موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ ما بعد الظهور) الجزء ٣

موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ ما بعد الظهور)0%

موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ ما بعد الظهور) مؤلف:
الناشر: دار الزهراء (عليها السلام)
تصنيف: الإمام المهدي عجّل الله فرجه الشريف
الصفحات: 679

موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ ما بعد الظهور)

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشهيد السيد محمد محمد صادق الصدر
الناشر: دار الزهراء (عليها السلام)
تصنيف: الصفحات: 679
المشاهدات: 188671
تحميل: 8739


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 3
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 679 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 188671 / تحميل: 8739
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ ما بعد الظهور)

موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ ما بعد الظهور) الجزء 3

مؤلف:
الناشر: دار الزهراء (عليها السلام)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

والمـُعتقَد أنَّ هذا صحيح بالنسبة قضاء آدم وإبراهيم، وأمَّا قضاء داود، فقد دلَّ عدد من الروايات التي سوف تأتي على استمرار المهدي على ذلك، ولا أقلَّ من كونه مُخيَّراً - باستمرار - بينه وبين قواعد القضاء الاعتيادية، وهذا ما سوف نبحثه في محلِّه من هذا الكتاب.

الأمر الثامن: أنَّ أهمَّ ما يبدو للناظر من فوائد هذا التمحيص ما يلي:

أولاً: ربط الدعوة المهدوية بخطِّ الأنبياء ككل، حيث يكون من حقِّ المهدي (ع) أن يقضي بأيِّ أُسلوب قضائي سار عليه نبي من الأنبياء السابقين، لوجود الارتباط العضوي بين حلقات هذا التسلسل العام، المـُنتهي بالمهدي نفسه، وقد أشرنا أنَّه من هذه الجهة، يُلقَّب ببقيَّة الله في الأرض.

وهذا مُبرهَن الصحَّة، كما سبق أن عرفنا، غير أنَّ المهدي (ع) يُقيم الآن دليلاً حسِّياً على ذلك.

ثانياً: إثبات سعة علم المهدي (ع) واطِّلاعه على أساليب القضاء التي كان يتَّخذها الأنبياء السابقون... أعني إقامة رقم حسِّي على ذلك.

ثالثاً: تربية الأُمَّة والبشرية على أساس قبول آراء المهدي وقوانينه وعدله العام بدون مناقشة؛ لأنَّ منها ما يتوقَّف على عدم اطِّلاع الأفراد على أسبابه، بل يجب الأخذ بشكل تعبُّدي محض، وإلاَّ لم يكن سبباً كاملاً للتربية المطلوبة.

ولذا؛ نجد المهدي - كما تدلُّ عليه الرواية - يترك الإعلان عن هويَّة القضاء الذي يقضيه فترة من الزمن ريثما يتعيَّن مَن يقبله ممَّن يرفضه، وبعد أن يتمَّ القضاء على عناصر الاحتجاج والاستنكار، يكون التمحيص قد تمَّ، فتنفتح فرصة واسعة أمام المهدي، للإعلان عن هويَّة هذا الأسلوب القضائي الذي سار عليه أو ذاك، وبعد الإعلان تنتج الفائدتان الأوليتان.

الأمر التاسع: في قابلية هذه الرواية الدالَّة على تعدُّد أساليب قضاء المهدي للإثبات التاريخي، والظاهر أنَّها الرواية الوحيدة الدالَّة على ذلك، في حدود علمنا، فيكون البناء على صدقها وصحَّتها، مُتفرَّعاً على قابليتها للإثبات التاريخي وقابليتها للإثبات مُتفرِّعة على وثاقة رواتها.

هذا، وقد نقلها صاحب البحار عن كتاب الغيبة للسيد علي بن عبد الحميد، وأحال

٥٢١

السند على ذلك الكتاب، فأصبح الرواة مجهولين بالنسبة إلينا، فلا تكون قابلة للإثبات، وإن كانت قريبة من الوجدان على أيِّ حال، بل ضرورية إذا كان هذا الأسلوب من التمحيص، ممَّا تتوقَّف عليه تربية المجتمع في التخطيط الآخر للظهور.

وبهذا يتمُّ الحديث عن المنشأ الثالث للتمحيص.

المنشأ الرابع للتمحيص: اتِّخاذ الإمام المهدي موقفاً جديَّاً تجاه تصرفُّات أصحابه، الذين وزَّعهم حكَّاماً على أقاليم العالم، فإنَّهم بعد توزيعهم هذا سيكونون محلَّ عناية وتركيز ومراقبة من قِبَل القائد المهدي (ع) لكي يكونوا جدِّيين في تطبيق العدل، صارمين في الحق، مُستمرِّين في الحفَّاظ على مستوى المسؤولية العُلْيا التي أُنيطت بهم، وهي مسؤولية ليست سهلة بل هي مُهدِّدة بالزلل والفساد لأقل طمع أو جشع، كما هي مُهدَّدة بالانحراف في التطبيق لأقلِّ نسيان أو خطأ.

ومن هنا ورد عن المهدي (ع) كونه ( شديداً على العمَّال ).

أخرج السيوطي في الحاوي(1) ، وابن طاووس في الملاحم والفتن(2) وغيرهما، عن نعيم بن حمَّاد في كتابه الفتن، بسنده عن طاوس قال - بلفظ السيوطي -:

علامة المهدي أن يكون شديداً على العمَّال، جواداً بالمال، رحيماً بالمساكين.

وبلفظ ابن طاوس: المهدي سمح بالمال، شديد على العمَّال، رحيم بالمساكين.

والعامل في اصطلاح أرباب السياسة: الرئيس، والوالي، ومَن تولَّى إيالةً(3) ، فالعمَّال - في الحديث - هم ولاة المهدي في العالم، ولا يُراد بالعامل مَن يعمل بيده أو في معمل بدليل قوله: رحيماً بالمساكين، فإنَّ العامل بهذا المعنى من المساكين وضعاف الحال، فيكون المهدي رحيماً به لا شديداً عليه.

وإنَّما شدَّته على عمَّاله، أعني الحكَّام الموزَّعين في أقاليم الأرض، من أجل أهمِّيَّة تطبيق العدل، ومراقبتهم لئلا يحصل تسامح أو انحراف فيهم.

____________________

(1) ج2 ص150.

(2) ص137.

(3) انظر القرب الموارد، مادَّة: عمل.

٥٢٢

وهذا ما يؤكِّده - أيضاً - الخبر الذي سمعناه في هذا الفصل عن البحار عن المفضل بن عمرو، حيث نستطيع أن نفهم منه هذا التسلسل الفكري:

أنَّ أصحاب الإمام (ع)، خلال حكمهم على العالم، سيُمارسون نشاطهم الاعتيادي، من خلال ما يعرفونه من أحكام، وما يتوصَّلون إليه من أساليب، وما يتلقُّونه من تعاليم، وما يحتوون عليه من قابليات، ويبقون على ذلك، بُرهةً من الزمن لا تُحدِّدها الرواية.

وهذه الممارسة هي في حقيقتها من أعظم التجارب والتمحيصات المتوجِّهة إليهم، إلى حدٍّ من الممكن القول: بأنَّهم لم يسبق لهم أن عاشوا مثل هذا التمحيص الكبير... بالرغم من مرورهم بالتمحيص السابق على الظهور، وبفترة الفتح العالمي، واجتيازهم كل ذلك بنجاح مُنقطع النظير.

وخلال هذه البُرهة، تبدأ - بالتدريج - نقاط ضعفهم بالظهور، ويتجلَّى اختلاف قابليَّاتهم في الإدارة وتطبيق العدل بشكل واضح، إلى حدٍّ يُصبح العدل العالمي ككل مُعرَّضاً للخطر، لو استمرَّ الوضع على ما هو عليه.

فيأتي ذلك اليوم القريب الذي يجمعهم الإمام المهدي (ع) من أطراف العالم، ويعمل لهم مؤتمراً عاماً، فيُخرج لهم من قبائه كتاباً مختوماً بخاتم من ذهب، عهدٌ معهود من رسول الله (ص) - كما تقول الرواية - فيُطلعهم عليه، والرواية لا تُشير إلى مضمون هذا العهد؛ لأنَّ التصريح به فوق مستوى الذهنية العامة لعصر صدور النص، إلاَّ أنَّه من المؤكَّد أنَّه سوف يكون مُضاعفاً للمسؤولية عليهم، مؤكِّداً لهم وجوب الالتزام بالعدل بشكل دقيق لا تسامح فيه، وبذلك تُصبح نقاط ضعفهم التي مارسوها خلال نشاطهم العالمي، واضحةً للعيان.

تقول الرواية: فيجفلون عنه إجفال النعم... يهربون عنه ولا يقبلون بمضمون هذا العهد، وبذلك يفشلون في هذا التمحيص فشلاً ذريعاً، بالرغم من أنَّهم نجحوا في كل التمحصيات السابقة.

وسيكون الفاشلون أكثر أصحابه خاصة؛ إذ لا يبقى منهم إلاَّ اثني عشر نفر منهم، يتَّخذون جانب طاعة الإمام المهدي والالتزام بعهوده وتعاليمه، فيكون العصاة عليه ثلاثمئة شخص وواحد، وهم الباقي بعد الطرح اثني عشر من ثلاثمئة وثلاثة عشر.

وليتهم إذ يهربون منه، يكتفون بترك المجتمع، أو الانصراف إلى العبادة، أو الأعمال الخيرية الصغيرة، لكنَّهم يجولون في الأرض طلباً للناصرين لهم والمدافعين عنهم.

٥٢٣

ليكونوا جبهة معارضة ضدَّ الإمام (ع)، أو بما ينوون مُناجزته القتال إذا استطاعوا.

ولكنَّهم سيفشلون في مُهمَّتهم فَشَلاً ذريعاً؛ لأنَّ عدل المهدي وهيبته وصحَّة عقيدته وقانونه، يكون قد سبقهم إلى كل القلوب والعقول، فلم يبقَ في العالم أحد إلاَّ تابع المهدي إيماناً أو خوفاً أو طمعاً، تماماً كما نطقت به بعض الأخبار، فيتفرَّق عنهم الناس، بعد أن يعرفوا مقاصدهم المـُنحرفة، ولا يستطيع هؤلاء أن يجدوا في البشرية مؤيِّداً ولا ناصراً.

وتمضي خلال ذلك مدَّة، يُقرِّرون في نهايتها الرجوع إلى المهدي للاعتذار منه، وتخليص أنفسهم من عقوبته، ولكن هيهات ولات حين مناص بعد الفشل الذريع، إنَّهم الآن مُستحقُّون للقتل في منطق الدولة المهدوية، ومن هنا سيواجههم الإمام القائد بكلام مُعيَّن، يأبى الحديث الشريف عن التصريح بمضمونه، تكون نتيجته أنَّ هؤلاء الناس يكفرون بالمهدي يعني يُنكرون مهدويَّته وصدقه، ولا بدَّ أنَّه عندئذ يأمر بقتلهم جميعاً.

وإلى هنا تنتهي الحادثة التي يُعرب عنها هذا الحديث، وهو أمر مُحتمل تماماً، بحسب ما أعطيناها من الفهم العام للدولة المهدوية وللتمحيصات العامة، وخاصة تلك التي تكون في التخطيط اللاحق للظهور.

وعلى أيِّ حال، فلن ينجو من الفشل في هذا التمحيص إلاَّ اثني عشر فرداً، يبدو أنَّهم يُمثِّلون الحكومة المركزية في العالم، أعني أنَّهم كانوا يعملون إلى جانب الإمام المهدي نفسه، وليسوا مُتفرِّقين في العالم، وذلك بمُرجِّحين:

المرجِّح الأول: أنَّ فيهم الوزير حيث تقول الرواية: الوزير وأحد عشر نقيباً.

والوزير يعمل إلى جنب الملك أو الرئيس عادة، وهو في الدولة القديمة بمنزلة رئيس الوزراء في الدولة الحديثة، كما عرفنا.

المرجِّح الثاني: إنَّ هؤلاء النفر القليل - أفضل في الإخلاص وقوَّة الإرادة أساساً - من أولئك المرتدِّين العديدين، بدليل نجاحهم وفشل أولئك، والنجاح لا ينتج إلاَّ من عمق الإيمان.

ومن الطبيعي أن نفترض أنَّ المهدي - من أول الأمر - يختار حكومته المركزية من أفضل هؤلاء الثلاثمئة والثلاثة عشر، فيستبقي عنده اثني عشر منهم، ويُفرِّق الباقي في البلدان، فيكون هؤلاء الاثنا عشر أفضل من الجميع، فيتيسَّر لهم النجاح في هذا

٥٢٤

التمحيص. وهم باعتبار قربهم من قائدهم، ومركزية وجودهم يكونون أكثر استيعاباً وفَهْماً لموقف المهدي وآرائه، وللمصالح العالمية ككل؛ ومن هنا يكونون أقرب للنجاح في التمحيص من هذه الجهة.

هذا، ولكنَّ هذه الرواية الدالة على هذا التمحيص لا تخلو من بعض المناقشات:

المـُناقشة الأُولى: إنَّ هذا الحديث الشريف وحده غير كافٍ في الإثبات التاريخي، بحسب الموازين التي اتبعناها في هذا البحث التاريخي.

والقرائن العامة التي فهمناها وضممناها إليه... وإن كانت مؤيِّدة لمضمونه، إلاَّ أنَّها في الحقيقة، تؤيِّد إمكان وقوع ذلك، لا أنَّها تؤيِّد إثبات الوقوع، وفرق كبير ما بين هذين الأمرين.

المناقشة الثانية: إنَّنا لو غضضنا النظر عن الأسلوب الإعجازي، الذي عرفنا أن الدعوة الإلهية لا تقوم عليه على طول الخطِّ... فإنَّنا يمكن أن نقول: إنَّ ارتداد هؤلاء لا يُشكِّل نقصاً ذريعاً في المؤهَّلين لإدارة العالم، فإن كان هؤلاء الذين تمخَّض عنهم تاريخ البشرية في خطِّها الطويل، لأجل نصرة الإمام المهدي طبقاً لتخطيط ما قبل الظهور، إن كان هؤلاء لم يستطيعوا الاستقامة، ولم تثبت أهليَّتهم الكاملة لمـُمارسة الحُكم، فمن أين يأتي الإمام بغيرهم في تلك العجالة، ولمَّا يمرُّ بعدُ على البشرية زمان كافٍ للتربية والتكامل، بحيث يكون الحكَّام الجُدد أفضل بدرجات كبيرة وواضحة من هؤلاء المـُخلصين والمـُمحَّصين، إنَّ ذلك – بعد إسقاط الأسلوب الإعجازي عن النظر - أمر في غاية البُعد، فإذا التفتنا إلى سياق الحديث، نشعر بأنَّهم سوف لن يُمارسوا الحُكم في الدولة المهدوية طويلاً، بل قد لا يعدو حكمهم عدَّة أشهُر، هذا ما تعضده القرائن، فإنَّ انكشاف نقاط ضعف تكفي فيه هذه المدَّة بشكل واضح، فالمدَّة كافية لفشل هؤلاء، ولكنَّها غير كافية لإيجاد بديل أفضل منهم، يسدُّ الفراغ الكبير الذي سوف يُحدثه ارتدادهم.

وحيث ينعدم البديل، يستبعد زوال هؤلاء عن كراسي الحُكم؛ لأنَّه سوف يؤدِّي إلى الإخلال بالدولة العالمية وأهدافها الكبيرة.

المناقشة الثالثة: إنَّ الإمام المهدي يُقيم الحجَّة على صدقه لأول مرَّة، عند

٥٢٥

ظهوره لخاصة أصحابه الذين يُبايعونه في المسجد الحرام، ويرافقونه إلى العراق، وهؤلاء هم الذين يفترض بهم أن يكفروا به بعد هذا الزمن المـُتطاول والجهاد المـُتواصل... بعد أن أضحت الحجَّة على صدق المهدي (ع) مُعلنة على البشر أجمعين، وواضحة لكل فرد وضوح الشمس، وقد شارك هؤلاء أنفسهم في إعلانها وترسيخها في المجتمع، على أوسع نطاق.

وإنَّ أهمَّ حجَّة على الإطلاق يمكن للمهدي (ع) أن يُقيمها هو فتحه للعالم كله، وتطبيقه للعدل فيه، فإنَّنا لا نعني بالمهدي إلاَّ الشخص الذي يعمل هذا العمل ويؤسِّس هذه النتيجة الكبرى، بإجماع علماء المسلمين، بل بإجماع أهل الأديان.

وإنَّ أيَّ تشكيك يمكن أن يرجف به المرجفون في المعجزات الوقتية، التي يُقيمها المهدي (ع) كحجَّة على صدقه، كالذي قيل ضدَّ بني الإسلام (ص): بأنَّه كاهن، أو ساحر. غير أنَّ الفتح العالمي واستتباب الدولة العالمية، دليل لا يمكن أن يرقى إليه شكٌّ.

وإنَّ أهمَّ مَن يعرف ذلك ويفهمه بعمق من البشر المعاصرين لذلك العهد، هم هؤلاء الخاصة المـُخلصين المـُمحَّصون، فكيف يمكن أن نتصوَّر منهم أنَّهم يكفرون به ويرتدُّون عن الإيمان بمهدويَّته؟!

المناقشة الرابعة: إنَّنا سبق أن ذكرنا في تاريخ الغيبة الكبرى(1) أنَّ احتجاب الإمام المهدي (ع) خلال غيبته الكبرى، مهما كان دقيقاً شاملاً، إلاَّ أنَّ الفرد إذا وصل في تربيته وتمحيصه إلى درجة مُعيَّنة عالية من الإيمان، فأصبح له من المـُخلصين الكاملين، كان له أن يرى الإمام، ولا دليل على أنَّه (ع) يحتجب عن مثل هذا المستوى الرفيع من المؤمنين.

وهناك من الأخبار ما يدلُّ على مرافقة المهدي (ع) لجماعة من الناس، مع معرفتهم بحقيقة الغيبة الكبرى، وأنَّ عدداً من الناس ممَّن كانوا يُشاهدونه خلال ذلك، كانوا يعرفونه حين يُصادفونه بعد ذلك.

إذاً؛ فهؤلاء المـُخلصون المـُعاصرون للظهور، كانوا يعرفون الإمام المهدي (ع) خلال غيبته، وربَّما كان بعضهم مُتَّصلاً به ومعاشراً له، فمثل هؤلاء يكونون مُطَّلعين على حقيقة المهدي (ع) منذ غيبته، وقد سمعنا غير بعيد، احتمال أنَّ الإمام (ع) يخصُّهم خلال ذلك بالتعاليم التي تؤهِّلهم لتولِّي مسؤولياتهم الجسيمة بعد الظهور.

____________________

(1) انظر ص150 وما بعدها إلى عدَّة صفحات.

٥٢٦

إذاً؛ فهؤلاء الخاصة على يقين بأنَّ هذا الشخص بعينه هو المهدي المـُنتظر منذ غيبته، فضلاً عن عصر ظهوره؛ ومعه فمن غير المـُحتمل أن يخطر على بالهم التشكيك بمهدويَّته.

ومع وجود هذه المناقشات وغيرها، يُكمننا أن نطمئنَّ تماماً على استقامة هؤلاء الخاصة خلال مُمارستهم الحُكم والقضاء في دولة العدل العالمية، وخاصَّة بعد أن عرفنا أنَّ أسلوب الإمام القائد (ع)، هو تعاهدهم بالتوجيه والرعاية والإصلاح.

ومعه؛ لا يكون مضمون هذا الخبر الدال على ارتدادهم، قابلاً للإثبات التاريخي.

الجهة الرابعة: في تمحيص الإمام المهدي (ع) للأُمَّة ككل.

والأُمَّة الإسلامية تُشكِّل يومئذ أكثرية البشر، إن لم يكن جميعها، والدولة الإسلامية المهدوية مُسيطرة على العالم كله بطبيعة الحال.

والفرد الاعتيادي فيها يواجه عدَّة مستويات من التمحيص، بحسب ما يُدركه الباحث على الظهور.

المستوى الأول: التمحيص تجاه عواطف الفرد وغرائزه وشهواته.

فإنَّ الإنسان خلال الحُكم العادل، لا يتحوَّل عمَّا خُلق عليه من الميول والغرائز، وما رُكِّب فيه من الشهوات، بل يبقى إنساناً بماله من عقل وفكر، وغرائز وميول، وقصارى ما يُقدِّمه التشريع العادل، هو أن يُنظِّم له متطلَّبات هذه الجهات، بحيث يضمن له التوازن بينها أولاً، والتكامل المـُستمرَّ ثانياً.

كما أنَّ قصارى ما تُقدِّمه الدولة العادلة، هو أن تفتح له فرص هذا التوازن والتكامل على مصراعيها، اجتماعياً واقتصادياً، ونفسياً وفكرياً.

وأمَّا الأخذ بزمام المبادرة إلى التحكُّم في الغرائز المنطلقة وكبح جماحها، وتطبيق مفاهيم الفضيلة والعدل عليها، أو تطبيقها على هذه المفاهيم... فهو موكول إلى الفرد نفسه على طول الخطِّ، بحسب منطق الدعوة الإلهية، لا يختلف ما قبل الظهور عمَّا بعده في ذلك.

إذاً؛ فالفرد يواجه هذه المسؤولية على طول الخطِّ، وهي تُشكِّل تمحيصاً مُهمَّاً بالنسبة إليه، حيث تُقاس تصرُّفاته وردود فعله، تجاه مُتطلَّبات عواطفه وشهواته المـُنحرفة! فبمقدار ما يمكنه أن يُطبِّق عليها المنهج العادل في التوازن والتكامل، يكون ناجحاً في التمحيص، ومهما قصر في ذلك استطاعت شهواته السيطرة على سلوكه وتفكيره، وأعاقت سيره نحو الكمال، كان فاشلاً في التمحيص.

٥٢٧

المستوى الثاني: المـُشاركة في تطبيق العدل الكامل.

فإنَّ العدل الكامل يتوقَّف على تجاوب وتعاطف بين الدولة والأفراد من ناحية، وبين الأفراد أنفسهم من ناحية أخرى، وعلى إطاعة كاملة وتطبيق حقيقي للتشريع العادل، على كل المستويات؛ لكي يكون لكل فرد في الدولة والمجتمع شرف المشاركة في إنجاح التجربة العادلة الكبرى، وفي جعل البشرية جمعاء في طريق التكامل الحقيقي والسعادة الكاملة، التي يهدف إليها تخطيط ما بعد الظهور.

وإنَّ أيَّ تقصير أو تخلُّف - مهما كان بسيطاً - سوف يكون عاملاً عكسياً هدَّاماً في هذا التخطيط المـُقدَّس، وهذا الهدف العظيم، ويُعتبر انحرافاً مُهمَّاً، وفشلاً ذريعاً في التمحيص، قال الله تعالى:

( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ) (1) .

إذاً؛ فالكفر والتمرُّد على مُتطلَّبات العدل بعد تنفيذ هذا الوعد وإقامة الدولة العالمية العادلة، أمر يُمثِّل أقصى الخسَّة والانحطاط.

والدولة - بطبيعة الحال - تُساعد بكل اهتمام، في إيجاد الظروف الملائمة لتطبيق هذه المسؤوليات، على ما سنسمع في الفصل الآتي الخاص بأسلوب تربية الأُمَّة.

وفي مثل ذلك، يكون الأخذ بزمام المـُبادرة إلى الطاعة وتطبيق العدل، من قِبَل الفرد سهلاً إلى حدٍّ كبير؛ ومن هنا تكون بوادر الانحراف والتمرُّد على هذه المسؤوليات من أعظم الجرائم وأكبرها، ولا يكون العقاب بالقتل عقاباً مُجحفاً.

المستوى الثالث: التسليم بكل ما يقوم به الإمام المهدي (ع) من أفعال وأقوال، والاعتقاد بكونه هو الحق الصحيح، وعدم الاستماع إلى الإرجاف الذي قد يحصل حول ذلك، مهما كان فعله (ع) مُلفتاً للنظر وغير معروف المصلحة؛ لأنَّ هذا التسليم هو الذي يُمكِّن المهدي (ع) من تربية الأُمَّة والبشرية تربية كاملة

____________________

(1) النور / 55.

٥٢٨

ومُستمرَّة، ووضع الأُسس التربوية التي يتبعها الحكَّام العالميون، الذين يُمارسون الحُكم بعده، بعد وضوح أنَّه هو الشخص الوحيد المـُسدَّد من قِبَل الحكيم المطلق تعالى، في معرفة الحقائق والمصالح والأحكام.

والأخبار التي رويناها في الجهة الأُولى من هذا الفصل، حين تتعرَّض إلى صور التمحيص، يمكننا فهمها على أساس هذه المستويات الثلاثة.

فأخبار قضاء الإمام المهدي (ع) بأساليب الأنبياء السابقين، تتعرَّض إلى التمحيص، على الأساس الثالث، لوجوب التسليم بالقضاء الذي يتَّخذه المهدي (ع) على كل تقدير.

وكذلك هؤلاء الخاصة الذين يجفلون عنه إجفال النعم - لو تمَّ الخبر - فإنَّهم نجحوا في التمحيص بالمستويين ( الأول والثاني )، وفشلوا في المستوى الثالث، وقد عرفنا تفصيله.

أمَّا امتحان أصحاب طالوت، وتطبيقها على أصحاب الإمام المهدي (ع)، فإنَّ القسم الأول منهم إن كانوا نجحوا بالمستوى الأول، فإنَّهم فشلوا في المستوى الثاني والثالث، فإنَّه كان اللازم الالتزام بكلام قائدهم بدون مناقشة للوصول إلى الخير والسعادة، بل إنَّهم لم ينجحوا حتى في المستوى الأول؛ لأنَّهم قدَّموا مصالحهم الحياتية على تطبيق التشريع العادل.

وأمَّا القسم الثالث من أصحابه، فقد نجحوا نجاحاً كاملاً في كل المستويات، فأصبحوا من الخاصة المؤمنين، الذين نصر الله تعالى بهم دعوته العامة.

وكذلك سيمرُّ أصحاب الإمام (ع) بالتمحيص، وستتعدَّد مستويات النجاح بالنسبة إليهم، مع فرق مُهمٍّ بينهم وبين أصحاب طالوت في فَهْم المستوى الثاني للتمحيص، فإنَّ أصحاب الإمام يتحمَّلون مسؤولية تطبيق العدل المطلق، وأصحاب طالوت يتحمَّلون مسؤولية تطبيق مرحلة من العدل، تُناسب المستوى الذي عاصروه من تطوُّر البشرية.

ولن يكون الامتحان الذي يمرُّ به أصحاب الإمام تماماً كذلك الامتحان بكل

٥٢٩

حوادثه، وإنَّما تُشير الرواية إلى وجود تمحيصات لهم، لم تُشِرْ إلى هويَّتها، وإنَّما مثَّلت لها تمثيلاً، وقد شرحتها الروايات الأخرى بوضوح.

وأمَّا قوله في الحديث الآخر: ( إذا خرج القائم، خرج من هذا الأمر مَن كان يرى أنَّه من أهله، ودخل فيه شِبه عَبدة الشمس والقمر... )، فهو بالرغم من كونه خبراً مُرسلاً لا يصلح للإثبات، غير أنَّنا لو لاحظناه على ضوء مجموع الفَهم الذي أعطيناه لتمحيص الأُمَّة، يُصبح فَهمه أمراً طبيعياً وسهلاً، بل يمكن الوثوق بصحَّة الحديث، على ضوء هذه القرائن العامة.

فإنَّ ذلك يُعتبر من النتائج الرئيسية للتمحيصات السارية المفعول في تخطيط ما بعد الظهور، فبينما يكون جماعة من المـُتديِّنين بالحق، نجدهم يخرجون من عقيدتهم وينحرفون انحرافاً شنيعاً... بينما نرى قوماً آخرين ربَّما يكونون أكثر عدداً وأكبر عدَّة، يكون واقعهم قائماً على الإلحاد والمادِّية أو التسيُّب واللا مُبالاة، ( شِبه عبدة الشمس والقمر ) يؤمنون بالمهدي (ع) ويحسن إيمانهم؛ نتيجةً لوضوح الحجَّة التي يُعلنها (ع)، وجمال العدل والسعادة التي تعمُّ دولته العالمية، وإذا كان المادِّيون، وهم أبعد الناس في تسلسل الفكر الاعتقادي لدى البشر عن الإسلام، يُصبحون مُسارعين إلى الإيمان، فكيف بالآخرين من ذوي الأديان السماوية وغيرهم، ممَّن هم أقرب في تسلسل الفكر الاعتقادي إلى الإسلام، نتيجةً لاعتقادهم بالخالق الحكيم وإنكارهم للمادِّية المـُطلقة، وسنذكر في الباب التالي من هذا الكتاب، الفرص الكبرى التي تنفتح لأهل الكتاب من اليهود والنصارى للدخول في دين الله أفواجاً.

وأودُّ في هذا الصدد، أن يُفرِّق القارئ، بين سيطرة الإمام المهدي (ع) على العالم، وبين دخول الناس في عقيدته، فإنَّ هذه التمحيصات إنَّما تؤثِّر في زيادة الإيمان ونقصه، بعد استتباب الدولة العالمية، ولا ربط لها بتأسيس هذه الدولة.

٥٣٠

الفصل السادس

أُسلوب الإمام المهدي (ع) في تربية الأُمَّة

تمهيد:

ينبغي في هذا الفصل أن نأخذ بنظر الاعتبار نقطتين رئيسيتين:

النقطة الأُولى: إنَّ بحثنا عن أُسلوب الإمام (ع) في تربية الأُمَّة، سوف يكون بحثاً إجمالياً بعد تعذُّر الاطِّلاع على التفصيل؛ لأنَّ ذلك يقتضي الاطِّلاع الكامل على عُمق الوعي الذي ينشره الإمام (ع) في ربوع البشرية، ليمكننا أن نرى أصحَّ الطرق وأسهل الأساليب التي يتَّخذها (ع) في هذا الصدد، فيبقى تفصيل ذلك مؤجَّلاً إلى عصر الظهور.

ومن هنا؛ سوف نقتصر بالضرورة، على ما تُدركه أذهاننا من عناوين عامة، وأساليب مفهومة، مطابقة للقواعد العامة المـُبرهنة الصحَّة في الإسلام.

النقطة الثانية: إنَّ هذا البحث، بالرغم من إجماله، سوف لن يعدم المصادر للاطِّلاع على بعض الخصائص من هذه الناحية، تلك المصادر التي اتبعناها في كل هذا التاريخ، وهي القواعد العامة في الإسلام والأخبار الواردة بالخصوص، ممَّا يمكن أن يُلقي ضوءاً على محلِّ الكلام، وسنرى هنا أنَّ في هذين المصدرين غناء وعطاء سخياً.

وسنتحدَّث في هذا الفصل عن جهتين:

إحداهما: في الأساليب العامة المـُتَّخذة لتربية الأُمَّة في عهد الظهور.

والأخرى: في نتائج هذه التربية، أو ما يمكن أن يصل إليه المستوى الثقافي والإيماني للأُمَّة الإسلامية، نتيجةً للتربية المهدوية.

الجهة الأُولى: في الأساليب العامة المـُتَّخذة لتربية الأُمَّة في عصر الظهور، ويكون في الإمكان أن نُدرك تلك الأساليب، لو استطعنا أن نحمل فكرةً واضحةً عن

٥٣١

دواعي الانحراف وموجباته في المجتمع المـُنحرف فيما قبل الظهور.

وتتلخَّص تلك الدواعي - بشكل عام - فيما يلي:

أولاً: التثقيف المـُنحرف الموجَّه من قِبَل الدولة للأجيال الصاعدة، في المدارس والمعاهد ووسائل الإعلام بشكل عام.

ثانياً: الضغط الموجَّه من قِبَل الدولة، لإطاعة وتطبيق القوانين الوضعية المـُخالفة للعدل الإسلامي.

ثالثاً: الحاجة المالية عموماً، والتنافس المالي خاصة، الذي يدعو الفرد إلى ارتكاب كل الأساليب في الحصول على المال، سواء في الصناعة أم التجارة أم خدمة الدولة أم غيرها.

رابعاً: التنافس الاجتماعي في توسيع السكن، وتجميل الثياب، وتحسين وجبات الطعام، والحصول على الآلات الحديثة المـُوفِّرة للراحة، والرافعة من شأن صاحبها نتيجةً لهذا التنافس.

خامساً: الإغراء الجنسي، على مُختلف مستوياته وأشكاله.

وتتداخل هذه الأسباب وتتشعَّب، فيشعر الفرد المعاصر - بكل وضوح - بأنَّ السير في اتجاهها هو الأصلح له، والذي يوفِّر له قسطاً من الراحة والهناء؛ ومن هنا يندفع تلقائياً إلى التكيف طبقاً لمـُتطلَّباتها، فيُعطيها من جانبه المعنوي والخلقي ومن راحته وهناءة نفسه الشيء الكثير.

ومن هذا المنطلق يحدث التغيير، إذ يشعر الفرد بالراحة والهناء، بدون وجود أسباب الانحراف ليتوفَّر له فرصة الهداية والسير نحو العدل والحق.

ومن هنا نستطيع أن نتبيَّن - بوضوح - الأسلوب الرئيسي الجديد لتربية الأُمَّة، ضمن النقاط التالية، كل واحدة بإزاء أحد الدواعي السابقة.

النقطة الأُولى: إنَّ التثقيف الخاص والعام، يُصبح موجَّهاً نحو طاعة الله وعبادته، في كل حقولها ومستوياتها، والخلق الرفيع، وذلك عن طريق كل ألسنة المهدوية... ابتداءً بالتوجيهات العُلْيا الصادرة من الإمام (ع) نفسه، وانتهاءً بأجهزة الإعلام، كالإذاعة والتلفزيون والصُّحف، وكذلك المناهج التربوية في المدارس والمعاهد العلمية في كل العالم.

٥٣٢

النقطة الثانية: إنَّ الضغط بدل أن يكون موجَّهاً نحو تطبيق القانون المـُنحرف، سيكون موجَّهاً ضدَّه، وسيستأصل كل مُنحرف وفاشل في التمحيص الإلهي، كما رأينا وسمعنا، وبذلك تنقطع الأرضية العامَّة لنموِّ الفساد انقطاعاً كاملاً، ويُطبَّق القانون العادل الكامل تطبيقاً كاملاً.

النقطة الثالثة: إنَّ التنافس سوف يكون موجَّهاً ومركَّزاً نحو الخير والصلاح، طبقاً للمفاهيم والقوانين العامة، التي تُصبح سائدة في ذلك العصر.

النقطة الرابعة: إنَّ الحاجة المالية، وهي من أعظم أُسس الجريمة في العالم اليوم، سوف ترتفع تماماً بعد الذي سنسمعه في الفصل الآتي، من توفير المهدي للمال وفرةً كبيرة جدَّاً، يرتفع فيه الدخل لكل أحد، ارتفاعاً كبيراً، وتتوفَّر فرصة العمل لكل الأفراد توفُّراً حقيقياً بشكل متساوي، على ما سنسمع أيضاً.

النقطة الخامسة: إنَّ الإغراء الجنسي المـُنحرف ينعدم بالمرَّة، بعد تطبيق الأحكام الإسلامية في تنظيم العلاقة بين الجنسين؛ إذ بعد بناء النفوس والأفكار بناءً صالحاً عن طريق التثقيف العام والخاص، سوف تتمثَّل هذه العلاقة على أرفع صورها وأعدل أشكالها.

ومع اجتماع هذه النقاط، سوف يصدر الفرد عن قناعة وإخلاص، إلى ضرورة إقامته للخير والسلوك العادل، ومواكبة الأطروحة العادلة الكاملة، التي يدعو إليها المهدي (ع) ويُطبِّقها.

وسيشعر الفرد بوضوح: أنَّ السلوك الشرِّير على خلاف مصلحته الخاصة والعامة، على طول الخطِّ وفضلاً عن كونه خروجاً عن الخط العبادي لله عز وجل، ومستوجباً للعقاب في الدنيا والآخرة.

فهذا موجز عن الظروف التي توفِّرها دولة الإمام المهدي (ع) للصلاح والإيمان، وبالتالي: العدل... بغضِّ النظر عن تفاصيل المفاهيم التي يُعلنها في المجتمع... تلك المفاهيم والظروف التي تؤدِّي إلى النتائج الكبرى التي نُحاول أن نحمل عنها صورة واضحة في الجهة الآتية.

الجهة الثانية: في نتائج التربية الإسلامية في دولة المهدي (ع)، وما يمكن لأن يصل إليه المستوى الثقافي والإيماني في المجتمع، بشكل عام.

ونحن تارةً نُحاول أن نتناول ذلك من زاوية القواعد العامة التي عرفناها، أعني من

٥٣٣

حيث الارتباط بالتخطيط الإلهي العام لهداية البشرية، وأخرى من حيث الاعتماد على الأخبار الواردة بهذا الصدد، ممَّا يمكن جعله منطلقاً إلى معرفة خصائص المستوى الثقافي والإيماني للناس، فيما بعد الظهور.

وأمَّا إذا نظرنا من زاوية التخطيط الإلهي العام، فمن مُكرَّر القول أن نؤكِّد على أنَّ النتيجة الأُولى التي تحدث باستتباب الحكم للمهدي (ع) في العالم، هو تطبيق ما سمَّيناه بـ ( الأُطروحة العادلة الكاملة ) من الناحية القانونية، وأنَّ النتيجة الكبرى والنهائية التي تحدث نتيجةً للخطِّ التربوي الطويل الذي يتَّخذه الإمام المهدي (ع) في دولته، هو الهدف الإلهي نفسه من خلق البشرية، ذلك الهدف الذي أعرب عنه قوله تعالى:( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ ) (1) ، وهو وجود المجتمع العادل في أفراده و( المعصوم ) في رأيه العام... بل المجتمع المعصوم في أفراده أيضاً في نهاية المطاف، وسيأتي البرهان الكامل عليه في الكتاب الآتي من هذه الموسوعة.

وأمَّا إذا نظرنا من زاوية الأخبار الواردة في هذا الصدد، فنجد أمثلة مُتفرِّقة تُعطينا صوراً كافية عن السلوك الصالح والمستوى الثقافي والإيماني، الذي يصله الأفراد بعد استتباب دولة المهدي (ع).

فمن ناحية الأخَّوة في الهدف المـُشترك، والتصافي بين أفراد المجتمع، نسمع الأخبار التالية:

فمن ذلك: ما أخرجه السيوطي في الحاوي(2) ، عن نعيم بن حمَّاد، وأبو نعيم من طريق مكحول عن علي قال: ( يا رسول الله، أمِنَّا آل محمد المهدي أم من غيرنا؟ ).

فقال: ( لا، بل منَّا، يختم الله به الدين كما فُتح بنا، وبنا يؤلِّف الله قلوبهم بعد عداوة الفتنة، إخواناً في دينهم ).

أقول: وهذا حديث مشهور أوردته الكثير من مصادر الفريقين.

وأخرج مسلم(3) ، عن أبي هريرة في حديث عن النبي (ص) أنَّه قال: ( لتذهبنَّ الشحناء والتباغض ).

____________________

(1) الذاريات: 56.

(2) ج2 ص129.

(3) ج1 ص94.

٥٣٤

وأخرج النعماني(1) ، بسنده عن عميرة بنت نفيل، قالت:

سمعت الحسن ( الحسين ) بن علي (ع) يقول: ( لا يكون الأمر الذي تنظرون، حتى يبرأ بعضكم من بعض، ويتفل بعضكم في وجوه بعض، فيشهد بعضكم على بعض بالكفر، ويلعن بعضكم بعضاً! ).

فقلت له: ما في ذلك الزمان من خير!

فقال الحسين (ع): ( الخير كله في ذلك الزمان، يقوم قائمنا ويدفع ذلك كله ).

وأخرج المجلسي(2) في البحار، بإسناده عن بريد العجلي، قال: قيل لأبي جعفر (ع): إنَّ أصحابنا في الكوفة جماعة كثيرة، فلو أمرتهم أطاعوك واتَّبعوك.

فقال: ( يجيء أحدهم إلى كيس أخيه فيأخذ منه حاجته؟! ).

فقال: لا.

فقال: ( هم بدمائهم أبخل!... ).

ثمَّ قال: ( إنَّ الناس في هُدنة، نُناكحهم ونوارثهم ونُقيم عليهم الحدود ونؤدِّي أماناتهم، حتى إذا قام القائم جاءت المـُزايلة، ويأتي الرجل إلى كيس أخيه فيأخذ حاجته ولا يمنعه ).

أقول: المـُزايلة هي المـُفارقة والمـُباينة بين أهل الحق وأهل الباطل، والكيس المراد به محلُّ حفظ النقود.

وهذه الصورة كافية لأن نستشفَّ من خلالها حياة الأخوَّة التي يبذرها الإمام القائد في مجتمعه العادل، لو أخذنا بنظر الاعتبار أنَّها أخبار قيلت طبقاً لفَهْم المجتمع الذي صدرت فيه.

فحسبنا أن نتصوَّر الأُخوَّة التي استطاع رسول الله (ص) أن يبذرها في صحابته، تلك الأُخوَّة الخالصة المبنيَّة على العقيدة والهدف المشترك، لكي نتصوَّر أنَّ الإمام المهدي (ع) يُقيم مجتمعه على نفس المستوى الذي أقام النبي (ص) مجتمعه عليه، طبقاً لما سمعناه عن رسول الله (ص) في الخبر: ( وبنا يُصبحون بعد عداوة الفتنة إخواناً، كما أصبحوا بعد عداوة الشرك إخواناً في دينهم ).

ولا يخفانا لُطْف المـُقايسة في هذا الخبر، بين عصر الجاهلية وما استتبعه من (عداوة الشرك )،

____________________

(1) ص109.

(2) ج13 ص195 - 196.

٥٣٥

وعصر الغيبة وما يستتبعه من (عداوة الفتنة) إلى جانب المقايسة بين عصر النبي كرافع لعداوة الشرك، وعصر المهدي (ع) كمزيل لعداوة الفتنة، وما حدث ويحدث في هذين العصرين من أُخوَّة ووفاق.

كما أنَّ حسبنا أن نتصوَّر مستوى الأُخوَّة العظيم، المـُقترن بالمفهوم الصحيح، وهو أنَّ لأخيك في الإيمان حقَّاً في مالك متى احتاج إليه، يُصبح أيُّ فرد مسروراً إذا امتدَّت يد أخيه المحتاج إلى كيسه أو محفظته ليأخذ مقدار حاجته، تلك الأُخوَّة التي يمكن بها فتح العالم، وتأسيس دولة العدل العالمية، ولئن كانت هذه الأُخوَّة في أول عهد الظهور محصورة بين الخاصة المـُمحَّصين، فستكون بعد قليل هي الصفة الشائعة المسلَّمة، الموجودة في كل مسلم، نتيجةً لتربية المهدي (ع) وجهوده.

وأمَّا من ناحية المستوى الثقافي للأُمَّة، فتُعطينا الصور التالية:

أخرج الصدوق في إكمال الدين(1) ، بسنده عن أبي جعفر (ع) قال: ( إذا قام قائمنا (ع) وضع يده على رؤوس العباد، فجمع بها عقولهم، وكمُلت بها أحلامهم ).

وفي رواية الكافي(2) : ( وضع الله يده... ) الخ.

وأخرج النعماني(3) ، بسنده عن حبَّة العوني، قال: قال أمير المؤمنين (ع): ( كأنِّي أنظر إلى شيعتنا بمسجد الكوفة، قد ضربوا الفساطيط يُعلِّمون الناس القرآن كما أُنزل ).

وفي خبر آخر، عن أبي عبد الله (ع) أنَّه قال: ( كأنِّي بشيعة عليٍّ في أيديهم المثاني، يُعلِّمون الناس المثال المـُستأنف ).

وفي حديث آخر(4) ، عن حمران بن أعين، عن أبي جعفر (ع)، أنَّه تحدث عن المهدي (ع) فقال - فيما قال -: ( وتؤتون الحكمة في زمانه؛ حتى إنَّ المرأة لتقضي في بيتها بكتاب الله وسنَّة رسول الله (ص) ).

____________________

(1) انظر كمال الدين المخطوط.

(2) انظر: مُنتخب الأثر ص483.

(3) ص171، وكذلك الخبر الذي بعده.

(4) ص126.

٥٣٦

إلى غير ذلك من الأخبار، وسيأتي في الفصل الآتي ما ينفع في هذا الصدد:

والأحلام جمع حِلم بكسر فسكون، وهو الأناة والرُّشد والعقل. قال تعالى:( أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ بِهَذَا... ) (1) ، أي عقولهم، وقد يُقابل به الجهل والسفاهة. قال زهير: وأنَّ سفاه الشيخ لا حِلم بعده.

وقوله: ( وضع يده على رؤوسهم )، قال المجلسي في مرآة العقول(2) : الضمير في قوله: ( يده )، إمَّا راجع إلى الله أو إلى القائم (ع)، وعلى التقديرين: كنايةً عن الرحمة والشفقة، أو القدرة والاستيلاء، وعلى الأخير يحتمل الحقيقة.

أقول: ليس المراد به شيء من ذلك... وإنَّما المراد الكناية عن تربية القائم (ع) للأُمَّة الإسلامية، وإنَّما عبَّر بالرؤوس باعتبار كونها وعاءً العقل والفكر باعتقاد الناس.

ووضع اليد عليها كناية عن السيطرة عليها بالإقناع والتربية، لا يختلف الحال في ذلك سواء كان الفاعل المـُربِّي هو الله تعالى أم المهدي (ع)، فإنَّ شريعة المهدي (ع) هي شريعة الله تعالى، وتربيته هي تربية الله عزَّ وعلا، فكلاهما المـُربِّي في حقيقة الأمر.

ومن هنا تُنتِج التربية نتيجتها الطبيعية المطلوبة، وهي اجتماع العقول، وتكامل الأحلام.

والمراد من اجتماع العقول، الجانب العلمي أو الثقافي من حياة الإنسان.

والمراد من اجتماعها تسالمها على مفهوم عقائدي واحد، وعلى أُطروحة تشريعية واحدة، بحيث يكون من الصعب أن نتصوَّر وقوع الخلاف بين شخصين مُندمجين في الإيديولوجية العامة لدولة المهدي العالمية، وخاصة إذا أصبحت الأُمَّة والبشرية بدرجة من الكمال، بحيث يُصبح الرأي فيها (معصوماً)، ويكون تحصُّل الاجتماع والاتِّفاق على الأمور سهلاً إلى حدٍّ كبير.

والمراد من تكامل الأحلام: ارتفاع مستوى الأناة والرُّشد، وهو الجانب العاطفي والنفسي للإنسان، ذلك الجانب الذي يُمثِّل بأول درجاته مستوى ( العدالة ) الفردية في الإسلام، ويُمثِّل في درجاته العُلْيا ( مستوى العصمة ) التي سوف يصل إليها المجتمع بعد فترة من الزمن.

____________________

(1) الطور: 32.

(2) انظر هامش مُنتخب الأثر ص 483 نقلاً عن مرآة العقول.

٥٣٧

وهذه النتيجة بجانبها العلمي والعاطفي، هي التي تُمثِّل الوعي العالي، الذي يوجِده المهدي (ع) في دولته ومجتمعه. وذلك الوعي الذي قلنا: إنَّه لا يمكن أن يُدرِك الفرد كُنهه إلاَّ المـُفكِّر المـُعاصر لعهد الظهور، وإنَّما نُدركه الآن بعناوينه العامة ليس غير.

ومن هنا؛ يتَّضح أنَّ وضع اليد على رؤوس العباد، لا يُراد به المعنى الحقيقي، ولا الرحمة ولا الاستيلاء بمعنى المـُلك والسلطة، فإنَّ كل ذلك بمُجرَّده لا يُنتِج تكامل الأحلام ولا اجتماع العقول، كما هو واضح، وإنَّما الذي يُنتِج ذلك هو التربية والإعلاء للعقول والأفكار والعواطف.

والمراد بالقرآن كما أُنزل، ذلك الذي يعلمه أصحاب المهدي للناس، كما نطق به الخبر... المراد به المعاني الواقعية للقرآن، بعد وضوح عدم اختلاف القرآن عن عهد رسول الله (ص) لفظياً.

ومن الطبيعي أن يُعرض القرآن يومئذ كما أُنزل؛ لما سمعناه في الأخبار العديدة: بانَّ المهدي يأتي بالإسلام جديداً، كما جاء به رسول الله (ص)، فكانت وظيفة النبي (ص) هو التنزيل، ووظيفة المهدي (ع) هي التأويل، أي التطبيق، وإنَّ أهمَّ فقرات التطبيق وخُططه تفهيم الناس المقاصد الواقعية للقرآن الكريم، وتثقيفهم الثقافة العالية عن هذا الطريق... عن طريق الإمام المهدي (ع) وعن طريق أصحابه ثانياً.

والمثاني التي هي بيد أصحاب المهدي (ع) - كما نطق الخبر - هي الواردة في قوله تعالى:( وَلَقَدْ آَتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآَنَ الْعَظِيمَ ) ، وقد فُسرِّت في اللغة بآيات القرآن الكريم، وهو لا يكاد يكون صحيحاً؛ فإنَّ الآيات لا تنحصر بسبعة، إلاَّ أن يُراد بها سورة الحمد خاصة، وهو تفسير وردت به بعض الأخبار، إلاَّ أنَّها لن تثبت، وهو - أيضاً - خلاف ظاهر الآية الكريمة.

والأوفق بالقواعد اللغوية والإسلامية معاً، هو هذا الاحتمال الذي نعرضه كأُطروحة مُحتملة في تفسيرها، فإنَّ المثاني في اللغة هو ما بعد الأول من الأشياء؛ ومعه يكون الأول هو القرآن الكريم الذي عطفته الآية على المثاني، وتكون المثاني مستويات سبعة مُتأخِّرة في الرتبة عن القرآن الكريم من قواعد الإسلام العامة، والأنسب عندئذ، هو أن يكون كل واحد من هذه الأمور السبعة يلي القرآن مباشرة في الأهمِّيَّة، بحيث يُعتبَر كل واحد منها ثاني القرآن، ليكون الجمع بالمثاني أقرب وأوضح.

وأمَّا أنَّ هذه القواعد بالتعيين ما هي، فيمكننا أن نعرف قليلاً منها: كالسنَّة والعقل

٥٣٨

والسيرة العقلائية... والمظنون أنَّ عدداً منها غير معروف أساساً... فإنَّ المثاني إنَّما أوتيت إلى النبي (ص)( وَلَقَدْ آَتَيْنَاكَ... ) ، ومن المظنون أنَّ بعضها بلَّغه النبي (ص) إلى الناس، وبعضه بقي مذخوراً إلى اليوم الموعود.

وسواء عرفناها أم لم نعرفه، فاليوم الموعود، هو وقت إعلانها جميعاً، فأصحاب الإمام المهدي (ع) سيُصبحون - باعتبار تعاليمه وهداه - عارفين بكل المثاني السبع، يُطبِّقون مُتطلَّباتها، ويُفهمون الناس موجباتها وآثارها، في حدود ما تقتضيه مصالح التكامل البشري يومئذ.

والخبر الذي يُعرب عن ذلك، لا يدلُّ على أنَّ أصحاب الإمام (ع) يُعلِّمون الناس المثاني نفسها، وإنَّما قال: ( بأيديهم المثاني يُعلِّمون الناس المثال المـُستأنف )، فهم يأخذون المثاني بنظر الاعتبار، من أجل إشاعة الثقافة العُلْيا بين الناس.

والمثال المـُستأنف، هو هذه الثقافة، وهي الإيديولوجية الكبرى التي يُبشِّر بها المهدي في دولته، نعرف ذلك من خبر آخر أخرجه النعماني، بسنده عن جعفر بن محمد (ع) أنَّه قال: ( كيف أنتم لو ضرب أصحاب القائم الفساطيط في مسجد كوفان، ثمَّ يخرج إليهم المثال المستأنف؟! ).

وإنَّما سُمِّيت هذه الثقافة بالمثال المـُستأنف باعتبار أمرين:

أحدهما: كونها مثالية ( أعلى من الواقع المـُعاصر بكل مستوياته )، بالنسبة إلى عصر صدور هذه الأخبار، بالنسبة إلى عصر ما قبل الظهور عموماً.

ثانيهما: باعتبار كونها جديدة على الأذهان، غير معهودة لدى أغلب الناس، بل جميعهم في عصر ما قبل الظهور، فباعتبار الأمر الأول كانت ( مثالاً )، وباعتبار الأمر الثاني كانت أمراً مُستأنفاً.

المثال المـُستأنف يُخرجه المهدي (ع) إلى العالم بشكل رئيسي، فيتلقَّاه أصحابه عنه بشكل كامل ودقيق، فيُعطونه إلى العالم ويُبلِّغونه إلى البشر؛ توصُّلاً إلى الهدف الإلهي الرئيسي في إيجاد المجتمع الكامل ذو العبادة الإلهية الكاملة... طبقاً لقوله تعالى:( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ ) .

هذا، وقد اشتملت بعض هذه الأخبار على التصريح بأنَّ شيعة علي (ع) هم الذين يقومون بهذه المـُهمَّة الكبرى، وهو دالٌّ - بوضوح - على أنَّ أصحاب المهدي (ع) على مثل هذا المذهب، وقد سبق أن بسطنا الكلام في ذلك عند الحديث عن المذهب الإسلامي

٥٣٩

للمهدي (ع)، والمـُهمُّ الآن أنَّهم أصحاب الإمام المهدي (ع) نفسه.

والحديث الأخير الذي سمعناه يتحدَّث عن المرأة، وعن المستوى الثقافي العالي الذي تبلغه في عصر الظهور، تلك المرأة عانت من المجتمع المـُنحرف ظروفاً من الجهل والكبت والظلم، أمَّا في الدولة العالمية، فهي تنطق بالحكمة، وهي: المفاهيم المهدوية العُلْيا، وتقضي بكتاب الله وسنَّة رسوله، وتقوم بقيادة جانب مُهمٍّ من المجتمع على أحسن وجه، وإذا كانت كذلك، فما أحسن تعاملها مع زوجها! وما أفضل تربيتها لأولادها!

وهي في قيادتها تُطبِّق عملها على آداب اللياقة الإسلامية، وهو الحجاب والجانب الأخلاقي في العلاقة بين الجنسين، كما يقتضيه العدل الكامل، ذلك الجانب الذي قلنا في بعض بحوثنا: إنَّه لا يمنع من أيِّ عمل أو تجارة أو قيادة.

٥٤٠