موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ ما بعد الظهور) الجزء ٣

موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ ما بعد الظهور)0%

موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ ما بعد الظهور) مؤلف:
الناشر: دار الزهراء (عليها السلام)
تصنيف: الإمام المهدي عجّل الله فرجه الشريف
الصفحات: 679

موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ ما بعد الظهور)

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشهيد السيد محمد محمد صادق الصدر
الناشر: دار الزهراء (عليها السلام)
تصنيف: الصفحات: 679
المشاهدات: 188733
تحميل: 8742


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 3
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 679 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 188733 / تحميل: 8742
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ ما بعد الظهور)

موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ ما بعد الظهور) الجزء 3

مؤلف:
الناشر: دار الزهراء (عليها السلام)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الفصل الثالث

خُطبته الأُولى بين الركن والمقام وبيعته

وينبغي أن نتكلَّم في هذا الفصل عن عدَّة جهات:

الجهة الأُولى: في الأخبار الدالَّة على أنَّ المهدي (ع) يظهر أول ما يظهر بين الركن والمقام، وقد وردت بذلك الأخبار من الفريقين:

أخرج أبو داود(1) عن أُمِّ سلمة زوج النبي (ص) عن النبي (ص) قال: ( يكون اختلاف عند موت خليفة، فيخرج رجل من أهل المدينة هارباً إلى مكَّة، فيأتيه ناس من أهل مكَّة فيخرجونه وهو كاره، فيُبايعونه بين الركن والمقام، ويبعث إليه بعث من أهل الشام، فيُخسَف بهم بالبيداء بين مكَّة والمدينة، فإذا رأى الناس ذلك أتاه أبدال الشام وعصائب أهل العراق، فيُبايعونه بين الركن والمقام... ) الحديث.

وأخرج السيوطي في الحاوي(2) ، عن الطبراني في الأوسط والحاكم عن أمِّ سلمة، قالت: قال رسول الله (ص): ( يُبايع لرجل بين الركن والمقام عدَّة أهل بدر، فيأتيه عصائب أهل العراق وأبدال أهل الشام، فيغزوه جيش من أهل الشام، حتى إذا كانوا بالبيداء خُسِفَ بهم ).

وأخرج أيضاً(3) ، عن نعيم بن حماد عن قتادة، قال رسول الله (ص): ( يخرج المهدي من المدينة إلى مكَّة، فيستخرجه الناس من بينهم

____________________

(1) انظر سُنن أبي داود، ص423 ج2

(2) الحاوي ج2ص129

(3) المصدر ص152

٢٢١

فيُبايعونه بين الركن والمقام، وهو كاره )، وكذلك الخبر الذي قبله.

وأخرج المفيد في الإرشاد(1) ، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله الصادق (ع)، في حديث يقول فيه: ( لكأنِّي يوم السبت العاشر من المـُحرَّم قائماً بين الركن والمقام... ) الحديث.

وروى الشيخ في الغيبة(2) ، عن علي بن مهزيار عن أبي جعفر الباقر (ع) قال:

قال أبو جعفر (ع): ( كأنِّي بالقائم يوم عاشوراء، يوم السبت، قائماً بين الركن والمقام... ) الحديث.

وأخرج النعماني في الغيبة(3) ، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (ع)، في حديث يقول فيه: ( فإذا تحرَّك مُتحرِّك ( مُتحرِّكنا ) فاسعوا إليه ولو حَبواً! والله، لكأنِّي أنظر إليه بين الركن والمقام... ) الحديث.

إلى أخبار أُخرى كثيرة تدلُّ على ذلك.

الجهة الثانية: في سرد الأخبار الدالَّة على خُطبته التي يُلقيها (ع) في موقفه ذاك بين الركن والمقام.

أخرج النعماني في الغيبة(4) ، بإسناده عن جابر بن يزيد الجعفي، قال:

قال أبو جعفر محمد بن علي الباقر (ع) – في حديث طويل -: ( والقائم يومئذ بمكَّة، وقد أسند ظهره إلى البيت الحرام مُستجيراً، فيُنادي: يا أيها الناس، إنَّا نستنصركم الله، ومَن ( فمَن ) أجابنا من الناس، وإنَّا ( فإنَّا ) أهل بيت نبيِّكم محمد، ونحن أوْلى الناس بالله وبمحمد (ص).

فمَن حاجَّني في آدم، فأنا أوْلى الناس بآدم، ومَن حاجَّني في نوح، فأنا أوْلى الناس بنوح، ومَن حاجَّني في إبراهيم، فأنا أوْلى الناس

____________________

(1) ص341.

(2) ص274.

(3) الحاوي ج2 ص102.

(4) ص150.

٢٢٢

بإبراهيم، ومَن حاجَّني في محمد، فأنا أوْلى الناس بمحمد، ومَن حاجَّني بالنبيِّين، فأنا أوْلى الناس بالنبيِّين، أليس الله يقول في مُحكم كتابه:( إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآَلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) (1) ، فأنا بقيَّةٌ من آدم، وذخيرةٌ من نوح، ومصطفى من إبراهيم، وصفوة من محمد صلى الله عليهم أجمعين.

ألا ومَن حاجَّني في كتاب الله، فأنا أوْلى الناس بكتاب الله، ألا ومَن حاجَّني في سنَّة رسول الله، فأنا أوْلى الناس بسنَّة رسول الله.

فأنشد الله مَن سمع كلامي اليوم لما بلغ منكم الشاهد الغائب.

وأسألكم بحقِّ الله وبحقِّ رسوله وبحقِّي؛ فإنَّ لي عليكم حقَّ القُربى من رسول الله، إلاَّ أعنتمونا ومنعتمونا ممَّن يظلمنا، فقد أُخفنا وظُلِمنا وطُرِدنا من ديارنا وأبنائنا، وبُغي علينا ودُفعنا عن حقِّنا، فافترى أهل الباطل علينا، فالله الله فينا! لا تخذلونا! وانصرونا ينصركم الله!... ) الحديث.

وأخرج المجلسي في البحار(2) ، بالإسناد عن الفضل بن محبوب، رفعه إلى أبي جعفر (ع) قال - في حديث –: ( والقائم يومئذ بمكَّة عند الكعبة مُستجيراً، يقول: أنا وليُّ الله، أنا أوْلى بالله وبمحمد (ص)، فمَن حاجَّني في آدم فأنا أوْلى بآدم، ومَن حاجّني في نوح، فأنا أوْلى الناس بنوح، ومَن حاجّني في إبراهيم، فأنا أوْلى الناس بإبراهيم، ومَن حاجّني في النبيِّين، فأنا أوْلى الناس بالنبيِّين، إن الله تعالى يقول:( إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآَلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) .

فأنا بقيَّة آدم، وذخيرة نوح، ومصطفى إبراهيم وصفوة محمد، ألا ومَن حاجَّني بكتاب الله، فأنا أوْلى بكتاب الله، ومَن حاجَّني في سنَّة رسول الله (ص) فأنا أوْلى الناس بسنَّة رسول الله وسيرته.

وأنشد الله مَن سمع كلامي، لما يبلغ الشاهد الغائب ).

____________________

(1) آل عمران 34.

(2) ج13ص179.

٢٢٣

وأخرج الطبرسي في أعلام الورى(1) عن المفضل بن عمر – في حديث - قال:

وسمعت أبا عبد الله (ع) يقول: ( إذا أذِن الله تعالى للقائم بالخروج صعد المنبر، فدعا الناس إلى الله عزَّ وجلَّ وخوَّفهم بالله، ودعاهم إلى حقِّه، على أن يسير فيهم بسيرة رسول الله (ص)، ويعمل فيهم بعمله... ) الحديث.

وأخرج في البحار(2) ، عن علي بن الحسين ( عليهما السلام )، في حديث قال: ( فيقوم هو بنفسه (يعني بعد مقتل النفس الزكية ) فيقول: أيُّها الناس، أنا فلان بن فلان، أنا ابن نبي الله، أدعوكم إلى ما دعاكم إليه نبي الله. فيقومون إليه ليقتلوه، فيقوم ثلثمئة أو نيِّف على الثلثمئة فيمنعونه ).

وأخرج أيضاً(3) ، عن أبي بصير، عن أبي جعفر الباقر (ع): ( إنَّه يأتي المسجد الحرام، فيُصلِّي فيه عند مقام إبراهيم أربع ركعات، ويُسند ظهره إلى الحجر الأسود، ثمَّ يحمد الله ويُثني عليه، ويذكر النبي (ص) ويُصلِّي عليه، ويتكلَّم بكلام لم يتكلَّم به أحد من الناس... ).

الجهة الثالثة: في الالتفات إلى نقاط من الأخبار السابقة.

النقطة الأُولى: أنَّ الأخبار الدالَّة على وقوف المهدي (ع) في أول ظهوره بين الركن والمقام قابلة لإثبات التاريخي، لكثرتها وتظافرها.

وأمَّا الأخبار الدالَّة على خُطبته، فلا شكَّ أنَّها بمجموعها مُتضافرة، غير أنَّ هذا المجموع لا يُثبت أكثر من كونه (ع) يَقِفُ خطيباً في أول ظهوره، وأمَّا مضمون الخُطبة فلن نستطيع أن نتعرَّف عليه إلاَّ بعد التوثُّق من صحَّة الإسناد للأخبار الناقلة لها واحداً واحداً... أو أن يوجد مضمون واحد، ممَّا يقوله (ع) في الخُطبة مُكرَّراً في عدَّة روايات، ليكون قابلاً للإثبات التاريخي.

أمَّا الخبر الأول الذي نقلناه للخُطبة عن النعماني، فهو يرويه عن أحمد بن محمد بن

____________________

(1) إعلام الورى بأعلام الهُدى ص431

(2) ص180 ج 13

(3) المصدر والصفحة.

٢٢٤

سعيد قال: حدَّثنا محمد بن الفضل، وسعدان بن إسحاق بن سعيد، وأحمد بن الحسين بن عبد الملك، ومحمد بن أحمد بن الحسن جميعاً، عن الحسن بن محبوب، أخبرنا محمد بن يعقوب الكليني، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه: قال: وحدَّثني محمد بن يحيى بن عمران، قال: حدَّثنا أحمد بن محمد بن عيسى، قال: وحدَّثنا علي بن محمد وغيره عن سهل بن زياد جميعاً عن الحسن بن محبوب قال: حدَّثنا عبد الواحد بن عبد الله الموصلي، عن أبي أحمد بن محمد بن أبي ياسر ( ناشر )، عن الحسن بن محبوب، عن عمر بن أبي مقدام، عن جابر بن يزيد الجعفي.

فأنت ترى أنَّ للشيخ النعماني ثلاثة طُرق من الرواة إلى الحسن بن محبوب:

الطريق الأول: أحمد بن محمد بن سعيد، قال: حدَّثنا محمد بن الفضل وسعدان بن إسحاق بن سعيد، وأحمد بن الحسين بن عبد الملك ومحمد بن أحمد بن الحسن جميعاً عن الحسن بن محبوب.

الطريق الثاني: ثقة الإسلام محمد بن يعقوب الكليني، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه ( إبراهيم بن هاشم ). قال: وحدَّثني محمد بن يحيى بن عمران، قال: حدَّثنا أحمد بن محمد بن عيسى. قال: وحدَّثنا علي بن محمد وغيره، عن سهل بن زياد جميعاً، عن الحسن بن محبوب.

الطريق الثالث: الكليني ( أو أحمد بن محمد بن سعيد )، قال: حدَّثنا عبد الواحد بن عبد الله الموصلي، عن أبي علي أحمد بن محمد بن (أبي) ياسر ( ناشر ) عن الحسن بن محبوب.

والحسن بن محبوب بدوره يروي عن عمر بن أبي المقدام، عن جابر بن يزيد الجعفي، عن الإمام الباقر.

والطُرق الثلاثة – باعتبار تعدُّدها – للإثبات التاريخي.

وأمَّا الحسن بن محبوب، فهو من العلماء الثقات الأجلاَّء.

وأمَّا عمر بن المقدام، فقد مُدِح ولم يطعن فيه طاعن.

وأمَّا جابر بن يزيد، فهو من خاصَّة أصحاب الإمامين، الباقر والصادق ( عليهما السلام )، وثَّقه بعض، ونسبه إلى التخليط عند شيخوخته بعض آخرون.

والمـُلاحَظ أنَّ شيخوخته مُعاصرة للإمام الصادق (ع)، في حين أنَّ الخبر مروي عن الإمام الباقر (ع)، فيكون من رواه جابر قبل شيخوخته، ومن ثمَّ قبل أن يكون مُخلِّطاً، ومعه ففي الإمكان أن يكون قابلاً للإثبات التاريخي.

٢٢٥

وأمَّا الخبر الثاني الذي نقلناه من أخبار الخُطبة عن البحار، فقد رواه السيد علي بن عبد الحميد، بإسناده إلى كتاب الفضل بن شاذان، عن ابن محبوب رفعه إلى أبي جعفر (ع)، فهو خبر مرفوع يعني أنَّ فيه واسطة ساقطة مجهولة كالمـُرسل... فلا يكون قابلاً للإثبات التاريخي.

نعم، يتَّحدُ هذا الخبر في كثير من مضامينه مع الخبر السابق، فيكون قابلاً لإثبات من هذه الناحية... وكذلك الأخبار الأُخرى التي تنقل - في الواقع - عدداً من مضامين الخطبة، فتكون قابلة للإثبات بهذا المقدار... فلا حاجة إلى استعراض أسانيدها ورواتها.

النقطة الثانية: يقف الإمام المهدي (ع) في أول ظهوره قريباً من الكعبة المـُشرّفة، مُستدبِراً لها، ومواجهاً للجماهير؛ لكي يقول فيهم كلمته الأُولى.

ويكون وقوفه بين (الركن والمقام) والركن واحد الأركان، وأركان الكعبة المـُشرّفة زواياها الأربعة التي هي مُلتقى جوانبها الأربعة، وقد سُمِّي كل ركن باسم البلد الذي يتَّجه إليه عند الصلاة، فالشمالي هو الركن العراقي، والجنوبي هو الركن اليماني، والغربي هو الركن الشامي، وأما الشرقي فيُسمَّى بالركن الأسود؛ لأنَّه يحتوي على ( الحجر الأسود ) الذي منه مبدأ الطواف حول الكعبة.

وأمَّا المقام، فهو مقام إبراهيم الخليل (ع)، وهو أرض مُربعة صغيرة نسبياً، ذات بُنْيَة جميلة، تبعد عن الكعبة من جهة الشرق عدَّة أمتار.

وإذا قيل: (الركن). بدون وصف، فُهِمَ منه الركن الأسود بطبيعة الحال، باعتبار أهمِّيَّته؛ لاحتوائه على الحجر الأسود وابتداءِ الطواف منه، ويكون هو على يسار الواقف مُستقبلاً للكعبة ومُستدبراً مقام إبراهيم، ويكون إلى يمين الواقف الركن العراقي، وتقع باب الكعبة إلى نفس هذه الجهة الشرقية، قريباً من الركن الأسود.

ومن هنا نستطيع أن نقول: إنَّ باب الكعبة يقع ( بين الركن والمقام )؛ لأنَّ الركن الأسود على يمينها بحوالي نصف متر من جدار الكعبة، والمقام عن يسارها، وإن كان بعيداً عن الكعبة بعدَّة أمتار، والأرض التي أمام باب الكعبة حتى تصل إلى مقام إبراهيم واقعة ( بين الركن والمقام ) بطبيعة الحال.

ومن هنا؛ يكون وقوف الإمام المهدي (ع) بين الركن والمقام مُستدبراً الكعبة... يعني مُستدبراً الجدار الذي فيه باب الكعبة، جاعلاً الحجر الأسود عن يمينه، ومقام إبراهيم عن يساره، ومواجهاً للجماهير ليقول كلمته الأُولى.

٢٢٦

وقد سمعنا في بعض الروايات: أنَّه يُسنِد ظهره إلى البيت الحرام، يعني الكعبة المـُشرَّفة، وأنَّه يُسند ظهره إلى الحجر الأسود.

فإذا فهمنا ذلك مع الحفاظ على كون وقوفه ( بين الركن والمقام )، فيكون من اللازم أن نتصوَّره مُستدبراً جدار الكعبة الذي بين الباب والركن الأسود، وهي مسافة نصف متر أو تزيد قليلاً، فيصدق أنَّه واقف بين الركن والمقام، كما يصدق أنَّه مُسنِد ظهره إلى الكعبة، وإلى الحجر الأسود أيضاً؛ لأنَّ الحجر سيكون قريباً جدَّاً منه عن يمينه إلى جهة ظهره.

النقطة الثالثة: في ارتباط خُطبة المهدي (ع) بالتخطيط العام، وتعبيرها عن نتائجه.

إنَّ هذه الخُطبة المباركة بصفتها واقعة في آخر التخطيط العام السابق على الظهور، ومُعبِّرة عن نتائجه، ومن هنا كانت لوحة كاملة عمَّا ينبغي أن يُعلَن ساعتئذٍ من نتائج ذلك التخطيط، ويظهر من عدَّة زوايا.

الزاوية الأُولى: ما عرفناه من التخطيط، من أنَّ (اليوم الموعود) إنَّما هو نتيجة لجهود البشرية منذ أول وجودها إلى زمن وجوده، وإنَّ خطَّ الأنبياء والأولياء، والصالحين والشهداء، والمـُصلِحين، إنَّما هو واقع في طريقه والتمهيد إليه بشكل قريب وبعيد... وسيأتي في الكتاب الآتي من الموسوعة ما يزيد ذلك برهاناً.

وإذا كان الأمر كذلك، وكان المهدي (ع) هو قائد اليوم الموعود ومؤسِّس العدل الكامل في العالم، إذن؛ فمن حقِّه أن يقول: (... فأنا بقية آدم، وخيرة نوح، ومصطفى إبراهيم، وصفوة محمد ).

الزاوية الثانية: ما عرفناه في التخطيط من تركيزه بشكل خاص على تربية الجانب القيادي في شخصية القائد المذخور للثورة العالمية، وقد برهنَّا على ذلك بكل تفصيل في الكتاب السابق(1) ، وها قد أنتج هذا التخطيط نتيجته، وها هو القائد الكامل يواجه الناس ليبدأ بمُمارسة قيادته التي ذُخِر من أجلها.

فمن المنطقي، وهو خير البشر في زمانه، بل خير البشر بعد صدر الإسلام إلى عصر ظهوره، من المنطقي أن يكون أوْلى من جميع الناس، بالأنبياء والمـُرسلين، بما فيهم نبي الإسلام (ص)، فهو أقرب إليهم علماً وعملاً وعدلاً من أيِّ إنسان آخر.

____________________

(1) انظر ص(497) وما بعدها إلى عدّة صفحات.

٢٢٧

ومن هنا نسمعه قول: ( فمَن حاجّني في آدم، فأنا أوْلى الناس بآدم، ومَن حاجَّني بنوح، فأنا أوْلى الناس بنوح، ومَن حاجَّني في إبراهيم، فأنا أولى الناس بإبراهيم، ومَن حاجَّني في محمد، فأنا أوْلى الناس بمحمد، ومَن حاجَّني في النبيِّين فأنا أوْلى الناس بالنبيِّين ).

الزاوية الثالثة: ما عرفناه في التخطيط العام، من إنتاج التمحيص الساري المفعول خلاله، لانحراف وضلال الأعمِّ الأغلب من الناس، وبذلك تمتلئ الأرض جوراً وظلماً.

كما ورد في الخبر التواتر عن النبي (ص)، ويكون تطرُّف المـُتطرِّفين منهم شديداً، كما يكون تطرُّف المؤمنين إلى جانب الإيمان شديداً، وسمعنا في التاريخ السابق(1) ما تفعله الأكثرية المـُنحرفة بالأقلِّية المؤمنة من مظالم وشرور.

النقطة الرابعة: تحتوي الخُطبة المباركة أيضاً، بعض النقاط من تخطيطات المـُستقبل، الذي تندرج خصائصه في التخطيط العام لما بعد الظهور.

ويُمكن الالتفات إلى ذلك ضمن عدَّة زوايا أيضاً:

الزاوية الأُولى: وجوب طاعة المهدي (ع) وبذل النصر له، من أجل تطبيق العدل الكامل في العالم كلِّه، حيث نسمع المهدي (ع) يقول: ( فالله الله فينا! لا تخذلونا! وانصرونا ينصركم الله ).

وسيكون أول المـُبادرين إلى تطبيق هذا الأمر، أولئك الصفوة المـُخلصين المـُمحَّصين، ذوو العدد الكافي لغزو العالم بالعدل، وسيأتي تفصيل ذلك غير بعيد.

الزاوية الثانية: إنَّ المهدي يَعِدُ الناس في خُطبته بتطبيق الأُطروحة العادلة الكاملة في دولته العالمية،( أن يسير فيهم بسيرة رسول الله (ص) ويعمل فيهم بعلمه ) ، كما سمعنا من إحدى الروايات، وكما سبق أن برهنَّا على ذلك في فصل سابق.

ونعني بسيرة رسول الله (ص): القواعد والمفاهيم العامة التي كان ينطلق منها النبي (ص)

____________________

(1) انظر مثلاً ص266 وما بعدها أيضاً.

٢٢٨

إلى أعماله، لا السيرة بكل خصائصها وتفاصيلها بطبيعة الحال؛ لوضوح اختلاف المصالح الزمنية بين العصرين بكثير... بل سيأتي في بعض الروايات وجود بعض الاختلاف في تطبيقات الإمام المهدي (ع) عن تطبيقات رسول الله (ص)، فالمهدي (ع) يُدرِك الهارب، ويُجهِز على الجريح ويقتل المـُنحرف، وإن كان مسلماً، وإن كان على نفس مذهبه الإسلامي، ويقضي بعلمه ولا بالبيِّنة - كما في بعض الأخبار - وكل ذلك ممَّا لم يعمله رسول الله (ص)، وهذه الأمور ونحوها لو ثبتت تُعتبر تخصيصاً واستثناءً من المفهوم الذي بيَّنته الخُطبة... وهو أن يسير بسيرة النبي (ص) على تفاصيلها.

الزاوية الثالثة: تكفُّله (ع) بتطبيق وتفسير كتاب الله وسنَّة رسول الله (ص)... من حيث إنَّه أوْلى الناس بهما وأشدُّهم اطِّلاعاً على تفاصيلهما وقدرةً على فَهْم مغازيهما ومراميهما.

النقطة الخامسة: دلَّت رواية ممَّا سبق أنَّ المهدي (ع) يصعد المنبر ويخطب، فإن كان المراد منبراً يوضع له وقتيَّاً في المكان المـُشار إليه سابقاً، فهو إن كان المراد به المنبر المبني فعلاً في المسجد الحرام، فهو أبعد عن الكعبة المـُشرّفة من مقام إبراهيم، ومن ثَمَّ لا يصدق عليه أنَّه وقوف بين الركن والمقام.

ومعه؛ تكون هذه الروايات معارضة للروايات الدالَّة على وقوفه بين الركن والمقام.

ومعه؛ تكون هذه الروايات مُقدَّمة على تلك الرواية، فيُنتج الالتزام بأنَّه (ع) لا يصعد المنبر الموجود حالياً، بل يقف بين الركن والمقام، ولو فوق منبر آخر.

النقطة السادسة: دلَّت رواية ممَّا سبق أنَّ المهدي (ع) يبدأ كلامه بتقديم نفسه إلى الناس، بذكر اسمه الحقيقي واسم أبيه، بينما سكتت الروايات الأُخرى عن ذلك، بحيث يبدو أنَّه يُهمِل ذلك تماماً.

وفي كلٍّ من هذين الموقفين نقطة قوَّة ونقطة ضعف مُحتمَلة.

فإنَّه (ع) إن أهمل ذكر اسمه للناس - كما عليه أكثر الروايات - كانت هناك نقطة قوَّة ونقطة ضعف:

نقطة القوَّة: إنَّ فيه حماية من أعدائه في وقت حاجته إلى الحماية في أول حركته، فإنَّ الأعداء إن فهموا أنَّه المهدي الموعود، فإنَّهم سوف يقضون على حركته بأسرع وقت، بخلاف ما لو لم يظهر للعالم بصفته المهدي الموعود.

نقطة الضعف: إنَّ الناس سوف لن يفهموا أنَّه هو المهدي بالمرَّة، ومن ثَمَّ سوف لن

٢٢٩

ينصره المؤمنون، ولن يسمع لكلامه الناس.

فلو انطلقنا من ( أُطروحة خفاء العيون ) التي عرفناها، كان معنى إخفاء اسمه أنَّه لا زال في غيبته، وأنَّه يُخاطب الناس بـ ( شخصيَّته الثانوية ) لا بشخصيَّته الحقيقية، فإنَّها هي الشخصية الوحيدة التي يعرفها الناس منه، وهذا لا معنى له بالنسبة إلى المهدي (ع) منذ ذلك الحين.

وأمَّا إذا اختار (ع) أن يذكر اسمه للناس، فهذا الموقف يحتوي - في النظر - على نقطة قوَّة ونقطة ضعف مُقابلتين لذينك النقطتين.

نقطة القوَّة: أنَّه (ع) حين يكشف شخصَّيته الحقيقية للناس، يرفع بذلك غيبته التي آن له رفعها وحُرِّم عليه استمرارها، ويُصرِّح بانتساب الخُطبة وطلب النُّصرة إليه بتلك الصفة.

نقطة الضعف: أنَّ كشفه لحقيقته سوف يؤلِّب عليه الأعداء، في وقت هو شديد الحاجة فيه إلى الحماية والمنعة.

ويمكن أن نفهم من هذه الروايات ( أُطروحة ) نحصل بها على كلتا نقطتي القوَّة، وندفع بها كلتا نقطتي الضعف، وهي أنَّه يذكر اسمه الحقيقي واسم أبيه، من دون الإلماع إلى أنَّه المهدي الموعود.

فإنَّه بذلك يرفع غيبته ويكشف شخصيَّته الحقيقية، ويُصرِّح بانتساب الخُطبة وطلب النُّصرة إليه بتلك الصفة، وبذلك يُحرز نقطة القوَّة الأخيرة، وفي نفس الوقت يُحرز حمايته من الأعداء المـُتربِّصين له بصفته مهدياً، يملاً الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت ظلماً وجوراً.

فيُحرز نقطة القوَّة الأُولى ويدفع نقطة الضعف الثانية.

وأمَّا نقطة القوَّة الأُولى: فلن تحصل بصراحة وشمول، وإنَّما تحصل بالمقدار الذي ينبغي لها أن تحصل، إنَّ المؤمنين المـُمحَّصين الذين يُمثِّلون العدد الكافي لغزو العالم، وكذلك مَن كان في الدرجة الثانية من الإخلاص من الدرجات الأربعة التي عرفناها في التاريخ السابق(1) ، كلهم سيعرفون أنَّ هذا الشخص هو المهدي الموعود، ومن ثَمَّ سيؤيِّدونه تأييداً كاملاً.

وأمَّا الناس الآخرون، من أعداء مُتربِّصين، وأشخاص مُحايدين من مسلمين وغيرهم، وحتى عدد كبير ممَّن على المذهب الإسلامي الذي يتبنَّاه المهدي (ع)، فسوف

____________________

(1) انظر ص248وما بعدها.

٢٣٠

لن يعرفوا هذه الحقيقة الكبرى، إلاَّ في الحدود التي تقتضيها المصلحة، ويُخطِّط لها المهدي (ع ) نفسه.

والروايات لم تدلَّ على أكثر من ذلك، وإنَّ المهدي يُسمِّي نفسه وأباه، تماماً كما فعل (النداء) من قبل، وليس في أيٍّ منهما تصريح بأنَّه المهدي الموعود.

النقطة السابعة: في مدى ارتباط الخُطبة بالتصوُّر الإمامي للمهدي.

من الواضح أنَّ الوقوف بين الركن والمقام، وإلقاء الخُطبة على الجماهير غير خاص بالمهدي (ع) بالتصوُّر الإمامي، بل يشمل المهدي بالتصوُّر الآخر، بل يشمل أيَّ إنسان ذو قدرة وجدارة، وإنَّما المـُهمُّ من ذلك مضمون الخُطبة أولاً، ونتائجها ثانياً.

أمَّا النتائج، وأهمُّها السيطرة على العالم كله بالعدل، وتأسيس الدولة العالمية العادلة... فهذا ما سيكون صفة للمهدي الواقعي في التخطيط الإلهي العام أيَّاً كان.

ويُهمُّنا الآن تطبيق مضامين الخُطبة على التصوُّر الآخر للمهدي، بعد العلم على أنَّها منطبقة مع التصوُّر الإمامي تماماً.

إنَّ المهدي – بهذا التصوُّر - يستطيع أن يُصرِّح بعدَّة أمور من الخُطبة:

1 - أن يدعو الناس إلى الله ويُخوِّفهم به.

2 - أن يُقسِم عليهم بحقِّ القُربى من رسول الله (ص)... فإنَّه على أيِّ حال من وُلْد فاطمة، ومن أولاد الحسين (ع).

3 - أن يُشير إلى الظلم والمـُطاردة والتنكيل الذي وقع على المؤمنين المـُخلصين خلال عصر التمحيص والامتحان السابق على الظهور.

4 - أن يطلب من الناس نُصرته وتأييده، توخِّياً لنُصرة الحقِّ، باعتباره المـُمثِّل الرئيسي له.

5 - أن يعدهم أنَّه إذا تمَّ له الاستيلاء على منطقة أو أكثر واستتبَّت له الأمور، أن يُطبِّق القانون الإسلامي العادل المـُتمثِّل بكتاب الله الكريم، وسنَّة رسوله العظيم.

ولكن سوف لن يكون المراد من كتاب الله وسنَّة رسوله، إلاَّ المستوى الذي وصل إليه الفكر الإسلامي إلى ذلك الحين، نتيجةً للتخطيط السابق، ولن يستطيع هذا المهدي أن يسير خطوات مُهمَّة في تربية هذا الفكر، وإعطاء الفَهم المـُتكامل للكتاب والسنَّة.

٢٣١

إنَّ المهدي - طبقاً لهذا التصوُّر - لن يكون - كما قلنا في التاريخ السابق(1) - أكثر من فرد اعتيادي، له في الإخلاص والعلم أقصى ما اقتضاه التخطيط السابق، وله من القابليَّات النفسية ما يتوقَّع بها لنفسه أن يقوم بالتطبيق الإسلامي، ومثل هذا الشخص لا يُمكنه بأيِّ حال أن يقوم بعبادة الدولة العالمية، كما سبق أن برهنَّا.

كما لا يستطيع أن يُقدِّم للكتاب والسنَّة فَهْمَاً أعمق من المستوى الذي وصل إليه الفكر الإسلامي في عصره، ولن يقدِّم لهما الفهم الذي له أهليَّة مُمارسة الحُكم العادل الكامل في العالم كلِّه.

ومن هنا؛ يتعذَّر عليه أن يقول عدَّة مضامين واردة في الخُطبة وضرورية الثبوت للمهدي الموعود، ليكون هو القائد العالمي المنشود فهو:

1 - لن يستطيع أن يدَّعي أنَّه أوْلى بكتاب الله وسنَّة رسوله من أيِّ شخص آخر... حتى من قادة الفكر الإسلامي الذين تقدَّموا به وأوصلوه إلى المستوى المـُعاصر له.

وإنَّما يدَّعي ذلك، مَن له الفهم الكامل لهذين المصدرين الإسلاميين المـُقدَّسين بالرواية عن النبي (ص) وقادة الإسلام الأوائل، بالشكل الذي يكفل سعادة البشرية العاجلة وتربيتها العُلْيَا في الآجل.

وباختصار: أن يتقدَّم بالفكر الإسلامي بخطوات جبَّارة لا تُقاس بأيِّ مُفكِّر آخر، سنُشير إلى ما يُقدِّمه المهدي (ع) في هذا المجال.

2 - وهو ليس بقيَّةً من آدم، وذخيرة من نوح، ومصطفى إبراهيم، وصفوة من محمد صلى الله عليهم أجمعين.

وكونه من المـُخلصين الكاملين لا يُبرِّر هذه النسبة، إلاَّ كما يُبرِّرها في أيِّ شخص آخر مُتَّصف بهذا المقدار من الإخلاص والإيمان... وهم يومئذ عدد غير قليل... كما عرفنا في نتائج التخطيط.

3 - وهو ليس أوْلى الناس بالنبيِّين... فإنَّ مَن يكون كذلك إنَّما هو القائد المذخور الذي يُكلِّل جهود كل الأنبياء بالنجاح في تطبيق العدل الكامل في العالم... وأمَّا الذي يتصدَّى لذلك من دون أن يُحرز نجاح حركته، أو لا تكون له قابلية القيادة العالمية، كما قلنا في التاريخ السابق(2) ، فلن يُمكن أن يكون مُتَّصفاً بالأولوية.

____________________

(1) انظر ص248وما بعدها.

(2) انظر ص501 وما بعدها.

٢٣٢

4 - ومن هنا نعرف أنَّه لن يتكلَّم بكلام لم يتكلَّم به أحد من الناس ( فإنَّ مَن يكون من حقِّه ذلك، بحيث يكون كل ما يقوله صادقاً عليه كل الصدق ومُنطبقاً تمام الانطباق، هو ذلك الشخص المؤهَّل للقيادة العالمية، والوارث لخطِّ الأنبياء، والذي هو أوْلى بهم وبكتاب الله وسنَّة رسوله، من أيِّ شخص آخر، إنَّ هذا هو الذي يتكلَّم الكلام الجديد ويُعطي المفاهيم بالأُسلوب التربوي الجديد العادل، الذي لم يكن يخطر قبل الظهور على بالٍ... دون أيِّ شخص آخر.

... هذا آخر ما نودُّ التعرُّض إليه من خصائص الخُطبة المباركة... موكلين الخصائص الأُخرى إلى فطنة القارئ.

الجهة الرابعة - من هذا الفصل -: إنَّ مُقتضى التسلسل المنطقي للدعوة الإلهية، التي يُمثِّل المهدي (ع) حلقة من أكبر حلقاتها، هو أن يُقيم المعجزة في أول ظهوره؛ إثباتاً لصدق مُدَّعاه: بأنَّه المهدي الموعود الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً. ولا أقلَّ أمام المؤمنين المـُخلصين ممَّن سيُصبحون خاصَّته؛ لوضوح أنَّه لولا ذلك لأمكن لأيِّ شخص جريء أن يقِفَ في المسجد الحرام بين الركن والمقام ويُلقي مثل هذا الخطاب، وخاصة بعد أن يقرأ الخُطبة في مصادرها، فكيف يمكن أن نُصدِّق من شخص أنَّه هو المهدي لمـُجرَّد أن يقِفَ هذا الموقف.

تماماً، كما هو الحال في النبوَّة، فإنَّه لا يمكن تصديق أيِّ شخص مُدَّعٍ للنبوَّة، ما لم تقترن دعواه بدليل يوجب القطع بكونه نبيَّاً مُرسَلاً؛ ومن هنا أقام نبي الإسلام (ص) معجزات كدلائل على صدقه، تقطع حجَّة المـُنكرين، كان أهمُّها القرآن الكريم نفسه.

وقد أسلفنا في التاريخ السابق أنَّ المهدي (ع) عند مُقابلاته مع الناس خلال غيبته، كان يُقيم الدلالة على حقيقته، وهي دلالة تحتوي دائماً على عنصر إعجازي، وإلاَّ لاستحال التعرُّف على حقيقته، أو تصديقه في دعواه إذا قال لنا: إنَّه هو المهدي (ع).

وقد سبق أن عرفنا في التاريخ المـُشار إليه(1) وغيره من بحوثنا، أنَّ المعجزة لا توجد عشوائياً، وإنَّما لها قانونها العام، وهو أنَّه تقع في طريق إقامة الحجَّة (إذا كانت مُنتفية) أو إتمامها (إذا كانت ناقصة)، ومن الواضح جدَّاً، أنَّ إقامة المهدي (ع) للمعجزة بعد ظهوره يكون في طريق إثبات الحجَّة على صدقه، توصُّلاً إلى تطبيق العدل الإلهي الكامل على وجه الأرض، وهو الهدف الإلهي المـُهمُّ الذي عاشت البشرية التخطيط له

____________________

(1) ص32

٢٣٣

وباتجاهه، منذ ولادتها إلى ذلك الحين؛ لوضوح أنَّه ما لم تثبت شخصيته الحقيقية لا يستطيع هو أن يحصل على المؤيِّدين والمؤمنين، ومن ثَمَّ لا يستطيع القيام بهذا التطبيق والوصول إلى ذلك الهدف.

إذن؛ فقد يستنتج من هذه المـُقدَّمات لزوم أن يُقيم المهدي (ع) معجزة واضحة منذ موقفه الأول، ليُثبت حقيقته بكلِّ صراحة ووضوح تجاه العالم، مع العلم أنَّنا لا نجد في الروايات الناقلة لهذا الموقف أيَّ إشارة إلى كونه مُقيماً للمعجزة في ذلك الحين.

ويمكن الجواب على ذلك من عدَّة وجوه:

الوجه الأول: إنَّ الإمام المهدي ليس بحاجة في موقفه هذا إلى إقامة المعجزة على الإطلاق.

ذلك؛ لوجود الإرهاصات الكافية لظهوره في زمن قريب، وهي قائمة على إعجاز عظيم، وأوضحها معجزتا الكسوف والخسوف في غير أوانهما... والخسف بالجيش الذي يُحاول قتله... والنداء باسمه صراحة في إسماع الخلق؛ فيكون القطع بصدق مَن اجتمعت فيه هذه الخصائص ضرورياً لازماً.

وأمَّا احتمال: أنّ شخصاً مُحتالاً يستغلُّ الموقف، بعد حدوث الخسف وقتل النفس الزكية بالمضمون السابق للخطبة، فهو في غاية البُعد... ولو حدَّثته نفسه بذلك فإنَّه يُقتل لا محالة في موقفه ذاك، أو يُلقى عليه القبض ويفشل مُخطَّطه ألبتَّة... ولن يستطيع الحصول على العدد الكافي لغزو العالم بالعدل، ولا بعض منه.

إذن؛ فكلُّ مَن يحصل له ذلك، هو المهدي الحقيقي بكل تأكيد.

الوجه الثاني: هناك في العالم - طبقاً للتصوُّر الإمامي لفكرة المهدي (ع) - عدد غير قليل من الناس يعرف المهدي بشخصه، ولا يحتاج إلى إقامة المـُعجزة للتعرُّف عليه؛ لأنَّه رآه خلال غيبته مرَّة أو عدَّة مرَّات، وهم كل الأفراد المـُخلصين من الدرجة الأُولى، وبعض الأفراد المـُخلصين من الدرجة الثانية، من الدرجات التي أشرنا إليها سابقاً.

وقد كان هؤلاء هم وسائطه إلى الناس - بشكل وآخر - خلال غيبته، وسيكونون لنا بأنفسهم رادةَ الحق والعدل، واللسان الناطق، والسيف الضارب بين يدي قائدهم المهدي (ع).

فمن الممكن - بغضِّ النظر عن أيِّ شيء آخر - أن يكون هؤلاء هم الشاهد الصادق في تعريف قائدهم إلى الناس، ريثما يثبت من مجموع أعماله وأقواله صدقه وعظمة

٢٣٤

أهدافه، ومعه لا حاجة إلى إقامة المعجزة.

الوجه الثالث: إنَّ المهدي (ع) ليس بحاجة إلى المعجزة، بل يستطيع أن يعتمد على المستوى الفكري والعقائدي والمفاهيمي الذي يُعلنه لإثبات صدقه وعظمة أهدافه.

فإنَّ المعجزة مطلوبة لأجل إقناع الفكر البشري غير المـُعقَّد، وهذا ما سيحصل بشكل عميق وأكيد عند إعلان المستوى الفكري الجديد... فيكون الاتجاه نحو المعجزة أمراً مُستأنفاً.

ويمكن تقسيم المستوى الفكري الذي يُقيمه الإمام المهدي في أول ظهوره إلى مُستويين:

المستوى الأول: ما يقوله (ع) في خطبته ممَّا، وردنا وسمعناه، وممَّا لم يردنا ولم نسمعه، فإنَّه لا دليل على اقتصاره (ع) في حديثه على هذا المقدار، بل لعلَّه يذكر أموراً أُخرى لم يكن المستوى الفكري السابق في عصر صدور النصوص مُناسباً للتصريح بها في الأخبار طبقاً لقانون:( كلِّم الناس على قدر عقولهم ) .

ولعمري، أنَّ في هذا المضمون الذي سمعناه ما يكفي لإقامة الحجَّة، لولا احتمال أن يكون منقولاً عن المصادر المـُتوفِّرة.

المستوى الثاني: استعداده (ع) للجواب على أيِّ سؤال مهما كان صعباً، فيما إذا عرفت أنَّ السائل موضوعي الفكرة مُطالباً للحق... وأنَّه إنَّما يسأله لأجل التأكُّد من صدقه، طبقاً للشكِّ (الديكارتي) الذي لا يستقيم بدونه أيُّ برهان.

وقد وردت حول ذلك رواية: هي ما أخرجه ثقة الإسلام الكليني(1) ، بسنده عن مفضل بن عمر قال: سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: ( لصاحب هذا الأمر غيبتان: إحداهما يرجع منه إلى أهله، والأُخرى يُقال: هلك في أيِّ واد سَلَكَ؟ ).

قلت: فكيف نصنع(2) إذا كان كذلك؟

قال: ( إذا ادَّعاها مُدَّعٍ فاسألوه عن أشياء يُجيب فيها مثله ).

وهذا الأمر أوضح من أن يُستند فيه إلى رواية؛ لأنَّه هو المفهوم من الاتجاه العام للإمام المهدي (ع)، بل من كل مَن يدَّعي منزلة عالية في القيادة، أو في العلم، أو في التقوى، أو في جميعها... فإنَّه يمكن للفرد أن يختار السؤال الذي يعتقد بأنَّ الجواب

____________________

(1) انظر الكافي ( الأصول ) نسخة مخطوطة (باب في الغيبة )

(2) في المصدر المخطوط: بضنع وهو تحريف.

٢٣٥

الصحيح يدلُّ على صدق المـُجيب وجدارته على مستوى مُدَّعاه، فإن جاء الجواب صحيحاً لم يكن للسائل أن يشكَّ من جديد، إلاَّ إذا كان مُعقَّداً غير طبيعي التفكير.

فليفكِّر القارئ في السؤال الذي يرغب بتوجيهه إلى المهدي (ع) عند ظهوره.

فهذين المـُستويين الفكريين، يمكن له (ع) الانطلاق منهما لإثبات صدقه في أول ظهوره.

وأمَّا بعد ذلك، فستكون المستويات أو الحقول الفكرية الجديدة أكثر من أن تُعَدَّ، وأوضح من أن تُذكَر.

الوجه الرابع: أنَّنا لو غضضنا النظر عن كل ما سبق، وفرضنا حاجة المهدي (ع) إلى إقامة المعجزة بعد ظهوره مباشرة لإثبات صدقه وحقيقته، وهو – لا محالة – قادر على ذلك؛ طبقاً لكلا التصوُّرين الإمامي والآخر عن المهدي (ع)، وستقع المعجزة – لو قام بها - مُطابقة لقانون المعجزات، أنَّها واقعة في طريق إقامة الحق والعدل والهدى، وهي الطريق المـُنحصر إليه – بعد غضِّ النظر عن الوجوه السابقة -... لأنَّها الطريق الوحيد لمعرفته، ولا يمكن إقامة الحق والهُدى بدون معرفته، وكلَّما انحصرت إقامة الحق على المعجزة أوجدها الله تعالى في البشرية - طبقاً لقانون المعجزات - لا يُفرِّق في ذلك بين نبيٍّ أو وليٍّ.

فإذا تمَّ ذلك، كان لنا أن نقول: إنَّنا لا نستطيع أن نقطع بعدم إقامة المهدي (ع) للمعجزة... فإذا اقتضتها القواعد العامة في الإسلام كان ذلك إثباتاً كافياً لها، وعدم النقل لا يدلُّ على عدم الوجود، ويمكن أن يكون عدم النقل مُستنداً إلى السبب الآتي، وهو أنَّنا نستطيع أن نُقسِّم المعجزة - في حدود ما نحتاجه الآن - إلى خاصة وعامة: والعامة منها إلى معجزة (كلاسيكية) أو تقليدية، ومعجزة (علمية)!.. وما يمكن نقله إلينا قسم واحد فقط - كما سنوضح - في حين أنَّ المهدي (ع ) قد يقتصر على القسمين الآخرين، فيكون ورود نقله في الأخبار مُتعذِّراً.

ونقصد بالمعجزات الخاصة ما يقع بين إمام وشخص واحد، أو جماعة محدودة من خوارق... كما لو أخبر الإمام شخصاً بما في ذهنه أو أجابه قبل سؤاله، أو عبَّر عن أيِّ شيء لا يمكن بحسب القوانين المعروفة للكون أن يكون عالماً به، كما يعلم به الفرد المواجه للإمام وجداناً.

ونقصد بالمعجزات العامة، تلك الخوارق التي تكون مُعلنة أمام الناس، وهي تختلف عن المعجزات الخاصة بأمر رئيسي:

وهو أنَّ المعجزات العامة لا بدَّ أن تكون

٢٣٦

واضحة الإعجاز أمام الناس، ومُقنعة للذهن البشري الاعتيادي بحسب المستوى العام للجيل المـُعاصر للمعجزة، وأمَّا المعجزة الخاصة، فحسبها أن تكون مُناسبة لمستوى الفرد المواجه للإمام ومُقنعة له، وقد لا تكون مُقنعة للآخرين، أو لا يعرف الغير أنَّها معجزة على الإطلاق.

ويمكن تقسيم المعجزة العامة إلى قسمين:

القسم الأول: ما سمَّيناه بالمعجزات الكلاسيكية، وهي التي تقوم على تغيير خارق واضح وسريع في نظام الكون، بحيث يراه ويفهمه عامة الناس.

وهذا القسم هو الذي يغلب على معاجز الأنبياء السابقين، ومن هنا سمَّيناه بـ ( الكلاسيكي)، والغرض منه إعطاء أكبر مقدار من الزخم العاطفي والعقلي في مجتمع لم يكن يفهم التعمُّق والتحليل، كانقلاب العصا ثعباناً، وانفلاق البحر، وإحياء الموتى، وانقسام القمر إلى قسمين وغيرها.

القسم الثاني: ما سمَّيناه بالمعجزات (العلمية)، وهي التي تقوم فكرتها الإعجازية على التدقيق والتحليل... قد لا يلتفت الفرد الاعتيادي إلى وجود شيء خارق لنظام الطبيعة فوراً، وإنَّما ينبغي أن يلتفت الناس على ذلك بالتدريج.

وأوضح وأقدم شكل لهذا القسم هو ( القرآن الكريم )، أهمُّ معجزات نبي الإسلام، ومن هذا القسم يمكن أن تنطلق معجزات القائد المهدي (ع) - كما سنُمثِّل - ويتلخَّص الفرق بين القسمين بعدَّة أُمور:

أولاً: ما ذكرناه من فوريَّة الالتفات إلى الإعجاز في القسم الأول دون الثاني، فإنَّه يحتاج إلى مضيِّ زمان لكي يُفهَم.

ثانياً: إنَّ القسم الأول يُناسب المستويات الاجتماعية غير المـُتقدِّمة والمـُعمَّقة من البشرية.

ثالثاً: إنَّ القسم الأول يقصد به النتيجة الواضحة، وإن أوجبت خرق عدَّة نقاط من النظام الكوني، بخلاف القسم الثاني؛ فإنَّ المقصود منه نقطة واحدة فقط من النظام الكوني، أو عدَّة مُحدَّدة تماماً ومُعلنة بوضوح، فالقرآن الكريم تجاوز المستوى الفكري والبياني البشري عموماً، وفي الإمكان تقليل الجاذبية في منطقة وزمان مُعيَّنَين، كما لو أعلن أنَّ جاذبية الأرض في مدينة (بغداد) ستُصبح بمقدار نصف ما كانت عليه أسبوعاً مُحدَّداً من الزمن.

٢٣٧

كما يمكن أن يُعلن تحديد زمان لتقليل سرعة النور في منطقة ما، أو في حدود مُعيَّنة، أو زيادة في سرعة دوران الأرض قليلاً، وهكذا.

إنَّ أمثال هذه المعاجز لن يحسَّ الفرد العادي بحدوث التغيُّر إلاَّ بعد أن يُشاهد تطبيقاته في الخارج... ولقد رأينا أنَّ الفرد الاعتيادي لا يُدرك لأوَّل وهلة وجود الإعجاز في آية يسمهعا من آيات القرآن الكريم.

رابعاً: إنَّ القسم الثاني من المعجزات قابل للدوام والاستمرار جيلاً أو عدَّة أجيال من البشر، أو إلى نهاية البشرية كما في القرآن الكريم نفسه، وقد يمكن الاستمرار في بعض تلك الأمثلة إلى أزمنة طويلة أيضاً.

أمَّا القسم الأول، فهو وقتي الحدوث، لا يمكن استمرار الأعجاز فيه، وهذا يُمثِّل إحدى الفوارق بين معجزات الأنبياء السابقين على الإسلام التي كانت كلها وقتيَّة الحدوث... وبين معجزات نبي الإسلام التي استطاعت على الدوام والاستمرار، مُتمثِّلة بالقرآن الكريم.

وإلى هنا عرفنا ثلاثة أقسام من المعجزات: المعجزات الخاصة، والمعجزات العامة (الكلاسيكية)، والمعجزات العامة (العلمية).

وما يمكن أن نسمع نقله في الأخبار قسم واحد - كما قلنا - وهي المعجزات العامة الكلاسيكية، دون المعجزات الخاصة والمعجزات العلمية.

وأمَّا إمكان نقل هذا القسم، فباعتبار كونه مفهوماً فَهْماً اجتماعياً عاماً، وموافقاً مع مستوى الجيل الذي سمعت عنها، وأمَّا عدم إمكان نقل المعجزات العلمية في الأخبار، فواضح أيضاً، باعتبار عدم انسجامها مع المستوى العقلي والفكري والثقافي للمجتمع الذي صدرت فيه هذه الأخبار لأول مرَّة، فكما يكون نشازاً في ذلك المجتمع التنبُّؤ صراحة بحدوث الطائرة أو الصواريخ الموجَّهة، كذلك يكون التنبُّؤ بحدوث معجزة على هذا المستوى العلمي الرفيع.

وقد يخطر في الذهن: أنَّ بعض المعجزات العلمية كانت موجودة يومئذ، مُتمثِّلة بالقرآن الكريم، إذن؛ فلم يكن هذا القسم أعلى من مستوى الفكر الاجتماعي.

وجوابه من عدَّة وجوه نذكر منها اثنين:

الوجه الأول: إنَّ الأُسس التي قام إعجاز القرآن الكريم على أساسها، أو بتعبير أصحِّ: إنَّ (القانون) الذي خرقه القرآن بإعجازه... كان مفهوماً للمجتمع يومئذ.

٢٣٨

وهو المستوى الأدبي البلاغي للُّغة العربية، على حين لم تكن الأُسس التي تقوم عليها المعجزات (العلمية) التي مثَّلنا لها، مفهومة بالمرَّة.

الوجه الثاني: بالرغم من كون الأُسس لإعجاز القرآن كانت مفهومة، إلاَّ أنَّ فكرة إعجازه وفكرة كونه معجزة خالدة وإيضاح مُميِّزاته عموماً، لم يقم القادة الإسلاميون بإعطائها دُفعةً واحدة، بل كانت تُعطى بالتدرُّج طبقاً للخطِّ التربوي العام... ابتداءً بالتحدِّي القرآني نفسه وانتهاء بالسنَّة الشريفة وما بعدها من عناصر الفكر الإسلامي التي شرحت مُميِّزات القرآن الكريم.

فإذا كان الحال بالقرآن الكريم مع وضوح أُسُسه، هو ذلك، فكيف بالمعجزات التي لا تكون واضحة الأُسس.

ومعه؛ فمن غير المـُحتمل أن نسمع في الأخبار أيَّ نقل، عن المعجزات (العلمية) التي ستكون الأسلوب الرئيسي للإعجاز في عصر الإمام المهدي على المظنون.

وأمَّا عدم نقل المعجزات (الخاصة) معجزةً معحزةً، فهو أوضح؛ لما عرفناه من أنَّ الآخرين قد لا يُدركون فكرة إعجازها بالمرَّة... حتى وإن وقعت أمامهم، فضلاً عمَّا إذا نُقلِت إليهم بالأخبار.

وقد يخطر في الذهن: أنَّ في إمكان الأخبار أن تُشير إلى قيام المهدي (ع) ببعض المعجزات الخاصة إجمالاً... فلماذا لم تفعل؟!

وجوابه: أنَّ هذا النوع من المعجزات، حيث كان نطاقه شخصياً، فيكون ذكره في الأخبار مُستأنفاً، ولا يبعد أنَّنا نجد في الأخبار شيئاً من ذلك... ولكنَّه قليل وغير مُلفِت للنظر، باعتبار أنَّ الاهتمام مركَّز في الأخبار إلى ما هو أشمل من أعمال الإمام المهدي وصفات أصحابه ودولته.

إذن؛ فكل ما في الأمر أنَّنا نتوقَّع أن نسمع من الأخبار إقامة المهدي (ع) معجزات (كلاسيكية) على غرار الأنبياء والأولياء السابقين، على حين أنَّه (ع) سوف يعرض عن هذا النوع؛ لكونه قاصراً عن المستوى الذي يكون عليه المجتمع يوم ظهوره... وإنَّما كان مُناسباً فقط مع الأزمة السابقة، المعاصرة مع الأنبياء والأولياء الأقدمين

وأمَّا النوع أو الأنواع التي يُقيمها المهدي (ع) من المعجزات، فلا يُناسب ذكرها في الأخبار؛ لكونها أعلى من مستوى عصر صدور الأخبار، وعدم فَهْم المجتمع

٢٣٩

لأُسسها، واعتياده على الأسلوب الكلاسيكي للمعجزات يومئذ.

الجهة الخامسة - من هذا الفصل -: وردت بعض الأخبار تقول: بأنَّ المهدي(ع) يظهر من قرية يُقال لها: كرعة. - بالكاف الفارسية على الظاهر -، وهي تُنافي الروايات التي سمعناها في هذا الفصل من كونه (ع) يظهر في مكَّة بين الركن والمقام.

أخرج الكنجي في كتابه البيان(1) ، بإسناده عن عبد الله بن عمرو، قال: قال رسول الله ( ص):( يخرج المهدي من قرية يُقال لها: كرعة ) .

قلت: هذا حديث حسن رزقناه عالياً، أخرجه أبو الشيخ الأصبهاني في عواليه كما سقناه، ورواه أبو نعيم في مناقب المهدي (ع). انتهى كلام الكنجي.

وقال السيوطي في الحاوي(2) : وأخرج أبو نعيم وأبو بكر بن المقري في مُعجمه عن ابن عمرو، قال: قال النبي (ص):( يخرج المهدي من قرية يُقال لها: كرعة ) .

وروى الأربلي(3) عن الأربعين حديثاً للحافظ أبي نعيم، بإسناده عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: قال النبي (ص):( يخرج النبي من قرية يُقال لها: كرعة ) .

وروى ابن طاووس(4) ، عن كتاب الفتن للسليلي، بإسناده عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله (ص):( يخرج المهدي من قرية يُقال لها: كرعة ) .

فكيف يمكن أن نوفِّق بين هذه الروايات وتلك...؟

ويمكن الانطلاق في الجواب عن ذلك من عدَّة زوايا:

____________________

(1) انظر ص91 منه.

(2) انظر ج2 ص137.

(3) انظر كشف الغمَّة للأربلي ج3 ص259.

(4) انظر الملاحم والفتن لابن طاووس ص114.

٢٤٠