موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ ما بعد الظهور) الجزء ٣

موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ ما بعد الظهور)0%

موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ ما بعد الظهور) مؤلف:
الناشر: دار الزهراء (عليها السلام)
تصنيف: الإمام المهدي عجّل الله فرجه الشريف
الصفحات: 679

موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ ما بعد الظهور)

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشهيد السيد محمد محمد صادق الصدر
الناشر: دار الزهراء (عليها السلام)
تصنيف: الصفحات: 679
المشاهدات: 188603
تحميل: 8737


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 3
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 679 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 188603 / تحميل: 8737
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ ما بعد الظهور)

موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ ما بعد الظهور) الجزء 3

مؤلف:
الناشر: دار الزهراء (عليها السلام)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

ومصلحة ذلك اليوم مُقدَّمة على كل مصلحة.

وهذا البرهان لا يرد في واقعة إرسال النفس الزكية؛ لأنَّ مصلحة الظهور واليوم الموعود نفسه أصبحت مُتوقِّفة على انكشاف الغيبة بالنسبة إلى هذا الشخص، وتعرُّفه على حقيقة المهدي (ع)، بغضِّ النظر عن الأجوبة الآتية؛ فيكون مُقتضى تقديم مصلحة هو هذا الانكشاف لا الغيبة.

الجواب الثاني: أنَّنا قلنا في التاريخ السابق(1) أيضاً: إنَّ كل ناجح نجاحاً تامَّاً في التمحيص الإلهي، بحيث يكون مؤهَّلاً للمشاركة في مهامِّ عصر الظهور، يكون في إمكانه رؤية المهدي (ع) خلال عصر غيبته؛ إذ لا يحتمل أن يكون مورد خطر بالنسبة إليه، وقد دلَّت كثير من الروايات وعدد من أخبار المشاهدة، بأنَّ المجتمعين به (ع) في عصر الغيبة مُتعدِّدون، ممَّن يعرف هويَّته وصفته، وأنَّه يجمع إليه أنصارُه ممَّن بلغ في التمحيص غايته، ونجح فيه النجاح المطلوب، وإنَّ في ذلك من المصالح التي تمتُّ إلى مُمارسة هؤلاء للقيادة في اليوم الموعود، ما لا يخفى.

ويبدو من سياق الرواية التي تُعرِب عن إرسال النفس الزكية، أنَّ هذا الرجل إنَّما هو من هؤلاء الخاصة الذين يجمعهم المهدي (ع) ويُعرِّفهم بحقيقته؛ ومن هنا لا يكون في اطِّلاع النفس الزكية على حقيقة الإمام المهدي (ع) أي إشكال.

وينبغي أن نُلاحِظ هنا: أنَّ النفس الزكية حتى لو كان مُطَّلعاً على حقيقة المهدي (ع) حين إرساله، فإنَّه ليس من الضروري أن يُسمِّيه في خطبته، بل قد يذكر العنوان المـُعلَن للمهدي (ع)، ويتجنَّب ذكر الحقيقة بالرغم من معرفته لها، تبعاً لأمر إمامه وقائده (ع).

الجواب الثالث: أن ننطلق من الزاوية التي تصوَّرنا بها تعرُّف السفياني، على تحرُّكات الإمام المهدي (ع)، وهي اطِّلاعه عليه بعنوانه المـُعلَن لا بحقيقته.

فمن المـُحتمَل أن لا يكون (النفس الزكية) مُطَّلعاً على حقيقة الإمام المهدي (ع) الذي أرسله... بل يذهب لتبليغ الرسالة، وهو لا يعلم أكثر من كونها صادرة عن (فلان) الذي يُسمِّيه في خطبته، وهذا كافٍ في إقامة الحجَّة على الناس.

____________________

(1) ص150 وما بعدها.

١٨١

كما أنَّه كافٍ لتفسير مقتله؛ إذ لا دليل على أنَّهم يقتلونه باعتبار رسالته عن المهدي (ع) بالذات، بل باعتبار مضمون خُطبته، وقد يكون المهدي بعنوانه العلني مبغوضاً لديهم أيضاً، فينزعجون من تجاوب (النفس الزكية) معه، وقبوله لتحمُّل رسالته.

الاعتراض الثالث: إنَّ هذا التسلسل التاريخي الذي عرفناه في ( الفهم العام) مُنافٍ مع ما برهنَّا عليه، من أنَّ شرائط الظهور هي الحُكم الفصل في إنجازه عند تحقُّقها، وهذه الأخبار تدلُّ على أنَّ سبب الظهور هو تهديد السفياني للمهدي (ع) بالقتل، وقتل النفس الزكية فأيُّهم نأخذ؟

والجواب: إنَّ كلا الفكرتين صادقتان، وكلا السببين سبب صحيح في نفسه، وليس مقتل النفس الزكية وتهديد المهدي (ع) إلاَّ نتيجة من نتائج شرائط الظهور.

فإنَّ التخطيط العام السابق على الظهور، بما له من خصائص وصفات، عرفناها في التاريخ السابق، مُنتِجٌ لعدَّة نتائج يُهمُّنا الآن منها اثنتان:

النتيجة الأُولى: وجود العدد الكافي من الأفراد المـُخلصين المـُمحَّصين، لغزو العالم بالعدل بين يدي المهدي (ع)، وهذا هو الشرط الأخير المـُتبقِّي من شرائط اليوم الموعود الثلاثة التي عرفناها في التاريخ السابق(1) ، وبُمجرَّد نجازه يتمُّ الظهور ويُنجَز اليوم الموعود.

النتيجة الثانية: تطرُّف العدد الأكبر من أفراد المسلمين - فضلاً عن غيرهم - إلى جانب الانحراف والضلال، وأخذهم بالأفكار اللا إسلامية، وعصيانهم أحكام الإسلام.

وكلَّما ازداد الزمان، ازدادت نتائج التمحيص تركيزاً... وحصلت كلتا النتيجتين بشكل أوسع وأوضح، فيتكاثر في أحد الجانبين قوى الحق والإخلاص، ويتكاثر في الجانب الآخر انحراف المـُنحرفين وظلم الظالمين، على مُختلف المستويات الاجتماعية.

حتى يُصبح جانب الانحراف والفساد في المجتمع عاصياً لأوضح أحكام الإسلام، ومُنكِراً لضروريَّات الدين، ومُهدِّداً لحُرمات الشريعة من أجل مصالحه وشهواته... الأمر الذي يُنتج أفظع النتائج لدى احتكاك اجتماعي بين الجانبين.

ومعه تكون كلتا النتيجتين اللتين سمعناهما من الأخبار، طبيعية وواضحة، فموقف

____________________

(1) انظر تاريخ الغيبة الكبرى ص475 وما بعدها إلى عدَّة صفحات.

١٨٢

المهدي (ع) من السفياني سوف لن يكون إلاَّ الشجب والاستنكار، في حدود المقدار الممكن له حال غيبته... الأمر الذي يولِّد ردَّ الفعل لدى السفياني، بإرسال الجيش وتهديده بالقتل، وأمَّا موقف النفس الزكية فواضح من خُطبته، وإن هو إلاَّ صورة أُخرى من صور الشجب والاستنكار، وسيكون ردُّ الفعل هو قتله من داخل بيت الله الحرام.

وستكون ردود الفعل هذه مُتطرِّفة إلى درجة إهدارها للأحكام الضرورية في الدين، الأمر الذي يكشف عن تمخُّض التخطيط والتمحيص الإلهيَّين عن نتائجهما المطلوبة... فيكون موعد اليوم الموعود قد تحقَّق.

الاعتراض الرابع: أنَّه قد يخطر في الذهن، أنَّ المـُستفاد من سباق الأخبار، أنَّ سبب الظهور هو إثارة غضب المهدي (ع) من الحادثتين المـُشار إليهما، وهذا غير صحيح، بعد أن قامت الضرورة القطعية لدى كل مؤمن بالمهدي كونه مذخوراً لإصلاح العالم برمَّته، وأنَّه ممَّن لا تُهمُّه مصالحه الشخصية على الإطلاق، فكيف يصحُّ أن يكون ظهوره ثأراً لهاتين الحادثتين؟!

والجواب على ذلك واضح ممَّا سبق، وواضح في ضمير كل مؤمن بعد وجود الضرورة القطعية المـُشار إليها:

إنَّ هاتين الحادثتين ستُغضبان الله تعالى، لا المهدي وحده... بما يستبطنان من إهدار لضروريات الدين، ولكنَّ الظهور سوف لن يكون ثأراً لأيٍّ منهما... فإنَّ مُهمَّة المهدي (ع) الموعود أوسع وأعمق من هذا المجال الضيِّق، بالرغم من أهمِّيَّته، كلَّما في الأمر أنَّ ظهوره سيكون قريباً منهما زماناً، باعتبار تحقُّق شرائط الظهور، وليس لهاتين الحادثتين من صلة بالظهور، إلاَّ ما قلناه من الكشف عن تحقُّق الشرائط، إلى جانب جعلها علامة عليه في الأخبار... الأمر الذي يُنبِّه المـُخلصين المـُمحَّصين إلى قُرب الظهور.

وهذا - في واقعه - يُمثِّل إحدى الفروق الجوهرية بين شرائط الظهور وعلاماته، تلك الفروق التي أنهيناها في التاريخ السابق(1) إلى سبعة.

الناحية الرابعة: في مُحاولة تمحيص تلك الأخبار التي ذكرناها في الناحية الأُولى، من حيث قابليّتها للإثبات التاريخي وعدمه.

وفي هذا الصدد نواجه عدَّة نقاط:

النقطة الأُولى: أنَّها روايات قليلة وغير مُستفيضة، بخلاف ما جاء في السفياني

____________________

(1) انظر ص470 وما بعدها إلى عدَّة صفحات

١٨٣

أو الدجَّال، فإنَّه كثير، منها ما ذكرناه، ومنها ما تركناه.

إلاَّ أنَّ هذه النقطة غير مُضرَّة، تمشِّياً مع ميزان الإثبات التاريخي الذي سرنا عليه... لو كانت الروايات مُتَّفقة في المضمون، أو كان بعضها موثوقاً سنداً... ولم نكن نتوخَّى في الإثبات حصول الاستفاضة في الأخبار.

وقد يخطر في الذهن: أنَّ أخبار (النفس الزكيَّة) الموعودة، كثيرة العدد، ومُستفيضة، كما هو معلوم لمَن استعرضها... وليست قليلة كما قلناه.

والحق: أنَّنا إذا نظرنا إلى مجموع أخبار (النفس الزكيَّة)، بما فيها من الأخبار الدالَّة على أنَّ مقتل النفس الزكية من المحتوم، وأنَّه من علامات القائم، كانت الأخبار مُستفيضة حتماً.

إلاَّ أنَّ هذا المجموع، لا يُثبت إلاَّ مقتل النفس الزكية إجمالاً، وهذا لا يُفيدنا في صدد كلامنا الحاضر، لاحتمال انطباقها على محمد بن عبد الله الحسني، المـُلقَّب بالنفس الزكية، وأمَّا الأخبار التي تتحدَّث عن التفاصيل، والتي تُوضِّح أنَّ هناك شخصاً آخر بهذا اللقب سوف يُقتل في المستقبل، وهي ما سمعناه في أول الفصل، فليس مُستفيضاً، وإن لم يكن عدم الاستفاضة مُضرَّاً، كما أشرنا.

النقطة الثانية: إنَّ في هذه الأخبار عدداً من جوانب الضعف:

الجانب الأول: ما كان رواية عن غير المعصوم، كالخبر الذي نقله الشيخ، عن سفيان ابن إبراهيم الحريري عن أبيه... وكلام الصافي في مُنتخب الأخبار.

الجانب الثاني: ما كان مُرسلاً، بدون ذكر أيِّ راوٍ على الإطلاق، كخبر الإرشاد، وخبر الخرايج والجرايح.

الجانب الثالث: ما كان مرفوعاً مع وجود جزء من السند، أعني بعض الرواة وجهالة الباقي، وهو رواية البحار المـُتضمِّنة لخُطبة النفس الزكية... حيث رواها المجلسي عن السيد علي بن عبد الحميد، بإسناده إلى أحمد بن محمد الأيادي، يرفعه إلى أبي بصير عن أبي جعفر ( عليه السلام ).

الجانب الرابع: ما كان قاصراً في دلالته أساساً على ما فهمناه، مثل خبر الإرشاد الذي يذكر من العلامات: ذبح رجل هاشمي بين الركن والمقام، فإنَّه لا يتعيَّن أن يكون هو النفس الزكية، المـُسمَّى بمحمد بن الحسن في الأخبار الأُخرى، وإن كان المظنون هو ذلك، لاستبعاد أن يُقتَل قبل الظهور بين الركن والمقام شخصان... مع قدسيَّة بيت الله

١٨٤

الحرام لدى المسلمين ووضوح حُرمته.

وكذلك الخبر الثاني للبحار، فإنَّه يُصرِّح باسم النفس الزكية، وإنَّما قال:فيبتدر الحسني إلى الخروج. وهو أيضاً غير مُتعيِّن الانطباق عليه.

الجانب الخامس: وجود التعارض في دلالات بعض هذه الأخبار.

فلو حاولنا أن نعرف أنَّ النفس الزكيَّة هل هو مُرسل من قِبَل المهدي (ع) أو لا؟

نجد أنَّ الخبر المـُطوَّل الذي نقلناه عن البحار، يُصرِّح بالإيجاب، ونجد الخبر الثاني ينفيه بقوله:فيبتدر الحسني للخروج. وهو واضح في عدم استئذانه من المهدي (ع)، فضلاً عن تحمُّل الرسالة عنه، مع افتراض أنَّه هو النفس الزكية والغضِّ عما سبق.

النقطة الثالثة: وفي هذه الأخبار بعض جوانب القوَّة، وإن لم تكن تعدل جميع جوانب الضعف السابقة.

الجانب الأول: إنَّ الخبر القائل: ( ليس بين القائم وبين قتل النفس الزكيَّة إلاَّ خمس عشرة ليلة )، خبر موثوق قابل للإثبات التاريخي، بحسب منهج هذا الكتاب.

فقد رواه الشيخ المفيد في الإرشاد(1) ، عن ثعلبة بن ميمون، عن شعيب الحداد، عن صالح بن ميثم (الجمَّال)، قال: سمعت أبا جعفر ( عليه السلام ).

وكل هؤلاء الرجال موثقون أجلاَّء، وكان بودِّي أن أُشير إلى تصريحات العلماء لولا أنَّه يطول به المقام، فنوكله إلى القارئ الباحث.

ورواه الشيخ الطوسي في الغيبة(2) ، عن الفضل بن شاذان، عن الحسن بن علي بن فضَّال، عن ثعلبة إلى آخر السند. وكلاهما من العلماء الثقات.

وعليه؛ فما ذكرناه في التاريخ السابق(3) من المـُناقشة في سند هذا الحديث مبنيٌّ على التشدُّد السندي الذي التزمناه هناك... وقد رفعنا اليد عن الالتزام به هنا.

الجانب الثاني: أنَّ الخبر الثاني الذي نقله عن البحار موثوق أيضاً، فقد نقله(4) عن الكافي

____________________

(1) ص339.

(2) ص271.

(3) ص613.

(4) ص178.

١٨٥

لثقة الإسلام الكليني، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن يعقوب السراج، عن الإمام أبي عبد الله الصادق ( عليه السلام ) وكلُّهم ثقات أجلاَّء.

الجانب الثالث: أنَّنا يمكن أن نستفيد من مجموع هذه الأخبار، ومن كلمات مَن سمعنا تصريحاتهم، كالراوندي، والصافي، وإبراهيم الحريري، الذين اعتبروا الأمر في عداد المـُسلَّمات، فنستفيد وجود التسالم أو الشهرة الواسعة على أنَّ مقتل النفس الزكية يكون قبل الظهور بقليل بين الركن والمقام، وأنَّه غير مقتل الثائر الحسني المـُلقَّب بهذا اللقب.

غير أنَّ هذا الجانب لا يخلو من المناقشة:

أولاً: لأنَّه لم يثبت وجود شهُرة وتسالم أوسع من الأخبار الموجودة، لتكون قرينة عليها، وكلمات الراوندي والصافي وغيرهما قد تكون اعتماداً على هذه الأخبار فقط.

ثانياً: إنَّ الشهرة - لو ثبتت - تدفع احتمال انطباق مقتل النفس الزكية على الثائر الحسني السابق، إلاَّ أنَّها لا تُثبت كل الخصائص المطلوبة، ككونه رسول المهدي (ع) إلى الناس وخُطبته فيهم، ويكون سبب مقتله بين الركن والمقام مجهولاً.

غير أنَّ الأخذ بهذا الجانب الثالث قريب من النفس، وإن لم يصل إلى درجات الإثبات التاريخي.

فهذه هي النُّخبة من الحوادث الاجتماعية المرويَّة، لما قبل الظهور، وهناك أُمور مُتفرِّقة مرويَّة أيضاً أعرضنا عنها؛ لقصورها عن الإثبات التاريخي، فيكون الدخول في تفاصيلها تطويلاً بلا طائل.

كما أنَّ هناك تفاصيل في تحديد الوضع العالمي قبل الظهور، ممَّا يمتُّ إلى إيجاد الظرف المـُناسب للنصر بعد الظهور بصِلَةٍ، وهي تفاصيل مُهمَّة، سنعرض إلى مُحتملاتها والاستدلال عليها في القسم الثاني الآتي عند عرض ضمانات النصر للمهدي (عليه السلام).

١٨٦

القسم الثاني

حوادث الظهور وإقامة الدولة العالمية

إلى وفاة المهدي عليه السلام

وتندرج في هذا القسم عدَّة أبواب

١٨٧

١٨٨

الباب الاول

في معنى الظهور وكيفيته وما يليه من الحوادث

إلى حين مسير الامام المهدي (عج) إلى العراق

ويتم الكلام في ذلك ضمن عدة فصول

١٨٩

١٩٠

تمهيد

حين يُنتج التخطيط الإلهي العام لعصر الغيبة نتيجته، ويتمخَّض عن وجود العدد الكافي لغزو العالم بالحق والعدل، يترتَّب على ذلك نتيجتان كبيرتان:

النتيجة الأُولى: إمكان الحفاظ على حياة الإمام المهدي (عج) بالطريق الطبيعي الاعتيادي، بالرغم من معروفيَّته وانكشاف حقيقته للناس، وذلك لوجود العدد الكافي من الأفراد الذين يُمكنهم بإخلاص أن يذودوا الأخطار بعون الله عزَّ وجلَّ عن إمامهم وقائدهم العظيم.

وبذلك ترتفع الحاجة إلى الغيبة بكلا شكليها: الإعجازي والطبيعي، أعني ( أُطروحة خفاء الشخص ) الإعجازية، و( أُطروحة خفاء العنوان ) الطبيعية، ومع ارتفاع الحاجة إلى الغيبة، لا معنى لاستمرارها.

بل سيكون استمرارها مانعاً عن تحقيق الغرض الإلهي المطلوب في اليوم الموعود؛ ومن هنا تكون مُحرَّمة على الإمام المهدي (عج)... باعتبار أنَّه يجب عليه بحُكم الله عزَّ وجلَّ تنفيذ ذلك الغرض الذي ذُخِر من أجله، وقد أصبح بعد نجاز التخطيط مُمكناً.

فكل ما يكون مانعاً عنه أو حائلاً عن تنفيذ، ممَّا يعود إلى عمله الشخصي واختياره، يكون مُحرَّماً عليه.

النتيجة الثانية: إمكان الفتح العالمي بالحق والعدل، بهذا العدد الكافي المـُهيّأ لهذه المـُهمَّة، وهو ما لم يتوفَّر لأحد من الأنبياء والأولياء، والعظماء والمصلحين السابقين عليه (ع)، وإنَّما شارك كل واحد منهم بقسط من الأعداد طبقاً للتخطيط العام، وبقيت النتيجة مؤجَّلة ومنوطة بالمهدي (عج)، عندما يتمخَّض هذا التخطيط عن نتائجه.

وإذ يكون الفتح العالمي بهذا العدد المـُتوفِّر مُمكناً، ويكون واجباً لا محالة طبقاً

١٩١

للتكليف الإسلامي في كل زمان ومكان، والمتكوِّن من أمرين:

الأمر الأول: أنَّ الفتح الإسلامي لأيِّ مقدار ممكن من الأرض المسكونة، واجب... طبقاً لمفاهيم وأحكام الجهاد المنصوصة في الكتاب والسنَّة، فإذا كان الفتح لمجموع الكرة الأرضية ممكناً كان واجباً لا محالة.

الأمر الثاني: إنَّ امتثال كل تكليف في الإسلام، بما فيه وجوب الفتح الإسلامي منوط في الشريعة بإمكان حصوله وتوفُّر مُقدِّماته... فمتى كان المـُكلَّف قادراً على امتثال التكليف - أيَّاً كان - وجب عليه، وكان مُعاتَباً ومُعاقبَاً على تركه، وإذا كان الفرد عاجزاً عن الامتثال؛ باعتبار قصوره أو قصور فيه أو في الظروف المـُحيطة به، كان التكليف ساقطاً عن الذمَّة؛ لأنَّ الله لا يُكلِّف نفساً إلاَّ وسعها، وليس معنى عدم وجود التكليف في الشريعة، وإنَّما معناه إناطته بحال القُدرة والاستطاعة.

إذا عرفنا ذلك، استطعنا أن نُشخِّص بوضوح أنَّ النبي (ص) والأئمة المعصومين الماضين (ع)، حيث لم يكن لديهم العدد الكافي من الأفراد لغزو العالم بالعدل، كان التكليف به ساقطاً عنهم؛ لأنَّ الغزو في تلك الظروف التي عاشوها لم يكن مُمكناً إلاَّ بالمـُعجزة، وهو ما لم تَقُمْ الدعوة الإلهية على اتِّخاذه على طول التاريخ... بل كان يقتصر كل منهم على المقدار الممكن له من الأعمال المؤثِّرة في إقامة الحق.

وقد كان للنبي (ص) عدداً كافياً لفتح منطقة من الأرض، فكان يجب عليه المـُبادرة إلى ذلك، وقد كان (ص) على مستوى المسؤولية فأدَّى تكليفه على أحسن وجه، وبذلك انتشر الإسلام.

ثمَّ إنَّ الله عزَّ وجلَّ خطَّط خلال عصر الغيبة - كما عرفنا - لوجود العدد الكافي من المـُخلصين لغزو العالم... وإنَّ التكليف بذلك عند نجاز هذا الشرط، وسيكون هذا التكليف مُتوجِّهاً إلى الإمام المهدي (عج)، وسيكون هو على مستوى المسؤولية، وفي أعلى مراتب الحِكمة وأفضل أشكال القيادة... بعد الذي عرفناه من آثار طول الغيبة في ترسيخ وتعميق القيادة لديه.

وعلى أيِّ حال، فسيكون الظهور والقيام بالسيف أو التحرُّك العسكري من قِبَل الإمام المهدي، عند نجاز التخطيط، مُتعيِّناً لازماً، بحسب الوعد الإلهي في القرآن الكريم، والغرض الأسمى من خلق البشرية، وبحسب التكليف الإسلامي للإمام المهدي نفسه.

وليس الإمام وحده مُكلَّفاً، بل مع تحقيق الإمكان، تكون كل البشرية مُكلَّفة

١٩٢

بذلك، كل ما في الأمر، أنَّ مَن يكون على مستوى المسؤولية الكاملة لإطاعة هذا الحُكم وتنفيذه، هو الإمام المهدي (ع) وأصحابه... دون الكفَّار والمـُنحرفين الذين يكون العدل مُنافياً لمصالحهم الشخصية.

ومن هنا أيضاً؛ كان من اللازم على كل فرد التجاوب مع ثورة المهدي (ع) بأقصى إمكانه، فإن استطاع الجهاد العسكري وجب، وإلاَّ فعليه التجاوب مع مفاهيمه وقوانينه وتطبيقها تطبيقاً دقيقاً.

١٩٣

١٩٤

الفصل الأول

في معنى الظهور وكيفيَّته

وأُسلوب معرفة المهدي (ع) للوقت الملائم

للظهور معنيان مُقترنان يصدقان معاً بالنسبة إلى المهدي (ع)، طبقاً للفهم الإمامي، ويصدق أحدهما طبقاً للفهم الآخر، وله معنى ثالث لا يصدق إلاَّ في زمن مُتأخِّر نسبيَّاً.

المعنى الأول: أن يُراد من الظهور: البروز والانكشاف بعد الاحتجاب والاستتار.

وهذا ما يحصل فعلاً بالنسبة إلى الإمام المهدي (ع)، عند تعرُّف الناس إليه بعد غيبته واستتاره، وهو خاص بالفهم الإمامي الذي يرى حصول الغيبة.

المعنى الثاني: أن يُراد بالظهور: إعلان الثورة (في منطق العصر الحاضر)، أو القيام بالسيف (في منطق العصر القديم).

وهو صادق بالنسبة إلى المهدي (ع) على كلا الفهمين الإمامي وغيره؛ لوضوح كونه عليه السلام الثائر الأكبر ضدَّ الظلم والطغيان، والتخلُّف على وجه الأرض.

ومن هنا نعرف؛ أنَّ كلا المعنيين صادقان من زاوية (إمامية)؛ إذ نجد الإمام المهدي (ع) يظهر بعد الاستتار، ثائراً على الظلم والطغيان.

المعنى الثالث: أن يُراد الظهور: الانتصار والسيطرة، يُقال: ظهر عليه. إذا انتصر ضدَّه وسيطر عليه. وهذا المعنى يصدق عند استتباب الأمر للمهدي (ع) على العالم كلِّه، وهو غير ما نُريده من كلمة الظهور.

إذن؛ فينحصر معنى الظهور في لحظاته الأُولى، بالمعنيين الأوَّلين.

ونحن حين ننظر إلى الظهور مُقابلاً للغيبة والاحتجاب، نحتاج إلى التساؤل عن كيفيَّته وطريقة تحقُّقه، كما أنَّنا حين ننظر إلى الظهور بوصفه ثورة عالمية وتنفيذاً لليوم الموعود، نحتاج إلى التساؤل في أُسلوب معرفة الإمام المهدي (ع) للوقت الملائم له،

١٩٥

وطريقة اطِّلاعه على تمخُّض التخطيط الإلهي عن نتائجه.

فباعتبار هذين التساؤلين، ينبغي أن نتكلَّم في جهتين:

الجهة الأُولى: في كيفيَّة الظهور بعد الغيبة.

وإذا نظرنا إلى الظهور من هذه الزاوية، نجد أنَّ له معنيين مُقترنين، عملي ونظري يصدقان معاً:

المعنى الأول: وهو المعنى العملي... وهو أن يرى الناس الإمام المهدي (ع) في أول ظهوره، فيُعرِّفهم بنفسه، ويكشف لهم عن صفته الحقيقية، ويُطالبهم بنصره ومؤازرته، وهذا ما سنعرف تفاصيله في هذا القسم من التاريخ.

المعنى الثاني: وهو المعنى النظري... ويتلخَّص بارتفاع الغيبة التي كان عليه السلام قد اتَّخذها مسلكاً لنفسه، طبقاً للتخطيط الإلهي... سواء كان معنى الغيبة هو ( أُطروحة خفاء الشخص ) أم ( أُطروحة خفاء العنوان )، اللذين شرحناهما في التاريخ السابق، فيكون شخصه مكشوفاً وعنوانه معروفاً... تقديماً لإنجاز مهامِّه العالمية، المـُتوقَّعة منه منذ الآن.

فإن صحَّت ( أُطروحة خفاء الشخص ) الإعجازية، كان معنى الظهور ارتفاع المعجزة عنه، وانكشاف جسمه للناس، مُضافاً على ضرورة تعريفه إيَّاهم بنفسه وإطلاعهم على حقيقته، فإنَّ هذه المعجزة إنَّما كانت سارية المفعول في إخفائه لأجل حفظه من الأعداء والطوارئ؛ ليتولَّى القيادة الكبرى في اليوم الموعود، فإذا حلَّ اليوم الموعود، واجتمعت شرائطه، لم يكن لبقاء ذلك الاختفاء من موضوع.

وإن صحَّت ( أُطروحة خفاء العنوان ) التي هي طريق لحفظ الإمام، يُغني عن الطريق الإعجازي، إلاَّ في أوقات الخطر، كما سبق أن ذهبنا إليه في التاريخ السابق... وكل ما في الأمر أنَّه عليه السلام يعيش ( بشخصيَّة ثانوية )، مُتكوِّنة من اسم مُستعار، وعمل مُعيَّن وأُسلوب في الحياة غير مُلفت للنظر، ولا يمتُّ إلى الإمامة والقيادة بصِلَةٍ.

ومُقتضى هذه الأُطروحة، أنَّه ليس هناك أيُّ إعجاز في الاختفاء ليحتاج إلى زواله، بل يكفي في الظهور: أن يُبدِّل المهدي (ع) شخصيَّته الثانوية بشخصيّته الحقيقية، ويُعرِّف الناس بصراحة بصفته الواقعية، ويُقيم الحجّة على ذلك، بالأُسلوب الذي سوف يأتي.

فيثبت باليقين على أنَّ هذا الشخص الذي كان يُسمَّى بفلان ويعمل كيت، إنَّما هو المهدي الموعود، وقد باشر من الآن مُهمَّاته الكبرى.

١٩٦

ويؤيِّد ذلك من الأخبار ما رأيته في بعض المصادر التي لا تحضرني الآن، من أنَّه ( عليه السلام ) حين يظهر، يقول عدد من الناس: إنَّنا كنَّا رأينا هذا الشخص قبل هذا.

أقول: وهو أيضاً من الأخبار الصريحة في نفي الأُطروحة.

وهنا ينبغي أن نتذكَّر ما عرضناه من أُسلوب تعرُّف (السفياني) على تحرُّكات المهدي (ع)، ومُطاردته له في عصر غيبته... فإنَّه ممَّا لا موضوع له مع صدق الأُطروحة الأُولى، فتكون كل الأخبار الدالّة على ذلك دالَّة على صدق الأُطروحة الثانية.

ومعه؛ فإتماماً للفهم العام السابق، نفهم أنَّ هذا الشخص الذي كان السفياني يُطارده، وقد حصل الخسف من أجله، ولم يؤثِّر موقف (النفس الزكية) في ترجيح كفَّة الميزان الاجتماعية إلى جهته، إنَّ هذا الشخص سوف يذهب إلى المسجد الحرام، فيُعلن عن شخصيَّته الحقيقية، ويطلب من الناس نُصرته والفداء في سبيل أهدافه، ضدَّ السفياني وغير السفياني من الطُّغاة الظالمين.

الجهة الثانية: في أُسلوب معرفة الإمام المهدي (ع) بالوقت المـُناسب للظهور، ذلك الوقت الذي يكون التخطيط الإلهي قد أنتج به نتائجه الكبرى.

والسؤال عن ذلك ينبغي أن يتوجَّه تارةً إلى الفهم غير الإمامي للمهدي، وأُخرى إلى الفهم الإمامي عنه.

أمَّا طبقاً للفهم غير الإمامي، وهو أنَّ المهدي رجل يولَد في عصره، فيوفَّق للثورة العالمية، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً، كما مُلئت ظُلماً وجوراً.

فطبقاً لذلك؛ لا نكاد نحسُّ بالحاجة إلى السؤال، إذ يكون شأن المهدي شأن أيِّ قائد آخر تتوفَّر له الظروف الموضوعية للثورة، ويُدرِك إمكان نجاح حركته، كما يُدرك أيُّ قائد ذلك لنفسه، وإنَّما يبقى الفرق بينه وبين سائر القادة، بأمرين:

الأمر الأول: أنَّه بينما يُفسِّر سائر القادة الأوضاع الاجتماعية من زواياهم الشخصيَّة، وينظرون الظروف والفرص من مُنظار مصالهم الخاصة، فإنَّ المهدي ينظر إلى ذلك من زاوية مصالح الإسلام الذي هو ( الأُطروحة العادلة الكاملة )، الذي يُخرج البشر من الظلمات إلى النور والحق والعدل.

الأمر الثاني: أنَّه يتلقَّى الإلهام من الله عز وجل، ويكون مؤيَّداً ومُسدَّداً من

١٩٧

عنده كما يذهب إليه أبن عربي في الفتوحات المكِّيَّة(1) وغيره، وإن لم نجد دليلاً واضحاً على ذلك من المصادر العامَّة، ممَّا اضطرَّ ابن عربي أن ينسبه إلى ( الكشف الصحيح ) دون الكتاب الكريم والسنَّة الشريفة.

ونحن ذهبنا في التاريخ السابق(2) إلى صحَّة ثبوت الإلهام للمهدي... لكنَّ ذلك باعتبار الفهم الإمامي، وإما طبقاً للفهم الآخر، فيكاد أن يكون إثباته مُتعذِّراً.

وأمَّا التعرُّف على إنتاج التخطيط الإلهي لشرائط الظهور، فيكون هذا موكولاً إلى الله تعالى وحده؛ ومن هنا سيُقدَّر ميلاد المهدي في الزمان الذي يكون نُضجه الكامل شخصياً مُساوقاً ومُعاصراً مع إنتاج التخطيط واجتماع الشرائط، فإذا حان الوقت، فسيعرف المهدي بفطنته وجود الفرصة المؤاتية والعدد الكافي من الأفراد لغزو العالم مُتوفِّراً، فيصدع بمُهمَّته الكبرى.

وأمَّا لو أخذنا بالفهم الإمامي، فسيكون هذا السؤال وجيهاً... باعتبار أنَّ أيَّام الغيبة مُتساوية النسبة بالنظر السطحي، تجاه موعد الظهور، فلا يكون في بعض الأيام أوْلى من بعض لإنجاز ذلك، ما لم يحصل هناك علم إضافي أو انتباه خاص حول الموضوع.

وهذا العلم لا شكَّ في أنَّه سيحصل للإمام الغائب (ع)، فإنَّ الله عزَّ وجلَّ بحكمته الأزليَّة وتخطيطه العام سيُمكِّن المهدي (ع) من العلم بموعد ظهوره؛ لتوقُّف نجاحه عليه، وتوقُّف تنفيذ الوعد الحق والغرض الأسمى على الظهور، فيتوقَّف ذلك الغرض على العلم بحلول الموعد، فيكون علمه عليه السلام ضرورياً بالبرهان.

وإنَّما ينفتح السؤال عن أُسلوب علمه ذلك، وأنَّه هل هو بطريق إعجازي أو طبيعي؟ وهو ما أجابت عليه جملة من الأخبار الخاصة، فتحصَّلت عندنا عدَّة أُطروحات في مقام الجواب على ذلك... وقد لا تكون مُتنافية فيما بينها، بل في الإمكان صدقها جميعاً لو صحّت بالدليل عليها، وتمّ عليها الإثبات التاريخي:

الأُطروحة الأُولى: أن يكون علم المهدي (ع) بموعد ظهوره وثورته، بنحو الرواية عن آبائه المعصومين، عن جدِّه الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله.

وتُتصوَّر هذه الرواية على أشكال، تكون كل واحدة في واقعها منها أُطروحة مُستقلَّة:

____________________

(1) ج3 ص327وما بعدها.

(2) ص505 وما بعدها.

١٩٨

الشكل الأول: أن يُحدَّد له الزمان في تاريخ مُعيَّن، في ساعة من يوم من شهر من عام بعينه... يكون معلوماً عنده مجهولاً عندنا.

الشكل الثاني: أن تُحدَّد له حادثة مُعيَّنة أو عدَّة حوادث، تكون مُعاصرة للموعد المطلوب في حكمة الله عزَّ وجلَّ وتخطيطه، كمقتل النفس الزكية أو الخسف أو أيِّ شيء آخر.

الشكل الثالث: أن يوصَف له جيل مُعيَّن، بأسماء أشخاصه وأعمالهم، أو أحد منهم، أو أكثر، ويكون الموعد نقطة مُعيَّنة من عمر ذلك الجيل.

إلى غير ذلك من الأشكال... كلُّها مُمكنة ومُحتملة، إلاَّ أنَّه لم يدلَّ عليها نصٌّ مُعيَّن في القرآن الكريم ولا السنَّة الشريفة، بحسب تتبُّعنا، غير أنَّ توقُّع وجود نصٍّ على ذلك ممَّا لا معنى له؛ لأنَّ النصَّ لا يرد إلاَّ فيما أُريد إبلاغه إلى الآخرين، إلى الناس، وأمَّا ما كان خاصَّاً بشخص المهدي (ع) فلا معنى لوروده في دليل عام، أعني واسع الانتشار، ومعه فتبقى هذه الأُطروحة ذات احتمال مُحتَرم.

وهذا هو أحد الفروق الرئيسية التي تمتاز بها الأُطروحة الإمامية عن غيرها؛ إذ لا يُتصوَّر بمن يوجد مُتأخِّراً عن صدر الإسلام، أن يتحمَّل مثل هذه الرواية، دون أن تشتهر وتتناقلها الألسن.

الأطروحة الثانية: أن يكون علم الإمام المهدي (ع) بموعد ظهوره إعجازيَّاً، بمعنى أنَّه يحين الموعد الذي يراه الله عزَّ وجلَّ صالحاً للظهور وانتصار الثورة العالمية، فإنَّه عزَّ وجلَّ يُحقِّق أمام الإمام المهدي (ع) مُعجزة بشكل وآخر توجِب إلفاته إلى ذلك... كما سنسمع.

وذلك بأحد أُسلوبين، أو بالأُسلوبين معاً، وإن لم يكن أحدهما مُغنياً عن الآخر.

الأُسلوب الأول: وهو أوضحهما وأصرحهما بالإعجاز، ما لم يُحمَل على الرمز، لو أمكن.

فمن ذلك: ما أخرجه الراوندي(1) ، مُرسلاً عن الإمام موسى بن جعفر عليه السلام، في حديث عن القائم يقول فيه: ( إذا كان وقت خروجه انتشر العَلَم بنفسه،

____________________

(1) انظر الخرايج والجرايح ص198

١٩٩

فناداه العلم: اخرُج يا وليَّ الله، اقتل أعداء الله. وله سيف الله، إذا حان وقت خروجه اقتُلِع السيف من عنده (غمده) فناداه السيف: اخرُج يا ولي الله، فلا يحلُّ لك أن تقعد عن أعداء الله )، وروي ذلك مُرسَلاً مُكرَّراً أيضاً(1) .

وهذا الأُسلوب، كما ترى، فيه عدَّة نقاط ضعف:

النقطة الأُولى: أنَّ رواياته قليلة، وكلُّها مُرسَلة، لم يذكر لها الراوندي أيَّ سند؛ ومعه فلا يمكن الأخذ بها طبقاً لأبسط وأوضح الموازين.

النقطة الثانية: أنَّها مُنافية لقانون المعجزات، القائل: بأنَّ المعجزة لا تقوم مع إمكان وجود البديل الطبيعي عنها، المـُنتِج لنفس النتيجة، ومن المعلوم - بوضوح - وجود البديل عن أمثال هذه المعاجز المنقولة من هذه الأخبار؛ فإن معرفة الإمام لمهدي (ع) بموعد الظهور لا ينحصر بها، ولا يتوقَّف عليها، بعد إمكان الأُطروحة الأُولى والثالثة، اللتان ترجعان إلى معنى طبيعي غير إعجازي.

النقطة الثالثة: أنَّها مُبتنية على المفاهيم القديمة في تصوُّر الحرب، وأنَّ سلاح الإمام المهدي (ع) في ظهوره سوف يكون هو السيف على التعيين، وإنّ قيادته سوف تكون بالراية وهي العلم الكبير، وكل هذا ممَّا ثبت بالوجدان تغيُّره وتطوُّره.

وقد يخطر في الذهن: أنَّنا سنحمل فيما يلي من البحث معنى السيف على كل سلاح، ونحمل معنى الراية على القيادة العقائدية ككل... فلماذا لا نحملها هنا على ذلك أيضاً؟

والجواب على ذلك: أنَّ من الأخبار ما يكون قابلاً للحمل على ذلك، وبعضها ما يكون كالصريح فيه، كما سنسمع، وأمَّا مثل هذه الأخبار المـُرسلة، فلا يمكن أن تُحمل على ذلك... لوضوح أنَّ القيادة المعنوية لا يُتصوَّر فيها النطق والكلام، حتى وإن كان إعجازياً، كما أنَّ حَمْلَ السيف على المدفع أو الصواريخ الموجَّهة مثلاً، فتكون هي الناطقة بدل السيف... بعيد جدَّاً، كما هو واضح.

الأُسلوب الثاني: أنَّ الإمام المهدي (ع) يعرف موعد ظهوره عن طريق الإلهام.

فمن ذلك: ما أخرجه الصدوق في إكمال الدين(2) ، عن عمر بن إبان بن تغلب، قال:

____________________

(1) المصدر ص129 وص162

(2) انظر المصدر المخطوط.

٢٠٠