بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٤

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة0%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 639

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

مؤلف: الشيخ محمد تقي التّستري
تصنيف:

الصفحات: 639
المشاهدات: 223618
تحميل: 7055


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 639 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 223618 / تحميل: 7055
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 14

مؤلف:
العربية

١ الخطبة ( ١١٣ ) و من خطبة لهعليه‌السلام في الاستسقاء :

اَللَّهُمَّ قَدِ اِنْصَاحَتْ جِبَالُنَا وَ اِغْبَرَّتْ أَرْضُنَا وَ هَامَتْ دَوَابُّنَا وَ تَحَيَّرَتْ فِي مَرَابِضِهَا وَ عَجَّتْ عَجِيجَ اَلثَّكَالَى وَ مَلَّتِ اَلتَّرَدُّدَ فِي مَرَاتِعِهَا وَ اَلْحَنِينَ إِلَى مَوَارِدِهَا اَللَّهُمَّ فَارْحَمْ أَنِينَ اَلْآنَّةِ وَ حَنِينَ اَلْحَانَّةِ اَللَّهُمَّ فَارْحَمْ حَيْرَتَهَا فِي مَذَاهِبِهَا وَ أَنِينَهَا فِي مَوَالِجِهَا اَللَّهُمَّ خَرَجْنَا إِلَيْكَ حِينَ اِعْتَكَرَتْ عَلَيْنَا حَدَابِيرُ اَلسِّنِينَ وَ أَخْلَفَتْنَا مَخَايِلُ اَلْجُودِ فَكُنْتَ اَلرَّجَاءَ لِلْمُبْتَئِسِ وَ اَلْبَلاَغَ لِلْمُلْتَمِسِ نَدْعُوكَ حِينَ قَنَطَ اَلْأَنَامُ وَ مُنِعَ اَلْغَمَامُ وَ هَلَكَ اَلسَّوَامُ أَلاَّ تُؤَاخِذَنَا بِأَعْمَالِنَا وَ لاَ تَأْخُذَنَا بِذُنُوبِنَا وَ اُنْشُرْ عَلَيْنَا رَحْمَتَكَ بِالسَّحَابِ اَلْمُنْبَعِقِ وَ اَلرَّبِيعِ اَلْمُغْدِقِ وَ اَلنَّبَاتِ اَلْمُونِقِ سَحّاً وَابِلاً تُحْيِي بِهِ مَا قَدْ مَاتَ وَ تَرُدُّ بِهِ مَا قَدْ فَاتَ اَللَّهُمَّ سُقْيَا مِنْكَ مُحْيِيَةً مُرْوِيَةً تَامَّةً عَامَّةً طَيِّبَةً مُبَارَكَةً هَنِيئَةً مَريِئَةً زَاكِياً نَبْتُهَا ثَامِراً فَرْعُهَا نَاضِراً وَرَقُهَا تُنْعِشُ

٨١

بِهَا اَلضَّعِيفَ مِنْ عِبَادِكَ وَ تُحْيِي بِهَا اَلْمَيِّتَ مِنْ بِلاَدِكَ اَللَّهُمَّ سُقْيَا مِنْكَ تُعْشِبُ بِهَا نِجَادُنَا وَ تَجْرِي بِهَا وِهَادُنَا وَ تُخْصِبُ بِهَا جَنَابُنَا وَ تُقْبِلُ بِهَا ثِمَارُنَا وَ تَعِيشُ بِهَا مَوَاشِينَا وَ تَنْدَى بِهَا أَقَاصِينَا وَ تَسْتَعِينُ بِهَا ضَوَاحِينَا مِنْ بَرَكَاتِكَ اَلْوَاسِعَةِ وَ عَطَايَاكَ اَلْجَزِيلَةِ عَلَى بَرِيَّتِكَ اَلْمُرْمِلَةِ وَ وَحْشِكَ اَلْمُهْمَلَةِ وَ أَنْزِلْ عَلَيْنَا سَمَاءً مُخْضِلَةً مِدْرَاراً هَاطِلَةً يُدَافِعُ اَلْوَدْقُ مِنْهَا اَلْوَدْقَ وَ يَحْفِزُ اَلْقَطْرُ مِنْهَا اَلْقَطْرَ غَيْرَ خُلَّبٍ بَرْقُهَا وَ لاَ جَهَامٍ عَارِضُهَا وَ لاَ قَزَعٍ رَبَابُهَا وَ لاَ شَفَّانٍ ذِهَابُهَا حَتَّى يُخْصِبَ لِإِمْرَاعِهَا اَلْمُجْدِبُونَ وَ يَحْيَا بِبَرَكَتِهَا اَلْمُسْنِتُونَ فَإِنَّكَ تُنْزِلُ اَلْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَ تَنْشُرُ رَحْمَتَكَ وَ أَنْتَ اَلْوَلِيُّ اَلْحَمِيدُ ١٥ ١٦ ٤٢ : ٢٨

٨٢

قولهعليه‌السلام « انصاحت جبالنا » أي : تشققت من المحول ، يقال : انصاح الثوب إذا انشق ، و يقال أيضا انصاح انبت و صاح وصوح إذا جف و يبس .

و قولهعليه‌السلام « و هامت دوابنا » أي : عطشت ، و الهيام العطش .

و قوله « و حدابير السنين » جمع حدبار ، و هي الناقة التي أنضاها السير ، فشبّه بها السنة التي فشا فيها الجدب ، قال ذو الرمة :

حدابير ما تنفكّ إلاّ مناخة

على الخسف أو نرمي بها بلدا قفرا(١)

و قوله « و لا قزع ربابها » القزع : الصغار المتفرقة من السحاب .

و قوله « و لا شفان ذهابها » تقديره : و لا ذات شفان ذهابها ، و الشفان الريح الباردة ، و الذهاب : الأمطار اللينة ، فحذف ( ذات ) لعلم السامع به .

أقول : رواها الشيخ في تهذيبه أبسط ، فقال : روي أنّهعليه‌السلام خطب في الاستسقاء فقال : « الحمد للَّه سابغ النعم و مفرّج الهم و بارى‏ء النسم ، الذي جعل السماوات لكرسيه عمادا و الجبال للأرض أوتادا و الأرض للعباد مهادا ،

____________________

( ١ ) لسان العرب ١٢ : ٣١٤ .

٨٣

و ملائكته على أرجائها و عرشه على أمطائها ، و أقام بعزّته أركان العرش و أشرق بضوئه شعاع الشمس و أحيى بشعاعه ظلمة الغطش و فجّر الأرض عيونا و القمر نورا و النجوم بهورا ثم علا فتمكن و خلق فأتقن فتهيمن فخضعت له نخوة المستكبر و طلبت إليه خلّة المستكين » .

« اللّهم فبدرجتك الرفيعة و محلتك المنيعة و فضلك السابغ و سبيلك الواسع ، أسألك أن تصلّي على محمّد و آل محمّد كما دان لك و دعا إلى عبادتك و وفى بعهدك و أنفذ أحكامك و اتبع أعلامك ، عبدك و نبيّك و أمينك على عهدك إلى عبادك القائم بأحكامك و مؤيد من أطاعك و قاطع عذر من عصاك » .

« اللّهم فاجعل محمّدا أجزل من جعلت له نصيبا من رحمتك ، و انظر من أشرق وجهه بسجال عطاياك ، و أقرب الأنبياء زلفة يوم القيامة عندك ، و أوفرهم حظّا من رضوانك ، و أكثرهم صفوف امة في جنانك ، كما لم يسجد للأحجار ، و لم يعتكف للأشجار و لم يستحلّ السبا و لم يشرب الدماء » .

« اللّهم خرجنا إليك حين فاجأتنا المضايق الوعرة و ألجأتنا المجالس العسرة و عضتنا علائق الشين و تأثلت علينا لواحق المين و اعتكرت علينا حدابير السنين ، و أخلفتنا مخائل الجود و استظمأنا لصوارخ العود ، و كنت رجاء المبتئس و الثقة للملتمس ، ندعوك حين قنط الأنام و منع الغمام و هلك السوام ، يا حي يا قيوم عدد الشجر و النجوم ، و الملائكة الصفوف و العنان المكفوف ، ألاّ تردنا خائبين و لا تؤاخذنا بأعمالنا و لا تخاصمنا بذنوبنا ، و انشر علينا رحمتك بالسحاب المتألق و النبات المونق ، و امنن على عبادك بتنويع الثمرة و أحي بلادك ببلوغ الزهرة ، و أشهد ملائكتك الكرام السفرة سقيا منك نافعة دائمة غزرها واسعا درّها سحابا وابلا سريعا عاجلا ، تحيي به ما قد مات و تردّ به ما قد فات و تخرج به ما هو آت » .

٨٤

« اللّهم اسقنا غيثا مغيثا ممرعا طبقا مجلجلا متتابعا خوفقة منبجسة بروقة مرتجسة هموعة ، و سيبه مستدر و صوبه مستمطر ، لا تجعل ظلّه علينا سموما و برده علينا حسوما و ضوءه علينا رجوما و ماءه اجاجا و نباته رمادا رمددا » .

« اللّهم إنّا نعوذ بك من الشرك و هواديه و الظلم و دواهيه و الفقر و دواعيه ، يا معطي الخيرات من أماكنها و مرسل البركات من معادنها ، منك الغيث المغيث و أنت الغياث المستغاث و نحن الخاطئون أهل الذنوب و أنت المستغفر الغفار ، نستغفرك للجمات من ذنوبنا و نتوب إليك من عوام خطايانا » .

« اللّهم فأرسل علينا ديمة مدرارا و اسقنا الغيث واكفا مغزارا غيثا واسعا ، و بركة من الوابل نافعة تدافع الودق بالودق و يتلو القطر منه القطر ، غير خلب برقه و لا مكذّب رعده و لا عاصفة جنائبه ، ريّا يقص بالري ربابه و فاض فانضاع به سحابه ، جرى آثار هيدبه جنابه سقيا منك ، محيية مروية محفلة مفضلة ، زاكيا نبتها ناميا زرعها ناضرا عودها ، ممرعة آثارها ، جارية بالخصب و الخير على أهلها ، تنعش بها الضعيف من عبادك و تحيي بها الميت من بلادك و تنعم بها المبسوط من رزقك و تخرج بها المخزون من رحمتك و تعمّ بها من ناء من خلقك ، حتى يخصب لإمراعها المجدبون و يحييا ببركتها المسنتون و تترع بالقيعان غدرانها و تورق ذرى الآكام زهراتها ، و يدهام بذرى الآجام شجرها و تستحق علينا بعد اليأس شكرا منة من مننك مجللة و نعمة من نعمك مفضلة على بريتك المرملة و بلادك المغرية و بهائمك المعملة و وحشك المهملة » .

« اللّهم منك ارتجاؤنا و إليك مآبنا ، فلا تحبسه علينا لتبطنك سرائرنا و لا

٨٥

تؤاخذنا بما فعل السفهاء منّا ، فإنّك تنزل الغيث من بعد ما قنطوا و تنشر رحمتك و أنت الولي الحميد » .

ثم بكىعليه‌السلام ، فقال : سيدي صاحب جبالنا و اغبرت أرضنا و هامت دوابنا و قنط اناس منّا و تاهت البهائم و تحيّرت في مراتعها ، و عجّت عجيج الثكالى على أولادها و ملّت الدوران في مراتعها حين حبست عنها قطر السماء فدقّ لذلك عظمها و ذهب لحمها و ذاب شحمها و انقطع درّها ، اللّهم ارحم أنين الآنّة و حنين الحانّة ارحم تحيّرها في مراتعها و أنينها في مرابضها(١) .

و رواه ( الفقيه )(٢) مثله مع اختلاف يسير ، و رواه كتب غريب الحديث(٣) .

« اللّهم قد انصاحت » من : انصاح الثوب و انصاحت العصا أي تشققا ، قال أبو عبيدة : إذا انشق الثوب من قبل نفسه قيل قد انصاح ، و منه قول عبيد : « من بين مرتتق منها و منصاح » .

« جبالنا » من يبسها و عدم نزول المطر عليها هذا و لكن في ( اللسان ) :

و في حديث الاستسقاء : « اللّهم ضاحت بلادنا و اغبرت أرضنا » أي : برزت للشمس و ظهرت بعدم النبات فيها ، و هي فاعلت من ( ضحا ) مثل رامت من ( رمى ) و أصلها : ضاحيت .

« و اغبرت » من باب ( احمر ) .

« أرضنا » من عدم جريان ماء عليها .

« و هامت » في ( المصباح ) : هام يهيم و هياما : خرج على وجهه لا يدري أين يتوجّه ، فهو هائم ان سلك طريقا مسلوكا ، فإن سلك طريقا غير مسلوك فهو

____________________

( ١ ) التهذيب للطوسي ٣ : ١٥١ ح ١١ باب ١٣ .

( ٢ ) انظر فقيه من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق ١ : ٥٢٧ ح ١٥٠١ .

( ٣ ) غريب حديث رسول اللَّه و أمير المؤمنين للصدوق .

٨٦

راكب التعاسيف(١) .

« دوابّنا » و في ( الأغاني ) : قال ابن الأعرابي في قول النمر بن تولب :

أقود خيلا رجعا فيها صرر

أطعمها اللحم إذا عزّ الشجر(٢)

كانت العرب إذا لم تجد العلف دقّت اللحم اليابس فأطعمته الخيل .

« و تحيرت في مرابضها » قال الجوهري : المرابض للغنم كالمعاطن للإبل .(٣) .

و الأصح قول ابن دريد : ربضت الشاة و غيرها من الدواب ، و قد يقال للحافر أيضا : ربضت .(٤) .

و الظاهر أنّ الجوهري رأى في كلامهم « مرابض الغنم » فتوهّم الاختصاص .

« و عجت » أي : رفعت صوتها .

« عجيج الثكالى » جمع الثكلى مرأة فقدت ولدها(٥) .

« و ملّت التردد في مراتعها » و لا تجد علفا و في ( البيان ) : قال سلام الكلابي :

وجدنا أرضا ماحلة مثل جلد الأجرب تضي‏ء و لا يسكت ذيبها و لا يقيد راكبها(٦) .

« و الحنين » الصوت اشتياقا .

« إلى مواردها » من الماء .

____________________

( ١ ) المصباح المنير : ٦٤٠ مادة ( هام ) .

( ٢ ) الأغاني لأبي الفرج الاصفهاني ٢٢ : ٢٧٨ .

( ٣ ) الصحاح للجوهري ٢ : ١٠٧٦ مادة ( ربض ) .

( ٤ ) الجمهرة لابن دريد ١ : ٣١٤ مادة ( ربض ) .

( ٥ ) الصحاح للجوهري ١ : ٣٢٧ مادة ( عجج ) .

( ٦ ) البيان و التبيين ٢ : ١٥٧ .

٨٧

« اللّهم فارحم أنين الآنّة و حنين الحانّة » قال الجوهري : ما له حانّة و لا آنّة ، أي : ناقة و لا شاة(١) .

« اللّهم فارحم حيرتها في مذاهبها » إلى تحصيل القوت .

« و أنينها في موالجها » دخولها في محل إقامتها .

قال ابن أبي الحديد : ابتدأ بذكر الأنعام و ما أصابها من الجدب اقتداء بسنّة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال : لو لا البهائم الرتّع و الصبيان الرضّع و الشيوخ الركّع لصبّ عليكم العذاب صبّا(٢) .

و قال مجاهد في قوله تعالى .( و يلعنهم اللاعنون ) (٣) دوابّ الأرض تلعنهم يقولون : منعنا القطر بخطاياهم .

و قال الخوئي ابتدأعليه‌السلام بذكر الدواب لأنّها أقرب إلى مظنة الرحمة(٤) .

و في ( منتخب التوراة ) : يا بني آدم كيف لا تجتنبون الحرام و اكتساب الآثام و لا تخافون النيران و لا تتقون غضب الرحمن ، فلو لا مشائخ ركع و بهائم رتع و شبّان خشعّ لجعلت السماء فوقكم حديدا و الأرض صفصفا و التراب رمادا ، و لا أنزلت عليكم قطرة و لا أنبت لكم من الأرض حبّة و لصبّ عليكم العذاب صبّا(٥) .

قال : و في ( الفقيه ) عن أبي عبد اللَّهعليه‌السلام : إنّ سليمان خرج ذات يوم مع أصحابه ليستسقي ، فوجد نملة قد رفعت قائمة من قوائمها

____________________

( ١ ) الصحاح للجوهري ٤ : ٢١٠٥ مادة ( حنن ) .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٧ : ٢٦٤ .

( ٣ ) البقرة : ١٥٩ .

( ٤ ) شرح نهج البلاغة لحبيب اللَّه الخوئي ٨ : ٧٨ .

( ٥ ) منتخب التوراة الآية التاسعة من ( أربعون سورة منتخبة من التوراة ) : ٩٤ ، كتاب خطي رقم الايداع ٨ ٦٦ مكتبة الطباطبائي .

٨٨

إلى السماء و هي تقول : اللّهم انّا خلق من خلقك لا غنى بنا عن رزقك و لا تهلكنا بذنوب بني آدم فقال سليمانعليه‌السلام لأصحابه : ارجعوا فقد سقيتم بغيركم(١) .

و روى الرازي : إنّ الناس أصابهم في بعض الأزمنة قحط شديد ، فأصحروا يستسقون فلم يستجب لهم ، فأتيت بعض الجبال فإذا بظبية قلقة من كثرة العطش و شدة الهيام مبادرة نحو غدير هناك ، فلما وصلت إليه فلم تجد فيه ماء تحيرت و اضطربت و رفعت رأسها إلى السماء تحركه و تنظر إليها ، فبينما هي كذلك رأيت سحابة ارتفعت و امطرت حتى امتلأ الغدير ، فشربت منه و ارتوت ثم رجعت .

قلت : ليس الأمر كما قالا ، ففي ( الفقيه ) : كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا استسقى قال :

« اللّهم اسق عبادك و بهائمك و انشر رحمتك و احي بلادك الميتة » يرددها ثلاث مرات(٢) .

« اللّهم خرجنا إليك حين اعتكرت » أي : كرت و غلظت قال : تطاول الليل علينا و اعتكر(٣) .

« علينا حدابير السنين » أي : سنين كجمال بدا عظمها من الهزال .

و كتب ابن الاشعث إلى الحجاج : سأحملك على صعب حدباء حدبار .

و قال الأخطل :

و لو لا يزيد ابن الملوك و سيبه

تجللت حدبارا من الشر أنكدا(٤)

« و أخلفتنا » من : خلف الوعد ، استعارة يقال : أخلفت النجوم إذا أمحلت

____________________

( ١ ) من لا يحضره الفقيه للصدوق ١ : ٥٢٤ .

( ٢ ) من لا يحضره الفقيه للصدوق ١ : ٥٢٧ .

( ٣ ) شرح نهج البلاغة للخوئي ٨ : ٧٩ .

( ٤ ) من لا يحضره الفقيه ١ : ٥٢٧ .

٨٩

فلم يكن فيها مطر .

« مخائل » جمع مخيلة : سحاب تخال فيها المطر .

« الجود » بالفتح ، أي : المطر الغزير الذي يروي كل شي‏ء .

وقف أعرابي بقوم فقال : تتابعت علينا سنون جماد شداد ، لم يكن للسماء فيها رجع و لا للأرض فيها صدع ، فنضب العد و نشف الوشل و أمحل الخصب و كلح الجدب و شفّ المال و كسف البال و شظف المعاش و ذهب الرياش .

و دخلت ليلي الأخيلية على الحجاج فقالت : أتيت لإخلاف النجوم و قلة الغيوم و كلب البرد و شدة الجهد .

« فكنت الرجاء للمبتئس » أي : الحزين قال :

ما يقسم اللَّه اقبل غير مبتئس

منه و اقعد كريما ناعم البال(١)

« و البلاغ » أي : الكفاية قال الراجز : تزج من دنياك بالبلاغ .

« للملتس » أي الطالب مرة بعد اخرى .

« ندعوك حين قنط الانام » كأنهعليه‌السلام أشار إلى قوله تعالى .( ينزل الغيث من بعد ما قنطوا و ينشر رحمته و هو الولي الحميد ) (٢) أي : وعدت تنزيلك الغيث بعد يأس الناس فندعوك أن تجود علينا كما وعدت .

« و منع » معلوما لكون قبله و بعده كذلك .

« الغمام » : أي السحاب قطره .

« و هلك السوام » بفتح السين و تخفيف الميم : بمعنى السائم ، من : سامت الماشية : رعت .

____________________

( ١ ) لسان العرب لابن منظور ١ : ٢٠٣ و هو لحسان بن ثابت .

( ٢ ) الشورى : ٢٨ .

٩٠

« ألاّ تؤاخذنا بأعمالنا » فقال تعالى( و ما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم و يعفو عن كثير ) (١) .

قال ابن أبي الحديد(٢) : روي عن ابن مسعود إذا بخس المكيال حبس القطر .

و قال الخوئي روى ( الفقيه ) عن الصادقعليه‌السلام إذا فشت أربعة ظهرت أربعة : إذا فشا الزنا ظهرت الزلازل ، و إذا أمسكت الزكاة هلكت الماشية ، و إذا جار الحاكم في القضاء أمسك المطر من السماء ، و إذا خفرت الذمة نصر المشركون على المسلمين(٣) .

و روى ( الكافي ) عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : خمس إن أدركتموهن فتعوّذوا باللَّه منهن : لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوها إلاّ ظهر فيهم الطاعون و الأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا ، و لم ينقصوا المكيال و الميزان إلاّ أخذوا بالسنين و شدة المؤنة و جور السلطان ، و لم يمنعوا الزكاة إلاّ منعوا القطر ، و لم ينقضوا عهد اللَّه و عهد رسوله إلاّ سلط اللَّه عليهم عدوهم و أخذوا بعض ما في أيديهم ، و لم يحكموا بغير ما أنزل اللَّه إلاّ جعل بأسهم بينهم(٤) .

قلت : و في ( الفقيه ) عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : إذا غضب اللَّه تعالى على امّة ثم لم ينزل بها العذاب غلت أسعارها ، و قصرت أعمارها ، و لم تربح تجارها ، و لم تزك اثمارها ، و لم تغزر أنهارها ، و حبس عنها أمطارها ،

____________________

( ١ ) الشورى : ٣٠ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٧ : ٢٦٨ .

( ٣ ) شرح نهج البلاغة لحبيب اللَّه الخوئي ٨ : ٨٠ .

( ٤ ) الكافي ٢ : ٣٧٣ الرواية ١ .

٩١

و سلط عليها أشرارها(١) .

و في الخبر : إنّ بني اسرائيل أصابهم قحط سبع سنين ، فخرج موسى يستسقي لهم في سبعين ألفا ، فأوحى إليه : كيف أستجيب لهم و قد أظلمت عليهم ذنوبهم ، و سرائرهم خبيثة ، يدعونني على غير يقين و يأمنون مكري ، ارجع إلى عبد من عبادي يقال له ( برخ ) حتى أستجيب له .

و في خبر آخر : استسقى موسىعليه‌السلام لبني إسرائيل حين أصابهم قحط ، فأوحى تعالى إليه لا أستجيب لك و لا لمن معك و فيكم نمام قد أصرّ على النميمة فقال : يا رب و من هو حتى نخرجه من بيننا ؟ فقال : يا موسى أنهاكم عن النميمة و اكون نماما ، فتابوا بأجمعهم فسقوا(٢) .

« و لا تأخذنا بذنوبنا » قال ابن أبي الحديد : الفرق بين ( تأخذنا ) هنا و ( تؤاخذنا ) في سابقه أنّ المؤاخذة دون الأخذ ، لأنّ الأخذ الاستئصال(٣) .

قلت : المؤاخذة مقدّمة الأخذ ، قال تعالى( و لو يؤاخذ اللَّه الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة ) .(٤) .

« و انشر علينا رحمتك بالسحاب » و عنهعليه‌السلام كما في ( الفقيه ) السحاب :

غربال المطر ، لو لا ذلك لافسد كل شي‏ء(٥) .

« المنبعق » : أي المتصبب بشدة .

« و الربيع المغدق » أي : الكثير الماء قال تعالى .( لأسقيناهم

____________________

( ١ ) من لا يحضره الفقيه للصدوق ١ : ٥٢٤ ، و قد رواه الطوسي في التهذيب ٣ : ١٤٧ .

( ٢ ) بحار الأنوار للمجلسي ٧٥ : ٢٦٨ ح ١٩ ب ٦٧ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ٧ : ٢٦٨ .

( ٤ ) فاطر : ٤٥ .

( ٥ ) من لا يحضره الفقيه للصدوق ١ : ٥٢٥ .

٩٢

ماء غدقا ) (١) .

« و النبات المؤنق » أي : المعجب .

و في ( الفقيه ) : عن الصادقعليه‌السلام : إنّ اللَّه تعالى إذا أراد أن ينفع بالمطر أمر السحاب فأخذ الماء من تحت العرش ، و إذا لم يرد النبات أمر السحاب فأخذ الماء من البحر قيل : إنّ ماء البحر مالح ؟ قال : إنّ السحاب يعذبه(٢) .

« سحا » من : سحّ الماء إذا سال من فوق ، و سححت الماء صببته ، قال دريد :

فربة غارة أسرعت فيها

كسحّ الخزرجي جريم تمر(٣)

ثم الظاهر كونه مفعولا مطلقا ل ( انثر ) ، و الأصل انشر نشرا سحا ، لا ل ( لتسح ) محذوف كما قال الخوئي و يمكن كونه حالا من « رحمتك » بكونه بمعنى الوصف(٤) .

« وابلا » أي : مطرا شديدا .

« تحيي به ما قد مات و تردّ به ما قد فات » في ( الأساس ) : فاتني بكذا : سبقني به و ذهب به عني ، قال الأخطل :

صحا القلب إلا من ظغائن فاتني

بهنّ أمير مستبدّ فأصعدا(٥)

و أعوذ باللَّه من موت الفوات ، و هو الفجأة .

« اللهم سقيا » بالضم اسم مصدر ، و الألف للتأنيث بشهادة أوصافها .

____________________

( ١ ) الجن : ١٦ .

( ٢ ) من لا يحضره الفقيه للصدوق ١ : ٥٢٤ .

( ٣ ) جمهرة اللغة لابن دريد ١ : ٩٨ مادة ( سحح ) .

( ٤ ) شرح نهج البلاغة للخوئي ٨ : ٧٦ .

( ٥ ) أساس البلاغة للزمخشري : ٣٤٩ مادة ( فوق ) .

٩٣

« منك محيية » لما مات من النباتات .

« مروية » لما ظمأ منها .

« عامّة » لجميع الأمكنة .

« طيبة مباركة » فيها النماء و الزيادة .

« هنيئة » قال الجوهري : كل أمر يأتيك من غير تعب فهو هني‏ء .

« مريعة » من ( مرع ) بالفتح و الضم ، قال في ( الأساس ) : مكان مريع و ممرع مكلي‏ء .

« زاكيا » ناميا .

« نبتها ثامرا فرعها » أعلاها .

« ناضرا » حسنا .

« ورقها تنعش » أي : ترفع ، قال النابغة و لبيد :

و إنّك غيث ينعش الناس سيبه

و سيف اعيرته المنية قاطع

و مني على السباق فضل و نعمة

كما نعش الدكداك صوب البوارق(١)

« بها الضعيف من عبادك و تحيى به الميت » بالفتح فالسكون يستوي فيه المذكر و المؤنث ، قال تعالى( لنحيي به بلدة ميتاً ) .(٢) .

« اللهم سقيا منك تعشب » أي : تأتي بالكلاء الرطب .

« بها نجادنا » مرتفعات أرضنا .

« و تجري بها » من جرى النهر .

« و هادنا » منخفضات أرضنا .

« و تقبل » بالضم ، قال ابن دريد : أقبل الشي‏ء إذا ابتدأ بخير أو صلاح .

____________________

( ١ ) لسان العرب لابن منظور ١٤ : ٢٠٣ .

( ٢ ) الفرقان : ٤٩ .

٩٤

« بها ثمارنا و تعيش بها مواشينا » من الابل و الغنم و البقر(١) .

في ( كنايات الجرجاني ) : روي أنّ الحجاج سأل أعرابيا فقال : كيف كانت سنتكم هذه ؟ قال : تفرقت الغنم و مات الكلب و طفئت النار فقال لأصحابه :

أترون ذكر خصبا أم جدبا قالوا : جدبا قال : ما أقلّ بصركم إنّما ذكر خصبا ، ذكر أنّ الغنم تفرقت و صرفت وجوهها إلى المرعى ، و مات الكلب حين لم يمت من الغنم شي‏ء فيأكل من لحمه ، و طفئت النار لاكتفاء الناس باللبن عن اللحم(٢) .

و قال الجوهري في قول الشاعر :

إذا القوس وترها أيد

رمى فأصاب الكلي و الذرى(٣)

يعني أنّ اللَّه تعالى إذا وتر القوس التي في السحاب رمى كلى الإبل و اسنمتها بالشحم ، يعني من النبات الذي يكون من المطر .

« و تندى » أي : تصير مبتلة ذات ندى .

« بها أقاصينا » أي : أباعد أرضنا من الزرع .

« و تستعين بها ضواحينا » الظاهر أنّ المراد : ارزقنا سقيا تستعين بها في الشرب و الري نخيلنا التي في البر مما تشرب بعروقها و لا يسقيها أحد .

قال الجوهري في ( ضمن ) كتب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لحارثة بن قطن و من بدومة الجندل من كلب : « إنّ لنا الضاحية من البعل و لكم الضامنة من النخل » الضاحية هي الظاهرة التي في البر من النخل ، و البعل الذي يشرب بعروقه من غير سقي ، و الضامنة ما تضمنه أمصارهم و قراهم من النخل(٤) .

____________________

( ١ ) الجمهرة لابن دريد ١ : ٣٧٢ مادة ( قبل ) .

( ٢ ) منتخب الكنايات للجرجاني : ٧٠ .

( ٣ ) الصحاح للجوهري ١ : ٤٤٣ مادة ( أيد ) .

( ٤ ) الصحاح للجوهري ٤ : ٢١٥٦ مادة ( ضمن ) .

٩٥

و يمكن أن يكون المراد « اسقنا سقيا تستعين بها قرانا » قال الجوهري :

ضاحية كل شي‏ء ناحيته البارزة ، يقال : هم ينزلون الضواحي(١) .

« من بركاتك الواسعة » قال ابن دريد : في الشي‏ء النماء بعد النقصان(٢) .

« و عطاياك الجزيلة » أي : الكثيرة العظيمة و في ( الأساس ) : أنشد ثعلب :

فويها لقدرك ويها لها

إذا اختير في المحل جزل الحطب(٣)

و أنشد سيبويه :

متى تأتنا تلمم بنا في ديارنا

تجد حطبا جزلا و نارا تأجّجا(٤)

« على بريتك » أي : خلقك .

« المرملة » أي : النافد زادهم .

« و وحشك » أي : حيوان البر .

« المهملة » بلا راع لها .

« و أنزل علينا سماء » أي : ماء السماء ، كقول الشاعر :

إذا نزل السماء بأرض قوم

رعيناه و ان كانوا غضابا(٥)

« مخضلة » قال ابن دريد : أخضل المطر الأرض إذا بلّها بالماء .

« مدرارا » أي : تدر بالمطر ، قال النمر بن تولب :

سلام الإله و ريحانه

و رحمته و سماء درر

غمام ينزل رزق العباد

فأحيى البلاد و طاب الشجر(٦)

____________________

( ١ ) الصحاح ٤ : ٢٤٠٦ مادة ( ضحا ) .

( ٢ ) جمهرة اللغة لابن دريد ١ : ٣٢٥ مادة ( برك ) .

( ٣ ) أساس البلاغة للزمخشري : ٥٩ مادة ( جزل ) .

( ٤ ) كتاب سيبويه ٣ : ٨٦ .

( ٥ ) لسان العرب لابن منظور ٦ : ٣٧٩ و هو لمعاوية بن مالك .

( ٦ ) جمهرة اللغة لابن دريد ٢ : ٦٠٧ مادة ( فضل ) .

٩٦

« هاطلة » متتابعة المطر .

« يدافع الوذق » بالسكون .

« منها الودق » قال الشاعر :

فلا مزنة و دقت ودقها

و لا أرض أبقل منها ابقالها(١)

قال ابن دريد : الودق : القطر الذي يخرج من خلل السحاب قبل احتفال المطر .

« و يحفز » أي : يدفع من خلف .

« القطر منها القطر غير خلب برقها »(٢) قال الجوهري : البرق الخلب : الذي لا غيث فيه كأنه خادع ، و منه قيل لمن يعد و لا ينجز : انما انت كبرق خلب و يقال :

برق خلب بالإضافة .

« و لا جهام » بالفتح : السحاب بلا ماء .

« عارضها » أي : الذي يعترض في الافق(٣) .

هذا و في ( المعجم ) لمحسن التنوخي :

خرجنا لنستسقي بيمن دعائه

و قد كاد هدب الغيم أن يبلغ الأرضا

فلما ابتدا يدعو تقشّعت السما

فما تمّ إلاّ و الغمام قد انقضّا(٤)

« و لا قزع » الأصل في القزع التفرق ، قال الاعشي :

قوم بيوتهم امن لجارهم

يوما إذا ضمت المحذورة القرعا(٥)

أي : فرقا مختلفة .

____________________

( ١ ) لسان العرب ١٥ : ٢٥٦ و هو لعامر بن جوين الطائي .

( ٢ ) جمزة اللغة لابن دريد ٢ : ٦٧٧ ، مادة ( ودق ) .

( ٣ ) الصحاح للجوهري ٣ : ١٤٤٨ مادة ( برق ) .

( ٤ ) معجم الادباء لياقوت الحموي ١٧ : ٩٤ .

( ٥ ) ديوان الاعشى : ١٠٧ .

٩٧

« ربابها » بالفتح أي : سحابها .

« و لا شفان » في ( المصباح ) : قال ابن السكيت : الشفان و الشفيف البرد ، و في ( الأساس ) : تقول عند هبوب الشفان تقلص الشفتان ، قال يصف ثورا :

الجاه شفان لها شفيف

في دف ارطاه لها دفوف(١)

« ذهابها » قال الجوهري : الذهبة بالكسر المطرة ، و الجمع الذهاب قال البعيث :

و ذي اشر كالاشحوان تشوفه

ذهاب الصبا و المعصراة الدوالج(٢)

« حتى يخصب » بالضم من ( اخصبوا ) : صاروا إلى الخصب بالكسر نقيض الجدب .

« لإمراعها » أمرع الوادي أي : أكلأ ، و في المثل : أمرعت فانزل .

« المجدبون » أهل القحط .

« و يحيى ببركتها المسنتون » الواقعون في سنة القحط ، قال ابن الزبعرى في هاشم :

عمرو العلى هشم الثريد لقومه

و رجال مكة مسنتون عجاف(٣)

و يقال : « تسنت اللئيم الشريفة » إذا تزوجها في سنة قحط لغناه و فقرها .

« فإنّك تنزل الغيث » المطر في شدة الحاجة إليه .

« من بعد » و في ( المصرية ) : « بعد » .

« ما قنطوا » أي يأسوا .

« و تنشر رحمتك و أنت الولي الحميد »(٤) .

____________________

( ١ ) أساس البلاغة للزمخشري : ٢٣٨ ، مادة ( ش ف ف ) .

( ٢ ) الصحاح للجوهري ١ : ١٣٠ ، مادة ( ذهب ) .

( ٣ ) لسان العرب لابن منظور ٦ : ٣٨٤ .

( ٤ ) الطبعة المصرية : ٢٧٨ .

٩٨

في ( الفقيه )(١) عن الصادقعليه‌السلام : جاء أصحاب فرعون إليه فقالوا : غار ماء النيل و فيه هلاكنا فقال : انصرفوا اليوم فلما كان الليل توسط النيل و رفع يديه إلى السماء و قال : اللهم إنّك تعلم أنّي أعلم أنّه لا يقدر أن يجي‏ء بالماء إلاّ أنت فجئنا به فأصبح النيل يندفق .

و في ( توحيد المفضل ) قالعليه‌السلام له : اتخذ اناس من الجهال هذه الآفات الحادثة في بعض الأزمان كمثل الوباء و اليرقان و البرد و الجراد ذريعة إلى جحود الخالق و التدبير و الخلق ، فيقال في جواب ذلك : إنّه إن لم يكن خالق و مدبر فلم لا يكون ما هو أكثر من هذا و أفضع ، فمن ذلك أن تسقط السماء على الأرض و تهوى الأرض فتذهب سفلا و تتخلف الشمس عن الطلوع أصلا و تجفّ الأنهار و العيون حتى لا يوجد ماء للشفه و تركد الريح حتى تخم الأشياء و تفسد و يفيض ماء البحر على الأرض حتى يغرقها ؟ ثم هذه الآفات التي ذكرناها من الوباء و الجراد و ما أشبه ذلك ما بالها لا تدوم و تمتدّ حتى يجتاح كل ما في العالم ، بل تحدث في الأحايين ثم لا تلبث أن ترفع ، أفلا ترى أنّ العالم يصان و يحفظ من تلك الأحداث الجليلة التي لو حدث عليه شي‏ء منها كان فيه بواره ، و يلذع أحيانا بهذه الآفات اليسيرة لتأديب الناس و تقويمهم ، ثم لا تدوم بل تكشف عنهم عند القنوط منهم ، فيكون وقوعها لهم موعظه و كشفها عنهم رحمة(٢) .

و في ( ذيل الطبري )(٣) عن أبي جري الهجيمي : انتهيت إلى رجل و الناس حوله يصدرون عن رأيه و ما قال لهم من شي‏ء رضوا به ، فقلت : من هو ؟ قالوا :

____________________

( ١ ) من لا يحضره الفقيه للصدوق ١ : ٥٢٦ .

( ٢ ) التوحيد للمفضل بن عمر : ١٦٧ ١٦٨ .

( ٣ ) ذيل تاريخ الامم للطبري : ٨٥ .

٩٩

رسول اللَّه قلت : عليك السّلام يا رسول اللَّه قال عليك السّلام تحية الميت ، و لكن قل : السّلام عليك قلت : السّلام عليك أنت رسول اللَّه قال : نعم أنا رسول اللَّه الذي إذا أصابك ضرّ فدعوته استجاب لك ، و إذا كنت في سفر فضلّت راحلتك فدعوته ردّها عليك ، و إذا أصابك عام سنة فدعوته استجاب لك قلت :

اعهد إلي عهدا قال : لا تسبنّ أحدا و لا تزهدنّ في معروف(١) .

قال ابن أبي الحديد(٢) : قال أبو حنيفة لا صلاة للاستسقاء ، و قال باقي الفقهاء بخلاف ذلك ، و قالوا : روي أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله صلّى بالناس جماعة في الاستسقاء فصلى ركعتين جهر بالقراءة فيهما و حوّل رداءه و رفع يديه و استسقى .

قلت : ليس مخالفة أبي حنيفة للاجماع منحصرا بهذا ، فأنكر تكبيرات أيّام التشريق في غير الأمصار و أنكر العقيقة و قال : هي من عمل الجاهلية(٣) .

قال ابن أبي الحديد : قالوا : يأمر الإمام الناس بصوم ثلاثة أيّام قبل الخروج ثم يخرج في اليوم الرابع و هم صيام(٤) .

قلت : بل يخرج عندنا في اليوم الثالث و يستحب أن يكون يوم الاثنين .

روى ( الكافي )(٥) عن مرة مولى محمّد بن خالد قال : صاح أهل المدينة إلى محمّد ابن خالد في الاستسقاء فقال لي : انطلق إلى أبي عبد اللَّهعليه‌السلام فاسأله : ما رأيك ؟ فأتيته فقال : قل له يخرج يوم الاثنين و يخرج المنبر ثم يخرج يمشي كما يمشي يوم العيدين و بين يديه المؤذنون في أيديهم عنزهم حتى إذا انتهى إلى

____________________

( ١ ) ذيل تاريخ الامم للطبري : ٦٥ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٧ : ٢٦٦ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ٧ : ٢٦٦ .

( ٤ ) شرح ابن أبي الحديد ٧ : ٢٦٨ .

( ٥ ) الكافي ٣ : ٤٦٣ ح ١ .

١٠٠