقْتَصَرٍ عَلَيْهِ كَافٍ و قالعليه‌السلام كما روى ( الكافي ) : من رضي من الدنيا بما يجزيه كان أيسر ما فيها يكفيه ، و من لم يرض من الدنيا بما يجزيه لم يكن فيها شي‏ء يكفيه(١) .

و قال الباقر أو الصادقعليهما‌السلام : من قنع بما رزقه اللَّه فهو أغنى الناس .

و نزل هارون في سفر في ظل ميل و كان معه أبو العتاهية فقال أبياتا و منها :

و ما تصنع بالدّنيا

و ظلّ الميل يكفيكا(٢)

٩١ الحكمة ( ٤٠٢ ) و قالعليه‌السلام :

لبعض مخاطبيه و قد تكلم بكلمة يستصغر عن قول مثلها : لَقَدْ طِرْتَ شَكِيراً وَ هَدَرْتَ سَقْباً أقول : في ( المعجم ) صاحب ابن جنّي الفارسي أربعين سنة ، و كان السبب في صحبته أن الفارسي اجتاز بالموصل فمرّ بالجامع و ابن جني في حلقة يقرى‏ء النحو و هو شاب ، فسأله الفارسي عن مسألة في التصريف فقصّر فيها ، فقال له الفارسي « زبّبت(٣) و أنت حصرم » فسأل عنه فقيل له هذا الفارسي ، فلزمه فلمّا مات الفارسي تصدّر ابن جني في مجلسه ببغداد(٤) .

قول المصنف ( و الشكير هاهنا أوّل ما ينبت من ريش الطائر قبل أن

____________________

( ١ ) الكافي للكليني ٢ : ١٤٠ ح ١١ رواه عن خان بن سدير رفعه .

( ٢ ) ديوان أبي العتاهية : ١٩١ ، و في الهامش نسبه المسعودي لهارون الرشيد .

( ٣ ) أي صرت زبيبا .

( ٤ ) الحموي ، معجم الأدباء ٦ : ٩١ في ترجمة عثمان بن جنّي .

٦٠٣

يقوى و يستحصف ) أي : يستحكم ، إنّما قال المصنف « و الشكير هاهنا » أي : في كلامهعليه‌السلام لأنّه يأتي الشكير بمعنى آخر كما في قول الشاعر :

و من عضة ما ينبتن شكيرها

بمعنى ما ينبت حول الشجرة من أصلها ، يقال شكرت الشجرة بالكسر كثر شكيرها ، إلاّ أنّ الظاهر أنّ الأصل واحد ، و هو أوّل ما نبت ريش الطائر و قولهم « شكرت الشجرة » استعارة و تشبيه بالطائر كقولهم « اشتكر الجنين » نبت عليه الزغب و كقول هلال بن مجاعة لمّا قال له عمر بن عبد العزيز : هل بقي من شيوخ مجاعة أحد « نعم و شكير كثير » أي :

و احداث كثير .

« و السقب الصغير من الإبل و لا يهدر » بالتخفيف و التشديد ، أي : لا يردّد صوته في حنجرته قال الوليد بن عقبة لمعاوية « تهدّر في دمشق فما تريم »(١) .

و في ( المثل ) « كالمهدّر في العنّة » يضرب للرجل يصيح و يجلب و ليس وراء ذلك شي‏ء كالبعير الذي يحبس في الحظيرة و يمنع من الضراب و هو يهدر « إلاّ بعد أن يستفحل » أي : يصير فحلا(٢) .

هذا و ليس في نسخة ( ابن ميثم ) بيان المصنف(٣) .

و من أمثالهم « قد استنوق الجمل » أي : صار الجمل ناقة قيل الأصل فيه ان شاعرا أنشد ملكا في وصف جمل ثم حوّله إلى ناقة ، فقال طرفة و كان حاضرا قد استنوق الجمل(٤) .

____________________

( ١ ) ابن الأثير ٣ : ٢٨٠ .

( ٢ ) الميداني ، معجم الأمثال ٢ : ١١٦ .

( ٣ ) راجع شرح ابن ميثم ٥ : ٤٣٩ رقم ٣٧٨ .

( ٤ ) الميداني ، مجمع الأمثال ٢ : ٥٦ .

٦٠٤

٩٢ الحكمة ( ٤٠٣ ) و قالعليه‌السلام :

مَنْ أَوْمَأَ إِلَى مُتَفَاوِتٍ خَذَلَتْهُ اَلْحِيَلُ أقول : قال ( ابن أبي الحديد ) : قيل في تفسير الكلام : من استدلّ بالمتشابه من القرآن في التوحيد و العدل انكشفت حيلته ، فإنّ علماء التوحيد قد أوضحوا تأويل ذلك(١) و قيل : من بنى عقيدته على أمرين مختلفين حقّ و باطل كان مبطلا و قيل : من أومى بطمعه إلى فائت قد مضى لن تنفعه حيلته ، أي لا يتبعن أحدكم امله ما قد فاته و هذا ضعيف لأن المتفاوت في اللغة غير الفائت .

و قال ابن ميثم : المتفاوت كالامور المتضادّة ، أو التي يتعذّر الجمع بينها في العرف و العادة ، فلا يمكنه الجمع بين ما يرومه من تلك الامور(٢) .

قلت : و الظاهر أنّ المراد عدم إمكان الجمع بين الحق و الباطل قال عامر بن الضرب العدواني لقومه : من جمع بين الحق و الباطل لم يجتمعا له ، و كان الباطل أولى به ، و إن الحق لم يزل ينفر من الباطل و لم يزل الباطل ينفر من الحق .

٩٣ الحكمة ( ٤٠٨ ) و قالعليه‌السلام :

مَنْ صَارَعَ اَلْحَقَّ صَرَعَهُ أقول : هو نظير قولعليه‌السلام في ١٥ ١ و في ١٨٨ ٣ « من ابدى صفحته

____________________

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ٢٠ : ٥ .

( ٢ ) شرح ابن ميثم : ترجم نهج البلاغة ٥ : ٤٤ .

٦٠٥

للحق هلك »(١) .

قال الاسكافي في ( نقض عثمانيته ) : علم الناس كافة ان الدولة و السلطان لأرباب مقالة العثمانية و عرف كلّ أحد علو أقدار شيوخهم و علمائهم و امرائهم و ظهور كلمتهم و قهر سلطانهم و ارتفاع التقية عنهم ، و إعطاء الجائزة لمن روى في فضل أبي بكر و ما كان من تأكيد بني امية في ذلك و ما ولّده المحدّثون طلبا لمّا في أيديهم ، فكانوا لا يألون جهدا في طول ما ملكوا ان يخملوا ذكر عليعليه‌السلام و ولده و يطفئوا انوارهم و يكتموا فضائلهم و مناقبهم و سوابقهم و يحملوا الناس على سبّهم و لعنهم على المنابر ، و لم يزل السيف يقطر من دمائهم مع قلّة عددهم و كثرة عدوّهم ، فكانوا بين قتيل و أسير و شريد ، و هارب و مستخف ذليل و خائف مترقب و يتقدّم إليهم ألاّ يذكروا شيئا من فضائلهم ، و حتى بلغ من تقية المحدّث منهم إذا ذكر حديثا عن عليعليه‌السلام كنّى عن ذكره برجل من قريش ، و رأينا جميع المخالفين قد حاولوا نقض فضائله و وجهوا الحيل و التأويلات نحوها ، من خارجي مارق و ناصبي حنق و نابت مستبهم و ناشي معاند و منافق مكذب و عثماني حسود يطعن فيها ، و معتزلي قد نظر في الكلام و أبصر علم الاختلاف و عرف الشبهة و مواضع الطعن و ضرب التأويل ، قد التمس الحيل في إبطال مناقبه و تأوّل مشهور فضائله ، فمرّة يتأولها بما لا يحتملها و مرّة يقصد أن يضع من قدرها بقياس منتقض ، و لا يزداد مع ذلك إلاّ قوّة و رفعة .

و قد علمت أنّ معاوية و يزيد و بني مروان أيام ملكهم نحو ثمانين سنة لم يدعوا جهدا في حمل الناس على شتمه و اخفاء فضائله ، فقال ابن لعامر بن عبد اللَّه بن الزبير لولده : يا بنيّ لا تذكر عليّا إلاّ بخير ، فإنّ بني امية لعنوه على

____________________

( ١ ) راجع الكتاب .

٦٠٦

منابرهم ثمانين سنة فلم يزده اللَّه بذلك إلاّ رفعة ، ان الدّنيا لم تبن شيئا قط إلاّ رجعت على ما بنت فهدمته ، و ان الدين لم يبن شيئا قط و هدمه .

إلى أن قال بعد ذكر أخذ الحجّاج الناس بترك قراءة ابن مسعود و ابيّ و لزومهم قراءة عثمان و مهجورية قراءتهما و شيوع قراءته لذلك : و لقد كان الحجّاج و من ولاّه كعبد الملك و الوليد و من قبلهما و بعدهما من فراعنة بني امية على إخفاء محاسن عليعليه‌السلام و فضائل ولده و شيعته أحرص منهم على إسقاط قراءة الرجلين ، لأن قراءتهما لم تكن سببا لزوال ملكهم و في اشتهار فضل عليعليه‌السلام و ولده بوارهم ، فحرصوا في اخفاء فضائله و أبي اللَّه أن يزيد أمره و أمر ولده إلاّ استنارة و إشراقا و حبّهم إلاّ شغفا ، فلو لا أنّ فضائله كانت كالقبلة المنصوبة في الشهرة و كالسنن المحفوظة في الكثرة لم يصل إلينا منها في دهرنا حرف واحد مع ما قلنا(١) .

٩٤ الحكمة ( ١١٨ ) و قالعليه‌السلام :

إِضَاعَةُ اَلْفُرْصَةِ غُصَّةٌ أقول : و قالعليه‌السلام في قريب من هذا المعنى « التدبير قبل العمل يؤمنك من الندم بعده » و « الفرصة تمرّ مرّ السحاب »(٢) .

قال تعالى :( و أَنفقوا من مّا رزقناكم من قَبل أن يأتي أَحَدكُم المَوت فيقول ربِّ لو لا أَخّرتني إِلى أجلٍ قَريب فأصَّدَّقَ و أَكُن من الصالحين و لَن

___________________

( ١ ) نقل المؤلف هذا النص من شرح نهج البلاغة ١٣ : ٢١٨ ٢٢٣ بتصرف ، إذ ليس للأسكافي كتاب متداول بهذا الأسم ، فكل ما هو موجود هو ما جمعه محمد هارون المصري من هذا الكتاب ممّا رواه شرح ابن أبي الحديد في شرحه ثم طبعه في آخر كتاب العثمانية للجاحظ .

( ٢ ) من الكلمات القصار رقم ( ٢١ ) .

٦٠٧

يُؤخّر اللَّه نفساً إذا جاء أَجلُها و اللَّه خبير بما تعمَلُون ) (١) ( و اتَّبعوا أحسن ما أنزل إليكم من رَبكُم من قَبل أن يأتيَكُم العَذاب بغتَةً و أنتم لا تَشعرون أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرّطتُ في جنب اللَّه ) .(٢) .

و في الخبر : اغتنم خمسا قبل خمس : شبابك قبل هرمك ، و صحتك قبل سقمك ، و غناك قبل فقرك ، و فراغك قبل شغلك ، و حياتك قبل موتك(٣) .

و في ( أخبار حكماء القفطي ) : كان أحمد بن محمد بن مروان الطبيب السرخسي تلميذ يعقوب بن إسحاق الكندي أحد المتفنّنين في علوم الفلسفة ، و كان الغالب عليه علمه لا عقله ، و كان أولا معلما للمعتضد ثم نادمه و كان يفضي إليه بأسراره ، فأفضى إليه بسر يتعلّق بالقاسم بن عبيد اللَّه و بدر غلام المعتضد ، فأذاعه بحيلة من القاسم عليه مشهورة ، فسلّمه المعتضد إليهما فاستصفيا ماله ثم أودعاه المطامير ، فلمّا خرج المعتضد لفتح آمد أفلت من المطامير جماعة و أقام أحمد في موضعه و كان قعوده سببا لمنيّته ، فأمر المعتضد القاسم بإثبات جماعة ممّا ينبغي أن يقتلوا ليستريح من تعلق القلب بهم ، فأثبتهم و أدخل أحمد في جملتهم فقتل و مضى بعد أن بلغ السماء رفعة(٤) .

٩٥ الحكمة ( ٤١١ ) و قالعليه‌السلام :

لاَ تَجْعَلَنَّ ذَرَبَ لِسَانِكَ أي حدته عَلَى مَنْ أَنْطَقَكَ وَ بَلاَغَةَ قَوْلِكَ

____________________

( ١ ) المنافقون : ١٠ ١١ .

( ٢ ) الزمر : ٥٥ ٥٦ .

( ٣ ) رواه الحاكم في المستدرك ٤ : ٣٠٦ و ذكره الفيض في المحجة مسندا عن ابن عباس ٨ : ٢٥ .

( ٤ ) أخبار القفطي : ٥٥ .

٦٠٨

عَلَى مَنْ سَدَّدَكَ أي اصلحك قال الشاعر :

فيا عجبا لمن ربيت طفلا

ألقمه بأطراف البنان

اعلمه الرماية كلّ يوم

فلمّا اشتد ساعده رماني

اعلمه الفتوة فلمّا

طر شاربه جفاني

و كم قد علمته نظم القوافي

فلمّا قال شعرا قد هجاني(١)

٩٦ الحكمة ( ٤١٦ ) و قالعليه‌السلام لابنه الحسن :

يَا بُنَيَّ لاَ تُخَلِّفَنَّ وَرَاءَكَ شَيْئاً فَإِنَّكَ تَخَلِّفُهُ لِأَحَدِ رَجُلَيْنِ إِمَّا رَجُلٌ عَمِلَ فِيهِ بِطَاعَةِ اَللَّهِ فَسَعِدَ بِمَا شَقِيتَ بِهِ وَ إِمَّا رَجُلٌ عَمِلَ فِيهِ بِمَعْصِيَةِ اَللَّهِ فَشَقِيَ بِمَا جَمَعْتَ لَهُ فَكُنْتَ عَوْناً لَهُ عَلَى مَعْصِيَتِهِ وَ لَيْسَ أَحَدُ هَذَيْنِ حَقِيقاً عَلَى أَنْ تُؤْثِرَهُ عَلَى نَفْسِكَ في ( المروج ) كان المهدي محبّبا الى الخاص و العام ، لأنّه افتتح أمره بالنظر في المظالم(٢) ، و الكفّ عن القتل ، و أمن الخائف ، و إنصاف المظلوم ، و بسط يده في الاعطاء ، فأذهب جميع ما خلّفه المنصور و هو ستمائة ألف ألف درهم و أربعة عشر ألف ألف دينار سوى ما جباه في أيامه(٣) .

و في ( الطبري ) : قال محمد بن سليمان الهاشمي : كان المنصور لا يعزل أحدا من عمّاله إلاّ ألقاه في دار خالد البطين على شاطى‏ء دجلة ملاصقا لدار

____________________

( ١ )

( ٢ ) في نسخة أخرى في رد المظالم .

( ٣ ) المسعودي ، مروج الذهب ٣ : ٣٢٢ .

٦٠٩

صالح المسكين ، فيستخرج منه مالا ، فما أخذ من شي‏ء ، أمر به فعزل و كتب عليه اسم من أخذ منه و عزل في بيت المال و سمّاه بيت مال المظالم ، فكثر في ذلك البيت من المال و المتاع ، ثم قال للمهدي : إنّي قد هيّأت لك شيئا ترضي به الخلق و لا تغرم من مالك شيئا ، فإذا أنامت فادع هؤلاء الذين أخذت منهم هذه الأموال التي سميتها المظالم فاردد عليهم كلّ ما أخذ منهم فانّك تستحمد إليهم و إلى العامة ، ففعل ذلك المهدي لمّا ولي(١) .

قال المصنف ( و يروى هذا الكلام على وجه آخر ، و هو « أمّا بعد ، فإنّ الذي في يدك من الدنيا قد كان له أهل قبلك و هو صائر إلى أهل بعدك ) .

في ( الأنوار النعمانية ) : مرّ عيسىعليه‌السلام ذات يوم مع جماعة من أصحابه بزرع قد أمكن من الفرك ، فقالوا : يا نبي اللَّه إنّا جياع فاوحي إليه أن ائذن لهم في قوتهم ، فأذن لهم فتفرقوا في الزرع يفركون و يأكلون ، فبيناهم كذلك إذ جاء صاحب الزرع و هو يقول : زرعي و أرضي ورثتها من آبائي فبإذن من تأكلون ؟ فدعا عيسىعليه‌السلام ربه فبعث تعالى جميع من ملك تلك الأرض من لدن آدم إلى ساعته كلّ ينادي زرعي و أرضي ورثته من آبائي ففزع الرجل منهم و كان بلغه أمر عيسىعليه‌السلام ، فأتاه و قال : لم أعرفك ، زرعي لك حلال ، فقال :

ويحك هؤلاء كلّهم قد ورثوا هذه الأرض و عمروها و ارتحلوا عنها و أنت مرتحل عنها و لاحق بهم ليس لك أرض و لا مال(٢) .

( و انما أنت جامع لأحد رجلين رجل عمل فيما جمعته بطاعة اللَّه فسعد بما شقيت به ، و رجل عمل فيه بمعصية اللَّه فشقيت بما جمعت له ، و ليس أحد هذين أهلا أن تؤثره على نفسك و لا أن تحمل له على ظهرك ، فارج لمن مضى

____________________

( ١ ) تاريخ الامم و الملوك للطبري ٦ : ٣٢٤ .

( ٢ )

٦١٠

رحمة اللَّه و لمن بقي رزق اللَّه ) .

الأصل في هذه الرواية ( الروضة ) ، روي أن مولى لأمير المؤمنينعليه‌السلام سأله مالا فقال : يخرج عطائي فاقاسمك فقال : لا أكتفي ، و خرج إلى معاوية فوصله ، فكتبعليه‌السلام إليه : أما بعد الخ و زاد بين قوله « بعدك » و قوله « و انما » و انما لك ما مهدت لنفسك فآثر نفسك على اصلاح ولدك(١) .

٩٧ الحكمة ( ٤٢٩ ) و قالعليه‌السلام :

إِنَّ أَعْظَمَ اَلْحَسَرَاتِ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ حَسْرَةُ رَجُلٍ كَسَبَ مَالاً فِي غَيْرِ طَاعَةِ اَللَّهِ فَوَرِثَهُ رَجُلٌ فَأَنْفَقَهُ فِي طَاعَةِ اَللَّهِ سُبْحَانَهُ فَدَخَلَ بِهِ اَلْجَنَّةَ وَ دَخَلَ اَلْأَوَّلُ اَلنَّارَ هكذا في ( الطبعة المصرية )(٢) و الصواب : ( فورّثه رجلا ) كما في ابن أبي الحديد(٣) و ابن ميثم(٤) و الخطية(٥) .

« فأنفقه في طاعة اللَّه سبحانه فدخل به الجنة و دخل الأول به النار » .

قال ابن أبي الحديد : يقال لعمر بن عبد العزيز السعيد ابن الشقي ، و ذلك أنّ عبد العزيز ملك ضياعا كثيرة بمصر و الشام و العراق و المدينة من غير طاعة اللَّه لسلطان أخيه عبد الملك و بولايته مصر و غيرها ، ثم تركها لابنه عمر فكان ينفقها في طاعة اللَّه إلى أن أفضت الخلافة إليه ، فأخرج سجلات عبد الملك

____________________

( ١ ) روضة الكافي للكليني ٧٢ ، أخرجه عن علي بن إبراهيم عن بعض أصحابه مر ذكره ص ٢٨٧ .

( ٢ ) راجع افسيت النسخة المصرية : ٧٥٦ .

( ٣ ) راجع شرح ابن أبي الحديد ٢٠ : ٧١ .

( ٤ )

( ٥ )

٦١١

بها لأبيه فمزّقها و أعادها إلى بيت المال(١) .

قلت : تسميته سعيدا بذلك على أصول العامة ، و أمّا على أصول الخاصة فكان أشقى من أبيه حيث إنّه تصدّى للخلافة بغير حقّ ، و هو فوق أخذ الأملاك بغير حق ، و كان مصداق قوله تعالى( و حَمَلها الإنسانُ إنَّهُ كانَ ظلوماً جَهُولا ) (٢) .

ثم ان كلامهعليه‌السلام في انفاق الوارث المال في الطاعة محمول على جهله بغاصبية مورثه ، و إلاّ فالواجب عليه ردّه إلى صاحبه ، و قد رد عمر بن عبد العزيز فدك التي صارت إلى أبيه على أهلها ، مع ان الأصل في غصبها صدّيقهم و فاروقهم ، و قد قال له أقرباؤه إنّك في عملك هذا تطعن على الشيخين فلم يكترث بهم .

٩٨ الحكمة ( ٤٢٦ ) و قالعليه‌السلام :

لاَ يَنْبَغِي لِلْعَبْدِ أَنْ يَثِقَ بِخَصْلَتَيْنِ اَلْعَافِيَةِ وَ اَلْغِنَى بَيْنَا تَرَاهُ مُعَافًى إِذْ سَقِمَ وَ بَيْنَا تَرَاهُ غَنِيّاً إِذِ اِفْتَقَرَ أقول : جزؤه الأول نظير قولهعليه‌السلام « ما المريض المبتلى بأحوج إلى الدعاء من الصحيح المعافى » .

و في ( دلالات الرضاعليه‌السلام : عاد بعض أعمامه و عمّه الآخر يبكي عليه ، فتبسّمعليه‌السلام و قال يبرأ المريض المحتضر المأيوس منه و يموت السالم الباكي

____________________

( ١ ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٢٠ : ٧٤ .

( ٢ ) الأحزاب : ٧٢ .

٦١٢

على أخيه ، فصار كما قالعليه‌السلام (١) و من شعر الخليل :

و قبلك داوى الطبيب المريض

فعاش المريض و مات الطبيب

فكن مستعدّا لدار البقاء

فإنّ الذي هو آت قريب(٢)

و قال ابن أبي الحديد قال شاعر :

و ربّ غنيّ عظيم الثراء

أمسى مقلاّ عديما فقيرا

و كم بات من مترف في القصور

فعوّض في الصبح عنها القبورا(٣)

٩٩ الحكمة ( ٤٣٠ ) و قالعليه‌السلام :

إِنَّ أَخْسَرَ اَلنَّاسِ صَفْقَةً وَ أَخْيَبَهُمْ سَعْياً رَجُلٌ أَخْلَقَ بَدَنَهُ فِي طَلَبِ مَالِهِ وَ لَمْ تُسَاعِدْهُ اَلْمَقَادِيرُ عَلَى إِرَادَتِهِ فَخَرَجَ مِنَ اَلدُّنْيَا بِحَسْرَتِهِ وَ قَدِمَ عَلَى اَلْآخِرَةِ بِتَبِعَتِهِ قال الجوهري : يقال صفقة رابحة و صفقة خاسرة ، و الصفق الضرب الذي يسمع له صوت ، و صفقت له بالبيع و البيعة أي : ضربت يدي على يده(٤) .

« و أخيبهم سعيا » أي : أيأسهم من سعيه و جده .

« رجل أخلق بدنه » أي : جعله باليا .

« في طلب آماله و لم تساعده المقادير على إرادته ، فخرج من الدّنيا بحسرته و قدم على الآخرة بتبعته » .

في ( كامل الجزري ) : مات بركيارق بن ملكشاه السلجوقي في سنة

____________________

( ١ ) ذكره المجلسي بالمعنى في ٤٩ : ٣٢ رواية ٧ .

( ٢ ) الحموي ، معجم الأدباء ١١ : ٧٦ .

( ٣ ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٢٠ : ٧١ .

( ٤ ) الجوهري ، الصحاح ٤ : ١٥٠٧ مادة (( صفق )) .

٦١٣

 ٤٩٨ ) عن خمس و عشرين سنة و مدّة وقوع اسم السلطنة عليه ( ١٢ ) سنة ، قاسى من الحروب و اختلاف الأمور عليه ما لم يقاسه أحد ، و أشرف في عدّة نوب بعد إسلام النعمة على ذهاب المهجة ، و لمّا أطاعه المخالفون أدركته المنية(١) .

و في ( معجم بلدان الحموي ) : قادس جزيرة غربي الأندلس ، و كان صاحبها من ملوك الروم قبل الإسلام ، و كانت له بنت ذات جمال خطبها ملوك النواحي إلى أبيها فقال : لا ازوجها إلاّ بمن يصنع في جزيرتي طلسما يمنع البربر من الدخول إليها بغضا منها لهم أو يسوق الماء إليها من البر بحيث يدور فيها الرحى ، فخطبها ملكان فاختار أحدهما سوق الماء و الآخر عمل الطلسم على أن من سبق منهما يكون هو صاحب البنت ، فسبق صاحب الماء فلم يظهر الملك أبو البنت ذلك خوفا من أن يبطل الآخر ، فلمّا فرغ صاحب الطلسم و لم يبق إلاّ صقله أجرى صاحب الرحاء الماء و دارت رحاه ، فقيل لصاحب الطلسم انّك قد سبقت ، فألقى نفسه من أعلى الموضع الذي عليه الطلسم فمات و صارت الجارية لصاحب الماء .

قالوا : و الطلسم من حديد مخلوط بصفر على صورة بربري له لحية و في رأسه ذؤابة من شعر جعد قائمة في رأسه لجعودتها متأبط صورة كساء قد جمع فضلتيه على يده اليسرى قائم على رأس بناء عال مشرف طوله نيّف و ستون ذراعا و طول الصورة قدر ستة أذرع قد مدّ يده اليمنى بمفتاح قفل في يده قابضا عليه مشيرا إلى البحر كأنّه يقول : لا عبور .(٢) .

و في ( جمل المفيد ) : قال الحسن البصري : خرج طلحة من رساتيق

____________________

( ١ ) ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ١١ : ٣٨٥ بتصرف في النقل .

( ٢ ) الحموي ، معجم البلدان ٤ : ٢٩١ .

٦١٤

أقطعه إيّاها عثمان إذ كان يقبضها ينخ به ألف راكب ثم يروحون فلم يعرف له ذلك حتى سعى في دمه ، فلمّا كان يوم البصرة خرج للقتال و قد لبس درعا استجن به من السهام إذ أتاه سهم فأصابه و كان أمر اللَّه قدراً مقدوراً(١) و رأيته يقول حين أصابه السهم : ما رأيت كاليوم مصرع شيخ أضيع من مصرعي و قد كان قبل ذلك جاهد مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله و وقاه بيده فضيع أمر نفسه و لقد رأيت قبره مأوى الشقاء يضع عنده الغريب ثم يقضي عنده حاجته .

و أتى الزبير حيّا من أحياء العرب فقال أجيروني قال الحسن : و كنت يا زبير قبل ذلك تجير و لا يجار عليك و ما الذي أخافك و و اللَّه ما أخافك إلاّ ابنك فاتبعه ابن جرموز فقتله و و اللَّه ما رأيت مثله أحدا قط قد ضاع ، و هذا قبره بوادي السباع مخراة الثعالب ، فخرجا من الدّنيا لم يدركا ما طلبا و لم يرجعا إلى ما تركا قال الحسن : فعز عليّ هذه الشقوة التي كتبت عليهما(٢) .

( و فيه أيضا ) : لمّا انجلت الحرب بالبصرة و قتل طلحة و الزبير و حملت عائشة إلى قصر بني خلف ركب أمير المؤمنينعليه‌السلام و عمّار يمشي مع ركابه حتى خرج إلى القتلى يطوف عليهم ، فمرّ بعبد اللَّه بن خلف الخزاعي و عليه ثياب حسان مشهرة ، فقال الناس : هذا و اللَّه رأس الناس فقالعليه‌السلام : ليس برأس الناس و لكنه شريف منيع النفس ثم مرّ بعبد الرحمن بن عتاب بن أسيد فقالعليه‌السلام : هذا يعسوب القوم و رأسهم ، ثم جعل يستعرض القتلى رجلا رجلا ، فلمّا رأى أشراف قريش صرعى في جملة القتلى قال : جدعت أنفي ، أما و اللَّه إن كان مصرعكم بغيضا إليّ و لقد تقدمت إليكم و حذرتكم عض السيوف و كنتم احداثا لا علم لكم بما ترون و لكن الحين و مصارع سوء

____________________

( ١ )

( ٢ ) جمل المفيد : ٢٠٥ ٢٠٦ .

٦١٥

نعوذ باللَّه من سوء المصرع .

ثم سار حتى وقف على كعب بن سوار القاضي و هو مجدّل بين القتلى و في عنقه المصحف ، فقال : نحّوا المصحف وضعوه في مواضع الطهارة ثم قال : أجلسوا لي كعبا ، فاجلس فقالعليه‌السلام : يا كعب قد وجدت ما وعدني ربي حقّا فهل وجدت ما وعد ربك حقّا ؟ ثم قال : أضجعوا كعبا ، فتجاوزه فرأى طلحة صريعا فقال : أجلسوه ، فاجلس ، فقال : يا طلحة قد وجدت ما وعدني ربي حقّا فهل وجدت ما وعد ربك حقّا ؟ ثم قال أضجعوه ، فوقف رجل من القرّاء أمامه و قال لهعليه‌السلام : ما كلامك ؟ هذه الهام قد صديت لا تسمع لك و لا ترد جوابا فقالعليه‌السلام : إنّهما ليسمعان كلامي كما سمع أصحاب القليب كلام الرسول ، و لو أذن لهما في الجواب لرأيت عجبا .

و مرّ بمعبد بن المقداد و هو في الصرعى ، فقالعليه‌السلام : رحم اللَّه أبا هذا ، إنّما كان رأيه فينا أحسن من رأي هذا فقال عمّار : الحمد للَّه الذي أوقعه و جعل خدّه الأسفل ، و اللَّه لا نبالي بمن عند عن الحق من والد و ولد فقالعليه‌السلام : رحمك اللَّه يا عمّار و جزاك عن الحق خيرا .

و مرّ بعبد اللَّه بن ربيعة و هو في القتلى ، فقالعليه‌السلام : هذا البائس ما كان أخرجه نصر عثمان ، و اللَّه ما كان رأي عثمان فيه و لا في أبيه بحسن .

و مرّ بمعبد بن زهير بن امية فقالعليه‌السلام : لو كانت الفتنة برأس الثريا لتناولها هذا الغلام ، و اللَّه ما كان فيها بذي مخبرة ، و لقد أخبرني من أدركه انّه يلوذ خوفا من السيف حتى قتل البائس ضياعا .

و مرّ بمسلم بن قرضة فقال : البر أخرج هذا و لقد سألني أن أكلم عثمان في شي‏ء يدّعيه عليه بمكّة فلم أزل به حتى أعطاه و قال لي : لو لا أنت ما أعطيته ان هذا ما علمت بئس العشيرة ، ثم جاء لحينه ينصر عثمان .

٦١٦

ثمّ مرّ بعبد اللَّه بن عمير بن زهير قال : هذا أيضا ممّن أوضع في قتالنا يطلب بزعمه دم عثمان و مرّ بعبد اللَّه بن حكيم بن حزام فقال : هذا خالف أباه في الخروج عليّ ، و إن أباه حيث لم ينصرنا بايع و جلس في بيته ، ما ألوم أحدا إذا كفّ عنا و عن غيرنا و لكن الملوم الذي يقاتلنا .

و مرّ بعبد اللَّه بن الأخنس فقال : أما هذا فقتل أبوه يوم قتل عثمان في الدار فخرج غضبا لمقتل أبيه و هو غلام لا علم له بعواقب الأمور و مرّ بعبد اللَّه بن الأخنس بن شريق فقال : أما هذا فاني أنظر إليه و قد أخذ القوم السيوف و انّه لهارب يعدو من السيف ، فنهيت عنه فلم يسمع حتى قتل(١) .

و أيضا مصداق ما ذكرهعليه‌السلام خلافة ابن المعتز ، فإنّه ولي الأمر ليلة ثم قتل(٢) .

١٠٠ الحكمة ( ٤٣٥ ) و قالعليه‌السلام :

مَا كَانَ اَللَّهُ لِيَفْتَحَ عَلَى عَبْدٍ بَابَ اَلشُّكْرِ وَ يُغْلِقَ عَنْهُ بَابَ اَلزِّيَادَةِ قال تعالى( لئن شَكرتُم لأَزيدَنّكُم ) .(٣) .

و قال الصادقعليه‌السلام : ما أنعم تعالى على عبد من نعمة فعرفها بقلبه و حمده تعالى بلسانه فتم كلامه حتى يؤمر له بالمزيد(٤) .

« و لا ليفتح على عبد باب الدعاء و يغلق عنه باب الإجابة » قال تعالى

____________________

( ١ )

( ٢ )

( ٣ ) إبراهيم : ٧ .

( ٤ ) أورده الحراني بهذا اللفظ : من أنعم اللَّه عليه نعمة فعرفها بقلبه و علم ان المنعم عليه اللَّه فقد أدّى شكرها و ان لم يحرّك لسانه ( تحف العقول ٢٧٥ ) .

٦١٧

( ادعُوني أَسَجِب لَكُم ) (١) ( و إذا سأَلك عبادي عَني فإنّي قَريب اُجيبُ دعوةَ الداعِ إذا دَعان فَليستَجيبوا لي و ليُؤمِنوا بي لعلَّهم يَرشُدون ) (٢) .

و في ( الكافي ) عن الصادقعليه‌السلام : انّ العبد ليدعو فيقول تعالى للملكين قد استجبت له و لكن احبسوه بحاجته فإنّي احبّ أن أسمع صوته ، و إنّ العبد ليدعو فيقول تعالى : عجّلوا له حاجته فإني أبغض صوته(٣) .

و عنهعليه‌السلام : خمس دعوات لا تحجبن عن الرّبّ تعالى : دعوة الإمام المقسط ، و المظلوم ، يقول تعالى : لأنتقمن لك و لو بعد حين ، و الولد الصالح لوالديه ، و الوالد الصالح لولده ، و المؤمن لأخيه بظهر الغيب و يقول : و لك مثله(٤) .

و عنهعليه‌السلام : أربعة لا يستجاب لهم دعوة : الرجل الجالس في بيته يقول :

اللّهم ارزقني فيقال له : ألم آمرك بالطلب ، و من كانت له امرأة سوء فدعا عليها فيقال له : ألم أجعل أمرها إليك ، و رجل كان له مال فأفسده فيقول : اللّهم ارزقني فيقال له ألم آمرك بالاقتصاد :( و الّذين إِذا أَنفَقُوا لم يُسرِفوا وَ لَم يقتُرُوا و كانَ بينَ ذلك قواماً ) (٥) و رجل كان له مال فأدانه بغير بيّنه فيقال له : ألم آمرك بالشهادة(٦) .

و عنهعليه‌السلام : كان في بني اسرائيل رجل فدعا اللَّه تعالى أن يرزقه غلاما ثلاث سنين ، فلمّا رأى انّه لا يجيبه قال : يا ربّ أبعيد أنا منك فلا تسمعني أم

____________________

( ١ ) غافر : ٦٠ .

( ٢ ) البقرة : ١٨٦ .

( ٣ ) الكافي للكليني ٢ : ٤٨٩ ح ٣ عن علي بن حديد .

( ٤ ) الكافي للكليني ٢ : ٥٠٩ رقم ٢ ، بحار الأنوار ٩٣ : ٣٥٨ رقم ١٦ .

( ٥ ) فرقان : ٦٧ .

( ٦ ) الكافي للكليني ٢ : ٥١١ رقم ( ٢ ) ، المجلسي ، بحار الأنوار ٧١ : ٣٤٤ رواية ١ .

٦١٨

قريب أنت منّي فلا تجيبني ، فأتى آت في منامه فقال : إنّك دعوته منذ ثلاث سنين بلسان بذيّ و قلب عات غير تقيّ و نيّة غير صادقة فأقلع عن بذائك و ليثق باللَّه تعالى قلبك و ليحسن نيتك ، ففعل الرجل ذلك ثم دعا فولد له(١) .

« و لا يفتح لعبد » هكذا في الطبعة المصرية(٢) ، و الصواب : ( على عبد ) كما في ابن أبي الحديد(٣) و ابن ميثم(٤) و الخطية ( باب التوبة و يغلق عنه باب المغفرة ) قال تعالى استَغفروا ربَّكُم إِنّه كان غفَّاراً يُرسِل السماء عليكم مدرارا(٥) ( و هو الذي يَقبل التوبة عن عباده و يعفوا عن السيّئات ) (٦) .

و في ( الكافي ) عن الصادقعليه‌السلام : إذا تاب العبد توبة نصوحا أحبه اللَّه تعالى فستر عليه ، ينسي ملكيه ما كانا يكتبان عليه ، و يوحي إلى جوارحه و إلى بقاعه أن اكتمي عليه ذنوبه ، فيلقى اللَّه تعالى حين يلقاه و ليس شي‏ء يشهد عليه بذنب(٧) .

و عن الباقرعليه‌السلام : أوحى تعالى إلى داودعليه‌السلام أن ائت عبدي دانيال فقل له انّك عصيتني فغفرت لك ، و عصيتني فغفرت لك ، و عصيتني فغفرت لك ، فإن أنت عصيتني الرابعة لم أغفر لك فأتاه داودعليه‌السلام و بلّغه ذلك فقال له دانيال : قد بلّغت يا نبيّ اللَّه ، فلمّا كان في السحر قام دانيال و ناجى ربّه فقال : يا ربّ إنّ داود أخبرني عنك كذا و كذا و عزّتك و جلالك لئن لم تعصمني لأعصينّك ثم

____________________

( ١ ) الكافي للكليني ٢ : ٣٢٥ ح ٧ .

( ٢ )

( ٣ )

( ٤ )

( ٥ )

( ٦ ) الشورى : ٢٥ .

( ٧ ) الكافي للكليني ٢ : ٤٣٦ ح ١٢ .

٦١٩

لأعصينك ثم لأعصينك(١) .

و أمّا قولهعليه‌السلام في الحكمة ١٣٥ : « من اعطي أربعا لم يحرم أربعا : من اعطي الدّعاء لم يحرم الإجابة ، و من اعطي التّوبة لم يحرم القبول ، و من اعطي الإستغفار لم يحرم المغفرة ، و من اعطي الشّكر لم يحرم الزّيادة » و تصديق ذلك في كتاب اللَّه قال اللَّه عز و جل في الدعاء( ادعُوني أستَجب لَكُم ) (٢) و قال في الاستغفار :( و مَن يَعمل سُوءً أو يَظلم نَفسَه ثُمَّ يَستَغفِر اللَّه يَجدِ اللَّهَ غَفوراً رحيماً ) (٣) و قال في الشكر( لَئِن شَكَرتُم لأزيدنّكُم ) (٤) و قال في التوبة :( إنَّما التوبةُ عَلى اللَّه لِلَّذينَ يَعمَلون السُّوَءَ بِجَهالةٍ ثمَّ يتُوبُونَ مِن قَريبٍ فأُولئكَ يَتُوبُ اللَّه عليهم و كانَ اللَّه عَليماً حَكيماً ) (٥) فلا يحتاج إلى شرح لأنّه في معنى سابقه ، و إنّما زيد في هذا الاستغفار مع أنّهعليه‌السلام استدل لكل منها بما في كتاب اللَّه تعالى .

و أمّا زيادة المصرية ، مطبعة الاستقامة جملة « قال الرضي » قبل قوله « و تصديق ذلك » فأخذتها من نقل ابن أبي الحديد و هو أخذها من حاشية و همية خلطت بالمتن(٦) .

و يدل على كونها وهما أنّه لو كان كلام الرضي لقال : « و تصديق قولهعليه‌السلام » لا « و تصديق ذلك » و ابن ميثم و الخطية(٧) لم ينقلا الجملة مع أنّ ابن

____________________

( ١ ) الكافي للكليني ٢ : ٤٣٦ ح ١١ .

( ٢ ) غافر : ٦٠ .

( ٣ ) النساء : ١١٠ .

( ٤ ) إبراهيم : ٧ .

( ٥ ) النساء : ١٧ .

( ٦ ) انظر ١٨ : ٣٣١ من شرح بن أبي الحديد ، كذلك راجع افسيت النسخة المصرية ٦٨٩ .

( ٧ ) نقل شرح ابن ميثم في النسخة المنقحة ٥ : ٣١٧ رقم ١٢٥ .

٦٢٠