موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ ما بعد الظهور) الجزء ٣

موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ ما بعد الظهور)0%

موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ ما بعد الظهور) مؤلف:
الناشر: دار الزهراء (عليها السلام)
تصنيف: الإمام المهدي عجّل الله فرجه الشريف
الصفحات: 679

موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ ما بعد الظهور)

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشهيد السيد محمد محمد صادق الصدر
الناشر: دار الزهراء (عليها السلام)
تصنيف: الصفحات: 679
المشاهدات: 188602
تحميل: 8737


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 3
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 679 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 188602 / تحميل: 8737
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ ما بعد الظهور)

موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ ما بعد الظهور) الجزء 3

مؤلف:
الناشر: دار الزهراء (عليها السلام)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الأعلى من وجودهم، وإذا نظرنا إلى هذا التطبيق في دائرته الصغيرة التي لا تستغرق كل العالم، فهو مقترن دائماً، بحسب المصلحة التي سار عليها النبي (ص) وغيره من القادة الأوائل، مع المـُلاينة والتألُّف... وأمَّا إذا نظرناه بشكله الواسع، الذي يستغرق العالم كله، فقد عرفنا أنَّه يتوقَّف على اجتثاث كل عنصر للفساد وسوء النيِّة والانحراف، ويكون من مصلحة البشر والرحمة بهم قتل هؤلاء، وتنزيه المجتمع البشري عن مفاسدهم، وإن لم يلتفت البشر أنفسهم إلى ذلك لأول وهْلَة.

إذن؛ فالقتل الذي يُمارسه المهدي (ع) هو الرحمة الكاملة واللطف الحقيقي؛ لأنَّه مُقدِّمة لتطبيق العدل، ونشر السعادة، والمنطق العقلي والقانوني دائماً يجزم بتقديم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة.

القسم الثاني: من العواطف السلبية التي يواجهها الإمام المهدي (ع ).

دلَّت الروايات على ذلك كما يلي:

أخرج النعماني(1) ، بسنده عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (ع) - في حديث ذكر فيه راية القائم (ع) - وقال: ( فإذا هو قام نشرها، فلم يبقَ في المشرق والمغرب أحد إلاَّ لعنها ).

وأخرج أيضاً(2) ، بسنده عن أبان بن تغلب، قال: سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: ( إذا ظهرت راية الحق لعنها أهل الشرق وأهل الغرب ( المشرق والمغرب) ).

قلت له: لِمَ ذلك؟

قال: ( ممَّا يلقون من بني هاشم ).

____________________

(1) الغيبة ص165.

(2) المصدر ص159.

(3) المصدر ص160.

٤٢١

إلى بعض الأخبار الأُخرى.

والمقصود من ( راية الحق ): دعوة المهدي (ع) العامة، المـُتمثِّلة بالأُطروحة العادلة الكاملة. ونشرها أو رفعها: إعلانها في العالم.

كما أنَّ المقصود من لعنها: الغضب عليها والاشمئزاز منها من قِبل أهل الشرق والغرب، وهم أكثر سكَّان العالم، ومن المؤكَّد أن يكون المقصود من بني هاشم و( أهل بيته ) شيئاً واحداً، سواء ذلك على المستوى الصريح أم الرمزي، على ما سنعرف.

ويمكن تبرير هذا الانطباع السيِّئ بعدَّة مُبرِّرات:

وتنقسم هذه المبرِّرات إلى قسمين، ينطلق القسم الأول منها، من الفَهْم الصريح لبني هاشم، وينطلق القسم الثاني منها من الفَهْم الرمزي له.

القسم الأول: أن نفهم من بني هاشم وأهل بيت المهدي (ع)، عشيرته الخاصة المـُعيَّنة المعروفة في التاريخ، فيكون المعنى الذي تُعرب عنه الروايات: أنَّ الناس سوف يُسيئون الظنَّ بالمهدي (ع) ودعوته، بصفته فرداً من هذه العشيرة، وذلك للتجارب الفاشلة التي مرَّت بها هذه العشيرة خلال العصر السابق على الظهور، وذلك: تحت أحد المـُبرِّرات التالية:

المـُبرِّر الأول: إنَّ الناس يُلاقون من حُكم بني هاشم في زمن الغيبة ظلماً وتعسُّفاً، فيتخيَّلون أنَّ المهدي (ع) بصفته فرداً منهم، سوف يسير على هذا النهج.

وقد مارس بنو هاشم الحكم خلال التاريخ في فترات مختلفة... كالعباسيين، والفاطميين، والزيديين، والسنوسيين وغيرهم، وقد مارس الأعمُّ الأغلب منهم الحُكم الظالم المـُتعسِّف المـُنحرف عن الدين الحق.

الوجه الثاني: إنَّ الناس يُلاقون من بني هاشم - بصفتهم أفراداً في المجتمع المسلم - انحرافات شخصية حادَّة، إلى حدٍّ تكون مُضرَّة بالناس من مختلف المجتمعات، فيتألَّمون منها ويضجُّون من سوئها.

وحيث إنَّ المهدي (ع) من بني هاشم، فربَّما خُيِّلَ للناس - وخاصة هو يُمارس كثرة القتل - أنَّه عازم على السير على تلك السيرة... ريثما ينكشف عالمياً الفرق الكبير بين الأُسلوبين والإيديولوجيتين.

الوجه الثالث: إنَّ الناس يُلاقون من بني هاشم - خلال العصر السابق على الظهور - إعراضاً وإهمالاً مُتزايدين،

٤٢٢

فإنَّ الناس يمرُّون خلال عصر الغيبة، بمختلف أشكال المظالم والمشاكل، فقد يخطر في أذهان عدد منهم أن يرجعوا إلى بني هاشم في حلِّ هذه المشاكل، بصفتهم ممَّن يتوسَّم فيهم الصلاح والإصلاح... فلا يجدون منهم إلاَّ إعراضاً وإهمالاً وتهاوناً؛ نتيجة لتسامح بني هاشم وتقوقعهم، وخوفهم من الظروف القاسية، والتدخُّل في الأمور العامة.

فينطبع ذلك في أذهان الناس انطباعاً سيِّئاً، ويُخلِّف هذا الموقف ظنَّهم بالهاشميين... مع أنَّهم قد يكونوا مضطرِّين إلى ترك العمل اضطراراً.

ومن الصحيح أنَّ المهدي (ع) من بني هاشم، غير أنَّ شيئاً من هذه الوجوه الثلاثة لا ينطبق عليه... بعد أن جاء ليُغيِّر الحُكم الظالم إلى الحُكم العادل، والسلوك المـُنحرف إلى السلوك الصالح، ولا معنى للخوف والاضطرار إلى ترك المصلحة العامة في دولته.

غير أنَّ هذه المواقف سوف تُتَّخذ في أول ظهور ( راية الحق )، وستتبدَّد الأوهام تدريجياً بمقدار اتِّضاح واتِّساع الإيديولوجية المهدوية عالمياً.

القسم الثاني: من المـُبرِّرات، وهو المنطلق من الفَهم الرمزي لبني هاشم وآل البيت المهدي (ع)... حيث يكون تعبيراً عن جانب الدين والمـُتديِّنين في العصر السابق على الظهور.

وانطلاقاً من ذلك، تكون المـُبرِّرات إلى ( لعن ) راية الحق من قِبَل المنحرفين... عديدة.

المـُبرِّر الأول: الاتجاه المادِّي العام، الذي يشجب الحلَّ الديني للمشاكل البشرية، ومن الواضح أنَّ الأطروحة المهدوية ( راية الحق )، مهما اختلفت عن الاتجاهات الدينية السابقة عليها، فإنَّها ذات منطلق ديني بطبيعة الحال، من حيث إنَّها تعترف بوجود الخالق، وتلتزم بشريعته، ومعها ستكون مشمولة للشجب المادِّي.

وسترتفع مُبرِّرات هذا المـُبرِّر المادِّي، بالمفاهيم والدلائل التي يُقيمها الإمام المهدي (ع) نفسه، مضافاً إلى التطبيق المهدوي للأُطروحة العادلة الكاملة، التي تُمثِّل أعلى شريعة إلهية وجِدت بين البشر... فيتَّضح ما تضمَّنه للبشر من سعادة ورفاه، والفروق الأساسية الشاسعة بين الاتجاه الديني المهدوي، والاتجاهات السابقة عليه.

المـُبرِّر الثاني: سوء الظنِّ بالمـُتديِّنين عموماً، بغضِّ النظر عن الوجود النظري للدين،

٤٢٣

فإنَّ هناك اتجاهاً عاماً في العالم اليوم، موجوداً في مختلف الأديان والمذاهب يتضمَّن إساءة الظنِّ بالأساليب والاتجاهات العامة التي يتَّخذها المـُتديِّنون، وذلك باعتبار التجارب الكثيرة والمريرة، التي عاناها الناس ممَّن ينتمون إلى الدين، من حيث إنَّ أكثرهم يستغلُّ موقفه الديني في سبيل الربح الشخصي، بل حتى لو لزم من ذلك الإضرار بالآخرين؛ لأنَّ أمثال هؤلاء ينتمون إلى الدين اسمياً، ولم يتشرَّبوا بتعاليمه واقعياً، فهُم من المـُنحرفين الفاشلين في التمحيص، الذين يُمثِّلون جانب الظلم والجور في الأرض، مهما استطاعوا أن يُغطُّوا قضيَّتهم بمختلف الأقنعة.

وقد عانى المسيحيون من الوجود الكنسي المـُمثِّل لهذا الاتجاه المـُنحرف، كما عانى المسلمون بمختلف مذاهبهم من نماذج أخرى سائرة على هذا الطريق، ولا يخلو هذا الطريق من السائرين في مختلف الأديان.

ومن هنا؛ نشأت الفكرة عن كل ما يتبنَّى الاتجاه الديني، وحيث يكون المهدي ذا اتجاه ديني، فهو مُندرج في الشك العام... غير أنَّ هذا الشكَّ سوف يتبخَّر بالتدرُّج، بمقدار ما يفهمه العالم بالحسِّ والوجدان من نفع النظام المهدوي للعالم، وما يكفله له من السعادة والرفاه، وما يبذله المهدي (ع) في سبيل الصالح العام من تضحيات ونكران ذات، وما تؤكِّده الوقائع من الفوارق الشاسعة بين هذا الاتجاه الديني، والاتجاهات السابقة عليه.

المـُبرِّر الثالث: تشويه الفكرة المهدوية في العصر السابق على الظهور، فإنَّها شوِّهت في الأفكار المـُنحرفة عدَّة تشويهات حادَّة، قد يؤدِّي بعضها إلى الحقد على المهدي (ع) حتى بعد ظهوره، والاتجاهات العامة لهذه التشويهات مُتعدِّدة، مادِّية وغير مادِّية، ولعلَّ في الرجوع إلى هذه الموسوعة ما يُساعد على رفع هذه التشويهات، ولسنا الآن بصدد استعراضها جميعاً، كل ما في الأمر، أنَّ ما يمكن أن يكون سبباً للحقد على المهدي حتى بعد ظهوره، من هذه التشويهات، هو ما يلي:

التشويه الأول: إنَّ السيف المهدوي شديد الفعالية قوي النشاط... يقتل الناس بلا حساب.

التشويه الثاني: إنَّ الحُكم المهدوي - بصفته عادلاً - سوف يكون حدِّياً وجِدِّياً في تطبيق القانون وكبت الحرِّية الفردية، إلى أكبر الحدود.

٤٢٤

التشويه الثالث: إنَّ النظام المهدوي بصفته ذات أيديولوجية مُعيَّنة، سوف يمنع عن حرِّية الاعتقاد والتعبير عن الرأي، لغير الملتزمين بالأيديولوجية المهدوية الرسمية.

التشويه الرابع: إنَّ الفكرة المهدوية بصفتها ذات اتجاه ديني، فهي تمنع عن الاستفادة من التطوُّر المدني والتكتيكي الحديث؛ لأنَّ الاتجاه الديني عموماً يمنع من ذلك.

ونحو ذلك من التشويهات...

والتشويه الأخير كاذب تماماً؛ لأنَّ الاتجاه الديني عموماً يُحبِّذ استعمال نتائج التطوُّر المدني، لا أنَّه يمنع عنه، وقد كان ولا زال المـُتديِّنون عموماً يستعملون هذه النتائج، بدون أن يروا أيَّ تنافٍ بين اتجاههم الديني، وهذا الاستعمال، أو أن يعتقدوا أيَّ تحريم ديني لذلك.

وسنسمع في فصل آتٍ، المـُثبتات التاريخية الكافية لاستعمال المهدي (ع) نفسه لنتائج التطوُّر المدني على أوسع نطاق في دولته، ممَّا يدلُّ على مباركته لها وعدم ميله إلى المنع عنها.

وأمَّا التشويهات الثلاثة الأُولى، فلها أصولها الصحيحة، وإنَّما التشويه كامن في المـُبالغة منها وإساءة الظن بنتائجها.

ويكفينا الالتفات إلى أمرين أساسين لدفع جانب التشويه في هذه الأمور الثلاثة:

الأمر الأول: أنَّه بعد البرهنة على أنَّ النظام المهدوي نظام عادل كامل، وأنَّه يُمثِّل الغرض الأساسي لخلق البشرية عموماً في الحكمة الإلهية، كما سبق أن برهنَّا، وسيأتي في الكتاب الآتي من هذه الموسوعة مزيد من البرهان، والإيضاح لهذه الفكرة، وأنَّه لا يمكن أن يتضمَّن هذا النظام أيَّ ظلم أو حيف فردي أو اجتماعي من أيِّ جهة من الجهات.

إذن؛ فكل ما يتضمَّنه هذا النظام من فقرات، من مفاهيم وقوانين ونُظُم هي - لا محالة - مُطابقة للعدل الكامل، الذي لا محيص للبشرية عنه، وبالتالي لا يمكن للبشرية أن تعيش السعادة والرفاه والكمال تحت أيِّ نظام أخر غيره، فالمبالغة في تلك الأفكار أو إساءة الظن بنتائجها، ممَّا لا معنى له، بعد أن كانت مطابقة للعدل، وإذا كان في التطرُّف بتطبيقها شيء من السوء أو الظلم، فإنَّه سيقتصر منها في مجال التطبيق، على ما هو أوفق بالعدل، وأقرب إلى المصلحة لا محالة.

٤٢٥

الأمر الثاني: أنَّه بينما تسنح الفرصة للمـُرجفين والمـُشوِّهين، للنشاط في الأيَّام الأُولى من الظهور، فإنَّ هذه الفرصة لن تسنح لهم مرَّة أُخرى، بل سيقوم السيف باستئصالهم تماماً، وسوف لن يبقى في العالم إلاَّ المؤمنين بصدق المهدي (ع) وعدالة دعوته.

ولا ينبغي أن يتوجَّه العتب إلى السيف المهدوي بكثرة القتل، من حيث كونه مسؤولاً عن تطبيق العدل الذي يتوقَّف على هذه الكثرة كما عرفنا، بل ينبغي أن يتوجَّه العتب إلى الأفراد المـُنحرفين أنفسهم، في أنَّهم أصبحوا بسوء تصرُّفهم ومُمارستهم أشكالاً من الظلم، بشكل يتنافى وجودهم بكل أقوالهم وأفعالهم مع المجتمع الفاضل والنظام العادل، فاستحقُّوا القتل بالسيف المهدوي الصارم.

هذا، ولا ينبغي أن ندخل في البراهين التفصيلية على الأصول الصحيحة لتلك (التشويهات) الثلاثة الأُولى، بعد كل الذي عرفناه فيما سبق من مثبتاتها التاريخية، وما سوف يأتي في خضمِّ البحث من مزيد القرائن عليها واحدة واحدة.

القسم الثالث: من العواطف والمواقف السلبية التي توجد ضدَّ المهدي (ع)، ما يقوم به بعض الجماعات من مواجهته بالسلاح.

أخرج النعماني في الغيبة(1) ، عن يعقوب السرَّاج، قال: سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: ( ثلاث عشر مدينة وطائفة يُحارب القائم أهلَها ويُحاربونه: أهل مكَّة، وأهل المدينة، وأهل الشام، وبنو أُميَّة، وأهل البصرة، وأهل دميان (دشت ميشان)، والأكراد، والأعراب، وضبَّة، وغنى، وباهلة، وأزد البصرة، وأهل الريِّ ).

وفي رواية مُطوَّلة أخرجها المجلسي في البحار(2) ، عن عبد الأعلى الحلبي، عن أبي جعفر (ع)، يقول فيها: ( فيخرج إليه مَن كان بالكوفة من مُرجِّئها وغيرهم من جيش السفياني، فيقول لأصحابه: استطردوا لهم. ثمَّ يقول: كُرُّوا عليهم ). قال أبو جعفر:

____________________

(1) ص160.

(2) ج13 ص179-180.

٤٢٦

( لا يجوز - والله - الخندق منهم مُخبِر... ) الحديث.

ومنها ما سبق أن رويناه، ممَّا أخرجه المفيد في الإرشاد(1) ، عن أبي جعفر - في حديث طويل - أنَّه قال: ( إذا قام القائم (ع) سار إلى الكوفة، فيخرج منها بضعة عشر ألف نفس يُدعون البتريَّة، عليهم السلاح. فيقولون له: ارجع من حيث جئت، فلا حاجة لنا في بني فاطمة. فيضع فيهم السيف، حتى يأتي على آخرهم

ثمَّ يدخل الكوفة، فيقتل بها كل منافق مُرتاب، ويهدم قصورها، ويقتل مقاتليها، حتى يرضى الله عزَّ وعلا ).

وأخرجه الطبرسي في إعلام الورى(2) .

وأخرج النعماني(3) ، بإسناده عن أبي حمزة الثمالي، قال: سمعت أبا جعفر (ع) يقول: ( إنَّ صاحب هذا الأمر لو قد ظهر، لقي من الناس ما لقي رسول الله (ص)، وأكثر ).

ومن ذلك الروايات الواردة في قتال السفياني، بعد ارتداده وفسخه مُبايعة المهدي (ع)... وقد سمعناها فلا نُعيد.

وأقصى ما تُعطينا هذه الروايات من المضمون العام، هو أنَّ المهدي (ع) سوف يواجه في العراق - وغيره من المناطق الإسلامية - حروباً مُسلَّحة ومُناوشات وقلاقل، وهذا أمر راجح، حتى لو لم نسمع شيئاً من هذه الروايات، بعد أن نلتفت إلى أنَّ أكثرية الأُمَّة أصبحت فاشلة في التمحيص، وعلى مستوى عصيان الأحكام الواضحة في الإسلام والمفاهيم القطعية فيه، كل مَن يواجهه بالحرب، يكون غافلاً بطبيعة الحال عن ضمانات انتصاره التي ذكرناها، إلى حدٍّ يظنُّ بإمكان سيطرته على المهدي (ع) وجيشه، أو على الأقل دفعه عن السيطرة على بلاده.

____________________

(1) ص343.

(2) ص431.

(3) الغيبة ص159.

٤٢٧

وأمَّا التفاصيل التي تنطق بها هذه الروايات، فلا يكاد يثبت شيء منها؛ لأنَّ كل واحد من الروايات غير ثابتة الصحَّة، ولها مضامين غير ثابتة أيضاً، فلا حاجة إلى الدخول في تفاصيلها.

نعم، الرواية الدالَّة على أنَّ ثلاثة عشرة فئة تُحارب المهدي (ع) تدلَّ - بغضِّ النظر عن التفاصيل - على أمرين:

الأمر الأول: إنَّ ما يواجهه المهدي (ع) من الحروب خاصة في منطقة الشرق الإسلامي خاصة.

الأمر الثاني: إنَّ تلك الحروب محدودة بثلاث عشر وقعة أو نحوها، إن لم يكن هذا الرقم للتحديد، وليست من الكثرة التي يتصوَّرها في الفتح العالمي العام.

وكلا هذين الأمرين ممَّا دلَّت الروايات الأخرى على صحَّته، فتكون هذه الرواية مؤكَّدة لمضمونه أيضاً.

العواطف الإيجابية:

أخرج ابن ماجة(1) ، عن أبي سعيد الخدري، إنَّ النبي (ص) قال: ( يكون في أُمَّتي المهدي... فتنعم فيه أُمَّتي نعمة لم ينعمه مثلها قطُّ ).

وأخرج ابن حجر(2) ، عن الروياني والطبراني - في حديث - قال: ( يرضى بخلافته أهل السماء وأهل الأرض، والطير في الجوِّ ).

وأخرج الحاكم(3) ، بإسناده عن أبي سعيد الخدري قال: قال النبي (ص) - في حديث -: ( يرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض... تتمنَّى الأحياء والأموات ممَّا صنع الله عزَّ وجلَّ بأهل الأرض من خيره )، هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يُخرجاه.

____________________

(1) السُّنن: ج2 ص1366.

(2) ص98.

(3) ج4 ص465.

٤٢٨

وأخرج النعماني(1) عن أُمِّ هانئ، عن أبي جعفر محمد علي الباقر (ع) - في حديث - قال: ( فإن أدركتَ ذلك الزمان قرَّت عيناك ).

وأخرج بهذا المعنى حديثين آخرين(2) ، وبمؤدَّاه حديث أخرجه الكليني في الكافي(3) .

وأخرج الشيخ في الغيبة(4) ، قال: قال رسول الله (ص): ( أُبشِّركم بالمهدي... - إلى أن قال: - يرضى عنه ساكن السماء و ساكن الأرض ).

وفي حديث آخر(5) ، عن أبي وائل، عن أمير المؤمنين (ع) أنَّه قال: - في حديث - ( يفرح لخروجه أهل السماء وسكَّانها، يملأ الأرض عدلاً كما مُلئت جوراً وظلماً ).

إلى غير ذلك من الروايات.

والمراد بساكن السماء أحد أمرين:

الأمر الأول: سَكَنَة الجوِّ، وهم الطيور.

ومعنى رضاهم بما ينالهم من لذيذ الطعام وهنيء الماء في عصره، باعتبار عموم عدله ورفاهه.

إلاَّ أنَّ هذا المعنى تُنافيه رواية واحدة ممَّا سبق، وهو قوله: ( يرضى بخلافته أهل السماء وأهل الأرض، والطير في الجوِّ )، فإنَّ مقتضى التعاطف هو التغاير بين أهل السماء وبين الطير؛ فلا يمكن أن يكون أحدهما هو الآخر.

الأمر الثاني: الملائكة، وهم سكنة السماء بحسب ظاهر الأدلة الواردة في الإسلام، بل وفي غيره من الأديان الكبرى، فهم يفرحون ليوم تطبيق العدل الكامل على الأرض، ويرضون عن قائده العظيم... وقد عرفنا موقفهم تجاه المهدي (ع) من التأييد والنُّصرة، بشكل واسع

____________________

(1) ص75.

(2) نفس الصفحة.

(3) نسخة مخطوطة.

(4) ص111.

(5) ص116.

٤٢٩

النطاق... فيكون رضاهم عنه أمراً طبيعياً واضحاً، ومنطلقاً عن رضاء الله عزَّ وجلَّ.

وقد يخطر في البال: إنَّ ظاهر هذه الروايات كون الرضى المذكور فيها ناتجاً من قِبَل الفرد، باعتبار استفادته وانتفاعه من حُكم المهدي العادل، وأمَّا إذا لم يكن الفرد مُنتفعاً به، فهو لا يكون مشمولاً لهذه لروايات، ومن الواضح أنَّ الملائكة لا يمكن أن يكونوا مُستفيدين بالمـُباشرة من العدل الأرضي.

وجواب ذلك: إنَّه من ضيق النظر افتراض أنَّ الفرد لا يفرح بشيء، إلاَّ إذا استفاد منه فائدة مباشرة، بل قد يفرح الفرد للخير الذي نال أُسرته أو أصدقائه أو مجتمعه أو مجتمعاً يُحبُّه، وإن لم ينل منه شيئاً أصلاً.

ومعه؛ فالملائكة يفرحون بنفوذ إرادة الله وتطبيق هدفه، على أنَّه لا دليل على عدم انتفاع الملائكة بشكل مباشر في دولة العدل الكامل، فإنَّ تأييدهم لها ولقائدها وأعمالهم في مصلحتها، كمال لهم لا محالة.

فهذه هي العواطف الإيجابية الخيِّرة، التي ينالها المهدي (ع) ونظامه، عند تطبيق العدل الكامل، بعد أن تكون العواطف السلبية قد انتفت تماماً خلال الفتح العالمي.

٤٣٠

الفصل السادس

في مدَّة بقاء المهدي (ع) في الحُكم

تمهيد:

ينفتح السؤال عن مدَّة حُكم المهدي (ع) باعتبارين:

الاعتبار الأول: السؤال عن بقاء شخص الإمام المهدي (ع) في الحُكم، بمعنى الاستفهام عن المدَّة المـُتخلِّلة بين ظهوره ووفاته، أو بالأصحِّ المـُدَّة بين استتباب الدولة العالمية، ووفاته... بعد اليقين بأنَّه (ع) سوف يقضي أيَّام حياته كلَّها في الحُكم.

الاعتبار الثاني: السؤال عن بقاء نظام المهدي (ع) ودولته، ذلك النظام الذي يبقى بعد وفاته.

ويكون المراد: الاستفهام عن أنَّ دولة العدل العالمية، هل هي باقية إلى نهاية البشرية، أو لا؟ وهل أنَّ يوم القيامة ونهاية البشرية يحدث بعد موت المهدي بقليل، أو بكثير؟ وإذا كانت الحياة البشرية باقية مدَّة طويلة، فهل تتحوَّل الحياة إلى دولة ظالمة مُنحرفة، تحدث بعد دولة الحق، أو تبقى دولة الحق والعدل باقية على يد الحُكَّام العدول الأولياء الصالحين إلى يوم القيامة؟

ومرادنا من هذا الفصل التحدُّث عن الاعتبار الأول، مؤجِّلين الجواب عن مدَّة دولته ونظامه إلى الباب الأخير من هذا التاريخ.

ولا بدَّ في صدد الحديث عن هذا الأمر، أن يقع الحديث في عدَّة جهات:

الجهة الأُولى: في مقتضى القواعد العامة والتخطيط الإلهي العام حول ذلك، عرفنا فيما سبق - أكثر من مرَّة مُبرهَناً - بأنَّ الله تعالى استهدف من خلق الخليقة إيجاد العبادة الخالصة في ربوعها، وتطبيق العدل الكامل فيها... وخطَّط لذلك تخطيطاً طويل الأمد

٤٣١

لإيجاد شرائط هذا التطبيق، مُتمثِّلاً في التخطيط العام السابق على الظهور، وخطَّط لاستمرار هذا التطبيق وحفظه من الانحلال والزوال، مُتمثِّلاً بالتخطيط العام لما بعد الظهور، ذلك التخطيط المـُنتج في خطِّه الطويل للمجتمع البشري المعصوم.

وقد عرفنا دور الإمام المهدي (ع) بشخصه في هذين التخطيطين... فإنَّه يُمثِّل نهاية التخطيط الأول ونتيجته، وبداية التخطيط الثاني ونقطة انطلاقه، ويكون هو الرائد الأساسي الأول للتطبيق العالمي العادل الكامل.

وهذه الزيادة - مع غضِّ النظر عن أيِّ شيء آخر - تستدعي زماناً كافياً لتحصيل الغرض المقصود منها؛ إذ بدون ذلك يكون المهدي (ع) عاجزاً عن التطبيق العادل؛ لقلَّة المدة، فيكون الهدف الإلهي الأعلى مُنخرماً في نهاية المطاف، وهذا ما يستحيل تحقُّقه، وقد برهنَّا على عدم قيام المعجزات في مثل هذا الطريق.

إذن؛ فالضرورة قاضية ببقاء المهدي (ع) زماناً كافياً للتطبيق بشكل يكون قابلاً للبقاء والاستمرار بعده، فإذا التفتنا إلى التركات الثقيلة التي يُخلِّفها عصر الغيبة الكبرى إلى زمن الظهور، إلى حدٍّ أصبح المسلمون فيه على مستوى عصيان واضحات الإسلام، والاستهزاء بأساس الدين، فضلاً عن غير المسلمين، ونظرنا إلى أحوالهم الأخلاقية والاقتصادية، والنفسية والقانونية والاجتماعية المتدهورة إلى الحضيض، على ما نراه الآن جهاراً في وضح النهار، استطعنا - عند ذلك - أن نُخمِّن الجُهد العظيم الذي ينبغي أن يبذله المهدي (ع) في هذا العالم؛ لكي يُحوِّله من الجحيم إلى النعيم.

وهذا ما لا يتوفَّر بمُجرَّد فتح العالم والاستيلاء عليه، فإنَّ الأراضي يومئذ وإن أصبحت إسلامية وتحت حُكم الإسلام من الناحية الفقهية القانونية، إلاَّ أنَّ تربية تلك المجتمعات أمراً أعقد بكثير من مُجرَّد فتحها، فإنَّ الفتح إنَّما يكون مُقدِّمة لتربيتها، ولم يكن لأجل الأطماع أو مباشرة السلطة.

وإنَّما المهدي (ع) مسؤول عن ترسيخ العدل الكامل، بشكل له قابلية البقاء والاستمرار في المدى البعيد... وإن يوكِل ذلك بعده إلى أيدٍ أمينة مُخلصة.

ومعه؛ فمدَّة بقائه بالحياة، وبالتالي بالحُكم، مدَّة مناسبة لإنتاج ذلك.

وأمَّا إنَّ هذا المقدار من السنين كم عدده بالتحديد، فهذا لا يمكن أن تُسعفنا به القواعد العامة، بل ينبغي الفحص عنه في الأخبار الخاصة المـُتكفِّلة لبيان ذلك.

٤٣٢

وينبغي أن لا نستغرب من أن يكون زمن هذه المدَّة قليلاً نسبياً، فإنَّ مُهمَّته (ع) ممَّا لا يمكن أن تقوم بها الأفراد والجماعات في قرن كامل، وحَسْبُنا من هذا أنَّ البشرية لم تقم بهذه المـُهمَّة في تاريخها الطويل، على الإطلاق، ولكنَّه شخصياً لمدى قابليّاته وعلومه والتوفيق الإلهي المـُحالف له، بصفته المـُنفِّذ الأساسي للغرض الأعلى من البشرية، ولمدى قابليّات أصحابه، الذين هم القوَّاد والفقهاء والحُكَّام، على ما سمعنا من الروايات...

فيمكن أن نتصوَّر أنَّه يقوم بتلك المـُهمَّة في زمن قصير نسبياً، هو بالنسبة إلى غيره أقرب إلى الخيال منه إلى الواقع، ولكنَّه منه (ع) ليس ببعيد.

الجهة الثانية: في سرد الأخبار الدالَّة على مُدَّة مُلْكه، وهي أخبار كثيرة، ولكنَّها مُتضاربة في المضمون إلى حدٍّ كبير، حتى أوقع كثيراً من المؤلِّفين في الحيرة والذهول.

وهذه الروايات على نوعين، منها ما يدلُّ على بقاء المهدي (ع) في الحُكم عشر سنوات أو أقلِّ، ومضمونها المشترك هو الأشهر في الروايات، ومنها ما يدلُّ على بقائه (ع) أكثر من عشر سنين أو بكثير.

النوع الأول: ما دلَّ من الروايات على بقاء المهدي (ع) في الحُكم عشر سنوات فأقلّ، وهو موجود في الأغلب، في المصادر العامة، وبعض المصادر الخاصة.

أخرج أبو داود(1) ، بسنده إلى أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله (ص): ( المهدي منِّي... - إلى أن قال: - ويملك سبع سنين ).

وفي حديث آخر(2) ، عن أُمِّ سلمة عنه (ص) - يقول فيه -: (... فيلبث سبع سنين، ثمَّ يُتوفَّى ويُصلِّي عليه المسلمون ).

قال أبو داود: وقال بعضهم، عن هشام:تسع سنين. وقال بعضهم:سبع سنين.

وأخرج الترمذي(3) ، بسنده عن أبي سعيد الخدري، عن النبي (ص): ( إنَّ في أُمَّتي المهدي، يخرج يعيش خمساً أو سبعاً أو تسعاً، زيد

____________________

(1) السُّنن ج2 ص422.

(2) المصدر ج3 ص423.

(3) الجامع الصحيح ج3 ص343

٤٣٣

الشاكِّ ).

قلنا: وما ذاك؟

قال: ( سنين... ) الحديث.

قال الترمذي: هذا حديث حسن، وقد روي من غير وجه، عن أبي سعيد، عن النبي (ص).

وأخرج ابن ماجة(1) ، عن أبي سعيد الخدري، أنَّ النبي (ص) قال: ( يكون في أُمَّتي المهدي، إن قصر فسبع، وإلاَّ فتسع... ) الحديث.

وأخرج الحاكم في المستدرك(2) ، بسنده عن أبي سعيد الخدري، عن النبي (ص) - في حديث - ذكر فيه المهدي، فقال: ( يعيش فيهم سبع سنين أو ثمان أو تسع ) الحديث.

وأخرج في الينابيع(3) ، عن كتاب ( فضل الكوفة ) لمحمد بن علي العلوي، بسنده عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله (ص): ( يملك المهدي أمر الناس سبعاً أو عشراً... ) الحديث.

وقد وردت الأخبار وأمثالها، في سائر المصادر العامة التي تتحدَّث عن المهدي، كمسند أحمد، والحاوي للسيوطي، والبيان للكنجي، ومطالب السَّؤول لمحمد بن طلحة الشافعي، والفصول المـُهمَّة لأبن الصبَّاغ، ونور الأبصار للصبَّان، وغيرها.

وأمَّا من مصادر الإمامية، فهذا النوع الأول من الأخبار قليل فيها:

أخرج الشيخ في الغيبة(4) ، بسنده عن عبد الكريم الخثعمي، قال: قلت لأبي عبد الله (ع): كم يملك القائم؟

قال: ( سبع سنين، يكون سبعين سنة من سنيِّكم هذه ).

النوع الثاني: الروايات التي تزيد على العشر سنوات، في بيان مدَّة حُكم القائم المهدي (ع).

أخرج القندوزي في الينابيع، عن حذيفة بن اليمان، قال: قال رسول الله (ص):

____________________

(1) السُّنن ج2 ص1367.

(2) ج4ص465.

(3) ينابيع المودَّة ط النجف.

(4) ص520.

٤٣٤

( المهدي رجل من وُلْدي... - إلى أن قال: - يملك عشرين سنة ).

قال: أخرجه الروياني، والطبراني، وأبو نعيم، والديلمي في مسنده.

وأخرج أيضاً(1) ، نقلاً عن كتاب فرائد السمطين، عن أبي أمامة الباهلي، قال: قال رسول الله (ص) - في حديث -: ( المهدي من وُلْدي... يملك عشرين سنة ).

وأخرج السيوطي في الحاوي(2) ، عن نعيم بن حمَّاد، عن أرطاة، قال:يبقى المهدي أربعين عاماً.

وأخرج عنه بقية بن الوليد، قال:حياة المهدي ثلاثون سنة.

وأخرج عنه أيضاً، عن دينار بن دينار، قال:بقاء المهدي أربعون سنة.

وأخرج عن الزهري، قال:يعيش المهدي أربع عشر سنة، ثمَّ يموت موتاً.

وأخرج عنه، عن علي قال: ( يلي المهدي أمر الناس ثلاثين أو أربعين سنة ).

ومن المصادر الإمامية: أخرج الشيخ في الغيبة(3) ، بسنده عن جابر الجعفي، عن أبي جعفر الباقر (ع) - في حديث - قال: قلت: وكم يقوم القائم في عالمه؟

قال: ( تسع عشرة سنة... ) الحديث.

وأخرج النعماني(4) ، بسنده عن يونس بن رباط، قال: سمعت أبا عبد الله (ع) يقول:

____________________

(1) ص537.

(2) ص155 وكذلك الأخبار التي تليه.

(3) ص286.

(4) ص153.

٤٣٥

( إنَّ أهل الحق لم يزالوا منذ كانوا في شدَّة، أما إنَّ ذلك إلى مدَّة قريبة وعاقبة طويلة ).

وأخرج حديثاً آخر بنفس المضمون.

وأخرج أيضاً(1) ، بسنده عن ابن أبي يعفور، قال: قال أبو عبد الله (ع): ( مُلك القائم منَّا تسع عشرة سنة وأشهُر ). ونحوه حديث آخر.

وأخرج الطبرسي في إعلام الورى(2) ، عن عبد الكريم الخثعمي، قال: قلت لأبي عبد الله (ع): كم يملك القائم؟

قال: ( سبع سنين، يطول له الأيّام والليالي، حتى تكون السنة من سنيِّه مكان عشر سنين من سنيِّكم هذه، فيكون سنيِّ مُلكه سبعين سنة من سنيِّكم هذه... ) الحديث.

وأخرج الصدوق في إكمال الدين(3) ، بسنده عن عبد السلام بن صالح الهروي، عن علي بن موسى الرضا، عن آبائه، عن علي بن أبي طالب (ع) قال: ( قال رسول الله (ص) - في حديث طويل يتضمَّن كلاماً عن الله عزَّ وجلَّ يقول في آخره عن المهدي (ع) -: ( ولأنصرنَّه بجُندي ولأمدنَّه بملائكتي، حتى يُعلن دعوتي، ويجمع الخلق على توحيدي، ثمَّ لأُديمنَّ مُلكه، ولأُداولنَّ الأيَّام بين أوليائي إلى يوم القيامة ).

وأخرج الشيخ في الغيبة(4) ، بسنده عن أبي الجارود، قال: قال أبو جعفر (ع): ( إنَّ القائم يملك ثلاثمئة وتسع سنين، كما لبث أهل الكهف في كهفهم، يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما مُلئت ظلماً وجوراً... ) الحديث.

الجهة الثالثة: في تمحيص هذه الأخبار:

____________________

(1) ص181.

(2) ص432.

(3) انظر المصدر المخطوط.

(4) ص283.

٤٣٦

توجد حول هذه الأخبار عدَّة مُلاحظات:

المـُلاحظة الأُولى: أكثر الأخبار التي نقلناها عن السيوطي في النوع الثاني مرويّة عن غير المعصومين، كالزهري، ودينار بن دينار، فلا تكون قابلة للإثبات التاريخي.

المـُلاحظة الثانية: إنَّ ما دلَّ من الأخبار على أنَّ المـُدَّة طويلة بشكل غير مُحدَّد، إنَّما هو تحديد لمـُدَّة دولة المهدي ونظامه، لا لعمر شخص المهدي (ع) وحياته، كقوله: ( إلى مدَّة قريبة وعاقبة طويلة )، وكقوله: ( ولأُداولنَّ الأيَّام بين أوليائي إلى يوم القيامة )، ومعه؛ تخرج هذه المضامين عن نطاق ما نحتاجه الآن في الاستدلال.

المـُلاحظة الثالثة: ما دلَّ من هذا الأخبار على طول المدَّة بطريق إعجازي لا يمكن الأخذ به؛ لكونه مُخالفاً لقانون المعجزات، باعتبار أنَّ توطيد العدل لا يتوقَّف على مثل هذه المعجزة.

وقد نقلنا بهذا المضمون حديثين يدلاَّن على أنَّ المهدي (ع) يعيش سبع سنين تكون كسبعين سنة.

ومعه؛ فلا يمكن العمل بهذه الأخبار، ما لم يكن حمله على معنى رمزي سوف نُشير إليه بعد ذلك.

المـُلاحظة الرابعة: ما كان من الأخبار مُنفرداً في مضمونه، ولا دليل على صحَّته، ولا قرينة أخرى مؤيِّدة لمضمونه... لابدَّ من اعتباره غير قابل للإثبات التاريخي، في حدود منهجنا من هذا الكتاب.

يندرج في ذلك الخبر القائل: بأنَّه (ع) يبقى في الحُكم ثلاثمئة وتسع سنين.

المـُلاحظة الخامسة: يصفو لنا بعد هذا التمحيص أقسام ثلاثة من الروايات:

القسم الأول: أكثر روايات النوع الأول، وهي التي تُردِّد احتمال مدَّة حُكم المهدي (ع) بين خمسة أعوام وسبعة وتسعة وعشرة.

القسم الثاني: ما دلَّ من الأخبار على بقاء حُكم المهدي تسع عشرة سنة، فإنَّها روايات ثلاث مُتعاضدة، في بعضها: تسع عشرة سنة وأشهُر.

القسم الثالث: ما دلَّ من الأخبار على بقائه عشرين سنة، فإنَّ فيه خبرين روتهما عدد من المصادر العامة كما سمعنا.

وإذا أمكن إرجاع التسعة عشر والعشرين إلى مدَّة تقريبية واحدة - كما هو الأرجح -

٤٣٧

كان القسمان الأخيران قسماً واحداً تدلُّ على صحَّته خمس روايات.

ومعه؛ يكون التحديد بين مدَّتين تقريبيتين: إحداهما بين الخمس والعشر، والأخرى بين التسع عشرة والعشرين.

هذا، ولا يبعُد أن تكون المدَّة التقريبية الأُولى أقرب إلى الصحَّة؛ باعتبارها الأشهر بين الروايات؛ على أنَّ الأمر ليس ذا أهمِّية بالغة، بعد الاطِّلاع على المفهوم العام الذي عرفناه في الجهة الأُولى، والتي لا تعدو هذه الأخبار أن تكون مصاديق له ومن تطبيقاته.

الجهة الرابعة: إنَّه بعد التمحيص الذي قلناه، لا حاجة لنا إلى الأخذ بأقوال الآخرين، في تمحيص هذه الأخبار، ولكن يحسن بنا في هذا الصدد أن نحمل فكرة عن الاتجاهات الرئيسية حول ذلك، وتتلخَّص في اتجاهين:

الاتجاه الأول: اتجاه الأخذ بالجانب المشهور من الروايات، وهو الذي رجَّحناه، وقد اختاره السيد ( الصدر ) في كتاب المهدي(1) - على ما في ظاهر عبارته - بعد الذهاب إلى أنَّ السبع سنين هو الأشهر.

وهو الذي ذهب إليه أيضاً أبو الحسن الآبري، حين قال: قد تواترت الأخبار واستفاضت بكثرة رواتها عن المصطفى (ص) بخروجه، وأنَّه من أهل بيته، وأنَّه يملك سبع سنين... الخ(2) .

أقول: ولا شكَّ أنَّ الروايات الواردة حول قضيَّة المهدي (ع) متواترة، بل تفوق التواتر بكثير... حتى إنَّ أكثر من (حقل) من حقولها يمكن أن يكون متواتراً بحياله، إلاَّ أنَّ أخبار بقائه في الحُكم سبع سنين بالتعيين لا تصل إلى حدِّ التواتر، على أنَّها معارضة بروايات عديدة تُعطي أرقاماً أُخرى غير السبع... كما سمعنا.

وهذا الاتجاه هو الذي اختاره ابن عربي في الفتوحات(3) ، حيث قال: اعلم - أيَّدنا الله - أنَّ لله خليفة يخرج وقد امتلأت الأرض جوراً وظلماً، فيملؤها قسطاً وعدلاً... - إلى أن قال: - يعيش خمساً أو سبعاً أو تسعاً، يقفو أثر رسول الله (ص) لا يخطى... الخ كلامه.

____________________

(1) ص 234.

(2) انظر الصواعق المـُحرِقة لابن حجر ص99.

(3) ص327 ج3.

٤٣٨

الاتجاه الثاني: قول مَن يذهب إلى قبول كل الروايات، مع الالتزام بأنَّها تُعرب عن مراحل مُتعدِّدة من حياة المهدي وحكمه بعد ظهوره.

وهذا ما ذهب إليه جماعة منهم: السفاريني في لوائح الأنوار البهية، حيث يقول(1) : ويمكن الجمع - على تقدير صحَّة الكل - بأنَّ مُلكه مُتفاوت الظهور والقوَّة، فيحمل الأكثر باعتبار جميع مدَّة المـُلك، منذ البيعة، والأقل على غاية الظهور، والأوسط على الأوسط.

أقول: وهذا يعني أنَّ المهدي (ع) يبقى فاشلاً سنوات طويلة، فإنَّنا لو عطفنا رواية الخمس سنوات على رواية الأربعين عاماً... أنتج أنَّ المهدي يعيش خمساً وثلاثين عاماً من الفشل، وأمَّا لو أخذنا برواية الثلاثمئة والتسع سنين، كانت مدَّة الفشل أكبر أن تُقاس بمدَّة الحُكم والسيطرة، وهذا لا معنى له تماماً في المهدي الموعود المـُطبِّق للغرض، إلاَّ على مَن خَلَق البشرية.

ونقله في الإشاعة(2) ، عن ابن حجر في القول المـُختصر، وذكر تأييد ذلك بعدَّة أمور، نذكر منها ثلاثة:

الأمر الأول: أنَّ اللائق بكرم الله تعالى أن يكون مدَّة العدل، قدر ما ينسون فيه الظلم والفتن، والسبع والتسع أقلَّ من ذلك.

الأمر الثاني: أنَّه (ع) يفتح الدنيا كلَّها، كما فتحها ذو القرنين وسليمان، ويدخل جميع الآفاق، كما في بعض الروايات، ويبني المساجد في سائر البلدان، ويجلي بيت المقدس، ولا شكَّ أنَّ مدَّة التسع فما دونها، لا يمكن أن يُساح فيها ربع أو خمس المعمورة، فضلاً عن الجهاد وتجهيز العساكر، وترتيب الجيوش، وبناء المساجد وغيرها.

الأمر الثالث: أنَّه ورد أنَّ الأعمار تطول في زمنه، كما في سيرته، وطولها فيه مُستلزم لطوله، وإلاَّ لا يكون طولها في زمنه.

ويحسن بنا أن نُناقش هذه الأمور الثلاثة مُختصراً.

أمَّا الأمر الأول، فهو صحيح والتفات لطيف، غير أنَّه لا يعود إلى شخص المهدي (ع)،

____________________

(1) ج2 ص 72.

(2) ص105 وما بعدها.

٤٣٩

بل إلى بقاء نظامه ودولته، وسيأتي في الباب التالي أنَّ مُجرَّد نسيان الأُمَّة للظلم والجور غير كافٍ في الإيمان بطول مدَّة الدولة المهدوية، وإن كان في نفسه أمراً صحيحاً، بل هناك فكرة نظرية سنعرضها بعد ذلك، تقتضي الالتزام بطولة مدَّة هذه الدولة أكثر من ذلك بكثير.

وأمَّا الأمر الثاني، فقد عرفنا فيما سبق أنَّه منطقي جدَّاً بالنسبة إلى تصوُّرات الحرب بالأسلوب القديم، وليس منطقياً أصلاً من خلال تصوُّرات الحرب الحديثة، وضمانات انتصار المهدي (ع).

وينبغي أن نلتفت إلى أنَّ المهدي سيفتح الدنيا أكثر ممَّا فتحها ذو القرنين وسليمان، فإنَّ مُلك ذي القرنين يُمثِّل(شريطاً) على الأرض، يبدأ باليونان وينتهي بجنوب شرق آسيا، وأمَّا مُلك سليمان فهو لا يعدو فلسطين نفسها، فإنَّه وحَّد بين دولتي اليهود: إسرائيل، ويهودا، وحكمهما بشريعة إلهية صحيحة، ولم يخرج مُلكه عن هذا النطاق.

وأمَّا المهدي (ع)، فقد تمَّ البرهان على أنَّه يحكم الدنيا كلَّها، وتدخل البشرية كلها تحت سيطرته.

وأمَّا الأمر الثالث، فهو أيضاً راجع إلى زمن نظامه ودولته، لا إلى زمن حياته الشخصية، فإنَّ طول الأعمار ناتج عن الراحة والاطمئنان النفسي، الناتج عن جوِّ العدل العالمي والأخوَّة البشرية الكاملة، وقد عرفنا - وسنعرف - أنَّ النظام العادل غير منحصر في زمن المهدي (ع)، بل سيبقى بعده إلى نهاية البشرية.

إذن؛ فهذه الأمور لا تصلح دليلاً على طول عمر المهدي (ع) بشخصه، بعد أن عرفنا أنَّ مُهمَّته الشخصية تأسيس المجتمع البشري، القابل للبقاء والتكامل إلى البشرية، وهذا ما يحدث، ضمن إمكانيَّاته، في زمن قصير، يمكن أن يكون خمس أو سبع أو تسع سنين.

٤٤٠